منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 348
ثمّ قال عليه السّلام:
أيّها النّاس إنّي قد بثثت لكم المواعظ الّتي وعظ بها الأنبياء أممهم، و أدّيت إليكم ما أدّت الأوصياء إلى من بعدهم، و أدّبتكم بسوطي فلم تستقيموا، و حدوتكم بالزّواجر فلم تستوسقوا، للّه أنتم أ تتوّقعون إماما غيري يطأ بكم الطّريق، و يرشدكم السّبيل، ألا إنّه قد أدبر من الدّنيا ما كان مقبلا، و أقبل منها ما كان مدبرا، و أزمع التّرحال عباد اللّه الأخيار، و باعوا قليلا من الدّنيا لا يبقى، بكثير من الاخرة لا يفنى. ما ضرّ إخواننا الّذين سفكت دمائهم و هم بصفّين ألّا يكونوا اليوم أحياء، يسيغون الغصص، و يشربون الرّنق، قد و اللّه لقوا اللّه فوفّاهم أجورهم، و أحلّهم دار الأمن بعد خوفهم.
اللغه:
و (الحدا) سوق الابل و الغنا لها و (الترحال) مبالغة في الرحلة و (الغصص) جمع الغصّة و هى ما يعترض في الحلق و (الرنق) بالفتح و التحريك الكدر من الماء، و في بعض النسخ بالكسر و لا بأس به قال في القاموس: رنق الماء كفرح و نصر رنقا و رنقا و رنوقا كدر فهو رنق كعدل و كتف و جبل.
الاعراب:
و قوله: للّه أنتم، قد مضى تحقيق الكلام فيه في شرح المختار المأة و التاسع و السبعين، استفهام انكارى و ما في قوله ما ضرّ إخواننا، نافية و يحتمل الاستفهام على سبيل الانكار، و اخواننا بالنصب مفعول ضرّ و فاعله ألّا يكونوا و جملة يسيغون في محلّ النّصب صفة للاحياء.
المعنى:
(ثمّ) أخذ عليه السّلام في نصح المخاطبين و موعظتهم و تذكيرهم و توبيخهم و (قال عليه السّلام أيّها النّاس إنّي قد بثثت) أى نشرت و فرّقت (لكم المواعظ الّتي وعظ بها الأنبياء أممهم) و هي المواعظ الجاذبة لهم إلى اللّه و معرفته و طاعته و القائدة إلى النهج القويم و الصّراط المستقيم (و أدّيت إليكم ما أدّت الأوصياء إلى من بعدهم) من الأسرار الالهيّة و التكاليف الشرعيّة.
قال الشارح المعتزلي: و الأوصياء الذين يأتمنهم الأنبياء على الأسرار الالهيّة و قد يمكن أن لا يكونوا خلفاء بمعنى الامارة و الولاية، فانّ مرتبتهم أعلى من مراتب الخلفاء، انتهى.
أقول: غرض الشارح من هذا الكلام اصلاح مذهبه الفاسد، فانّ كلامه عليه السّلام لما كان ظاهرا في وصايته المساوقة للخلافة و الولاية كما هو مذهب الشيعة الاماميّة أراد الشارح صرفه عن ظاهره و أوّله بما يوافق مذهب الاعتزال.
و محصّل تأويله أنّ الوصاية عبارة عن الائتمان على الأسرار الالهيّة و هو غير ملازم للخلافة و الولاية، فلا يكون في الكلام دلالة على خلافته عليه السّلام و كونه أولى بالتصرّف، و انما يدلّ على كونه وصيّا مؤتمنا على الأسرار فقط.
و فيه أوّلا أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا ائتمن الوصيّ على الأسرار و الأحكام و علّمه إيّاها، فإمّا أن يكون غرضه من ذلك أداء وصيّة تلك الأسرار و الأحكام إلى أمّته و إبلاغها اليهم.
أو يكون غرضه منه كونه فقط عالما بها و مكلّفا في نفسه على العمل بتلك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 358
الأحكام و القيام بوظايف هذه الأسرار من دون أن يكون مأذونا في الأداء إليهم.
و ظاهر كلامه عليه السّلام بل صريحه كون وصايته على الوجه الأوّل و إلّا لما جاز أن يؤدّى ما أوصى به إلى المكلّفين فحيث أدّاه إليهم علم منه كونه مأذونا في الأداء و مكلّفا به، و حيث كان مكلّفا به وجب عليهم اطاعته و إلّا لكان الأداء عبثا، و لا ريب أنّ الوصيّ بهذا المعنى أى المؤتمن على الأسرار و الأحكام و المكلّف على أدائها إلى الأمة و الواجب على الامة قبول قوله و طاعته ملازم بل مرادف للخليفة و الأمير و الوليّ.
نعم الوصاية على الوجه الثاني غير ملازم للخلافة و الولاية إلّا أنّه غير مراد في كلامه عليه السّلام قطعا لما ذكرنا.
و ثانيا أنّ ما ذكره من أنّ الوصيّ أعلى مرتبة من الخليفة أى الأمير و الوليّ فغير مفهوم المراد.
لأنه إن أراد بالخلافة و الأمارة و الولاية المعنى الّذي يقول به الشيعة و يصفون أئمّتهم به أعنى النيابة عن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و السلطنة الالهيّة و الأولوية بالتصرّف فلا نسلّم أنّ الوصاية و هي الائتمان بالاسرار أعلى رتبة منها بل الأمر بالعكس، لأنّ الوصاية بالمعنى المذكور من شئونات الولاية المطلقة، و الأولياء مضافا إلى كونهم مؤتمنين على الأسرار أولو الأمر و النّهى و أولى بالتصرّف في أموال المؤمنين و أنفسهم.
و إن أراد بها المعنى اللّغوي أعنى الامارة على السرايا مثلا و الولاية أى كونه واليا على قوم أو بلد و نحوه فكون رتبة الوصاية أعلى من ذلك مسلّم و غني عن البيان لأنّ الاطلاع و الائتمان على الأسرار الالهيّة لا نسبة لهما قطعا إلى أمّارة جيش و ولاية قوم إلّا أنّ الاماميّة حيث يطلقون هذه الألفاظ في مقام وصف الأئمة عليهم السّلام لا يريدون بها تلك المعاني قطعا، فلا داعى إلى ما تكلّفه الشارح و لا حاجة إليه فافهم جيّدا، هذا.
و قد مضى في شرح الفصل الخامس من المختار الثاني عند شرح قوله عليه السّلام: و لهم خصايص حقّ الولاية و فيهم الوصيّة و الوراثة، ما له مزيد نفع في هذا المقام فليراجع ثمّة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 359
كنايه و قوله (و أدّبتكم بسوطي) الظاهر أنّه كناية عن تأديبه لهم بالأقوال الغير اللينة (فلم تستقيموا) على نهج الحقّ (و حدوتكم بالزّواجر) أى بالنواهى و الابعادات (فلم تستوسقوا) أى لم تجتمعوا على التمكين و الطاعة (للّه أنتم) أى تعجّبا منكم استفهام تقريرى- استفهام انكارى و توبيخى (أ تتوقّعون إماما غيري) استفهام على سبيل التقرير لغرض التقريع أو على سبيل الانكار و التوبيخ.
فان قلت: إنّ الاستفهام الّذي هو للانكار التوبيخي يقتضي أن يكون ما بعده واقعا مع أنهم لم يكونوا متوقّعين لامام غيره إذ قد علموا أنه لا إمام وراه.
قلت: نعم انهم كانوا عالمين بذلك إلّا أنهم لما لم يقوموا بمقتضى علمهم و لم يمحضوا الطاعة له عليه السّلام نزّلهم منزلة الجاهل المتوقّع لامام آخر، فأنكر ذلك عليهم و لامهم عليه.
و قوله عليه السّلام (يطا بكم الطريق) أى يذهب بكم في طريق النجاة (و يرشدكم السبيل) أى يهديكم إلى مستقيم الصّراط (ألا إنّه قد أدبر من الدّنيا ما كان مقبلا) و هو الصّلاح و الرشاد الذي كان في أيام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو في أيّام خلافته عليه السّلام فيكون إشارة إلى قرب ارتحاله من دار الفناء (و أقبل منها ما كان مدبرا) و هو الضلال و الفساد الّذي حصل باستيلاء معاوية على البلاد (و أزمع الترحال) أى عزم على الرحلة إلى دار القرار (عباد اللّه الأخيار و باعوا) أى استبدلوا (قليلا من الدّنيا لا يبقى بكثير من الاخرة لا يفنى).
لا يخفى ما في هذه العبارة من اللّطافة و حسن التعبير في التنفير عن الدّنيا و الترغيب إلى الأخرى، حيث وصف الاولى مع قلّتها بالفناء، و وصف الثانية مع كثرتها بالبقاء و معلوم أنّ العقلاء لا يرضون الأولى بالثانية بدلا.
و أكّد هذا المعنى بقوله (ما ضرّ إخواننا) المؤمنين (الّذين سفكت دماؤهم بصفّين ألّا يكونوا اليوم أحياء) مثل حياتنا (يسيغون الغصص) و يتجرّعون الهموم من توارد الالام (و يشربون الرنق) أى الكدر من كثرة مشاهدة المنكرات.
و لما نفى تضرّرهم بعدم الحياة نبّه على ما حصل لهم من عظيم المنفعة بالممات فقال و ل (قد و اللّه لقوا اللّه فوفّاهم اجورهم) بغير حساب (و أحلّهم في دار الأمن) مفتّحة لهم الأبواب (بعد خوفهم) من سوء المال و فتن أهل الضلال.
الترجمة:
پس فرمود آن حضرت: اى مردمان بدرستى كه من منتشر كردم از براى شما موعظه هائى كه موعظه فرمودند با آنها پيغمبران امتهاى خودشان را، و رساندم بسوى شما چيزى را كه رساند وصيهاى پيغمبران بكسانى كه بودند بعد از ايشان، و ادب دادم بشما با تازيانه خودم پس مستقيم نشديد، و راندم شما را بدلائل مانعه از راه ناصواب پس منتظم نگشتيد، تعجّب ميكنم از شما آيا توقع مى كنيد امامى را غير از من كه ببرد شما را بجادّه حق، و ارشاد نمايد شما را براه راست.
آگاه باشيد بدرستى كه ادبار كرده است از دنيا چيزى كه اقبال نموده بود، و اقبال كرده است از آن چيزى كه ادبار كرده بود، و عزم برحلت كردند بندگان پسنديده خدا و عوض كردند قليل از دنيا را كه باقى نخواهد ماند بكثير از آخرت كه فانى نخواهد شد، ضرر نرساند برادران ما را كه ريخته شد خونهاى ايشان در جنگ صفين اين كه نشدند امروز زنده كه گوارا كنند غصه ها را و بياشامند آب كدورت آميز اندوه را بتحقيق قسم بذات حق كه ملاقات كردند پروردگار را پس بتمام و كمال رسانيد بايشان اجرهاى ايشان را، و فرود آورد ايشان را در سراى امن و امان بعد از خوف و هراس ايشان.
افزودن دیدگاه جدید