منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 146
أ و ليس لكم في آثار الأوّلين مزدجر، و في آبائكم الماضين تبصرة و معتبر إن كنتم تعقلون، أ و لم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، و إلى الخلف الباقين لا يبقون، أ و لستم ترون أهل الدّنيا يمسون و يصبحون على أحوال شتّى: فميّت يبكى، و آخر يعزّى و صريع مبتلى و عايد يعود، و آخر بنفسه يجود، و طالب للدّنيا و الموت يطلبه، و غافل و ليس بمغفول عنه، و على أثر الماضي ما يمضي الباقي.
اللغة:
و (الصّريع) من الأغصان ما تهدّل و سقط إلى الأرض و منه قيل للقتيل صريع، و في بعض النّسخ ضريع بالضاد المعجمة من ضرع ضرعا وزان شرف ضعف، و أضرعته الحمى أوهنته.
الاعراب:
استفهام انكارى- استفهام تقريرى و الهمزة في قوله عليه السّلام أ و ليس لكم استفهام على سبيل الانكار الابطالى و يحتمل جعلها تقريرا بما بعد النفى كما ذهب إليه الزمخشرى في قوله: «أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
و مثلها الهمزة في قوله أ و لستم ترون آه ، و ما في قوله عليه السّلام ما يمضى الباقي مصدرية أو زايدة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 151
المعنى:
(أ و ليس لكم في آثار الأوّلين) من الاخوان و الأقران و الا لّاف و الأسلاف (مزدجر و في آبائكم الماضين) الأقربين منهم و الأبعدين (تبصرة و معتبر إن كنتم تعقلون) بلى في النظر إلى ادنى ما جرى عليهم تبصرة و اعتبار، و الفكر في أهون ما لا قوة تذكرة و انزجار عدالى ذكر المنقول إلى الثرى و المدفوع إلى هول ما ترى
هوى مصرعا في لحده و توزّعت مواريثه أرحامه و الأواصر
و أنحوا على أمواله بخصومة فما حامد منهم عليها و شاكر
فيا عامر الدّنيا و يا ساعيا لها و يا آمنا من أن تدور الدّوائر
كيف أمنت هذه الحالة و أنت صائر إليها لا محالة (أو لم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون) فما لهم يذهبون و لا يعودون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا (و إلى الخلق الباقين لا يبقون) بل يمضون ارسالا و يحتذون مثالا قال قسّ ابن ساعدة الأيادى:
في الأولين الذاهبين من القرون لنا بصائر و رأيت قومي نحوها يمضي الأكابر و الأصاغر
لا يرجع الماضى إلىّ و لا من الباقين غابر أيقنت أنى لا محالة حيث صار القوم صائر
و قال زهير بن أبي سلمى:
ألا ليت شعرى هل يرى الناس ما أرى من الأمر أو يبدو لهم ما بداليا
بدى لى أنّ النّاس تفنى نفوسهم و أموالهم و لا أرى الدّهر فانيا
و إني متى أهبط من الأرض تلعة «1» أجد أثرا قبلى جديدا و عافيا
أراني إذا أصبحت أصبحت ذا هوى فثمّ إذا أمسيت أمسيت عاديا
إلى حفرة «2» أهوى اليها مضمّة يحثّ إليها سايق من ورائيا
كأنّي و قد خلّفت سبعين حجّة «3» خلعت بها ان منكبى ردائيا
بدالى انّي لست مدرك ما مضى و لا سابق شيئا إذا كان جائيا
______________________________
(1) التلعة اسم ما على من مسيل الوادى و ما سفل
(2) الحفرة القبر.
(3) الحجة السنة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 152
و ما أن أرى نفسي تقيها «1» عزيمتي و ما أن تقى نفسى كرائم ماليا
ألا لا أرى على الحوادث باقيا و لا خالدا إلّا الجبال الرّواسيا
و إلّا السّماء و البلاد و ربّنا و أيّامنا معدودة و اللّياليا
أراني إذا ما شئت لا قيت آية تذكّرني بعض الذى كنت ناسيا
ألم تر أنّ اللّه أهلك تبعا و أهلك لقمان بن عاد و عاديا «2»
و أهلك ذا القرنين من قبل ما يرى و فرعون جبّار معا و النّجاشيا
ألا لا أرى ذا امّة أصبحت به فتتركه الأيام و هي كماهيا
ألم تر للنعمان كان بنجوة «3» من الشّر لو أنّ أمرء كان ناجيا
فغيّر عنه رشد عشرين حجّة من الدّهر يوم واحد كان غاديا
فلم أر مسلوبا له مثل ملكه أقلّ صديقا صافيا و مواليا
فأين الذي قد كان يعطى جياده «4» بأرسانهنّ و الحسان الحواليا «5»
و أين الذين قد كان يعطيهم القرى بغلّاتهنّ و المثين الغواليا «6»
و أين الذين يحضرون جفانه إذا قدّمت ألقوا عليها المراسيا «7»
رأيتهم لم يشركوا «8» بنفوسهم منيّته لمّا رأوا انهاهيا
هذا و لمّا ارشد عليه السّلام إلى الاتّعاظ بأحوال السّلف الماضين و بفناء الغابرين الباقين نبّه على اختلاف حالات أهل الدّنيا ليستدلّ به السامعون على عدم بقائها و يستفيدوا به عبرة اخرى فقال (أو لستم ترون أهل الدّنيا يمسون و يصبحون على أحوال شتّى) و حالات مختلفة (ف) منهم (ميّت يبكى) عليه و يشقّ الجيوب لديه و يخرج
______________________________
(1) تقيها تصونها.
(2) عاديا هو أبو السمول كان له حصين يقال له الا بلق
(3) النجوة بالجيم الارتفاع لغة.
(4) و الفرس الجواد بين الجودة جمعه جياد
(5) و الحوالى لعله جمع الحولى و هو ما أتى عليه حول من ذى الحافر و غيره منه
(6) الغوالى الابل الغالية الاثمان لغة
(7) و قدر راسية لا تبرح مكانها لعظمها ق
(8) لم يشركوا أى لم يواسوه بنفوسهم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 153
من سعة قصره إلى ضيق قبره و يحثّون بأيديهم عليه التراب و يكثرون عنده التلدّد و الانتحاب (و آخر يعزّى) و يسلّى اذا يئس عن برء عليله أو جزم بموت خليله (و صريع مبتلى) بأنواع الأوجاع و الأسقام و طوارق الأمراض و الآلام (و عائد يعود) المريض عند المرض و يتحسّر عليه إذا شاهده على غصص الجرض (و آخر بنفسه يجود) ابلس عنه زوّاره و عوّاده و أسلمه أهله و أولاده و غضّوا بأيديهم عينيه و مدّوا الى جنبيه يديه و رجليه و هو في سكرة ملهثة و غمرة كارثة و أنّه موجعة و سوقة مكربة و جذبة متعبة.
(و) منهم (طالب للدّنيا) ساع لها (و الموت يطلبه) و يحثّه حتّى يدخله في حفرته (و) منهم (غافل) عمّا خلقه اللّه لأجله (و ليس بمغفول عنه) بل اللّه عالم به و مجزيه بأعماله (و على أثر الماضي ما يمضي الباقي) قال سيّد العابدين عليه السّلام في هذه المعنى:
إذا كان هذا نهج من كان قبلنا فانّا على آثارهم نتلا حق
فكن عالما أن سوف تدرك من مضى و لو عصمتك الرّاسيات الشّواهق
الترجمة:
آيا نيست مر شما را در اثرهاى پيشينيان و در پدران گذشتگان شما بينائى و عبرت اگر بوده باشيد تعقل كننده، آيا نگاه نمى كنيد بسوى گذشتگان از خودتان كه باز نمى گردند، و بسوى خلفهائى باقي ماندگان كه باقي نمى مانند.
آيا نيستيد شما كه مى بينيد أهل دنيا را كه شام و صباح مى نمايند بر حالتهاى مختلفه: پس بعضى مرده است كه بر او گريه ميكنند، و بعضى را سر سلامتي مى دهند، و بعضى ديگر ضعيف است مبتلا بأنواع مرضها، و برخى عيادت كننده است بيمار را كه مى رود بعيادت، و ديگرى در حال جان دادنست، و يكى طلب كننده است دنيا را و حال آنكه مرگ طلب مى كند او را، و يكى هست كه بيخبر است از آخرت و حال آنكه غفلت نشده از او در هيچ حالت، و بر اثر گذشته است گذشتن باقي مانده.