منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 158
أللّهمّ فإن ردّوا الحقّ فافضض جماعتهم، و شتّت كلمتهم، و أبسلهم بخطاياهم، إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النّسيم، و ضرب يفلق الهام، و يطيح العظام، و يندر السّواعد و الأقدام، و حتّى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر، و يرجموا بالكتائب، تقفوها الحلائب، و حتّى يجرّ ببلادهم الخميس يتلوه الخميس و حتّى تدعق الخيول في نواحر أرضهم، و بأعنان مساربهم و مسارحهم.
(قال السيد ره: الدعق، الدقّ، اى تدقّ الخيول بحوافرها أرضهم، و نواحر أرضهم، متقابلاتها يقال: منازل بني فلان تتناحر أى تتقابل.) (25597- 25344)
اللغة:
و (أبسلته) أسلمته إلى الهلكة و (النسيم) الريح اللينة، و في بعض النسخ النسم أى طعن يخرق الجوف بحيث يتنفّس المطعون من الطعنة، و روى القشم بالقاف و الشين المعجمة و هو اللحم و الشحم و (فلقت) الشي ء افلقه بكسر اللّام فلقا شققته و (المناسر) جمع المنسر بفتح الميم و كسر السّين و بالعكس أيضا قطعة من الجيش تكون امام الجيش الأعظم و (الحلائب) بالحاء المهملة جمع حليبة و هى الطائفة المجتمعة من حلب القوم حلبا من باب نصر أى اجتمعوا من كلّ وجه و يقال احلبوا إذا جاءوا من كلّ أوب للنصرة و (الخميس) الجيش لأنه خمس فرق: المقدّمة، و القلب، و الميمنة و الميسرة، و الساقة و (المسارب) و (المسارح) جمع المسربة و المسرح و هو المرعى قال الشارح المعتزلي: (و نواحر أرضهم) قد فسّره الرضىّ و يمكن أن يفسّر بأمر آخر، و هو أن يريد أقصى أرضهم و آخرها من قولهم لآخر ليلة في الشهر ناحرة و المسارب ما يسرب فيه المال الراعى، و المسارح ما يسرح فيه و الفرق بين سرح و سرب أنّ السروح إنما يكون في أول النهار، و ليس ذلك بشرط في السروب.
المعنى:
ثمّ دعا عليهم بقوله: (أللّهم فان ردّوا الحقّ) و أرادوا إبطاله (فافضض جماعتهم و شتّت كلمتهم) أي بدّل اجتماعهم بالافتراق و اتّفاق قولهم بالاختلاف و النفاق الموجب للهزيمة (و أبسلهم بخطاياهم) أى اهلكهم و أسلمهم إلى الهلاك و لا تنصرهم بما اكتسبوا من الاثم و الخطاء كما قال سبحانه:
«وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ ذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 164
ثمّ أشار إلى جدّ الخصم في الجهاد تهييجا لأصحابه على المقاومة و الثبات فقال عليه السّلام (انهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك) متدارك متتابع يتلو بعضه بعضا (يخرج منه النسيم) و الريح اللينة لسعته كما قال الشاعر:
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر لها نفد لو لا الشعاع أضاها
ملكت بها كفّى فانهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها
يعني أنّ هذه الطعنة لا تّساعها يرى الانسان المقابل لها ببصره ما وراها، و انه لو لا شعاع الدّم لبان منها الضوء (و ضرب يفلق الهام) و يشقق الرءوس (و يطيح العظام و يندر السواعد و الأقدام) أى يسقطها من مواضعها و محالها (و حتّى يرموا بالمناسر) و الجيوش (تتبعها المناسر) الاخر (و يرجموا) أى يغزوا (بالكتائب) و طوائف الجيوش (تقفوها) و تتبعها (الجلائب) و الطوائف الاخرى المجتمعة من كلّ صقع و ناحية لنصرها و المحاماة عنها (و حتّى يجرّ ببلادهم الخميس يتلوه) و يعقّبه (الخميس) الآخر (و حتّى تدعق الخيول) و تدقّ بحوافرها (في نواحر أرضهم) أى متقابلاتها أو أواخرها (و بأعنان مساربهم و مسارحهم) أى أطراف مراعيهم و نواحيها
تكملة:
هذا الكلام رواه المحدّث العلامة المجلسي (ره) بطرق متعدّدة و اختلاف كثير أحببت أن أورد ما رواه طلبا لمزيد الفائدة فأقول:
روى (قده) في البحار من الكافي في حديث مالك بن أعين قال: حرّض أمير المؤمنين عليه السّلام النّاس بصفّين فقال: انّ اللّه عزّ و جلّ قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، و تشفى بكم على الخير، الايمان باللّه و الجهاد في سبيل اللّه و جعل ثوابه مغفرة للذنب و مساكن طيبة في جنّات عدن و قال جلّ و عزّ «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ» فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص، فقدّموا الدارع و أخّروا الحاسر، و عضّوا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 165
على النواجذ، فانه أبنا للسيوف عن الهام، و التووا على أطراف الرماح فانّه امور للأسنّة، و غضّوا الأبصار فانّه أربط للجاش و أسكن للقلوب، و أميتو الأصوات فانه أطرد للفشل و أولى بالوقار، و لا تميلوا براياتكم و لا تزيلوها، و لا تجعلوها إلّا مع شجعانكم، فانّ المانع للذّمار و الصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ، و لا تمثلوا بقتيل، و إذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سرّا «سترا ظ» و لا تدخلوا دارا، و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلّا ما وجدتم في عسكرهم، و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن امرائكم و صلحائكم، فانهنّ ضعاف القوى و الأنفس و العقول، و قد كنا نؤمر بالكفّ عنهنّ و هنّ مشركات و ان كان الرّجل ليتناول المرأة فيعيّر بها و عقبه من بعده و اعلموا أنّ أهل الحفاظ هم الذين يحفّون براياتكم و يكتنفونها، و يصيرون حفافيها و ورائها و أمامها، و لا يضيعونها و لا يتأخّرون عنها فيسلموها و لا يتقدّمون عليها فيفردوها رحم اللّه امرأ واسا أخاه بنفسه، و لم يكل قرنه إلى أخيه، فيجتمع عليه قرنه و قرن أخيه فيكتسب بذلك اللّائمة، و يأتي بدنائة، و كيف لا يكون كذلك و هو يقاتل الاثنين، و هذا ممسك يده قد خلى قرنه على أخيه هاربا ينظر إليه و هذا فمن يفعله يمقته اللّه فلا تعرّضوا لمقت اللّه عزّ و جلّ فانما ممرّكم إلى اللّه و قد قال اللّه عزّ و جلّ: «لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا» و أيم اللّه لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيوف الآجلة، فاستعينوا بالصبر و الصّدق فانما ينزل النصر بعد الصّبر فجاهدوا في اللّه حقّ جهاده و لا قوّة إلّا باللّه.
و فى كلام له آخر و إذا لقيتم هؤلاء القوم غدا فلا تقاتلوهم حتّى يقاتلونكم، فاذا بدءوا بكم فانهدوا إليهم و عليكم السكينة و الوقار، و عضّوا على الأضراس فانه أنبأ للسيوف
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 166
عن الهام، و غضّوا الأبصار، و مدّوا جباه الخيول و وجوه الرّجال، و أقلّوا الكلام فانه أطرد للفشل، و أذهب بالوهل، و وطنوا أنفسكم على المبارزة و المنازلة و المجادلة، و اثبتوا، و اذكروا اللّه عزّ و جلّ كثيرا فانّ المانع للذمّار عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الذين يحفّون براياتهم و يضربون حافتيها و أمامها، و إذا حملتم فافعلوا فعل رجل واحد، و عليكم بالتحامى فانّ الحرب سجال لا يشدّون عليكم كرّة بعد فرّة، و لا حملة بعد جولة، و من ألقى اليكم السّلام فاقبلوا منه و استعينوا بالصّبر فانّ بعد الصّبر النّصر من اللّه عزّ و جلّ. «إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» .
و في البحار من الارشاد قال من كلامه عليه السّلام أيضا في هذا المعنى أى فى تحضيضه على القتال يوم صفّين:
معشر النّاس إنّ اللّه قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم، و تشفى بكم على الخير العظيم: الايمان باللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الجهاد في سبيله، و جعل ثوابه مغفرة الذّنوب و مساكن طيّبة في جنات عدن ثمّ أخبركم أنه «يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ» فقدّموا الدّارع و أخّروا الحاسر و عضّوا على الأضراس فانّه أنبأ للسيوف عن الهام و التووا في أطراف الرماح فانه أمور للأسنّة، و غضّوا الأبصار فانه أربط للجاش و أسكن للقلوب، و أميتوا الأصوات فانّه أطرد للفشل و أولى بالوقار، و رايتكم فلا تميلوها و لا تخلّوها و لا تجعلوها إلّا في أيدي شجعانكم، فانّ المانعين للذّمار الصّابرين على نزول الحقائق أهل الحفاظ الذين يحفّون براياتهم و يكتنفونها، رحم اللّه امرء منكم آسى أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيجمع عليه قرنه و قرن أخيه فيكتسب بذلك اللائمة، و يأتي به دنائة و لا تعرّضوا لمقت اللّه، و لا تفرّوا من الموت فانّ اللّه تعالى يقول:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 167
«قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا» و أيم اللّه لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآجلة، فاستعينوا بالصبر و الصّلاة و الصّدق في النّية فانّ اللّه تعالى بعد الصبّر ينزل النصر، هذا و قد مرّ أكثر الفقرات الأخيرة من هذا الكلام الذى نحن بصدد شرحه في رواية نصر بن مزاحم عن الشّعبي في شرح الخطبة الخامسة و الثّلاثين عند ذكر كيفية التحكيم فليراجع ثمة.
بيان ما لعله يحتاج إلى التفسير من ألفاظ الروايتين فأقول قال الجوهرىّ «رصّصت» الشي ء رصّا ألصقت بعضه ببعض و منه بنيان مرصوص و «الحفاظ» بالكسر الذّب عن المحارم و «حفافيها» متعلّق بقوله: يكتنفونها أو بقوله: يصيرون أيضا على سبيل التنازع، قال في البحار و في بعض النسخ ورائها بدون العطف فهما الامام و الوراء و «نهد» الرّجل نهض و العدوّه صمد لهم.
و قوله عليه السّلام «و مدّوا جباه الخيول و وجوه الرّجال» قال في البحار لعلّ المراد بهما تسوية الصّفوف و اقامتها راكبين و راجلين، أو كناية عن تحريكها و توجيهها إلى جانب العدوّ و «الوهل» الضعف و الفزع، و قوله «فانّ الحرب سجال» أى مرّة لنا و مرّة علينا، و أصله إنّ المستقين بالسجل يكون لكلّ واحد منهم سجلّ، و السجل الدلو الكبير و «السّلام» الاستسلام، و قد مرّ تفسير ساير ما يحتاج إلى التفسير في شرح المتن.
تذكرة:
قد قدّمنا في شرح الكلام الخامس و السّتين شطرا من وقايع صفّين، و أوردنا تمام وقايعها في شرحه و شرح ساير الخطب المتقدّمة عليه حسبما مرّت الاشارة اليها هنالك، من أراد الاطلاع عليها فليراجع ثمّة.
الترجمة:
بار پروردگارا اگر رد كنند اين قوم بد بنياد حق را پس پراكنده نما جماعت ايشان را، و متفرّق گردان سخنان باطل ايشان را، و هلاك بگردان ايشان را بگناهان خودشان، ايشان هرگز زايل نمى شوند از موقفهاى خودشان بى زدن نيزه پى در پى كه خارج بشود از او بجهت گشادى او نسيم، و بى ضربتى كه بشكافد كاسه سر را و بيندازد استخوانها را و بيفكند بازوها و قدمها را، و تا آنكه انداخته شوند بلشكرهائى كه مقدمه لشكر ديگر باشند كه تابع شود بايشان مقدّمة الجيش ديگر، و سنگسار شوند بلشكرهاى گران كه تبعيت نمايد بايشان لشكران جمع شده از هر طرف تا آنكه كشيده شود بشهرهاى ايشان سپاهى كه در عقب آن باشد سپاهى ديگر، و تا آنكه بكوبند اسبان بسمهاى خود در اواخر بلاد ايشان و بنواحى مراعى و چراگاههاى ايشان، يعني اگر جد و كوشش نشود در جهاد ايشان دست از طغيان خود بر نخواهند داشت .