منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 170
و من كلام له عليه السّلام فى التحكيم و هو المأة و الخامس و العشرون من المختار فى باب الخطب. (و رواه الطبرسى في الاحتجاج الى قوله لاول البغى نحوه) قال عليه السّلام:
إنّا لم نحكّم الرّجال و إنّما حكّمنا القرآن و هذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين الدّفتين، لا ينطق بلسان و لا بدّ له من ترجمان، و إنّما ينطق عنه الرّجال، و لمّا دعانا القوم إلى أن نحكّم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب اللّه تعالى، و قد قال سبحانه: فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه و الرّسول، فردّه إلى اللّه أن نحكم بكتابه، و ردّه إلى الرّسول أن نأخذ بسنّته، فاذا حكم بالصّدق في كتاب اللّه فنحن أحقّ النّاس به، و إن حكم بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنحن أولاهم به، و أمّا قولكم لم جعلت بينكم و بينهم أجلا في التّحكيم فإنّما فعلت ذلك ليتبيّن الجاهل، و يتثبّت العالم و لعلّ اللّه أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمّة، و لا تؤخذ بأكظامها فتعجل عن تبيّن الحقّ، و تنقاد لأوّل الغيّ.
اللغة:
(دفّتا) المصحف جانباه المكتنفان به و (الترجمان) و زان زعفران و عنفوان و ريهقان مفسّر اللّسان باللّسان الآخر، و التاء أصلية و الألف و النّون زائدتان و الفعل ترجم و (التبيّن) يستعمل لازما و متعدّيا و (التثبّت) التأنّى في الامور و (الهدنة) بالضمّ المصالحة و الدّعة و السكون و (الأكظام) جمع كظم كأسباب و سبب و مخرج النفس من الحلق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 171
الاعراب:
قوله: بين الدّفتين، ظرف لغو متعلّق بقوله مسطور أو مستقرّ صفة لخطّ أو حال ضمير مسطور، و مثله في احتمال الوصفية و الحالية جملة لا ينطق آه، و لعلّ اللّه أن يصلح آه لعلّ حرف موضوع للتوقّع و هو الترجّى للمحبوب و الاشفاق من المكروه و تنصب الاسم و ترفع الخبر مثل ساير الحروف المشبّهة بالفعل و يقترن خبرها كثيرا بأن كما في هذا المقام و في قوله:
لعلّك يوما أن تلمّ ملمّة عليك من اللّاء يدعنك أجدعا «1»
حملا لها على عسى لاشتراكهما في الدلالة على التّرجّى على سبيل الانشاء فان قلت: أن تجعل مدخولها في تأويل المصدر و عليه فكيف يصحّ الحمل في قوله: لعلّ اللّه أن يصلح و قولك لعلّ زيدا أن يقوم إذ الحدث لا يكون خبرا عن الجثة.
قلت: هذا اشكال تعرّض له علماء الأدبيّة في باب عسى و تفصّوا عنه بوجوه
______________________________
(1) الاجدع بالجيم و الدال المهملة مقطوع الانف أى لعلك ان تنزل عليك نازلة من نوازل الدهر من اللّاء يتركنك بهذا الصفة من الجدع، منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 172
احدها أن يقدر هنا مضاف إمّا في الاسم أو في الخبر، فمعنى عسى زيد أن يقوم عسى حال زيد أن يقوم أو عسى زيد صاحب أن يقوم، و نوقش فيه بأنه تكلّف إذ لم يظهر هذا المضاف إلى اللّفظ أبدا لا في الاسم و لا في الخبر و ثانيها أنّ أن زائدة، و ردّ بأنّ الزائد لا يلزم إلّا مع بعض الكلم و لزومه مطردا في موضع معيّن مع أىّ كلمة كانت بعيد و ثالثها ما قاله الكوفيّون و هو أنّ أن مع الفعل في محلّ الرّفع بدلا مما قبله بدل اشتمال كقوله تعالى: «لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ» إلى قوله: «أَنْ تَبَرُّوهُمْ» .
أى لا ينهيكم اللّه عن أن تبرّوهم قال نجم الأئمة: و الذي أرى أنّ هذا وجه قريب فيكون في نحو يا زيدون عسى أن يقوموا قد جاء بما كان بدلا من الفاعل مكان الفاعل و المعنى أيضا يساعد على ما ذهبوا إليه، لأنّ عسى بمعنى يتوقّع، فمعنى عسى زيد أن يقوم أى يتوقّع و يرجا قيامه و إنما غلب فيه بدل الاشتمال لأنّ فيه اجمالا ثمّ تفصيلا و في إبهام الشيء ثمّ تفسيره وقع عظيم لذلك الشى في ء النفس و قوله و لا يؤخذ باكظامها عطف على قوله يتبيّن.
المعنى:
اعلم أنّ هذا الكلام قاله عليه السّلام في مقام الاحتجاج على الخوارج حيث أنكروا عليه التحكيم، و قد مضى في شرح الخطبة الخامسة و الثلاثين كيفية التحكيم و بدء خروج الخوارج، و في شرح الخطبة السادسة و الثلاثين احتجاجاته عليه السّلام معهم من كتابى المناقب لابن شهر آشوب و كشف الغمة لعليّ بن عيسى الإربلى، و نقول هنا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 173
قد روى الطبرسي في الاحتجاج احتجاجه معهم نحو ما قدّمناه من المناقب و لا بأس بايراده هنا لاختلاف الروايتين و توضيحا للمقام و تأكيدا لما تقدّم فأقول: قال (ره): و روى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أرسل عبد اللّه بن العباس إلى الخوارج و كان بمرئى منهم و مسمع قالوا له في الجواب: إنّا نقمنا يابن عباس على صاحبك خصالا كلّها مكفرة موبقة تدعوا إلى النار أمّا أولها فانّه محا اسمه من امرة المؤمنين ثمّ كتب ذلك بينه و بين معاوية فاذا لم يكن أمير المؤمنين و نحن المؤمنون فلسنا نرضى بأن يكون أميرنا و أمّا الثانية فانه شكّ في نفسه حيث قال للحكمين انظرا فان كان معاوية أحقّ بها فاثبتاه و إن كنت أولى بها فاثبتانى فاذا هو شكّ في نفسه و لم يدر أهو حقّ أم معاوية فنحن فيه أشدّ شكا و الثالثة أنه جعل الحكم إلى غيره و قد كان عندنا أحكم الناس و الرابعة أنه حكم الرّجال في دين اللّه و لم يكن ذلك إليه.
و الخامسة أنه قسم بيننا الكراع و السّلاح يوم البصرة و منعنا النساء و الذريّة.
و السادسة أنه كان وصيّا فضيّع الوصيّة قال ابن عبّاس قد سمعت يا أمير المؤمنين مقالة القوم و أنت أحقّ بجوابهم، فقال عليه السّلام: نعم، ثمّ قال: يابن عبّاس قل لهم ألستم ترضون بحكم اللّه و حكم رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قالوا: نعم، قال: ابدء بما بدءتم به في بدء الأمر ثمّ قال عليه السّلام:
كنت أكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الوحى و القضايا و الشروط و الأمان يوم صالح أبا سفيان و سهيل بن عمرو فكتبت: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما اصطلح عليه محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبا سفيان بن صخر بن حرب و سهيل بن عمرو فقال سهيل إنا لا نعرف الرّحمن الرّحيم، و لا نقرّ أنّك رسول اللّه، و لكن نحسب ذلك شرفا لك أن تقدّم اسمك قبل أسمائنا و ان كنا أسنّ منك و أبي أسنّ من أبيك، فأمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال اكتب مكان بسم اللّه الرّحمن الرّحيم: باسمك اللهمّ، فمحوت ذلك و كتبت باسمك اللهمّ و محوت رسول اللّه و كتبت محمّد بن عبد اللّه، فقال لي: إنك تدعى إلى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 174
مثلها فتجيب و أنت مكره و هكذا كتبت بيني و بين معاوية و عمرو بن العاص: هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين و معاوية و عمرو بن العاص فقالا: لقد ظلمناك إن أقررنا أنك أمير المؤمنين و قاتلناك، و لكن اكتب عليّ بن أبي طالب، فمحوت كما محى رسول اللّه، فان أبيتم ذلك فقد جحدتم، فقالوا: هذه لك خرجت منها قال:
و أمّا قولكم انى شككت في نفسي حيث قلت للحكمين انظرا فان كان معاوية أحق بها منّي فأثبتاه، فانّ ذلك لم يكن شكا منّى، و لكنى أنصفت فى القول قال اللّه تعالى:
وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ و لم يكن ذلك شكا و قد علم اللّه أنّ نبيّه على الحقّ قالوا: و هذه لك قال عليه السّلام:
و أمّا قولكم إني جعلت الحكم إلى غيرى و قد كنت عندكم أحكم النّاس، فهذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة و قد كان من أحكم الناس فقد قال اللّه تعالى: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» فتأسّيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قالوا: و هذه لك بحجّتنا قال:
و أمّا قولكم إنّي حكمت في دين اللّه الرّجال، فما حكمت الرّجال و إنما حكمت كلام الربّ الذي جعله اللّه حكما بين أهله، و قد حكم اللّه الرّجال في طائر فقال: «وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» .
فدماء المسلمين أعظم من دم طائر قالوا، و هذه لك بحجّتنا قال:
و أمّا قولكم إنّي قسمت يوم البصرة لما اظفر اللّه بأصحاب الجمل الكراع و السلاح و منعتكم النساء و الذريّة فاني مننت على أهل البصرة كما منّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 175
على أهل مكّة و ان كان عدوّا علينا أخذناهم بذنوبهم و لم نأخذ صغيرا بكبير، و بعد فايّكم كان يأخذ عايشة في سهمه؟ قالوا: و هذه لك بحجّتنا قال:
و أمّا قولكم إني كنت وصيّا و ضيّعت الوصيّة فأنتم كفرتم و قدمتم علىّ و أزلتم الأمر عنّى، و ليس على الأوصياء الدّعا إلى أنفسهم إنما يبعث الأنبياء عليهم السّلام فيدعون إلى أنفسهم، و أمّا الوصىّ فمدلول عليه مستغن عن الدّعاء إلى نفسه و ذلك لمن آمن باللّه و رسوله و لقد قال اللّه تعالى:
وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فلو ترك الناس الحجّ لم يكن البيت ليكفر بتركهم إيّاه و لكن كانوا يكفرون بتركهم لأنّ اللّه قد نصبه لهم علما و كذلك نصبنى علما حيث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا على أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، أنت منّي بمنزلة الكعبة تؤتى و لا تأتي، فقالوا هذه لك بحجّتنا فادعونا، فرجع بعضهم و بقى منهم أربعة آلاف لم يرجعوا ممّن كانوا قعدوا عنه، فقاتلهم و قتلهم إذا عرفت ذلك فأقول: إنّه قد ظهر لك من هذه الرّواية و من رواية، المناقب المتقدّمة أنّ من جملة ما نقم الخوارج عليه عليه السّلام تحكيمه للرّجال، و من جملته أنه عليه السّلام ضرب للتحكيم أجلا معيّنا، فساق هذا الكلام دفعا لشبهتهم و قال في ردّ الأوّل و دفعه: إنّ دعويكم علىّ بتحكيم الرجال غير صحيحة ل (أنا لم نحكّم الرجال و انما حكّمنا القرآن و هذا القرآن انما هو خطّ مسطور بين الدفّتين لا ينطق بلسان و لا بدّ له من مفسّر و ترجمان و إنما ينطق عنه) و يترجمه (الرجال و لما دعانا القوم) أى أهل الشام (إلى أن نحكّم بيننا القرآن) حسبما مرّ تفصيله في شرح الخطبة الخامسة و الثلاثين (لم نكن الفريق المتولى عن كتاب اللّه سبحانه و قد) ذمّ اللّه أقواما على ذلك حيث قال: و إذا دعوا إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم تولّوا إلّا قليلا منهم و هم معرضون بل لا بدّ لنا من التسليم و الاجابة امتثالا لأمره تعالى حيث (قال عزّ من قائل فان تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه و الرّسول)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 176
و لما كان الردّ إلى اللّه و الرّسول مجملا محتاجا إلى التفسير و البيان فسّره بقوله (فردّه إلى اللّه) سبحانه (أن نحكم بكتابه) العزيز (و ردّه إلى الرّسول أن نأخذ بسنّته) القويمة (فاذا حكم بالصدق في كتاب اللّه) أى بقول مطابق للواقع لا بتفسيره عن رأى و اعتقاد فاسد (فنحن أحقّ الناس به) أى باللّه أو بكتاب اللّه أو بالحكم الصّدق المستنبط من الكتاب و لوجب بمقتضاه الحكم بخلافتنا و وجوب المتابعة لنا لأنّ اللّه سبحانه قد قال فيه:
«قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُ...» و قال: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» .
(و إن حكم بسنّة رسول اللّه) بالحقّ لا بتأويله عن هوى النفس (فنحن أولاهم بها) أى بالسنّة و في بعض النسخ به أى بالحكم الحقّ المستفاد من السنّة أو أولاهم بالرّسول لقوله فيه أنت منّى بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدى، و غيره مما قال فيه من الأخبار الدالة على أولويته عليه السّلام حسبما قدّمناها في شرح الخطبة الثالثة المعروفة بالشقشقية و غيرها أيضا و محصّل جوابه عليه السّلام انه لما نقموا عليه بتحكيم الرّجال أجاب لهم بأنّ القوم لما رفعوا المصاحف على الرّماح و دعونا إلى كتاب اللّه سبحانه و العمل بحكمه لم يسعنا التّولّى و الاعراض و إن كان دعوتهم في الظاهر ايمانا و في الباطن كفرا و عدوانا، فأجبنا إليهم دعوتهم و رضينا بالتحكيم بالقرآن، و حيث إنّ القرآن خطّ مسطور محتاج إلى المفسّر و المترجم قرّرنا الرجلين لمسيس الحاجة إلى التفسير و الترجمة، فالحكم في الواقع و الحقيقة هو القرآن لا الرّجلان، و انما وجودهما توصّلا إلى التفسير و البيان و حاجة إلى المفسر و التّرجمان، مع انه قد مرّ غير مرّة أنّ رضاه عليه السّلام بالتحكيم كان إجبارا و اضطرارا، لا رغبة و اختيارا، هذا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 177
و لما كان هناك مظنّة أن يقال إنّك بعد ما رضيت بالحكمين و لو من باب الحاجة إلى الترجمة فهلّا انفذت قولهما و لم لم ترض بحكمهما؟ فأجاب عليه السّلام عنه بأنّ الواجب علينا اتّباعهما لو كانا يحكمان في السنّة و الكتاب بالصدق و الصّواب و لو حكما بالحقّ لكنّا به أحقّ، لكنهما حكما بالهوى و الخطاء فلا يجب علينا الرضاء و الاتباع و لا التنفيذ و الامضاء، هذا.
و العجب من الشّارح المعتزلي حيث ذكر في هذا المقام سؤالا و جوابا ملخّصه أنه إذا كان البناء على تفسير الرجلين و ترجمتهما و حكمهما في واقعة أهل العراق و أهل الشام بما في القرآن دلالة عليه فمن الجائز اختلافهما في تفسيره و تأويله و استدلال كلّ منهما بدليل يوافق غرضه أو تفسير كلّ منهما لآية واحدة على ما يطابق رأيه، إذ ليس فيه نصّ صريح يحسم مادّة النزاع و يرفع الخلاف من البين.
و أجاب بأنّ الحكمين لو تأمّلا الكتاب حقّ التّأمّل لوجد فيه النّص الصريح على خلافة أمير المؤمنين، لأنّ فيه النصّ الصّريح على أنّ الاجماع حجّة و معاوية لم يكن مخالفا في هذه المقدّمة و لا أهل الشام، و إذا كان الاجماع حجّة فقد وقع الاجماع لما توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أنّ اختيار خمسة من صلحاء المسلمين لواحد منهم و بيعته يوجب لزوم طاعته و صحّة خلافته، و قد بايع أمير المؤمنين خمسة من صلحاء الصحابة بل خمسون، فوجب أن تصحّ خلافته، و إذا صحّت خلافته نفذت أحكامه، فقد ثبت أنّ الكتاب لو تؤمّل حق التأمّل لكان الحقّ مع أهل العراق و لم يكن لأهل الشام ما يقدح في استنباطهم المذكور، انتهى كلامه هبط مقامه.
أقول: أما قوله إنّ الحكمين لو تأمّلا الكتاب لوجدا فيه النّص الصريح على خلافة أمير المؤمنين، فهو حقّ لا ريب فيه، لأنّ الآيات الدالّة على خلافته عليه السّلام كثيرة لا تحصى، و قد مضى جملة منها في مقدّمات الخطبة الثالثة المعروفة بالشقشقية و أشرنا إلى بعضها هنا أيضا.
و أما قوله لأنّ فيه النّص الصّريح على حجيّة الاجماع، فلا يخفى ما فيه من الخبط و الخطاء، لانّه مع وجود النّص من القرآن على أصل الخلافة لا داعى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 178
إلى إقامته النّص على حجّية الاجماع ثمّ الاستدلال به على خلافته، و إنما هو أشبه شي ء بالأكل من القفاء و لعلّ الشارح إنما التزم به لأجل حماية الحمى و ذابّا عن الخلفاء، لأنّه لو التزم بوجود النّص على أصل الخلافة لم يجد بدّا من الالتزام ببطلان خلافة المتخلّفين كالالتزام ببطلان خلافة معاوية، و في ذلك ابطال ما اختاره من المذهب و الدّين.
و بعد الغضّ عن ذلك أقول: أىّ نصّ صريح في القرآن على حجّية الاجماع فانّ الآيات التي استدلّ بها الجمهور عليها من قوله سبحانه: «وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ» و قوله: «وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً» و قوله: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» و قوله: «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ» .
و غير ذلك مما استدلوا بها عليها جلّها بل كلّها غير خال عن المناقشة و الفساد كما نبّه عليه الفحول في كتب الاصول، فانظر إلى كتابي التّهذيب و النّهاية للعلامة الحلّى طاب ثراه تجد صدق ما قلناه و بعد التنزل و التسليم أقول: غاية الأمر أنّ هذه الأدلّة من قبيل الظّواهر لا من قبيل النصوص، ثمّ لا أدرى ما ذا يريد بقوله: فقد وقع الاجماع لما توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى قوله: و صحّة خلافته، و أى شي ء كان غرضه من اقحامه في البين مع عدم ربطه بالدعوى و عدم الحاجة إليه في اثبات المدّعي، لأنّه إذا دلّ الدليل من القرآن على حجّية الاجماع، و قام الاجماع على خلافة أمير المؤمنين فتثبت خلافته
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 179
من غير حاجة إلى مقدّمة اخرى اللّهم إلّا أن يقال بأنّ غاية ما دلّ عليه القرآن هو حجّية الاجماع و أما أنّ المعتبر في حصول الاجماع على البيعة هل هو اتفاق الكلّ أو يكفى اتفاق البعض و على الثاني فأقلّ ما يحصل به هل هو اتفاق سبعة أو خمسة أو ثلاثة أم يكفى الاثنان كما ذهب إلى كلّ منها قوم، فهذا شي ء لا دلالة في القرآن عليه فاحتيج في تعيين القدر المعتبر في حصوله إلى دليل آخر فذكر هذه المقدّمة لاثبات أنّ المعتبر فيه هو اتفاق الخمسة لا الزائد، فعلى هذا فلا تكون تلك المقدّمة مستغنا عنها، اذ على فرض اعتبار اتفاق الكلّ في حصوله لا ينهض هذا الدليل على اثبات المدّعى كما لا يخفى إلّا انّه يتوجّه عليه أنه بعد اشتراط اعتبار الخمسة في مقام الاختيار و البيعة لا بدّله من الالتزام ببطلان خلافة أبي بكر، لما قد مرّ في المقصد الثاني من المقدّمة الثانية من مقدّمات الخطبة الشقشقية من أنّ خلافته لم تنعقد إلّا ببيعة عمر و أبي عبيدة و سالم و لم يكن هنالك خمسة نفر، و قد مضى ثمّة حكاية كلام من صاحب المواقف و شارحه ينفعك ذكره في هذا المقام و لو سلّمنا وجود خمسة أيضا حينئذ لما يجديه لاشتراطه في الخمسة هنا أن يكونوا من صلحاء المسلمين، و من الواضح أنّ الصلحاء يومئذ قد كانوا من المنكرين لخلافته لا المبايعين و إنما بايعه طغاة «1» طغام و عبيد كالأنعام و تخلّف عنه وجوه الصحابة في بيت أمير المؤمنين ثمّ أخرجوا ملببّين و بايعوا مكرهين كما عرفت ذلك كلّه في مقدمات الخطبة الشقشقيّة و غيرها هذا كلّه على التنزّل و المماشاة، و إلّا فقد قدّمنا في مقدّمات الخطبة المذكورة من أنّ الامامة لا تكون إلّا بالنصّ من اللّه و رسوله لاشتراط العصمة فيه التي لا يعرفها إلّا اللّه و رسوله، و لا تنعقد ببيعة أجلاف العرب و لا أشرافها كما لا تبطل بعدم بيعتهم فافهم ذلك و اغتنم و بالهدى فاستقم، هذا
______________________________
(1) الطغاة جمع الطاغى و الطغام بالطاء لمهملة و الغين المعجمة الاوغاد و السفلة من الناس، منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 180
و قال عليه السّلام في ردّ الثاني (و أما قولكم لم جعلت بينكم و بينهم أجلا في التحكيم فانما فعلت ذلك ليتبيّن الجاهل) و يظهر له وجه الحقّ (و يتثبت العالم) و يطمئنّ قلبه (و لعلّ اللّه أن يصلح في هذه الهدنة) و المصالحة (أمر هذه الامة) المفتونة (و) انما فعلته أيضا لئ (لا تؤخذ) الامة (بأكظامها) أى مجارى أنفاسها (فتعجل عن تبيّن الحقّ و تنقاد لأوّل الغىّ) و هو أوّل شبهة عرضت لهم من رفع المصاحف.
يعني أنى لو أعجلت في الأمر و تركت ضرب الأجل بيني و بينهم و التنفيس عنهم لا لجأهم الارهاق و ضيق الخناق إلى البقاء على الجهل و العمى و الانقياد إلى الغىّ و الغوى و عدم ظهور وجه الحقّ و الهدى و هو مناف للغرض المطلوب للشارع و مخالف للمقصود
الترجمة:
از جمله كلام بلاغت نظام آن امام عاليمقام است در خصوص تحكيم عمرو عاص و أبي موسى اشعري و رد كردن شبهه خوارج فرمود كه بدرستى ما حكم نگردانيديم مردمان را، بلكه حكم قرار داديم ما قرآن را و اين قرآن جز اين نيست كه خطى است نوشته شده ميان دو جلد كه نطق نمى كند بزبان، و ناچار است مر او را از ترجمان، و جز اين نيست كه گويا مى شود از آن مردمان، و هنگامى كه دعوت كرد ما را قوم معاويه ملعون به آن كه حاكم گردانيديم در ميان خود قرآن را نشديم گروهى كه اعراض نمايد از كتاب خدا و حال آنكه خدا فرموده در كتاب مجيد: فان تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه و الرسول، يعنى پس اگر نزاع كرديد در چيزى از امور دنيا و آخرت پس ردّ كنيد آنرا بسوى خدا و رسول، پس ردّ كردن شيء متنازع فيه بسوى خدا آنست كه حكم كنيم با كتاب خدا، و رد كردن آن بسوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آنست كه أخذ كنيم سنت و طريقه او را، پس اگر حكم كرده شود بصدق و راستى در كتاب خدا پس ما سزاوارترين مردمانيم بآن، و اگر حكم كرده شود بطريقه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم پس ما اولويّة داريم بآن.
و أما قول شما كه چرا گردانيدى در ميان خود و ميان ايشان مدّتى معين در تحكيم، پس جز اين نيست كه كردم آنرا تا دانا شود جاهل، و تأمل نمايد عالم و شايد كه خداوند اصلاح نمايد در اين مدّت مصالحه أمر اين امّت را، و بتنگى نيفتد و گرفته نشود مجارى نفس ايشان، پس شتابانيده شوند از دانستن حقّ، و گردن نهاده شوند مر اول گمراهى را.