منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 229
و من خطبة له عليه السّلام في ذكر المكائيل و الموازين و هى المأة و التاسعة و العشرون من المختار فى باب الخطب:
عباد اللّه إنّكم و ما تأملون من هذه الدّنيا أثوياء مؤجّلون، و مدينون مقتضون، أجل منقوص، و عمل محفوظ، فربّ دائب مضيّع، و ربّ كادح خاسر، و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلّا إدبارا، و الشّرّ فيه إلّا إقبالا، و الشّيطان في هلاك النّاس إلّا طمعا، فهذا أوان قويت عدّته، و عمّت مكيدته، و أمكنت فريسته، اضرب بطرفك حيث شئت من النّاس، فهل تبصر إلّا فقيرا يكابد فقرا، أو غنيّا بدّل نعمة اللّه كفرا، أو بخيلا اتّخذ البخل بحقّ اللّه وفرا، أو متمرّدا كأنّ بأذنه عن سمع المواعظ وقرا.
اللغة:
(المكائيل) جمع المكيال و هو ما يكال به الطعام كالكيل و المكيل و المكيلة و (أثوياء) جمع ثوىّ كأغنياء و غنيّ و هو الضّيف و الأسير و المجاور بأحد الحرمين من ثوى المكان و به يثوى ثواء أطال الاقامة به و (دنت) الرّجل أقرضته و هو مدين و مديون و دنت أيضا استقرضت و صار عليّ دين فأنا داين يعدّى و لا يعدّى و (مقتضون) جمع مقتضى كمرتضون جمع مرتضى و (مضيّع) يروى بالتّشديد و التخفيف و (زاد اللّه خيرا) و زيدة، فزاد و ازداد و (الفرس) القتل و الفريس القتيل و فرس الأسد فريسته دقّ عنقها، و الأسد فرّاس و فارس و مفترس و فروس.
الاعراب:
أجل و عمل خبران محذوف المبتدأ.
المعنى:
اعلم أنّ هذه الخطبة كما ذكره السّيد خطبها في ذكر المكائيل و الموازين قال الشّارح المعتزلي: و لست أرى في هذه الخطبة ذكرا للمكاييل و الموازين الّتي أشار إليه الرّضي (ره) اللّهم إلّا أن يكون قوله: و اين المتورّعون في مكاسبهم، أو قوله ظهر الفساد، و دلالتهما على المكائيل و الموازين بعيدة انتهى و قد يقال إنّ ذلك ابتناء على ما هو دأب السّيد (ره) و عادته في الكتاب من التقطيع و الالتقاط، فلعلّه أسقط ما اشتمل على ذكر الموازين و المكائيل، و لا يبعد أن يكون ذكر عنده تطفيف النّاس في المكائيل و الموازين و اشتهار ذلك بينهم فخطب بهذه الخطبة نهيا لهم عن ذلك المنكر على سبيل الاجمال و وبّخهم على فعلهم بقوله أين المتورّعون و نحو ذلك، فالمراد بقوله: في ذكر المكائيل: عند ذكرها و في وقته لا أنّها مذكورة في الخطبة صريحا و كيف كان فقد نبّه عليه السّلام أوّلا على فناء الدّنيا و زوالها و زهادة قدرها إزعاجا للمخاطبين عن الركون إليها و الاعتماد عليها و الشّغف بها فقال: (عباد اللّه إنّكم و ما تأملون من هذه الدّنيا أثوياء مؤجّلون) أى أنتم ما ترجونه من هذه الدّنيا الدّنيّة من البقاء و التّعيش فيها بمنزلة أضياف منزلين في منزل مقترين إلى أجل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 231
معلوم و وقت معدود (و مدينون مقتضون) أي ما أوتيتم فيها من زبرجها و زخارفها مطالبون بها و محاسبون عليها كالمديون المطالب بدينه، و قيل استعار لفظ المدين لهم باعتبار وجوب التكاليف المطلوبة منهم و ليس بشيء (أجل منقوص و عمل محفوظ) أى آجالكم منقوصة بمضىّ اللّيالي و الأيّام و انقضاء الشهور و السّنين، و أعمالكم محفوظة بأيدي الكرام الكاتبين.
ثمّ أشار عليه السّلام إلى عدم جواز الاغتزار بالأعمال و الابتهاج بها بقوله: (فربّ دائب مضيّع و ربّ كادح خاسر) يعني كم من مجدّ في العبادة متعب نفسه في الاتيان بها مضيّع لها بما يلحقها من العجب و الرّياء و نحو ذلك ممّا يبطلها و يضيّعها، كابطاله صدقاته بالمنّ و الأذى، و كم من ساع خاسروهم الأخسرون أعمالا الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا، الّذين يأتون بالطاعات فاقدة لشرائطها المعتبرة في القبول كطاعة الخوارج و النّواصب و الغلاة و من يحذو حذوهم.
(و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلّا إدبارا و الشّر إلّا إقبالا) لغلبة اتّباع الهوى و النكوب عن سمت الرشاد و الهدى (و الشيطان في هلاك النّاس إلّا طمعا) لأنّه بعد ما ضعف جانب الحقّ و قوى جانب الباطل فهنا لك يطمع إبليس في اغواء النّاس و إهلاكهم و يستولى على أوليائه استعاره (فهذا أوان قويت عدّته) استعارة للشّرور و المفاسد الّتي هي زاد الشيطان و ذخيرته (و عمّت مكيدته) للناس إلّا الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى استعاره (و أمكنت فريسته) أى أمكنته فريسته من نفسها حتّى سهل عليه افتراسها، و هى استعارة لأهل الضّلال باعتبار هلاكهم في يده و استيلائه عليهم و تمكّنه من إغوائهم و إضلالهم ثمّ شرح عليه السّلام أنواع الشّرور الّتى لا تزيد إلّا إقبالا بقوله: (اضرب بطرفك) أى أمعن النّظر (حيث شئت من النّاس فهل تبصر إلّا فقيرا يكابد فقرا) أى يتحمّل مشاقته و يقاسى مرارته و متاعبه، و هو إشارة إلى استكراه الفقير لفقره و استنكافه منه، و لا شكّ أنّ ذلك محبط لأجره واضع لقدره
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 232
و لذلك قال عليه السّلام يا معشر الفقراء اعطوا اللّه الرّضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم.
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام إنّ للّه عقوبات و مثوبات بالفقر، فمن علامة الفقر إذا كان مثوبة أن يحسن إليه خلقه و يطيع ربّه و لا يشكو حاله و يشكر اللّه تعالى على فقره و من علامته إن يكون عقوبة أن يسوء إليه خلقه و يعصى ربّه و يكثر الشّكاية و يتسخّط القضاء (أو غنيّا بدّل نعمة اللّه كفرا) لأنّ الانسان ليطغى أن رآه استغنى فيلهيه غناءه عن ذكر اللّه تعالى كما قال سبحانه: ألهيكم التّكاثر، و قال: إنّما أموالكم و أولادكم فتنة.
بيان ذلك أنّ ذكر اللّه سبحانه و شكره و الثناء عليه و التفكّر فيجلاله يستدعى قلبا فارغا، و الغنىّ لا فراغ له، و إنّما يصبح و يمسى و هو متفكّر في إصلاح ماله، مصروف الحواسّ إلى حفظه قال عيسى عليه السّلام: في المال ثلاث آفات: أن يأخذه من غير حلّه، فقيل: إن أخذه من حلّه، فقال: يضعه في غير حقّه، فقيل: إن وضعه في حقّه، فقال: يشغله إصلاحه عن اللّه تعالى و في إحياء العلوم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: سيأتي بعدكم قوم يأكلون أطائب الدّنيا و ألوانها، و يركبون فره الخيل و ألوانها، و ينكحون أجمل النّساء و ألوانها و يلبسون أجمل الثّياب و ألوانها، لهم بطون من القليل لا تشبع، و أنفس بالكثير لا تقنع، عاكفين على الدّنيا، يغدون و يروحون اليها، اتخذوها آلهة من دون إلههم، و ربّا دون ربّهم، إلى أمرها ينتهون، و لهواهم يتّبعون، فعزيمة من محمّد بن عبد اللّه لمن أدرك ذلك الزّمان من عقب عقبكم و خلف خلفكم أن لا يسلّم عليهم و لا يعود مرضاهم، و لا يتّبع جنائزهم، و لا يوقّر كبيرهم، فمن فعل ذلك فقد أعان على هدم الاسلام (أو بخيلا اتّخذ البخل بحقّ اللّه وفرا) أى ثروة و كثرة في المال، و لمّا كان البخيل هو الذي لا يطيب قلبه بالعطاء و هذا على اطلاقه ليس حراما و لا من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 233
أفراد الشّر الذي أشار عليه السّلام إلى اقباله و ازدياده و لا جرم خصّه بالبخيل في عرف الشّرع و هو الّذي يمنع من أداء الواجب عليه، و البخل في غير الواجب مكروه مذموم و فاعله ملوم، و في الواجب موجب للعقاب و العتاب مبعّد لفاعله من حظيرة القدس و حضرة ربّ الأرباب كما قال اللّه سبحانه: «وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ».
(أو متمرّدا كان باذنه عن سمع المواعظ) و النّصايح (وقرا) و ثقلا فلهم أعين لا يبصرون بها، و لهم قلوب لا يفقهون بها، و لهم آذان لا يسمعون بها، ختم اللّه على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن امام مبين و سيّد وصيّين است در ذكر پيمانها و ترازوها بندگان خدا بدرستى كه شما و آنچه اميد مى داريد بآن در اين دنيا مهمانانيد مهلت داده شده تا مدّت معيّن، و قرض دارانيد طلبكارى شده أجل شما أجلى است نقصان يافته، و عمل شما عملى است نگه داشته شده، پس بسا جهد كننده در عبادت كه ضايع كننده اوست، و بسا سعى كننده كه زيان كار است، و بتحقيق صباح كرديد در زمانى كه زياده نمى شود نيكوئى در آن مگر إدبار او، و نه بدى مگر إقبال آن، و نه شيطان لعين در هلاك مردمان مگر طمع او، پس اين زمان زمانى است كه قوّت يافته ذخيره مهيا شده آن لعين، و فرا گرفته است كيد و مگر او غالب خلق را، و دست داده است شكار او بگردان نظر خود را هر جا كه مى خواهى از مردمان، پس نمى بينى مگر فقير كه مى كشد رنج و تعب فقر را، يا غنيّ كه بدل نموده نعمت خدا را بكفران، يا بخيلى كه أخذ نموده بخل بحقّ خدا را از كثرت مال، يا گردنكشى كه گويا در گوش او از شنيدن موعظه ها سنگينى و گره است.