منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 263
و قد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج و الدّماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلّهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدّول، فيتّخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق و يقف بها دون المقاطع، و لا المعطّل للسّنّة، فيهلك الامّة. (26962- 26813)
اللغة:
و (النّهمة) بلوغ الهمّة و الشّهوة في الشيء و هو منهوم بكذا مولع به، و روى نهمته محرّكة و هي إفراط الشّهوة في الطّعام و (الجفاء) خلاف البرّ و الصّلة و رجل جافى الخلق و الخلقة أى غليظ منقبض و (الحائف) بالحاء المهملة من الحيف و هو الظلم و الجور و (الدّول) بضمّ الدّال المهملة جمع الدّولة اسم للمال المتداول به قال تعالى: كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم، و روى الخائف للدّول بالخاء المعجمة و كسر الدّال جمع دولة بالفتح و هى الغلبة.
المعنى:
ثمّ إنّه عليه السّلام لمّا نبّه على أنّ طلبه للخلافة إنما كان للّه سبحانه و تعالى لا تنافسا في زخارف الدّنيا و التماسا لحطامها و عقّبه بالاشارة إلى سبقه في الاسلام و الصّلاة مع النّبيّ المقتضي لتقدّمه على غيره أردفه بالاشارة إلى موانع الامامة تنبيها على أنّه هو الامام دون غيره لوجود المقتضي و انتفاء الموانع فيه مع عدمه و وجودها في غيره فقال (و قد علمتم) و حصول ذلك العلم لهم إمّا من الكتاب كقوله تعالى: لا ينال عهدى الظّالمين، و قوله: أ فمن يهدى إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلّا أن يهدى، و قوله: قل هل يستوى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون، و ما يضاهى ذلك ممّا يستنبط منه شروط الولاية و أحكامها، و إمّا بنصّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو باعلام سابق منه عليه السّلام و على أىّ تقدير فالمقصود به الاشارة إلى استحقاقهم للتوبيخ و التقريع لكون تقصيرهم في حقّ الامام عن علم منهم لا عن جهل فيعذرون و يعتذرون و قوله (انّه لا ينبغي) أى لا يجوز (أن يكون الوالي على الفروج و الدّماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل) الشّحيح و هو في لسان الشّرع من يمنع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 264
الواجب (فتكون في أموالهم نهمته) أى حرصه و جشعه أو فرط شهوته (و لا الجاهل فيضلّهم بجهله) و إضلاله معلوم (و لا الجافي) سيّء الخلق (فيقطعهم بجفائه) و انقباضه عن الوصول إليه أو عن حاجاتهم أو بعضهم عن بعض لتفرّقهم (و لا الحائف للدّول) أى الجائر للأموال و الظالم في تقسيمها بأن لا يقسّمها بالسّوية بل يرجّح بعضهم على بعض (فيتّخذ قوما) و يخصّهم بالعطاء (دون قوم) و على رواية الخائف للدّول بالخاء المعجمة و كسر الدّال فالمراد به من يخاف دول الأيّام و تقلّبات الدّهور و غلبة الأعداء فيتّخذ قوما يرجو نفعهم و نصرهم في دنياه، و يقويهم على غيرهم و يفضّلهم في العطاء و سائر جهات الاكرام على الآخرين (و لا المرتشى في الحكم) أى آخذ الرّشوة و هو بالكسر ما يعطيه الشّخص الحاكم و غيره ليحكم أو يحمله على ما يريد، و في الحديث لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الرّاشي و المرتشي و الرايش يعنى المعطى للرّشوة و الآخذ لها و السّاعي بينهما يزيد لهذا و ينقص لهذا، و الحاصل أنّه لا يجوز أن يكون آخذ الرّشوة حاكما (فيذهب بالحقوق) أى حقوق النّاس و يبطلها و يخرجها من يد صاحبها (و يقف بها دون المقاطع) أى يقف عند مقطع الحكم فلا يقطعه بأن يحكم بالحقّ بل يحكم بالجور أو يسوّف الحكم حتّى يضطرّ المحقّ و يرضى بالصّلح و يذهب بعض حقّه قال العلّامة المجلسيّ (قد): و يحتمل أن يكون دون بمعنى غير أى يقف في غير مقطعه (و لا المعطل للسنّة) و الطريقة الشّرعيّة النّبويّة (فيهلك الامّة) في الدّنيا أو الآخرة أو كليهما.
تبصرة:
قال الشّارح المعتزلي في شرح هذا الكلام له عليه السّلام في ابداء المناسبة و الارتباط بين ما ذكره من سبقه عليه السّلام إلى التّوحيد و المعرفة و الصّلاة و ما عقّبه به من تقرير قاعدة الامامة و التعرّض لموانعها ما محصّله:
إنّه عليه السّلام إذا كان أوّل السّابقين وجب أن يكون أقرب المقرّبين، لأنّه تعالى قال: و السّابقون السّابقون أولئك المقرّبون، و إذا كان أقرب المقرّبين وجب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 265
أن ينتفي عنه الموانع السّتة التي جعل كلّ واحد منها صادّا عن الامامة و قاطعا عن استحقاقها و هى البخل، و الجهل، و الجفاء، و العصبيّة في دولته، أى تقديم قوم على قوم، و الارتشاء في الحكم، و التعطيل للسنّة، و إذا انتفت عنه هذه الموانع الستّة تعيّن أن يكون هو الامام، لأنّ شروط الامامة موجودة فيه بالاتّفاق، فاذا كانت موانعها عنه منتفية و لم يحصل لغيره اجتماع الشّروط و ارتفاع الموانع وجب أن يكون هو الامام، لأنّه لا يجوز خلوّ العصر من امام سواء كانت هذه القضيّة عقليّة أو سمعيّة.
(أقول:) بعد هذا التحقيق هل بقى للشارح عذر في اعتقاده بامامة الثّلاثة و خلافتهم و جعله عليه السّلام رابعهم؟ و العجب كلّ العجب أنّه ينطق بالحقّ و لا يذعن به كمثل المنافقين يقولون بأفواهم ما ليس في قلوبهم و من لم يجعل اللّه له نورا فماله من نور، ثمّ قال الشّارح: (فان قلت:) أ فتراه عنى بهذا قوما بأعيانهم؟
(قلت:) الاماميّة تزعم أنّه رمز بالجفاء و العصبية لقوم دون قوم إلى عمر و رمز بالجهل إلى من كان قبله، و رمز بتعطيل السّنة إلى عثمان و معاوية، و أمّا نحن فنقول: إنّه عليه السّلام لم يعن ذلك و إنّما قال قولا كلّيا غير مخصوص، و هذا هو اللّائق بشرفه، و قول الاماميّة دعوى لا دليل عليها و لا يعدم كلّ أحد أن يستنبط من كلّ كلام ما يوافق غرضه و إن غمض، و لا يجوز أن تبنى العقائد على مثل هذه الاستنباطات الدقيقة.
(أقول:) أمّا أنّ في كلامه رمزا و إشارة إلى من ذكر فهو ممّا لا غبار عليه، و أمّا أنّ فيه دلالة عليه فلم تدّعه الاماميّة حتّى يناقش فيه أو يعترض عليهم، و الاشارة غير الدّلالة، و أمّا استبعاد ذلك بعدم لياقته بشرفه عليه السّلام و منافاته لسودده ففيه أنّ شرافته مقتضية للارشاد على الهدى و التّنبيه على ضلال قادة الرّدى و هفوة من اتّبعهم و أذعن بخلافتهم من أهل العصبيّة و الهوى، لأنّه من باب الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر المناسب لشأن الامام و وظيفته
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 266
و قد مرّ في فقرات الخطبة الشّقشقيّة ما هو نصّ في هذا المعنى، و أبلغ في الدّلالة على هذا الغرض، مثل تنبيهه على جفاوة عمر و غلظته بقوله: فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها و يخشن مسّها، و على جهله بقوله: و يكثر العثار فيها و الاعتذار منها، و على بخل عثمان بقوله: و قام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضم الابل نبتة الرّبيع آه و نحو هذه الألفاظ في تضاعيف كلماته كثير كما هو غير خفيّ على الخبير البصير.
و بعد الغضّ عن ذلك كلّه فأقول: إنّ عمدة غرض الاماميّة التّنبيه على اتّصاف الخلفاء بتلك الأوصاف الرّذيلة، و بعد تسليم الشارح و إذعانه باتّصافهم بها لا ضرورة في النّقض و الابرام في دلالة كلامه عليه السّلام على هذا المرام.
(ثم أقول:) الأظهر على تقدير كون كلامه عليه السّلام رمزا إليهم أن يشار بالبخيل إلى عثمان لما هو المعلوم من حاله من أكله أموال المسلمين، و لما مرّ منه في الخطبة الشّقشقية، و بالجاهل إلى جميعهم، و بالجافي إلى عمر، و بالحائف للدّول إلى عمر و عثمان كما هو المعلوم من سيرتهما، و بالمعطل للسّنة إلى الجميع.
تنبيه لا خلاف بين المسلمين إلّا من شرذمة من العامة العثمانيّة في أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سبق النّاس كلّا إلى الاسلام و التّوحيد، كما صرّح به عليه السّلام في هذا الكلام بقوله: اللّهمّ إنّي أوّل من أناب و سمع و أجاب، و في الكلام السّادس و الخمسين بقوله:
فانّي ولدت على الفطرة و سبقت إلى الايمان و الهجرة، و نحو ذلك في كلماته و احتجاجاته كثير، و الأخبار في هذا المعنى من طرق العامّة و الخاصّة بالغة حدّ التّواتر، و استقصائها غير ممكن و لا حاجة إلى إيرادها مع وضوح المطلب و ظهوره ظهور الشّمس الضّحى.
و إنّما نورد على وجه التّأييد و على رغم أنوف المخالفين ما أورده شيخ المحدّثين العلامة المجلسى قدّس اللّه روحه، و شيخ الأمّة الشيخ المفيد نوّر اللّه ضريحه: و من المخالفين الشارح المعتزلي أهبط اللّه قدره.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 267
فأما العلامة المجلسى:
فقد قال في المجلّد التاسع من بحار الأنوار بعد ما أورد في هذا الباب كثيرا من الأخبار ما لفظه:
لا يخفى على من شمّ رائحة الانسانيّة و ترقّى عن دركات البهيميّة و العصبيّة أنّ سبق إسلامه صلوات اللّه عليه مع ورود تلك الأخبار المتواترة من طرق الخاصّة و العامّة من أوضح الواضحات، و الشاكّ فيه كالمنكر لأجلى البديهيّات، و أنّ من تمسّك بأنّ ايمانه كان في طفوليّته، و لم يكن معتبرا فقد نسب الجهل إلى سيّد المرسلين، حيث كلّفه ذلك و مدحه به في كلّ موطن، و به أظهر فضله على العالمين، و إلى أشرف الوصيّين حيث تمدّح و افتخرو احتج به في مجامع المسلمين و إلى الصّحابة و التّابعين حيث لم ينكروا عليه ذلك مع كون أكثرهم من المنافقين و المعاندين.
ثمّ اعلم أنّا قد تركنا كثيرا من الرّوايات و ما يمكن ذكره من التأييدات في هذا المطلب حذرا من التكرار و الاسهاب و الاطالة و الاطناب.
فقد روى ابن بطريق رحمه اللّه في كتاب العمدة في سبق اسلامه و صلاته من مسند أحمد بن حنبل ثلاثة عشر حديثا، و من تفسير الثعلبي أربعة، و من مناقب ابن المغازلي سبعة، و روى في المستدرك أيضا أخبارا كثيرة في ذلك، و رواه صاحب الصّراط المستقيم بأسانيد من طرقهم، و العلّامة في كشف الحقّ و كشف اليقين و غيرهما بأسانيد من كتبهم، و قد تركنا إيرادها مع كثير ممّا أورده المفيد في الارشاد، و النيسابوري في روضة الواعظين، و الطّبرسي في اعلام الورى، و ابن الصّباغ في الفصول المهمّة، و غيرها من الاصول و الكتب الّتي عندنا، انتهى كلامه رفع مقامه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 268
و أما الشيخ المفيد قدس اللّه روحه:
فقد قال في محكيّ كلامه من كتاب الفصول:
أجمعت الأمّة على أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أوّل ذكر أجاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يختلف في ذلك أحد، من أهل العلم إلّا أنّ العثمانية طعنت في ايمان أمير المؤمنين عليه السّلام بصغر سنّة في حال الاجابة، قالوا: إنّه عليه السّلام لم يك في تلك الحال بالغا فيقع ايمانه على وجه المعرفة، و إنّ ايمان أبي بكر حصل منه مع الكمال، فكان على اليقين، و المعرفة و الاقرار من جهة التقليد و التلقين غير مساو للاقرار بالمعلوم المعروف بالدّلالة، فلم يحصل خلاف من القوم في تقدّم الاقرار من أمير المؤمنين للجماعة و الاجابة منه للرّسول عليه و آله السّلام، و انّما خالفوا فيما ذكرناه.
و أنا ابيّن غلطهم فيما ذهبوا إليه من توهين إقرار أمير المؤمنين و حملهم إيّاه على وجه التلقين دون المعرفة و اليقين بعد أن أذكر خلافا حدث بعد الاجماع من بعض المتكلّمين و الناصبة من أصحاب الحديث، و ذلك أنّ ههنا طائفة تنسب إلى العثمانيّة تزعم أنّ أبا بكر سبق أمير المؤمنين إلى الاقرار و تعتلّ في ذلك بأحاديث مولّدة باضعاف.
(منها) أنّهم رووا عن أبي نضرة «نضيرة خ» قال: أبطأ عليّ و الزّبير عن بيعة أبي بكر قال: فلقى أبو بكر عليا فقال له: أبطأت عن بيعتي و أنا أسلمت قبلك و لقى الزبير فقال له: أبطأت عن بيعتي و أنا أسلمت قبلك.
(و منها) حديث أبي امامة عن عمرو بن عنبسة قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوّل ما بعث و هو بمكة و هو حينئذ مستخف فقلت: من أنت؟ فقال: أنا نبيّ، قلت: و ما النبيّ؟ قال: رسول اللّه، قلت: اللّه أرسلك؟ قال: نعم، قلت: بما أرسلك؟ قال:
بأن نعبد اللّه عزّ و جلّ و نكسر الأصنام و نوصل الأرحام، قلت: نعم ما أرسلك به من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حرّ و عبد يعني أبا بكر و بلالا، و كان عمر يقول: لقد رأيتني و أنا رابع الاسلام، قال: فأسلمت و قلت: أبايعك يا رسول اللّه (و منها) حديث الشّعبي قال: سألت ابن عبّاس عن أوّل من أسلم فقال: أبو بكر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 269
ثمّ قال: أما سمعت قول حسّان:
إذا تذكّرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البريّة أعطاها و أعدلها بعد النّبيّ و أرقاها بما حملا
الثّاني التّالي المحمود مشهده و أوّل النّاس منهم صدّق الرّسلا
(و منها) حديث رووه عن منصور عن مجاهد أنّ أوّل من أظهر الاسلام سبعة رسول اللّه و أبو بكر و خباب و صهيب و بلال و عمار و سميّة.
(و منها) حديث رووه عن عمر بن مرّة قال: ذكرت لإبراهيم النخعي حديثا فأنكره و قال أبو بكر أوّل من أسلم (قال الشيخ قدس اللّه روحه) فيقال لهم:
(أما الحديث الاول) فانّه رواه أبو نضرة، و هذا أبو نضرة مشهور بعداوة أمير المؤمنين عليه السّلام، و قد ضمنه ما ينقض اضلالهم في الامامة، و لو ثبت لكان أرجح من تقدّم اسلام أبي بكر و هو أنّ أمير المؤمنين و الزّبير أبطئا عن بيعة أبي بكر، و إذا ثبت أنّهما أبطئا عن بيعته و تأخّرا نقض ذلك قولهم أنّ الامّة اجتمعت عليه و لم يكن من أمير المؤمنين عليه السّلام كراهيّة لأمره، و إذا ثبت أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قد كان متأخّرا عن بيعته على وجه الكراهة لها بدلالة ما رووه من قول أبي بكر له أبطأت عن بيعتي و أنا أسلمت قبلك على وجه الحجّة عليه في كونه أولى بالامامة منه، ثبت بطلان إمامة أبي بكر، لأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لا يجوز أن يكره الحقّ و لا أن يتأخّر عن الهدى، و قد أجمعت الأمّة على أنه عليه السّلام لم يوقع خطأ بعد الرّسول صلّى اللّه عليه و آله يعثر عليه طول مدّة أبي بكر و عمر و عثمان، و إنّما ادّعت الخوارج الخطاء منه في آخر أيّامه بالتحكيم و ذهبت عن وجه الحقّ في ذلك و إذا لم يجز من الأمير المؤمنين التّأخّر عن الهدى و الكراهة للحقّ و الجهل بموضع الأفضل، بطل هذا الحديث، و ما زلنا نجتهد في اثبات الخلاف لأمره، و النّاصبة تحيد عن قبول ذلك و تدفعه أشدّ دفع حتى صاروا يسلمونه طوعا و اختيارا، و ينظمونه في احتجاجهم بفضل صاحبهم، و هكذا يفعل اللّه تعالى بأهل الباطل لحينهم، و يسلبهم التوفيق حتّى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 270
يدخلوا فيما يكرهون من حيث لا يشعرون.
على أنّ بازاء هذا الحديث عن أبي بكر حديثا ينقضه من طريق أوضح من طريق أبي نضرة، و هو ما رواه عليّ بن مسلم الطوسي عن زافر بن سليمان عن الصلت ابن بهرام عن الشّعبي قال: مرّ عليّ بن أبي طالب و معه أصحابه على أبي بكر فسلّم و مضى، فقال أبو بكر: من سرّه أن ينظر إلى أوّل النّاس في الاسلام سبقا، و أقرب النّاس من نبيّنا رحما، و أعظمهم دلالة عليه و أفضلهم فداء عنه بنفسه فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب.
و هذا يبطل ما ادّعوه على أبي بكر و أضافه أبو نضرة إليه.
(و أما حديث عمرو بن عنبسة) فانّه من طريق أبي امامة و لا خلاف أنّ أبا امامة كان من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السّلام و المتحرين عنه، و أنّه كان في جيش معاوية ثمّ فيه عن عمر بأنه شهد لنفسه أنّه كان رابع الاسلام، و شهادة المرء لنفسه غير مقبولة إلّا أن يكون معصوما أو يدلّ دليل على صدقه، و إذا لم يثبت شهادته لنفسه بطل الحديث بأسره.
مع أنّ الرّواية قد اختلفت عن عمر من طريق أبي أمامة، فروى عنه في حديث آخر أنّه قال: أتيت النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بماء يقال له عكاظ، فقلت له: يا رسول اللَّه من تابعك على هذا الأمر؟ فقال: من بين حرّ و عبد، فاقيمت الصّلاة فصلّيت خلفه أنا و أبو بكر و بلال، و أنا يومئذ رابع الاسلام.
فاختلف اللفظ و المعنى في هذين الحديثين و الواسطة واحد فتارة يذكر مكة و تارة يذكر عكاظا، و تارة يذكر أنّه وجده مستخفيا بمكّة، و تارة يذكر أنّه كان ظاهرا يقيم الصّلاة و يصلّي بالنّاس معه، و الحديث واحد من طريق واحد، و هذا أدلّ دليل على فساده.
(و أما حديث الشعبى) فقد قابله الحديث عنه من طريق الصّلت بن بهرام المتضمّن لضدّه و في ذلك إسقاطه، مع أنّه قد عزاه إلى ابن عبّاس و المشهور عن ابن عبّاس ضدّ ذلك و خلافه، ألا ترى إلى ما رواه أبو صالح عن عكرمة عن ابن عبّاس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 271
و هذان أصدق على ابن عبّاس من الشّعبي، لأنّ أبا صالح معروف بعكرمة و عكرمة معروف بابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: صلّت الملائكة علىّ و على عليّ بن أبي طالب سبع سنين، قالوا: و لم ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: لم يكن من الرّجال غيره، و من طريق عمرو بن ميمون عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: أوّل من أسلم بعد خديجة بنت خويلد عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه.
(و أما قول حسان) فانّه ليس بحجّة من قبل أنّ حسّان كان شاعرا و قصد الدّولة و السّلطان، و قد كان منه بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم انحراف شديد عن أمير المؤمنين عليه السّلام، و كان عثمانيّا و حرّض النّاس على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، و كان يدعو إلى نصرة معاوية و ذلك مشهور عنه في نظمه، ألا ترى إلى قوله:
يا ليت شعري و ليت الطّير يخبرني ما كان بين عليّ و ابن عفّانا
ضحوا بأشمط عنوان السّجود به يقطع اللّيل تسبيحا و فرقانا
لتسمعنّ و شيكا في ديارهم اللَّه أكبر يا ثارات عثمانا
فان جعلت النّاصبة شعر حسّان حجّة في تقديم ايمان أبي بكر فلتجعله حجّة في قتل أمير المؤمنين عثمان و القطع على أنّه اخصّ النّاس بقتله، و أنّ ثاراته يجب أن يطلب منه، فان قالوا: إنّ حسّان غلط في ذلك، قلنا لهم و كذلك غلط في قوله في أبي بكر، و ان قالوا لا يجوز غلطه في باب أبي بكر لأنّه شهد به بحضرة الصّحابة فلم يردّوا عليه، قيل لهم ليس عدم اظهارهم الرّد عليه دليلا على رضاهم به لأنّ الجمهور كانوا شيعة أبي بكر و كان المخالفون له في تقيّة من الجهر بالتنكير عليه في ذلك مخافة الفرقة و الفتنة مع أنّ قول حسان يحتمل أن يكون أبو بكر من المتقدّمين في الاسلام و الأوّلين دون أن يكون أوّل الأوّلين، و لسنا ندفع أن أبا بكر ممّن يعدّ في المظهرين للاسلام أوّلا، و إنّما ننكر أن يكون أوّل الأوّلين فلمّا احتمل قول حسّان ما وصفناه لم ينكر المسلمون عليه ذلك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 272
مع أنّ حسّان قد حرض على أمير المؤمنين ظاهرا و دعا إلى مطالبته بثارات عثمان جهرا فلم ينكر عليه في الحال منكر، فيجب أن يكون مصيبا في ذلك، فان قالوا:
هذا شيء قاله في مكان دون مكان فلما ظهر عنه أنكره جماعة من الصّحابة، قيل لهم: فان قنعتم بذلك، و اقترحتم في الدّعوى فاقنعوا منّا بمثله فيما اعتقدتموه في شعره في أبي بكر، و هذا ما لا فضل فيه على أنّ حسان بن ثابت قد شهد في شعره بامامة أمير المؤمنين عليه السّلام نصّا و ذكر ذلك بحضرة النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فجزاه خيرا في قوله:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمّ و أسمع بالرّسول مناديا
في أبيات تقدّم ذكره منّا في مقدّمات الخطبة الثّالثة المعروفة بالشّقشقيّة و شهد أيضا لأمير المؤمنين عليه السّلام بسبق قريش إلى الايمان حيث يقول:
جزى اللَّه خيرا و الجزاء بكفّه أبا حسن عنّا و من كأبي حسن
سبقت قريشا بالّذي أنت أهله فصدرك مشروح و قلبك ممتحن
فشهد بتقديم ايمان أمير المؤمنين عليه السّلام الجماعة، و هذا مقابل لما تقدّم و مسقط له فان زعموا أنّ هذا محتمل، فكذلك ما ذكرتموه عنه أيضا محتمل.
و أما روايتهم عن مجاهد فانّها مقصورة على مذهبه و رأيه و مقاله، و بازاء مجاهد عالم من التّابعين ينكرون عليه و يذهبون إلى خلافه في ذلك و أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أوّل النّاس ايمانا، و هذا القدر كاف في ابطال قول مجاهد، على أنّ الثابت عن مجاهد خلاف ما ادّعاه هؤلاء القوم و أضافوه إليه، و ضدّه و نقيضه روى ذلك منهم من لا يتّهم عليه سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد و اثره عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم السبّاق أربعة: يوشع بن نون إلى موسى بن عمران.
و صاحب يس إلى عيسى بن مريم، و سبق عليّ بن ابي طالب عليه السّلام إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و نسى النّاقل عن سفيان الآخر، و قد ذكرت في حديث غير هذا أنّه مؤمن آل فرعون و هذا يسقط تعلّقهم بما ادّعوه من مجاهد.
و أما حديث عمرو بن مرة عن إبراهيم فهو أيضا نظير قول مجاهد، و إنما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 273
اخبر عمرو عن مذهب إبراهيم، و الغلط جائز على إبراهيم و من فوقه، و بازاء إبراهيم من هو فوقه و أجلّ قدرا منه يدفع قوله و يكذّبه في دعواه كأبي جعفر و أبي عبد اللَّه الصّادق عليهما السّلام و من غير أهل البيت قتادة و الحسن و غيرهما مما لا يحصى كثرة و في هذا غني عن غيره.
قال الشيخ قدس اللَّه روحه فهذه جملة ما اعتمد القوم فيما ادّعوه من خلافنا في تقديم إيمان أمير المؤمنين عليه السّلام و تعلّقوا به، و قد بيّنت عوارها و أوضحت حالها، و أنا أذكر طرفا من أسماء من روى أنّ أمير المؤمنين كان أسبق الخلق إلى رسول اللَّه و أوّل من الذكور إجابة له و ايمانا به فمن ذلك الرّواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام نفسه من طريق سلمة بن كهيل عن حبّة العرني قال: سمعت عليا يقول: الّلهمّ لا أعرف عبدا لك عبدك من هذه الأمّة قبلي غير نبيّها عليه و آله السّلام، قال ذلك ثلاث مرّات، ثمّ قال: لقد صلّيت قبل أن يصلّى أحد سبعا.
و من طريق المنهال عن عباية الأسدى عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: لقد أسلمت قبل الناس بسبع سنين و من طريق جابر عن عبد اللَّه بن يحيى الحضرمي عن عليّ عليه السّلام قال: صلّيت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ثلاث سنين و لم يصلّ أحد غيري.
و من طريق نوح بن قيس الطّاخى عن سليمان أبي فاطمة عن معاذة العدوية قال: سمعت عليّا يخطب على منبر البصرة فسمعته يقول: أنا الصّديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، و أسلمت قبل أن يسلم.
و من طريق عمرو بن مرّة عن أبي البخترى عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: صلّيت قبل النّاس سبع سنين.
و من طريق نوح بن دراج عن خالد الخفاف قال: أدركت النّاس و هم يقولون: وقع بين عليّ و عثمان كلام فقال عثمان و اللَّه أبو بكر و عمر خير منك، فقال عليّ عليه السّلام كذبت و اللَّه لأنا خير منك و منهما، عبدت اللَّه قبلهما و عبدت اللَّه بعدهما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 274
و من طريق الحارث الأعور قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: اللّهمّ إنّي لا أعرف عبدا من عبادك عبدك قبلي.
و قال عليه السّلام قبل ليلة الهرير بيوم و يحرّض النّاس على أهل الشّام: أنا أوّل ذكر صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و لقد رأيتني أضرب بسيفي قدامه و هو يقول لا سيف إلّا ذو الفقار و لا فتى إلّا علىّ حياتك حياتي و موتك موتي.
و قال عليه السّلام و قد بلغه أنّ قوما يطعنون عليه في الاخبار عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بعد كلام خطبه «1»: بلغني أنكم تقولون إنّ عليا يكذب، فعلى من أكذب أعلى اللَّه فأنا أوّل من آمن به و عبده و وحّده، أم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فأنا أوّل من آمن به و صدّقه و نصره.
و قال عليه السّلام لمّا بلغه افتخار معاوية عند أهل الشّام شعره المشهور الذي يقول فيه:
سبقتكم إلى الاسلام طرّا صغيرا ما بلغت أوان حلمى
و أنا أذكر الشعر بأسره في موضع غير هذا عند الحاجة إليه إنشاء اللَّه تعالى.
و من ذلك ما رواه أبو أيّوب خالد بن زيد الأنصاري صاحب رسول اللَّه من طريق عبد الرحمن معمّر عن أبيه عن أبي أيّوب رحمه اللَّه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: صلّت الملائكة علىّ و على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام سبع سنين، و ذلك أنّه لم يصلّ معى رجل غيره.
و من ذلك ما رواه سلمان الفارسي رحمة اللَّه عليه من طريق عليم الكندي عن سلمان قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: أوّلكم ورودا علىّ الحوض أوّلكم اسلاما عليّ بن أبي طالب.
و من ذلك ما رواه أبو ذر الغفاري رحمة اللَّه عليه من طريق محمّد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه عن أبي ذر قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يقول لعليّ بن أبي طالب:
أنت أوّل من آمن بي، في حديث طويل.
و روى أبو سخيلة عن أبي ذر أيضا قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم هو آخذ بيد عليّ عليه السّلام يقول: أنت أوّل من آمن بي و أوّل من يصافحني يوم القيامة.
______________________________
(1) و قد مضى هذا الكلام برواية السيد ره في الكتاب و هو المختار السبعون، منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 275
و قد رواه ابن أبي رافع عن أبيه أيضا عن أبي ذر قال: أتيته اودّعه فقال:
ستكون فتنة فعليك بالشيخ عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه و تسليمه فانى سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يقول أنت أوّل من آمن بي.
و من ذلك ما رواه حذيفة اليمان رحمة اللَّه عليه عن طريق قيس بن مسلم عن ربعي بن خراش قال: سألت حذيفة اليمان عن عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه فقال: ذاك أقدم النّاس سلما و أرجح النّاس حلما.
و من ذلك ما رواه جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رحمة اللَّه عليه من طريق شريك عن عبد اللَّه بن محمّد بن عقيل عن جابر قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يوم الاثنين و أسلم عليّ عليه السّلام يوم الثّلثاء.
و من ذلك ما رواه زيد بن أرقم من طريق عمرو بن مرّة عن أبي حمزة مولى الأنصار قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: أوّل من صلّى مع النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم علىّ بن أبي طالب و من ذلك ما رواه زيد بن صوحان العبدي من طريق عبد اللَّه بن هشام عن أبيه عن طريف بن عيسى الغنوى أنّ زيد بن صوحان خطب في مسجد الكوفة فقال: سيروا إلى أمير المؤمنين و سيّد المسلمين و أوّل المؤمنين إيمانا.
و من ذلك ما روته أمّ سلمة زوج النّبيّ من طريق مساور الحميري عن امّه قالت: قالت امّ سلمة: و اللَّه لقد أسلم عليّ بن أبي طالب أوّل النّاس و ما كان كافرا، في حديث طويل.
و من ذلك ما رواه عبد اللَّه بن عبّاس بن عبد المطلب رحمة اللَّه عليه من طريق أبي صالح عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: صلّت الملائكة علىّ و على عليّ بن أبي طالب سبع سنين، قالوا و لم ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: لم يكن معى من الرّجال غيره، و من طريق عمرو بن ميمون عنه ما تقدّم ذكره، و روى مجاهد عنه أيضا مثل ذلك و قد سلف لنا فيما مضى.
و من ذلك ما رواه قثم بن العبّاس بن عبد المطلّب عن طريق قيس بن أبي حازم عن أبي إسحاق قال: دخلت على قثم بن العبّاس فسألته عن عليّ فقال: كان أوّلنا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 276
برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لحوقا و أشدّنا به لصوقا.
و من ذلك ما رواه مالك الأشتر رحمة اللَّه عليه من طريق الفضل بن أدهم المدني قال: سمعت مالك بن الحارث الاشتر يقول في خطبة خطبها بصفّين: معنا ابن عمّ نبيّنا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و سيف من سيوف اللَّه عليّ بن أبي طالب صلّى مع رسول اللَّه صغيرا و لم يسبقه بالصّلاة ذكر، و جاهد حتّى صار شيخا كبيرا.
و من ذلك ما رواه سعيد بن قيس من طريق مالك بن قدّامة الارحبى أنّ سعيد ابن قيس خطب النّاس بصفّين فقال: معنا ابن عمّ نبيّنا صدق و صلّى صغيرا و جاهد مع نبيّكم كبيرا.
و من ذلك ما رواه عمرو بن الحمق الخزاعي من طريق عبد اللَّه بن شريك العامري قال: قام عمرو بن الحمق يوم صفين فقال: يا أمير المؤمنين أنت ابن عمّ نبيّنا و أوّل المسلمين إيمانا باللَّه عزّ و جلّ.
و من ذلك ما رواه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص من طريق جندب قال: قال هاشم يوم صفّين: نجاهد في طاعة اللَّه مع ابن عمّ رسول اللَّه و أوّل من آمن باللَّه و أفقه النّاس في دين اللَّه.
و من ذلك ما رواه محمّد بن كعب من طريق عمر مولا غفرة عن محمّد بن كعب قال: أوّل من أسلم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
و من ذلك ما رواه مالك بن الحويرث من طريق مالك بن الحسن بن مالك قال: أخبرني أبي عن جدّي مالك بن الحويرث قال: أوّل من أسلم من الرّجال عليّ بن أبي طالب.
و من ذلك ما رواه أبو بكر عتيق بن أبي قحافة و عمر بن الخطاب و أنس ابن مالك و عمر و بن العاص و أبو موسى الأشعري.
و الذي رواه أبو بكر من طريق زافر بن سليمان عن الصّلت بن بهرام عن الشّعبي قال: مرّ عليّ بن أبي طالب على أبي بكر و معه أصحابه فسلّم عليهم و مضى فقال أبو بكر: من سرّه أن ينظر إلى أوّل النّاس في الاسلام سبقا و أقرب النّاس برسول اللَّه قرابة، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب، الحديث و قدّمناه فيما مضي.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 277
و أما عمر فانّ أبا حازم مولى ابن عباس قال: سمعت عبد اللَّه بن عباس يقول قال عمر بن الخطّاب: كفّوا عن عليّ بن أبي طالب فانّي سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فيه خصالا قال: إنّك أوّل المؤمنين بعدي ايمانا، و ساق الحديث.
و أما عمرو بن العاص فان تميم بن جذيم النّاحى قال: إنّا لمع أمير المؤمنين عليه السّلام بصفّين إذ خرج إليه عمرو بن العاص فأراد أن يكلّمه فقال عمرو: تكلّم فانّك أوّل من اسلم فاهتدى و وحّد فصلّى.
و من ذلك ما رواه أبو موسى الأشعري عن طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه سلمة عن أبي جعفر عن ابن عباس قال أبو موسى الأشعري: عليّ أوّل من أسلم.
و من ذلك ما رواه أنس بن مالك من طريق عباد بن عبد الصّمد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: لقد صلّت الملائكة علىّ و على عليّ بن أبي طالب سبع سنين، و ذلك أنّه لم يرفع إلى السّماء شهادة أن لا إله إلّا اللَّه و أني محمّدا رسول اللَّه إلّا منّي و من عليّ صلوات اللَّه عليه.
و من ذلك ما روى عن الحسن بن أبي الحسن البصري من طريق قتادة بن دعامة السّدوسي قال: سمعت الحسن يقول: إنّ عليّا عليه السّلام صلّى مع النّبي أوّل النّاس فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: صلّت الملائكة علىّ و على عليّ سبع سنين.
و من ذلك ما روى عن قتادة من طريق سعيد بن أبي عروبة قال: سمعت قتادة يقول: أوّل من صلّى من الرّجال عليّ بن أبي طالب.
و من ذلك ما روى عن أبي إسحاق من طريق يونس بن بكير عن محمّد بن إسحاق قال: كان أوّل ذكر آمن و صدّق عليّ بن أبي طالب و هو ابن عشر سنين، ثمّ أسلم بعده زيد بن حارثة.
و من ذلك ما روى عن الحسن بن زيد من طريق إسماعيل بن عبد اللَّه بن أبي يونس قال: أخبرني أبي عن الحسن بن زيد أنّ عليا كان أوّل ذكر أسلم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 278
فاما الرواية عن آل أبي طالب في ذلك فانّها أكثر من أن تحصى، و قد أجمع بنو هاشم و خاصّة آل عليّ لا تنازع بينهم على أنّ أوّل من أجاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من الذّكور عليّ بن أبي طالب و نحن أغنياء بشهرة ذلك عن ذكر طرقه و وجوهه.
فأما الاشعار التي تؤثر عن الصحابة في الشهادة له عليه السّلام بتقديم الايمان و أنّه أسبق الخلق إليه فقد وردت عن جماعة منهم و ظهرت عنهم على وجه يوجب العلم و يزيل الارتياب و لم يختلف فيها من أهل العلم بالنقل و الارتياب إثنان.
فمن ذلك قول خزيمة بن ثابت ذى الشهادتين رحمة الله عليه:
إذا نحن بايعنا عليّا فحسبنا أبو حسن ممّا يخاف من الفتن
وجدناه أولى النّاس بالنّاس أنّه أطبّ قريش بالكتاب و بالسّنن
و إنّ قريشا لا يشقّ غباره إذا ما جرى يوما على الضمر البدن
ففيه الذي فيه من الخير كلّه و ما فيهم مثل الذي فيه من حسن
وصىّ رسول اللَّه من دون أهله و فارسه قد كان في سالف الزمن
و أوّل من صلّى من النّاس كلّهم سوى خيرة النسوان و اللَّه ذو منن
و صاحب كبش القوم فيكلّ وقعة يكون لها نفس الشّجاع لدى الذقن
فذاك الذي تثني الخناصر باسمه إمامهم حتّى اغيّب في الكفن
و منه قول كعب بن زهير:
صهر النّبيّ و خير النّاس كلّهم فكلّ من رامه بالفخر مفخور
صلّى الصّلاة مع الامّي أوّلهم قبل العباد و ربّ النّاس مكفور
و منه قول حسان بن ثابت:
جزى اللَّه خيرا و الجزاء بكفّه «و قدّمنا البيتين فيما سلف»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 279
و منه قول ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب حيث يقول عند بيعة أبى بكر:
ما كنت أحسب أنّ الأمر منتقل عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن
أ ليس أوّل من صلّى لقبلتكم و أعلم النّاس بالآثار و السّنن
و آخر النّاس عهدا بالنّبي و من جبريل عون له في الغسل و الكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون به و ليس في القوم ما فيه من الحسن
ما ذا الذى ردّكم عنه فنعلمه ها إنّ بيعتكم من أوّل الفتن
و في هذا الشّعر قطع من قائله على إبطال إمامة أبي بكر و إثبات الامامة لأمير المؤمنين عليه السّلام.
و منه قول فضل بن عتبة بن أبي لهب فيما ردّ به على الوليد بن عقبة في مديحه لعثمان و مرثيته له و تحريضه على أمير المؤمنين (ع) في قصيدته التي يقول في أولها:
ألا إنّ خير النّاس بعد ثلاثة قتيل التجوبي الّذى جاء من مضر
(فقال الفضل رحمة اللَّه عليه:)
ألا إنّ خير النّاس بعد محمّد مهيمنه التاليه في العرف و النكر
و خيرته في خيبر و رسوله بنبذ عهود الشرك فوق أبي بكر
و أوّل من صلّى و صنو نبيّه و أوّل من أردى الغواة لدى بدر
فذاك عليّ الخير من ذا يفوقه أبو حسن حلف القرابة و الصهر
و في هذا الشعر دليل على تقدّم ايمان أمير المؤمنين عليه السّلام و على أنّه كان الأمير في سنة تسع على الجماعة و كان في جملة رعيّته أبو بكر على خلاف ما ادّعته النّاصبة من قولهم إنّ أبا بكر كان الأمير على الجماعة و إنّ أمير المؤمنين كان تابعا له.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 280
و منه قول مالك بن عبادة الغافقى حليف حمزة بن عبد المطلب رحمة الله عليه:
رأيت عليّا لا يلبّث قرنه إذا ما دعاه حاسرا أو مسر بلا
فهذا و في الاسلام أوّل مسلم و أوّل من صلّى و صام و هلّلا
و منه قول عبد اللَّه بن ابى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
و كان وليّ الأمر بعد محمّد عليّ و في كلّ المواطن صاحبه
وصيّ رسول اللَّه حقا و جاره و أوّل من صلّى و من لان جانبه
و في هذا الشعر أيضا دليل على اعتقاد هذا الرّجل في أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه كان الخليفة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بلا فصل.
و منه قول النجاشى بن الحارث بن كعب:
فقل للمضلّل من وائل و من جعل الغثّ يوما سمينا
جعلت ابن هند و أشياعه نظير عليّ أما تستحونا
إلى أوّل النّاس بعد الرّسول أجاب الرّسول من العالمينا
و منه قول جرير بن عبد اللَّه البجلى:
فصلّى الإله على أحمد رسول المليك تمام النعم
و صلّى على الطّهر من بعده خليفتنا القائم المدّعم
عليّا عنيت وصىّ النّبيّ يجالد عنه غواة الامم
له الفضل و السبق و المكرمات و بيت النّبوّة لا المهتضم
و في هذا الشّعر أيضا تصريح من قائله بامامة أمير المؤمنين عليه السّلام بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و أنّه كان الخليفة على من تقدّم.
و منه قول عبد اللَّه بن حكيم التميمى:
دعانا الزبير إلى بيعة و طلحة بعد ما أثقلا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 281
فقلنا صفقنا بأيماننا و إن شئتما فخذا الأشملا
نكثتم عليّا على بيعته و إسلامه فيكم أوّلا
و منه قول عبد اللَّه بن جبل حليف بنى جمح:
لعمرى لئن بايعتم ذا حفيظة على الدّين معروف العفاف موفّقا
عفيفا عن الفحشاء أبيض ماجد صدوقا و للجبّار قدما مصدّقا
أبا حسن فارضوا به و تبايعوا فليس كمن فيه لذى العيب منطقا
عليّ وصىّ المصطفى و وزيره و أوّل من صلّى لذى العرش و اتّقى
و منه قول ابى الاسود الدئلى:
و انّ عليّا لكم مفخر يشبه بالأسد الأسود
أما إنّه سيّد العابدين بمكّة و اللَّه لم يعبد
و منه قول زفر بن زيد بن حذيفة الاسدى:
فحوطوا عليّا و احفظوه فانّه وصيّ و في الاسلام أوّل أوّل
و منه قول قيس بن سعد بن عبادة بصفين:
هذا عليّ و ابن عمّ المصطفى أوّل من أجابه ممّن دعا
هذا إمام لا نبالي من غوى
و منه قول هاشم بن عتبة بن أبى وقاص بصفين:
أشلّهم بذى الكعوب شلّا مع ابن عمّ أحمد تجلّا
أوّل من صدّقه و صلّى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 282
(قال الشيخ قدّس اللَّه روحه:) و أمّا قول النّاصبة إنّ ايمان أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه لم يقع على وجه المعرفة و إنّما كان على وجه التقليد و التلقين و ما كان بهذه المنزلة لم يستحقّ صاحبه المدحة و لم يجب به الثّواب، و ادّعائهم أنّ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه كان في تلك الحال ابن سبع سنين و من كان هذه سنّه لم يكن كامل العقل و لا مكلّفا، فانّه يقال لهم: إنّكم قد جهلتم في ادّعائكم أنّه كان وقت مبعث النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ابن سبع سنين و قلتم قولا لا برهان عليه يخالف المشهور و يضادّ المعروف، و ذلك انّ جمهور الرّوايات جاءت بأنّه عليه السّلام قبض و له خمس و ستّون سنة و جاء في بعضها أنّ سنه كانت عند وفاته ثلاثا و ستّين فأمّا ما سوى هاتين الرّوايتين فشاذّ مطروح و قد يعرف في صحيح النّقل و لا يقبله أحد من أهل الرّواية و العقل.
و قد علمنا أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام صحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ثلاثا و عشرين سنة منها ثلاث عشرة قبل الهجرة، و عشر بعدها، و عاش بعده ثلاثين سنة، و كانت وفاته في أربعين من الهجرة، فاذا حكمنا في سنّه على خمس و ستّين كما تواترت به الأخبار كانت سنّه عند مبعث النّبي صلّى اللَّه عليه و آله اثنتى عشرة سنة، و إن حكمنا على ثلاث و ستّين كانت سنّه عند المبعث عشر سنين، و كيف يخرج من هذا الحساب أن يكون سنّه عند المبعث سبع سنين.
اللّهمّ إلّا أن يقول قائل إنّ سنّه كانت عند وفاته ستّين سنة فيصحّ ذلك له إلّا أنه يكون دافعا للمتواتر من الأخبار، منكرا للمشهور من الآثار، معتمدا على الشّاذ من الرّوايات، و من صار إلى ذلك كان الأولى في مناظرته البيان له على وجه الكلام في الأخبار، و التّوقيف على طرق الفاسد من الصّحيح فيها دون المجازفة في المقالة، و كيف يمكن عاقلا سمع الأخبار أو نظر في شيء من الآثار أن يدّعى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام توفّى و له ستّون سنة مع قوله عليه السّلام الشائع عنه الذايع في الخاص و العام عند ما بلغه من ارجاف أعدائه في التدبير و الرّأى:
بلغني أنّ قوما يقولون إنّ عليّ بن أبي طالب شجاع لكن لا بصيرة له بالحرب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 283
للَّه أبوهم و هل فيهم أحد أبصر بها منّي لقد قمت فيها و ما بلغت العشرين وها أنا قد ذرفت على الستّين، و لكن لا رأى لمن لا يطاع.
فخبّر عليه السّلام بأنّه نيف على الستّين في وقت عاش بعده دهرا طويلا، و ذلك في أيّام صفين و هكذا يكذب قول من زعم أنه صلوات اللَّه عليه توفّى و له ستّون سنة مع أنّ الرّوايات قد جاءت مستفيضة ظاهرة بأنّ سنّه كانت عند وفاته بضعا و ستّين سنة و في مجيؤها بذلك على الانتشار دليل على بطلان مقال من أنكر ذلك.
فمن ذلك ما ذكره عليّ بن عمرو بن أبي سيرة عن عبد اللَّه بن محمّد بن عقيل قال: سمعت محمّد بن الحنفية يقول في سنة الجحاف حين دخلت سنة إحدى و ثمانين هذه لي خمس و ستّون سنة و قد جاوزت من أبي قلت: و كم كان سنّه يوم قتل؟ قال: ثلاثا و ستّين سنة.
و منهم أبو القاسم نعيم قال: حدّثنا شريك عن أبي إسحاق قال توفّى عليّ صلاة اللَّه عليه و هو ابن ثلاث و ستّين سنة.
و منهم يحيى بن أبي كثير عن سلمة قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: و قد سئل عن سنّ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه يوم قبض قال: قد كان نيف على السّتين.
و منهم ابن عايشة من طريق أحمد بن زكريّا قال: سمعته يقول: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و عليّ ابن عشر سنين و قتل علىّ و له ثلاث و ستّون سنة و منهم الوليد بن هاشم الفخذي «الفحدمى خ» من طريق أبي عبد اللَّه الكواسجى «شحى خ» قال: أخبرنا الوليد بأسانيد مختلفة أنّ عليّا صلوات اللَّه عليه قتل بالكوفة يوم الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين و هو ابن خمس و ستّين سنة.
(فأما) من روى أنّ سنه كانت عند البعثة أكثر من عشر سنين فغير واحد.
منهم عبد اللَّه بن مسعود من طريق عثمان بن المغيرة عن وهب عنه قال:
إنّ أوّل شيء علمته من أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أنّى قدمت مكّة فأرشدونا إلى العباس ابن عبد المطلّب فانتهينا إليه و هو جالس إلى زمزم فبينا نحن جلوس إذ أقبل رجل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 284
من باب الصّفا عليه ثوبان أبيضان على يمينه غلام مراهق أو محتلم تتبعه امرأة قد سترت محاسنها حتّى قصدوا الحجر، فاستلمه و الغلام و المرأة ثمّ طاف بالبيت سبعا و الغلام و المرأة يطوفان معه، ثمّ استقبل الكعبة فقام فرفع يديه و كبّر فقام الغلام عن يمينه و كبّر و قامت المرأة خلفهما فرفعت يديها فكبّرت، فأطال القنوت ثمّ ركع فركع الغلام و المرأة معه، ثمّ رفع رأسه فأطال القنوت، ثمّ سجد و يصنعان ما صنع فلمّا رأينا شيئا ننكره و لا نعرفه بمكّه أقبلنا على العباس فقلنا: يا أبا الفضل إنّ هذا الدّين ما كنّا نعرفه، قال: أجل و اللَّه ما تعرفون هذا، قلنا: ما تعرفه قال:
هذا ابن أخى محمّد بن عبد اللَّه، و هذا عليّ بن أبي طالب، و هذه المرأة خديجة بنت خويلد، و اللَّه ما على وجه الأرض أحد يعبد اللَّه بهذا الدّين إلّا هؤلاء الثلاثة.
و روى قتادة عن الحسن و غيره قال: كان أوّل من آمن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و هو ابن خمس عشرة سنة أو ستّ عشرة سنة.
و روى شدّاد بن أوس قال: سألت خباب بن الأرتّ عن إسلام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: أسلم و هو ابن خمس عشرة سنة، و لقد رأيته يصلّى مع النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و هو مستحكم البلوغ.
و روى عليّ بن زيد عن أبي نضرة قال: أسلم عليّ و هو ابن أربع عشرة سنة، و كان له يومئذ ذؤابة يختلف إلى الكتاف.
و روى عبد اللَّه بن زياد عن محمّد بن عليّ قال: أوّل من آمن باللَّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و هو ابن إحدى عشرة سنة.
و روى الحسن بن زيد قال: أوّل من أسلم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و هو ابن خمسة عشرة، و قد قال عبد اللَّه بن الحارث بن أبي سفيان بن عبد المطلب.
و صلّى عليّ مخلصا بصلاته لخمس و عشر من سنيه كوامل
و خلّى اناسا بعده يتبعونه له عمل أفضل به صنع حامل
و روى سلمة بن كهيل عن أبيه عن حبة بن جوين العرني قال: أسلم علىّ صلوات اللَّه عليه و آله و كان له ذؤابة يختلف إلى الاكتاف.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 285
على أنّا لو سلّمنا لخصومنا ما ادّعوه من أنه كان له عند المبعث سبع سنين لم يدلّ ذلك على صحّة ما ذهبوا إليه من أنّ ايمانه كان على وجه التّلقين دون المعرفة و اليقين، و ذلك أنّ صغر السنّ لا ينافي كمال العقل و ليس دليل وجوب التكليف بلوغ الحلم فيراعى ذلك هذا باتّفاق أهل النّظر و العقول، و إنّما يراعى بلوغ الحلم في الأحكام الشّرعية دون العقلية، فقد قال سبحانه في قصّة يحيى: و آتيناه الحكم صبيّا، و قال في قصّة عيسى: فأشارت إليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيّا، قال إنّي عبد اللَّه آتاني الكتاب و جعلنى نبيّا و جعلنى مباركا أينما كنت و أوصانى بالصّلوة و الزّكاة ما دمت حيّا، فلم ينف صغر سنّ هذين النّبيّين عليهما السلام كما عقلهما أو الحكمة الّتي آتاهما اللَّه سبحانه، و لو كانت العقول تحيل ذلك لا حالته فيكلّ أحد و على كلّ حال.
و قد أجمع أهل التفسير إلّا من شذّ عنهم في قوله تعالى: و شهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت و هو من الكاذبين و إن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت و هو من الصّادقين، أنّه كان طفلا صغيرا في المهد أنطقه اللَّه عزّ و جلّ حتّى برء يوسف من الفحشاء و أزال عنه التهمة.
و النّاصبة إذا سمعت هذا الاحتجاج قالت: إنّ هذا الذي ذكرتموه فيمن عددتموه كان معجزا لخرق العادة و دلالة لنبيّ من أنبياء اللَّه، فلو كان أمير المؤمنين مشاركا لمن وصفتموه في خرق العادة لكان معجزا له أو للنبيّ و ليس يجوز أن يكون معجزا له و لو كان معجزا للنّبيّ لجعله في معجزاته و احتجّ به في جملة بيّناته و لجعله المسلمون في آياته، فلمّا لم يجعله رسول اللَّه لنفسه علما و لا عدّه المسلمون في معجزاته علمنا أنّه لم يجر فيه الأمر على ما ذكرتموه.
فيقال لهم: ليس كلّ ما خرق اللَّه به العادة وجب أن يكون علما و لا لزم أن يكون معجزا و لا شاع علمه في العام و لا عرف من جهة الاضطرار، و إنّما المعجز العلم هو خرق العادة عند دعوة داع أو برائة معروف يجرى براءته مجرى التّصديق له في مقاله، بل هى تصديق في المعنى و إن لم يك تصديقا بنفس اللّفظ و القول،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 286
و كلام عيسى إنّما كان معجزا لتصديقه له في قوله: إنّي عبد اللَّه آتاني الكتاب و جعلني نبيّا، مع كونه خرقا للعادة و شاهدا لبرائة أمّه من الفاحشة.
و لصدقها فيما ادّعته من الطهارة، و كان حكمة يحيى في حال صغره تصديقا له في دعوته في الحال و لدعوة أبيه زكريّا فصارت مع كونها خرق العادة دليلا و معجزا، و كلام الطّفل في برائة يوسف إنّما كان معجزا لخرق العادة بشهادته ليوسف عليه السّلام للصّدق في برائة ساحته و يوسف نبيّ مرسل فثبت أنّ الأمر ما ذكرنا و لم يكن كمال عقل أمير المؤمنين شاهدا في شي ء ممّن ادّعاه و لا استشهد هو عليه السّلام به فيكون مع كونه خرقا للعادة معجزا و لو استشهد به أو شهد على حدّ ما شهد الطفل ليوسف و كلام عيسى له و لامّه و كلام يحيى لأبيه بما يكون في المستقبل و الحال لكان لخصومنا وجه للمطالبة بأن يذكر ذلك في المعجزات لكن لا وجه له على ما بينّاه.
على أنّ كمال عقل أمير المؤمنين عليه السّلام لم يكن ظاهرا للحواسّ، و لا معلوما بالاضطرار فيجرى مجرى كلام المسيح، و حكمة يحيى، و كلام شاهد يوسف، فيمكن الاعتماد عليه في المعجزات، و إنّما كان طريق العلم مقال الرّسول و الاستدلال الشّاق بالنظر الثاقب و السرّ لحاله عليه السّلام و على مرور الأوقات بسماع كلامه و التأمل لاستدلالاته و النظر فيما تؤدّي إلى معرفته و فطنته ثمّ لا يحصل ذلك إلّا لخاص من النّاس و من عرف وجوه الاستنباطات و ما جرى هذا المجرى فارق حكمه حكم ما سلف للأنبياء من المعجزات و ما كان لنبيّنا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من الاعلام إذا تلك بظواهرها فقدح في القلوب أسباب اليقين و تشرك الجميع في الحال الظاهرة منها المنبئة عن خرق العادات دون أن تكون مقصورة على ما ذكرناه من البحث الطويل و الاستقرار للأحوال على مرور الأوقات أو الرّجوع فيه إلى نفس قول الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم الذي يحتاج في العلم به إلى النّظر في معجز غيره و الاعتماد على ما سواه من البيّنات فلا ينكر أن يكون الرسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم إنّما عدل عن ذكر ذلك و احتجاجه به في جملة آياته لما وصفناه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 287
و شيء آخر و هو أنّه لا ينكر أن يكون اللَّه سبحانه علم من مصلحة خلقه الكفّ من رسول اللَّه عن الاحتجاج بذلك و الدّعاء إلى النظر فيه و أنّ اعتماده على ما ظاهره خرق العادة أولى في مصلحة الدّين.
و شيء آخر و هو أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و إن لم يحتجّ به على التفصيل و التعيين فقد فعل ما يقوم مقام الاحتجاج به على البصيرة و اليقين، فابتدأ عليّا عليه السّلام بالدعوة قبل الذّكور كلّهم ممّن ظاهره البلوغ و افتتح بدعوته قبل أداء رسالته، و اعقد عليه في ايداعه سرّه و أودعه ما كان خائفا من ظهوره عنه، فدلّ باختصاصه بذلك على ما يقوم مقام قوله إنّه معجز له و إنّ بلوغ عقله علم على صدقه، ثمّ جعل ذلك من مفاخره و جليل مناقبه و عظيم فضايله، و نوّه بذكره و شهره بين أصحابه فاحتجّ له به في اختصاصه، و كذلك فعل أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه في ادّعائه له، فاحتجّ به على خصومه و تمدّح به بين أوليائه و فخربه على جميع أهل زمانه، و ذلك هو معنى النطق بالشّهادة بالمعجز له بل هو الحجّة في كونه نائبا في القوم بما خصّه اللَّه تعالى منه و نفس الاحتجاج لعلمه و دليل اللَّه و برهانه و هذا يسقط ما اعتمدوه.
و ممّا يدلّ على أنّ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه كان عند بعثة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بالغا مكلّفا و أنّ إيمانه به كان بالمعرفة و الاستدلال و أنّه وقع على أفضل الوجوه و آكدها في استحقاق عظيم الثّواب أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم مدحه به و جعله من فضائله و ذكره في مناقبه، و لم يك بالذي يفضل بما ليس يفضل و يجعل في المناقب ما لا يدخل في جملتها، و يمدح على ما لا يستحقّ عليه الثواب.
فلما مدح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أمير المؤمنين عليه السّلام بتقدّمه الايمان فيما ذكرناه آنفا:
من قوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لفاطمة عليها السّلام: أما ترضين أنّي زوّجتك أقدمهم سلما: و قوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في رواية سلمان: أوّل هذه الأمّة ورودا على نبيّها الحوض أوّلها إسلاما عليّ بن أبي طالب و قوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: لقد صلّت الملائكة علىّ و على عليّ بن أبي طالب سبع سنين، و ذلك إنّه لم لم يكن من الرّجال أحد يصلّى غيري و غيره.
و إذا كان الأمر على ما وصفناه فقد ثبت أنّ إيمانه وقع بالمعرفة و اليقين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 288
دون التقليد و التلقين لا سيّما و قد سمّاه رسول اللَّه إيمانا و إسلاما و ما يقع من الصبيان على وجه التلقين لا يسمّى على الاطلاق الدّيني إيمانا و إسلاما.
و يدلّ على ذلك أيضا أنّ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه قد تمدّح به و جعله من مفاخره و احتجّ به على أعدائه و كرّره في غير مقام من مقاماته حيث يقول:
اللّهمّ إنّي لا أعرف عبدا لك عبدك من هذه الامة قبلى، و قوله أنا الصّديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر و أسلمت قبل أن يسلم و قوله صلوات اللَّه عليه لعثمان أنا خير منك و منهما عبدت اللَّه قبلهما و عبدت اللَّه بعدهما و قوله عليه السّلام أنا أوّل ذكر صلّى، و قوله عليه السّلام على من اكذب أعلى اللَّه فأنا أوّل من آمن به و عبده.
فلو كان إيمانه على ما ذهبت إليه النّاصبة من جهة التّلقين و لم يكن له معرفة و لا علم بالتّوحيد لما جاز منه أن يتمدّح بذلك، و لا أن يسمّيه عبادة و لا أن يفخر به على القوم، و لا أن يجعله تفضيلا له على أبي بكر و عمر، و لو أنه فعل من ذلك ما لا يجوز لردّه عليه مخالفوه و اعترضه فيه مضادّوه و حاجّه في بطلانه مخاصموه، و في عدول القوم عن الاعتراض عليه في ذلك و تسليم الجماعة له ذلك دليل على ما ذكرناه و برهان على فساد قول النّاصبة الذي حكيناه.
و ليس يمكن أن يدفع ما رويناه في هذا الباب من الأخبار لشهرتها و اجماع الفريقين من النّاصبة و الشّيعة على روايتها، و من تعرّض للطعن فيها مع ما شرحناه لم يمكنه الاعتماد على تصحيح خبر وقع في تأويله الاختلاف، و في ذلك ابطال جمهور الأخبار، و إفساد عامة الآثار وهب أنّ من لا يعرف الحديث و لا خالط أهل العلم يقدم على انكار بعض ما رويناه أو يعاند فيه بعض العارفين به و يغتنم الفرصة بكونه خاصّا في أهل العلم كيف يمكن دفع شعر أمير المؤمنين في ذلك و قد شاع من شهرته على حدّ يرتفع فيه الخلاف و انتشر حتّى صار مسموعا من العامّة فضلا عن الخواص في قوله عليه السّلام:
محمّد النّبي أخى و صنوى و حمزة سيّد الشّهداء عمّي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 289
و جعفر الذي يضحى و يمسى يطير مع الملائكة ابن امّى
و بنت محمّد سكنى و عرسى مساط لحمها بدمى و لحمي
و سبطا أحمد ولداى منها فمن فيكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الاسلام طرّا على ما كان من فهمى و علمي
و أوجب لي الولاء معا عليكم خليلي يوم دوح غدير خم
و في هذا الشعر كفاية في البيان عن تقدّم ايمانه و أنّه وقع مع المعرفة بالحجة و البيان، و فيه أيضا أنّه كان الامام بعد الرسول بدليل المقال الظّاهر في يوم الغدير الموجب للاستخلاف.
و ممّا يؤيد ما ذكرناه ما رواه عبد اللَّه بن الأسود البكرى عن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى يوم الاثنين و صلّت خديجة معه و دعا عليّا إلى الصّلاة معه يوم الثلثاء فقال له: أنظرني حتّى ألقى أبا طالب فقال له النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: إنّها أمانة، فقال عليّ: فإن كانت أمانة فقد أسلمت لك فصلّى معه و هو ثاني يوم المبعث.
و روى الكليني عن أبي صالح عن ابن عبّاس مثله، و قال في حديث إنّ هذا دين يخالف دين أبي حتّى أنظر فيه و اشاور أبا طالب فقال له النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: انظرواكتم، قال: فمكث هنيئة ثمّ قال بل أجبتك و اصدّق بك فصدّقه و صلّى معه.
و روى هذا المعنى بعينه و هذا المقال من أمير المؤمنين على اختلاف في اللفظ و اتفاق في المعنى كثير من حملة الآثار، و هو يدلّ على أنّ أمير المؤمنين كان مكلّفا عارفا في تلك الحال بتوقفه و استدلاله و تمييزه بين مشورة أبيه و بين الاقدام على القبول و الطاعة للرّسول من غير فكرة و لا تأمل، ثمّ خوفه أن القى ذلك إلى أبيه أن يمنعه منه مع أنّه حقّ فيكون قد صدّ عن الحقّ فعدل عن ذلك إلى القبول و عدل من النّبيّ مع أمانته و ما كان يعرفه من صدقه من مقاله و ما سمعه من القرآن الذي نزل عليه و أراد اللَّه من برهانه أنه رسول محقّ فآمن به و صدّقه، و هذا بعد أن ميّز بين الامانة و غيرها و عرف حقّها و كره أن يفشى سرّ الرسول و قد ائتمنه عليه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 290
و هذا لا يقع باتفاق من صبىّ لا عقل له و لا يحصل ممّن لا تميز معه.
و يؤيده أيضا ما ذكرناه أنّ النبىّ بدء به في الدّعوة قبل الذكور كلّهم و إنّما أرسله اللَّه تعالى إلى المكلّفين فلو لم يعلم أنه عاقل مكلّف لما افتتح به أداء رسالته و قدّمه في الدعوة على جميع من بعث اللَّه إليه، لأنه لو كان الأمر على ما ادّعته الناصبة لكان عليه السّلام قد عدل عن الأولى و تشاغل بما لم يكلّفه عن أداء ما كلّفه و وضع فعله في غير موضعه، و رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يجلّ عن ذلك.
و شي ء آخر و هو أنه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم دعا عليّا في حال كان مستترا فيها بدينه كاتما لأمره خائفا ان شاع من عدوّه فلا يخلو أن يكون قد كان واثقا من أمير المؤمنين بكتم سرّه و حفظ وصيّته و امتثال أمره و حمله من الدّين ما حمله، أو لم يكن واثقا بذلك فان كان واثقا و لم يثق به عليه السّلام إلّا و هو في نهاية كمال العقل و على غاية الأمانة و صلاح السريرة و العصمة و الحكمة و حسن التّدبير، لأنّ الثقة بما وصفناه دليل جميع ما شرحناه على الحال الّتى قدّمنا وصفها، و إن كان غير واثق من أمير المؤمنين بحفظ سرّه و غير آمن من تضييعه و إذاعة أمره فوضعه عنده من التفريط و ضدّ الحزم و الحكمة و التدبير، حاشا الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من ذلك و من كلّ صفة نقص و قد أعلى اللَّه عزّ و جلّ رتبته و أكذب مقال من ادّعا ذلك فيه.
و إذا كان الأمر على ما بيّناه فما ترى النّاصبة قصدت بالطّعن في ايمان أمير المؤمنين إلّا عيب الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و الزم لافعاله و وصفه بالعبث و التفريط و وضع الأشياء غير موضعها و الازراء عليه في تدبيراته و ما أراد مشايخ القوم و من ألقى هذا المذهب اليهم إلّا ما ذكرناه و اللَّه متمّ نوره و لو كره الكافرون.
و انما أوردت هذا الكلام بطوله مع كثرة فوائده و مزيد عوائده و وثاقة مبانيه و لطافة معانيه و إنبائه عن علوّ شأن قائله و رفعة مقامه و طول باعه في باب المناظرة و الجدال و قوّة ذراعه في إبطال مقال أهل العصبيّة و الضّلال، فحرىّ له أن يلقّب بالمفيد و هنيئا له أن يخرج باسمه التّوقيع الشريف من الامام الرّشيد، جزاه اللَّه عن مذهب الحقّ و أهله خير الجزاء.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 291
و أما الشارح المعتزلي:
فقد قال في شرح الكلام السّادس و الخمسين إنّ أكثر أهل الحديث و أكثر المحقّقين من أهل السّيرة رووا أنّه أوّل من أسلم، ثمّ روى من كتاب الاستيعاب لأبي عمرو يوسف بن عبد البرّ روايات كثيرة دالّة على سبق إسلامه عليه السّلام.
و قال بعدها: و اعلم أنّ شيوخنا المتكلّمين لا يكادون يختلفون في أنّ أوّل النّاس إسلاما عليّ بن أبي طالب إلّا من عساه خالف في ذلك من أوائل البصرييّن، فأمّا الذي تقرّرت المقالة عليه الآن فهو القول بأنّه سبق الناس إلى الايمان لا تكاد تجد اليوم في تصانيفهم و عند متكلّميهم و المحقّقين منهم خلافا في ذلك.
قال: و اعلم أنّ أمير المؤمنين ما زال يدّعى ذلك لنفسه و يفتخر به و يجعله في أفضليّته على غيره و يصرّح بذلك، و قد قال غير مرّة: أنا الصدّيق الأكبر، و أنا الفاروق الأوّل أسلمت قبل اسلام أبي بكر و صلّيت قبل صلانه.
و روى عنه هذا الكلام بعينه أبو محمّد بن قتيبة في كتاب المعارف و هو غير متّهم في أمره و من الشّعر المروىّ عنه في هذا المعنى الأبيات التي أوّلها:
محمّد النبيّ أخى و صنوى و حمزة سيّد الشهداء عمّى
و من جملتها:
سبقتكم إلى الاسلام طرّا غلاما ما بلغت أوان حلمي
و الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة جدّا لا يتّسع هذا الكتاب لذكرها فليطلب من مظانّها، و من تأمّل كتب السّير و التّواريخ عرف من ذلك ما قلناه.
ثمّ قال: فأمّا الذّاهبون إلى أنّ أبا بكر أقدمها إسلاما فنفر قليلون، و نحن نذكر ما أورده ابن عبد البرّ أيضا في كتاب الاستيعاب في ترجمة أبي بكر و ذكر الأخبار الواردة في سبق إسلامه، ثمّ قال و معلوم أنّه لا نسبة لهذه الرّوايات التي ذكرناها في ترجمة علىّ الدّالة على سبقه، و لا ريب أنّ الصّحيح ما ذكره أبو عمرو أنّ عليّا كان هو السابق و أنّ أبا بكر هو أوّل من أظهر الاسلام فظنّ أنّ السّبق له. فدلّ مجموع ما ذكرناه أنّ عليّا هو أوّل النّاس إسلاما و أنّ المخالف في ذلك شاذّ، و الشّاذّ لا يعتدّ به.
الترجمة:
و بتحقيق كه شما دانسته ايد آنكه جائز و سزاوار نيست كه باشد حاكم والى بر فرجها و بر خونها و غنيمتها و حكمها و أمانت مسلمانان شخص بخيل تا شود در مالهاى ايشان حرص و رغبت او، و نه شخص نادان تا بضلالت اندازد ايشان را بجهالت خود، و نه شخص كج خلق تا ببرد ايشان را از يكديگر بجهة كج خلقي خود، و نه شخص ظلم كننده در دولتها تا فرا گيرد قوم دون قوم را و ترجيح بدهد بعض ايشان را به بعضى، و نه شخص رشوت گيرنده در حكم تا ببرد حقوق مسلمانان را و نگه بدارد آن حقوق را در مقام قطع كردن و قطع و فصل ننمايد، و نه شخصى كه تعطيل كننده است سنّت و شريعت مطهره را تا اين كه بهلاكت اندازد امت را.