منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 358
الفصل الثاني منها:
كأنّي قد نعق بالشّام، و فحص براياته في ضواحي كوفان، فعطف عليها عطف الضّروس، و فرش الأرض بالرّؤوس قد فغرت فاغرته، و ثقلت في الأرض وطأته، بعيد الجولة، عظيم الصّولة، و اللّه ليشرّدنّكم في أطراف الأرض حتّى لا يبقى منكم إلّا قليل كالكحل في العين، فلا تزالون كذلك حتّى تؤب إلى العرب عوازب أحلامها، فالزموا السّنن القائمة، و الآثار البيّنة، و العهد القريب الّذي عليه باقي النّبوّة، و اعلموا أنّ الشّيطان إنّما يسنّي لكم طرقه لتتّبعوا عقبه. (27989- 27912)
اللغة:
(نعق) الرّاعي ينعق من باب ضرب نعيقا صاح بغنمه و زجرها و (فحصت) عن الشّيء و تفحّصت استقصيت في البحث عنه، و فحص المطر التّراب قلبه و فحص فلان أسرع و (ضواحى) البلد نواحيه البارزة لأنّها تضحى و قيل ما قرب منه من القرى و (الضّروس) النّاقة السّيئة الخلق و (فغر) الفم فغرا من باب نفع انفتح و فغرته فتحته يتعدّى و لا يتعدّى و (شرد) البعير شرودا من باب قعد ندّ و نفر و شرّدته تشريدا و (عزب) الشيء عزوبا من باب قعد أيضا بعد و عزب من بابي قتل و ضرب غاب و خفى فهو عازب و الجمع عوازب و (سنّاه) تسنية سهّله و فتحه و (العقب) مؤخر القدم.
الاعراب:
الباء في قوله: بالشام، بمعنى في، و في قوله: و فحص براياته، للمصاحبة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 359
أو زائدة و قال الشّارح المعتزلي: ههنا مفعول محذوف تقديره و فحص النّاس براياته أى نحاهم و قلبهم يمينا و شمالا.
أقول: إن كان فحص بمعنى أسرع فلا حاجة إلى حذف المفعول و على جعله بمعنى قلب فيمكن جعل براياته مفعولا و الباء فيها زائدة، و قوله: بعيد الجولة منصوب على الحال و كذلك عظيم الصّولة و يرويان بالرفع فيكونان خبرين لمبتدأ محذوف، و إضافتها لفظيّة لأنّها من إضافة الصّفة إلى فاعلها.
قال نجم الأئمة الرّضى: و أمّا الصفة المشبّهة فهى أبدا جائزة العمل، فاضافتها أبدا لفظيّة، و الفاء في قوله: فالزموا فصيحة.
المعنى:
اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام الظاهر أنّه اشارة إلى السّفياني كما استظهره المحدّث العلّامة المجلسي طاب ثراه، و قال أكثر الشّراح إنّه إخبار عن عبد الملك بن مروان، و ذلك لأنّه ظهر بالشّام حين جعله أبوه الخليفة من بعده و سار لقتال مصعب بن الزبير إلى الكوفة بعد قتل مصعب مختار بن أبي عبيدة الثقفي فالتقوا بأرض مسكن بكسر الكاف من نواحى الكوفة، ثمّ قتل مصعبا و دخل الكوفة فبايعه أهلها، و بعث الحجّاج بن يوسف إلى عبد اللّه بن الزّبير بمكّة فقتله و هدم الكعبة و ذلك سنة ثلاث و سبعين من الهجرة، و قتل خلقا عظيما من العرب في وقايع عبد الرّحمن بن الأشعث.
إذا عرفت ذلك فلنعد إلى شرح كلامه عليه السّلام فنقول قوله (كأنّى به) أى كانّى ابصر بالشخص الذي يظهر و أراه رأى العين (قد نعق) و صاح بجيشه للشخوص (بالشّام و فحص) أى أسرع (براياته في صواحى كوفان) أي أطراف الكوفة و نواحيها البارزة تشبيه (فعطف عليها عطف الضّروس) شبّه عطفه أى حمله بعطف النّاقة السّيئة الخلق التي تعضّ حالبها لشدة الغضب و الأذى الحاصل منه كما فيه.
استعارة تبعيّة- استعاره بالكنايه- استعاره تخييلية (و فرش الأرض بالرّؤوس) استعارة تبعيّة أى غطّاها بها كما يغطى المكان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 360
بالفراش، أو استعارة بالكناية حيث شبّه الرّؤوس بالفراش في كون كلّ منهما ساترا لوجه الأرض و مغطيّا لها فيكون ذكر فرش تخييلا و الأظهر جعله كناية عن كثرة القتلى فيها استعاره بالكنايه- استعاره تخييلية (قد فغرت فاغرته) استعارة بالكناية حيث شبّه بالسّبع الضارى يصول و ينفتح فمه عند الصّيال و الغضب فاثبت الفغر تخييلا.
كنايه (و ثقلت في الأرض وطأته) كناية عن استيلائه و تمكنه في الأرض لا عن ظلمه و جوره كما توهّمه الشّارح المعتزلي إذ لا ملازمة بين ثقل الوطى و الجور عرفا كما هو ظاهر (بعيد الجولة) أى جولان خيوله و جيوشه في البلاد و اتساع ملكه أو جولان رجاله في الحروب بحيث لا يتعقّبه السكون (عظيم الصّولة) أى صياله في القتال.
و لما فرغ من صفاته العامّة أشار إلى ما يفعله بهم مفتتحا بالقسم البارّ تحقيقا لوقوع المخبر به و تحقّقه لا محالة فقال تشبيه (و اللّه ليشردّنكم) أى يطردنكم و يذهبنّ بكم (في أطراف الأرض حتّى لا يبقى منكم إلّا قليل كالكحل في العين) شبّه النّاجي من شرّهم بالكحل بالاشتراك فى القلّة (فلا تزالون كذلك) مشرّدين مطرودين منقضين محتقرين (حتّى تؤب) و ترجع (إلى العرب عوازب أحلامها) أى ما كان ذهب من عقولهم العملية في نظام أحوالهم و انتظام امورهم.
قال الشارح المعتزلي: و العرب ههنا بنو العبّاس و من اتّبعهم من العرب أيّام ظهور الدّولة كقحطبة بن شبيب الطّائى و ابنيه حميد و الحسن و كبني رزيق بتقديم الراء المهملة منهم طاهر بن الحسين و إسحاق بن إبراهيم المصعبى و عدادهم في خزاعة و غيرهم من العرب من شيعة بني العبّاس و قد قيل إنّ أبا مسلم أيضا عربيّ أصله، و كلّ هؤلاء و آباؤهم كانوا مستضعفين مقهورين مغمورين في دولة بني اميّة لم ينهض منهم ناهض و لا وثب إلى الملك واثب إلى أن أفاء اللّه تعالى هؤلاء ما كان ذهب و عزب عنهم من إبائهم و حميتهم فغاروا للدّين و المسلمين من جور بني مروان و ظلمهم و قاموا بالأمر و أزالوا تلك الدّولة التي كرهها اللّه تعالى و أذن في انتقالها.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 361
ثمّ أمرهم باتّباع السّنة النبويّة و سلوك جادّة الشّريعة بقوله (فالزموا السّنن القائمة و الآثار البيّنة) أى الواضحة الرّشد (و العهد القريب الذي عليه باقي النّبوة) يعني عهده و أيّامه عليه السّلام.
قال الشّارح المعتزلي: و كأنه عليه السّلام خاف من أن يكونوا باخباره لهم بأنّ دولة هذا الجبّار تنقضى إذا آبت إلى العرب عوازب أحلامها يتوهّمون وجوب اتّباع ولاة الدّولة الجديدة في كلّ ما تفعله، فوصّيهم بهذه الوصيّة، أنّه إذا تبدّلت تلك الدّولة فالزموا الكتاب و السنّة و العهد الّذي فارقتكم عليه.
ثمّ نبّه على خدع الشيطان و تسهيله طرق المعاصى ليتنبّهوا عليها و يحذروا منها فقال (و اعلموا أن الشّيطان يسنى) و يسهل (لكم طرقه لتتّبعوا عقبه) حتّى يوقعكم في العذاب الأليم و الخزى العظيم.
الترجمة:
اين فصل از خطبه اشارتست بفتنه سفيانى كه قبل از ظهور امام زمان عليه السّلام خروج خواهد كرد، يا بفتنه عبد الملك بن مروان عليه اللّعنة و النّيران مى فرمايد كه:
گويا مى نگرم باو در حالتي كه فرياد كند در شام و بر گرداند علمهاى خود را يا سرعت مى كند با علمهاى خود در أطراف شهر كوفه، پس حمله مى كند بر آن أطراف مثل حمله كردن ناقه بد خلق گزنده بدندان بر دوشندگان خود، و فرش ميكند زمين را با سرهاى مردمان در حالتى كه گشاده شود دهان او بجهت استيصال قبائل مثل سبع صائل، و سنگين باشد در زمين قدم نهادن او در حالتي كه دور و دراز باشد جولان او در شهرها، و بزرگ باشد حمله او، قسم بذات پاك خدا كه كه البته پراكنده گرداند شما را در أطراف زمين بظلم و جفاء تا اين كه باقي نماند از شما مگر اندكى مانند سرمه در چشم، پس ثابت مى باشيد تا اين كه باز گردد بسوى جماعت عرب عقلهاى غايب شده ايشان، و چون كه حال بر اين منوال باشد پس لازم شويد بر سنّتهاى ثابته، و نشانهاى واضحه و بر عهد و پيمان نزديك كه بر او است باقي پيغمبرى، و بدانيد كه بدرستى شيطان ملعون جز اين نيست كه آسان مى گرداند از براى شما راههاى خود را تا تبعيّت نمائيد در عقب او.