منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 393
و من كلام له عليه السّلام و هو المأة و الحادى و الاربعون من المختار في باب الخطب:
أيّها النّاس من عرف من أخيه وثيقة دين و سداد طريق فلا يسمعنّ فيه أقاويل الرّجال، أما أنّه قد يرمي الرّامي، و تخطىء السّهام و يحيل الكلام و باطل ذلك يبور، و اللّه سميع و شهيد، أما أنّه ليس بين الباطل و الحقّ إلّا أربع أصابع، فسئل عن معني قوله عليه السّلام هذا، فجمع أصابعه و وضعها بين اذنه و عينه ثمّ قال: الباطل أن تقول سمعت، و الحقّ أن تقول رأيت. (28275- 28205)
اللغة:
(وثق) الشيء بالضمّ وثاقة قوى و ثبت فهو وثيق ثابت محكم و (السّداد) بالفتح الصّواب من القول و الفعل و (الأقاويل) جمع أقوال و هو جمع قول و (أخطأ السّهم) الغرض تجاوزه و لم يصبه و (يحيل الكلام) في أكثر النّسخ باللام مضارع حال بمعنى يستحيل أى يكون محالا قال في القاموس: و كلّ ما تغيّر أو تحرّك من الاستواء إلى العوج فقد حال و استحال، و قال أيضا: و المحال بالضم من الكلام ما عدل عن وجهه كالمستحيل، أحال أتى به، و في المصباح المحال
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 394
الباطل الغير الممكن الوقوع، و في بعض النسخ بالكاف مضارع حاك أو أحاك قال في القاموس: حاك القول في القلب يحيك حيكا أخذ، و السّيف اثر و الشفرة قطعت كأحاك فيهما و (بار) الشيء يبور بورا بالضّم هلك.
الاعراب:
إضافة وثيقة دين و سداد طريق من إضافة الصّفة إلى موصوفه و التاء في الوثيقة للنّقل من الوصفيّة إلى الاسميّة كما قيل أو للمبالغة، و جملة فلا يسمعنّ، في محلّ الرّفع خبر من و لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط اتى بالفاء في خبره، و الضمير في قوله: إنّه، للشأن، و الواو في قوله: و باطل ذلك، للحال.
المعنى:
اعلم أنّ المقصود بهذا الكلام النّهى عن التسّرع إلى التصديق بما يقال في حقّ الانسان الموصوف بحسن الظاهر المشهور بالوثوق و الصّلاح و التدّين ممّا يعيبه و يقدحه، و يدلّ عليه الأدلّة الدّالة على حرمة الاصغاء إلى الغيبة على ما تقدّم في شرح الكلام السّابق، و إليه اشير في قوله سبحانه: يا أيّها الّذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبا فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين إذا عرفت ذلك فأقول قوله: (أيّها النّاس من عرف من أخيه وثيقة دين و سداد طريق) أى دينا محكما و طريقا صوابا، قيل المراد بوثيقة الدّين اللّزوم للأحكام الشرعيّة و التقييد لا كمن يعبد اللّه على حرف فان أصابه خير اطمأنّ به و إن أصابته فتنة انقلب على وجهه.
و لعلّ المراد بوثيقة الدّين العقيدة و بسداد الطريق حسن العمل كما يشعر به ما رواه الحافظ أبو نعيم بسنده عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال لابنه الحسن عليه السّلام:
يا بنيّ ما السّداد؟ فقال: يا أبتي السداد دفع المنكر بالمعروف، أي من عرف من أخيه المؤمن حسن الاعتقاد و العمل (فلا يسمعنّ فيه أقاويل الرّجال) أى أقاويلهم الّتي توجب شينه و تهدم مروّته و تسقطه عن أعين النّاس.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 395
روى الصّدوق في عقاب الأعمال باسناده عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: قلت له: جعلت فداك الرّجل من اخواني بلغني عنه الشي ء الذي أكرهه فأسأله عنه فينكر ذلك و قد أخبرني عنه قوم ثقات، فقال عليه السّلام لي:
يا محمّد كذّب سمعك و بصرك عن أخيك و إن شهد عندك خمسون قسامة و قال لك قولا فصدّقه و كذّبهم، و لا تذيعنّ عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروّته فتكون من الذّين قال اللّه: إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدّنيا و الآخرة.
و في الوسائل عن العياشي في تفسيره عن الفيض بن المختار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لمّا نزلت المائدة على عيسى قال للحواريّين: لا تأكلوا منها حتّى آذن لكم، فأكل منها رجل فقال بعض الحواريّين: يا روح اللّه أكل منها فلان، فقال له عيسى عليه السّلام: أكلت منها؟ فقال: لا، فقال الحواريّون: بلى و اللّه يا روح اللّه لقد أكل منها، فقال عيسى عليه السّلام: صدّق أخاك و كذّب بصرك.
ثمّ علّل عليه السّلام عدم جواز استماع أقاويل الرّجال و تصديقها بالمثل الّذي ضربه بقوله (أما أنّه قد يرمى الرّامى و تخطى ء السهام) يعني أنّه ربما يرمى الرّامى سهمه فلا يصيب الغرض بل يخطيه (و) كذلك قد يتكلّم إنسان بكلام يعيب به على غيره أو يغتابه ف (يحيل الكلام) و يستحيل و يعدل عن وجه الصّواب و يخالف الواقع و لا يعيبه إما لغرض شخصىّ فاسد للقائل في المقول عليه من العداوة و الشحناء و الحسد و نحوها فيرميه بالعيب و يطعنه بالغيب لذلك، و إمّا لشبهة منه فيه بأن يشتبه الأمر عليه فيظنّ المعروف منكرا مثل ما لو رأى في يد أحد قارورة مملوّة يشرب منها فظنّها خمرا و هو خلّ فيتّهمه بشرب الخمر.
و لذلك ورد في الأخبار المستفيضة حمل فعل المسلم على الصّحة مثل ما رواه في الكافي عن الحسين بن المختار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في كلام له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه، و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا و أنت تجد لها في الخير محملا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 396
و عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا اتّهم المؤمن أخاه انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء.
هذا كلّه على رواية يحيل باللّام و أمّا على الرّواية الاخرى فالمراد به التنبه على أنّ ضرر الكلام أقوى من ضرر السهام، و تأثيره أشدّ من تأثيرها، و ذلك لأنّ الرّامى قد يرمي فتخطئ سهامه و لا تصيب الغرض، و أمّا الكلام فيؤثر لا محالة و إن كان باطلا لأنّه يلوث العرض في نظر من لا يعرفه و يسقط محلّ المقول فيه و منزلته من القلوب.
ثمّ قال تهديدا أو تحذيرا و تنبيها على ضرر ذلك الكلام الفاسد و القول الباطل على سبيل إرسال المثل (و باطل ذلك يبور و اللّه سميع و شهيد) يعني أنّ الغرض و الغاية من ذلك القول الّذي يعاب به باطل نشأ من الحقد و الحسد أو التّصادم في مال أو جاه أو نحو ذلك من الأغراض الباطلة، و الباطل انّما يبور أى يهلك و يفنى كما قال تعالى: إنّ الباطل كان زهوقا، و وزره يدوم و يبقى لأنّه بعين اللّه السميع البصير الشّاهد الخبير بمحاسن الأفعال و الأقوال و مقابحها المجازى بالحسنات عظيم الثواب و بالسيّئات أليم العقاب.
ثمّ نبّه على الفرق بين الحقّ و الباطل بقوله (أما أنّه ليس بين الحقّ و الباطل إلّا أربع أصابع فسئل عليه السّلام عن معنى قوله هذا) لاجماله و إبهامه (فجمع أصابعه) الأربع (و وضعها بين أذنه و عينه ثمّ قال: الباطل أن تقول سمعت، و الحقّ أن تقول رأيت) يعنى أنّ الباطل هو المسموع و الحقّ هو المرئى، فتسامح عليه السّلام في التفرقة بما ذكر تعويلا على الظهور، ضرورة أنّ الباطل ليس قولك سمعت، و لا الحقّ قولك رأيت، لأنّ قولك إخبار عن نفسك بالسّماع أو الرّؤية، و الحقّ و الباطل و صفان للمخبر عنه لا الخبر كما هو ظاهر.
فان قلت: كيف يقول الباطل ما يسمع و الحقّ ما يرى مع أنّ كثيرا من المسموعات حقّ لا ريب فيه، فانّ جلّ الأحكام الشرعيّة قد ثبت علينا بطريق النّقل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 397
و السماع، و كذلك كثير من العقائد الاصولية كنبوّة نبينا و معجزاته و كذا نبوّة سائر الأنبياء و إمامة الأئمة و معجزاتهم عليهم السّلام و أخبار المعاد من الحشر و النّشر و البعث و الحساب و الجنّة و النّار و غيرها.
قلت: قد أجاب عنه الشّارح المعتزلي بأنه ليس كلامه في المتواتر من الأخبار و إنّما كلامه في الأقوال الشّاذّة الواردة من طريق الآحاد الّتي تتضمّن القدح فيمن قد علمت «غلبت خ» نزاهته، فلا يجوز العدول عن المعلوم بالمشكوك.
و أجاب الشّارح البحراني بأنّ قوله: الباطل أن تقول سمعت، لا يستلزم الكلّية حتّى يكون كلّ ما سمعه باطلا، فانّ الباطل و المسموع مهملان يعني انه ليس بقضية كلّية بل كلام خطابي مهمل يصدق بجزئي.
أقول: و لعلّ مرادهما أنّ اللّام في قوله: الباطل و الحقّ، للعهد و مراده عليه السّلام ليس تعريف مطلق الباطل و الحقّ بل التفرقة في افراد ما يعاب به الغير و يتضمّن قدحه بأنّه على قسمين: أحدهما ما سمعته من غيرك، فهو باطل لأنّ من جاءك به فاسق لا يمكن الرّكون إليه فلا بدّ من الحكم ببطلان خبره و إن كان ما خاله صدقا في نفس الأمر و الواقع، و ثانيهما ما أبصرته بعينك فهو الحقّ.
فان قلت: كيف التوفيق بين قوله عليه السّلام ذلك المفيد لحقيّة المرئى و بين روايتي عقاب الأعمال و الوسائل المتقدّمتين في شرح قوله عليه السّلام: فلا يسمعنّ فيه أقاويل الرّجال، حيث أمر فيهما بتكذيب البصر فيما شاهدته.
قلت: لا منافاة بينهما، لأنّ المراد بتكذيب البصر فيهما عدم ترتيب الآثار على العيب الذي رآه و النّهى عن إذاعته و إفشائه للغير، لا أنّ ما رآه ليس بحق و محصلهما وجوب ستر ما رآه من أخيه و عدم هتك عرضه عند الغير، مثلا إذا رأى أنّه يشرب الخمر فان وجد لفعله محملا صحيحا كأن يحتمل أنّه خلّ أو أنّ شربه للدواء و العلاج، فلا بدّ من حمل فعله على الصّحة، و إن لم يجد له محملا فيحكم في نفسه بفسق الشّارب، و لا يأتمنه في امور يشترط فيها العدالة، و مع ذلك فلا يجوز إظهار ما فعله لغيره تنقيصا له على ما تقدّم في شرح الكلام السّابق و اللّه العالم.
الترجمة:
از جمله كلام آن قدوه أنام است كه فرموده:
اى مردمان هر كس كه شناخت از برادر مؤمن خودش دين محكم و راه راستى را پس بايد البتّه نشنود در حق او گفتارهاى مردمان را، آگاه شويد كه گاهست مى اندازد اندازنده و خطا مى كند تيرها و محال ميباشد سخن و حال اين كه باطل كلام فاسد و تباه مى شود و خداى تعالى شنونده است كلام بدگو را و شاهد است بر آن و جزا دهنده است بآن، آگاه باشيد بدرستى كه نيست ميان حق و باطل مگر چهار انگشت. پس سؤال كرده شد از آن حضرت از معنى اين فرمايش او، پس جمع فرمود انگشتان مبارك خود را و نهاد آنها را ميان گوش و چشم خود بعد از آن فرمود باطل آنست كه گوئي شنيدم، و حق آنست كه گوئى ديدم، يعنى مادامى كه عيب أحديرا با چشم خود نديده و يقين نكرده بمجردّ شنيدن از ديگران باور مكن .