منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 377
و لقد كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل على الأرض، و يجلس جلسة العبد، و يخصف بيده نعله، و يرقع بيده ثوبه، و يركب الحمار العاري، و يردف خلفه، و يكون السّتر على باب بيته، فتكون فيه التّصاوير، فيقول: يا فلانة- لإحدى أزواجه- غيّبيه عنّي، فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدّنيا و زخارفها، فأعرض عن الدّنيا بقلبه، و أمات ذكرها عن نفسه، و أحبّ أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتّخذ منها رياشا، و لا يعتقدها قرارا، و لا يرجو فيها مقاما، فأخرجها من النّفس، و أشخصها عن القلب، و غيّبها عن البصر، و كذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه، و أن يذكر عنده.
الاعراب:
و سلفا، و قائدا، منصوبان على الحال من ضمير به.
المعنى:
ثمّ أشار إلى تواضعه و تذلّله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مأكله و مجلسه و مركبه و غيرها فقال (و لقد كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل على الأرض و يجلس جلسة العبد) و قد ورد التصريح بذلك في روايات كثيرة مرويّة في الوسائل في كتاب الأطعمة.
ففيه عن محمّد بن يعقوب الكلينيّ باسناده عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد و يعلم أنّه عبد.
و عن الكليني عن الحسن الصّيقل قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول مرّت امرأة بذيّة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يأكل و هو جالس على الحضيض «1» فقالت: يا محمّد إنّك تأكل أكل العبد و تجلس جلوسه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و أىّ عبد أعبد منّى.
و فيه عن البرقي عن عمرو بن جميع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأكل بالأرض، هذا.
و ظهور التّواضع في الأكل على الأرض واضح.
و المراد بأكله أكل العبد إمّا ذلك أعنى الأكل على الأرض، أو الأكل بثلاثة أصابع لا بالإصبعين كما يشعر به ما في الوسائل عن البرقي عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه كان يجلس جلسة العبد و يضع يده على الأرض و يأكل بثلاثة أصابع، و قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يأكل هكذا ليس كما يفعله الجبّارون يأكل أحدهم بإصبعيه، أو الأكل من غير اتّكاء و يدلّ عليه ما في الوسائل عن الكلينيّ عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متّكئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه تواضعا للّه عزّ و جلّ.
و عن زيد الشّحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متّكئا منذ بعثه اللّه حتّى قبض كان يأكل أكلة العبد، و يجلس جلسة العبد، قلت: و لم ذلك؟ قال: تواضعا للّه عزّ و جلّ.
و أما المراد من كون جلوسه جلسة العبد إمّا جلوسه على الأرض، و يدلّ عليه ما مر أو الجلوس من غير تربّع كما هو جلوس الملوك، و يدلّ عليه ما في الوسائل
______________________________
(1) القرار في الأرض
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 378
عن الكلينيّ عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام إذا جلس أحدكم على الطّعام فليجلس جلسة العبد و لا يضعنّ احدى رجليه على الأخرى و يتربّع، فانّها جلسة يبغضها اللّه و يمقتها.
أو الجلوس دون شرفه، و يفيده ما في الوسايل أيضا عن الكلينيّ مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل.
(و يخصف بيده نعله) و تضمّن لبس النّعل المخصوفة للتّواضع ظاهر لا سيّما إذا كان لابسها هو الخاصف، و قد تأسّي به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمير المؤمنين عليه السّلام في هذا الوصف مضافا إلى ساير الصّفات كما يفصح عنه ما مرّ في عنوان الخطبة الثّالثة و الثلاثين عن ابن عبّاس أنّه قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السّلام بذى قار و هو يخصف نعله، فقال لي ما قيمة هذه النّعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال عليه السّلام: و اللّه لهى أحبّ إليّ من امرتكم إلّا أن اقيم حقّا أو أدفع باطلا.
(و يرقع بيده ثوبه و يركب الحمار العارى و يردف خلفه) و معلوم أنّ ركوب الحمار العاري آية التواضع و هضم النفس، و إرداف غيره خلفه آكد في الدّلالة عليه.
روى في الوسائل من العيون عن الرّضا عليه السّلام عن آبائه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال خمس لا أدعهنّ حتى الممات: الأكل على الحضيض مع العبد، و ركوبى الحمار موكفا «1» و حلب العنز بيدي، و لبس الصوف، و التسليم على الصبيان لتكون سنة من بعدي.
و كذلك لبس الثوب المرقع لا سيما إذا كان اللّابس هو الراقع.
ثمّ أشار إلى مبغوضيّة الدّنيا و قيناتها عنده بقوله (و يكون الستر على باب بيته و يكون فيه التصاوير) الظاهر أنّ المراد به تصاوير الشجر و النبات و نحوها لا تصاوير الحيوان و غيره من ذوى الأرواح، إذ بيته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان مهبط الوحى
______________________________
(1) الوكف محرّكة العيب و الضعف و الثقل. ق
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 379
و مختلف الملائكة و لا يدخل الملك بيتا فيه صورة مجسّمة كما ورد به الأخبار.
(فيقول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يا فلانة لإحدى أزواجه غيّبي عنّي) الظّاهر أنه أراد بها عايشة كما يؤمى إليه في باب الزّهد من احياء العلوم قال: و رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على باب عايشة سترا فهتكه و قال: كلّما رأيته ذكرت الدّنيا أرسلى به إلى آل فلان.
قال الشارح البحراني: أمره بتغييب التصاوير محافظة من حركة الوسواس الخناس، و كما أنّ الأنبياء عليهم السّلام كانوا كاسرين للنفس الأمّارة بالسوء، و قاهرين لشياطينهم كانوا أيضا محتاجين إلى مراعاتهم و مراقبتهم و تفقّد أحوال نفوسهم في كلّ لحظة و طرفة، فانها كاللّصوص المخادعين للنفوس المطمئنّة مهما تركت و غفل عن قهرها و التحفّظ منها عادت إلى طباغها.
أقول: لا يخفى ما في هذا التعليل بعد الغضّ عن كونه خلاف ما يستفاد من كلامه عليه السّلام من الركاكة و السخافة و السماجة و إسائة الأدب بالنسبة إلى خاتم النبيّين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بل و ساير أولياء الدّين و كيف يتصوّر في حقّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حركة الوسواس الخناس مع وجود ملكة العصمة و لو لم يغب عنه عليه السّلام التصاوير، بل الظاهر أنّ أمره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بتغييبها إنما هو لأجل أنّ الدّنيا و زخارفها كانت مبغوضة عنده بالذات و مكروهة لديه بالطبع، فأمر بتغييبها لكونها موجبة لذكر ما يبغضه و يتنفّر عنه و يعاديه.
كما يومى إليه قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (فانّى إذا نظرت إليه ذكرت الدّنيا و زخارفها) و يدلّ عليه صريحا قوله عليه السّلام الآتي و كذلك من أبغض شيئا آه (فأعرض صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الدنيا بقلبه و أمات ذكرها عن نفسه) و هو الزهد الحقيقي (و أحب أن تغيب زينتها عن عينه لكيلا يتّخذ منها رياشا) أى لباسا فاخرا، و ذلك لما روى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ اللّه يحب المبتذل الذي لا يبالي ما لبس قال في إحياء العلوم: قال أبو بردة: اخرجت لنا عايشة كساء ملبدا و إزارا غليظا فقالت: قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في هذين.
قال: و اشترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثوبا بأربعة دراهم و كانت قيمة ثوبيه عشرة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 380
و كان إزاره أربعة أذرع و نصفا و اشترى سراويل بثلاثة دراهم و كان يلبس شملتين بيضاوين و كانت تسمى حلّة لأنّهما ثوبان من جنس واحد، و ربّما كان يلبس بردين يمانين أو سحوليين من هذه الغلاظ، و كان شراك نعله قد اخلق فابدل بسير جديد فصلّى فيه فلما سلّم: قال اعيدوا الشراك الخلق و انزعوا هذا الجديد فانى نظرت إليه في الصلاة، و كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد احتذى مرّة نعلين جديدين فأعجبه حسنهما فخرّ ساجدا و قال: أعجبني حسنهما فتواضعت لربّي خشية أن يمقتني فدفعهما إلى أوّل مسكين رآه.
(و لا يعتقدها قرارا و لا يرجو فيها مقاما) لأنها دار مجاز لا دار قرار
أحلام نوم أو كظلّ زائل إنّ اللّبيب بمثلها لا يخدع
و لذلك قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الدّنيا دار من لا دار له، و لها يجمع من لا عقل له، و عليها يعادي من لا علم له، و عليها يحسد من لا فقه له، و لها يسعى من لا يقين له و لنعم ما قيل:
أرى طالب الدّنيا و إن طال عمره و نال من الدّنيا سرورا و أنعما
كبان بنى بنيانه فأقامه فلمّا استوى ما قد بناه تهدّما
(فأخرج) محبّت (ها من النّفس و أشخص) رغبت (ها عن القلب و غيّب) زينت (ها عن البصر) و ذلك لفرط بغضه لها و نفرته عنها و كراهته إيّاها (و كذلك) حال (من أبغض شيئا) فانه إذا أبغضه (أبغض أن ينظر إليه و أن يذكر عنده).
الترجمة:
و بتحقيق كه بود حضرت رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مى خورد طعام را بر روى زمين، و مى نشست مانند نشستن غلام، و مى دوخت با دست خود كفش خودش را، و پينه مى زد با دست خود رخت خود را، و سوار مى شد بر دراز گوش برهنه و رديف ميكرد در پس خود ديگرى را، و مى بود پرده بر در خانه آن حضرت پس مى شد در آن پرده نقش نگارها، پس مى فرمود بر يكى از زوجات خود: أى فلانه پنهان كن اين را از نظر من، پس بدرستى كه من زمانى كه نظر مى كنم بسوى آن ياد مى كنم دنيا و زينتهاى آنرا.
پس اعراض فرمود از دنيا بقلب مبارك خود، و معدوم ساخت ذكر دنيا را از نفس نفيس خود، و دوست گرفت كه غايب شود زينت آن از چشم جهان بين خود تا اين كه اخذ ننمايد از دنيا لباس فاخرى، و اعتقاد نكند آنرا آرامگاهى، و اميد نگيرد در آن اقامت را، پس بيرون نمود دنيا را از نفس نفيس، و كوچانيد حبّ دنيا را از خواطر أنور، و غايب گردانيد آن را از نظر آفتاب منظر، و همچنين است هر كس كه دشمن مى گيرد چيزى را دشمن مى گيرد آنكه نگاه كند بسوى آن و آنكه ذكر بشود نام و نشان آن در نزد او.