ألا و إنّ القدر السّابق قد وقع، و القضاء الماضي قد تورّد، و إنّي متكلّم بعدة اللّه و حجّته، قال اللّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، و قد قلتم: ربّنا اللّه، فاستقيموا على كتابه، و على منهاج أمره، و على الطّريقة الصّالحة من عبادته، ثمّ لا تمرقوا منها، و لا تبتدعوا فيها، و لا تخالفوا عنها، فإنّ أهل المروق منقطع بهم عند اللّه يوم القيامة. (37523- 37080)
اللغة:
و (تورد) الخيل البلد دخله قليلا قليلا.
المعنی:
(ألا و إنّ القدر السابق قد وقع و القضاء الماضي قد تورّد) قد عرفت معنى القضاء و القدر مفصّلا في شرح الفصل التاسع من الخطبة الاولى، و الظاهر أنّ المراد بهما المقضىّ و المقدّر كما استظهرنا هذا المعنى منهما فيما تقدّم أيضا بالتقريب الّذي قدّمناه ثمّة، فيكون المعنى أنّ المقدّر السابق في علم اللّه سبحانه وقوعه قد وقع، و المقضىّ الماضي أى المحتوم النافذ قد تورّد أى دخل في الوجود شيئا فشيئا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 206
و إلى ما ذكرنا ينظر ما قاله بعض الشارحين من أنّه أراد بالقدر السابق خلافته عليه السّلام و بالقضاء الماضي الفتن و الحروب الواقعة في زمانه أو بعده الّتي دخلت في الوجود شيئا فشيئا و هو المعبّر عنه بالتورد، و قوى ارادته عليه السّلام ذلك بقرينة المقام و أنه عليه السّلام خطب بهذه الخطبة في أيّام بيعته بعد قتل عثمان.
و قوله عليه السّلام: (و انّي متكلّم بعدة اللّه و حجّته) المراد بعدته سبحانه ما وعد به في الاية الشريفة للمؤمنين المعترفين بالرّبوبيّة الموصوفين بالاستقامة من تنزّل الملائكة و بشارتهم بالجنّة و بعدم الخوف و الحزن، و الظاهر أنّ المراد بحجّته أيضا نفس هذه الاية نظرا إلى أنها كلام اللّه و هو حجّة اللّه على خلقه أو أنها دالّة بمنطوقها على أنّ دخول الجنّة إنما هو للموحّدين المستقيمين و بمفهومها على أنّ الكافرين و غير المستقيمين لا يدخلونها فهى حجّة عليهم لئلّا يقولوا يوم القيامة انّا كنّا عن هذا غافلين.
و قال الشارح البحراني: إنّ حجّته الّتي تكلّم بها هو قوله: و قد قلتم ربّنا اللّه فاستقيموا، إلى آخر ما يأتي، و الأظهر ما قلناه إذا عرفت ذلك فلنعد إلى تفسير الاية (قال اللّه تعالى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ*) اعترافا بربوبيّته و إقرارا بوحدانيّته (ثُمَّ اسْتَقامُوا)* على مقتضاه.
و في المجمع عن محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام عن الاستقامة فقال: هي و اللّه ما أنتم عليه.
و في الكافي عن الصادق عليه السّلام على الأئمّة واحدا بعد واحد «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ» عند الموت رواه في المجمع عن الصّادق عليه السّلام «أَلَّا تَخافُوا» ما تقدمون عليه «وَ لا تَحْزَنُوا» ما خلّفتم «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ» في الدّنيا.
روى في الصّافي عن تفسير الامام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة و لا يتيقّن الوصول إلى رضوان اللّه حتّى يكون وقت نزع روحه و ظهور ملك الموت له، و ذلك إنّ ملك الموت يرد على المؤمن و هو في شدّة علّته و عظيم ضيق صدره بما يخلفه من أمواله و بما هو عليه من اضطراب أحواله من معامليه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 207
و عياله قد بقيت في نفسه حسراتها اقتطع دون أمانيّه فلم ينلها، فيقول له ملك الموت ما لك تجرع غصصك قال: لاضطراب أحوالي و اقتطاعك لي دون آمالي، فيقول له ملك الموت: و هل يحزن عاقل لفقد درهم زائف و اعتياض ألف ألف ضعف الدّنيا؟! فيقول: لا، فيقول ملك الموت: فانظر فوقك، فينظر فيرى درجات الجنان و قصورها التي يقصر دونها الأماني فيقول ملك الموت: تلك منازلك و نعمك و أموالك و أهلك و عيالك و من كان من أهلك ههنا و ذرّيتك صالحا فهم هنالك معك أ فترضى بهم بدلا مما ههنا؟ فيقول: بلى و اللّه، ثمّ يقول: انظر، فينظر فيرى محمّدا و عليّا و الطيّبين من آلهما سلام اللّه عليهم أجمعين في أعلا علّيين فيقول: أو تراهم هؤلاء ساداتك و أئمتك هم هنالك جلاسك و اناسك أ فما ترضى بهم بدلا مما تفارق هنا؟ فيقول: بلى و ربّي فذلك ما قال اللّه عزّ و جلّ: «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا» فيما أمامكم من الأهوال فقد كفيتموها و لا تحزنوا على ما تخلفونه من الذراري و العيال فهذا الّذي شاهدتموه في الجنان بدلا منهم، «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ» هذه منازلكم و هؤلاء ساداتكم اناسكم و جلاسكم هذا.
و لما تكلّم عليه السّلام بالاية الشريفة المتضمّنة للعدة و الحجّة أمر المخاطبين بالقيام على مفادها و العمل على مقتضاها بقوله (و قد قلتم ربّنا اللّه) و لا بدّ لكم من اكمال هذا الاقرار بالاستقامة لاستحقاق انجاز الوعد و البشارة (فاستقيموا على كتابه) باجلاله و اعظامه و العمل بتكاليفه و أحكامه (و على منهاج أمره) بسلوكه و اتباعه (و على الطريقة الصّالحة من عبادته) باتيانها على وجه الخلوص جامعة لشرائطها المقرّرة و حدودها الموظفة (ثمّ لا تمرقوا) أى لا تخرجوا (منها) و لا تتعدّوا عنها (و لا تبتدعوا فيها) أى لا تحدثوا فيها بدعة (و لا تخالفوا عنها) أى لا تعرضوا عنها يمينا و شمالا مخالفين لها، فانكم إذا أقمتم على ذلك كلّه حصل لكم شرط الاستحقاق فينجز اللّه لكم وعده و تبشّركم الملائكة و تدخلون الجنّة البتّة، و ان لم تقيموا عليه فقدتم الشرط و بفقدانه و انتفائه ينتفي المشروط لا محالة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 208
و هو معنى قوله: (فانّ أهل المروق منقطع بهم عند اللّه يوم القيامة) يعني أنّهم لا يجدون بلاغا يوصلهم إلى المقصد، روى في مجمع البيان عن أنس قال: قرء علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذه الاية أى الاية المتقدّمة قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد قالها ناس ثمّ كفر أكثرهم فمن قالها حتّى يموت فهو ممّن استقام عليها.
الترجمة:
آگاه باشيد بدرستى كه آنچه مقدّر شده بود سابقا بتحقيق واقع گرديد، و قضاى الهى كه نافذ و ممضى است تدريجا بوجود در آيد، و بدرستى كه من تكلّم كننده ام بوعده خدا و بحجّت او فرموده است خدا در كتاب عزيز خود: بدرستى كه آن كسانى كه گفتند كه پروردگار ما خداست پس در آن مستقيم شدند نازل مى شود بر ايشان ملائكه كه نترسيد و محزون نباشيد و بشارت دهيد ببهشت عنبر سرشت كه در دنيا وعده داده شده بوديد.
و بتحقيق كه گفتيد شما پروردگار ما خداست پس مستقيم باشيد بر كتاب كريم او، و بر راه روشن امر او و بر طريقه شايسته از عبادت و بندگي او، پس از آن خارج نشويد و بيرون مرويد از آن طريقه و احداث بدعت نكنيد در آن و مخالفت نكنيد در آن پس بدرستى كه أهل خروج از عبادت بهم بريده شده اند از ثواب دائمي نزد خداى تعالى در روز قيامت.