و إنّ اللّه سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن، فانّه حبل اللّه المتين، و سببه الأمين، و فيه ربيع القلب، و ينابيع العلم، و ما للقلب جلاء غيره، مع أنّه قد ذهب المتذكّرون، و بقي النّاسون أو المتناسون، فإذا رأيتم خيرا فأعينوا عليه، و إذا رأيتم شرّا فاذهبوا عنه، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول: يا ابن آدم اعمل الخير و دع الشّرّ فإذا أنت جواد قاصد.
اللغة:
و استعاره (السّبب) الحبل و هو ما يتوصّل به إلى الاستعلاء ثمّ استعير لكلّ ما يتوصّل به إلى الامور فقيل هذا: سبب هذا و هذا مسبّب عن هذا و (الجواد) الفرس السابق الجيد.
المعنى:
و لما ذكر أنّ أصحاب البدع ليس لهم دليل من سنّة يتمسّكون به و لا نور حجّة يستضيئون به أردفه بذكر ممادح القرآن تنبيها على كونه البرهان الحقّ و النّور المضيء أحقّ بالاتباع و الاهتداء، و أجدر أن يقتبس من أنواره و يتّعظ بمواعظه و نصايحه، و على أنّ الراغبين عنه التابعين لأهوائهم و الاخذين بالاراء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 226
و المقاييس تائهون في بوادى الجهالة، هائمون في فيافي الضلالة فقال: (و إنّ اللّه سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن) لأنّ الغرض من جميع المواعظ المتضمّنة للوعد و الوعيد و الترغيب و التهديد هو الجذب إلى طرف الحقّ و الارشاد إلى حظيرة القدس، و القرآن أبلغ منها كلّها في إفادة ذلك الغرض و أكمل في تحصيل ذلك المقصود (فانه حبل اللّه المتين) من تمسّك به نجا و من تركه فقد هوى، و وصفه بالمتانة و الاحكام لأنه حبل ممدود من الأرض إلى السماء من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها (و سببه الأمين) و وصفه بالامانة لأنه لا يخون المتوصّل به في ايصاله إلى حظاير القدس و مجالس الانس و قرب الحقّ (و فيه ربيع القلب) لأنّ القلوب تلتذّ و تنشط و ترتاح بتلاوة آياته و تدبّر ما فيها من المحاسن و المزايا و تفكّر ما تضمّنته تلك الايات من النكات البديعة و اللطايف العجيبة، كما أنّ النفوس تلتذّ بأزهار الربيع و أنواره.
(و) فيه (ينابيع العلم) استعارة بالكناية حيث شبّه العلم بالماء إذ به حياة الأرواح كما أنّ بالماء حياة الأبدان، و ذكر الينابيع تخييل، و في نسخة الشارح بدل ينابيع العلم: ينابيع العلوم و المقصود واحد، و إنما كان ينابيع العلوم اذ جميع العلوم خارجة منه لتضمّنه علم ما كان و ما هو كائن و ما يكون كما قال عزّ من قائل: «وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ».
(و ما للقلب جلاء غيره) إذ فيه منار الهدى و مصابيح الدّجى و التفكّر فيه يجلو القلوب من رين الشكوكات و يرتفع به عنها صدا الشبهات كما يجلو الصيقل المرات.
فان قلت: لم جعل الجلاء مقصورا فيه مع حصوله بغيره من العلوم الحقّة؟
قلت: لما كان القرآن ينابيع جميع العلوم حسبما عرفت يؤل حصول الجلاء بها إلى الجلاء به في الحقيقة، أو أنّ المراد نفى الكمال أى ليس للقلب جلاء كامل غيره.
و هذا الجواب أولى مما أجاب به الشارح البحراني من أنّ هذا الكلام صدر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 227
عنه عليه السّلام و لم يكن في هذا الزمان علم مدوّن و لا استفادة للمسلمين إلّا من القرآن الكريم، فلم يكن إذا جلاء للقلب غيره.
وجه الأولويّة أنّ الأحاديث النبويّة كانت موجودة بأيديهم يومئذ و الاستفادة منها كانت ممكنة لمن أرادها، و أما غير المريد لها من الّذين على قلوبهم أقفالها فالقرآن و الحديث بالنسبة إليهم أيضا على حدّ سواء كما لا يخفى.
(مع أنه قد ذهب المتذكّرون) بالقرآن المتدبّرون في معانيه المستضيئون بضيائه المقتبسون من أنواره (و بقى الناسون) له حقيقة (أو المتناسون) المظهرون للنسيان لأغراض دنيويّة.
و ارتباط هذا الكلام أعنى قوله: مع أنه آه بما سبق أنه لما ذكر ممادح القرآن و أنه أبلغ المواعظ و أجلى للقلوب، و كان الغرض منه حثّ المخاطبين و تحريصهم على اتّباعه و التذكّر به أتبعه بذلك أسفا على الماضين و تقريعا على الباقين بأنّهم لا يتذكّرون به و لا يتّبعونه و لا يتّعظون بمواعظه.
و محصّله إظهار اليأس من قبولهم للموعظة و استبعاد ذلك لما تفرّس منهم من فساد النيات و متابعة الهوى و الشهوات.
و يحتمل أن يكون توطئة و تمهيدا لما كان يريده من أمرهم باعانة الخير و تجنّب الشرّ، يعني مع أنّ المتذكّرين و أولى البصاير قد مضوا و لم يبق إلّا الغافلون الجاهلون و تأثير الموعظة فيهم صعب جدا، مع ذلك أعظكم و اذكّركم و إن لم تنفع الذكرى بقولى (فاذا رأيتم خيرا فأعينوا عليه و إذا رأيتم شرّا فاذهبوا عنه) لفظ الخير و الشرّ و إن كان مطلقا شاملا باطلاقه لكلّ خير و شرّ، إلّا أنّ الأشبه أن يكون نظره فيهما إلى الخير و الشرّ المخصوصين.
بأن يكون مراده من الخير الخير الّذي كان يريده في حقّهم و إن كان مكروها و كانوا لهم متنفرّين عنه بطبعهم من التسوية في العطاء و الحمل على جادّة الوسطى و مرّ الحقّ، و يكون المراد باعانتهم عليه تسليمهم له في كلّ ما يأمر و ينهى و رضاهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 228
بكلّ ما يفعل و يريد، و سعيهم في مقاصده و ماربه.
و أن يكون مراده من الشرّ ما تفرّس منهم بل شاهده من قصدهم لنكث البيعة و ثوران الفتنة، و يكون المراد بالذّهاب عنه الاعراض عنه و الترك له.
و إنّما قلنا إنّ الأشبه ذلك لما حكيناه عن بعض الشراح من أنّ هذه الخطبة خطب بها في أوائل البيعة فقرينة الحال و المقام تشعر بما ذكرناه.
و كيف كان فلما أمر عليه السّلام بما أمر أكّده بالحديث النبويّ صلّى اللّه عليه و آله فقال تشبيه (فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول: يا ابن آدم اعمل الخير و دع الشرّ) أى اتركه (فاذا أنت جواد قاصد) يحتمل أن يكون المراد بالقاصد الراشد الغير المجاوز عن الحدّ في سيره بأن لا يكون سريع السّير فيتعب بسرعته، و لا بطىء السّير فيفوت الغرض ببطوئه، و أن يكون المراد به السائر في قصد السّبيل أى غير الخارج عن الجادّة الوسطى، و تشبيه عامل الخير و تارك الشرّ به على الأوّل من أجل اتّصافه بالعدل في أموره و براءته من الافراط و التفريط، و على الثاني من أجل كون سلوكه على الجادّة الوسطى و الصراط المستقيم الموصل به إلى نضرة النّعيم و الفوز العظيم.
الترجمة:
و بدرستى كه خداى تعالى موعظه نفرموده هيچ أحدى را بمثل اين قرآن، پس بدرستى كه قرآن ريسمان محكم خداست و ريسماني است كه ايمن است، و در او است بهار قلبها و چشمهاى علمها، و نيست مر قلب را جلاء و صيقلى غير آن با وجود اين كه رفتند صاحبان تذكّر، و باقي مانده است صاحبان نسيان و فراموشى يا خود را بفراموشي زنندگان، پس چون ببينيد چيز نيكوئى را پس اعانت نمائيد بر او، و چون مشاهده كنيد چيز بدى را پس كناره جوئى كنيد از آن پس بدرستي كه حضرت رسالتماب صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مى فرمود كه اى پسر آدم عمل كن خير را و ترك كن شرّ را، پس اين هنگام تو مى باشي پسنديده رفتار و پسنديده كردار.