منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 310
فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج، و لا ليل ساج في بقاع الأرضين المتطأطئات، و لا في يفاع السّفع المتجاورات، و ما يتجلجل به الرّعد في أفق السّماء، و ما تلاشت عنه بروق الغمام، و ما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء و انهطال السّماء، و يعلم مسقط القطرة و مقرّها، و مسحب الذّرّة و مجرّها، و ما يكفى البعوضة من قوتها، و ما تحمل الانثى في بطنها.
اللغة:
و (اليفاع) و اليفع محرّكة التلّ و (السفع) بالضمّ جمع سفعة و هو من الألوان ما اشرب حمرة و (المسقط) اسم مكان كمقعد و مجلس.
و (الأنواء) جمع نوء و هو سقوط النجم من منازل القمر الثمانية و العشرين في المغرب من الفجر و طلوع رقيبه من المشرق مقابلا له من ساعته و ستعرف زيادة تحقيق له في بيان المعنى.
المعنى:
(فسبحان من) جعل النور و الظلام على تضادّهما منقادين متظاهرين على ما فيه صلاح العالم و قوامه و سبحان من هو بكلّ شيء محيط حتّى لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض و لا في السماء و (لا يخفى عليه سواد غسق داج) أى ظلمة مظلمة و العطف للمبالغة من قبيل شعر شاعر مجاز (توسع) (و لا ليل ساج) أى ساكن و فى الاسناد توسّع باعتبار سكون الناس و هدؤهم فيها جناس الخط (في بقاع الأرضين المتطاطئات) المنخفضات (و لا في يفاع السفع المتجاورات) أى في مرتفع الجبال المتجاورة و انما عبر عن الجبال بالسفع لأنّ لونها غالبا مشرب حمرة، و لا يخفى ما فيما بين لفظ البقاع و اليفاع من جناس الخط و هو من محاسن البديع حسبما عرفته في ديباجة الشرح.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 311
(و) لا يخفي عليه عزّ و جلّ أيضا (ما يتجلجل) و يصوت (به الرّعد في افق السماء) و أراد بتجلجله تسبيحه المشار إليه في قوله تعالى: «وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ» قال الطبرسى: تسبيح الرّعد دلالته على تنزيه اللّه تعالى و وجوب حمده فكأنه هو المسبّح، و قيل: إنّ الرّعد هو الملك الّذى يسوق السحاب و يزجره بصوته فهو يسبّح اللّه و يحمده.
و قال الرازى: في قوله تعالى «وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ» أقوال:
الاول أنّ الرّعد اسم ملك من الملائكة و الصّوت المسموع هو صوت ذلك الملك بالتسبيح و التهليل عن ابن عباس، أنّ اليهود سألت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الرّعد ما هو فقال: ملك من الملائكة موكّل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء اللّه قالوا: فما الصّوت الّذى نسمع؟ قال: زجره السحاب، و عن الحسن أنّه خلق من خلق اللّه ليس بملك فعلى هذا القول الرّعد هو الملك الموكّل بالسحاب و صوته تسبيح اللّه تعالى و ذلك الصّوت أيضا يسمى بالرّعد و يؤكّد هذا ما روى عن ابن عباس كان اذا سمع الرّعد قال: سبحان الّذى سبّحت له، و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: إنّ اللّه ينشىء السحاب الثقال فينطق أحسن المنطق و يضحك أحسن الضحك، فنطقه الرّعد و ضحكه البرق و اعلم أنّ هذا القول غير مستبعد، و ذلك لأنّ عند أهل السنّة البنية ليست شرطا لحصول الحياة، فلا يبعد من اللّه تعالى أن يخلق الحياة و العلم و القدرة و النطق في أجزاء السحاب، فيكون هذا الصوت المسموع فعلا له.
و كيف يستبعد ذلك؟ و نحن نرى أنّ السمندر يتولّد في النار، و الضفادع تتولّد في الماء البارد، و الدودة العظيمة ربما تتولّد في الثلوج العظيمة.
و أيضا فاذا لم يبعد تسبيح الجبال في زمن داود عليه السّلام و لا تسبيح الحصى في زمان محمّد صلّى اللّه عليه و آله فكيف يستبعد تسبيح السحاب.
و على هذا القول فهذا الشيء المسمّى بالرّعد ملك أو ليس بملك فيه قولان:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 312
أحدهما أنّه ليس بملك لأنّه عطف عليه الملائكة فقال: و الملائكة من خيفته.
و الثاني أنّه لا يبعد أن يكون من جنس الملائكة و إنما حسن إفراده بالذكر على سبيل التشريف كما في قوله: وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ ، و في قوله: «وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ» .
القول الثاني أنّ الرّعد اسم لهذا الصوت المخصوص و مع ذلك فانّ الرّعد يسبّح اللّه سبحانه، لأنّ التسبيح و التقديس و ما يجرى مجراها ليس إلّا وجود لفظ يدلّ على حصول التنزيه و التقديس للّه سبحانه و تعالى، فلما كان هذا الصّوت دليلا على وجود موجود متعال عن النقص و الامكان كان ذلك في الحقيقة تسبيحا و هو معنى قوله: «وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» .
و القول الثالث أنّ المراد من كون الرّعد مسبّحا أنّ من يسمع الرّعد فانّه يسبّح اللّه تعالى، فلهذا المعنى اضيف هذا التسبيح إليه.
(و) لا يعزب عنه (ما تلاشت) و اضمحلّت عنه (بروق الغمام) يعني أنّه سبحانه عالم بالأقطار التي يضمحلّ عنها البرق بعد ما كانت مضيئة به، و تخصيص ما تلاشت عنه بالذكر مع اشتراك غير المتلاشية عنه معه في إحاطة علمه سبحانه به كالأوّل، لأنّ علمه بما ليس بمضيّ بالبرق أعجب و أغرب، و أمّا ما هو مضىّ به و لم يضمحل عنه فيمكن إدراك غيره سبحانه له من اولى الأبصار الصحيحة، هذا.
و أعجب من ذلك ما في نفس البرق من عظيم القدرة و دلالته على عظمة بارئه.
قال الفخر الرازي: و اعلم أنّ أمر الصاعقة عجيب جدّا، و ذلك لأنّها نار تتولّد من السحاب و إذا نزلت من السحاب فربما غاصت في البحر و أحرقت الحيتان في قعر البحر و الحكماء بالغوا في وصف قوّتها، و وجه الاستدلال أنّ النار حارّة يابسة و طبيعتها ضدّ طبيعة السحاب، فوجب أن تكون طبيعتها في الحرارة و اليبوسة أضعف من طبيعة النيران الحادثة عندنا، لكنه ليس الأمر كذلك، فانها أقوى نيران هذا العالم، فثبت أنّ اختصاصها بمزيد تلك القوّة لا بدّ و أن يكون بسبب تخصيص الفاعل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 313
المختار (و) لا يغيب عنه (ما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء و انهطال السماء) أى الرياح الشديدة المنسوبة إلى الأنواء و انصباب الأمطار.
و النّوء سقوط نجم من منازل القمر الثمانية و العشرين الّتي عرفتها تفصيلا في شرح الفصل الرابع من فصول المختار التسعين في المغرب «1» مع الفجر و طلوع رقيبه من المشرق من ساعته مقابلا له في كلّ ليلة إلى ثلاثة عشر يوما، و هكذا كلّ نجم منها إلى انقضاء السنة إلّا الجبهة فانّ لها أربعة عشر يوما.
و فى البحار من معاني الأخبار مسندا عن الباقر عليه السّلام قال: ثلاثة من عمل الجاهلية: الفخر بالانساب، و الطعن في الأحساب، و الاستسقاء بالأنواء.
قال الصّدوق (ره) أخبرني محمّد بن هارون الزنجاني عن عليّ بن عبد العزيز عن أبي عبيد أنّه قال: سمعت عدّة من أهل العلم يقولون: إنّ الأنواء ثمانية و عشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلّها من الصّيف و الشتاء و الرّبيع و الخريف، يسقط منها في كلّ ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر و يطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته، و كلاهما معلوم مسمّى و انقضاء هذه الثمانية و العشرين كلّها مع انقضاء السنة، ثمّ يرجع الأمر إلى النجم الأوّل مع استيناف السنة المقبلة و كانت في الجاهلية إذا سقط منها نجم و طلع آخر قالوا: لا بدّ أن يكون عند ذلك رياح و مطر، فينسبون كلّ غيث يكون عند ذلك إلى ذلك النجم الذي يسقط حينئذ فيقولون مطرنا بنوء الثريّا و الدّبران و السماك، و ما كان من هذه النجوم فعلى هذا فهذه هي الأنواء واحدها نوء و إنما سمّى نوء لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق بالطلوع و هو ينوء نوء، و ذلك النهوض هو النوء فسمّى النجم به و كذلك كلّ ناهض ينتقل بابطاء فانّه ينوء عند نهوضه، قال اللّه تبارك و تعالى: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ...» .
و فيه عن الجزرى في النهاية قال: قد تكرّر ذكر النوء و الأنواء في الحديث و منه الحديث: مطرنا بنوء كذا قال: و إنما غلّظ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في أمر الأنواء، لأنّ
______________________________
(1) متعلق بسقوط (منه).
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 10، ص: 314
العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من جعل المطر من فعل اللّه و أراد بقوله مطرنا بنوء كذا أى في وقت كذا و هو هذا النوء الفلانى فانّ ذلك جايز، أى إنّ اللّه تعالى قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات، انتهى.
و قال ابن العربى من انتظر المطر منها على أنها فاعلة من دون اللّه أو يجعل اللّه شريكا فيها فهو كافر. و من انتظر منها على اجراء العادة فلا شيء عليه هذا و من ذلك كلّه علم أنّ إضافته عليه السّلام العواصف إلى الأنواء من جهة أنّ العرب تضيف الاثار العلويّة من الرّياح و الأمطار و كذلك الحرّ و البرد إليها (و يعلم مسقط القطرة و مقرّها) أى محلّ سقوطها و موضع قرارها (و مسحب الذّرة و مجرّها) أى محلّ سحب صغار النمل و جرّها (و ما يكفى البعوضة من قوتها) قال الدّميرى في حياة الحيوان: البعوضة واحدة البعوض و البعوض على خلقة الفيل إلّا أنّه أكثر أعضاء من الفيل، فانّ للفيل أربع أرجل و خرطوما و ذنبا، و له مع هذه الأعضاء رجلان زايدتان و أربعة أجنحة، و خرطوم الفيل مصمت و خرطومه مجوّف نافذ للجوف فإذا طعن به جسد الانسان استقى الدّم و قذف به جوفه فهو له كالبلعوم و الحلقوم و لذلك اشتدّ عضّها و قويت على خرق الجلود الغلاظ، و مما ألهمه اللّه أنّه اذا جلس على عضو من أعضاء الانسان لا يزال يتوخّى بخرطومه المسام الّتى يخرج منها العرق لأنّها أرقّ بشرة من جلد الانسان فاذا وجدها وضع خرطومه فيها، و فيه من الشره أن يمصّ الدّم إلى أن ينشقّ و يموت أو إلى أن يعجز عن الطيران و ذلك سبب هلاكه.
قال: و البعوضة على صغر جرمها قد أودع اللّه في مقدم دماغها قوّة الحفظ و في وسطه قوّة الفكر، و في مؤخّره قوّة الذكر، و خلق لها حاسّة البصر، و حاسّة اللّمس، و حاسّة الشم، و خلق لها منفذا للغذاء، و مخرجا للفضلة، و خلق لها جوفا و أمعاء و عظاما، فسبحان من قدّر فهدى، و لم يخلق شيئا من المخلوقات سدى.
(و) يعلم (ما تحمل الانثى) من البعوضة و من غيرها (في بطنها) كما قال عزّ من قائل: «وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ» .
الترجمة:
پس تنزيه ميكنم آن كسى را كه پوشيده نمى شود بر او سياهى ظلمت با شدّت و نه سياهى شب آرميده در بقعهاى زمينها كه منخفض و پست اند، و نه در كوههاى بلند سياه رنگ مايل بسرخى كه قريب بيكديگرند، و مخفى نمى شود بر او آنچه كه آواز كند بر او رعد در افق آسمان، و آنچه كه متلاشى و نابود مى شود از او برقهاى أبر و بر آنچه كه مى افتد از برگ درختان كه زايل مى گرداند آن برگ را از محلّ افتادن تند بادها كه حاصل مى شود بسبب سقوط نجوم ساقط از منازل قمر و بسبب ريخته شدن باران از آسمان و ميداند جاى افتادن قطرهاى باران و قرارگاه آن را و محلّ كشيدن مورچهاى كوچك و مكان جرّ آنرا و چيزى را كه كفايت كند پشه را از خوراك آن و چيزى كه حمل نموده است آن را ماده در شكم خود.