منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 159
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الثامنة و الثمانون من المختار فى باب الخطب
فمن الإيمان ما يكون ثابتا مستقرّا في القلوب، و منه ما يكون عواريّ بين القلوب و الصّدور إلى أجل معلوم، فإذا كانت لكم براءة من أحد فقفوه حتّى يحضره الموت، فعند ذلك يقع حدّ البراءة.
اللغة:
(العواريّ) بالتشديد جمع العاريّة به أيضا كما عن الصحاح و غيره، قال الفيومي: و قد تخفف في الشعر و تجمع على العوارى بالتخفيف أيضا قال الفيومي و هي أى العارية مأخوذه من تعاوروا الشيء و اعتوروه تداولوه، و الأصل فعلية بفتح العين قال: قال الأزهرى: نسبته إلى العارة و هى اسم من الاعارة يقال أعرته الشيء إعارة و عارة مثل أطعته إطاعة و طاعة و أجبته إجابة و جابة، قال: و قال الليث سمّيت عارية لأنّها عار على طالبها، و قال الجوهرى مثله، و قال بعضهم مأخوذة من عار الفرس إذا وهب من صاحبه لخروجها من يد صاحبها قال الفيومي بعد نقل كلامهما:
و هما غلط، لأنّ العارية من الواو، لأنّ العرب تقول هم يتعاورون العوارى و يعتورونها بالواو إذا عار بعضهم بعضا و اللّه أعلم، و العار و عار الفرس من الياء، قال: فالصحيح ما قاله الأزهرى.
المعنى:
اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة مسوقة لشرح أقسام الايمان، و قد مضى تحقيق الكلام في بيان معنى الايمان بما لا مزيد عليه في شرح المختار المأة و التاسع، و تلخّص لك ممّا حقّقناه هناك أنّه عبارة عن الاذعان و التّصديق باللّه سبحانه و برسوله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 161
و بولاية أمير المؤمنين و الطيّبين من ذرّيته عليهم السّلام و البراءة من أعدائهم.
و قد اختلف كلام الشراح في شرح هذه الخطبة و قصرت أفهامهم عن ادراك ما فيها من كنوز الدقايق و رموز الحقائق، و تفرّقوا في شرحها أيادى سبا و أيدى سبا و وقعوا في طخية عمياء شوهاء كما هو غير خفىّ على من راجع إلى الشروح.
و ذلك لقصور باعهم عن الاحاطة بأقطار الأخبار و أطراف الاثار المأثورة عن العترة الأطهار، فهيهات التنبّه للرّمزة الدّقيقة الشأن و اللّمحة الخفيّة المكان ممن قلّ انسه بروايات أولياء الدّين و كلمات الأئمة المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين إذا عرفت هذا فأقول مستمدّا من اللّه سبحانه و منه التوفيق و الاعانة:
إنّ عمدة نظر أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين سلام اللّه عليه و آله في هذه الخطبة الشريفة إلى تقسيم الايمان باعتبار ما تضمّنه من الاذعان بالولاية، لا باعتبار ما تضمّنه من الاذعان باللّه سبحانه أو بالرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقسّمه بالاعتبار الّذي ذكرنا على قسمين و قال:
تشبيه- استعاره مرشحة (فمن الايمان ما يكون ثابتا مستقرّا في القلوب و منه ما يكون عوارى بين القلوب و الصّدور إلى أجل معلوم) يعني أنّ الايمان أى التّصديق بوجود الصّانع سبحانه و ما له من صفات الجلال و نعوت الكمال و الاذعان برسالة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما جاء به من عند اللّه و الاعتقاد بولاية الأئمة الهداة قسمان:
قسم منه يكون ثابتا مستقرّا في القلوب راسخا في النّفوس و هو الايمان الحقيقي البالغ إلى مرتبة اليقين و حدّ الملكة، لا يحرّكه العواصف و لا يزيله القواصف لكونه مستندا إلى الدليل القطعي و البرهان القاطع، و إليه الاشارة بقوله سبحانه: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ» أى بالقول الّذي ثبت عندهم بالحجّة و البرهان و تمكّن في قلوبهم و اطمأنّت إليه أنفسهم، فلا يزلون في الدّنيا إذا افتتنوا في دينهم و لا يلتئمون في الاخرة إذا سئلوا عن معتقدهم.
و قسم آخر يكون غير راسخ فيها و لا بالغ إلى حدّ الملكة، لعدم استناده إلى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 162
الحجّة فيزول بتشكيك المشكك و تفتين المفتّن «1» و شبهه بالعوارى باعتبار كونه في معرض الزوال كما أنّ العوارى في معرض الاسترجاع و الرّد، أو باعتبار ذهابه من القلوب و خروجه منها إن جعلنا العارية مأخوذة من عار الفرس كما قاله بعض اللّغويّين حسبما تقدّم، و هو الأنسب بالمقام.
و أتى بقوله: الى أجل معلوم، ترشيحا للتشبيه، إذ من شأن العارية أن تستعار إلى وقت معين، و يحتمل أن يكون قيدا للمشبّه فيكون المراد أنّ بقائه في القلوب مستمرّ إلى وقت معين عند اللّه سبحانه و أجل معلوم تعلّقت مشيّته سبحانه ببقائه فيها إليه، فقد تحصّل من ذلك أنّ الايمان على قسمين مستقرّ و مستودع، هذا.
و قوله (فاذا كانت لكم براءة من أحد فقفوه حتّى يحضره الموت فعند ذلك يقع حدّ البراءة) تفريع على كون الايمان بكلا قسميه أمرا قلبيّا، يعني أنّه إذا كان الايمان أمرا باطنيّا لا يمكن العثور عليه و أردتم التبرّى من أحد بمجرّد سوء الظنّ به و زعم عدم كونه مؤمنا أو بمشاهدة المنكرات منه فاجعلوا ذلك الشخص موقوفا أى لا تسرعوا إلى البراءة منه إلى حين حضور موته، فان أدركه الموت و لم يصدر منه عمل صالح يستدل به على إيمانه أو توبة جابرة للمنكر الصادر عنه فعند ذلك يسوغ البراءة، إذ عند حضور الموت ينقطع زمان التكليف و لا يبقى بعده حالة ترجى و تنتظر، فالموت هو حدّ البراءة و منتهاها.
و بقاؤه على سوء الظاهر مدّة عمره و تركه الصالحات رأسا إلى ذلك الحدّ يكون كاشفا عن خبث باطنه، إذ بالايمان يستدلّ على الصّالحات و بالصّالحات تستدلّ على الايمان كما صرّح به في المختار المأة و الخامس و الخمسين.
و أمّا إلى حين الموت فلا تسوغ التبرّى إذ ربما يكون عمله منكرا ظاهرا و له محمل صحيح باطنا، كالكذب المتضمّن لا نجاء مؤمن من القتل أو حفظ ماله أو عرضه و نحو ذلك و عليه تدلّ الأخبار الامرة بحمل فعل المسلم على الصحّة، و على فرض
______________________________
(1) او يزول بالاغراض الباطنة كما انسلخ من زبير و طلحة و أمثالهما. منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 163
عدم محمل صحيح لفعله و كونه قبيحا باطنا أيضا كما هو قبيح ظاهرا، فربما يتدارك ذنبه بالتوبة و نحوها.
و يفصح عنه ما رواه في البحار من كنز جامع الفوايد قال: روى شيخ الطائفة بإسناده عن زيد بن يونس الشحام قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام: الرّجل من مواليكم عاص يشرب الخمر و يرتكب الموبق من الذنب نتبرّء منه؟ فقال: تبرّءوا من فعله و لا تبرّءوا من خيره، و ابغضوا عمله، فقلت: يسع لنا أن نقول: فاسق فاجر؟ فقال لا الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا و لأوليائنا، أبي اللّه أن يكون وليّنا فاسقا فاجرا و إن عمل ما عمل، و لكنّكم قولوا فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس خبيث الفعل طيّب الرّوح و البدن، الحديث.
و قد تقدّم تمامه في شرح الفصل الثّاني من المختار المأة و الثاني و الخمسين، هذا و يحتمل أن يكون تفريعا على خصوص القسم الأخير من الايمان، فيكون المراد به النّهى عن التسرّع إلى البراءة عن مؤمن بمحض احتمال كون إيمانه مستودعا و عارية إلى أجل معين، و احتمال انقضاء ذلك الأجل و خروجه عن وصف الايمان إلى النفاق لأنّ اليقين لا ينقض إلّا بيقين مثله، فلا بدّ من الحكم ظاهرا ببقائه على إيمانه و بأنّه مؤمن إلى أن يظهر منه إلى حين موته أمر بيّن يدلّ على خروجه من حدّ الايمان إلى حدّ الكفر و النّفاق كما ظهر من طلحة و زبير و أمثالهما من المنافقين، فعند ظهور ذلك الأمر البيّن يعلم أنّ ايمانه كان مستودعا و حينئذ يجوز التبرّى عنه، و أمّا قبل ظهوره فلا.
و يرشد إلى ذلك قول اللّه سبحانه «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» الاية.
و يرشد إليه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما رواه القميّ في تفسير هذه الاية من أنه لما رجع اسامة إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أخبره بقتل مرداس اليهودي بعد أن شهد بأن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه، قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أفلا شققت الغطاء عن قلبه لا ما قال بلسانه قبلت و لا ما كان في نفسه علمت، هذا.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن امام بحق و ولىّ مطلق است در قسمت ايمان مى فرمايد پس قسمى از ايمان آنستكه ميباشد ثابت و برقرار در دلها، و قسمى ديگر از او آنست كه مى شود مثل عاريتها در ميان دلها و سينها تا وقت معلوم، پس هرگاه باشد شما را برائت و بيزاري از أحدى از آحاد ناس پس موقوف داريد او را و صبر نمائيد تا آنكه حاضر شود او را مرگ پس در اين حالت حضور مرگ واقع مى شود حدّ برائت و هجرت از ضلالت بسوى رشاد و هدايت قائم است بر حدّ أوّل خود نبوده است خداوند عزّ و جلّ را در أهل زمين هيچ احتياج از كسانى كه پنهان كننده باشند دين خود را يا اظهار و آشكار كننده باشند.