منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 160
و الهجرة قائمة على حدّها الأوّل، ما كان للّه في أهل الأرض حاجة من مستسرّ الامّة و معلنها، لا يقع اسم الهجرة على أحد إلّا بمعرفة الحجّة في الأرض، فمن عرفها و أقرّ بها فهو مهاجر، و لا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجّة فسمعتها أذنه، و وعاها قلبه، إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا عبد مؤمن (ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن خ ل) امتحن اللّه قلبه للإيمان، و لا يعي حديثنا إلّا صدور أمينة، و أحلام رزينة.
اللغة:
و (مستسرّ الامّة و معلنها) بصيغة الفاعل يقال استسرّ القمر و خفى و السرّ ما يكتم، و أسررت الحديث إسرارا أخفيته و هو خلاف الاعلان و (مستصعب) مروىّ بفتح العين و كسرها.
الاعراب:
قوله: ما كان للّه اه، قال القطب الراوندي في محكىّ كلامه: ما ههنا نافية، و من في قوله: من مستسرّ الامة، لبيان الجنس أى لم يكن للّه في أهل الأرض ممّن أسرّ دينه أو أعلنه حاجة.
و قال الشارح المعتزلي: إنّها ظرفيّة و من زايدة و لا حاجة لها إلى المتعلّق قال: فلو حذفت لجرّ المستسرّ بدلا من أهل الأرض، و من إذا كانت زايدة لا تتعلّق نحو ما جائنى من أحد انتهى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 164
المعنى:
و لما قسّم الايمان على قسمين و كان القسم الأوّل هو المطلوب، و كانت مطلوبيّته من البديهيات الأوّليّة غنيّة عن البيان، لا جرم طوى عنه و أتى ما هو أحرى بالبيان و أهمّ بالتنبيه عليه، و هو الطريق الموصل إلى وصف الايمان فقال: (و الهجرة قائمة على حدّها الأوّل) لم تتغيّر و لم تتبدّل أى من أراد الفوز بالايمان و الوصول إلى معارج اليقين فليهاجر إلى أئمّة الدّين، لأنّ الهجرة قائمة على حدّها الأوّل الذي كان في بدء البعثة إذ الغرض الأصلي في ذلك الزّمان لم يكن إلّا الوصول إلى حضور حجّة اللّه و رسوله و تحصيل الايمان و المعرفة و معالم الشرع معه، و هذا الغرض موجود الان و يحصل بالوصول إلى حضور الأئمة لكونهم حجج اللّه على عباده و خلفائه في بلاده و قائمين مقام الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فالهجرة إليهم هجرة إليه.
و يشهد به ما رواه في الصّافي عن العيّاشي عن محمّد بن أبي عمير قال: وجّه زرارة بن أعين ابنه عبيدا إلى المدينة يستخبر له خبر أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام و عبد اللّه، فمات قبل أن يرجع إليه عبيد، قال محمّد بن أبي عمير: حدثني محمد بن حكيم قال ذكرت لأبي الحسن زرارة و توجيهه عبيدا إلى المدينة، فقال عليه السّلام: إنّي لأرجو أن يكون زرارة ممّن قال اللّه تعالى «وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ».
و في الوسائل من معاني الأخبار عن حذيفة بن منصور قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المتعرّب بعد الهجرة التارك لهذا الأمر بعد معرفته، هذا و لما ذكر قيام الهجرة و بقائها على حدّها الأوّل تنبيها بذلك على مطلوبيّتها و وجوبها أردفه بقوله (ما كان للّه في أهل الأرض حاجة من مستسرّ الامة و معلنها) إشارة إلى أنّ مطلوبيّتها ليس لأجل حاجة و افتقار منه إلى المهاجرين و غيرهم من أهل الأرض مضمرين لما قصدوه بالهجرة أو مظهرين له.
و بعبارة اخرى انّه سبحانه طلب الهجرة من المهاجرين لا لأجل حاجة منه في هجرتهم و غرض عايدة إليه تعالى من جلب منفعة أو دفع مضرّة أو طلب ثناء و محمدة، بل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 165
هو الغنيّ المطلق المتعالى عن الفاقة و الافتقار، و إنّما حثّهم على الهجرة و على الايمان المتحصّل بالهجرة و ساير التكاليف الشرعيّة المتفرّعة عليه لأجل ايصال النفع إلى العباد و إنجائهم من العقوبة يوم المعاد.
فهذه الجملة أعني قوله: ما كان للّه اه، بمنزلة الاستيناف البياني فانّ قوله: (و الهجرة قائمة )، لما كان دالا بدلالة التنبيه و الاشارة على مطلوبيّة الهجرة، و ربما يسبق منه إلى الأوهام القاصرة أنّ مطلوبيّتها لأجل حاجة إليها منه سبحانه أتا بهذه الجملة دفعا لذلك التوهّم.
فقد ظهر بما ذكرناه ضعف ما قاله الشّارح المعتزلي من أنّ معناه ما دام للّه في أهل الأرض المستسرّ منهم باعتقاده و المعلن حاجة أى ما دام التكليف باقيا زعما منه أنّ جعل ما نافية موجب لادخال كلام منقطع بين كلامين يتّصل أحدهما بالاخر وجه الضعف منع استلزام كونها نافية، لانقطاع هذه الجملة عما قبلها إذ قد ظهر بما ذكرناه اتّصالها و حسن ارتباطها به كما لا يخفى.
مضافا إلى استعاره [ما كان للّه في أهل الأرض حاجة من مستسرّ الامة و معلنها] أنّ وصف اللّه سبحانه بالحاجة على إبقائها على حقيقتها باطل، و على تأويلها بالمعنى المجازي كما أوّلها الشارح البحراني حيث جعل لفظ الحاجة مستعارا في حقه تعالى باعتبار طلبه للعبادة بالأوامر و غيرها كطلب ذى الحاجة لها ممّا يشمئزّ منه الطباع و يأبى عنه الذوق السليم كما لا يخفى.
و بالجملة فهذه الجملة معترضة بين الجملتين، و الغرض من الاعتراض تنزيه اللّه سبحانه من الحاجة و الافتقار إلى عبادة أهل الأرض، فهي نظير الجملة المعترضة في قوله سبحانه «وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ» فانّ قوله: سبحانه جملة لكونه بتقدير الفعل وقعت في أثناء الكلام، لأنّ قوله: و لهم ما يشتهون، عطف على قوله: للّه البنات، و النكتة فيه تنزيه اللّه و تقديسه عما ينسبونه إليه.
و كيف كان فلما ذكر قيام الهجرة على حدّها الأوّل أوضحه و شرحه بقوله (لا يقع اسم الهجرة على أحد إلّا بمعرفة الحجّة في الأرض فمن عرفها و أقرّ بها فهو مهاجر) يعني أنّه لا يستحق أحد لاطلاق اسم المهاجر عليه و بوصفه بالهجرة إلّا بمعرفة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 166
حجّة اللّه في أرضه و الايمان به، و هذا الحجّة هو النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في زمانه و الأئمة المعصومون القائمون مقامه بعده.
و ذلك لما ذكرناه من أنّ الغرض الأصلي من الهجرة هو الوصول إلى حضور الحجة و تحصيل الايمان و المعرفة و معالم الشريعة منه لا مجرّد ترك الأوطان و الهجرة من البلدان و المسير من مكان إلى مكان، فالمهاجر في الحقيقة هو الضارب في الأرض لمعرفة إمام زمانه و الايمان به.
و يؤمى إلى ذلك ما رواه في الصافي عن عليّ بن إبراهيم القمّي (ره) في قوله «و السّابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار» قال: هم النقباء و أبو ذر و المقداد و سلمان و عمّار و من آمن و صدّق و ثبت على ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام و يدل عليه ما رواه في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس ابن عبد الرحمن قال: حدّثنا حمّاد عن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول العامة إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من مات و ليس له إمام مات ميتة جاهلية، فقال عليه السّلام: الحق و اللّه قلت: فانّ إماما هلك و رجل بخراسان لا يعلم من وصيّه لم يسعه ذلك؟ قال: لا يسعه إنّ الامام إذا هلك وقعت حجة وصيّه على من هو معه في البلد و حقّ النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول «وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا...» قلت: فنفر قوم فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم، قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول «وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ».
بل لا يبعد أن يقال إنّ من عرف امام زمانه و اتبعه و آمن به فيصح أن يسمّى باسم المهاجر من دون حاجة الى المسافرة، و بعبارة اخرى مجرّد المعرفة و الاتباع كاف في صحّة التسمية كما يفصح عنه قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فمن عرفها و أقرّبها فهو مهاجر.
و صحّة إطلاقه عليه ذلك إما باعتبار اشتراكه مع المهاجر المسافر في الغاية المقصودة و ان افترقا بالمسافرة و عدم المسافرة، أو باعتبار كونه مهاجرا بسبب معرفته من الضلالة إلى الهدى كما أنّ المهاجر الاصطلاحى مهاجر من بلد إلى بلد آخر.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 167
و على هذا فيكون قوله (و لا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجّة فسمعها اذنه و وعاها قبله) توكيدا لما فهم من الجملة السابقة، فانه لما كان مدلولها المطابقي على الاحتمال الأخير أنّ العارف بامام زمانه مهاجر و حقيق بأن يوصف بالمهاجريّة من دون حاجة إلى السّفر أتا بهذا الكلام توضيحا لمدلولها الالتزامي.
فيكون محصل مراده حينئذ أنّ من بلغته حجيّة الحجة فسمعها باذنه و حفظها بقلبه أى عرفها حقّ المعرفة و لو في وطنه و مع عدم تجشّم السفر فهو ليس بمستضعف بل مهاجر، و لا يجوز عدّ مثل هذا الشخص في عداد المستضعفين المستحقين للذّم و العقاب بترك المهاجرة و المسافرة المشار إليهم في قوله سبحانه «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً» فانّ هذه الاية كما قيل نزلت في أناس من أهل مكّة أسلموا و لم يهاجروا حين كانت الهجرة واجبة في بدو الاسلام، فانّ المفروض عليهم يومئذ هو المهاجرة بالأبدان و على من بعدهم هو المعرفة و الايمان من دون لزوم الهجرة بالبدن هذا.
و لكنّ الأظهر أنّ المراد بهذه الجملة أنّ من بلغته خبر الحجّة فسمعه و وعاه بقلبه أى علم علما قطعيا بوجود الحجّة فلا يقع عليه اسم الاستضعاف أى لا يسوغ له التقصير في الايمان به و الاعتذار بكونه مستضعفا فلو قصر و فرط دخل في زمرة المستضعفين المذكورين في الاية السابقة الّذين لم يكونوا مستضعفين في الحقيقة، و لذلك استحقوا التقريع و العقوبة فالمقصّر المفرط يكون مثلهم في استحقاق السّخط.
و يشهد بذلك ما رواه في الصافى من الكافى عن الصادق عليه السّلام أنه سئل ما تقول فى المستضعفين؟ فقال شبيها بالفزع فتركتم أحدا يكون مستضعفا و أين المستضعفون فو اللّه لقد مشى بأمركم هذا العواتق فى خدورهن و تحدّثت به السقاءات في طرق المدينة.
و عن الكاظم عليه السّلام أنّه سئل عن الضعفاء فكتب عليه السّلام: الضعيف من لم ترفع له
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 168
حجّة و لم يعرف الاختلاف فاذا عرف الاختلاف فليس بضعيف.
و يؤيّده ما فيه عن عليّ بن إبراهيم في الاية المتقدّمة «1» أنها نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين عليه السّلام و لم يقاتلوا معه، فقالت الملائكة لهم عند الموت فيم كنتم، قالوا: كنّا مستضعفين في الأرض أى لم نعلم مع من الحقّ فقال اللّه تعالى: «أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها» أى دين اللّه و كتاب اللّه واسع فتنظروا فيه.
و وجه التأييد غير خفىّ على المتدبّر فتدبّر، هذا.
و لما فهم من الجملات السابقة تصريحا و تلويحا وجوب السعى و الهجرة إليه عليه السّلام و إلى الطيّبين من ذريّته لكونهم حجّة اللّه في عباده و خليفة اللّه فى بلاده و علم أنّه لا يسوغ التقصير و الاستضعاف في معرفة حقّهم أردف ذلك بالتنبيه على أنّ معرفتهم حقّ المعرفة من خواصّ المؤمنين المخلصين فقال عليه السّلام:
(إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان) و الغرض بذلك تشويق المخاطبين و ترغيبهم إلى المهاجرة إليهم و المبادرة إلى معرفة شئونات ولايتهم ليدخلوا في زمرة المؤمنين الممتحنين الكاملين في مقام العرفان و الايقان الحائزين قصب السبق في مضمار التصديق و الايمان.
و في بعض النسخ لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و هذا المعني قد ورد عنهم عليهم السّلام في أخبار كثيرة.
فقد روى في الكافي عن محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن سنان عن عمار بن مروان عن جابر قال قال أبو جعفر عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب لا يؤمن به إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للايمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد فلانت له قلوبكم و عرفتموه فاقبلوه، و ما اشمأزّت منه قلوبكم و أنكرتموه فردّوه إلى اللّه و إلى الرسول و إلى العالم من آل محمّد و إنما الهلاك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول: و اللّه ما كان هذا و اللّه ما كان هذا و الانكار هو الكفر.
______________________________
(1) و لا منافاة بين هذا الخبر و الخبر السابق الدال على نزولها فى اناس من أهل مكة اسلموا و لم يهاجروا اه: لأنّ الخبر المتقدّم تفسير و هذا تأويل و الاية يشملهما كما قاله المحدث الفيض ره، منه ره.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 169
و رواه في البحار من الخرائج و منتخب البصائر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام مثله إلّا أنّ في آخره: و الانكار لفضائلهم هو الكفر.
و فيه عن أحمد بن إدريس عن عمران بن موسى عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ذكرت التقية يوما عند عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال عليه السّلام: و اللّه لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، و لقد آخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينهما فما ظنكم بساير الخلق، إنّ علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلّا نبيّ مرسل أو ملك مقرّب أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان، فقال عليه السّلام و إنما صار سلمان من العلماء لأنّه امرء منا أهل البيت فلذلك نسبته إلى العلماء.
و قد مضى أحاديث اخر في هذا المعني في شرح الفصل الرابع من المختار الثاني و قدّمنا هناك بعض الكلام في تحقيق معني هذه الأحاديث.
و أقول هنا مضافا إلي ما سبق:
إنّ المراد من أمر آل محمّد عليهم السّلام و علمهم و حديثهم الوارد في هذه الروايات على اختلاف عناوينها شيء واحد، و هو ما يختصّ بهم عليهم السّلام و ما هو خصايص ولايتهم من شرافة الذات و نورانيّتها و الكمالات الكاملة و الأخلاق الفاضلة و الاشراقات الّتي يختصّ بها عقولهم و القدرة على ما لا يقدر عليه غيرهم و ما لهم من المقامات النورانية و العلوم الغيبيّة و الاسرار الالهيّة و الأخبار الملكوتيّة و الاثار اللّاهوتية و الأطوار الناسوتية و الأحكام الغريبة و القضايا العجيبة، فانّ هذه الشئونات صعب في نفسه مستصعب فهمه و تسليمه على الخلق لا يذعن به و لا يقبله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و أعدّه بتطهيره و امتحانه و ابتلائه بالتكاليف العقلية و النقلية حتّى تحلّى بالكمالات العلمية و العملية، و الفضايل الخلقية و النفسانية و عرف مبادى كمالاتهم و قدرتهم و لا يستنكر ما ذكر من فضائلهم و ما صدر عنهم من قول أو فعل أو أمر أو نهي، و لا يتلقى شيئا من ذلك بالتكذيب و لا ينسبهم عليهم السّلام فيه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 170
إلى الكذب و ذلك لكونه مخلوقا من فاضل طينتهم معجونا بنور ولايتهم مضافا إليهم، فاذا ورد عليه شيء منهم وصل إليه فهمه و عرفه على ما هو حقّه آمن به تفصيلا، و إذا قصر عنه عقله آمن به إجمالا و لا ينكره كما قال عزّ من قائل «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي...».
و أما غير من ذكر فاذا ورد عليهم شيء من أمرهم و علمهم و أحاديثهم و فضايلهم عليهم السلام نفرت قلوبهم و اشمأزّت نفوسهم و تاهت عقولهم و سارعوا إلى ردّه و انكاره و لا يحتملونه و لا يتحمّلونه بل يكفرون به و يكذبونه كما قال عليه السّلام في المختار السبعين: و لقد بلغني أنكم تقولون: علىّ يكذب، قاتلكم اللّه فعلى من أكذب أعلى اللّه فأنا أوّل من آمن به، أم على نبيّه فأنا أوّل من صدّقه، كلّا و اللّه و لكنّها لهجة غبتم عنها و لم تكونوا من أهلها ويل امّه كيلا بغير ثمن لو كان له دعاة.
(و) قوله (لا يعى حديثنا إلّا صدور أمينة و أحلام رزينة) توكيد لما دلت عليه الجملة السابقة أى لا يحفظ حديثنا الصّعب المستصعب إلّا قلوب متّصفة بالأمانة و عقول ذات ثقل و وقار و رزانة.
روى في الكافى عن علىّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن البرقى، عن ابن سنان أو غيره رفعه إلى أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا صدور منيرة أو قلوب سليمة أو أخلاق حسنة إنّ اللّه أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بنى آدم أ لست بربّكم، فمن و فى لنا و في اللّه له بالجنّة، و من أبغضنا و لم يرد «يواد خ» إلينا حقّنا ففى النار خالدا مخلّدا.
و المراد انّه لا يحفظ و لا يحتمل حديثنا إلّا صدور أمينة في احتماله و حفظه و كتمانه و ستره إلى أن يؤدّيه إلى أهله على وفق ما احتمله و تحمّله من دون تغير و تبديل و لا تحريف و لا زيادة و لا نقصان كما هو شأن الأمين يحفظ الأمانة و يردّها إلى أهلها صحيحة سالمة.
و يرشد اليه ما رواه في الكافي عن محمّد بن يحيى و غيره عن محمّد بن أحمد عن بعض أصحابنا قال كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السّلام جعلت فداك ما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 171
معني قول الصادق عليه السّلام حديثنا لا يحتمله ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان؟ فجاء الجواب إنما معني قول الصادق عليه السّلام أى لا يحتمله ملك و لا نبيّ و لا مؤمن إنّ الملك لا يحتمله حتّى يخرجه إلى ملك غيره، و النبيّ لا يحتمله حتّى يخرجه إلى نبيّ غيره، و المؤمن لا يحتمله حتّى يخرجه إلى مؤمن غيره، فهذا معني قول جدّى عليه السّلام هذا.
و وصف الأحلام بالرزانة إشارة إلى أنها لا يستنفرها صعوبة ما سمعتها من الأحاديث و الفضايل إلى ردّها و إنكارها و لا يستخفنّها غرابتها إلى نشرها و اذاعتها.
روى في البحار من منتخب البصاير بسنده عن الحذاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنّ أحبّ أصحابي إلىّ أفقههم و أورعهم و أكتمهم لحديثنا، و إنّ أسوأهم عندى حالا و أمقنهم إلىّ الّذى إذا سمع الحديث ينسب إلينا و يروى عنّا و اشمأزّ منه جحده و اكفر من دان به و لا يدرى لعلّ الحديث من عندنا خرج و إلينا اسند فيكون بذلك خارجا من ديننا.
و فيه منه بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا» قال:
هم الأئمة و يجرى فيمن استقام من شيعتنا و سلم لأمرنا و كتم حديثنا عن عدوّنا تستقبله الملائكة بالبشرى من اللّه بالجنّة و قد و اللّه مضى أقوام كانوا على مثل ما أنتم عليه من الذين استقاموا و سلّموا لأمرنا و كتموا حديثنا و لم يذيعوه عند عدوّنا و لم يشكّوا فيه كما شككتم فاستقبلتهم الملائكة بالبشرى من اللّه بالجنّة، هذا.
الترجمة:
واقع نمى شود اسم هجرت بر أحدى مگر بمعرفت و شناختن حجت خدا در زمين پس هر كه شناخت او را و اقرار نمود باو پس او است مهاجر و واقع نمى شود اسم استضعاف و مستضعف گفته نمى شود بر كسى كه رسيده باشد باو حجت پس بشنود آنرا گوش او و نگه داشته باشد آنرا قلب او.
بدرستى كه أمر ما بالغاية صعب و دشوار است و متحمل نمى شود آن را مگر بنده مؤمنى كه امتحان كرده باشد خداوند تعالى قلب او را از براى ايمان و حفظ نمى كند حديث ما را مگر سينهاى أمين و عقلها سنگين.