و إنّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس:
رجل منافق مظهر للإيمان متصنّع بالإسلام لا يتأثّم و لا يتحرج، يكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمّدا فلو علم النّاس أنّه منافق كاذب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوا قوله و لكنّهم قالوا صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم راه و سمع منه و لقف عنه فيأخذون بقوله و قد أخبرك اللّه عن المنافقين بما أخبرك، و وصفهم بما وصفهم به لك، ثمّ بقوا بعده عليه و آله السّلام فتقرّبوا إلى أئمّة الضّلالة و الدّعاة إلى النّار بالزّور و البهتان، فولّوهم الأعمال و جعلوهم حكّاما على رقاب النّاس، و أكلوا بهم الدّنيا و إنّما النّاس مع الملوك و الدّنيا إلّا من عصم اللّه فهو أحد الأربعة.
اللغة:
و (التّصنّع) تكلّف حسن السّمت و التزيّن و (التّأثم) و (التحرّج) مجانبة الاثم و الحرج أى الضّيق يقال تحرج أى فعل فعلا جانب به الحرج كما يقال تحنث إذا فعل ما يخرج به عن الحنث، قال ابن الاعرابي: للعرب أفعال تخالف معانيها ألفاظها قالوا: تحرّج و تحنّث و تأثّم و تهجّد إذا ترك الهجود.
و (لقفه) لقفا من باب سمع و لقفانا بالتحريك تناوله بسرعة قال تعالى: «تلقف ما يأفكون»، و (عصمه اللّه) من المكروه من باب ضرب حفظه و وقاه.
الاعراب:
و قوله: صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالرفع خبر محذوف المبتدأ أى هو أو هذا صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و جملة رآه تحتمل الحال و الوصف.
المعنى:
ثمّ شرع عليه السّلام فى بيان وجه اختلاف الأخبار فقال (و انما أتاك بالحديث أربعة رجال لا خامس لهم) قال الشارح البحرانى: و وجه الحصر فى الأقسام الأربعة أنّ الناقل للحديث عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المتسمّين بالاسلام إمّا منافق أولا، و الثاني إمّا أن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 30
يكون قد وهم فيه أولا، و الثاني إما أن لا يكون قد عرف ما يتعلّق به من شرايط الرّواية أو يكون.
فأشار عليه السّلام إلى القسم الأوّل بقوله (رجل منافق مظهر للايمان) بلسانه منكر له بقلبه (متصنّع بالاسلام) أى متكلّف بادابه و لوازمه و مراسمه ظاهرا من غير أن يعتقد به باطنا يعنى أنه ليس مسلما فى نفس الأمر و إنّما تسمّى بالاسلام لتدليس الناس (لا يتأثم و لا يتحرّج) أى لا يكفّ نفسه عن موجب الاثم و لا يتجنّب عن الوقوع فى الضيق و الحرج، أولا يعدّ نفسه آثما بالكذب بل (يكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمّدا) لغرضه الدّنيوى و داعية هواه النفساني (فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه) حديثه كما قبلوه (و لم يصدّقوا قوله) كما صدّقوه (و لكنهم) اشتبهوا و (قالوا) هذا (صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رآه و سمع منه و لقف) أى تنال الحديث (عنه فيأخذون بقوله) غفلة عن كذبه لحسن ظنهم به (و قد أخبرك اللّه عن المنافقين) فى كتاب المبين (بما أخبرك و وصفهم بما وصفهم به لك) الظاهر أنه عليه السّلام أراد به قوله تعالى فى سورة المنافقين «وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ» الاية، كما صرّح عليه السلام به فى ساير طرق الرّواية حسبما تعرفه فى التكملة الاتية، و قد أفصح تعالى عن أحوالهم و أوصافهم بهذه الاية و الايات قبلها فى السورة المذكورة قال «إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ. وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ»
قال أمين الاسلام الطبرسيّ قد «و اللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون» في قولهم إنّهم يعتقدون أنك رسول اللّه، فكان إكذابهم في اعتقادهم و أنّهم يشهدون ذلك بقلوبهم، و لم يكذبوا فيما يرجع إلى ألسنتهم، لأنّهم شهدوا بذلك و هم صادقون فيه «اتّخذوا ايمانهم جنّة» أى سترة يستترون بها من الكفر لئلا يقتلوا و لا يسبوا و لا يؤخذ أموالهم «فصدّوا عن سبيل اللّه» فأعرضوا بذلك عن دين الاسلام، و قيل:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 31
منعوا غيرهم عن اتّباع سبيل الحقّ بأن دعوهم إلى الكفر في الباطن، و هذا من خواصّ المنافقين، يصدّون العوام عن الدّين كما تفعل المبتدعة «انّهم ساء ما كانوا يعملون» أى بئس الّذى يعملونه من اظهار الايمان مع ابطان الكفر و الصدّ عن السّبيل «ذلك بأنّهم آمنوا» بألسنتهم، عند الاقرار بلا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه «ثمّ كفروا» بقلوبهم لمّا كذبوا بهذا «فطبع على قلوبهم» أى ختم عليها بسمة تميّز الملائكة بينهم و بين المؤمنين على الحقيقة «فهم لا يفقهون» أى لا يعلمون من حيث إنّهم لا يتفكرون حتّى يميّزوا بين الحقّ و الباطل «و إذا رأيتهم تعجبك اجسامهم» بحسن منظرهم و تمام خلقتهم و جمال بزّتهم «و إن يقولوا تسمع لقولهم» لحسن منطقهم و فصاحة لسانهم و بلاغة بيانهم «كأنّهم خشب مسنّدة» أى كأنّهم أشباح بلا أرواح، شبّههم اللّه في خلوّهم من العقل و الافهام بالخشب المسنّدة إلى شيء لا أرواح فيها و في الصّافي مسنّدة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم و النّظر.
(ثمّ بقوا) أى المنافقون (بعده عليه و آله السلام فتقرّبوا إلى أئمّة الضّلالة) كمعاوية و أضرابه من رؤساء بني اميّة تلميح (و الدّعاة إلى النّار) فيه تلميح إلى قوله تعالى «وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» (بالزّور) أى الكذب (و البهتان فولّوهم الأعمال و جعلوهم حكاما على رقاب النّاس) أى أئمّة الضّلال بسبب وضع الأخبار اعطوا هؤلاء المنافقين الولايات و سلّطوهم على النّاس، و يحتمل العكس أى بسبب مفتريات هؤلاء المنافقين صاروا و الين على النّاس و صنعوا ما شاءوا و ابتدعوا ما أرادوا قال المحدّث العلامة المجلسيّ: و لكنّه بعيد.
أقول: و لعلّ وجه استبعاده أنّ ظاهر كلامه عليه السّلام يفيد كون إمامة أئمّة الضلالة متقدّمة على وضع الأخبار حيث تقرّبوا بها إليهم فلا يكون حينئذ ولايتهم و إمامتهم مستندة إلى وضعها و مسبّبة منها، و لكن يمكن رفع البعد بأن يكون المراد أنّ ثبات حكومتهم و ولايتهم و استحكامها كان بسبب مفتريات المنافقين و إن لم يكن أصل الولاية بسببها و قوله (و أكلوا بهم الدّنيا) أى معهم أو باعانتهم، و الضّمير الأوّل راجع إلى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 32
أئمّة الضلالة، و الثاني إلى المنافقين المفترين، و يحتمل العكس أيضا.
و أشار إلى علّة تقرّبهم إلى الولاة بمفترياتهم بقوله (و انما الناس) جميعا (مع الملوك و الدّنيا) لكون هواهم فيها فهم عبيد لها و لمن فى يديه شيء منها حيثما زالت زالوا إليها و حيثما أقبلت أقبلوا عليها (إلّا من عصم) ه (اللّه) تعالى منها و من أهلها، و هم الدين آمنوا و عملوا الصالحات و قليل ما هم (ف) هذا (هو أحد الأربعة).
الترجمة:
و جز اين نيست آورد بتو حديث را چهار كس كه نيست پنجمى از براى آنها:
اوّل كسى است كه منافق است كه ظاهر ساخته ايمان را و بخود بسته اسلام را، پرهيز ندارد از گناه و باك نمى كند از تنگى معصيت دروغ مى بندد بر رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم از روى عمد، پس اگر بدانند مردمان كه او منافق و دروغ گو است قبول نمى كنند از او، و تصديق نمى كنند قول او را، و ليكن ايشان مى گويند كه اين شخص مصاحب رسول خدا است ديده است او را و شنيده است از او و أخذ نموده از او، پس فرا گيرند قول او را، و بتحقيق كه خبر داده است تو را خداى تعالى در قرآن از حال منافقان به آن چيز كه خبر داده، و وصف فرموده ايشان را بان چيز كه وصف كرده است از براى تو، پس باقى ماندند آن منافقان بعد از رحلت حضرت رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تقرّب جستند بسوى امامان ضلالت و گمراهى و دعوت كنندگان بسوى آتش جهنم بسبب دروغ و بهتان گفتن بر رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، پس گردانيدند ايشان را صاحبان اختيار كارها و حاكمان بر مردان، و خوردند با دست يكى بودن ايشان مالها را، و جز اين نيست كه مردمان مايلند بپادشاهان و راغبند بدنيا مگر كسى كه حفظ نمايد او را خدا، پس اين كس يكى از آن چهار كس است.