منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 66
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأتان و العاشرة من المختار فى باب الخطب:
و كان من اقتدار جبروته، و بديع لطايف صنعته، أن جعل من ماء البحر الزّاخر المتراكم المتقاصف يبسا جامدا، ثمّ فطر منه أطباقا، ففتقها سبع سماوات بعد ارتتاقها، فاستمسكت بأمره، و قامت على حدّه، يحملها الأخضر المثعنجر، و القمقام المسخّر، قد ذلّ لأمره، و أذعن لهيبته، و وقف الجاري منه لخشيته، و جبل جلاميدها، و نشوز متونها و أطوادها، فأرسيها في مراسيها، و ألزمها قرارتها، فمضت رءوسها في الهواء، و رست أصولها في الماء، فأنهد جبالها عن سهولها، و أساخ قواعدها في متون أقطارها، و مواضع أنصابها، فأشهق قلالها، و أطال أنشازها، و جعلها للأرض عمادا، و أرزّها فيها أوتادا، فسكنت على حركتها من أن تميد بأهلها، أو تسيخ بحملها، أو تزول عن مواضعها. فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها، و أجمدها بعد رطوبة أكنافها، فجعلها لخلقه مهادا، و بسطها لهم فراشا، فوق بحر لجّي راكد لا يجري، و قائم لا يسري، تكركره الرّياح العواصف، و تمخضه الغمام الذّوارف «إنّ في ذلك لعبرة لمن يخشى». (50472- 50315)
اللغة:
(الجبروت) و زان ملكوت فعلوت من الجبر و هو القهر و الغلبة، و الجبّار من جملة الأسماء الحسنى قال الصدوق: معناه القاهر الّذى لا ينال، و له التّجبر و الجبروت أى التّعظم و العظمة و يقال للنّخلة الّتي لا تنال: جبارة و (زخر) البحر كمنع امتدّ أمواجه و ارتفع و (قصف) الرّعد اشتدّ صوته و تقاصف البحر تزاحم أمواجه.
و (اليبس) قال الشارح المعتزلي بالتّحريك المكان يكون رطبا ثمّ يبس و منه قوله تعالى وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ و اليبس بالسّكون اليابس خلقة يقال حطب يبس هكذا يقول أهل اللّغة و فيه كلام لأنّ الحطب ليس يابسا خلقة بل كان رطبا من قبل. فالأصوب أن يقال: لا تكون هذه اللّفظة محرّكة إلّا في المكان خاصّة، انتهى و قال الفيومى: شيء يبس ساكن الباء بمعنى يابس، و حطب يبس كأنه خلقة و مكان يبس إذا كان فيه ماء فذهب، و قال الفارابى: مكان يبس و يبس و كذلك غير المكان.
و (الأطباق) جمع طبق كأسباب و سبب و هو غطاء كلّ شيء، و الطبق من كلّ شيء ما ساواه و (المثعنجر) بصيغة الفاعل كما في النسخ السائل من ماء أو دمع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 67
و بفتح الجيم وسط البحر و ليس في البحر ماء يشبهه، هكذا قال الفيروز آبادي، و قال الجزرى في حديث علىّ عليه السّلام يحملها الأخضر المثعنجر، هو أكثر موضع في البحر ماء و الميم و النّون زايدتان و منه حديث ابن عبّاس فاذا علمى بالقرآن فى علم علىّ عليه السّلام كالقرارة في المثعنجر، و القرارة الغدير الصغير.
و (القمقام) بالفتح كما في النّسخ و قد يضمّ البحر و (المسخر) فى بعض النسخ بالخاء المعجمة و في بعضها بالجيم من سجر النّهر ملأه و تسجير الماء تفجيره و (الجلمد) بالفتح الجلمود بالضمّ الحجر العظيم الصّلب و (النّشوز) جمع النشز بالفتح المكان المرتفع و (المتن) ما صلب من الأرض و ارتفع و (الطود) بالفتح الجبل أو العظيم منه و (القرارة) موضع القرار و في بعض النسخ قراراتها بصيغة الجمع.
و (رست) أى ثبتت و في بعض النسخ رسبت يقال رسب في الماء كنصر و كرم رسوبا ذهب سفلا و (نهد) ثدى الجارية كمنع و نصر أى كعب و ارتفع و (السّهل) من الأرض ضدّ الحزن و (الأنصاب) جمع النصب بالفتح و يحرّك و هو العلم المنصوب و بالضمّ و بضمّتين كلّ ما جعل علما و كلّ ما عبد من دون اللّه و (القلال) بالكسر جمع قلّة بالضمّ و هى أعلى الجبل و (العماد) بالكسر الخشبة الّتي يقوم عليها البيت و الأبنية الرّفيعة العالية و (أرز) يأرز بتقديم المهملة كنصر و ضرب و علم أى ثبت، و أرزّ بتشديد المعجمة أى أثبت، و في أكثر النسخ بالتّخفيف و فتح العين و في بعضها بالتشديد قال في النّهاية في كلام علىّ عليه السّلام أرزّها فيها أوتادا أى أثبتها إن كانت الزّاى مخفّفة، فهى من أرزت الشجرة تأرز إذا أثبت في الأرض، و إن كانت مشدّدة فهى من أرزّت الجرادة إذا أدخلت ذنبها في الأرض لتلقى فيها بيضها، و رززت الشيء في الأرض رزّا أثبتّه فيها و حينئذ تكون الهمزة زايدة، انتهى.
قيل: و روى آرزها بالمدّ من قولهم شجرة آرزة أى ثابتة في الأرض و (موجان مياهها) صيغة فعلان بالتّحريك في المصدر تدلّ على الاضطراب كالميدان و النزوان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 68
و الخفقان، و قد قال عليه السّلام في الخطبة الاولى: و وتّد بالصخور ميدان أرضه و (المهاد) بالكسر الفراش و الموضع يهيّئ للصبىّ و يوطاء، و (الفراش) البساط و (اللجّة) بالضمّ معظم البحر و (الكركرة) تصريف الرّياح السّحاب إذا جمعته بعد تفرّق و أضله تكرّره من التّكرر و كركرته عنّى أى دفعته و رددته و (مخض) اللبن يمخضه من باب نصر و ضرب و منع استخرج زبده بصبّ الماء فيه و تحريكه و (الغمام) جمع الغمامة كالسّحاب و السحابة لفظا و معنا أو خصوص البيضاء منها و (ذرف عينه) أى سال دمعها و ذرفت العين دمعها أى أسال يتعدّى و لا يتعدّى.
الاعراب:
أطوادها بالنصب عطف على جلاميدها و في بعض النسخ بالجرّ عطفا على متونها، و أوتادا حال من مفعول أرزّها، و على في قوله على حركتها، للاستعلاء المجازى و في بعض النسخ عن حركتها بدل على فهى بمعنى بعد كما في قوله تعالى «عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ» و الباء في قوله بأهلها بمعنى مع و كذلك في قوله بحملها، و قال الشارح المعتزلي هى للتّعدية و الأوّل أشبه.
المعنى:
اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة مسوقة لاظهار عظمة اللّه تعالى و كمال قدرته و جلاله و جبروته في خلق السماوات و الأرض و الجبال، و قد مضى فصل و اف في هذا المعنى منه عليه السّلام في الفصل الثالث و الثامن من المختار الأوّل، و في الفصل الرّابع و السادس من المختار التّسعين، و قال عليه السّلام هنا:
(و كان من اقتدار جبروته) أى من قدرة عظمته و تجبره و جبّاريّته أى قهاريّته و غلّابيّته، و نسبة الاقتدار إلى جبروته تعالى إمّا تعظيما و تفخيما كما يقال إذا صدر أمر من السلطان أمر الباب العالى أو الحضرة الشريفة بكذا، أو تنبيها على أنّه عزّ و جلّ الأعظم المطلق حيث خلق هذه الأجرام القويّة العظيمة السماوية و الأرضية (و) نسبته إلى (بديع لطايف صنعته) ملاحظة لما أودع فيها من عجايب الصنع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 69
و لطايف التّدبير الّتي يعجز عن إدراك أقلّ قليلها عقول البشر، ففيه تنبيه على كمال لطفه و تدبيره و حكمته و محصل مراده أنّه تعالى كان قدرته و لطفه منشئا (أن جعل) أى خلق (من ماء البحر) و في بعض النسخ اليمّ بدله و هو بمعناه (الزاخر) المرتفع الممتلى الممتدّ جدّا (المتراكم المتقاصف) أى الّذى اجتمع بعضه فوق بعض و تزاحمت أمواجه و اشتدّ صوته الهايل من كثرة الأمواج (يبسا جامدا) أراد به الأرض، فانه سبحانه خلقها من زبد الماء حسبما عرفته تفصيلا في التّذييل الثاني من شرح الفصل الثامن من الخطبة الاولى.
(ثمّ فطر منه) أى خلق من الماء أى من بخاره و دخانه حسبما عرفته أيضا في شرح الفصل المذكور (أطباقا) أى طبقا بعد «فوق» طبق تلميح (ففتقها سبع سماوات بعد ارتتاقها) يريد أنّها كانت طبقات منفصلة في الحقيقة متّصلة في الصورة بعضها فوق بعض ففتقها و فرّفها و باعد بعضها عن بعض فحصل سبع سماوات متميّزات بينها أمكنة الملائكة بعد ما كانت ملتزفة متّصلة.
و فيه تلميح إلى قوله تعالى «أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ». قال مجاهد و السّدي في تفسير الاية كانت السماوات مرتتقة مطبقة ففتقناها سبع سماوات و كانت الأرض كذلك ففتقناها سبع أرضين و قيل في تفسيرها وجوه اخر تقدّمت في شرح الخطبة الأولى و كلامه عليه السّلام مؤيّد لهذا الوجه.
(فاستمسكت بأمره) أي احتبست و اعتصمت و قامت بأمر اللّه سبحانه و الغرض عدم تفرّقها كأن بعضها معتصم ببعض (و قامت على حدّه) أى وقفت على ما حدّ لها من المكان و المقدار و الهيئة و الشكل و الأقطار و النّهايات، و لم تجاوز عن حدودها المعيّنة و الضمير في حدّه راجع إلى اللّه سبحانه.
(يحملها الأخضر المثعنجر) أي يحمل الأرض المستفادة من اليبس ماء البحر السائل، و وصف الماء بالخضرة من عادة العرب و التعبير عن البحر بالأخضر لأنّه بصفة لون السّماء فيري أخضر (و القمقام المسخّر) أي البحر الّذى سخّره اللّه تعالى أي ذلّله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 70
لحملها كما أشار إليه بقوله (قد ذلّ) و انقاد (لأمره) عزّ و جلّ (و أذعن) و خضع (لهيبته) و جلاله (و وقف الجارى منه لخشيته) أى وقف السائل بالطبع فوقوفه عدم جريانه طبعا بارادته سبحانه أو السائل منه قبل إرادته.
(و جبل جلاميدها) أى خلق سبحانه صخور الأرض الصّلبة العظيمة (و نشوز متونها و أطوادها) أى مرتفعات صلبتها و جبالها (فأرساها في مراسيها) أى أثبت هذه الجلاميد و الأطواد في مواضعها المعيّنة الّتي اقتضت الحكمة الالهيّة إثباتها فيها (و ألزمها قرارتها) أى أمسكها حيث استقرّت (فمضت رؤوسها في الهواء و رست) أى رسبت و ثبتت (اصولها في الماء) الّذى بين أجزاء الأرض (فانهد جبالها عن سهولها) أى رفع جبال الأرض و أعلاها عن أراضيها المطمئنّة (و أساخ قواعدها في متون أقطارها) أى غيّب قواعد الجبال في جوانب أقطار الأرض (و) في (مواضع انصابها) و أعلامها (فاشهق قلالها و أطال انشازها) أى جعل قلالها مرتفعة عالية و اطالة الأنشاز مؤكّدة لها كما قال تعالى «وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ» .
(و جعلها) أى الجبال (للأرض عمادا) قيل المراد جعلها مواضع رفيعة في الأرض و الظّاهر أنّ المراد به ما أوضحه بقوله (و أرزّها فيها أوتادا) أى أثبتها في الأرض حال كونها بمنزلة الوتد لها تمنعها من الحركة و الاضطراب كالسّفينة إذا القى فيها جسم ثقيل.
(فسكنت على حركتها) الّتى هى من شأنها لكونها محمولة على سائل متموّج أو على أثر حركتها يتموّج الماء (من أن تميد) و تضطرب (بأهلها) كما قال تعالى «وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ» و قال «وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ» أى لئلّا تميد أو كراهة أن تميد قيل: إنّ الأرض كانت تميد و ترجف رجوف السّقف بالوطيء فثقّلها بالجبال الرّواسي ليمنع من رجوفها، و قد تقدّم في شرح الفصل الثّالث من الخطبة الاولى بيان الاختلاف في كيفيّة كون الجبال سببا لسكون الأرض فليراجع ثمّة.
و من جملة الوجوه الّتي قيل في ذلك: إنّ المراد بالأرض قطعاتها و بقاعها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 71
لا مجموع كرة الأرض، و يكون الجبال أوتادا لها أنّها مانعة لها عن الميدان و الاضطراب بالزّلزلة و نحوها إمّا لحركة البخارات المختنقة في داخلها بإذن اللّه تعالى أو لغير ذلك من الأسباب الّتي يعلمها مبدعها و منشئها، قال المحدّث العلامة المجلسى قدّس سرّه: و هذا وجه قريب يؤيّده ما سيأتي في باب الزّلزلة من حديث ذى القرنين.
و قوله (أو تسيخ بحملها) أى تغوص في الماء مع ما عليها (أو تزول عن مواضعها) قال الشّارح المعتزلي:
فان قلت: ما الفرق بين الثّلاثة تميد بأهلها أو تسيخ بحملها أو تزول عن مواضعها؟
قلت: لأنّها لو تحرّكت لكانت إمّا على مركزها أولا على مركزها، و الأوّل هو المراد بقوله تميد بأهلها، و الثّاني ينقسم إلى أن تنزل إلى تحت أو لا تنزل إلى تحت، فالنّزول إلى تحت هو المراد بقوله أو تسيخ بحملها، و الثّاني هو المراد بقوله أو تزول عن مواضعها.
و قال المحدّث العلامة المجلسي: و يحتمل أن يراد بقوله عليه السّلام: تميد بأهلها تحرّكها و اضطرابها بدون الغوص في الماء كما يكون عند الزلزلة، و بسوخها بحملها حركتها على وجه يغوص أهلها في الماء سواء كانت على المركز أم لا فتكون الباء للتّعدية، و بزوالها عن مواضعها خراب قطعاتها بالرّياح و السّيول أو بتفرّق القطعات و انفصال بعضها عن بعض، فانّ الجبال كالعروق السّارية فيها تضبطها عن التّفرّق، و يؤيّده ايراد المواضع بلفظ الجمع، هذا.
و لمّا نبّه عليه السّلام على كمال اقتداره تعالى و جلاله و عظمته في خلق الأرض و الجبال مضافا إلى خلق السّماء أردفه بتنزيهه على ذلك و قال:
(فسبحان من أمسكها) أى الأرض بقدرته (بعد موجان مياهها) قال في البحار: لعلّ المراد بهذا الموجان ما كان غامرا للأرض أو أكثرها و امساكها بخلق الجبال الّتي تقدّم في الكلام (و أجمدها بعد رطوبة اكنافها) أى جوانبها لميدانها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 72
قبل خلق الجبال و قول الشّارح البحراني: بأنّه اشارة إلى أنّ أصلها من زبد الماء ليس بشيء.
و قوله عليه السّلام (فجعلها لخلقه مهادا) كقوله تعالى في سورة النّبأ «أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً» أى وطاء و قرارا و مهياء للتّصرّف فيه من غير أذية، و في سورة طه «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا» و في سورة الزّخرف «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» أى كالمهد تتمهّدونها و قوله عليه السّلام (و بسطها لهم فراشا) كقوله عزّ و جلّ في سورة البقرة «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً» و في سورة نوح «جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً» قال بعض المفسّرين: الفراش اسم لما يفرش كالبساط لما يبسط و ليس من ضرورات الافتراش أن يكون مسطحا مستويا كالفراش على ما ظنّ، فسواء كانت كذلك أو على شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر و لا مدفوع لعظم جرمها و تباعد أطرافها و لكنّه لا يتمّ الافتراش عليها ما لم تكن ساكنة في حيزها الطبيعي و هو وسط الأفلاك لأنّ الأثقال بالطبع تميل إلى تحت كما أنّ الخفاف بالطبع تميل إلى فوق و الفوق من جميع الجوانب ما يلي السّماء و التحت ما يلي المركز، فكما أنّه يستبعد حركة الأرض فيما يلينا إلى جهة السماء فكذلك يستبعد هبوطها فى مقابل ذلك، لأنّ ذلك الهبوط صعود أيضا إلى السّماء، فاذا لا حاجة فى سكون الأرض و قرارها فى حيّزها إلى علاقة من فوقها، و لا إلى دعامة من تحتها، بل يكفى فى ذلك ما أعطاها خالقها و ركز فيها من الميل الطبيعى إلى الوسط الحقيقى بقدرته و اختياره.
و قوله عليه السّلام (فوق بحر لجّى) كثير الماء (راكد لا يجرى) اى ساكن لا يجرى إلى أحد الجوانب (و قائم) أى ثابت (لا يسرى) عن مكانه و ذلك لملازمة مركزه على حذو ما عرفت آنفا فى بيان فراشيّة الأرض (تكركره) أى تردّده و تكرّره (الرّياح العواصف) الشّديدة (و تمخضه الغمام الذّوارف) أى تحرّكه السّحاب المواطر و ذلك لأنّ الحرّ إذا وقع فيه المطر يرتجّ و يتمخّض و يضطرب كثيرا لتحريك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 73
انضباب المطر بكثرة و قوّة له و لمّا ذكر عليه السّلام عظيم قدرته عزّ و جلّ فى خلق السّماء و الأرض و الجبال و الماء اتبعه بقوله عليه السّلام (انّ فى ذلك لعبرة لمن يخشى) أى فيما قدّمناه من آثار القدرة و دلائل الجبروت و العظمة اعتبار لمن خشى ربّه، و إنّما خصّه به لأجل أنّ عدم الخشية يوجب عدم المبالات بالعبر و الالتفات إليها، و المراد بمن يخشى العلماء بمقتضى الحصر الوارد فى قوله تعالى «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» و تخصيص الخشية بهم لأنّ شرطها معرفة المخشى و العلم بصفاته و أفعاله و قدرته و قهره فمن كان أعلم به كان أخشى منه، اللّهم ارزقنا هذه المرتبة.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن حضرتست در اشاره بعجايب قدرت مى فرمايد:
و هست از قدرت و توانائى سلطنت آفريدگار و عجايب صنعتهاى لطيفه او اين كه خلق فرمود از آب درياى بسيار موج زننده بر هم نشسته پر صدا زمين خشك بى رطوبت را، پس از آن خلق فرمود از بخار آن آب طبقاتى بر روى هم چيده، پس جدا ساخت آن طبقات را هفت آسمان بعد از جمع بودن و يكجا بودن آنها، پس بايستادند بفرمان او وقايم شدند باندازه مقرّره او در حالتى كه بر مى دارد آن زمين را آب كبود سيلان كننده، و درياى مسخّر شده در تحت قدرت در حالتى كه ذليل بود از براى امر او، و منقاد بود به هيبت و جلال او، و ايستاد و ساكن گشت جارى از آن آب از ترس حكم او، و خلق فرمود سنگهاى زمين را و بلند پستهاى آنرا، و كوههاى آنرا پس برقرار گردانيد آنها را در قرارگاههاى آنها، و لازم گردانيد آنها را در جاى ثبات آنها پس گذر كرد سرهاى آنها در هوا، و فرو رفت بيخهاى آنها در آب دريا پس بلند گردانيد كوههاى زمين را از هموارى زمين، و فرو برد اساس آنها را در پشتهاى اطراف آن و در مواضع علامتهاى آن، پس بلند كرد سرهاى كوهها را، و دراز گردانيد بلند شدن از زمين آنها را، و گردانيد آن كوهها را از براى زمين ستون، و فرو گرفت آنها را در زمين در حالتى كه ميخهاى زمين بودند، پس ساكن شد زمين از حركت خود از اين كه بلرزاند أهل خود را، يا اين كه فرو برد حمل خود را، يا اين كه زايل گردد از مواضع خود.
پس تنزيه ميكنم تنزيه كردنى كسى را كه نگاه داشت زمين را بعد از موج زدن آبهاى آن، و خشك گردانيد آنرا بعد از تر بودن اطراف آن، پس گردانيد آن را از براى مخلوقات خود آرام گاه و گسترانيد آنرا از براى ايشان فرش و بساط بالاى درياى بزرگ انبوه ساكن غير جارى و قائم غير سارى در حالتى كه بر گرداند و بهم مى زند آنها دريا را بادهاى تند وزنده و حركت مى دهد آنرا ابرهاى ريزنده، بتحقيق كه در اين دلائل قدرت و عظمت عبرتيست از براى كسى كه بترسد از خدا.