منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 89
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأتان و الثالثة عشر من المختار فى باب الخطب:
و أشهد أنّه عدل عدل، و حكم فصل، و أشهد أنّ محمّدا عبده و سيّد عباده، كلّما نسخ اللّه الخلق فرقتين جعله في خيرهما، لم يسهم فيه عاهر، و لا ضرب فيه فاجر. ألا و إنّ اللّه قد جعل للخير أهلا، و للحقّ دعائم، و للطّاعة عصما، و إنّ لكم عند كلّ طاعة عونا من اللّه يقول على الألسنة، و يثبّت الأفئدة، فيه كفاء لمكتف، و شفاء لمشتف.
اللغة:
(نسخت) الكتاب نسخا من باب منع نقلته و انتسخته كذلك، و نسخت الشّمس الظل أى أزالته قال ابن فارس: و كلّ شيء خلف شيئا فقد انتسخه فيقال انتسخت الشمس الظلّ و الشّيب الشّباب أى أزاله و كتاب منسوخ و منتسخ منقول، و النّسخة الكتاب المنقول و تناسخ الأزمنة و القرون تتابعها و تداولها، لأنّ كلّ واحد ينسخ حكم ما قبله و يثبت الحكم لنفسه، و منه تناسخ المواريث لأنّ الارث لا يقسّم على حكم الميّت الأوّل بل على حكم الثاني و كذلك ما بعده.
و (يسهم) بالبناء على المفعول من اسهمت له أعطيته سهما أى نصيبا و (عهر) عهرا من باب تعب زنا و فجر فهو عاهر و عهر عهورا من باب قعد لغة و في الحديث:
الولد للفراش و للعاهر الحجر، أى إنّما يثبت الولد لصاحب الفراش و هو الزّوج و للعاهر الجنبة «الخيبة» و لا يثبت له نسب و هو كما يقال له التّراب أى الخيبة لأنّ بعض العرب كان يثبت النّسب من الزّنا فأبطله الشرع.
استعاره و (الدّعامة) بالكسر ما يستند به الحائط إذا مال يمنعه من السّقوط و الجمع دعائم كعمائم، و يستعار بسيّد القوم فيقال هود عامة القوم كما يقال: هو عمادهم، و (عصمه) اللّه من المكروه من باب ضرب حفظه و وقاه، و الاسم العصمة بالكسر و يجمع على عصم وزان عنب و جمع الجمع أعصم و عصمة و جمع جمع الجمع أعصام.
و (كفى) الشيء يكفى كفاية فهو كاف إذا حصل به الاستغناء عن غيره ازدواج قال الشّارح المعتزلي: فيه كفاء لمكتف و شفاء لمشتف، الوجه فيه كفاية فانّ الهمز لا وجه له ههنا لأنّه من باب آخر و لكنّه أتى بالهمزة للازدواج بين كفاء و شفاء كما قالوا: الغدايا و العشايا، و كما قال عليه السّلام، مأزورات غير مأجورات، تأتى بالهمزة و الوجه الواو للازدواج.
الاعراب:
قوله: كلّما نسخ اللّه بنسخ كلّ على الظرف.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 90
المعنى
اعلم أنّ هذه الخطبة مسوقة لوصف حال عباد اللّه الصّالحين و أوليائه الّذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، و ختمها بالذّكرى و الموعظة و افتتحها بالشّهادة بعدل اللّه عزّ و جلّ و فصله ثمّ بنعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تزكية نسبه و أصله فقال:
مجاز (و أشهد أنّه عدل عدل) قال الشّارح المعتزلي: الضمير في أنّه راجع إلى القضاء و القدر المذكور في صدر هذه الخطبة و لم يذكره الرّضي رحمه اللّه، قال:
و نسبة العدل إلى القضاء على طريق المجاز، و هو بالحقيقة منسوب إلى ذي القضاء و القاضى به هو اللّه تعالى اه، و محصّله أنّه تعالى عدل مبالغة أو عادل حقيقة في جميع أفعاله و أحكامه لكون الظلم قبيحا عقلا و نقلا فيستحيل في حقّه.
قال الشّارح البحراني: و الباري تعالى عادل بالنظر إلى حكمه و قضائه أى لا يقضى في ملكه بأمر إلّا و هو علي وفق النّظام الكليّ و الحكمة البالغة، و يدخل في ذلك جميع أفعاله و أقواله، فانّه لا يصدر منها شيء إلّا و هو كذلك و أما الجزئيات المعدودة شرورا و صورة جور في هذا العالم، فانّها إذا اعتبرت شرورا نسبة و مع ذلك فهى من لوازم الخير و العدل لابدّ منها، و لا يمكن أن يكون الخير و العدل من دونها كما لا يمكن أن يكون الانسان إنسانا إلّا و هو ذو غضب و شهوة يلزمهما الفساد و الشرّ الجزئي، و لمّا كان الخير أكثر و كان ترك خير الكثير لأجل الشرّ القليل شرّا كثيرا في الجود و الحكمة وجب تلك الشّرور الجزئية لوجود ملزوماتها، و أشار بقوله عدل إلى ايجاد العدل بالفعل، انتهى.
(و حكم فصل) أى حاكم بالحقّ فصل بين الحقّ و الباطل بما بعث به رسوله من كتابه العزيز، و إنّه لقول فصل و ما هو بالهزل، و يفصل أيضا بين عباده يوم القيامة فيما هم فيه يختلفون كما قال عزّ من قائل «إنّ يوم الفصل كان ميقاتا» و قال «إنّ ربّك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون» أى يقضى فيميّز الحقّ من الباطل تمييز المحقّ من المبطل و الطيّب من الخبيث فيما كانوا يختلفون فيه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 91
من أمر الدّين، و فى آية أخرى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئِينَ وَ النَّصارى وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» أى بالحكومة بينهم و اظهار الحقّ من المبطل و جزاء كلّ بما يليق به.
(و أشهد أن محمّدا) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (عبده و سيّد عباده).
أما أنه عبده فقد شهد به الكتاب العزيز فى مواضع عديدة مقدما على شهادته عليه السّلام قال سبحانه «الحمد للّه الذى انزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا» و قال «تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً» و قال «فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى» و قال «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» إلى غير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره و قد تقدّم بيان حقيقة العبوديّة فى شرح الخطبة الحادية و السبعين تفصيلا فليراجع ثمة، و اجمال ما قدّمناه هنا أنّ العبد لا يكون عبدا حقيقة إلّا أن لا يرى لنفسه مالا و لا له فى أموره تدبيرا، و يكون أوقاته مستغرقة بخدمة مولاه، و هكذا كان حال سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الطيّبين من آله سلام اللّه عليهم فانهم رأوا جميع ما فى أيديهم مال اللّه فصرفوه فى عيال اللّه و هم الفقراء و المساكين، و وكلوا جميع امورهم الى اللّه رضاء بقضائه فشكروا على نعمائه و صبروا على بلائه و كانت أوقاتهم مصروفة إلى عبادته و قيام أوامره و نواهيه و طاعته.
و أما أنه سيّد عباده فلا ريب فيه، و الظاهر أنّ المراد به جميع البشر لا خصوص عباد اللّه الصالحين الكمّلين من الأنبياء و الرّسل و من دونهم، لدلالة الأدلّة على العموم حسبما عرفت تفصيلا فى تضاعيف الشرح و أقول هنا مضافا إلى ما قدّمنا:
روى فى البحار من الكافى باسناده عن صالح بن سهل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّ بعض قريش قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأيّ شيء سبقت ولد آدم؟ قال: إننى أوّل من أقرّ بربّى إنّ اللّه أخذ ميثاق النبييّن و أشهدهم على أنفسهم أ لست بربّكم قالوا بلى فكنت أوّل من أجاب.
و فيه من الخصال فى وصيّة النّبى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام يا على إنّ اللّه عزّ و جلّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 92
أشرف على الدّنيا فاختارنى منها على رجال العالمين، ثمّ اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدى، ثمّ اطلع الثالثة فاختار الأئمّة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثمّ اطلع الرّابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين.
و فيه من تفسير فرات بن إبراهيم بسنده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا اسرى بي إلى السماء قال لي العزيز الجبّار: يا محمّد انّي اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها و اشتققت لك اسما من أسمائي لا اذكر في مكان إلّا و أنت معي، فأنا محمود و أنت محمّد الحديث و فيه من العيون عن الهروى عن الرّضا عليه السّلام في حديث طويل قال: إنّ آدم على نبيّنا و آله و عليه السّلام لمّا أكرم اللّه تعالى باسجاد ملائكته و بادخال الجنّة قال في نفسه: هل خلق اللّه بشرا أفضل منّي، فعلم اللّه عزّ و جلّ ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم فانظر إلى ساق عرشي، فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا: لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين و زوجته فاطمة سيّدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، فقال آدم:
يا ربّ من هؤلاء؟ فقال عزّ و جلّ: هؤلاء من ذريّتك و هم خير منك و من جميع خلقي و لولاهم ما خلقتك و لا خلقت الجنّة و النّار و لا السّماء و الأرض إلى آخر ما تقدّم روايته في التّذنيب الثّاني من شرح الفصل الثاني عشر من الخطبة الاولى.
و فيه أيضا من اكمال الدين عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنا سيّد من خلق اللّه و أنا خير من جبرئيل و ميكائيل و حملة العرش و جميع الملائكة المقرّبين و أنبياء اللّه المرسلين، و أنا صاحب الشفّاعة و الحوض الشريف و أنا و علىّ أبوا هذه الائمّة، «الامة» من عرفنا فقد عرف اللّه، و من أنكرنا فقد أنكر اللّه عزّ و جلّ الحديث.
و فى شرح المعتزلي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أنا سيّد ولد آدم و لا فخر.
و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا: ادعوا لى سيّد العرب عليا، فقالت عايشة: أ لست سيّد العرب؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنّا سيّد البشر و عليّ سيّد العرب.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 93
و الأخبار في هذا المعنى فوق حدّ الاحصاء و لا حاجة إلى الاطالة بروايتها.
قال الصدوق في الهداية: يجب أن يعتقد أنّ النّبوة حقّ كما اعتقدنا أنّ التوحيد حقّ، و أنّ الأنبياء الّذين بعثهم اللّه مأئة ألف نبيّ و أربعة و عشرون ألف نبيّ، جاءوا بالحقّ من عند الحقّ، و أنّ قولهم قول اللّه و أمرهم أمر اللّه و طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه، و أنهم لم ينطقوا إلّا من اللّه عزّ و جلّ و عن وجهه و أنّ سادة الأنبياء خمسة الذين عليهم دارة الرّحى و هم أصحاب الشرائع و هم أولو العزم:
نوح، و إبراهيم، و موسى، و عيسى، و محمّد صلوات اللّه عليهم و أنّ محمّدا صلوات اللّه عليه سيّدهم و أفضلهم، و أنه جاء بالحقّ و صدّق المرسلين، و أنّ الذين آمنوا به و عزّروه و نصروه و اتبعوا النور الذى انزل معه اولئك هم المفلحون، و يجب أن يعتقد أنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أفضل من محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من بعده الأئمة صلوات اللّه عليهم، و أنهم أحبّ الخلق إلى اللّه عزّ و جلّ و أكرمهم عليه و أولهم اقرارا به لما أخذ اللّه ميثاق النبيين في الذّر إلى آخر ما قال:
(كلّما نسخ اللّه الخلق فرقتين) أى خلّفهم حيث نقلهم من البطن الأول إلى البطن الثاني و قسمهم إلى فرقتين فرقة خير و فرقة شرّ (جعله في خيرهما) حسبما عرفت تفصيلا في شرح الخطبة الثالثة و التسعين قال الشارح المعتزلي: و هذا المعني قد ورد مرفوعا في عدّة أحاديث نحو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما افترقت فرقتان منذ نسل آدم ولده إلّا كنت في خيرهما، و نحو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل و اصطفى من ولد إسماعيل مضر و اصطفى من مضر كنانة و اصطفى من كنانة قريش و اصطفى من قريش هاشما و اصطفاني من بني هاشم.
(لم يسهم فيه عاهر) أى لم يجعل في نسبه الشريف ذا سهم و نصيب (و لا ضرب فيه فاجر) أى لم يكن لفاجر فيه شرك، يقال: ضرب في كذا بنصيب إذا كان شريكا فيه و المراد طهارة نسبه الشامخ من شوب دنس الجاهلية و نجس السفاح أى تناسخته كرايم الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام و كان نورا في الأصلاب الشامخة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 94
و الأرحام المطهرة، لم تدنس نسبه الجاهلية بأنجاسها و لم تلبسه من مدلهمات ثيابها و قد عرفت تفصيله أيضا في شرح الخطبة الثالثة و التسعين، هذا.
و لما فرغ عليه السّلام من وصف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رغّب المخاطبين في دخولهم في زمرة أهل الخير و الحق و الطاعة بقوله:
(ألا و انّ اللّه قد جعل للخير أهلا) و هم الأبرار المتّقون و أهل الزّهد و الصلاح من المؤمنين قال سبحانه «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أى تحروا ما هو خير و أصلح فيما تأتون و تذرون كنوا فل الطاعات و صلة الأرحام و مكارم الأخلاق.
و قال الصادق عليه السّلام جعل الخير كلّه في بيت و مفتاحه الزّهد في الدّنيا، و خير الخير هو رضوان اللّه تعالى، و شرّ الشرّ سخطه و النار.
و الخيرات الاخروية إنما تكسب بالخيرات الدّنيوية و لذلك أمر اللّه سبحانه بها في الاية السابقة بقوله «و افعلوا الخير» و في قوله «فاستبقوا الخيرات» أى الأعمال الصالحة و الطاعات المفروضة و المندوبة و رئيس أهل الخير هم الأئمة عليهم الصلاة و السلام كما أشير اليه في زيارتهم الجامعة بقوله: إن ذكر الخير كنتم أوّله و أصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه.
(و للحقّ دعائم) الظاهر أنّ المراد بالحقّ ضدّ الباطل و بدعائمه الأئمّة عليهم السّلام لأنهم أئمة الحقّ بهم قوامه و دوامه و ثباته و غيرهم أئمة الباطل كما اشير إلى ذلك في قوله تعالى «وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ» و قوله «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ...» و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الحديث المتفق عليه بين الفريقين: الحقّ مع عليّ و هو مع الحقّ أينما دار و من طرق الخاصة مستفيضا بل متواترا كما قيل عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: الحقّ مع الأئمة الاثنى عشر، و في زيارتهم الجامعة: الحقّ معكم و فيكم و منكم و اليكم و أنتم أهله و معدنه.
و فى رواية الكافى عن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: ليس عند
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 95
أحد من النّاس حقّ و لا صواب و لا أحد من الناس يقضى بقضاء حقّ إلّا ما خرج منا أهل البيت، و إذا تشعّبت بهم الأمور كان الخطاء منهم و الصواب من عليّ عليه السّلام و قوله (و للطاعة عصما) يحتمل أن يكون المراد بالعصمة ما يعتصم به كما فسّر به قوله تعالى وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ أى بما يعتصم به الكافرات من عقد و سبب أى لا تمسكوا بنكاح الكوافر، و سمّى النّكاح عصمة لأنّها لغة المنع و المرأة بالنّكاح ممنوعة من غير زوجها.
و على ذلك فالمراد بعصم الطاعة هم الأئمة عليهم السّلام و القرآن إذ بهما يعتصم و يتمسّك في الطاعات أمّا الأئمّة عليهم السّلام فلاستناد الطّاعة و العبادة إليهم لأنّهم عليهم السّلام نشروا شرايع الأحكام و بموالاتهم علّمنا اللّه معالم ديننا، و بموالاتهم تقبل الطّاعة المفترضة كما ورد في فقرات الزّيارة الجامعة و في رواية الكافي المتقدّمة في شرح الفصل الخامس من الخطبة الثانية عن مروان بن مياح عن الصّادق عليه السّلام قال: و بعبادتنا عبد اللّه و لولا نحن ما عبد اللّه، و فى غير واحد من أخبارهم: بنا عرف اللّه و بنا عبد اللّه و سبّحنا فسبّحت الملائكة و هلّلنا فهلّلت الملائكة، و الحاصل أنّهم أساس الدّين و عماد اليقين و أمّا القرآن فلكونه مدرك التكاليف و الطاعات كما قال تعالى «إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» أى طريق الشّريعة و الطّاعة و لذلك أمر اللّه بالاعتصام به في قوله: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ» أى بالقرآن استعير له الحبل لأنّ الاعتصام و التّمسك به سبب النّجاة من الرّدى كما أنّ التّمسك بالحبل سبب النّجاة من الرّدى.
و يحتمل أن يكون المراد بها أى بالعصمة الحفظ و الوقاية كما في قولهم عصمه اللّه من المكروه أى حفظه و وقاه، و عصمة اللّه للعبد منعه و حفظه له من المعصية و على ذلك فالمراد بعصم الطّاعة الخواص الكامنة لها المانعة له من هلكات الدّنيا و عقوبات الاخرة كما قال تعالى: «وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ» و الاتيان بصيغة الجمع أعني عصما إمّا باعتبار تعدّد أنواع الطّاعة أو تعدّد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 96
خواصها أو كثرة ما يعصم بها منها من أنواع العقوبات، فانّ كلّ طاعة فله عصمة من نوع مخصوص أو أنواع من العذاب، و بقبالها الذّنب و المعصية، فانّ لكلّ ذنب أثرا خاصّا في جلب نوع مخصوص أو أنواع من السّخط كما اشير إلى ذلك في الدعاء اللّهمّ اغفر لي الذّنوب الّتي تهتك العصم اللّهمّ اغفر لي الذّنوب الّتي تنزل النّقم اللّهمّ اغفر لي الذّنوب الّتي تغيّر النعم، اللهمّ اغفر لى الذّنوب الّتى تحبس الدّعاء، اللّهم اغفر لى الذنوب الّتى تنزل البلاء، اللّهمّ اغفر لى الذنوب الّتى تقطع الرّجاء، هذا.
و أنت بعد الخبرة بما حقّقناه فى شرح هذه الفقرة و سابقتيه تعرف أنّ ما قلناه أولى:
ممّا قاله الشارح البحراني في شرح تلك الفقرات حيث قال: قوله عليه السّلام ألا و انّ اللّه- إلى قوله عصما- ترغيب للسّامعين أن يكونوا من أهل الجنّة و دعائم الحقّ و عصم الطاعة.
و ممّا قاله الشارح المعتزلي من أنّ دعائم الحقّ الأدلّة الموصلة إليه المثبت له في القلوب و عصم الطاعة هى الادمان على فعلها و التّمرن على الاتيان بها، لأنّ المروّن على الفعل يكسب الفاعل ملكة تقتضى سهولته عليه.
و ممّا قاله بعض الشّراح من أنّ المراد بعصم الطاعة العبادات الّتي توجب التوفيق من اللّه سبحانه و ترك المعاصى الموجبة لسلبه أو الملائكة العاصمة للعباد عن اتباع الشياطين انتهى، فافهم جيّدا.
قوله عليه السّلام (و انّ لكم عند كلّ طاعة عونا من اللّه) الظاهر أنّ المراد بالعون توفيق اللّه و لطفه المخصوص في حقّ المطيعين، فانّ الاتيان بالطاعات إنّما هو بعونه و توفيقه كما أنّ المعاصى بخذلانه و سلب توفيقه كما اشير إلى ذلك في قوله تعالى «وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» و اشير إليه أيضا فى أخبارهم عليهم السّلام.
روى في البحار من توحيد الصّدوق باسناده عن جابر الجعفى عن أبي جعفر عليه السّلام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 97
قال: سألته عن معنى لا حول و لا قوّة إلّا باللّه، فقال عليه السّلام: لا حول لنا عن معصية اللّه إلّا بعون اللّه، و لا قوّة لنا على طاعة اللّه إلّا بتوفيق اللّه عزّ و جلّ.
و فيه من كنز الكراجكى قال الصادق عليه السّلام: ما كلّ من نوى شيئا قدر عليه، و لا كلّ من قدر على شيء وفق له، و لا كلّ من وفق لشيء أصاب به فاذا اجتمعت النيّة و القدرة و التوفيق و الاصابة فهنا لك تمّت السعادة.
و فيه أيضا من التّوحيد عن الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن قوله «و ما توفيقى إلّا باللّه» و قوله «إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم و إن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده» فقال عليه السّلام: إذا فعل العبد ما أمره اللّه عزّ و جلّ به من الطاعة كان فعله وفقا لأمر اللّه عزّ و جلّ و سمّى العبد به موفّقا، و إذا أراد العبد أن يدخل في شيء من معاصى اللّه فحال اللّه تبارك و تعالى بينه و بين المعصية كان تركه لها بتوفيق اللّه تعالى، و متى خلّى بينه و بين المعصية فلم يحل بينه و بينها حتّي يرتكبها فقد خذله و لم ينصره و لم يوفّقه.
فقد ظهر بما ذكرنا أنّ طاعة اللّه عزّ و جلّ لا يتمكّن منها إلّا بعونه و توفيقه لأنّ التوفيق عبارة عن أن يجمع بين جميع الأسباب الّتي يحتاج إليها في حصول الفعل، و لهذا لا يقال فيمن أعان غيره وفّقه لأنّه لا يقدر أن يجمع بين جميع الأسباب المحتاجة إليها في حصول الفعل و لانحصار التوفيق فيه تعالى جيء بكلمة الحصر في قوله إيّاك نستعين أى نستوفق و نطلب المعونة على عبادتك و على امور ما كلّها منك و انّ غيرك «كذا» إذا لا يقدر عليه أحد سواك، و إذا حصل التوفيق و شمله اللّطف و علم أنّ له في فعل العبادة الثواب العظيم زاد ذلك في نشاطه و رغبته، فيسهل للعبد حينئذ القيام بوظايف الطاعات لأنّه يعين عليها و يقوى الأعضاء و الجوارح على الاتيان بها.
مجاز و لتقويته لها قال عليه السّلام (يقول على الألسنة) فاسند إليه القول توسّعا لكونه ممدّا له و لكونه سببا لتثبيت القلوب و اطمينانها قال عليه السّلام (و يثبت الأفئدة) فأسند
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 98
التثبيت إليه مجازا لأنّه في الحقيقة فعل اللّه سبحانه كما قال تعالى «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» و قال «لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ» .
و إلى هذا التثبيت و توضيحه اشير في قوله تعالى «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ».
روى في البحار من محاسن البرقي عن أبيه عن فضالة عن أبي بصير عن خثيمة بن عبد الرحمن الجعفى قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنّ القلب ينقلب من لدن موضعه إلى حنجرته ما لم يصب الحقّ فاذا أصاب الحقّ قرّ ثمّ ضمّ أصابعه و قرء هذه الاية: فمن يرد اللّه أن يهديه، الاية.
و فى البحار أيضا من التّوحيد و العيون عن ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان بن سليمان قال: سألت أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ» قال عليه السّلام: من يرد اللّه أن يهديه بايمانه في الدّنيا إلى جنّته و دار كرامته في الاخرة يشرح صدره للتّسليم باللّه و الثّقة به و السّكون إلى ما وعده من ثوابه حتّى يطمئنّ، و من يرد أن يضلّه عن جنّته و دار كرامته في الاخرة لكفره به و عصيانه له في الدّنيا يجعل صدره ضيّقا حرجا حتّى يشكّ في كفره و يضطرب من اعتقاده قلبه حتّى يصير كأنّما يصّعّد في السّماء، كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون فقد علم بما ذكرنا كلّه أنّ للّه سبحانه في حقّ عباده المطيعين المقرّبين الّذين لا يشاءون الّا أن يشاء اللّه و لا يريدون إلّا ما أراد اللّه ألطافا خاصّة و عناية مخصوصة يستولى على قلوبهم بلطفه، و يتصرّف في جوارحهم بأمره ففى كلّ آن يحصل منه التوفيق و الافاضات على أرواحهم و التّصرف في أبدانهم فيطمئنّ به قلوبهم و ينظرون بنور اللّه و يبطشون بقوّة اللّه كما قال تعالى فيهم: فبى يسمع و بى يبصر و بى ينطق و بى يمشى و بى يبطش، و قال عزّ و جلّ: كنت سمعه و بصره و يده و رجله و لسانه.
(فيه كفاء لمكتف و شفاء لمشتف) يعنى في عون اللّه عزّ و جلّ غناء لمن استغنى،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 99
إذ مع عونه لا يبقى افتقار إلى غيره، و شفاء لمن استشفى لأنّه تعالى الكافي الشّافي لا كافي سواه كما قال «وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» و لا شافي غيره كما قال «وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ» و لا يحصل الغنى و الشفاء إلّا بعونه و حوله و قوّته و لذلك أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باكثار الحوقلة عند الفقر و المرض.
كما رواه في الرّوضة من الكافي عن علىّ بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ألحّ عليه الفقر فليكثر من قول لا حول و لا قوة الّا باللّه العلىّ العظيم.
و قال عليه السّلام فقد النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا من الأنصار، فقال: ما غيّبك عنّا؟، فقال: الفقر يا رسول اللّه و طول السقم فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ألا أعلّمك كلاما إذا قلته ذهب عنك الفقر و السقم؟ فقال: بلى يا رسول اللّه فقال: إذا أصبحت و أمسيت فقل لا حول و لا قوّة إلّا باللّه توكّلت على الحىّ الّذى لا يموت و الحمد للّه الّذي لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولىّ من الذّل و كبره تكبيرا، فقال الرّجل: فو اللّه ما قلته إلّا ثلاثة أيام حتّى ذهب عنّى الفقر و السّقم.
الترجمة:
از جمله خطبهاى بلاغت نظام آن امام عليه السّلام است مى فرمايد:
شهادت مى دهم بر اين كه بتحقيق خداوند تعالى عادلى است كه عدالت كرده در احكام و أفعال خود، و حاكمى است كه فصل فرموده ميان حق و باطل، و شهادت مى دهم بر اين كه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنده او و فرستاده اوست و آقاى بندگان اوست، هر وقتى كه نقل كرد خلق را از أصلاب بأرحام و قسمت كرد ايشان را بدو فرقه، گردانيد آن بزرگوار را در بهترين آن دو فرقه، صاحب سهم نشد در نسب شريف آن زناكارى، و شريك و صاحب نصيب نگرديد در اصل آن فاسق فاجرى.
آگاه باشيد كه بتحقيق خداى تعالى قرار داده است از براى عمل خير كه طاعات و قرباتست اهل معيّنى، و از براى عقايد و أعمال حقّه ستونها و پايهائى، و از براى عبادت و اطاعت حافظان و نگاه دارندگانى يا حفظهائى از مهالك دنيا و آخرت و بتحقيق كه شما راست نزد هر طاعتى معينى و ناصرى از جانب خدا كه مى گويد بزبانها و برقرار مى گرداند دلها را و در آن معين كفايت است از براى اكتفا كننده و شفاست از براى طالب شفا.