منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 88
فليقبل امرء كرامة بقبولها، و ليحذر قارعة قبل حلولها، و لينظر امرء في قصير أيّامه، و قليل مقامه، في منزل حتّى يستبدل به منزلا، فليصنع لمتحوّله، و معارف منتقله، فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه، و تجنّب من يرديه، و أصاب سبيل السّلامة بنصر من بصّره، و طاعة هاد أمره، و بادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه، و تقطع أسبابه، و استفتح التّوبة، و أماط الحوبة، فقد أقيم على الطّريق، و هدي نهج السّبيل. (50872- 50665)
اللغة:
و (القارعة) الدّاهية لأنّها تقرع الناس بشدّتها و منه سمّى الموت قارعة و كذلك القيامة لمزيد هو لها و (معارف) الدّار ما يعرفها المتوسّم بها واحدها معرف مثل معاهد الدّار و معالم الدار و (طوبى) مصدر من الطيب قلبت ياؤه واوا لضمّة ما قبلها أو اسم شجرة في الجنّة.
الاعراب:
و الفاء في قوله فليقبل فصيحة، و قوله: حتّى يستبدل، متعلّق بقوله و لينظر، و قوله: فطوبى لذي قلب سليم الفاء فصيحة، و طوبى مرفوع على الابتداء خبره لذي قلب و لهج السّبيل بالنّصب على نزع الخافض.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 106
المعنى:
و لمّا فرغ من شرح حال المستحفظين فرّع عليه قوله (فليقبل امرء كرامة بقبولها) أى ليقبل كرامة اللّه و إفضاله و عوائد موائده بقبول هذه المكارم و الصفات الجميلة، يعنى إذا كان المستحفظون متخلّقين بهذه المكارم و الأخلاق الحسنة فليتقبلها المؤمن بقبول حسن و ليحتذى حذوهم حتّى يدخل في زمرتهم و يفوز بالكرامة العظيمة و النّعمة الدّائمة المعدّة في حقّ المخلصين المكرّمين على ما بشّر به في الكتاب الكريم في قوله «إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ. وَ ما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ. أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ. فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ. يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ» الايات هذا و لمّا لم يمكن تحصيل المكارم و نيل هذه الكرامات إلّا بالتّجافي عن دار الغرور و الانابة إلى دار الخلود و الاستعداد للموت قبل حلول الفوت، عقّبه بقوله:
(و ليحذر قارعة) أى داهية الموت (قبل حلولها و لينظر امرء في قصير أيّامه و قليل مقامه في منزل) أى ليتفكّر في أيّامه القصيرة و إقامته القليلة في دار الدّنيا (حتّى) يتنبّه من نوم الغفلة و (يستبدل به منزلا) غيره، و هى دار الخلود الّتي ليس لأيّامه نفاد و لا لاقامته انقطاع (فليصنع لمتحوّله) أى ليصنع المعروف و يعمل بالصّالحات لمحلّ انقلابه (و معارف منتقله) أى معالم موضع انتقاله.
ثمّ رغّب عليه السّلام إلى متابعته و متابعة الطيّبين من أولاده الأئمة الهداة عليه و عليهم السلام بقوله: (فطوبى لذى قلب سليم) من حبّ الدّنيا و شوب الشرك و الرّيا و كدر المعاصى و هو الّذى اشير إليه فى قوله تعالى «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» (أطاع من يهديه) من أئمة الهدى (و تجنّب من) يهلكه و (يرديه) من أئمة الضّلال و الرّدى (و أصاب سبيل السّلامة) و هى الجادّة الوسطى المحفوظة من رذيلتى الافراط و التّفريط و الصّراط المستقيم المؤدّى إلى جنّته و المبلّغ إلى رضوانه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 107
و رحمته (بنصر من بصره) أى بعون امامه الحقّ الذى جعله بارشاده صاحب بصر و بصيرة فى سلوك سبيل السّلامة (و طاعة هاد أمره) بالمعروف و نهاه عن المنكر فاهتدى بأمره إلى الجادّة المستقيمة.
(و بادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه) عليه (و تقطع أسبابه) عنه بموته، فانّ الموت إذا حلّ ارتفع التكاليف المحصّلة للسعادة و انسدّ أبواب الهداية.
(و استفتح) باب (التّوبة و أماط الحوبة) أى أزال الاثم و الخطيّة و نحّاها عن لوح نفسه بممحاة استغفاره و توبته (فقد اقيم على الطريق و هدى نهج السّبيل) الواضح أى أقامكم اللّه على ذلك و هداكم اللّه بما نزّل في كتابه على نبيّه من محكمات آياته كما أفصح عنه بقوله قالُوا «يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ» و قال «إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» فلم يبق بعد تلك الاقامة و الهداية معذرة للمذنب و لا عتبى للمستعتب.
تذييل:
قال الشّارح المعتزلي فى شرح قوله عليه السّلام: لم يسهم فيه عاهر و لا ضرب فيه فاجر:
في هذا الكلام رمز إلى جماعة من الصحابة في أنسابهم طعن كما يقال إنّ آل سعد بن أبي وقاص ليسوا من بنى زهرة بن كلاب و أنهم من بنى عذرة من قحطان، و كما قالوا: إنّ آل الزّبير بن العوام من أرض مصر من القبط و ليسوا من بني اسد بن عبد العزى، و كما يقال في قوم آخرين نرفع هذا الكتاب عن ذكر ما يطعن فى أنسابهم كى لا يظنّ بنا أنّا نحبّ القالة في الناس إلى أن قال: قال أبو عثمان يعنى الجاحظ: و بلغ عمر بن الخطاب أنّ اناسا من رواة الأشعار و حملة الاثار يعيبون الناس و يثلبونهم في أسلافهم، فقام على المنبر و قال: إيّاكم و ذكر العيوب و البحث عن الاصول فلو قلت لا يخرج اليوم من هذه الأبواب من لا وصمة فيه، لم يخرج منكم أحد، فقام رجل من قريش نكره أن نذكره فقال: إذا كنت أنا و أنت يا أمير المؤمنين نخرج، فقال: كذبت بل كان يقال لك: ياقين ابن قين اقعد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 108
قال الشارح: قلت: الرّجل الّذى قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومى كان عمر يبغضه لبغضه أباه خالدا، و لأنّ المهاجر كان علوىّ الرّأى جدّا و كان أخوه عبد الرّحمن بخلافه شهد المهاجر صفّين مع عليّ عليه السّلام و شهدها عبد الرحمن مع معاوية و كان مهاجر مع عليّ عليه السّلام يوم الجمل و فقئت ذلك اليوم عينه، و لا الكلام الّذي بلغ عمر بلغه عن مهاجر، و كان الوليد بن المغيرة مع جلالته في قريش حدّادا يصنع الدّروع و غيرها بيده.
قال: و روى أبو الحسن المداينى هذا الخبر في كتاب امّهات الخلفاء، و قال:
إنّه روى عند جعفر بن محمّد عليه السّلام بالمدينة، فقال عليه السّلام: لا تلمه يا ابن أخي إنّه أشفق أن يحدج بقضيّة نفيل بن عبد العزّى و صهّاك امة الزّبير بن عبد المطلب، ثمّ قال عليه السّلام: رحم اللّه عمر فانّه لم يعد السّنة و تلا «إنّ الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم» انتهى كلام الشارح.
اقول قول الصادق عليه السّلام: إنّه أشفق أن يحدج بقضيّة نفيل آه إشارة إلى ما قدّمنا في شرح الفصل الثاني من الخطبة الثالثة المعروفة بالشقشقيّة من نسب عمر تفصيلا و عرفت هناك أنّ نسبه الكثيف أنجس من جميع أنساب أولاد البغايا المدنسة بأنجاس الجاهليّة لم يسبقه في ذلك سابق و لم يلحقه لاحق، و أقول هنا مضافا إلى ما سبق:
روى الشيخ الكليني في كتاب الرّوضة من الكافي عن الحسين عن أحمد بن هلال عن زرعة عن سماعة قال: تعرّض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيلي فقالت له: إنّ هذا العمري قد أذانى، فقال لها: عديه و ادخليه الدّهليز، فأدخلته فشدّ عليه فقتله و ألقاه في الطريق فاجتمع البكريّون و العمريّون و العثمانيّون و قالوا: ما لصاحبنا كفو أن يقتل به إلّا جعفر بن محمّد، و ما قتل صاحبنا غيره، و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام قد مضى نحو قبا، فلقيته بما اجتمع القوم عليه، فقال عليه السّلام: دعهم، فلمّا جاء و رأوه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 109
وثبوا عليه، و قالوا: ما قتل صاحبنا أحد غيرك و ما يقتل به أحد غيرك، فقال عليه السّلام: ليكلمنى منكم جماعة فاعتزل قوم منهم فأخذ بأيديهم و أدخلهم المسجد، فخرجوا و هم يقولون: شيخنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد معاذ اللّه أن يكون مثله يفعل هذا و لا يأمر به انصرفوا.
قال: فمضيت معه فقلت: جعلت فداك ما كان أقرب رضاهم من سخطهم قال عليه السّلام: نعم دعوتهم فقلت: أمسكوا و إلّا أخرجت الصحيفة.
فقلت: و ما هذه الصحيفة جعلني اللّه فداك؟
فقال عليه السّلام: إنّ امّ الخطّاب كانت أمة للزّبير بن عبد المطّلب، فسطر بها نفيل فأحبلها، فطلبه الزّبير فخرج هاربا إلى الطايف، فخرج الزّبير خلفه، فبصرت به ثقيف فقالوا: يا با عبد اللّه ما تعمل ههنا؟ قال: جاريتي سطر بها نفيلكم، فهرب منه إلى الشّام، و خرج الزّبير في تجارة له إلى الشّام، فدخل على ملك الدّومة فقال له: يا با عبد اللّه لي اليك حاجة، قال: و ما حاجتك أيّها الملك؟ فقال: رجل من أهلك قد أخذت ولده فاحبّ أن يردّه عليه، قال: ليظهر لي حتّى أعرفه، فلمّا أن كان من الغد دخل إلى الملك، فلمّا رآه الملك ضحك فقال: ما يضحكك أيّها الملك؟ قال: ما أظنّ هذا الرّجل ولدته عربيّة لما رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط، فقال أيّها الملك إذا صرت إلى مكّة قضيت حاجتك، فلمّا قدم الزّبير تحمّل «1» عليه ببطون قريش كلّها أن يدفع اليه ابنه فأبي، ثمّ تحمّل عليه بعبد المطّلب فقال: ما بيني و بينه «2» عمل أما علمتم ما فعل في ابني فلان، و لكن امضوا أنتم اليه فكلّموه، فقصدوه و كلّموه فقال: لهم: إنّ الشّيطان له دولة و إنّ ابن هذا ابن الشّيطان و لست آمن أن يترأس علينا، و لكن ادخلوه من باب المسجد علىّ على أن أحمي له حديدة و أخطّ فى وجهه خطوطا و أكتب عليه و على ابنه أن لا يتصدّر في مجلس و لا يتأمّر على أولادنا و لا يضرب معنا بسهم، قال: ففعلوا و خطّ وجهه بالحديدة و كتب عليه الكتاب عندنا، فقلت لهم: إن أمسكتم و إلّا أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم، فأمسكوا.
______________________________
(1)- أى استشفع.
(2)- أى الزبير.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 110
بيان:
قول عبد المطلب: أما علمتم ما فعل في ابني فلان أراد به العبّاس و كني عنه الامام عليه السّلام تقيّة من خلفاء العبّاسيّة.
و هو إشارة إلى ما رواه في الرّوضة أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: إنّ نثيلة كانت أمة لأمّ الزّبير و أبي طالب و عبد اللّه فأخذها عبد المطّلب فأولدها فلانا فقال له الزّبير هذه الجارية ورثناها من امّنا و ابنك هذا عبد لنا، فتحمل عليه ببطون قريش، قال: فقال: قد أجبتك على خلّة على أن لا يتصدّر ابنك هذا معنا في مجلس و لا يضرب معنا بسهم، فكتب عليه كتابا و أشهد عليه.
الترجمة:
پس بايد قبول نمايد مرد كرامت را بسبب قبول اين صفات، و بايد بپرهيزد از مرگ با شدّت پيش از حلول آن، پس بايد نگاه كند مرد در كوتاهى روزگارش و كمى درنگش در منزلى تا آنكه بدل كند بان منزل منزل ديگر را، پس بايد كارى كند از براى مكان رجوع خود، و از براى علامات محلّ انتقال خود.
پس خوشحالى از براى صاحب قلب با سلامتى است كه اطاعت كرد كسى را كه هدايت كند او را، و بيگانگى كرد از كسى كه هلاك نمايد او را، و رسيده راه سلامت را بسبب نصرت و يارى كسى كه صاحب بصيرت كرد او را، و اطاعت هدايت كننده كه امر كرد او را و مبادرت نمود بهدايت پيش از آنى كه بسته شود درهاى آن، و بريده شود اسباب آن، و طلب نمود گشودن در توبه را، و ازاله نمود گناه را پس بتحقيق كه اقامه شد براه حق و هدايت شد بر راه راست.