منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 149
الفصل الثاني:
قال السيّد رضي اللّه عنه: فأجابه عليه السّلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثّناء عليه و يذكر سمعه و طاعته له عليه السّلام.
فقال عليه السّلام: إنّ من حقّ من عظم جلال اللّه في نفسه، و جلّ موضعه من قلبه، أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه، و إنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعمة اللّه عليه، و لطف إحسانه إليه، فإنّه لم تعظم نعمة اللّه على أحد الّا ازداد حقّ اللّه عليه عظما. و إنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح النّاس أن يظنّ بهم حبّ الفخر، و يوضع أمرهم على الكبر، و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أنّي أحبّ الإطراء، و استماع الثّناء، و لست بحمد اللّه كذلك، و لو كنت أحبّ أن يقال ذلك لتركته انحطاطا للّه سبحانه عن تناول ما هو أحقّ به من العظمة و الكبرياء، و ربّما استحلى النّاس الثّناء بعد البلاء، فلا تثنوا عليّ بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى اللّه و إليكم من البقيّة في حقوق لم أفرغ من أدائها، و فرائض لا بدّ من إمضائها. فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، و لا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، و لا تخالطوني بالمصانعة، و لا تظنّوا بي [به ] استثقالا في حقّ قيل لي، و لا التماس إعظام لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ، أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ، و لا آمن ذلك من فعلي إلّا أن يكفي اللّه من نفسي ما هو أملك به منّي، فإنّما أنا و أنتم عبيد مملوكون لرّب لا ربّ غيره، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا، و أخرجنا ممّا كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى، و أعطانا البصيرة بعد العمى. (51658- 51398)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 150
اللغة:
(صغر) الشيء يصغر من باب شرف صغرا و زان عنب إذا صار صغيرا و صغر صغرا من باب تعب إذا ذلّ و هان قال تعالى: و هم صاغرون، أى داخرون ذليلون و (عظم) الشّيء بالضّم أيضا عظما كعنب إذ اصار عظيما و (سخف) سخفا و سخافة و زان قرب قربا فهو سخيف و فلان في عقله سخف أى نقص، و قال الخليل: السّخف في العقل خاصّة و السخافة في كلّ شيء.
و (اطريت) فلانا مدحته بأحسن ما فيه و قيل: بالغت في مدحه و جاوزت الحدّ و قال السّرقسطي في باب الهمز و الياء أطرأته مدحته و أطريته أثنيت عليه.
و قوله: (من البقيّة) بالباء الموحّدة كما في نسخة الشّارح المعتزلي و غيرها من بقي الدّين كذا فضل و تأخّر، و البقيّة اسم منه و الجمع بقايا و بقيّات مثل عطية و عطايا و عطيات، و المنقول من خطّ الرّضي من التقية بالتاء المثناة و (البادرة) الحدّة و الكلام الذى يسبق من الانسان في حالة الغضب و (المصانعة) الرّشوة و المداراة و (كفه) عن المكروه أى صرفه فكفّ هو أى انصرف يستعمل متعدّيا و لازما.
الاعراب:
قوله: من حقّ خبر انّ قدّم على اسمها و هو قوله ان يصغر، و هو مؤوّل بالمصدر و الواو في و انّ أحق آه حرف قسم حذف المقسم به و جواب القسم قوله: لمن عظمت، و يحتمل أن تكون للعطف فتكون اللام في لمن تأكيدا. و قوله: و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم انّى احبّ، يكون زايدة بعد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 151
أن النّاصبة جيء بها لمحض اصلاح اللّفظ و تصحيح دخول أن النّاصبة و إلّا فلا حاجة اليها من حيث المعني، و الدّليل على زيادتها أنّها لم تعمل شيئا أصلا و مثلها في الزّيادة قول أم عقيل ابن أبي طالب و هي ترقصه:
أنت تكون ماجد بليل إذا تهبّ شمال بليل
و جملة أن يكون حال في محلّ النّصب مفعول كرهت، و جملة انّي احبّ فاعل جال و قوله: و لست بحمد اللّه كذلك، الباء فى بحمد اللّه إما للمصاحبة و الجار و المجرور في موضع الحال أى لست كذلك مصاحبا بحمده أى حامدا له تعالى على حدّ قوله تعالى «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ» أى سبّحه حامدا له أى نزّهه عمّا لا يليق به و اثبت له ما يليق و إمّا للاستعانة على أنّه من اقامة المسبّب مقام السّبب كما قاله بعض علماء الأدبيّة في سبحانك اللّهم و بحمدك، إنّ المعني و بمعونتك الّتي هي نعمة توجب على حمدك سبّحتك لا بحولي و قوّتي، و على هذا فيكون المعني لست كذلك باعانته الّتي توجب حمده تعالى.
و قوله: انحطاطا للّه، مفعول لأجله لتركته، و عن تناول متعلّق بانحطاطا و اضافة تناول إلى ما من اضافة المصدر إلى مفعوله، و قوله: لاخراجي علّة للمنفي، لا للنفى و قوله: في حقوق، متعلّق بالبقيّة و الفاء في قوله فلا تكلّموني، فصيحة.
و قوله فانّه من استثقل الحقّ أن يقال له، الضمير في أنّه للشأن و أن يقال له بدل من الحقّ بدل اشتمال و كذلك ان يعرض عليه بدل من العدل، و الباء في قوله:
بفوق، زايدة للتأكيد و زيادتها في خبر ليس مطردة، و الفاء في قوله: فابدلنا آه، عاطفة للتفصيل على الإجمال.
المعنى:
اعلم أنّه عليه السّلام لمّا خطب بما تقدّم في الفصل الأوّل (فأجابه عليه السّلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه و يذكر سمعه و طاعته له) و ستطلع على كلام هذا الرّجل في التكملة الاتية انشاء اللّه تعالى.
قال المحدّث العلامة المجلسيّ في البحار عند رواية هذه الخطبة من الكافي:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 152
الظاهر أنّ هذا الرّجل كان الخضر عليه السّلام و قد جاء في مواطن كثيرة و كلّمه عليه السّلام لاتمام الحجّة على الحاضرين، و قد أتى بعد وفاته عليه السّلام و قام على باب داره و بكى و أبكى و خاطب عليه السّلام بأمثال تلك الكلمات و خرج و غاب عن النّاس.
أقول: و يؤيّده ما يأتي في رواية الكافي من أنّه لم يكن رأي في عسكره عليه السّلام قبل هذا اليوم و لا بعده، و كيف كان فلمّا سمع عليه السّلام كلامه (فقال عليه السّلام) مجيبا له: (إنّ من حقّ من عظم جلال اللّه في نفسه و جلّ موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه) فانّ من كمل معرفته باللّه و شاهد عظمته و جلاله و كبرياءه لا يبقى لغيره وقع في نظره، لما ظهر من جلاله تعالى كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ما رواه عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في احياء العلوم: لا يبلغ عبد حقيقة الايمان حتّى ينظر النّاس كالأباعر في جنب اللّه ثمّ يرجع إلى نفسه فيجدها أحقر حقير.
(و انّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعمة اللّه عليه و لطف احسانه اليه) يعني أحقّ النّاس بتعظيم جلال اللّه و تصغير ما سواهم الأئمّة عليهم السّلام لعظم نعمة اللّه عليهم و كمال معرفتهم بجلال ربّهم، فحقّ اللّه تعالى عليهم أعظم من غيرهم فينبغي أن يصغر عندهم أنفسهم فلا يحبّوا الثناء و الاطراء.
أو أنّ من عظمت نعمه و لطفه و احسانه إليه فهو أحقّ و أجدر بأن يعظم جلال اللّه و يجلّ محلّه في قلبه، و من كان كذلك فيضمحلّ عند ملاحظة جلاله و مشاهدة عظمة غيره، فلا يكون له التفات و توجّه إلى الخلق في أعماله حتّى يطلب رضاءهم و مدحهم و ثناءهم.
و من هنا لما قال الحواريّون لعيسى عليه السّلام ما الخالص من الأعمال؟ فقال: الّذى يعمل للّه تعالى لا يحبّ أن يحمده عليه أحد.
و قال بعضهم: الاخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق فقط، و قال آخر: هو اخراج الخلق عن معاملة الرّب.
و يؤيّد الثّاني تعليله بقوله (فانّه لم تعظم نعمة اللّه على أحد إلّا ازداد حقّ اللّه عليه عظما) و أعظم حقّه هو الاخلاص كما قال «و ما امروا إلّا ليعبدوا اللّه مخلصين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 153
له الدّين» «فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا».
(و انّ من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس ان يظنّ بهم حبّ الفخر).
لظهور مخائل حبّه عليهم، و ذلك لضعف عقولهم و حبّهم للجاه و المنزلة عند الناس و للثناء و المحمدة منهم.
و النكتة في محبتهم لذلك هو ارتياح النفس و التذاذ القلب به و ميل الطبع اليه بسبب استشعار الكمال من قول المادح، و ذلك لأنّ الكمال محبوب، و كلّ محبوب فادراكه لذيذ، فمهما شعرت النفس بكمالها ارتاحت و تلذّذت فالمدح يشعر نفس الممدوح بكمالها.
فانّ الوصف الذى يمدح به إما أن يكون جليا ظاهرا كوصفه بأنه طويل القامة و حسن الوجه، أو خفيا مشكوكا كوصفه بالقدرة و الشجاعة و السخاوة، و الالتذاذ بالأوّل أقلّ و بالثاني أعظم، لأنّ الانسان ربما يكون شاكا في كمال قدرته و شجاعته و سخاوته، و بمدح غيره له بذلك يرتفع شكه و يحصل له الطمأنينة باستشعار ذلك الكمال، فتعظم لذّته لا سيما إذا كان المادح من أهل الخبرة فهذا هو النكتة في حبّ الجاه و الفخر و الثناء.
و أيضا فانّ المدح يدلّ على حشمة الممدوح و اضطرار المادح إلى اطلاق اللسان بحمده، و مدحه إما عن طوع أو عن قهر و الحشمة أيضا لذيذة لما فيها من القهر و القدرة و السلطنة، و هذه اللّذة تحصل و إن كان المادح في الباطن غير معتقد بما مدح به لأنّ اضطراره إلى مدحه و وصفه نوع قهر و استيلاء عليه، فيورث ذلك حبّ الولاة للمحمدة و الثناء.
و إنما جعله من أسخف الحالات، لأنّ من غلب على قلبه حبّ الجاه و المنزلة و الفخر صار همته مقصورا على ملاحظة الخلق و مراعاتهم فى أقواله و أفعاله ملتفتا إلى ما يوجب وقعه فى نظرهم و منزلته عندهم و رضائهم منه رجاء لمدحهم و خوفا من ذمّهم و هذا من محض ضعف العقل و قصوره.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 154
لأنّ هذه الصفة التي يحبّ المدح بها إما أن يكون متّصفا بها واقعا أم لا فان كان متّصفا بها فهى إما من الكمالات النفسانية كالقدرة و الشجاعة و العدالة، أو ليست من الكمالات النفسانية بل من الأعراض الدّنيوية كالثروة و الجلال و الشوكة و نحوها.
أما الأعراض الدنيويّة فالفرح بها كالفرح بما أنبتت الأرض من النبات الذى يصير عن قريب هشيما تذروه الرياح، و هذا من قلّة عقل العاقل فلا ينبغي أن يفرح بما هو فى معرض الزوال و الفناء، و ان فرح فلا ينبغي أن يفرح بمدح المادح بل بوجوده و المدح ليس سبب وجوده.
و أما الكمالات النفسانية فينبغى أن يكون فرحه فيها بفضل اللّه تعالى أيضا لا بمدح المادح، فانّ اللذة في استشعار الكمال و الكمال موجود بفضل اللّه لا بمدح المادح و المدح تابع له و ان لم يكن متّصفا بها واقعا فحبّ المدح بها غاية الجنون، و مثله كمثل من يهزء به إنسان و يقول له: سبحان اللّه ما اكثر العطر الذى فى أحشائك و ما أطيب الرّوائح التي تفوح منك إذا قضيت حاجتك، و هو يعلم ما تشتمل عليه أمعاؤه من الأقذار و الأنتان و مع ذلك فيفرح بمدحه فاذا المادح إن كان صادقا فليكن فرحه بصفته الّتي هي من فضل اللّه و إن كان كاذبا فينبغي أن يغمّه مدحه حيث إنه يستهزء به و يستسخر منه فكيف يفرح به.
و أمّا الحشمة الّتي اضطرت المادح إلى المدح فمرجعها أيضا إلى قدرة عارضة لا ثبات لها، فعلم بذلك أنّ حبّ الفخر من أسخف حالات الولاة.
(و) من أسخف حالاتهم أيضا أن (يوضع أمرهم على الكبر) أى يتّهموا بالكبر لاستعظامهم لنفسهم و استحقارهم لغيرهم و ترفعهم عليه و انفهم من عباداتهم و هو ايضا من ضعف العقل لأنّ الكبر و العزّ و العظمة و الجلال لا يليق إلّا بالقادر القاهر مالك الملك و الملكوت فأين يليق به العبد الضعيف المسكين المستكين الذى لا يملك لنفسه موتا و لا حياتا و لا نشورا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 155
فالوالى المتكبّر منازع للّه تعالى في صفة لا يليق إلّا بجلاله مثل الغلام الّذى أخذ قلنسوة الملك فوضعها على رأسه و جلس على سريره فما أعظم استحقاقه للمقت و الخزى و ما أقبح ما تعاطاه و أشدّ جرأته على مولاه و أفحش سفهه عند أهل البصيرة هذا.
و لمّا ذكر اجمالا أنّ المشاهد لجمال الربوبيّة يصغر في نظره ما سواه و أنّ أحقّ النّاس بمشاهدة جلاله و استصغار غيره هو من فاز لعظيم نعمة المعرفة و عقّبه بذكر حالة الولاة من حبّهم للفخر و الكبر و اتّهامهم بذلك.
أردف ذلك بالتصريح على براءة نفسه القدسية من هذه الحالات و نزاهته عن حبّ الاطراء و الثناء بمقتضي مشاهدته لجلال الربّ تعالى فقال:
(و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أني أحبّ الاطراء) أى المجاوزة عن الحدّ في المدح و المبالغة فيه (و استماع الثناء) قال بعض الشارحين: جولان الظنّ حصول المعني في النفس من غير إذعان كامل، و كراهته عليه السّلام له يدلّ على كراهته للاذعان التامّ بطريق أولى.
(و لست بحمد اللّه كذلك) أى محبا لها (و لو كنت احبّ أن يقال ذلك) أى لو أحببت الاطراء و الثناء و التعظيم و التّبجيل بما فيه من التذاذ النفس (لتركته) قطعا (انحطاطا للّه) و تذلّلا لأجله و تصاغرا (عن تناول ما هو أحقّ به) منّي و من كلّ أحد (من العظمة و الكبرياء) و يحتمل أن يكون أحقّ بمعني حقيق غير مراد به التفضيل كما في قولهم العسل أحلي من الخلّ و هو الأظهر بل أولى لأنّ العظمة و الكبرياء لا يليق إلّا به تعالى كما قال في الحديث القدسى: الكبرياء ردائي و العظمة إزارى فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنّم و لا ابالي.
و في كلامه عليه السّلام إشارة إلى أنّ الاطراء و الثناء يجران إلى الكبر و ذلك أنّ المادح إذا بالغ في المدح و ذكر مناقب الممدوح و محاسنه و اثنى عليه بها يورث ذلك في الممدوح الارتياح و الاهتزاز و استعظامه لنفسه بما فيها من المناقب و المحاسن و استحقاره بغيره لخلوّه منها، و ليس الكبر إلّا عبارة عن ذلك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 156
(و ربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء) أى استحلى من أبلى بلاء حسنا من الولاة و غيرهم أن يمدح و يثنى عليه بعد ابتلائه بالشدائد و مكايدته المشاق.
قال الشارح البحراني: هذا يجرى مجرى تمهيد العذر لمن أثنى عليه فكأنه عليه السّلام يقول: و أنت معذور حيث رأيتني أجاهد في سبيل اللّه و أحثّ الناس على ذلك و من عادة النّاس أن يستحلوا الثناء عند أن يبلوا بلاء حسنا في جهاد أو غيره من الطاعات.
ثمّ أجاب عليه السّلام عن هذا العذر بقوله (فلا تثنوا علىّ بجميل ثناء لاخراجي نفسى إلى اللّه و إليكم من البقيّة في حقوق لم أفرغ من أدائها و فرائض لا بدّ من امضائها) أى لا تثنوا علىّ لأجل ما ترونه منّى من طاعة اللّه فانّ ذلك انّما هو لاخراج نفسى إلى اللّه من حقوقه الباقية علىّ لم افرغ بعد من أدائها، و هى حقوق نعمه و فرائضه الّتي لا بدّ من المضيّ فيها و كذلك إليكم من الحقوق التي أوجبها اللّه من النصيحة في الدّين و الارشاد إلى الطريق الأفضل و التعظيم لكيفيّة سلوكه.
و في المنقول من خط الرّضي من التقيّة بالتاء و المعنى فانّ الّذى أفعل من طاعة اللّه إنما هو لاخراج نفسي إلى اللّه و إليكم من تقيّة الخلق فيما يجب علىّ من الحقوق إذ كان عليه السّلام إنّما يعبد اللّه للّه غير ملتفت فى شيء من عبادته و أداء واجب حقّه إلى أحد سواه خوفا منه أو رغبة إليه أو المراد بها التقيّة الّتي كان يعملها في زمن الخلفاء الثلاثة و تركها في أيام خلافته، و كأنه قال: لم أفعل شيئا إلّا و هو أداء حقّ واجب علىّ و إذا كان كذلك فكيف أستحقّ أن يثنى علىّ لأجل إتيان الواجب بثناء جميل، و اقابل بهذا التعظيم، و هو من باب التواضع للّه و تعظيم كيفية أداء حقّه، و كسر للنفس عن محبّة الباطل و الميل اليه.
و لمّا نهاهم عن الثناء عليه أردف بتعليمهم كيفية سلوكهم معه عليه السّلام قولا و فعلا فقال عليه السّلام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 157
(فلا تكلّمونى بما تكلّم به الجبابرة) و الظلمة أى لا تكلّمونى بكلام متضمن للتملق لى و التودّد الىّ كما يتكلّم به عند أهل الغرور و النخوة من المتجبّرين العتاة (و لا تتحفّظوا منّى بما يتحفّظ به عند أهل البادرة) أى لا تحرّزوا منّى بما يتحرّز به عند أهل الهدة من الملوك و السلاطين و الامراء، فانّ النّاس إنّما يتحفظون عنهم و يتكلّمون عندهم حقّا أو بأطلا بما يعجبهم و يوافق مذاقهم من الثناء و الاطراء و الملق، و يحتشمون منهم و يقومون بين أيديهم و يخضعون لهم، كلّ ذلك خوفا من سطوتهم و توقّيا من سورتهم.
(و لا تخالطونى) و عن بعض النّسخ لا تخاطبونى بدله (بالمصانعة) أى بالرّشوة و المداراة، و قال بعض الشارحين: المصانعة أن تصنع لأحد شيئا ليصنع لك شيئا آخر و الغرض النّهى عن المخالطة أو المخاطبة بحسب ما يرونه صلاحا في حصول أغراضهم أو ما يعجبه عليه السّلام على زعمهم.
(و لا تظنوا بى استثقالا في حقّ لى و لا التماس إعظام لنفسى) أي لا يذهب ظنّكم إلى أنّ فيّ توانيا من الحقّ الذي قيل لى، و انى أعدّه ثقيلا علىّ، و لا إلى أنّى أطلب من الخلق التعظيم لنفسى، و ذلك لأنّه مع الحقّ و الحقّ معه يدور معه كيف دار و لمعرفته بمن هو أهل للاعزاز و أحقّ به لاختصاصه بالعظمة و الكبرياء فقط جلّ جلاله دون غيره حسبما صرّح به سابقا، و من هذا شأنه فكيف يستثقل الحقّ و يلتمس الاعظام.
(فانّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه) يعنى من كان استماع الحقّ و العدل ثقيلا عليه عند إظهارهما عليه كان عمله بهما أثقل و أشق، لكن شيئا منهما ليس ثقيلا عليه فضلا عن إصغائه إليه، بل المعلوم من حاله عليه السّلام مضافا إلى شهادة قوله تعالى «وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ» النّازل فيه و في الأئمة من ذريّته عليه و عليهم السّلام مواظبته على الحقّ و العدل في جميع حالاته.
و لمّا نهاهم عن التحفّظ منه و نبّههم على عدم ثقل استماع القول الحقّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 158
و العدل عليه كعدم ثقل عمله بهما فرّع عليه قوله (فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ) أى لا تمسكوا عنها و فيه تلطف لهم (أو مشورة بعدل) و فيه تطييب لقلوبهم و لهذه النّكتة أيضا أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قوله «و شاورهم في الأمر» بالتشاور من دون حاجة لأحد منهما إلى استخراج الوجه بالمشاورة لعلمهما بوجوه المصالح جميعا في الحرب و غيرها.
و أمّا التعليل بقوله (فانّي لست في نفسى بفوق ان اخطى و لا آمن ذلك من فعلى إلّا أن يكفى اللّه من نفسى ما هو أملك به منّى) فانّما هو من الانقطاع إلى اللّه و التّواضع الباعث لهم على الانبساط معه بقول الحقّ و عدّ نفسه من المقصّرين في مقام العبوديّة و الاقرار بأنّ عصمته عليه السّلام من نعمه تعالى.
و ليس اعترافا بعدم العصمة كما يتوهّم بل ليست العصمة إلّا ذلك فانّها عبارة عن أن يعصم اللّه العبد من ارتكاب الخطاء و المعصية و قد أشار إليه بقوله: إلّا أن يكفى اللّه، على حدّ قول يوسف الصدّيق عليه السّلام «و ما أبرّء نفسى إنّ النفس لأمارة بالسوء إلّا ما رحم ربّى» و أراد بقوله ما هو أملك به العصمة من الخطاء فانّه تعالى أقدر على ذلك للعبد من العبد نفسه ثمّ اتبعه بمزيد الهضم و سوّى بينهم و بينه و قال (فانّما أنا و أنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا) و يعصمنا ممّا لا نقدر أن نعتصم منه بأنفسنا من مكاره الدّنيا و الاخرة (و أخرجنا ممّا كنّا فيه) من الجهالة و عدم العلم و المعرفة (إلى ما صلحنا عليه) من الكمالات الّتي يسّرها لنا ببعثة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى).
قال الشّارح المعتزلي: ليس هذا إشارة إلى خاصّ نفسه لأنّه لم يكن كافرا فأسلم، و لكنّه كلام يقوله و يشير به إلى القوم الذين يخاطبهم من إفناء الناس فيأتى بصيغة الجمع الدّاخلة فيها نفسه توسّعا، و يجوز أن يكون معناها لولا ألطاف اللّه تعالى ببعثة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكنت أنا و غيرى على مذهب الأسلاف.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 159
تكملة:
هذه الخطبة رواها ثقة الاسلام الكليني في كتاب الرّوضة من الكافي و السند علىّ بن الحسن المؤدّب عن أحمد بن محمّد بن خالد و أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحسن التّميمي «التيمى» جميعا عن إسماعيل بن مهران قال: حدّثنى عبد اللّه بن الحرث عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال خطب أمير المؤمنين عليه السّلام الناس بصفّين فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على محمّد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال عليه السّلام:
أمّا بعد فقد جعل اللّه لي عليكم حقّا بولاية أمركم و منزلتى الّتي أنزلني اللّه عزّ ذكره بها منكم و لكم عليّ من الحقّ مثل الّذى لى عليكم، و الحقّ أجمل الأشياء في التراصف «التواصف» و أوسعها في التناصف لا يجرى لأحد إلّا جرى عليه، و لا يجرى عليه إلّا جرى له، و لو كان لأحد أن يجرى ذلك له و لا يجرى عليه لكان ذلك للّه عزّ و جلّ خالصا دون خلقه، لقدرته على عباده، و لعدله في كلّ ما جرت عليه ضروب قضائه، و لكن جعل حقّه على العباد أن يطيعوه، و جعل كفارتهم عليه حسن الثواب تفضّلا منه و تطوّلا بكرمه و توسّعا بما هو من المزيد له أهل، ثمّ جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافا في وجوهها و يوجب بعضها بعضا، و لا يستوجب بعضها إلّا ببعض فأعظم ما افترض اللّه تبارك و تعالى من تلك الحقوق حقّ الوالى على الرّعيّة و حقّ الرّعيّة على الوالى فريضة فرضها اللّه عزّ و جلّ لكلّ على كلّ فجعلها نظام الفتهم و عزّا لدينهم و قواما لسنن الحقّ فيهم، فليست تصلح الرعية إلّا بصلاح الولاة، و لا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرّعيّة.
فاذا أدّت الرّعية إلى الوالى حقّه و أدّى إليها الوالى كذلك عزّ الحقّ بينهم، فقامت مناهج الدين و اعتدلت معالم العدل، و جرت على اذلالها السّنن، و صلح بذلك الزّمان و طاب به العيش و طمع في بقاء الدولة و يئست مطامع الأعداء.
و إذا غلبت الرّعية و اليهم و علا الوالى الرّعية اختلفت هنا لك الكلمة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 160
و ظهرت مطامع الجور و كثر الادغال في الدّين و تركت معالم السنن، فعمل بالهوى و عطلت الاثار و كثرت علل النفوس و لا يستوحش لجسيم حدّ عطل و لا لعظيم باطل اثل، فهنا لك تذلّ الأبرار، و تعزّ الأشرار، و تخرب البلاد، و تعظم تبعات اللّه عزّ و جلّ عند العباد.
فهلمّ أيّها الناس إلى التعاون على طاعة اللّه عزّ و جلّ و القيام بعد له و الوفاء بعهده و الانصاف له في جميع حقّه، فانه ليس العباد إلى شيء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك و حسن التعاون عليه، و ليس أحد و إن اشتدّ على رضاء اللّه حرصه و طال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما أعطى اللّه من الحقّ أهله، و لكن من واجب حقوق اللّه عزّ و جلّ على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم، و التعاون على اقامة الحقّ بينهم.
و ليس امرء و إن عظمت في الحقّ منزلته و جسمت في الخلق فضيلته بمستغن عن أن يعان على ما حمله اللّه عزّ و جلّ من حقّه، و لا لامرؤ مع ذلك خسأت به الأمور و اقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك أو يعان عليه و أهل الفضيلة في الحال و أهل النعم العظام أكثر من ذلك حاجة و كلّ في الحاجة إلى اللّه عزّ و جلّ شرع سواء «فأجابه عليه السّلام رجل من عسكره لا يدرى من هو و يقال: إنّه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم و لا بعده، فقام و أحسن الثناء على اللّه عزّ و جلّ بما أبلاهم و أعطاهم من واجب حقّه عليهم و الاقرار بما ذكر من تصرّف الحالات به و بهم ثمّ قال:
أنت أميرنا و نحن رعيتك بك أخرجنا اللّه عزّ و جلّ من الذلّ و باعزازك اطلق على عباده من الغل، فاختر علينا فامض اختيارك و ائتمر فامض ائتمارك فانّك القائل المصدّق و الحاكم الموفق و الملك المخول لا نستحلّ في شيء من معصيتك و لا نقيس علما بعلمك يعظم عندنا في ذلك خطرك و يجلّ عنه في أنفسنا فضلك».
فأجابه أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ من حقّ من عظمّ جلال اللّه في نفسه و عظم موضعه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 161
من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه، و إنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعم اللّه عليه و لطف إحسانه إليه فانّه لم تعظم نعم اللّه تعالى على أحد إلّا ازداد حق اللّه عليه عظما.
و إنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح النّاس أن يظنّ بهم حبّ الفخر و يوضع أمرهم على الكبر، و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أنّى أحبّ الاطراء، و استماع الثناء، و لست بحمد اللّه كذلك، و لو كنت احبّ أن يقال ذلك لتركته انحطاطا للّه سبحانه عن تناول ما هو أحقّ به من العظمة و الكبرياء، و ربّما استحلى الناس الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا علىّ بجميل ثناء لاخراجى نفسى إلى اللّه و إليكم من البقيّة في حقوق لم افرغ من أدائها و فرائض لا بدّ من إمضائها.
فلا تكلّمونى بما تكلّم به الجبابرة و لا تتحفظوا منّى بما يتحفّظ به عند أهل البادرة و لا تخالطونى بالمصانعة، و لا تظنوا بى استثقالا في حقّ قيل لى و لا التماس إعظام لنفسى لما لا يصلح لى فانّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل فانّى لست في نفسي بفوق أن اخطى و لا آمن ذلك من فعلى إلّا أن يكفى اللّه من نفسى ما هو أملك به منى، فانّما أنا و أنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا و أخرجنا ممّا كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى.
«فأجابه الرّجل الّذى أجابه من قبل فقال: أنت أهل ما قلت و اللّه فوق ما قلته فبلاؤه عندنا ما لا يكفر، و قد حملك اللّه تعالى رعايتنا و ولاك سياسة أمورنا فأصبحت علمنا الّذى نهتدى به، و إما منا الذى نقتدى به، و أمرك كلّه رشد، و قولك كلّه أدب، قد قرّت لك في الحياة أعيننا، و امتلأت بك من سرور قلوبنا، و تحيّرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا، و لسنا نقول لك أيّها الامام الصّالح تزكية لك، و لا نجاوز القصد في الثناء عليك، و لم «لن» يكن في أنفسنا طعن على يقينك أو غشّ في دينك فنتخوّف أن يكون أحدثت بنعم اللّه تبارك و تعالى تجبّرا، أو دخلك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 162
كبر، و لكنّا نقول ما قلنا تقرّبا إلى اللّه عزّ و جلّ بتوقيرك، و توسّعا بتفضيلك و شكرا باعظام أمرك، فانظر لنفسك و لنا و آثر لأمر اللّه على نفسك و علينا فنحن طوع فيما أمرتنا ننقاد من الامور مع ذلك فيما ينفعنا».
فأجابه أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: و أنا استشهدكم عند اللّه على نفسى، لعلمكم فيما و ليت به من اموركم و عمّا قليل يجمعني و ايّاكم الموقف بين يديه و السؤال عمّا كنّا فيه، ثمّ يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا، فانّ اللّه عزّ و جلّ لا تخفى عليه خافية، و لا يجوز عنده إلّا مناصحة الصدور في جميع الأمور «فأجابه الرّجل و يقال: لم ير الرّجل بعد كلامه هذا الأمير المؤمنين عليه السّلام فأجابه و قد عال الذى في صدره و البكاء تقطع منطقه، و غصص الشّجى تكسر صوته إعظاما لخطر مرزأته و وحشة من كون فجيعته، فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ شكى إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم و الذّل الطويل في فساد زمانه و انقلاب جده و انقطاع ما كان من دولته، ثمّ نصب المسألة إلى اللّه عزّ و جلّ بالامتنان عليه و المدافعة عنه بالتّفجع و حسن الثناء فقال:
يا رباني العباد و يا ساكن البلاد أين يقع قولنا من فضلك، و أين يبلغ وصفنا من فعلك، و أنّى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصى جميل بلائك، كيف و بك جرت نعم اللّه علينا، و على يدك اتّصلت أسباب الخير إلينا، ألم تكن لذلّ الذليل ملاذا، و للعصاة الكفار إخوانا، فبمن إلّا بأهل بيتك و بك أخرجنا اللّه عزّ و جلّ من فظاعة تلك الخطرات، أو بمن فرّج عنّا غمرات الكربات، و بمن إلّا بكم أظهر اللّه معالم ديننا و استصلح ما كان فسد من دنيانا، حتّى استبان بعد الجور ذكرنا، و قرّت من رخاء العيش أعيننا لما ولّيتنا بالاحسان جهدك و وفيت لنا بجميع وعدك، و قمت لنا على جميع عهدك، فكنت شاهد من غاب منّا، و خلف أهل البيت لنا، و كنت عزّ ضعفائنا، و ثمال فقرائنا، و عماد عظمائنا، يجمعنا فى الامور عدلك، و يتّسع لنا في الحقّ تأنيك فكنت لنا أنسا إذا رأيناك، و سكنا إذا ذكرناك، فأىّ الخيرات لم تفعل، و أىّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 163
الصّالحات لم تعمل، و لو أنّ الأمر الّذى نخاف عليك منه يبلغ تحريكه جهدنا، و تقوى لمدافعته طاقتنا أو يجوز الفداء عنك منه بأنفسنا و بمن نفديه بالنّفوس من أبنائنا لقدمنا أنفسنا و أبناءنا قبلك، و لأخطرناها و قل خطرها دونك، و لقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك، و مدافعة من ناواك، و لكنّه سلطان لا يحاول و عزّ لا يزاول، و ربّ لا يغالب، فان يمنن علينا بعافيتك، و يترحّم علينا ببقائك و يتحنّن علينا بتفريج هذا من حالك إلى سلامة منك لنا و بقاء منك بين أظهرنا نحدث اللّه عزّ و جلّ بذلك شكرا نعظمه، و ذكرا نديمه، و نقسّم انصاف أموالنا صدقات، و أنصاف رقيقنا عتقاء، و نحدث له تواضعا في أنفسنا، و نخشع في جميع امورنا، و إن يمض بك إلى الجنان و يجرى عليك حتم سبيله، فغير متّهم فيك قضاؤه، و لا مدفوع عنك بلاؤه، و لا مختلفة مع ذلك قلوبنا بان اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه، و لكنّا نبكى من غير اثم لعزّ هذا السلطان أن يعود ذليلا، و للدّين و الدّنيا أكيلا، فلا نرى لك خلقا نشكو إليه، و لا نظيرا نأمله و لا نقيمه».
بيان:
لما يحتاج إلى البيان من موارد الاختلاف الّتي لم يتقدّم شرحها عند شرح المتن:
قوله عليه السّلام «و الحق أجمل الأشياء في التّراصف» أصل التّراصف تنضيد الحجارة بعضها ببعض، و المراد أنّ الحقّ أحسن الأشياء في إنفاق الامور و أحكامها.
قوله «و أوسعها في التّناصف» أى إذا أنصف الناس بعضهم لبعض فالحقّ يسعه و يحتمله و لا يقع الناس في العمل بالحقّ ضيق.
قوله «و جعل كفارتهم عليه حسن الثّواب» قال في البحار: لعلّ المراد بالكفارة الجزاء العظيم لستره عملهم حيث لم يكن له في جنبه قدر، فكأنّه قد محاه و ستره، و في أكثر النسخ بحسن الثواب فيحتمل أيضا أن يكون المراد بها ما يقع منهم لتدارك سيئاتهم كالتوبة و ساير الكفارات، أى أوجب قبول كفارتهم و توبتهم على نفسه مع حسن الثواب بأن يثيبهم على ذلك أيضا قوله «قواما يسرّ الحقّ فيهم» أى بها يقوم جريان الحقّ فيهم و بينهم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 164
قوله «اثّل» بالثّاء المثلّثة و البناء على المفعول من باب التّفعيل يقال: أثل ماله تأثيلا زكّاه و أصّله و أثّل ملكه عظمه و أثّل أهله كساهم أفضل كسوة و الاثال وزان سحاب و غراب المجد و الشّرف قوله «فهلمّ ايّها الناس» اسم فعل بمعنى تعال يستوى فيه الواحد و الجمع و التذكير و التّأنيث على لغة أهل الحجاز.
قوله «حقيقة ما أعطى اللّه من الحقّ أهله» أى جزاء ما أعطى اللّه أهل الحقّ من الدّين المبين و سائر ما هداهم اللّه إليه، بأن يكون المراد بالحقيقة الجزاء مجازا أو يكون في الكلام تقدير مضاف أى حقيقة جزاء ما أعطى من الحقّ، و قيل: المراد بحقيقة ما أعطى اللّه شكر نعمة هدايته تعالى إلى دين الحقّ.
قوله «و لا لامرؤ مع ذلك» قال في البحار كأنّه راجع إلى ما حمّل اللّه على الوالى أو إلى الوالى الّذى اشير إليه سابقا أى لا يجوز أو لا بدّ لا مرؤ أو لا استغناء لامرء على الوالى أو مع كون و اليه مكلّفا بالجهاد و غيره من امور الدّين و إن كان ذلك المرء محقّرا ضعيفا بدون أن يعين على إقامة الدّين أو يعينه النّاس أو الوالى عليه قوله «خسأت به الامور» يقال خسأت الكلب خسئا طردته و خسا الكلب يتعدّى و لا يتعدّى و يجوز أن يكون استعمل هنا غير متعدّ بنفسه، فعدّى بالباء أى طردته الامور، و المراد أنّه ليس بحيث يتمشّى امر من اموره و لا ينفع سعيه في تحصيل شيء من الامور قوله «بدون ما» لفظة ما زايدة.
قوله «و أهل الفضيلة في الحال» المراد بهم الأئمة عليهم السّلام و الولاة و الامراء و العلماء و كذا «أهل النّعم العظام».
قوله «و الافرار» عطف على الثناء أى أقرّ إقرارا حسنا بأشياء ذكرها ذلك الرّجل و لم يذكره عليه السّلام اختصارا أو تقيّة من تغيّر حالاته من استيلاء أئمّة الجور و مظلوميّته و تغيّر أحوال رعيّته من تقصيرهم في حقّه و عدم قيامهم بما يحقّ من طاعته و القيام بخدمته
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 165
قوله «من الغلّ» أى أغلال الشرك و المعاصى.
قوله «و ائتمر» أى أقبل ما أمر اللّه به فامضه علينا.
قوله «و الملك المخوّل» أى الملك الّذى أعطاك اللّه الامرة علينا و جعلنا خدمك و تبعك قوله «لا نستحلّ في شيء من معصيتك» لعلّ التّعدية بفى لتضمين معنى الدخول أو المعنى لا نستحلّ معصيتك في شيء من الأشياء على أن يكون من زايدة قوله «في ذلك» أى في العلم بأن تكون كلمة في تعليليّة، و يحتمل أن يكون اشارة إلى ما دلّ عليه الكلام من اطاعته عليه الصّلاة و السلام.
قوله «خطرك» أى قدرك و منزلتك.
قوله «و يجلّ عنه» أى عمّا قلته في وصفك.
قوله «فبلاؤه عندنا ما لا يكفر» أى نعمته عندنا وافرة بحيث لا نستطيع كفرها و سترها، أو لا يجوز كفرانها و ترك شكرها.
قوله «و لم يكن» في بعض النسخ لن يكون و في بعضها لن يكنّ بالبناء على المفعول من كنت الشيء سترته أو بفتح الياء و كسر الكاف من كنّ الطائر بيضه حضنه قوله «و توسّعا» أى في الفضل و الثواب.
قوله «مع ذلك» أى مع طوعنا فيما امرت، و في البحار أى مع طاعتنا لك، فانّ نفس الطاعة أمر مرغوب فيه و مع ذلك موجب لحصول ما ينفعنا و ما هو خير لنا في دنيانا و آخرتنا.
قوله «الّا مناصحة الصّدور» أى خلوصها من غشّ النّفاق بأن يضمر فيها خلاف ما يظهر أو نصح الاخوان نصحا يكون في الصّدور لا بمحض اللّسان.
قوله «و قد عال الّذى في صدره» يقال: عالنى الشيء أى غلبنى و عال أمرهم اشتدّ قوله «و غصص الشّجى» جمع غصّه بالضّم و هو ما يعترض في الحلق، و الشّجى الحزن.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 166
قوله «لخطر مرزأته» الخطر القدر و الاشراف على الهلاك و المرزأة المصيبة و كذا الفجيعة و الضّمير راجع إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و القائل كان عالما بقرب أو ان شهادته عليه السّلام فلذا كان يندب و يتفجّع و إرجاعهما إلى القائل بعيد قوله «ثمّ شكى إليه» أى إلى اللّه تعالى.
قوله «أشفى عليه» أى أشرف عليه.
قوله «و انقلاب جدّه» أى بخته.
قوله «بالتفجع» متعلّق بقوله نصيب، و التفجع التّوجّع في المصيبة أى سأل اللّه دفع هذا البلاء الّذى قد ظنّ وقوعه عنه عليه السّلام مع التّفجع و التّضرّع.
قوله «يا ربّاني العباد» قال الجزرى الربّاني منسوب إلى الربّ بزيادة الالف و النّون، و قيل: هو من الربّ بمعني التّربية لتربيتهم المتعلّمين بصغار العلوم و كبارها، و الربّاني العالم الرّاسخ في العلم و الدّين يطلب بعلمه وجه اللّه، و قيل: العالم العاقل المعلّم.
قوله «و يا ساكن البلاد» في بعض النسخ سكن البلاد محرّكة و هو كلما يسكن إليه.
قوله «و بك جرت نعم اللّه» أى بمجاهداتك و مساعيك الجميلة في ترويج الدّين و تشييد أركان الاسلام في زمن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعده.
قوله «و للعصاة الكفّار اخوانا» أى كنت تعاشر من يعصيك و يكفر نعمتك بالشّفقه و الرّأفة معاشرة الاخوان، أو المراد الشّفقة على الكفّار و العصاة و الاهتمام في هدايتهم، و يحتمل أن يراد بهم المنافقون الّذين كانوا في عسكره و كان يلزمه رعايتهم بظاهر الشّرع.
قوله «من فظاعة تلك الخطرات» أى قباحتها و شدّتها.
قوله «ثمال فقرائنا» أى غياثهم و لجاءهم و قيل: الثمال المطعم في الشّدة.
قوله «يجمعنا من الأمور عدلك» أى هو سبب اجتماعنا في جميع الامور أو من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 167
بين ساير الامور أو هو سبب لانتظام جميع امورنا و عدلك محيط بجميعنا في جميع الامور.
قوله «و يتّسع لنا في الحقّ تأنّيك» أى صار مداراتك و عدم تعجيلك في الحكم علينا بما نستحقّه سببا لوسعة الحقّ علينا و عدم تضيّق الامور بنا.
قوله «ليبلغ تحريكه» أى تغييره و صرفه و في النسخة القديمة تحويله.
قوله «و لا خطرناها» لا نجعل لها خطرا أى قدرا و منزلة كما في حديث وصف الأئمة عليهم السّلام: ما أجلّ خطركم أى قدركم و منزلتكم عند اللّه أو لا نعدّها خطيرا أى رفيعا.
قوله «و قلّ خطرها دونك» أى شرفها أو هلاكها و الخطر أيضا السّبق يتراهن عليه و لا يقال إلّا في الشيء الّذى له قدر و مزيّة.
قوله «حاولك» أى قصدك.
قوله «من ناواك» أى عاداك.
قوله «و لكنّه سلطان» أى الربّ تعالى.
قوله «و عزّ» ذو عزّ و غلبة.
قوله «لا يزاول» أى لا يحاول و لا يطالب، و هذا إشارة إلى أن هذه الامور بقضاء اللّه و قدره و المبالغة في دفعها في حكم مغالبة اللّه فى تقديراته.
قوله «بان اختياره لك ما عنده» ما عنده خبران أو خبره محذوف أى خير لك و المعني أنّه لا يختلف قلوبنا بل هي متّفقة على أنّ اللّه اختار لك بامضائك النعيم و الرّاحة الدّائمة على ما كنت فيه من المشقّة و الجهد و العناء.
قوله «نبكى من غير اثم» أى لا نأثم على البكاء عليك فانّه من أفضل الطاعات.
قوله «و للدّين و الدّنيا اكيلا» أى آكلا فالفعيل بمعنى الفاعل لا بمعنى المفعول أى نبكي لتبدّل هذا السّلطان الحقّ بسلطنة الجور فيكون آكلا للدّين و الدّنيا.
قوله «و لا نرى لك خلفا» أى من بين السّلاطين لخروج السّلطنة من أهل البيت عليهم السّلام.
قال الشارح: أكثر ما أوردته هنا التقطته من كلام المحدّث العلامة المجلسي قدّس سرّه في البحار.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 168
الترجمة:
فصل دوّيم از آن خطبه است سيد رضي گفته: پس جواب داد آن حضرت را مردى از أصحاب او بسخن درازى كه در آن بسيار ستايش مى كرد او را و ذكر مى نمود در آن شنيدن و اطاعت كردن خود را بان بزرگوار پس فرمود آن حضرت كه:
بتحقيق از حق كسى كه بزرگ است جلال و عظمت خدا در نفس او و أجلّ است مرتبه او در قلب او اينست كه كوچك و حقير باشد در نزد او بجهت بزرگى آن جلال و عظمت هر چيزى كه غير خداى تعالى است، و بتحقيق سزاوارتر كسى كه باشد بر اين حال كسى است كه بزرگ شده نعمت خدا بر او و لطيف شده احسان و انعام او بسوى او از جهت اين كه بزرگ نمى گردد نعمت خدا بر احدى مگر اين كه زايد گردد بزرگ بودن حقّ خدا بر او.
و بدرستى كه از سخيف و خفيف ترين حالات پادشاهان در نزد مردمان صالح سالم العقل اين است كه گمان برده شود بايشان دوست داشتن افتخار بر مردمان را و حمل شود بناء امر ايشان بتكبّر بخلقان.
و بتحقيق كه ناخوش داشتم اين را كه جولان كند در ظنّ شما اين كه من دوست دارم زيادت تعريف و استماع ستايش را، و نيستم من بحمد اللّه همچنين و اگر بودم كه دوست مى داشتم اين كه گفته شود مدح و ثنا در باره من البتّه ترك مى كردم آنرا از جهت پستى و تواضع از براى خدا و فروتنى از اخذ كردن چيزى كه خدا سزاوارتر است بان از عظمت و كبريا، و بسا هست كه شيرين مى دانند مردمان مدح و ثنا را بعد از زحمت بلا، پس ستايش نكنيد بر من باثناء جميل بسبب خارج كردن من نفس خودم را بسوى خدا و بسوى شما از بقيّه حقوقى كه فارغ نگشته ام از أداء آنها، و از واجباتى كه لابد و ناچارم از إمضا و إجراء آنها.
پس تكلّم نكنيد با من بسخنانى كه تكلّم كرده شود با آن ستمكاران و جبّاران، و تحفّظ نكنيد از من با چيزى كه تحفّظ كرده مى شود با آن در نزد پادشاهان با حدّت و سطوت، و آميزش نكنيد با من به تملّق و چاپلوسى، و گمان نبريد در من اين كه گرانى دارم در حقّى كه گفته شده بمن، و اين كه خواهش دارم بزرگ شمردن نفس خودم را از جهت اين كه كسى كه گر دارد حق را از اين كه گفته شود مر او را يا عدالت را از اين كه اظهار شود بر او باشد عمل كردن بحقّ و عدل گرانتر باو پس خوددارى نكنيد از گفتگوى بحقّ و از مشورت بعدل.
پس بتحقيق كه من نيستم در پيش نفس خود برتر از اين كه خطا بكنم، و أيمن نيستم خطا را از كار خودم مگر اين كه كافى باشد خدا از نفس من چيزى را كه قادرتر است بان چيز از من، پس جز اين نيست كه من و شما بندگان مملوكيم از براى پروردگارى كه غير از او پروردگارى نيست، مالك است از ما چيزى را كه ما مالك آن نيستيم از نفسهاى خود ما، و بيرون آورده است ما را از جهالتى كه در آن بوديم بسوى علم و معرفتى كه صلاح ما بر آن حاصل شد، پس بدل كرد ما را بعد از گمراهى بهدايت، و عطا فرمود بما بعد از نابينائى بصيرت را.