منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 17، ص: 334
و أمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك، فإنّي نظرت في هذا الأمر فلم أره يسعني دفعهم إليك و لا إلى غيرك، و لعمري لئن لم تنزع عن غيّك و شقاقك، لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك، لا يكلّفونك طلبهم في برّ و لا بحر، و لا جبل و لا سهل، إلّا أنّه طلب يسوءك وجدانه، و زور لا يسرّك لقيانه، و السّلام لأهله (56429- 56200).
اللغه:
(لعمري) العمر بالفتح: الحياة و الدّين، قال في أقرب الموارد: و منه لعمري في القسم أي لديني.
(لم تنزع عن غيّك) النزع عن الشيء: الكفّ عنه. (الغيّ): الضلال (الشقاق) الخلاف. التكليف: الأمر بما يشقّ عليك من الكلفة بمعنى المشقّة.
(زور) بالفتح جاء مصدرا و غير مصدر و على الثاني يستوي فيه المفرد و المثّنى و الجمع و المذكّر و المؤنّث. يقال: رجل زور و قوم زور و نساء زور. قال الجوهريّ الزّور، الزائرون يقال: رجل زائر و قوم زور و زوار مثل سافر و سفر و سفار، و نسوة زور أيضا. زاره زورا من باب قال: أتاه بقصد الالتقاء به.
قال زياد بن حمل كما في كتاب الحماسة لأبي تمام الطائي (الحماسة 577) أو زياد بن منقذ كما قاله الجوهريّ في مادّة قزم من الصحاح:
زارت رويقة شعثا بعد ما هجعوا لدى نواحل في أرساغها الخدم
و قمت للزّور مرتاعا و أرّقني فقلت أهي سرت أم عادني حلم
و الأصل في ذلك زرت فلانا أى تلقّيته بزوري أو قصدت زوره نحو و جهته و الزّور أعلى الصدر.
(لقيان) بضمّ اللّام و كسرها مصدر من لقيت فلانا من باب علم أي صادقته و رأيته.
الاعراب:
و العمر بالفتح و الضمّ و إن كانا مصدرين بمعنى إلّا أنّ المفتوح منهما يستعمل في القسم، فاذا أدخلت عليه اللام رفعته بالابتداء و اللّام لتوكيد الابتداء و الخبر محذوف و التقدير لعمري قسمي أو ما أقسم به، فان لم تأت باللام نصبته نصب المصادر و فتحة الفاء في «لتعرفنّهم» ليست علامة النصب، بل هي لمكان النون المشدّدة المؤكّدة، لأنّ آخر الفعل المخاطب المذكّر إذا كان مؤكّدا بنوني التأكيد يفتح لئلّا يلتبس بالجمع المذكّر و المفرد المؤنّث إذا كانا مؤكّدين بهما.
و اختلف في هذه الفتحة فقال ابن السّراج و المبرّد و الفارسي: بناء للتركيب و قال سيبويه و السيرافي و الزّجاج: عارضة للساكنين و هما آخر الفعل و النون الأولى، و محلّ يطلبونك النصب مفعولا ثانيا لتعرفنّهم بمعنى لتعلمنّهم.
«طلبهم» منصوب، أي لا يكلّفونك في طلبك إيّاهم في برّ و لا بحر- إلخ.
«لقيانه» الضمير فيه راجع إلى الزور فان كان الزور مصدرا كما هو الظاهر من سياق الكلام حيث جعل قبال الطلب فالأمر ظاهر، و إن كان اسم جمع بمعنى الزائرين فإفراد الضمير باعتبار إفراد لفظ الزور، و هذا لا يخلو من تكلّف.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 3
المعنى:
قوله عليه السّلام: «و أمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك- إلى قوله: و لا إلى غيرك» هذا الفصل جواب عن قوله معاوية له عليه السّلام: فان كنت صادقا فأمكنّا من قتلته نقتلهم به.
و قد دريت من مباحثنا السالفة أنّ معاوية لم يجد شيئا يستغوي به النّاس و يستميل به أهواءهم إلّا أن قال لهم: قتل إمامكم مظلوما فهلمّوا نطلب بدمه فاستجاب له جفاة طعام، عبيد قزام، جمعوا من كل أوب، و تلقطوا من كلّ شوب.
و أنّ عمّار بن ياسر قال في بعض أيّام صفين- كما رواه أبو جعفر الطبريّ في التاريخ و نقلناه في ص 286 ج 15-: أيّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الّذين يبغون دم ابن عفّان، و يزعمون أنّه قتل مظلوما، و اللّه ما طلبتم بدمه و لكنّ القوم ذاقوا الدّنيا فاستحبّوها و استمرءوها، و علموا أنّ الحقّ إذا لزمهم حال بينهم و بين ما يتمرّغون فيه من دنياهم، و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقّون.
طاعة الناس و الولاية عليهم، فخذعوا أتباعهم أن قالوا: إمامنا قتل مظلوما، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا، و تلك مكيدة بلغوا بها ما ترون، و لو لا هي ما تبعهم من الناس رجلان؛ إلخ.
و أنّ معاوية لم يكن وليّ دم عثمان حتّى يطلبه، بل كان ولده أولياء دمه و أشار أمير المؤمنين عليه السّلام إليه تلويحا: فلم أره يسعني دفعهم إليك و لا إلى غيرك.
و أنّ معاوية لم يكن له ولاية شرعيّة على المسلمين، ثمّ لم يرافع إليه أحد في دم ابن عفّان شيئا، و ما ترافع إليه الخصمان فيه فأنّى له أن يطلب قتلة عثمان؟
و أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يكن شريكا في دمه، بل كان في عزلة عن قتله و لم يحضر قتل عثمان يوم قتل.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 4
و نصّ أبو جعفر الطبريّ في التاريخ أنّه لما حصر عثمان كان عليّ عليه السّلام بخيبر فلو رأى معاوية أنّه عليه السّلام كان من قاتليه فهو خطأ، و علمت أنّ إسناد قتله إليه اختلاق بل في مروج الذهب للمسعودي أنه لمّا بلغ عليّا عليه السّلام أنّهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن و الحسين و مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته حتّى أنّ القوم لما اشتبكوا جرح الحسن و شجّ قنبر.
و كذا قال المسعوديّ: لمّا حصر الناس عثمان في داره منعوه الماء فأشرف على الناس و قال: ألا أحد يسقينا؟ فبلغ عليّا عليه السّلام طلبه للماء فبعث إليه بثلاث قرب ماء- إلخ، فراجع إلى (ص 330 ج 16).
و لو رآه وليّ المسلمين، و حاكم الشرع المبين طلب عنده حقّا من غيره فقد كان واجبا عليه أن يرافع الدّعوى إليه عليه السّلام مع الشروط المعتبرة في الترافع و ما فعل معاوية ذلك.
على أنّما قتله خلق كثير حتّى شهد قتله ثمانمائة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يرون أنّ عثمان كان يستحقّ القتلى بأحداثه ففي كتاب صفين لنصر بن مزاحم المنقري (ص 176 الطبع الناصري) مذكور أنّما جرى بين عمّار بن ياسر رضوان اللّه عليه و عمرو بن العاصي كلام طويل في بعض أيّام صفين- إلى أن قال عمرو لعمّار: فعلى م تقاتلنا؟ أو لسنا نعبد إلها واحدا، و نصلّي قبلتكم، و ندعو دعوتكم، و نقرأ كتابكم، و نؤمن برسولكم؟
قال عمّار: الحمد للّه الّذي أخرجها من فيك إنّها لي و لأصحابي القبلة و الدّين و عبادة الرحمن و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و الكتاب من دونك و دون أصحابك؛ الحمد للّه الّذي قررّك لنا بذلك دونك و دون أصحابك، و جعلك ضالّا مضلّا لا تعلم هاد أنت أم ضالّ، و جعلك أعمى و ساء خبرك على ما قاتلتك عليه أنت و أصحابك، أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن اقاتل الناكثين و قد فعلت، و أمرني أن اقاتل القاسطين فأينم هم و أمّا المارقين فما أدري ادركهم أم لا؟ «1» أيّها الأبتر أ لست تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله
______________________________
(1) لم يدركهم لانه رضوان اللّه عليه قتل في صفين قتله الفئة الباغية معاوية و أتباعه و قدمنا ترجمة عمار فراجع الى ج 16 من ص 273 الى 299. منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 5
قال لعليّ عليه السّلام: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه و أنا مولى اللّه و رسوله و عليّ بعده و ليس لك مولى.
قال عمرو: لم تشتمني يا أبا اليقظان و لست أشتمك؟
قال عمّار: و بم تشتمني أ تستطيع أن تقول إنّي عصيت اللّه و رسوله يوما قطّ؟.
قال له عمرو: إنّ فيك لمسبات سوى ذلك.
فقال عمّار: إنّ الكريم من أكرمه اللّه: كنت وضيعا فرفعني اللّه، و مملوكا فأعتقني اللّه، و ضعيفا فقوّاني اللّه، و فقيرا فأغناني اللّه.
و قال له عمرو: فما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كلّ سوء قال عمرو: فعليّ قتله، قال عمّار: بل اللّه ربّ علىّ قتله و عليّ معه، قال عمرو:
كنت فيمن قتله من هنا عند ابن عقبة، قال: كنت مع من قتله و أنا اليوم اقاتل معهم، قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال عمّار: أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه، فقال عمرو:
ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان؟ قال عمّار: و قد قالها فرعون قبلك لقومه: ألا تسمعون.
و بالجملة إذا كان قتلة عثمان هذا الجمع العظيم و كان فيهم كبار الصحابة من الأنصار و المهاجرين و مثل عمّار بن ياسر على جلالة شأنه و علوّ مقامه و ثباته في الدّين اعترف بالمشاركة في قتله فكيف يسع أمير المؤمنين عليه السّلام دفعهم إلى معاوية أو إلى غيره أوّلا، و مع فرض تمكّنه من ذلك كيف يسوّغه الشرع قتل جمع عظيم من الأنصار و المهاجرين و كبار التابعين برجل أحدث أحداثا نقمها الناس منه و طعنوا عليه و قتلوه بها ثانيا.
و لعلّ قوله عليه السّلام: «و أمّا ما ذكرت من أمر عثمان فإنّي نظرت في هذا الأمر و ضربت أنفه و عينيه فلم أر دفعهم إليك و لا إلى غيرك» يشير إلى الوجه الأخير خاصّة. و روى أنّ أبا هريرة و أبا الدرداء أتيا معاوية فقالا له: على م تقاتل عليّا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 6
و هو أحقّ بالأمر منك لفضله و سابقته؟
فقال: لست اقاتله لأنّي أفضل منه و لكن ليدفع إليّ قتلة عثمان، فخرجا من عنده و أتيا عليّا عليه السّلام فقالا له: إنّ معاوية يزعم أنّ قتلة عثمان عندك و في عسرك فادفعهم إليه فإن قاتلك بعدها علمنا أنّه ظالم لك.
فقال عليّ عليه السّلام: إنّي لم أحضر قتل عثمان يوم قتل و لكن هل تعرفان من قتله؟.
فقالا: بلغنا أنّ محمّد بن أبي بكر و عمّارا و الأشتر و عديّ بن حاتم و عمرو بن الحمق و فلانا ممّن دخل عليه.
فقال عليّ عليه السّلام: فامضيا إليهم فخذوهم، فأقبلا إلى هؤلاء النفر و قالا لهم:
أنتم من قتل عثمان و قد أمر أمير المؤمنين بأخذكم قال: فوقعت الصيحة في العسكر بهذا الخبر فوثب من عسكر عليّ أكثر من عشرة آلاف رجل في أيديهم السيوف و هم يقولون: كلّنا قتله، فبهت أبو هريرة و أبو الدّرداء ثمّ رجعا إلى معاوية و هما يقولان: لا يتمّ هذا الأمر أبدا فأخبراه بالخبر.
و قد مرّ قريب من هذه الرواية عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم في صدر هذا الشرح قول عليّ عليه السّلام لأبي مسلم الخولاني: اغد عليّ غدا فخذ جواب كتابك- إلى قول نصر: فلبست الشيعة أسلحتها ثمّ غدوا فملأوا المسجد و أخذوا ينادون: كلّنا قتل ابن عفّان.
و في رواية اخرى: لما سئل عليّ عليه السّلام تسليمهم قال و هو على المنبر: ليقم قتلة عثمان، فقام أكثر من عشرة آلاف رجل من المهاجرين و الأنصار و غيرهم.
فكيف يمكن تسليم أكثر من عشرة آلاف رجل جلّهم من حماة الدّين و قواعده إلى من يطلب بدم رجل واحد قتلوه بأحداثه الّتي نقموها منه؟.
قوله عليه السّلام: «و لعمري لئن لم تنزع عن غيّك- إلى قوله: و زور لا يسرك لقيانه» هذا الفصل جواب عن قول معاوية حيث قال في كتابه مخاطبا له عليه السّلام:
«و الّذي لا إله إلّا هو لنطلبنّ قتلة عثمان في الجبال و الرمال و البرّ و البحر حتّى يقتلهم اللّه أو لتلحقن أرواحنا باللّه».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 7
و لمّا كان معاوية شمخ بأنفه و تجاوز عن حدّه و جعل اللّه تعالى عرضة في يمينه و هدّد الأمير و شيعته بقوله الشنيع أجابة الأمير عليه السّلام و أخبره عن عاقبته السؤى بقوله ذلك: أي لعمري قسمي لئن لم تنته و لم تكفّ عن ضلالك و خلافك لتعلمنّ أنّ هؤلاء المسلمين الّذين يجاهدون في سبيل اللّه يطلبونك بعد زمان قليل، و لا يشقون عليك أن تطلبهم في البرّ و البحر و الجبال و الرمال، يعني لا حاجة إلى أن تكلّف نفسك في طلبهم، بل أنّهم يطلبونك، فلا يخفى لطف كلامه و عذوبته في تهديده عليه السّلام معاوية قبال كلامه في تهديده أمير المؤمنين عليه السّلام.
ثمّ هدّده بعاقبة هذا الطلب بقوله: أنّ هذا الطلب يسوءك وجدانه، و زور لا يسرّك لقيانه، و الظاهر أن قوله عليه السّلام: عن قليل يطلبونك، إشارة إلى ما سيوقع في وقعة صفين، و سيأتي نحو قوله هذا كلامه عليه السّلام في آخر الكتاب الثامن و العشرين الّذي كتبه إلى معاوية أيضا جوابا: فسيطلبك من تطلب، و يقرب منك ما تستبعد- إلخ.
قوله عليه السّلام: «و قد كان أبوك أتاني حين ولّى النّاس أبا بكر، إلخ» قال اليعقوبي في التاريخ (ص 105 ج 2 طبع النجف) و كان فيمن تخلّف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب و قال: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم و قال لعليّ بن أبي طالب: امدد يدك ابايعك و على معه قصى فقال:
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم و لا سيّما تيم بن مرّة أو عدي
فما الأمر إلّا فيكم و إليكم و ليس لها إلّا أبو حسن عليّ
ابا حسن فاشدد بها كفّ حازم فاتك بالأمر الذي يرتجى ملى
و إنّ امرأ يرمى قصيّا وراءه عزيزا الحمى و النّاس من غالب قصي
و قال المفيد في الجمل (ص 42 طبع النجف): في الفصل المترجم بقوله:
انكار جماعة بيعة أبي بكر، بعد عدّ عدّة من المنكرين بيعته: و قال أبو سفيان بن حرب بن صخر بأعلى صوته: يا بني هاشم أرضيتم أن يلي عليكم بنو تيم بن مرّة حاكما على العرب و متى طمعت أن تتقدّم بني هاشم في الأمر، انهضوا لدفع هؤلاء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 8
القوم عمّا تمالوا إليه ظلما لكم، أما و اللّه لأن شئتم لأملأنّها عليكم خيلا و رجالا ثمّ قال: بني هاشم، الأبيات.
و قال في الإرشاد (ص 90 طبع طهران 1377): و قد كان جاء أبو سفيان (يعنى بعد ما بدر الطّلقاء بالعقد للرجل) إلى باب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عليّ و العباس متوفّران على النظر في أمره فنادى: بني هاشم لا تطمعوا، الأبيات؛ ثمّ نادى بأعلى صوته: يا بني هاشم يا بني عبد مناف أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل الرّذل ابن الرّذل أما و اللّه لو شئتم لأملأنّها عليهم خيلا و رجلا.
فناداه أمير المؤمنين عليه السّلام: ارجع يا أبا سفيان فواللّه ما تريد بما تقول و ما زلت تكيد الإسلام و أهله و نحن مشاغيل برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و على كلّ امرى ء ما اكتسب و هو وليّ ما احتقب. فانصرف أبو سفيان إلى المسجد فوجد بني امية مجتمعين فحرّضهم على الأمر و لم ينهضوا له. و كانت فتنة عمّت، و بليّة شملت، و أسباب سوء اتّفقت، تمكّن بها الشيطان، و تعاون فيها أهل الإفك و العدوان، فتخاذل في انكارها أهل الايمان و كان ذلك تأويل قول اللّه عزّ و جلّ، «وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً».
خاتمة يذكر فيها مسئلة فقهية:
و هي أنه قد تقدّم في شرح هذا الكتاب (ص 383 ج 17) أنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في يوم احد كانوا يدفنون الاثنين و الثلاثة من القتلى في قبر واحد. و كذلك قد تظافرت الاثار في أنّ ابن سعد لعنة اللّه عليه لما رحل من كربلاء خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى سيّد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين و أصحابه روحي لهم الفداء فصلّوا عليهم و دفنوا الحسين عليه السّلام حيث قبره الان و دفنوا ابنه عليّ بن الحسين عند رجله و حفروا للشهداء من أهل بيته و أصحابه الّذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السّلام و جمعوهم فدفنوهم جميعا معا و دفنوا العبّاس بن عليّ عليهما السّلام في موضعه الّذي قتل فيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الان.
ففيهما دلالة على جواز دفن ميّتين أو أكثر في قبر واحد، أمّا الأوّل فلأنّه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 9
كان في حضرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بل كان باذنه حيث قال صلّى اللّه عليه و اله: انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه في القبر. و قال في الخبر الاخر: المروي عنه صلّى اللّه عليه و اله كما في مدارك الأحكام في شرح شرايع الاسلام: انه قال للأنصار يوم احد:
احفروا و أوسعوا و عمقوا و اجعلوا الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد.
و أمّا الثاني فلأنّ بني أسد كانوا مسلمين بل لعلّهم كانوا مؤمنين فلو لا علمهم بجواز ذلك من الشرع لما فعلوه في المقام، على أنّه لم ينكر عليهم أحد.
و الجواز لا خلاف فيه و إنّما الكلام في أنّ جواز ذلك فيما يقتضيه الضرورة كما هي ظاهر المقامين سيما الثاني، أو أنّ العمل جائز مطلقا، ثمّ لو لا الضرورة أ كان مكروها أو محرّما. و هل يفصّل في المقام بين ما كان الميتان رجلين أو امرأتين و بين ما كانا رجلا و امرأة، و على الثاني بين ما كانا أجنبيّين و غير أجنبيّين و على التقادير كلّها هل يجوز دفن أكثر من واحد في قبر ابتداء أو مطلقا.
فالمنقول عن الشيخ قدّس سرّه في المبسوط: الأولى أن يفرد لكلّ واحد منهم قبر لما روي عنهم عليهم السّلام أنّه لا يدفن في قبر واحد اثنان. و قال فيه: فان دعت الضرورة إلى ذلك جاز أن يجمع اثنان و ثلاثة في قبر واحد كما فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يوم احد. قال: فإذا اجتمع هؤلاء جعل الرجل ممّا يلي القبلة و الصّبيان بعدهم ثمّ الخناثي ثمّ النساء، انتهى.
و في التهذيب: محمّد بن الحسن الصّفّار قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام أ يجوز أن يجعل (نجعل- معا) الميّتين على جنازة واحدة و يصلّى عليهما؟ فوقّع عليه السّلام: لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد.
و رواه في الوسائل هكذا: قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام أ يجوز أن يجعل الميّتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة و قلّة الناس و إن كان الميّتان رجلا و امرأة يحملان على سرير واحد و يصلّى عليهما؟ فوقّع عليه السّلام: لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد.
فيستفاد من الخبر أمران: أحدهما جواز حمل الميّتين الرجلين على جنازة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 10
و ثانيهما عدم جوازه إذا كان أحدهما رجلا و الاخر امرأة حتّى حال الضرورة.
فيحكم على ذلك في دفنهما أيضا على طريق الأولويّة أعني الجواز في الصورة الاولى و عدمه في الثانية.
و قد ذهب بعض العلماء إلى حرمة دفن رجل أجنبيّ و امرأة أجنبيّة في قبر واحد و لعلّه افتى به من ظاهر هذا الخبر و إن كان الخبر أعم شمولا فانّه نهى عن حمل الرّجل و المرأة الميّتين في سرير مطلقا.
كما أنّ الشيخ قدّس سرّه حكم بجعل الرجل ممّا يلي القبلة- إلخ في الدفن من الروايات الواردة في الصلاة على الجنائز المتعدّدة المختلفة الجنس.
و الأصل يقتضى عدم جواز دفن الميّتين في قبر حال الإختيار كما هو المنقول عن ابن سعيد في الجامع و المرسل المذكور في المبسوط ظاهر في عدم الجواز.
اللّهمّ إلّا أن يقال إنّ ادّعاء الضرورة في واقعة احد غير ثابت فاذنه صلّى اللّه عليه و اله دليل على الجواز مطلقا من غير كراهة. لكن العلماء قد ذهبوا إلى القول بالكراهة في حال عدم الضرورة و بعدمها في الضرورة فمع الضرورة تزول الكراهة قطعا.
هذا إذا دفنّا ابتداء و أمّا إذا استلزم دفن ميّت في قبر ميّت آخر بعد دفنه نبشه فحرام لتحريم النبش أوّلا، و لأنّ الأوّل قد ملكه بالحيازة لكن قد يناقش على الأوّل بأنّ الكلام في إباحة الدفن نفسه لا النبش و أحدهما غير الاخر، و على الثاني بعدم ثبوت حقّ الأوّل و في المسألة كلام بعد يطلب في الكتب الفقهيّة و الّذي حريّ أن يقال في المقام: إنّ دفن الميّتين في قبر واحد ابتداء مكروه إذا لم يقتض الضرورة و معها تزول الكراهة. و أمّا دفن ميّت في قبر آخر قبل أن يصير رميما فحرام. و إذا كان الميّتان رجلا و امرأة اجنبيّين فلا يترك الاحتياط في أن يفرد لكلّ واحد منهما قبر.
الترجمة:
أما آنچه در باره عثمان گفتى كه «قطع رحم كردم، و مردم را بر او شورانيدم» تو خود ديده اى كه عثمان در دين چه ها نمود، و با مردم چه ها كرد كه سرانجام كارهاى او سبب قتلش شده، و تو خود دانى كه من در قتل او شريك نبودم و از آن كناره گرفتم و عزلت اختيار كردم؛ مگر اين كه بخواهى افترا بمن زنى و بدروغ نسبت به جنايتم دهى پس هر چه خواهى بكن، و هر چه دلت خواست بگو.
اى عجب از روزگار كه با من قرين شد كسى (يعنى معاويه و خلفاى گذشته) كه در راه دين بپايه من قدم برنداشت و سابقه اش در اسلام چون سابقه من نبود؛ سابقه اى كه كسى نتواند بمثل آن توسّل جويد و دعوى چنان سابقت نمايد مگر كسى ادعا كند آنچه را كه من نشناسمش، و گمان نكنم كه خداى آن را بشناسد (كنايه از اين كه جز آن چه گفته ام وجود ندارد و صرف ادعا است اگر كسى ادعا كند دروغ گفته است) و حمد خداى را بر هر حال.
و أمّا آنچه در باره قاتلان عثمان گفتى و از من طلب كردى كه ايشان را تسليم تو كنم؛ من در اين امر نظر نمودم و نيك آن را زير و رو كردم نديدم كه تسليمشان بتو و بغير تو برايم گنجايش داشته و مقدور باشد.
بجانم- يا بدينم- سوگند اگر از گمرهيت باز نايستى و از دعوى خلافت دست بر ندارى خواهى ديد كه كشندگان عثمان خودشان بطلب تو آيند و زحمتت نمى دهند كه در صحرا و دريا و كوه و دشت ايشان را طلب كنى؛ جز اين كه طلب كردنشان تو را طلبى است كه از آن خوشت نيايد و ديدارشان ديدارى است كه خوشنودت ننمايد (كنايه از اين كه چنان كار را بر تو سخت كنند كه دمار از روزگارت در آورند و زندگى در كام تو تلخ گردد).
اى معاويه هنگامى كه مردم ابو بكر را والى قرار دادند پدرت بو سفيان نزد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 19
من آمد و بمن گفت: «تو بعد از محمّد بخلافت و امارت سزاوارى؛ برخيز و حقّ خود بستان و اگر كسى با تو مخالفت كند من كفالت و حمايتت نمايم، اكنون دست دراز كن تا با تو بيعت كنم» ولى من نپذيرفتم.
و تو دانى كه اين سخن را پدرت بمن گفت و از من خواست؛ ولى من بودم كه قبول نكردم از بيم اين كه مبادا تفرقه ميان مسلمانان چون قريب العهد بكفر بودند رخ دهد. پس پدرت بحقّ من از تو آشناتر بود و تو اگر چون پدرت حقّ مرا شناسى راه راست را يافته اى و گرنه خداوند ما را كفايت كند و از تو بى نياز گرداند. درود بر آنكه سزاوار آنست.