و قد دعوت إلى الحرب فدع النّاس جانبا و أخرج إلىّ و أعف الفريقين من القتال ليعلم أيّنا المرين على قلبه، و المغطّى على بصره فأنا أبو حسن قاتل جدّك و خالك و أخيك شدخا يوم بدر و ذلك السّيف معى و بذلك القلب ألقى عدوّي. ما استبدلت دينا، و لا استحدثت نبيّا و إنّى لعلى المنهاج الّذي تركتموه طائعين و دخلتم فيه مكرهين.
اللغه:
«أعف» أمر من الإعفاء، و في بعض النسخ مشكول بضمّ الفاء و همزة الوصل و لكنّه و هم و الصواب الأوّل يقال: أعفاه من الأمر أي برّاه منه. و في الصحاح:
يقال: أعفني من الخروج معك أي دعني منه؛ و استعفاه من الخروج معه أي سأله الاعفاء.
«المرين» اسم مفعول من ران كالمدين من دان، و في النهاية الأثيرية: يقال: رين بالرجل رينا إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه، و أصل الرين: الطبع و التغطية و منه قوله تعالى: «كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ» (المطفّفين- 15) أي طبع و ختم، و منه حديث عليّ عليه السّلام: لتعلم أيّنا المرين على قلبه و المغطّى على بصره؛ و المرين المفعول به الرين؛ و منه حديث مجاهد في قوله تعالى: «وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ» (البقرة- 77) قال: هو الرّان، و الرّان و الرّين سواء كالذام و الذيم، و العاب و العيب. انتهى كلامه.
و لا يخفى عليك أنّ ابن الأثير أشار بقوله: «و منه حديث عليّ عليه السّلام لتعلم أيّنا المرين على قلبه و المغطّى على بصره» إلى هذه الفقرة من ذلك الكتاب الذي نحن بصدد شرحه و ابن الأثير هذا هو مبارك بن أبي الكرام أثير الدّين محمّد الجزريّ توفي بموصل سنة 606 من الهجرة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 26
و في الصحاح للجوهريّ: الرّين الطبع و الدنس، يقال: ران على قلبه ذنبه يرين رينا و ريونا أي غلب. و قال أبو عبيدة في قوله تعالى: «كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» أي غلب. و قال الحسن، هو الذّنب على الذّنب حتّى يسوادّ القلب. و قال أبو عبيدة: كلّ ما غلبك فقد ران و رانك و ران عليك. و قال أبو زيد:
يقال: رين بالرّجل إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه و لا قبل له به، و ران النعاس في العين و رانت الخمر عليه غلبته. و قال القنانيّ الأعرابيّ: رين به أي انقطع به و رانت نفسه ترين رينا أي خبثت و غثّت. انتهى قول الجوهريّ.
«شدخا» قال الجوهريّ في الصحاح: الشد خ كسر الشيء الأجوف، تقول: شدخت رأسه- من باب منع- فانشدخ، و شدّخت الرّؤوس شدّد للكثرة. انتهى.
«المنهاج» كالمعراج: الطريق الواضح.
الاعراب:
و قد دعوت؛ المفعول محذوف أي و قد دعوتني أو دعوتنا.
«جانبا» منصوب على الظرفية لقوله دع، و اللّام في «ليعلم» جارّة للتعليل و الفعل المدخول بها مأوّل بأن المصدرية مضمرة إلى المصدر المجرور باللام، و المعلل الأفعال الثلاثة أعني دع و أخويه التاليين له.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 28
«قاتل جدّك» إمّا خبر بعد خبر للضمير أنا، أو صفة لأبي حسن نحو قوله تعالى: «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» في كونه صفة «لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».
«شدخا» تميز يبيّن ابهام النسبة في قوله عليه السّلام أنا قاتل جدّك. «ما استبدلت دينا» المبدل منه محذوف أي ما استبدلت دينا بديني.
المعنى:
قوله عليه السّلام: «و قد دعوت إلى الحرب- إلى قوله: و المغطّى على بصره» أي قد دعوتنا إلى الحرب؛ و قد قدّمنا في شرح المختار 236 من باب الخطب أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام نادى يا معاوية علام يقتل النّاس بيني و بينك؟ هلمّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 52
احاكمك إلى اللّه فأيّنا قتل صاحبه استقامت له الامور. و قد ذكرنا شعر المتنبّي و حكاية سيف الدولة مع الأخشيد المناسبة للمقام فراجع إلى ص 316 ج 15.
و أفاد الشارخ المعتزلي في المقام بقوله: و إنّما قال أمير المؤمنين عليه السّلام هذه الكلمة- يعني: أيّنا المرين على قلبه و المغطّى على بصره- لأنّ معاوية قالها في رسالة كتبها و وقفت عليها من كتاب أبي العبّاس يعقوب بن أبي أحمد الصيمري الّذي جمعه في كلام عليّ عليه السّلام و خطبه و أوّلها أمّا بعد فانّك المطبوع على قلبك المغطّي على بصرك، الشرّ من شيمتك، و العتوّ من خليفتك، فشمّر للحرب، و اصبر للضرب فو اللّه ليرجعنّ الأمر إلى ما علمت و العاقبة للمتقين؛ هيهات هيهات إحظاءك ما تمنّى و هوى قلبك فيما هوى؛ فاربع على ظلعك و قس شبرك بفترك تعلم أين حالك من حال من تزن الجبال حلمه و يفصل بين أهل الشكّ علمه و السلام.
فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السّلام: أمّا بعد يا ابن صخر، يا ابن اللّعين؛ يزن الجبال فيما زعمت حلمك و يفصل بين أهل الشك علمك و أنت الجاهل القليل الفقه، المتفاوت العقل، الشارد عن الدّين، و قلت: فشمّر للحرب و اصبر فإن كنت صادقا فيما تزعم و يعينك عليه ابن النابغة، فدع النّاس جانبا و اعف الفريقين من القتال و ابرز إلىّ لتعلم أيّنا المرين على قلبه، المغطّي على بصره. فأنا أبو الحسن حقا قاتل أخيك و خالك و جدّك شدخا يوم بدر و ذلك السيف معي و بذلك القلب ألقى عدوّي.
كنايه قوله عليه السّلام: «فأنا أبو حسن» كان يعرف و يكنّى عليه السّلام بأبي حسن و من الأمثال السائرة من صدر الاسلام إلى الان قولهم: قضيّة لا أبا حسن فيها. و لم يأت بالألف و الّلام في ابنه رعاية للتواضع. و هضم النفس لا استصغارا لابنه عليه السّلام نعوذ باللّه لأنّ حرف التعريف يدلّ على التعظيم و التجليل فما كان يعجبه عليه السّلام ادخاله على اسم ابنه، و إن كان الأعداء يذكرونه بلا حرف التعريف احتقارا فقد قال الشيخ الأجلّ أبو الفتح الكراجكي المتوفّى سنة 449 ه في كتابه المترجم بكتاب التعجّب (ص 44 طبع ايران 1322 ه):
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 53
و من عجيب أمرهم و ظاهر بغضهم لأهل البيت عليهم السّلام انّهم إذا ذكروا الإمام الحسن بن عليّ عليه السّلام الّذي هو ولد رسول اللّه و ريحانته و قرّة عينه و الّذي نحله الإمامة و شهد له بالجنّة حذف من اسمه الألف و اللّام و يقال حسن بن عليّ و لأولاده أولاد حسن استصغارا و احتقارا لذكره، ثمّ يقولون مع ذلك: الحسن البصري فيثبتون في اسمه الألف و اللّام إجلالا له و إعظاما و تفخيما لذكره و إكراما و ذلك أنّ هذا البصري كان متجاوزا عن ولاية أهل البيت عليهم السّلام و هو القائل في عثمان قتله الكفّار و خذله المنافقون و لم يكن في المدينة يوم قتله إلّا قاتل و خاذل فنسب جميع المهاجرين و الأنصار إلى الكفر و النفاق، و تخلّف عن الامام الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام ثمّ خرج مع قتيبة بن مسلم في جند الحجّاج إلى خراسان.
قوله عليه السّلام: «قاتل جدّك و خالك و أخيك شدخا يوم بدر و ذلك السيف معي و بذلك القلب ألقى عدوّي» و قد تكرر هذا الكلام منه عليه السّلام في عدّة كتبه إلى معاوية: فقد يأتي في آخر المختار 28 من هذا الباب قوله عليه السّلام: قد صحبتهم ذرّية بدريّة و سيوف هاشميّة قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدّك و أهلك «وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ»؛ و في المختار 64 من هذا الباب أيضا قوله عليه السّلام: و عندي السّيف الذي أعضضته بجدّك و خالك و أخيك في مقام واحد.
و جدّه هذا هو جدّه لامّه هند عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فانّ عتبة كان أبا هند و خاله هو الوليد بن عتبة، و أخوه هو حنظله بن أبي سفيان و قد مضى كلام عبد اللّه ابن بديل رحمه اللّه تعالى في صدر شرح هذا الكتاب: فكيف يبايع معاوية عليّا و قد قتل أخاه حنظلة و خاله الوليد و جدّه عتبة في موقف واحد.
قوله عليه السّلام: «و دخلتم فيه مكرهين» قد مضى كلام أبي اليقظان عمّار رحمه اللّه في معاوية و أتباعه أنّهم ما أسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر حتّى وجدوا عليه أعوانا، و كذا كلام غير واحد من الصحابة و من تثنى عليهم الخناصر فيهم في شرح المختار 236 من باب الخطب فراجع إلى ص 370 ج 15.
أقول: كلام أبي اليقظان مأخوذ من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام كما يأتي في
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 54
المختار 16 من هذا الباب: فوالّذي فلق الحبّة و برأ النسمة ما أسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر فلما وجدوا أعوانا عليه أظهروه.
الترجمة:
ما را بجنگ خوانده اى؛ اگر راست گوئى مردم را به يك سوى نه و هر دو سپاه را از آن معاف دار و تنها با من در آى تا دانسته شود كدام يك از ما زنگ بر دلش زده و پرده هوس بر چشمش افكنده شد، كه منم آن أبو حسنى كه در جنگ بدر نيا و خالوى و برادرت را سر كوفتم و هر يك را طعمه شمشير كرده ام، همان شمشير با من است و با همان دل بدشمن رو كنم. نه دينم را به دينى تبديل كرده ام، و نه پيغمبرى از نو گرفته ام، و من بر همان راه روشنم كه شما باختيار تركش گفته ايد و باكراه بدان در آمديد.