فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة؛ فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلّا بإذنه فإنّ أكثرها له فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلّط عليه و لا عنيف به. و لا تنفّرنّ بهيمة و لا تفزّعنّها (و لا تفزّعنّها- معا) و لا تسوءنّ صاحبها فيها. و اصدع المال صدعين ثمّ خيّره، فإذا اختار فلا تعرضنّ لما اختاره. ثمّ اصدع الباقي صدعين ثمّ خيّره، فإذا اختار فلا تعرضنّ لما اختار، فلا تزال بذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله؛ فاقبض حقّ اللّه منه فإن استقالك فأقله، ثمّ اخلطها (اخلطهما- نسخة) ثمّ اصنع مثل الّذي صنعت أوّلا حتّى تأخذ حقّ اللّه في ماله. و لا تأخذنّ عودا، و لا هرمة، و لا مكسورة، و لا مهلوسة ذات عوار،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 383
اللغة:
(الماشية) جمعها المواشي و هي اسم يقع على الإبل و البقر و الغنم و أكثر ما يستعمل في الغنم، قاله في النهاية.
(عنيف به) العنف بالضمّ فالسكون- ضدّ الرفق تقول: منه عنف عليه بالضمّ و عنف به أيضا، و العنيف الّذي ليس له رفق بركوب الخيل و الجمع عنف، قاله في الصحاح.
و في النهاية: في الحديث إنّ اللّه يعطي على الرفق ما لا يعطى على العنف هو بالضمّ: الشدّة و المشقّة و كلّ ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشرّ مثله.
(تنفّرن) نفرت الدابّة من كذا نفورا و نفارا من بابى نصر و ضرب: جزعت و تباعدت فهي نافر و نفور و نفّره جعله نافرا.
(لا تفز عنّها) أصلها من الفزع بمعنى الذّعر، و رويت في نسخة الرّضي على وجهين بضمّ التاء و كسر الزاء من الإفزاع و بضمّ التاء و فتح الفاء و كسر الزاء المشدّدة من التفزيع، و الإفزاع بمعنى الإخافة و الاغاثة من الأضداد و كذلك التفزيع، يقال: فزّعه أي أخافه، و فزّع عنه أي- كشف عنه الخوف، و منه قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ أي كشف عنها الفزع، قاله في الصحاح.
(و اصدع) الصدع: الشقّ، (استقالك) الاستقالة طلب الإقالة أصلها من ق ى ل، يقال: أقاله يقيله إقالة و تقايلا إذا فسخا البيع و عاد المبيع إلى مالكه و الثمن إلى المشتري إذا كان قد ندم أحدهما أو كلاهما.
(عودا) بفتح العين المهملة و سكون الواو، قال في الصحاح: العود: المسنّ من الإبل و هو الّذي جاوز في السنّ البازل و المخلف، و جمعه عودة، و قد عوّد البعير، و في المثل: إن جرجر العود فزده و قرا، و الناقة عودة، و يقال: راحم بعود أودع أي استعن على حربك بأهل السنّ و المعرفة فإنّ رأى الشيخ خير من مشهد الغلام، انتهى.
(هرمة) مؤنثة هرم من الهرم بالتسكين بمعنى كبر السنّ.
(مهلوسة) الهلاس بالضمّ السّلّ و قد هلسه المرض يهلسه هلسا أي أضعفه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 384
و رجل مهلوس العقل أي مسلوبه، و يقال: السلاس في العقل و الهلاس في البدن.
(عوار) قال في النهاية في حديث الزكاة: «لا يؤخذ في الصدقة هرمة و لا ذات عوار» العوار بالفتح: العيب و قد يضمّ.
الاعراب:
(صدعين) مفعول مطلق عدديّ (بذلك) في أكثر النسخ: كذلك، و ما في المتن مطابق لنسخة الرّضي.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 9
المعنی:
قوله عليه السّلام: (فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة) يمكن أن يستفاد من هذا الكلام جواز إخراج الزكاة من قيمة الأنعام ذهبا و ورقا كما يستفاد منه جواز إخراج قيمة الغلات كذلك بل أيّ شيء كانت القيمة لأنّ ذكر قيمة خاصّة لا يخصّها بها كما لا يخفى، و المقصود من الزكاة دفع حاجة الفقير و كما يحصل بدفع العين فكذا يحصل بدفع القيمة حتّى أنّ العلّامة قال في المنتهى: إذا كان البعير بقيمة الشاة فأخرجه أجزأ عندنا و عند الشافعى أما نحن فللمساواة في القيمة إلخ و قال في البحث السابع من المقصد الثّاني من زكاة المنتهى: يجوز إخراج القيمة في الزكاة سواء كان ما وجبت الزكاة فيه ذهبا أو فضة أو أحد الحيوانات و هو اختيار الشّيخ رحمه اللّه و أكثر علمائنا انتهى. و قال في القواعد: يجوز إخراج القيمة في الأصناف التسعة و العين أفضل.
و قد قسم المفيد رحمه اللّه كما في المختلف للعلامة قدّس سرّه الأموال إلى الأنعام و غيرها و منع من إخراج القيمة في الأوّل إلّا أن تعدم الأصناف المخصوصة كما في المعتبر للمحقّق قدّس سرّه، و سوّغه في الثّانى فإنّه الظاهر من كلام ابن الجنيد فانه قال: و لا بأس بأن يخرج عن الواجب من الصدقة و الحقّ في أرض العنوة ذهبا و ورقا بقيمة الواجب يوم أخذه. و يردّهما قوله عليه السّلام هذا، و اطلاق روايات اخرى مذكورة في محلّها.
بل يستفاد من اطلاقها جواز إخراج القيمة في الزكوات كلّها و في الفطرة أىّ شيء كانت القيمة. و قال الشافعي و أصحابه: إخراج القيمة في الزكاة لا يجوز و إنما يخرج المنصوص عليه و لفقهاء العامّة في المقام وجوه اخرى من الاختلاف فراجع إلى المسألة 58 من زكاة خلاف الشّيخ.
ثمّ إنّ قوله عليه السّلام فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، يفيد جواز الإخراج من القيمة فهل يعتبر قيمة وقت تعلق الزكاة بالمال، أو قيمة يوم أخذها، أو يقيد ذلك بما إذا لم يقوم المالك الزكاة على نفسه، و لوقومها على نفسه و ضمن القيمة فالواجب هو ما ضمنه زاد السوق قبل الإخراج أو انخفض و البحث مشبعا موكول إلى الفقه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 10
و لقائل أن يقول: إنّ قوله عليه السّلام: فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلّا باذنه- إلخ، ظاهر في أنّه جعل زكاة الأنعام مقابل غيرها من الزكوات فجوّز إخراج القيمة في الأولى دون الثانية و لم يشعر كلامه في الثانية إلى جواز إخراج القيمة أصلا بل يظهر منه خلافه كما ذهب إليه المفيد- ره- و غيره.
و لكن يجاب عنه بأنّ إطلاق قوله عليه السّلام فهل للّه في أموالكم من حقّ، يشمل القسمين كليهما و كذلك إطلاق قوله: فخذ ما أعطاك من ذهب و فضة، و قوله: فإن كان له ماشية أو إبل- إلخ- يفسّر أحد القسمين أعنى زكاة الأنعام كما هو الظاهر من كلمة الفاء على هذا التقدير أى إن أعطاك زكاة الأنعام من جنسها من المواشي و الإبل فحكمها كذلك و يجب أن تكون سيرتك فيها كذلك فليتأمل جيّدا.
ثمّ إنّ الماشية و الإبل تعمّ أنواعهما من معز و ضأن و بقر و جاموس و عراب و بخاتى و لا تشمل الماشية البغال و الحمير و الرقيق و الخيل فلا يجب فيها الزكاة بل و لا يستحب في الثلاثة الاول و انما يستحب في إناث الخيل السّائمة فقط عن كلّ عتيق ديناران و عن كلّ برذون دينار واحد. و كذا لا تشمل بقر الوحش لأنّها تنصرف باطلاقها إلى الأهليّة، و خالف فيه بعض العامّة فراجع إلى المسألة 62 من زكاة الخلاف، و إلى زكاة المنتهى.
قوله عليه السّلام: (فإنّ أكثرها له إلخ) علّل إذنه بأنّ أكثر الماشية و الإبل له. و أفاد الفاضل الشارح المعتزلي بأنّ قوله: فأنّ أكثرها له، كلام لا مزيد عليه في الفصاحة و الرياسة و الدين و ذلك لأنّ الصدقة المستحقة جزء يسير من النّصاب و الشريك إذا كان له الأكثر حرم عليه أن يدخل و يتصرّف إلّا باذن شريكه فكيف إذا كان له الأقلّ، انتهى.
أقول: كلام الأمير عليه السّلام هذا ظاهر في أنّ الزكاة تجب في عين المال لا الذمّة، كما أنّ قوله عليه السّلام: و اصدع المال صدعين ثمّ خيّره- إلخ- ظاهر أيضا في أنّ الخيار إلى ربّ المال لا إلى السّاعى أعنى أنّ ربّ المال مخيّر في أن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 11
يعيّن ذلك في أىّ جزء شاء كما ذهب إليهما شيخ الطائفة قدّس سرّه في زكاة الخلاف (مسئلة 28) و نصّ بالأوّل العلّامة في القواعد و المحقّق في الشرائع و المعتبر بقولهما: الزّكاة تجب في العين لا في الذمّة و الروايات الاخرى صريحة أيضا بأنّ الفريضة تتعلق بالأعيان لا بالذمّة و الأصل براءة الذمّة. و هو المشهور من الإماميّة بل لم ينقل الخلاف فيه صريحا عن أحد منهم بل ادّعى غير واحد منهم الاجماع عليه.
ثمّ المراد بوجوبها في العين تعلقها بها أعنى أنّ العين هى مورد هذا الحقّ لا الذّمة، لا وجوب إخراج الزكاة منها لما علمت آنفا من جواز إخراج القيمة في الزّكوات كلّها. و في المقام بحث فقهىّ أتى به صاحب الجواهر- ره- في زكاة الجواهر، و الفقيه الهمدانى- ره- في كتاب الزّكاة من مصباح الفقيه. أعرضنا عنه خوفا للإطناب و لخروجه عن موضوع الكتاب فليرجع الطالب إليهما.
قوله عليه السّلام: (و اصدع المال صدعين إلخ) ثمّ علّم السّاعى كيفية استخراج الزّكاة من المال و أمره أن يفرّقها فرقتين و يخيّر ربّ المال في اختيار إحدى الفرقتين و أن لا يتعرّض لما اختار و هكذا إلى أن يبقى منها مقدار حقّ اللّه فيها. ثمّ أمره بتسهيل الأمر له و عدم تشديده عليه بقوله (فان استقالك فأقله) ثمّ أمره أن يستأنف العمل رأسا بعد الاقالة بأن يخلط المال ثمّ يصدعه صدعين و يخيّره في اختيار أىّ شقين شاء، ثمّ يقسّم الشق الباقي قسمين و هكذا إلى أن ينتهى أحد الصدعين إلى مقدار الواجب من حقّ اللّه فيقبض.
قال الشّيخ- ره- في المسألة 21 من زكاة الخلاف: يفرق المال فرفتين و يخيّر ربّ المال و يفرق الاخر كذلك و يخيّر ربّ المال إلى أن يبقى مقدار ما فيه كمال ما يجب عليه فيؤخذ منه، و قال عمر بن الخطّاب: يفرق المال ثلاث فرق يختار ربّ المال واحدة منها و يختار السّاعى الفريضة من الاخرى، و قال الشافعى: لا يفرق المال ذكر ذلك في القديم، دليلنا اجماع الفرقة و الخبر المروي عن أمير المؤمنين عليه الصّلاة و السّلام فيما قاله لعامله عند توليته إياه و وصّاه به و هو معروف. انتهى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 12
ثمّ إنّ إطلاق كلامه عليه السّلام في خيار ربّ المال في إخراج الفريضة من أىّ صدعين شاء يقتضى عدم الفرق في جواز الاخراج من أحد الصدعين بين ما إذا تساوت قيمتهما أو اختلفت و بهذا التعميم جزم غير واحد من الإمامية منهم العلّامة في جملة من كتبه كما حكي و المحقّق في المعتبر و الشرائع حيث قال فيه: و المالك بالخيار في إخراج الفريضة من أىّ الصّنفين شاء. و قال صاحب المدارك: و هو متّجه لصدق الامتثال بإخراج مسمّى الفريضة و انتفاء ما يدلّ على اعتبار ملاحظة القيمة مطلقا كما اعترف به الأصحاب في النوع المتّحد. انتهى.
ثمّ يستفاد من كلامه عليه السّلام: و اصدع المال صدعين، إلخ فرع فقهى آخر كما ذكره العلّامة في المنتهى (ص 481) في زكاة الإبل و استشهد بهذا الكلام حيث قال: لو اجتمع في مال ما يمكن إخراج الفريضتين كا المأتين يعنى المأتين من الإبل يتخيّر المالك ذهب إليه علماؤنا إن شاء أخرج الحقاق الأربع، و إن شاء أخرج خمس بنات لبون- ثمّ نقل أقوال العامّة فيه إلى أن قال: لنا ما رواه الجمهور في قول النّبي عليه السّلام في كتاب الصدقات: فإذا كانت مأتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أىّ الصّنفين وجدت أخذت. و قوله عليه السّلام لمعاذ: إياك و كرائم أموالهم. و من طريق الخاصّة ما رواه الشّيخ في الحسن عن بريد بن معاوية قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: بعث أمير المؤمنين عليه السّلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها- فنقل الرّواية بكمالها ثمّ قال بعده: و لأنّ الامتثال يحصل مع إخراج المالك أىّ النّصفين شاء فيخرج به عن العهدة، و لأنّها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك للمالك- إلخ.
قوله عليه السّلام: (و لا تأخذنّ عودا إلخ) ثمّ نهى عليه السّلام السّاعى عن أن يأخذ في الفريضة تلك المعيبات الخمس. قد علمت في بيان اللّغة أنّ العود المسنّ من الإبل و هو الّذي جاوز في السنّ البازل و المخلف. و الهرم هو كبر السنّ. و في منتهى الأرب: يقال: جمل بازل و ناقة بازل- و اين در سال نهم باشد- و ليس بعده سنّ يسمّي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 13
و يقال بعد ذلك بازل عام و بازل عامين. مخلف كمحسن: شتر كه از نه سالگى در گذشته باشد. عود: كلانسال از شتر و كوسپند، هرم ككتف: نيك پير خرف.
قال العلّامة قدّس سرّه في زكاة المنتهى (ص 485 ج 1): مسئلة و لا يؤخذ المريضة من الصحاح و لا الهرمة من غيرها و لا الهرمة الكبيرة و لا ذات العوار من السليم و ذات العوار هي المعيبة و لا نعلم فيه خلافا قال اللّه تعالى: «وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ». و روى الجمهور عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: و لا يؤخذ في الصدقة هرمة و لا ذات عوار و لا تيس إلا أن يشاء المصدّق. و من طريق الخاصّة ما رواه الشّيخ في الصّحيح عن محمّد بن قيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: و لا يؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق، و لأنّ في ذلك ضررا للفقراء. انتهى.
أقول: قوله- ره-: و لا الهرمة من غيرها و لا الهرمة الكبيرة يشير إلى قوله عليه السّلام: و لا تأخذن عودا و لا هرمة. و المشهور في المصدّق بكسر الدّال و ذكره الخطائي بفتحها، قال: و كان أبو عبيد يرويه إلّا أن يشاء المصدّق بفتح الدّال يريد صاحب الماشية، أفاده ابن الأثير في النهاية، و الطريحى في المجمع و النّراقي قدّس سرّه في المستند ثمّ قال: و احتمله- يعنى فتح الدّال- في الذّخيرة.
أقول: لكن الصّواب هو الأوّل كما عليه المشهور فإنّ المراد من قول النّبي صلّى اللّه عليه و آله و صحيحي أبي بصير و محمّد بن قيس إلّا أن يشاء المصدّق أنّ تلك المعيبات لا يؤخذ في الفريضة إلّا أن يقبلها المصدّق لأنّ العاملين على الزكاة من الأصناف الثمانية من مستحقي الزّكاة قال اللّه تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (التوبة: 61) فهو يكون مستحقّا للزّكاة فيعطيها بدل الصّحيح من الماشية و الإبل و ليس في ذلك ضرر للفقراء فالرّوايات قائلة بجواز أخذ تلك المعيبات مع مشيّة المصدّق بمعنى قبوله إيّاها له، و كيف يصحّ حمل الرّواية على معنى إلّا أن يشاء صاحب الماشية مع أنّ قوله في ذلك لا يسمع و الأصحاب صرّحوا من غير ذكر خلاف بل ادّعوا الاجماع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 14
عليه أنّه لا يكفي في الفريضة المريضة من الصحاح و الهرمة من الفتيات و ذات العوار من السليمة مضافا إلى قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» (البقرة: 272).
على أنّ إطلاق المصدّق بالكسر على السّاعى الّذي يأخذ الفريضة ممّا أجمعت عليه أئمّة اللّغة و عامّة الرواة. و قال ابن الأثير في النهاية: و خالف أبا عبيد عامّة الرواة فقالوا: بكسر الدّال و هو عامل الزّكاة الّذي يستو فيها من أربابها يقال: صدّقهم يصدّقهم فهو مصدّق.
و في الكافي في باب آداب المصدّق باسناده عن محمّد بن خالد أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّدقة، فقال: إنّ ذلك لا يقبل منك، فقال: إنّى أحمل ذلك في مالي فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: مر مصدّقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء. الحديث.
و في ذلك الباب منه أيضا باسناده عن حريز، عن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل أ يجمع الناس للمصدّق أم يأتيهم على مناهلهم؟ قال: لا بل يأتيهم على مناهلهم فيصدّقهم.
و فيه أيضا باسناده عن غياث بن ابراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عليهما السّلام قال: كان عليّ عليه السّلام إذا بعث مصدّقه قال: إذا أتيت على ربّ المال فقل له: تصدّق رحمك اللّه ممّا أعطاك اللّه، فان ولي عنك فلا تراجعه.
و قال الجوهرى في الصحاح: المصدّق الّذى يصدّقك فى حديثك و الّذى يأخذ صدقات الغنم، و المتصدّق الّذى يعطى الصّدقة. و فى أساس البلاغة للزمخشرى: أخذ المصدّق الفريضة، قال:
ودّ المصدّق من بنى عبر أنّ القبائل كلّها غنم
و فى منتهى الأرب: تصديق: راستگو داشتن كسيرا و صدقات گرفتن مصدّق كمحدّث صدقات گيرنده نعتست از آن.
فبما قدّمنا علم أيضا أنّ ضبط المصدّق في الرواية كما ذهب إليه أبو موسى على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 15
ما فى النهاية الأثيريّة على تشديد الصاد و الدال معا و كسر الدّال بمعنى صاحب المال و أصله المتصدق فادغمت التاء في الصاد، ليس بصواب أيضا.
قال قطب الدّين الراوندي رحمه اللّه تعالى- على ما نقله عنه الشارح البحريني- ره-: الظاهر من كلامه عليه السّلام أنه كان يأمر باخراج كلّ واحد من هذه الأصناف المعيبة من المال قبل أن يصدع بصدعين. انتهى.
و قال الشارح المعتزلي: و ينبغي أن يكون المعيبات الخمس و هى المهلوسة و المكسورة و أخواتهما يخرجها المصدّق من أصل المال قبل قسمته و الّا فربّما وقعت في سهم المصدّق إذا كان يعتمد ما أمره به من صدع المال مرّة بعد مرّة. انتهى.
أقول: إذا كان أخذ تلك المعيبات في الفريضة منهيا عنه فهي خارجة عن الفريضة رأسا سواء اخرجت قبل صدع المال أو بعده نعم إخراجها قبل الصدع تسهيل للأمر و إلّا فليس هو أحد الأحكام أو الاداب المعتبرة في الزكاة كما لم يتعرض عليها أحد من الفقهاء في الكتب الفقهية.
ثمّ إنّ للامام أن يستأجر الساعى بأجرة معلومة مدة معلومة و أن يجعل له جعالة على عمله إذا أوفى العمل دفع إليه العوض فلم يكن له فى هذا الوجه أخذ شيء من الصدقات، و أمّا في غير هذا الوجه فربما لم تقع الفريضة فى سهمه بل تقع فى سهم الفقراء فلو يخلو في كلام الشارح المعتزلي و إلّا فربّما وقعت في سهم المصدّق من دغدغة لأنّ كلامه ينبىء أنّ النهى عن أخذ المعيبات الخمس في الفريضة يكون من حيث وقوعها في سهم المصدّق و قد علمت تحقيق القول فيه.
ثمّ إنه هل يجوز للهاشمي أن يكون عاملا؟ منع أصحابنا الاماميّة من ذلك لأنّ ما يأخذه زكاة و هي محرّمة عليهم و لمّا سأل الفضل بن العباس و المطّلب ابن ربيعة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يولّيهما العمالة قال لهما: الصدقة أوساخ الناس و انها لا تحلّ لمحمّد و آل محمّد، كما في المنتهى، و في صحيحة العيس بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسألوه أن يستعملهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 16
على صدقات المواشي و قالوا: يكون لنا هذا السهم الّذي جعله اللّه عزّ و جلّ للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا بني عبد المطّلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم و لكن قد وعدت الشفاعة. و قال الشيخ قدّس سرّه: هذا مع تمكّنهم من الخمس أمّا مع قصورهم فيجوز لهم.
أقول: مرادهم من عدم جواز كون الهاشمى عاملا إذا لم يكن الزكاة من الهاشميّين لأنّ زكاة غير الهاشميّين محرّمة على بني هاشم لا مطلق الزكاة، كما في زكاة الفطرة.
قال العلّامة في المنتهى: قد وقع الخلاف بين الفقهاء في وجه استحقاق العاملين على الزكاة، فعندنا أنه يستحق نصيبا من الزكاة، و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: يعطى عوضا و أجرة لا زكاة.
لنا: قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها» و العطف بالواو يقتضى التسوية في المعنى و الاعراب و ما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ اللّه تعالى لم يرض في قسمتها نبيّ مرسل و لا ملك مقرّب حتّى قسّمها بنفسه فجزّاها ثمانية أجزاء، و من طريق الخاصّة ما رواه زرارة و محمّد بن مسلم في الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قالا: قلنا له: أرأيت قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ» الاية أ كلّ هولاء يعطي؟ فقال: إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا، و عن سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة لمن يصلح أن يأخذها؟ قال: هي تحلّ للّذين وصف اللّه تعالى في كتابه: للفقراء و المساكين إلى آخرها. و لأنّه لو استحقّها على سبيل الاجرة لافتقر إلى تقدير العمل أو المدّة و تعيين الاجرة و ذلك منفيّ إجماعا لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام بعده لم يعينوا شيئا من ذلك. و لأنّه لو كان اجرة لما منع منها الهاشمى.
احتجّ أبو حنيفة بأنّه لا يعطي إلّا مع العمل و لو فرّقها المالك أو الإمام لم يكن له نصيب، و لأنّه يأخذها مع الغنى و الصدقة لا تحلّ لغنى. و الجواب كونهم لا يأخذون إلّا مع العمل لا ينافي استحقاقهم منها و نحن ندفعها إليهم على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 17
وجه استحقاقهم لها بشرط العمل لأنها عوض عن عملهم لعدم اعتبار التقدير و إعطاؤه لا ينافي غناه لأنّه يأخذها باعتبار عمله لا باعتبار فقره كما يعطى ابن السبيل مع غنائه في بلده و يدخل في العاملين الكاتب و القسّام و الحاسب و الحافظ و العريف أمّا الإمام و القاضى و نائب الامام فلا. انتهى.
ثمّ إنّ النهي عن أخذ المعيبات منصرف عمّا إذا كان النصاب كلّه كذلك فلو كان كلّه كذلك لم يكلّف شراء الصحيح، على أنّ قوله تعالى «منه» في الاية يدلّ على أنّ الخبيث بعض المال، و كذا الظاهر من قوله تعالى «وَ لا تَيَمَّمُوا» فانّ القصد إلى الخبيث ظاهر في وجود غيره أيضا، كما أنّ المرجع في صدق الأصناف المعيبة إلى العرف فانّ صدق المعيب على مثل العرج القليل أو مقطوع الاذن أو القرن و نحوها بحيث يشملها النهى في الاية و في قوله عليه السّلام و في الأخبار الاخرى مشكل بل خلافه ظاهر أو متعيّن.
الترجمة:
آنچه كه از طلا و نقره بتو داده بگير، اگر او را گاو و گوسفند و شتر است بدون اذنش داخل در آنها مشو زيرا بيشتر آنها مال او است و هر گاه با اذن او بر سر آنها رفتى چون كسى كه بر آنها تسلط دارد و درشت كردار است مرو، و حيوانى را مرمان و مترسان و صاحبش را در حق آن مرنجان.
و مال را بدو بخش كن و صاحبش را مخيّر كن تا هر كدام بخش را كه خواهد اختيار كند و چون اختيار كرد متعرض آنچه را كه اختيار كرده است مشو، دوباره آن باقى را بدو قسم كن باز او را مخيّر كن تا هر كدام قسم را كه خواهد اختيار كند و چون اختيار كرده متعرض آنچه را كه اختيار كرده است مشو و همچنين پيوسته اين كار را ميكنى تا آن قدر بماند كه وفا كند بحق خدا در مال او، پس حق خدا را از او مى گيرى پس اگر خواهش فسخ كرده بپذير و دوباره آنها را درهم آميز، سپس آن چنان كن كه در اوّل كردى تا حق خدا را در مال او بگيرى. و نگير شتر پير را و نه كهن سال را و نه شكسته را و نه سل دار يا بمرض از پاى در افتاده را و نه عيبناك را.