منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 254
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الخامسة من المختار فى باب الخطب و شرحها في ضمن فصلين، و صدرها مروية في الكافي باختلاف كثير تطلع بعد الفراغ من شرح الفصل إنشاء اللّه تعالى.
الفصل الاول:
الحمد للّه الّذي شرع الإسلام فسهل شرايعه لمن ورده، و أعزّ أركانه على من غالبه، فجعله أمنا لمن علقه، و سلما لمن دخله، و برهانا لمن تكلّم به، و شاهدا لمن خاصم به، و نورا لمن استضاء به، و فهما لمن عقل، و لبّا لمن تدبّر، و آية لمن توسّم، و تبصرة لمن عزم، و عبرة لمن اتّعظ، و نجاة لمن صدّق، و ثقة لمن توكّل، و راحة لمن فوّض، و جنّة لمن صبر، فهو أبلج المناهج، و أوضح الولائج، مشرف المنار، مشرق الجوادّ، مضيّ المصابيح، كريم المضمار، رفيع الغاية، جامع الحلبة، متنافس السّبقة، شريف الفرسان، التّصديق منهاجه، و الصّالحات مناره، و الموت غايته، و الدّنيا مضماره، و القيمة حلبته، و الجنّة سبقته.
اللغة:
(شرع) اللّه لنا كذا من باب منع أى أوضحه و أظهره و سنّه و الشّريعة كالمشرعة مورد الناس للاستسقا سميّت بذلك لوضوحها و ظهورها، قال الأزهريّ و لا تسميّها العرب مشرعة حتى يكون الماء عدّ الا انقطاع له كماء الأنهار، و يكون ظاهرا معيّنا و لا يستقى منه برشاء فان كان من ماء الأمطار فهو الكرع بفتحتين و (السّلم) بكسر السين و سكون اللّام الصّلح يقال خذوا بالسّلم أى بالصّلح و يطلق على المسالم أى المصالح كما يطلق الحرب على المحارب و عليه ما في الزّيارة: أنا سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم. و (توسّم) الشيء تفرّسه و تخيّله و (الأبلج) المتّضح من بلج الصّبح أضاء و أشرق و (المنهج) الطريق الواضح المستقيم و (الوليجة) بطانة الرّجل و خاصّته،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 256
و في شرح المعتزلي هو المدخل إلى الوادي و غيره و (المشرف) المرتفع و (المضمار) موضع يضمر فيه الخيل للسّباق أو زمان التضمير.
و (الحلبة) بالحاء المهملة و الباء الموحّدة وزان سجدة خيل تجمع للسباق من كلّ أوب و لا تخرج من وجه واحد يقال جاءت الفرس فى آخر الحلبة أى في آخر الخيل و (السبقة) محرّكة ما يتراهن عليه المتسابقان.
المعنى
اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام ملتقط من فصلين أوّلهما في ذكر وصف الاسلام و بيان فضايله، و ثانيهما في مدح رسول اللّه و تعظيمه و تبجيله و ذكر أوصافه الكماليّة، و عقبه بالدّعاء الخير عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 257
أما الفصل الاول:
فهو قوله (الحمد للّه الذي شرع الاسلام) أى سنّ الاسلام أو أوضحه و أظهره استعاره بالكنايه- استعاره تخييلية (فسهل شرايعه لمن ورده) شبّه الاسلام بنهر جار دائم الجريان و استعار عنه على سبيل الكناية و الجامع أنّ كلّا منهما يروى الغليل و العطشان إلّا أنّ الماء يروى من غلل الأبدان و الاسلام من غلّ الأرواح، أو أنّ بكلّ منهما يحصل الطهارة و النظافة إلا أنّ الماء يطهرّ من القذر و النّجس، و الاسلام من الكفر و الرّجس و استعار الشرائع للاسلام على سبيل التخييل، و المراد أنه سبحانه سهّل موارد العقول لمن أراد الدخول إلى الاسلام.
قال الشارح البحراني: و تسهيله لها ايضاح قواعده و خطاباته بحيث يفهمهما الفصيح و الألكن، و يشارك الغبيّ في ورد مناهله الفطن الذكيّ.
استعاره بالكنايه- استعاره تخييلية (و أعزّ أركانه على من غالبه) استعارة بالكناية ايضا فانه شبهه بحصن عال و قصر مشيد مستحكم البنيان، و محكم القواعد و الأركان و اثبات الأركان تخييل، و الجامع كونهما محفوظا من أن يهدم و يغالب، يعني أنه سبحانه أعزّه و حماه من أن يتسلّط عليه المشركون و يغلب عليه الكافرون كما قال تعالى: «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا».
(فجعله أمنا لمن علقه) لا يخفى ما في هذه الفقرة و ما يتلوها من حسن الخطابة حيث ناط بكلّ واحدة من اللّفظات لفظة تلايمها و تناسبها لو نيطت بغيرها لما انطبقت عليها و لا استقرّت في قرارها، ألا تراه كيف رتّب الأمن على التعلّق، و السّلم.
على الدّخول، و البرهان على التكلّم، و الشهادة على المخاصمة و كذا غيرها، فلو غيّر الاسلوب و قال: أمنا لمن تكلّم، و برهانا لمن دخل لكان الكلام معيبا مختلّ المعنى خارجا عن قانون الخطابة.
إذا عرفت ذلك فأقول: مراده عليه السّلام بهذه الفقرة أنه سبحانه جعل الاسلام سببا لأمن من تعلّق به في الدّنيا من إراقة الدّماء و في الآخرة من النار و من غضب الجبار استعاره (و سلما لمن دخله.)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 258
قيل: استعار عليه السّلام لفظ السّلم باعتبار عدم اذاه لمن دخله فهو كالمسالم له أقول: و الأشبه أن يكون المراد أنّ من دخل الاسلام يكون الاسلام صلحا بينه و بين المسلمين به يحقن دمه و يقرّ على ما يملكه (و برهانا لمن تكلّم به) أى من تكلّم مصاحبا بالاسلام و متّصفا به فهو برهان له بمعنى أنّ فيه بيّنة و حجّة يدلّ على حقّيته (و شاهدا لمن خاصم به) أى من كان من المسلمين في مقام المخاصمة بالملل الخارجة فالاسلام شاهد له، يعني أنّ فيه ما هو شاهد و يشهد بصحّة قوله قال سبحانه: «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ».
قال الطريحي: أى برهان من اللّه و بيان و حجّة على أنّ دين الاسلام حقّ، و هو دليل العقل و يتلوه أى يتبع ذلك البرهان شاهد يشهد بصحّته و هو القرآن (و نورا لمن استضاء به) إذ به يهتدى إلى الجنّة، و يسلك إليه كما يهتدى بالنور مجاز من باب إطلاق اسم المسبّب على السّبب (و فهما لمن عقل) إذ بالدخول فيه و برياضة النّفس بقواعده و أركانه يتهيّأ الذّهن لقبول الأنوار الالهيّة و فهم الأسرار الحقّة فهو سبب للفهم الذي هو جودة تهيّؤ الذّهن لقبول ما يرد عليه فاطلق لفظه عليه مجازا من باب إطلاق اسم المسبّب على السّبب (و لبّا لمن تدبّر) قال البحراني: لما كان اللبّ هو العقل اطلق عليه لفظ العقل و إن كان سببا له، و أراد العقل بالملكة و ما فوقه من مراتب العقل فانّ الاسلام و قواعده أقوى الأسباب لحصول العقل بمراتبه (و آية لمن توسّم) أى علامة يهتدى به إلى الحقّ للمتوسّم و هو المتفرّس المتأمّل المتثبّت في نظره حتّى يعرف حقيقة سمت الشي ء (و تبصرة لمن عزم) يعني أنه موجب لبصيرة من قصد على فعل الخير و تبصرة له في إتيانه به على ما ينبغي أن يكون عليه.
(و عبرة لمن اتّعظ) يعني من كان متديّنا بدين الاسلام و نظر فيما وقع في القرون الخالية للام الماضية و أنهم كيف اختر متهم أيدى المنون و انتسفتهم القرون فهو يعتبر بذلك و يتّعظ به.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 259
و يحتمل أن يكون المراد أن نفس الاسلام عبرة للمتّعظين، و ذلك لأنّ من لاحظ رونق الاسلام و نظر في علوّ قدره و ارتفاع كلمته و ظهور سلطانه و ظفر المسلمين على قلّتهم على المشركين مع كثرتهم. يحصل له بذلك عبرة و بصيرة في الرّجوع إلى الحقّ.
(و نجاة لمن صدّق) يعني أنّه سبب لنجاة من صدّق الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما جاء به من عند اللّه سبحانه به يحصل له الخلاص في الدّنيا من القتل و في الآخرة من العذاب (وثقة لمن توكّل) إذ من دان بدين الاسلام و عرف المواعيد الكريمة الثابتة في الكتاب و السنّة للمتوكلين يحصل له بذلك توكّل على اللّه و حسن ثقة به (و راحة لمن فوّض) فانّ المسلم إذا كمل إسلامه و فوّض أمره إلى اللّه سبحانه كفاه اللّه جميع أموره و أراحه من الاهتمام لها و به يشعر قوله سبحانه: «وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» .
(و جنّة لمن صبر) أى من صبر على ما فيه من مشاقّ الطّاعات و كلفة العبادات المالية و البدنيّة يكون الاسلام وقاية له و جنّة من عذاب النّار و حرّ الجحيم.
(فهو أبلج المناهج) أى معروف الطرق و سيأتي بيانها (و أوضح الولايج) أى ظاهر البواطن و الاسرار لمن نظر إليه بعين الاعتبار، أو أنه واضح المداخل معروف المسالك كما مرّ في تفسير قوله عليه السّلام فسهّل شرايعه لمن ورده (مشرف المنار) أى رفيعة الاعلام، و سيأتي بيان ذلك أيضا (مشرق الجواد) و هو قريب من أبلج المناهج استعاره مرشحة (مضيء المصابيح) المراد بها إما الأدلّة و البراهين الدالة على حقّيته من الكتاب و السّنة، و استعار لها لفظ المصباح باعتبار أنها يهتدى بها إليه كما يهتدى بالمصباح في الظلمات، و إمّا الأئمة الهادون إليه و المرشدون إلى معالمه، و ذكر الاضائة ترشيح.
(كريم المضمار رفيع الغاية جامع الحلبة متنافس السبقة شريف الفرسان) قال الشارح المعتزلي: كأنه جعل الاسلام كخيل السباق التي مضمارها كريم و غايتها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 260
رفيعة عالية و حلبتها جامعة حاوية و سبقتها متنافس فيها و فرسانها أشراف.
أقول: أراد بالفرسان المسلمين المؤمنين، و فسّر ساير ما كان محتاجا إلى التّفسير بقوله (التصديق منهاجه) الذي تقدم وصفه بأنه أبلج و أراد به التّصديق باللّه و برسوله و بما جاء به من عند اللّه سبحانه و الاتيان بلفظ الجمع فيما سبق و بصيغة الافراد هنا أنّ الجمع باعتبار تعدد أفراده و الافراد بملاحظة نفس النوع و معلوم أنّ هذه التصديقات أنوار واضحة الهدى.
(و الصّالحات مناره) أراد بها الأعمال الصّالحة و جعلها منارا باعتبار إضاءتها و اشراقها (و الموت غايته) و إنما جعله غاية له باعتبار انقطاع التكليف عنده و انتهائه إليه و وصفه بالرفعة فيما سبق باعتبار أنّه باب الوصول إلى حظيرة القدس و الجنّة المأوى التي هي أرفع الغايات و منتهى المقاصد.
(و الدّنيا مضماره) لأنه دار مجاز لا دار قرار، و وصفها بالكرم سابقا باعتبار أنّ فيها يحصل الاستعداد للفوز بالدّرجات العالية و المقامات المتعالية، و لا ينافي ذلك ما ورد في ذمّها، لأنه ناظر إلى ذمّ من ركن إليها و قصّر نظره فيها و غفل عما وراها، فانّ من أبصر بها بصرته، و من أبصر إليها أعمته.
(و القيامة حلبته) أي ذات حلبته و موضعها الذي يجتمع الكلّ فيها من كلّ ناحية لأنها يوم الجمع (و الجنّة سبقته) جعلها اللّه سبحانه جزاء للسابقين، و في مثلها فليتنافس المتنافسون.
الترجمة:
و از جمله خطب شريفه أن إمام مبين و وارث علم النّبيين است صلواة اللّه عليه و آله أجمعين در ذكر فضائل ملّت اسلام و مناقب حضرت سيّد الأنام عليه و آله آلاف التّحية و السّلام مى فرمايد:
حمد بى حدّ معبود بحقي را سزاست كه پديد آورد و ظاهر نمود دين اسلام را پس آسان گردانيد راههاى آنرا بجهة كسى كه بخواهد وارد آن شود، و عزيز گردانيد ركنهاى آنرا بر كسى كه بخواهد غلبه آن نمايد، پس گردانيد آنرا ايمني از عذاب از براى كسى كه در آويخت بآن، و صلح و آشتى از براى كسى كه داخل شد در آن، و دليل روشن از براى كسى كه تكلّم كرد بآن، و گواه از براى كسى كه مخاصمة نمود بوسيله آن، و نور هدايت از براى كسى كه روشني جست بآن، و فهم از براى كسى كه عاقل شود، و عقل از براى كسى كه تدبر نمايد، و علامت و نشانه از براى كسى كه تفرّس و تأمّل نمايد و آلة بصيرت از براى كسى كه صاحب عزم باشد، و عبرت از براى كسى كه پند گيرد، و نجات و خلاصى از براى كسى كه تصديق كرد، و وثوق و اعتماد از براى كسى كه توكّل نمود، و راحت و آسايش مر كسى را كه تفويض كرد كار خود را بخدا سپر مر كسى را كه صبر نمود برنج و عنا پس آن اسلام روشن تر است راههاى آن، آشكارتر است سرّهاى آن، بلند است مناره آن، تابانست راههاى آن، درخشان است چراغهاى آن، گراميست ميدان آن، بلند است نهاية آن جمع كننده است حلبه آن يعنى اسباني كه فراهم آورده مى شود از أطراف و نواحى متعدّده بجهة اسب دواني و مسابقت. رغبت كرده شده است سبقت آن يعني چيزى كه مقرر شده بجهت سبقت كننده از اسب دوانها، بزرگوار است سوارهاى آن. تصديق بخدا و رسول راه راست اسلام است، و عملهاى صالح مناره او است و مرگ غايت او است، و دار دنيا ميدان اسب دوان او است، و روز قيامت صاحب حلبه او، و بهشت عنبر سرشت سبقة او.