منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 54
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الثالثة عشر من المختار في باب الخطب:
الحمد للَّه الواصل الحمد بالنّعم، و النّعم بالشّكر، نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه، و نستعينه على هذه النّفوس البطاء عمّا أمرت به، السّراع إلى ما نهيت عنه، و نستغفره ممّا أحاط به علمه، و أحصاه كتابه علم غير قاصر، و كتاب غير مغادر، و نؤمن به إيمان من عاين الغيوب، و وقف على الموعود، إيمانا نفي إخلاصه الشّرك، و يقينه الشّكّ، و نشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أن محمّدا عبده و رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، شهادتين تصعدان القول، و ترفعان العمل، لا يخفّ ميزان توضعان فيه، و لا يثقل ميزان ترفعان عنه.
اللغة:
(البطاء) على وزن الفعال من بطوء بطئا كقرب ضدّ السّراع و (غادره) مغادرة و غدارا تركه و بقاه.
الاعراب:
ايمانا بالنصب بدل من ايمان الأوّل، و جملة تصعدان صفة للشهادتين، و جملة لا يخف آه تحتمل الوصفية أيضا و الحالية لوقوعها بعد نكرة مخصّصة بالوصف.
المعنى:
اعلم أنّ الغرض بهذه الخطبة الشريفة الأمر بملازمة التقوى و التنفير عن الدّنيا و الترغيب في العقبا افتتحها بالحمد و الثناء فقال:
(الحمد للَّه الواصل الحمد بالنّعم و النّعم بالشكر) المراد بوصل أحدهما بالآخر شدّة الارتباط بينهما، فيكون التكرير للتأكيد أو أنه أراد بوصل الحمد بالنّعم ايجابه الحمد عليها و أمره به عند حصولها، و بوصل النّعم بالشّكر جعل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 55
الشكر سببا لمزيدها كما قال: لئن شكرتم لأزيدنّكم، و هذا هو الأظهر، و لذا اختار الشّكر على الحمد لمحا للآية الشريفة.
تشبيه مقلوب (نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه) و هذا من باب التشبيه المقلوب و الغرض منه عايد إلى المشبّه به و هو ايهام أنّه أتمّ من المشبّه و ان كان الحمد على الآلاء أكثر و أشهر، و مثله قوله:
و بدا الصّباح كأنّ غرّته وجه الخليفة حين يمتدح
فانه قصد ايهام أنّ وجه الخليفة أتمّ في الوضوح و الضّياء من الصّباح و ان كان الأمر بحسب الواقع بالعكس هذا، و فيه ارشاد للعباد على القيام بوظايف الحمد عند السّراء و الضرّاء، و الملازمة بمراسم التّحيّة و الثناء في حالتي الشدّة و الرّخاء لأنّ الرضاء بالقضاء و الصّبر على البلا يوجبان الثواب الجميل و الأجر الجزيل في العقبى فبذلك الاعتبار البلاء منه سبحانه أيضا نعمة توجب الحمد للَّه تعالى قال: «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ» الآيات.
و في رواية الكافي عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال إنّ فيما أوحى اللَّه تعالى إلى موسى بن عمران يا موسى بن عمران ما خلقت خلقا أحبّ إلىّ من عبدى المؤمن، و انى انما أبتليه لما هو خير له، و أزوى عنه لما هو خير له، و أنا أعلم بما يصلح عليه عبدى، فليصبر على بلائى و ليشكر نعمائي و ليرض بقضائى اكتبه في الصّديقين عندي إذا عمل برضائي و أطاع أمري (و نستعينه على هذه النفوس) المايلة بمقتضى جبلّتها إلى المفاسد و المقابح و الراغبة عن المنافع و المصالح (البطاء عمّا امرت به) من العبادات و الطّاعات (السّراع إلى ما نهيت عنه) من المعاصي و السّيئآت (و نستغفره ممّا أحاط به علمه و أحصاه كتابه) من صغاير الذّنوب و كبايرها و بواطن السّيئات و ظواهرها و سوالف الزّلّات و حوادثها (علم غير قاصر) عن شيء و لا يعزب عنه ممّا في الأرض و السّماء من شيء (و كتاب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 56
غير مغادر) شيء أى لا يغادر و لا يبقى صغيرة و لا كبيرة إلّا أحصيها.
(و نؤمن به) أى نصدّقه بقول مقول و عمل معمول و عرفان بالعقول و اتّباع الرّسول (ايمان من عاين الغيوب) و شاهد بعين اليقين الغيب المحجوب عن غمرة الموت و سكرته و ضيق القبر و ظلمته و طول البرزخ و وحشته و عقبات السّاعة و دواهيها و أهوال القيامة و شدائدها (و وقف) أى اطّلع (على الموعود) من الرّفد المرفود و الطلح المنضود و السّدر المخضود و الظل الممدود و غيرها ممّا وعد به المتّقون، أو النّار ذات الوقود و القيح و السّديد و العذاب الشّديد و نزل الحميم و تصلية الجحيم و نحوها ممّا وعد به المجرمون.
و انّما خصّ ايمان المعاين الواقف بالبيان لكونه أقوى درجات الايمان، فانّ من الايمان ما يكون بحسب التقليد، و منه ما يكون بحسب البرهان و هو علم اليقين، و أقوى منه الايمان بحسب الكشف و المشاهدة، و هو عين اليقين و ذلك هو الايمان الخالص.
و في الكافي باسناده عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول:
إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى بالنّاس الصّبح فنظر إلى شابّ في المسجد و هو يخفق و يهوى برأسه مصفرا لونه و قد نحف جسمه و غارت عيناه في رأسه فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول اللَّه موقنا، فعجب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من قوله و قال: إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال:
إنّ يقيني يا رسول اللَّه هو الّذي أخرنني و أسهر ليلي و أظمأ هو اجرى فعزفت نفسي عن الدّنيا و ما فيها حتّى كأني أنظر إلى عرش ربّي و قد نصب للحساب و حشر الخلايق لذلك و أنا فيهم، و كأنّي انظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة و يتعارفون على الأرائك متّكؤون، و كأنّي أنظر إلى أهل النّار و هم فيها معذّبون مصطرخون، و كأنّي الآن أسمع زفير النّار يدور في مسامعي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لأصحابه: هذا عبد نوّر اللَّه قلبه بالايمان، ثمّ قال له: ألزم ما أنت عليه، فقال الشاب: ادع اللَّه لي يا رسول اللَّه أن ارزق الشّهادة معك، فدعى له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 57
فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فاستشهد بعد تسعة نفر و كان هو العاشر.
و حيث كان ايمانه عليه السّلام من أقوى درجات الايمان و أعلى مراتبه، موصوفا بالخلوص و اليقين كما قال: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا اتبعه بقوله: (ايمانا نفى اخلاصه الشّرك و يقينه الشّك) أما نفى اخلاصه للشّرك فواضح، و أما نفى يقينه للشّك فلأنّ اليقين عبارة عن الاعتقاد بأنّ الأمر كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن أن لا يكون إلّا كذا، فهو مناف للشكّ لا محالة.
(و نشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله) و قد مضى تفصيل ما يتعلّق بالشّهادتين في شرح الفصل الثّاني من الخطبة الثانية و لا حاجة إلى الاعادة.
(شهادتين تصعدان القول) أى الكلم الطّيب (و ترفعان العمل) أى العمل الصّالح و إنما تكونان كذلك إذا كانتا صادرتين عن صميم القلب و وجه اليقين و خلوص الجنان فتكونان حينئذ فاتحة الاحسان و عزيمة الايمان تصعدان الكلمات الطيّبات، و ترفعان الأعمال الصّالحات، و تزيدان في الدّرجات، و تكفّران الخطيات و أمّا الصّادرة عن مجرّد اللّسان فلا فايدة فيها إلّا تطهير ظاهر الانسان، و خيرها زهيد و نفعها فقيد هذا.
و في قوله (لا يخفّ ميزان توضعان فيه و لا يثقل ميزان ترفعان عنه) دلالة على أنّ لهما مدخلية في ثقل الميزان و خفّته بوضعهما فيه و رفعهما عنه.
و يشهد به صريحا في الجملة ما قدّمنا روايتها في شرح الفصل الثّاني من الخطبة الثانية، من ثواب الأعمال عن أبي سعيد الخدرى عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال: قال اللَّه جلّ جلاله لموسى بن عمران: يا موسى لو أنّ السّماوات، و عامريهنّ عندي و الأرضين السبع في كفّة و لا إله إلّا اللَّه في كفة مالت بهنّ لا إله إلّا اللَّه.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن حضرت است در تنبيه بر تقوى و پرهيزكارى و تزهيد از اين جهان فانى باين قرار كه مى فرمايد:
حمد بيقياس معبود بحقّيرا سزاست كه وصل كننده است حمد را بنعمتها، و پيوند كننده است نعمتها را بشكر، حمد مى كنيم بر نعماء او همچنان كه سپاس مى كنيم بر بلاء او، و طلب اعانت مى كنيم از او بر اين نفسهائى كه دير حركت كننده اند از آنچه مأمور شده اند بأو شتابنده اند بسوى آنچه نهى گشته اند از آن، و استغفار مى كنيم از او از آنچه كه احاطه كرده بأو علم آن، و شمرده است او را كتاب آن علمى كه كوتاه نيست از چيزى، و كتابى كه ترك كننده نيست چيزى را و ايمان مى آوريم او را مثال ايمان كسى كه ديده باشد غيبها را بعين اليقين، و واقف بشود بچيزى كه وعده داده شده است از أحوال يوم الدّين، ايمانى كه نفى كند اخلاص آن شرك را از دلها، و زايل نمايد يقين او شكّ را از قلبها، و شهادت مى دهيم باين كه نيست هيچ معبود بحقّى بجز خدا در حالتى كه يكتا است شريك نيست او را، و باين كه محمّد بن عبد اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بنده پسنديده و پيغمبر برگزيده او است، شهادتينى كه بلند مى گردانند گفتار پاكيزه را و رفع ميكنند عمل صالح را در حالتى كه سبك نمى شود ميزانى كه نهاده شوند آن دو شهادت در او و سنگين نمى شود ميزاني كه برداشته شوند آن دو شهادت از آن.