منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 73
و من خطبة له عليه السّلام في الاستسقاء و هي المأة و الرابعة عشر من المختار في باب الخطب (و هى ملتقطة من خطبة طويلة اوردها الصدوق في الفقيه باختلاف كثير ناتى بها بعد الفراغ من شرح ما رواه السيد (ره) في الكتاب لكثرة فوائدها و مزيد عوايدها):
ألّلهمّ قد انصاحت جبالنا، و أغبرت أرضنا، و هامت دوابّنا، «و تحيرت في مرابضها خ»، و عجّت عجيج الثّكالى على أولادها، و ملّت التّردّد في مراتعها، و الحنين إلى مواردها، ألّلهمّ فأرحم أنين الانّة، و حنين الحانّة، ألّلهمّ فارحم حيرتها في مذاهبها، و أنينها في موالجها، ألّلهمّ خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السّنين، و أخلفتنا مخائل الجود، فكنت الرّجاء للمبتئس و البلاغ للملتمس، ندعوك حين قنط الأنام، و منع الغمام، و هلك السّوام، ألّا تؤاخذنا بأعمالنا، و لا تأخذنا بذنوبنا، و انشر علينا رحمتك بالسّحاب المنبعق، و الرّبيع المغدق، و النّبات المونق، سحا وابلا تحيي به ما قد مات، و تردّ به ما قد فات.
اللغة:
(الاستسقاء) استفعال بمعنى طلب السّقى مثل الاستمطار لطلب المطر و استسقيت فلانا إذا طلبت منه أن يسقيك و قد صار حقيقة شرعية أو متشرّعة في طلب الغيث بالدّعاء (و هامت دوابنا) يجوز أن يكون من الهائم بمعنى المتحيّر و (ثكلت) المرأة ولدها ثكلا من باب تعب فقدته و الاسم الثكل و زان قفل فهى ثاكل و قد يقال ثاكلة و ثكلى و الجمع ثواكل و ثكالى و في بعض النسخ الثكلى بدل الثكالي و (أنّ) الرجل انّا و أنينا تأوّه و (الحنين) الشّوق و شدّة البكاء و (الآنّة الحانّة) الشّاة و النّاقة يقال ماله آنّة و لا حانّة.
و (عكر) على الشيء يعكر عكرا و عكورا و اعتكر كرّوا نصرف، و العكار الكرار العطاف، و اعتكر الظلام اختلط و (الجود) بفتح الجيم المطر الغريز، و في بعض النسخ الجود بضم الجيم و (قنط) يقنط من بابى ضرب و تعب و في لغة من باب قعد فهو قانط و قنوط (و انبعق) السّحاب انبعج و انفرج بالمطر و (المغدق) من اغدق الشجر إذا ظهرت ثمرته و (السّح) بالضّم الصّب و السّيلان من فوق.
الاعراب:
منع الغمام فعل لم يسمّ فاعله رعاية للأدب و استكراها لاضافة المنع إلى اللّه سبحانه و هو منبع النعم و مبدء الجود و الكرم، و في بعض النّسخ منع الغمام بصيغة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 76
المعلوم فلا بدّ من حذف المتعلّق أى منع الغمام من المطر، و سحّا منصوب على المصدر أى تسحّ سحّا، و جملة تحيى به منصوبة المحلّ على الحال من فاعل نشر.
المعنى:
اعلم أنّ هذه الخطبة كما ذكره السّيده (ره) خطب عليه السّلام بها في الاستسقاء أى في مقام طلب السّقيا و توفير المياه، قال شيخنا الشهيد طاب ثراه، و الاستسقاء أنواع أدناه الدّعاء بلا صلاة، و لا خلاف صلاة، و أوسطه الدّعاء خلف الصّلاة، و أفضله الاستسقاء بركعتين.
و كيفيّته على ما وردت في الأخبار و نبّه عليها علمائنا الأخيار أن يخرج النّاس بعد التوبة و ردّ المظالم و تهذيب الأخلاق و صوم ثلاثة أيّام يكون ثالثها يوم الاثنين، و يبرزوا في الثالث إلى الصّحراء و إن كانوا بمكّة فالى المسجد الحرام حفاة مشاة و نعالهم في أيديهم بسكينة و وقار متخشّعين مخبتين مستغفرين، و يخرجون الشّيوخ و الصّبيان و البهايم و أهل الزّهد و الصّلاح، فاذا حضروا في المصلّي ينادى المؤذّنون بدل الأذان، الصّلاة ثلاثا، فيصلّى الامام بالنّاس ركعتين: يقرأ في الاولى بعد الحمد سورة بالجهر ثمّ يكبّر خمسا و يقنت عقيب كلّ تكبيرة و يدعو في القنوت بالاستغفار و طلب الغيث و إنزال الرحمة، و من المأثور فيه: اللّهمّ اسق عبادك و امائك و بهائمك و انشر رحمتك و أحى بلادك الميّتة، ثمّ يكبّر السادسة و يركع و يسجد السجدتين ثمّ يقوم إلى الركعة الثانية فيفعل مثل ما فعل في الاولى إلّا أنّ التكبيرات فيها أربع و يقنت أربعا أيضا عقيب التكبيرات، ثمّ يكبّر الخامسة و يركع و يسجد و يشهد و يسلّم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 78
فلما فرغ من الصلاة يصعد المنبر و يحوّل ردائه فيجعل الذي على يمينه على يساره و الذي على يساره على يمينه تأسّيا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، و سئل الصّادق عليه السّلام عن تحويل النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم رداه إذ استسقى قال عليه السّلام: علامة بينه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و بين أصحابه يحول الجدب خصبا، و يخطب بخطبتين ثمّ يستقبل القبلة فيكبّر اللَّه مأئة تكبيرة رافعا بها صوته، ثمّ يلتفت إلى يمينه فيسبّح اللَّه مأئة مرّة رافعا بها صوته، ثمّ يلتفت إلى يساره فيهلّل اللَّه مأئة تهليلة رافعا بها صوته، ثمّ يستقبل الناس بوجهه فيحمد اللَّه مأئة رافعا بها صوته و الناس يتابعونه في الأذكار دون الالتفات إلى الجهات، فان سقوا، و إلّا عادوا ثانيا و ثالثا من غير قنوط بانين على الصوم الأوّل ان لم يفطروا و إلّا فبصوم مستأنف إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ من أفضل الخطب المأثورة في هذا المقام و أفصحها ما خطب إمام الانام عليه السّلام و هو قوله (اللّهمّ قد انصاحت جبالنا) أى تشقّقت من المحل و الجدب (و اغبرت ارضنا) أى صارت كثير الغبار بانقطاع الأمطار (و هامت دوابنا) أى عطشت و تحيّرت في مرابضها و مباركها من الظّماء و فقدان النّبات و الكلاء.
(و عجّت) أى صرخت مثل (عجيج الثكالى على أولادها) يحتمل رجوع الضمير إلى الثكالي و رجوعه إلى الدّواب و الأوّل أظهر (و ملت التردّد في مراتعها و الحنين إلى مواردها) و ذلك لأنّها أكثرت من التردّد في مراتعها المعتادة فلم تجد فيها نبتا ترعاه فملت من التردّد و كذلك لم تجد ماء في الغدران و الموارد المعدّة لشربها، فحنت إليها و ملت من الحنين، و يئست من الانين.
(أللهمّ فارحم أنين الآنّة) من الشياة (و حنين الحانّة) من النّوق (اللّهمّ فارحم حيرتها في مذاهبها) و مسالكها (و أنينها في موالجها) و مداخلها و إنما ابتدء عليه السّلام بذكر الدوّاب و الأنعام لأنها أقرب إلى الرّحمة و مظنة الافضال بها على المذنبين من الامّة.
و يرشد إلى ذلك ما في منتخب التوراة، يابن آدم كيف لا تجتنبون الحرام، و لا اكتساب الآثام، و لا تخافون النيران، و لا تتّقون غضب الرّحمن، فلو لا مشايخ ركّع، و أطفال رضّع، و بهائم رتّع، و شباب خشّع، لجعلت السّماء فوقكم حديدا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 79
و الأرض صفصفا، و التراب رمادا، و لا انزلت عليكم من السماء قطرة، و لا أنبتّ لكم من الأرض حبّة، و يصبّ عليكم العذاب صبّا.
و في النبوي لو لا أطفال رضّع، و شيوخ ركّع، و بهائم رتّع لصّب عليكم العذاب صبّا.
و في الفقيه عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام أنّه قال: إنّ سليمان ابن داود عليه السّلام خرج ذات يوم مع أصحابه ليستسقى فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السّماء و هي تقول: اللّهمّ إنا خلق من خلقك لاغناء بنا عن رزقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم، فقال سليمان لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم بغيركم.
و روى الرازي عن رجل أنّه قال: أصاب النّاس في بعض الأزمنة قحط شديد فأصروا يستسقون، فلم يستجب لهم، قال الراوى: فأتيت وقتئذ إلى بعض الجبال فاذا بظبية قلقة من كثرة العطش و شدّة الهيام مبادرة نحو غدير هناك، فلما وصلت إلى الغدير و لم تجد فيها ماء تحيرت و اضطربت و رفعت رأسها إلى السّماء تحرّكه و تنظر إليها، فبينما هى كذلك رأيت سحابة ارتفعت و أمطرت حتّى امتلاء الغدير فشربت منه و ارتوت ثمّ رجعت.
ثمّ قال عليه السّلام (اللهمّ خرجنا إليك حين اعتكرت) أى تكررّت تشبيه المعقول بالمحسوس (علينا حدابير السّنين) تشبيه السّنين بالحدابير من باب تشبيه المعقول بالمحسوس و وجه الشّبه عقلى، و هو أنّ الحدابير كما تتعب راكبها فكذلك السّنون تتعب أهلها كما لا يخفى.
(و اخلفتنا مخائل الجود) أى الامارات التي توقع الجود في الخيال و أراد بها البرق و السّحاب الّتي يظنّ أنّها تمطر و ليست بماطرة، فكأنها وعدت بالمطر فأخلفت و لم تف بوعده (فكنت الرجاء للمبتئس) أى ذى البؤس الحزين (و البلاغ للملتمس) أى كفاية للطالب المسكين (ندعوك حين قنط الانام) و يأس (و منع الغمام) و حبس (و هلك السوام) أى الابل السائمة الرّاعية.
(ألّا تؤاخذنا بأعمالنا و لا تأخذنا بذنوبنا) قال الشارح المعتزلي: الفرق بين المؤاخذة و الأخذ أنّ الأول عقوبة دون الثاني لأنّ الأخذ هو الاستيصال و المؤاخذة عقوبة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 80
أقول: إن كان نصّ بذلك من أهل اللغة فلا بأس، و إلّا فقولهم زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني يفيد عكس ما قاله، و كيف كان ففي كلامه عليه السّلام دلالة على أنّ للذّنوب و المعاصي مدخليّة في منع اللّطف و الرّحمة و استحقاق المؤاخذة و السخطة، و سرّ ذلك أنّ الجود الالهي لا بخل فيه و لا مانع له من قبله سبحانه و إنما يصل إلى الموادّ بحسب القابلية و الاستعداد، و المنهمكون في المعاصي راغبون عن اللّه تعالى و عن تلقّى آثار رحمته، فهم لانهماكهم في الفساد اسقطوا أنفسهم عن الاستعداد، و حرىّ بمن كان كذلك أن يمنع من الفيوضات و يحرم من البركات.
و قد روى في الأخبار أنّ كلّا من أصناف الذّنوب تورث نوعا خاصّا من المؤاخذات الدّنيوية، مثل ما رواه في الفقيه عن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق عليه السّلام أنه قال:
إذا فشت أربعة ظهرت أربعة إذا فشا الزّنا ظهرت الزلازل، و إذا امسكت الزكاة هلكت الماشية، و إذا جار الحاكم في القضاء أمسك المطر من السماء، و إذا خفرت «1» الذّمة نصر المشركون على المسلمين.
و في الكافي عن أبان عن رجل عن أبي جعفر عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خمس إن أدركتموهنّ فتعوّذوا باللّه منهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتى يعلنوها إلّا ظهر فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلّا اخذوا بالسنين و شدّة المؤنة و جور السلطان، و لم يمنعوا الزّكاة إلّا منعوا القطر من السماء و لو لا البهائم لم يمطروا، و لم ينقضوا عهد اللّه و عهد رسوله إلّا سلّط اللّه عليهم عدوّهم و أخذوا بعض ما في أيديهم، و لم يحكموا بغير ما أنزل اللّه إلّا جعل اللّه بأسهم بينهم.
و عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال وجدنا في كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا ظهر الزّنا من بعدي كثر موت الفجأة، و إذا طفّف المكيال و الميزان أخذهم اللّه بالسنين و النقص، و إذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزّرع و للثمار و المعادن كلّها، و إذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم و العدوان، و إذا نقضوا العهد سلّط اللّه عليهم عدوّهم، و إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، و إذا
______________________________
(1) خفر خفورا و خفرا نقض عهده و غدره كأخفره، قاموس.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 81
لم يأمروا بالمعروف و لم ينهوا عن المنكر و لم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلّط اللّه عليهم شرارهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم.
ثمّ قال عليه السّلام (و انشر علينا رحمتك بالسّحاب المنبعق) أى المنفرج بالمطر و السّائل الكثير السّيلان (و الربيع المغدق) المظهر للثمر (و النيات المونق) المعجب (سحّا) أى صبّا (وابلا) أى مطرا شديدا (تحيى به ما قد مات و تردّ به ما قد فات) من الزرع و النّبات.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن مقتداى كونين و پيشواى ثقلين است در مقام خواستن باران.
بار خدايا شكافته شد كوههاى ما از خشكى، و گرد آلود شد زمين ما و بسيار تشنه شد چهارپايان ما، و متحير شدند در محلّهاى خوابيدن خود، و ناله كردند مثل ناله زنان بچه مرده بر فرزندان خود، و ملال آوردند از تردّد نمودن در چراگاههاى خود. بار خدايا رحم كن برناله ناله كنندگان، و اشتياق و فغان مشتاقان. بار خدايا پس رحم كن بر حيرت و سرگردانى ايشان در مواضع رفتن ايشان و رحمت فرما بر ناله ايشان در مكانهاى در آمدن ايشان.
بار خدايا بيرون آمديم بسوى تو در حينى كه مختلط شد بر ما شتران لاغر قحط سالها، و وعده خلافي كرد ما را علامتهاى باران، پس هستى تو اميد مر اندوهگين را و رساننده بمطلوب التماس كننده حزين را، مى خوانيم ترا در زمانى كه نا اميد شدند مردمان، و ممنوع شد از باريدن ابرهاى آسمان، و هلاك شد چرندگان اين كه مؤاخذه نكنى بر عملهاى ما، و اخذ نكنى ما را بگناهان ما، و نشر كن بر ما رحمت بى نهايت خود را بأبرهاى منفجر بباران سخت و با شدّت، و با بهار ظاهر كننده ميوه ها، و با نبات و گياه تعجب آورنده خلقها در حالتى كه بريزد بر ما ريختنى بباران فراوان كه زنده سازى بآن آنچه كه مرده، و باز گردانى بآن آنچه كه فوت گشته.