منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 67
و من كلام له عليه السّلام و هو المأتان و الثالث و الثلاثون من المختار فى باب الخطب قاله عليه السّلام و هو يلي غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تجهيزه:
بأبي و أمّي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النّبوّة و الإنباء و أخبار السّماء، خصصت حتّى صرت مسلّيا عمّن سواك، و عممت حتّى صار النّاس فيك سواء، و لو لا أنك أمرت بالصّبر، و نهيت عن الجزع، لأنفدنا عليك ماء الشّؤن، و لكان الدّاء مماطلا، و الكمد محالفا، و قلّا لك، و لكنّه ما لا يملك ردّه، و لا يستطاع دفعه، بأبي أنت و أمّي أذكرنا عند ربّك، و اجعلنا من بالك (54827- 54748).
اللغة:
(النّبوّة) أصله النّبوءة فابدلت الهمزة واوا فادغمت لثقل التلفظ بها عندهم و لذا يبدّلون الهمزة تارة واوا متى كان ما قبله مضموما و تارة الفا إن كان مفتوحا كقوله تعالى قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ و تارة تقلبونه ياء إن كان ما قبله مكسورا كنبيّ لأن أصله النّبيء على مذهب من يهمز و الايمان و غيرهما قال ابن زيّابة التميمي «حماسة 22»:
نبّيت عمرا غارزا رأسه في سنة يوعد أخواله
و قالوا لولا نزل القرآن بالهمز لما تكلموا به لان التلفّظ به يشبه التهوع عندهم كما قيل، و تصغيرها نبية تقول العرب كانت نبيّة مسيلمة نبيّة سوء، و أصلها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 68
النبأ و هو الخبر، و قال الطبرسي في المجمع في تفسير قوله تعالى «أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ» في سورة إبراهيم: النبأ الخبر عما يعظم شأنه يقال لهذا الأمر نبأ عظيم أي شأن و كذا في سورة النبأ.
(الانباء) افعال من النبأ يقال أبنأه أى أخبره و في بعض النسخ الأنباء بالفتح و هو جمع النبأ و في نسخة اخرى الأنبياء و هو جمع نبيّ و لكنه لا يناسب اسلوب الكلام كما لا يخفى، و هذا و هم من النساخ لأنه إن كان الانباء لزم ان تكون كلمة الجار اعنى من بيانا لما في قوله ما لم ينقطع كما في اخويه أعنى النبوة و اخبار السماء و يكون الكلام على اسلوب واحد و لو كان الأنبياء لزم أن يكون من في النّبوة و أخبار السماء بيانا لما و في الأنبياء بيانا لكلمة الغير في قوله غيرك فيخرج الكلام عن النظم و الاتّساق.
استعاره (السماء) مأخوذ من السموّ و هو العلو و الارتفاع قال الجوهري: السماء كلّ ما علاك فأظلّك و منه قيل لسقف البيت سماء و لفظ السماء هنا مستعار لعالم الغيب و مقامات الملاء الأعلى لعلوه و ارتفاعه معنى من عالم الشهادة.
(المسلّى) من التسلية يقال سلّاني من همّي تسلية أي كشفه عنى.
(و الجزع) بالتحريك: انزعاج النّفس بورود ما يغم فهو نقيض الصبر قوله تعالى في سورة إبراهيم «وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا».
(نفد) الشيء من باب ضرب نفادا إذا فنى قال اللّه تعالى في آخر الكهف «قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي» و الانفاد: الافناء يقال أنفدت الشيء أى افنيته و قرئ بالوجهين قول الشاعر «حماسة 842»
فجاءوا بشيخ كدّح الشرّ وجهه جهول متى ما ينفد السبّ يلطم
(ماء الشؤن): الدمع، و الشؤن و الاشؤن جمع الشأن كفلس و افلس و فلوس و قال الجوهري فى الصحاح: الشؤن هي مواصل قبائل الرّأس و ملتقاها و منها تجيء الدموع، قال ابن السّكيت: الشانان عرقان ينحدران من الرأس إلى الحاجبين ثمّ إلى العينين، فالشئون هى منابع الدمع و مجاريها كما فسرها بها المرزوقي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 69
في قول ابن هرمة «حماسة 470»:
استبق دمعك لا يود البكاء به و اكفف مدامع من عينيك تستبق
ليس الشؤن و إن جادت بباقية و لا الجفون على هذا و لا الحدق
(الداء): المرض و العلة و المراد به هنا ألم الحزن و اصله دوء لأنّ جمعه أدواء و الجمع كالتصغير و النسبة يرد الشيء إلى أصله كدار و أدوار و دويرة و دورىّ.
(مماطلا) قال الجوهري: مطلت الحديدة امطلها مطلا إذا ضربتها و مددتها لتطول و كلّ ممدود ممطول و منه اشتقاق المطل بالدين و هو اللّيّان به يقال مطله و ماطله بحقه فالمراد ان الداء لازمنى و لا يزول عنى فكنى به انه يماطل و يسوف بالزوال و الذهاب و البرء.
(الكمد) بفتحتين: الحزن المكتوم و قال المرزوقى في شرح الحماسة «حماسة 267» في قول الشاعر:
لو كان يشكى إلى الأموات ما لقى الأحياء من شدّة الكمد الكمد: حزن و همّ لا يستطاع امضاؤه و قال الدّريدي: هو مرض القلب من الحزن، يقال كمد يكمد كمدا من باب علم، و رأيته كامد الوحه و كمد الوجه إذا بان به اثر الكمد و اكمده الحزن اكمادا.
(محالفا) المحالف الحليف الملازم، يقال حالفه أى عاهده و لازمه.
(لا يستطاع) الاستطاعة: الاطاقة، لا يستطاع دفعه أى لا يطاق و لا يقدر عليه و في الصّحاح و ربما قالوا اسطاع يسطيع يحذفون التاء استثقالا لها مع الطاء و يكرهون ادغام التاء فيها و ربما يتحرك السين و هي لا تحرك أبدا، و قرء حمزة «فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ» «سورة الكهف 98» بالادغام فجمع بين الساكنين «و هما السين الساكنة و التاء المدغمة» و ذكر الاخفش أن بعض العرب يقول استاع يستيع فيحذف التاء استثقالا و هو يريد استطاع يستطيع قال: و بعض يقول اسطاع يسطيع بقطع الالف و هو يريد أن يقول اطاع يطيع و يجعل السين عوضا من ذهاب حركة عين الفعل.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 70
(البال): القلب و أصله أجوف واوي، و البال و الخلد يستعملان على طريقة واحدة يقولون وقع في خلدي كذا و سقط على بالي و خطر ببالي يقال هذا من بال فلان أي ممّا يباليه و يهتم به.
الاعراب:
(بأبي أنت و امّي) امّي معطوف على أبي أي و بامّي و الباء للتفدية و الطرفان كلاهما يتعلّقان بمحذوف و التقدير أنت مفدي بأبي و امّي و هذا التقدير أولى من افديك بأبي و امّي لبقاء الجملة على هيئتها و عدم التصرّف فيها، يقال فداه من باب ضرب وفاداه إذا اعطى فداءه فانقذه من الاسر و نحوه و فداه بنفسه و فداه تفدية إذا قال له جعلت فداك فقوله عليه السّلام: بأبي أنت و امّي أي جعل أبواى فداءك و الفداء و الفدى و الفدى و الفدية ما يعطى من مال و نحوه عوض المفدى (بموتك) الباء في كليهما للسببيّة (من النبوّة) كلمة من للتبيين يبين ما في ما لم ينقطع (و الانباء و أخبار السماء) معطوفان على النبوة.
(خصصت) أي خصصت النّاس بمصيبتك أو خصصت في مصيبتك أو خصّت مصيبتك.
(عمّن سواك) أي مصيبة عمّن سواك، و كذا قوله عليه السّلام عممت أى عممت النّاس بمصيبتك أو عمّت مصيبتك النّاس حتّى صار النّاس في مصيبتك سواء، و اضاف الخصوص و العموم إليه صلّى اللّه عليه و آله مع انهما للمصيبة لكونها بسببه و حذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه.
(لو لا انّك) اه لولا هذه لامتناع الشيء لوجود غيره أعني امتناع جوابها بوجود شرطها و تختص بالاسم و انّ مع ما بعدها في تأويل مصدر و التقدير لولا أمرك بالصبر و نهيك عن الجزع لأنفدنا اه و اللام فى لأنفدنا جواب شرط و كذا و لكان الداء معطوفا على انفدنا.
(و قلّا لك) الضمير في قلّا يعود إلى الداء المماطل و الكمد المحالف لانّ الضمير يرجع إلى أقرب المراجع مع عدم القرينة و يحتمل أن يرجع إلى انفاد ماء الشؤن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 71
المستفاد من انفدنا و إلى الداء المماطل و الكمد المحالف بجعلهما واحدا من حيث قربهما معنى (و لكنه) اه الضمير فيه و في ردّه و دفعه يرجع إلى الموت في قوله عليه السّلام لقد انقطع بموتك و يمكن أن يرجع إلى البكاء و الحزن المستفاد من الجمل السالفة على ما يأتي بيانه فى المعنى.
المعنى:
قوله (بأبي أنت و أمي) أي جعل أبواى فداك و التفدية هي كلمة معتادة للعرب تقال لمن يعزّ عليهم حتى انه اعزّ و ارجح عنده من أبويه بحيث يجعلهما فداء له و لو تخييلا فلا يشترط فيها امكان التفدية إذ ليس الغرض من اطلاقها تحقيق الفدية و ثبوتها فلا يرد ههنا ان يقال انّ التفدية بعد موت من يفدى له غير ممكنة فكيف قال عليه السّلام بأبي أنت و امّي.
ثمّ انّ ههنا كلاما يناسب المقام و هو أن المستفاد من بعض اخبارنا المروية عدم جواز قول انسان ان يقول لغيره بأبى أنت و امي إذا كانا مؤمنين حيين كما روى في الوسال و الخصال على طريقين عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام حيث سئل عن الرّجل يقول لابنه أو لابنته بأبي أنت و امّي أو بأبوى أنت أ ترى بذلك بأسا؟ فقال عليه السّلام: ان كان أبواه مؤمنين حيين فأرى ذلك عقوقا و ان كانا قد ماتا فلا بأس.
و ظاهر الخبر يدل على عدم جواز القول بالتفدية بالابوين إذا كانا مؤمنين حيين في قبال الولد لان المفدى يكون أحبّ من الفدية حيث يجعلها فداءه فيلزم أن يكون الأولاد أحبّ و أعزّ من الوالدين و هذا عقوق لهما و خروج عن الأوامر بالبر بالوالدين و النّواهي عن العقوق لهما مع شدة تأكيد برهما بحيث جعل في القرآن الكريم الاحسان بالوالدين قرين عبادة اللّه تعالى «وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» و غير ذلك من الايات و الأخبار و أمّا إذا كانا قد ماتا فلا بأس بذلك لعدم تحقق التفدية كما إذا كانا حيين غير مؤمنين أيضا لا بأس به لعدم حرمة لهما حينئذ فمتى كان في الولد لا يجوز ذلك و في غيره عدم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 72
جواز القول بها أولى، و النّبي صلّى اللّه عليه و آله أولى بالمؤمنين من أنفسهم فضلا عن آبائهم و أولادهم و أموالهم.
قوله عليه السّلام (لقد انقطع) اه أى انقطع بسبب موتك النّبوة و الأخبار و الوحى و لم ينقطع بموت غيرك من الأنبياء و ذلك لأنّه صلّى اللّه عليه و آله خاتم النّبيّين و آخرهم ختمت النّبوّة به فشريعته باقية الى يوم القيامة، فبموته صلّى اللّه عليه و آله انقطع الوحى و النبوة نصّ بذلك عزّ من قائل في الاحزاب «ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول اللّه و خاتم النبيّين و كان اللّه بكلّ شيء عليما» قرء عاصم بفتح التاء و الباقون من القراء بكسر تاء و على كلا القرائتين يحصل المقصود لأنّ من كسر التاء من خاتم فانه ختمهم فهو خاتمهم، و من فتح التاء فمعناه آخر النّبيّين لا نبي بعده و في الصحاح الخاتم- بفتح التاء- و الخاتم بكسر التاء و الخيتام و الخاتام كلّه بمعنى.
و في المجمع و صح الحديث عن جابر بن عبد اللّه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال انّما مثلى في الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فاكملها و حسّنها إلّا موضع لبنة فكان من دخل فيها فنظر إليها قال ما احسنها الا موضع هذه اللبنة قال صلّى اللّه عليه و آله فانا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء، و أورده البخاري و مسلم في صحيحهما.
أقول: اتى بهذه الرّواية العارف المتأله ابن أبي جمهور الاحسائي في المجلي ص 369 و البراهين القاطعة و المعجزات القاهر عقلا و نقلا في انه صلّى اللّه عليه و آله خاتم النبيّين كثيرة لا يعتريه ريب و لا يشوبه عيب و لا يرتاب فيه الا من كان في عقله خبل و في عينه حول و لا يدعى النبوّة بعده صلّى اللّه عليه و آله إلّا الكذاب الاشر المفتري الذي غرته الدنيا و باع حظه بالأرذل الأدنى و تغطرس و تردّى في هواه، و من اظلم ممن افترى على اللّه كذبا أو قال اوحى إلىّ و لم يوح إليه شيء و اولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون.
و في السيرة الحلبية: ان جبرئيل جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى وجعه الذي توفى فيه «إلى أن قال:» و جاء أن جبرئيل عليه السّلام قال هذا آخر وطئى بالأرض، و في لفظ آخر: عهدى بالأرض بعدك و لن اهبط إلى الأرض لأحد بعدك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 73
قال الحافظ السيوطى و هو حديث ضعيف جدا و لو صح لم يكن فيه معارضة أى لما ورد انه ينزل ليلة القدر مع الملائكة يصلّون على كلّ قائم و قاعد يذكر اللّه لانه يحمل على انه آخر نزوله بالوحى.
ثمّ اعترض على السيوطى بان حديث يوحى اللّه إلى عيسى عليه السّلام أى بعد قتله الدجال صريح فى أنّه يوحى إليه بعد النزول و الظّاهر أنّ الجائي بالوحى هو جبرئيل عليه السّلام لانه السفير بين اللّه و رسله انتهى.
أقول: معلوم عند العقلاء بانّ الوحى بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يكون وحى نبوّة قطعا و القطع بأن الجائى بالوحى إلى عيسى عليه السّلام هو جبرئيل غير معلوم.
و في الكافي لثقة الاسلام الكلينيّ (قده) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ان فاطمة عليها السّلام مكثت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمسة و سبعين يوما و كان دخلها حزن شديد على أبيها و كان يأتيها جبرئيل عليه السّلام فيحسن عزاءها على أبيها و يطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه و يخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها و كان عليّ عليه السّلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة عليها السّلام.
و كذا في الكافي باب مشتمل على الاخبار الحاكية على أنّ الملائكة تدخل بيوتهم و تطأ بسطهم و تأتيهم بالاخبار و هم عليهم السّلام مختلف الملائكة «ص 146 م 2 من الوافي».
ثمّ انّ الانباء و اخبار السّماء و ان كانا متقاربى المعنى لكنّه لا يبعد ان يقال: ان المراد من أخبار السماء هو الوحى الذي اوحى إليه صلّى اللّه عليه و آله من اللّه تعالى و المراد من الانباء ما أخبر هو صلّى اللّه عليه و آله النّاس و أنبأهم به.
قوله عليه السّلام (خصصت حتّى صرت مسليا عمّن سواك) أى خصصت فى مصيبة من حيث انّها مصيبة خاصّة عظيمة و داهية دهياء لا يصاب النّاس بمثلها فلذلك صارت مسلية عن غيرها من المصائب و كل مصيبة دونها و إن كانت كبيرة لصغيرة بل لا يعبأ بها و كيف لا و هو خاتم النبيّين و اشرف المخلوقين و كان نبيّ الرّحمة و قال اللّه تعالى «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 74
فاىّ مصيبة أعظم من تلك المصيبة للعالمين.
فأشار عليه السّلام بانه ليس لنا مصيبة غيرها لانها مسلية عن غيرها كما قال عليه السّلام في الخطبة المأتين عند دفن فاطمة عليها السّلام كالمناجي به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند قبره: الا ان في التأسي لي بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعزّ.
في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال ابن اصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك فاذكر مصابك برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فان الخلائق لم يصابوا بمثله قطّ.
و فيه أيضا سليمان عمرو النخعي عنه عليه السّلام قال من اصيب بمصيبة فليذكر مصابه بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فانها أعظم المصائب.
و فيه أيضا عبد اللّه بن الوليد الجعفي عن رجل عن أبيه قال: لما اصيب أمير المؤمنين عليه السّلام نعى الحسن إلى الحسين عليهما السّلام و هو بالمدائن فلما قرأ الكتاب قال يا لها من مصيبة ما أعظمها مع أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابه بى فانه لم يصاب بمصيبة أعظم منها و صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و في الوسائل الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من اصيب بمصيبة فليذكر مصيبته فيّ فانه اعظم المصائب.
و روى الشيخ زين الدين في كتاب مسكّن الفؤاد عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أصاب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بى فانها ستهون عليه.
و عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال من عظمت عنده مصيبة فليذكر مصيبته بى فانّها ستهون عليه.
و عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال فى مرض موته أيّها النّاس ايّما عبد من امّتى اصيب بمصيبة من بعدي فليتعزّ بمصيبته بى عن المصيبة التي تصيبه بعدى فان أحدا من امّتى لن يصاب بمصيبة بعدى اشد عليه من مصيبتى و غير ذلك من الأخبار المروية فى الباب من كتب علمائنا الاقدمين رضوان اللّه عليهم أجمعين.
و فسر الشّارح المعتزلي كلامه عليه السّلام بوجه آخر حيث قال: قوله عليه السّلام خصصت، أي خصت مصيبتك أهل بيتك حتّى أنهم لا يكترثون بما يصيبهم بعدك من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 75
المصائب و لا بما أصابهم من قبل انتهى.
و مختارنا ان تلك المصيبة لها خصوصيّة و مرتبة بحيث صارت مسلية عن غيرها من المصائب الواردة على المسلمين سواء كان من أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله أولا و لا يخفى رجحانه ان لم نقل بتعيينه و عدم صحة غيره، و الأخبار المذكورة آنفا أصدق شاهد في ذلك و العلامة المجلسي (ره) في البحار و ابن ميثم و غيره في شرح النهج اختار و اما اخترناه.
قوله عليه السّلام (و عممت حتّى صار النّاس فيك سواء) أي عممت النّاس بمصيبتك يعنى أن مصيبتك شملت جميع المسلمين بحيث لا يكون أحد فارغا عنها.
كنايه قوله عليه السّلام (و لو لا أنك امرت اه) أي لو لا امرك بالصبر في قبال المصائب و حدثان الدهر و نهيك عن الجزع في إزاء نوائب الايام لبكينا حتّى لا يبقى من الدّموع في مجاريها و منابعها شيء، و هذا كناية عن كثرة البكاء، و لكان الألم و الحزن فى مصيبتك و فراقك ملازما غير مفارق، على ان انفاد الدمع و مماطلة الداء و ملازمة الحزن قلا لك بل ينبغي أن يكون البكاء و الحزن فى مصيبتك أشد و أكثر من ذلك.
ثمّ إنّه عليه السّلام أشار من قوله هذا: و لو لا انك آه، الى العذر فى ترك البكاء و الحزن بأن أمره صلّى اللّه عليه و آله بالصبر و نهيه عن الجزع ألزمنى على ذلك و منعنى على البكاء و الألم الامر و النّهى فى كلامه عليه السّلام ليسا محمولين على الوجوب و الحرمة لان النوح فى المصيبة إذا لم يكن بالباطل و لم يكن ما يسخط الربّ تعالى ليس بمحرم بل يستحب البكاء لموت المؤمن لا سيما لموت المؤمن الفقيه.
و فى الفقيه انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين جاءته وفاة جعفر بن أبى طالب و زيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا و يقول كانا يحدثاني و يؤنساني فذهبا جميعا.
و فيه أيضا لما انصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من وقعة احد إلى المدينة سمع من كلّ دار قتل من أهلها قتيل نوحا و بكاء و لم يسمع من دار حمزة عمّه فقال صلّى اللّه عليه و آله لكن حمزة لابواكى عليه فالى أهل المدينة ان لا ينوحوا على ميت و لا يبكوه حتّى يبدأوا بحمزة فينوحوا عليه و يبكوه فهم إلى اليوم على ذلك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 76
و في الكافي لما مات إبراهيم ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حزنا عليك يا إبراهيم و انا لصابرون يحزن القلب و تدمع العين و لا نقول ما يسخط الربّ و غيرها من الأخبار في كتبنا القيّمة الدالّة على بكاء فاطمة على أبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بكاء عليّ عليه السّلام عليهما و بكاء سيّد السّاجدين على سيّد الشهداء عليهما السّلام.
بل يستفاد من جملة تلك الأخبار جواز شق الثوب على الأب و الأخ و القرابة كما روى أنّه لما قبض عليّ بن محمّد العسكري عليهما السّلام رؤى الحسن بن عليّ عليهما السّلام و قد خرج من الدار و قد شق قميصه من خلف و قدام.
نعم مضمون بعض تلك الأخبار النّهى عن الصراخ بالويل و العويل و لطم الوجه و الصّدر و جزّ الشعر من النواصي و ثبوت الكفّارة فى بعض الصور.
ثمّ انّ الروايات كثيرة فى التعزى و التسلّى و استحباب احتساب البلاء و الصبر فى المصائب و ترك الجزع مما لا يعدّ و لا يحصى على أنّ اللّه جلّ جلاله قال: «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ و...َ».
و فى الفقيه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أربع من كن فيه كان فى نور اللّه عزّ و جلّ الاعظم: من كان عصمة أمره شهادة ان لا إله إلّا اللّه و انى رسول اللّه، و من إذا أصابته مصيبة قال إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، و من إذا أصاب خيرا قال الحمد للّه ربّ العالمين و من إذا أصاب خطيئة قال أستغفر اللّه و أتوب إليه.
و فى الكافى قال فضيل بن ميسر كنا عند أبى عبد اللّه عليه السّلام فجاءه رجل فشكى إليه مصيبة اصيب بها فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام امّا انّك ان تصبر توجر و ان لم تصبر مضى عليك قدر اللّه الذي قدر عليك و أنت مأزور، و غيرهما من الأخبار الواردة فى المقام.
و لا يخفى انّ الصبر فى المصائب حسن جميل جدا لأنّ الغمّ و الحزن و الاضطراب تورث أمراضا كثيرة من خلل فى الدّماع و الصداع و السهر و الفالج و اللقوة و الرعشة و الهزال فى الجسم و كلال فى البصر و بالخلل فى الدّماغ تحدث الافة فى الأفعال الدماغيّة من الفكر و التخيل و التذكر و الحركات الارادية و غيرها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 77
لأنّ مقدم البطن المقدم من الدّماغ موضع الحس المشترك و هو المدرك للصور الجزئية المحسوسة بادراك الحواس الظاهرة، و مؤخّر البطن المقدم لخزانة الحسّ المشترك المسماة بالخيال، و في الخيال تحفظ الصور المرتسمة إذا غابت عن الحواس الظاهرة، و البطن الاوسط من الدماغ موضع الوهم و هو القوة المدركة للمعاني الجزئيّة القائمة بتلك الصور و خزانتها الحافظة و هى قوة تحفظ ما يدركه الوهم من المعاني الجزئية و موضعها البطن المؤخر من الدماغ. و من المدركات المتصرفة و هي قوّة تارة تركب بعض الصور مع بعض كتخيل إنسان ذي جناحين أو بعض المعاني مع بعض كتخيل هذه الصّداقة مع هذه العداوة أو بعض المعاني مع بعض الصور كتخيل صداقة جزئية لزيد و تارة تفصل بعض الصور عن بعض كتخيل انسان بلا رأس و هكذا و هذه القوّة موضعها الدماغ كلها لعموم تصرفها ان سلطنتها في الوسط على ما برهن و بين مفصلا و مشروحا في محله و كذلك الأفعال الصادرة عن القوى كلّها تكون بالاعصاب و هى تتصل بالدماغ و متى صار مئوفا تحدث الافة في أفعالها.
و في مادة «جذم» من سفينة البحار أنّ كثرة الهموم تولّد المواد السوداوية المولدة للجذام.
و فى شرح النفيس: الغم كيفيّة نفسانيّة تتبعها حركة الرّوح و الحرارة الغريزيّة إلى داخل البدن خوفا من الموذي الواقع و هى لتكاثف الرّوح بالبرد الحادث عند انتفاء الحرارة الغريزيّة لشدّة الانقباض و الاختناق يتبعها ضعف القوى الطبيعيّة و يلزمه قلة توليد بدل ما يتحلل من الدّم و الرّوح البخارى و كثرة التحلل منهما لعجز القوّة عن حفظهما عن التحلل فيحدث الجفاف فيتبعها الهزال و الصداع و أمراض اخر و كذا السهر فانه يجفف لكثرة تحلل الرطوبات بالحرارة الحادثة عن حركة الأرواح إلى جهة الظاهر و عن حركة الحواس فى ادراكاتها عن الحركات الارادية لكن تأثيرها فى الدماغ يكون أكثر و اقوى لانه مبدء الحواس و الحركات فيتولد منها علل ردية.
و بالجملة الأمراض التابعة للحزن و الغم أكثر أن تحصى فبالحرىّ ان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 78
يصبر الانسان فى نوائب الدهر و لا يلقى بيده إلى التهلكة مع أن الجزع لا فائدة فيه يكون مورثا لتلك الأمراض المزمنة و لذلك كله امر فى الشرع بالصبر و نهى عن الجزع.
قوله عليه السّلام (و لكنه ما لا يملك ردّه و لا يستطاع دفعه) استدرك عليه السّلام تسلية لنفسه و لغيره بقوله و لكن الموت الذي لاجله البكاء و الحزن مما لا يملك و لا يقدر ردّه و لا يطاق دفعه فلا فائدة فى الجزع و البكاء و الحزن فصبر جميل و الاحتساب حسن و ما أحسن السعدي بقوله:
خبر دارى اى استخوان قفس كه جان تو مرغى است نامش نفس
چون مرغ از قفس رفت و بگسست قيد دگر ره نگردد بدام تو صيد
و يمكن أن يعود الضمير فى لكنه ورده و دفعه إلى الأمر الذي هو البكاء و الحزن و يكون تمهيدا للعذر على البكاء و الحزن مع انّه صلّى اللّه عليه و آله أمر بالصبر و نهى عن الجزع فقال عليه السّلام ان البكاء و الحزن بهذا المقدار الذي صدر منا مما لا نملك على رده و لسنا بقادر على دفعه كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما مات ابنه إبراهيم و هملت عينه بالدموع: يحزن القلب و تدمع العين و لا نقول ما يسخط الرّب.
قوله عليه السّلام (بأبى أنت و امى اذكرنا عند ربك و اجعلنا من بالك) أعاد التفدية إعزازا و تعظيما له صلّى اللّه عليه و آله و إبرازا لما فى الضمير كرة بعد كرة توكيدا من أنّه صلّى اللّه عليه و آله احب النّاس إليه بحيث يجعل أبويه فداءه ثمّ سأله و التمس منه أن يذكره عند ربه و ان يجعله من باله، يعنى أن يكون فى قلبه صلّى اللّه عليه و آله بمنزلة و مكانة بحيث يهتمّ به و لا ينساه عند ربه.
و يؤيد ما فى الرواية المنقولة فى البحار: و اجعلنا من همك، مكان من بالك و فى اخرى من بالك و همك بجمع كليهما و سنذكرهما باسرهما، و غاية مأموله عليه السّلام ان يذكر بلسان خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله عند اللّه تبارك و تعالى و من رزق نور المعرفة يدرك علوّ شأنه و جلالة قدره من امله هذا نعم إن العبد يلتذ أن يذكر عند اللّه و لا يرجو سواه و الحبيب يحب أن يذكر اسمه عند الحبيب و يذكر الحبيب عنده و يلهج لسانه بذكره و يقول يا رب أذقنى حلاوة ذكرك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 79
وفاة رسول اللّه (ص) و الاقوال فى يوم وفاته و مبلغ سنه حينئذ و من يلي غسله و تجهيزه:
قال الطبرسي في المجمع و الزمخشري في الكشاف قال مقاتل لما نزلت سورة الفتح قرأها صلّى اللّه عليه و آله على أصحابه ففرحوا و استبشروا و سمعها العبّاس فبكى فقال صلّى اللّه عليه و آله ما يبكيك يا عمّ؟ فقال: اظن انه قد نعيت إليك نفسك يا رسول اللّه فقال انه لكما تقول فعاش بعدها سنتين ما رؤى فيهما ضاحكا مستبشرا قال: و هذه السّورة تسمى سورة التوديع.
و في المجمع قال ابن عبّاس لما نزلت إذا جاء نصر اللّه و الفتح قال: نعيت إلى نفسى بانها مقبوضة في هذه السنة اختلف في انهم من أى وجه علموا ذلك و ليس في ظاهره نعى فقيل لانّ التقدير فسبح بحمد ربك فانّك حينئذ لاحق باللّه و ذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرّسل و عند الكمال يرقب الزوال كما قيل:
إذا تمّ أمر بدا نقصه توقّع زوالا إذا قيل تمّ
و قيل لأنّه سبحانه أمره بتجديد التوحيد و استدراك الفائت بالاستغفار و ذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار، و عن عبد اللّه بن مسعود قال لما نزلت السورة كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول كثيرا سبحانك اللّهمّ و بحمدك اللّهمّ اغفر لي إنّك أنت التّواب الرّحيم، و عن امّ سلمة قالت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالأخرة لا يقوم و لا يقعد و لا يجيء و لا يذهب الا قال: سبحان اللّه و بحمده استغفر اللّه و اتوب إليه فسألناه عن ذلك فقال صلّى اللّه عليه و آله انّى امرت بها ثمّ قرأ: إذا جاء نصر اللّه و الفتح، و في رواية عائشة انه كان يقول سبحانك اللّهمّ و بحمدك استغفرت و اتوب إليك.
و في الكشاف في هذه السورة: و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انه دعا فاطمة عليها السّلام فقال يا بنتاه انه نعيت إلىّ نفسى فبكت فقال لا تبكى فانك اول أهلى لحوقابى.
و قال أبو جعفر الطبري في تاريخه بإسناده عن أبي مويهبة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من جوف الليل فقال لي: يا أبا مويهبة انى قد امرت ان استغفر لأهل البقيع فانطلق معى، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 80
السّلام عليكم أهل المقابر ليّهن لكم ما أصبحتم فيه ممّا أصبح النّاس فيه اقبلت الفتن كقطع اللّيل المظلم يتبع آخرها أوّلها الاخرة شرّ من الاولى ثمّ أقبل علىّ فقال يا أبا مويهبة اني قد اوتيت مفاتيح خزائن الدّنيا و الخلد فيها ثمّ الجنّة خيّرت بين ذلك و بين لقاء ربّي و الجنّة فاخترت لقاء ربّي و الجنّة قال: قلت بأبي أنت و امّي فخذ مفاتيح خزائن الدّنيا و الخلد فيها ثمّ الجنّة فقال: لا و اللّه يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربّي و الجنّة ثمّ استغفر لأهل البقيع ثمّ انصرف فبدئ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بوجعه الّذي قبض فيه.
و فيه عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قالت رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من البقيع فوجدني و أنا اجد صداعا في رأسي و أنا أقول: وا رأساه، قال بل أنا و اللّه يا عائشة وا رأساه ثمّ قال ما ضرّك لومتّ قبلي فقمت عليك و كفّنتك و صلّيت عليك و دفنتك فقلت: و اللّه لكأنّي بك لو فعلت ذلك رجعت إلى بيتي فاعرست ببعض نسائك قالت:
فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تنام به وجعه و هو يدور على نسائه حتّى استعزّ به و هو في بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن ان يمرّض في بيتي فإذنّ له فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العبّاس و رجل آخر تخطّ قدماه الأرض عاصبا رأسه حتّى دخل بيتي.
ثمّ قال الطبري بعد نقل هذا الخبر عن عائشة: قال عبيد اللّه فحدثت هذا الحديث عنها عبد اللّه بن عبّاس فقال: هل تدرى من الرّجل- يعني به الرّجل الاخر الذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بينهما في حديث عائشة- قلت لا قال عليّ بن أبي طالب و لكنّها- أي عايشة- كانت لا تقدر على أن تذكره- أي عليّا عليه السّلام- بخير و هي تستطيع، انتهى.
و قال أبو جعفر الطبري بإسناده إلى الفضل بن عبّاس قال: جاءني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فخرجت إليه فوجدته موعوكا قد عصب رأسه فقال خذ بيدى يا فضل فأخذت بيده حتّى جلس على المنبر ثمّ قال: نادفي النّاس، فاجتمعوا إليه فقال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 81
أمّا بعد أيّها النّاس فاني أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلّا هو و انّه قد دنى منى خفوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهرى فليستقد منه و من كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه و أنّ الشحناء ليست من طبعي و لا من شأني، ألا و انّ احبكم إلىّ من أخذ منّي حقّا ان كان له أو حلّلني فلقيت اللّه و أنا اطيب النّفس و قد أرى ان هذا غير مغن عنّى حتّى أقوم فيكم مرارا.
قال الفضل ثمّ نزل فصلّى الظهر ثمّ رجع فجلس على المنبر فعاد لمقالته الاولى في الشحناء و غيرها فقام رجل فقال يا رسول اللّه انّ لي عندك ثلاثة دراهم قال أعطه يا فضل فامرته فجلس.
ثمّ قال يا أيّها النّاس من كان عنده شيء فليؤده و لا يقل فضوح الدّنيا الا و انّ فضوح الدّنيا أيسر من فضوح الاخرة فقام رجل فقال يا رسول اللّه عندى ثلاثة دراهم غللتها في سبيل اللّه قال: و لم غللتها قال: كنت إليها محتاجا قال: خذها منه يا فضل.
ثمّ قال يا أيها النّاس من خشى من نفسه شيئا فليقم أدع له فقام رجل فقال: يا رسول اللّه اني لكذاب اني لفاحش و انّى لنؤوم فقال اللهمّ ارزقه صدقا و إيمانا و اذهب عنه النوم إذا أراد، ثمّ قام رجل فقال و اللّه يا رسول اللّه إنّي لكذّاب و انّي لمنافق و ما شيء او ان شيء الا قد جنيته، فقام عمر بن الخطّاب فقال فضحت نفسك أيّها الرجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يا ابن الخطاب فضوح الدّنيا أهون من فضوح الاخرة اللّهم ارزقه صدقا و إيمانا الحديث.
و قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه أيضا بإسناده إلى عبد اللّه بن مسعود انّه قال: نعى إلينا نبيّنا و حبيبنا نفسه قبل موته بشهر فلمّا دنى الفراق جمعنا في بيت امّنا عائشة فنظر إلينا و شدّد فدمعت عينه و قال مرحبا بكم رحمكم اللّه بكم رحمكم اللّه، آواكم اللّه، حفظكم اللّه، رفعكم اللّه، نفعكم اللّه، وفّقكم اللّه، نصركم اللّه، سلّمكم اللّه، رحمكم اللّه، قبلكم اللّه، اوصيكم بتقوى اللّه و اوصى اللّه بكم و أستخلفه عليكم و اؤدّيكم إليه انّي لكم نذير و بشير لا تعلوا على اللّه في عباده
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 82
و بلاده فانه قال لي و لكم «تلك الدّار الاخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين». و قال «أ ليس في جهنّم مثوى للمتكبّرين».
فقلنا متى اجلك قال قد دنا الفراق و المنقلب إلى اللّه و إلى سدرة المنتهى قلنا فمن يغسّلك يا نبيّ اللّه؟ قال: أهلي الأدنى فالأدنى، قلنا ففيم نكفّنك يا نبيّ اللّه؟
قال في ثيابي هذه إن شئتم أو في بياض مصر أو حلّة يمانية، قلنا فمن يصلّى عليك يا نبيّ اللّه؟ قال مهلا غفر اللّه لكم و جزاكم عن نبيّكم خيرا فبكينا و بكى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال إذا غسلتموني و كفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبرى ثمّ اخرجوا عني ساعة فانّ أول من يصلّى عليّ جليسي و خليلي جبرئيل ثمّ ميكائيل ثمّ سرافيل ثمّ ملك الموت مع جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها ثمّ ادخلوا علىّ فوجا فوجا فصلّوا علىّ و سلّموا تسليما و لا تؤذوني بتزكية و لا برنّة و لا صيحة و ليبدأ بالصلاة علىّ رجال أهل بيتي ثمّ نساؤهم ثمّ أنتم بعد اقرؤا انفسكم منّى السّلام فانّي اشهدكم انّي قد سلمت على من بايعني على ديني من اليوم إلى يوم القيامة، قلنا فمن يدخلك في قبرك يا نبيّ اللّه؟ قال: أهلي مع ملائكة كثيرين يرونكم حيث لا ترونهم.
أقول: نقل المجلسي في البحار من كتاب إسحاق الثعلبي خبرا قريبا مما نقله الطبري إلّا أنّ فيه كان أبو بكر سائلا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عمن يغسله و يكفنه و غير ذلك.
قال الشّارح المعتزلي بعد نقل هذا الخبر من الطبري: قلت: العجب لهم كيف لم يقولوا له في تلك الساعة فمن يلي امورنا بعدك لأنّ ولاية الامر أهمّ من السؤال عن الدفن و عن كيفيّة الصّلاة عليه و ما أعلم ما أقول في هذا المقام، انتهى.
أقول: و انى أعلم ما أقول بحق في هذا المقام عائذا من اللّه تعالى عن الوساوس النفسانيّة و التسويلات الشيطانيّة و تنزها عن التعصّب الذي هو ديدن العوام و دأب من يكون في طريق الحقّ ألدّ الخصام، و السّلام على من اتبع الهدى و نهى النفس عن الهوى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 83
فنقول أوّلا من أين ثبت انهم لم يقولوا ذلك و لم يسقطه الاخرون.
و ثانيا كان في الخبر انّهم سألوا عمن يغسّله و يصلّيه و كانهم سألوا عمن يليق بهذا الأمر العظيم فأجاب صلّى اللّه عليه و آله أهلي الأدنى فالأدنى و قال صلّى اللّه عليه و آله رجال أهل بيتي فأين لم يصرح بعليّ عليه السّلام فابدلوه بالأهل و بالرّجل من أهل البيت كما دريت في الخبر المروي آنفا عن عائشة انها لم تذكر عليّا و لا تقدر أن تذكره بخير و هي تستطيع.
فان أبيت عن قولنا هذا و قلت انه اشبه بالخطابي و لم يكن برهانيّا فنقول:
لا شبهة ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين امورا ممّا هو ليس بأهمّ من أمر الولاية جدّا مثل آداب الأكل و المشى و الجلوس و الدخول في الحمّام و المبرز و ادب النّورة و الحلق و لبس الثياب و قص الاظفار و آداب المعاشرة و فوائد بعض الفواكه و الأغذية و غيرها مما هي أكثر من أن تحصى و مذكورة في كتب الفريقين و من هذه حاله و سيرته و يبين هذه الامور التي بيّن شأنها و منزلتها كيف يهمل امّته بلا وليّ معصوم منصوب من قبل اللّه تعالى؟
و نعم ما قاله العلامة الحلى قدّس سرّه في كشف المراد: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان أشفق على النّاس من الوالد على ولده حتّى انّه عليه و آله السّلام أرشدهم إلى أشياء لا نسبة لها إلى الخليفة بعده كما أرشدهم فى قضاء الحاجة إلى امور كثيرة مندوبة و غيرها من الوقائع و كان صلّى اللّه عليه و آله إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين استخلف فيها من يقوم بأمر المسلمين، و من هذه حاله كيف ينسب إليه اهمال امّته و عدم إرشادهم فى أجلّ الأشياء و أسناها و أعظمها قدرا و أكثرها فائدة و أشد حاجة إليها و هو المتولى لامورهم بعده، فوجب من سيرته صلّى اللّه عليه و آله نصب إمام بعده و النّص عليه و تعريفهم إياه و هذا برهان لمىّ، انتهى.
و بالجملة من لم يكن عينه أحول و لم يعدل عن الحق و لم يضل يري أن نصب الامام واجب على اللّه تعالى باللّطف و لم يترك اللّه عباده سدى، و أنّ اللّه ليس بظلام للعبيد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 84
ثمّ نقول للشارح المعتزلىّ: إن الأخبار المتواترة من الفريقين في حقّ عليّ عليه السّلام من أحاديث غدير خم و استخلافه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام فى المدينة، و حديث المنزلة المتواتر عند الفريقين، و ما قاله صلّى اللّه عليه و آله فى حقه لما نزل و أنذر عشيرتك الأقربين سلموا عليه بامرة المؤمنين و أنت الخليفة بعدى و قوله صلّى اللّه عليه و آله فى حقّه أنت أخى و وصيى و خليفتى من بعدي و قاضى دينى- بكسر الدال- و غيرها ممّا هى متواترة معنى و نص فى امامته و ولايته على النّاس و خلافته بلا فصل عن خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و المطاعن المقبولة المسلمة المتواترة عند الفريقين في أبى بكر و عمر و عثمان و مثالبهم و تسليم جميع المسلمين أفضليته عليه السّلام من كلّ جهة من العلم و التقوى و الشجاعة و غيرها من الفضائل بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على كافة الانام حتّى انّه لم يكن بينه و بين النّبيّ فرق إلّا رتبة النّبوّة كما شهد بها المؤالف و المخالف، لم تبق لهؤلاء شكّا و ريبا فى الامامة حتّى يسألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عمّن يلي امورهم بعده.
على أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع ذلك كلّه أراد أن يكتب و يصرح بذلك أيضا حين وفاته و منع عمر عن ذلك كما هو متواتر بالمعنى.
الكلام فى ان عمر آذى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين بقوله انه صلّى اللّه عليه و آله يهجر:
قال أبو جعفر الطبرى فى تاريخه باسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال يوم الخميس و ما يوم الخميس قال: ثمّ نظرت إلى دموعه تسيل على خدّيه كأنّها نظام اللؤلؤ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ايتونى باللوح و الدواة أو بالكتف و الدّواة اكتب لكم كتابا لا تضلّون بعده قال: فقالوا إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يهجر.
و فيه أيضا عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: يوم الخميس و ما يوم الخميس قال اشتد برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجعه فقال ايتونى اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدى ابدا فتنازعوا و لا ينبغي عند نبى أن يتنازع فقالوا ما شأنه أهجر أهجر استفهموه فذهبوا يعيدون عليه فقال دعونى فما أنا فيه خير ممّا تدعوننى إليه و أوصى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 85
بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب و اجيزوا الوفد بنحو ممّا كنت اجيزهم و سكت عن الثالثة عمدا أو قال فنسيتها.
أقول: القائل بهجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عمر لا غير و حرفوا هذين الحديثين و هما حديث واحد في الحقيقة عن أصلهما و عدلوا عن لفظ المفرد إلى الجمع لبعض شأنهم و نقل هذا الحديث نقلتهم في كتبهم المعتبرة عندهم و صرّحوا بأن ذلك القائل كان عمر، و من تفحص كتب الأخبار و ما ذكره نقلة الاثار منّا و منهم درى أن خبر طلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الدواة و الكتف و منع عمر ذلك و ان كان ألفاظه مختلفة متواتر بالمعنى.
قال الشهرستاني في المقدمة الرّابعة من الملل و النحل: أوّل تنازع وقع فى مرضه صلّى اللّه عليه و آله فيما رواه محمّد بن إسماعيل البخاري بإسناده عن عبد اللّه بن عباس قال لما اشتد بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرضه الّذي مات فيه قال ايتونى بدواة و قرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعدي فقال عمر انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد غلبه الوجع حسبنا كتاب اللّه و كثر اللفظ «اللغط ظ» فقال صلّى اللّه عليه و آله قوموا عنى لا ينبغي عندى التنازع قال ابن عبّاس الرزية كلّ الرزية ما حال بيننا و بين كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، انتهى.
في البحار: البخاري و مسلم في خبر أنّه قال عمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد غلب عليه الوجع و عندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه، فاختلف أهل ذلك البيت و اختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول اللّه كتابا لن تضلوا بعده و منهم من يقول القول ما قال العمر فلما كثر اللغط و الاختلاف عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال قوموا فكان ابن عباس يقول ان الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بين أن يكتبهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم.
و فى صحيح البخاري: و إذا اشتدت مرض النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال ائتونى بقرطاس اكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعدى فقال الرجل أي عمر بن الخطاب تهجر يكفينا و فى الملل و النحل كتاب اللّه عندنا قال احدهم ائتوا حتّى جال التنازع و لا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 86
ينبغي عند النبيّ التنازع فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله قوموا عنى.
أقول: للّه در ابن عباس نعم ما فهم و تفطن حدوث الرزية كلّ الرزية من منع الرجلّ عن اتيان الدواة و الكتف و لو لا منعه و هجره لما قام التشاجر و التنازع بين الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما كان لهم فى ذلك سبيل و لصانت الملة البيضاء المحمّديّة عن هذا التفرق و التشتت و الشقاق و الاختلاف فى المذاهب و استنبط ابن عبّاس قوله هذا الرزية كلّ الرزية من كلامه صلّى اللّه عليه و آله لن تضلوا بعدي.
الكلام فى لدود رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما فيه:
ثمّ انّ أبا جعفر الطبري و غيره اتوا باخبار انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لدّ في مرضه الّذي توفى لا يخلو بعضها عن دغدغة و اضطراب و بعضها عن فائدة في ما ذهب إليه المتكلمون في أنبياء اللّه و حججه و لا بأس بذكرها و ذكر بعض التنبيهات و الاشارات فيها.
قال: بإسناده عن عبد اللّه بن عتبة عن عائشة قالت لددنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه فقال لا تلدّوني فقلنا كراهية المريض الدواء فلما افاق قال لا يبقى منكم أحد الالدّ غير العبّاس فانه لم يشهدكم.
و عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عنها أيضا قالت ثمّ نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- تعنى من المنبر- فدخل بيته و تتامّ به وجعه حتى غمر و اجتمع عنده نساء من نسائه امّ سلمة و ميمونة و نساء من نساء المؤمنين منهن اسماء بنت عميس و عنده عمّه العبّاس ابن عبد المطلب و اجمعوا على ان يلدّوه فقال العبّاس لألدنه قال فلدّ فلما افاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال من صنع بى هذا قالوا يا رسول اللّه عمك العبّاس قال هذا دواء اتى به نساء من نحو هذه الأرض و اشار نحو أرض الحبشة قال: و لم فعلتم ذلك فقال العبّاس خشينا يا رسول اللّه ان يكون بك وجع ذات الجنب فقال صلّى اللّه عليه و آله انّ ذلك لداء ما كان اللّه ليعذبنى به لا يبقى فى البيت أحد الالدّ إلّا عمّى قال فلقد لدت ميمونة و انها لصائمه لقسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عقوبة لهم بما صنعوا، و كذا فى السيرة الهشاميّة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 87
و قال أبو جعفر الطبري باسناده عن عروة ان عائشة حدثته انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين قالوا خشينا أن يكون بك ذات الجنب قال انّها من الشيطان و لم يكن اللّه ليسلّطها علىّ.
و فيه ايضا بإسناده عن الصّقعب بن زهير عن فقهاء أهل الحجاز ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثقل فى وجعه الّذي توفّى فيه حتّى اغمى عليه فاجتمع إليه نساؤه و ابنته و أهل بيته و العبّاس بن عبد المطلب و علىّ بن أبي طالب و جميعهم و انّ أسماء بنت عميس قالت: ما وجعه هذا الا ذات الجنب فلدّوه فلددناه فلمّا افاق قال من فعل بي هذا قالوا لدّتك اسماء بنت عميس ظنّت انّ بك ذات الجنب قال اعوذ باللّه ان يبليني بذات الجنب انا أكرم على اللّه من ذلك.
و في السيرة الحلبية و في رواية انه لما اشتد عليه صلّى اللّه عليه و آله المرض دخل عليه عمّه العبّاس و قد اغمى عليه فقال لأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لو لددتنه قلن إنا نجتري «إنا لا نجترىء، او أنّي نجترىء ظ» على ذلك فاخذ العبّاس يلدده فافاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: من لدني فقد اقسمت ليلدن إلّا أن يكون العبّاس فانكم لددتموني فانا صائم.
فهذه شرذمة من الأخبار الواردة في اللدود نقلها الطبرى و غيره و كانت العرب تداوي باللدود من به ذات الجنب، قال ابن أثير في النهاية: و فيه «يعني في الحديث» خير ما تداويتم به اللدود و هو بالفتح من الادوية ما يسقاه المريض في أحد شقى الفم و لديد الفم جانباه و منه الحديث انه لدّ في مرضه فلما افاق قال: لا يبقى في البيت أحد إلّا لدّ فعل ذلك عقوبة لهم لانهم لدّوه بغير اذنه انتهى.
و فى السيرة الحلبيّة: و جاء انهم لددوه صلّى اللّه عليه و آله في هذا المرض أى سقوه لدودا من أحد جانبي فمه و جعل صلّى اللّه عليه و آله يشير إليهم و هو مغمى عليه ان لا يفعلوا به و هم يظنون ان الحامل له على ذلك كراهة المريض للدواء فلما افاق الحديث.
أقول: و أمّا الدغدغة فيها فلانه لا يخفى تناقضها ففى الاولى تصريح بانّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 88
العبّاس عمّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يشهدهم، و في الثانية انه كان شاهدا و هو لدّ النّبيّ ظاهرا و مع ذلك في ذيل الحديث انّه صلّى اللّه عليه و آله قال: لا يبقى في البيت أحد الا لدّ إلّا عمّي، و في الثالثة ان اسماء بنت عميس لدّته، و في الرابعة صريح بان ازواجه صلّى اللّه عليه و آله قلن انا لا نجترىء فاخذ العبّاس يلدده.
و لولا الرّواية الرّابعة يمكن أن يقال فى رفع التناقض فيها الصواب في الرّواية الثانية ان العبّاس قال لا الدّه اولا الدنّه قال فلدوه فلما أفاق إلخ كما نقله الشارح المعتزلي هكذا «فقال العبّاس لا الدّه فلدّوه فلمّا أفاق آه» فحرّف «لا الده فلدوه، او لا الدّنه فلدّوه» إلى «لألدّنّه فلدّ» كما نقلناها عن الطبرى.
فان قلت فعلى هذا كيف قالوا في جواب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: عمك العبّاس؟
قلت انّما قالوا ذلك كما في السيرة الحلبيّة تعلّلا و خوفا منه صلّى اللّه عليه و آله و ردهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقوله غير العبّاس فانه لم يشهدكم و ان لا يناسب هذا الجمع ظاهر صدر الحديث و عنده عمه العبّاس و كذا ذيله فقال العبّاس خشينا يا رسول اللّه أن يكون بك وجع ذات الجنب على انّه لا يدلّ على انّ العبّاس لدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و اللّه أعلم.
و كيف كان قال الشّارح المعتزلي سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد البصري عن حديث اللدود فقلت ألدّ عليّ بن أبي طالب ذلك اليوم فقال معاذ اللّه لو كان لدّ لذكرت عايشة ذلك فيما تذكره و تنعاه عليه و قال: و قد كانت فاطمة عليها السّلام حاضرة في الدار و ابناها معها افتراها لدّت أيضا ولدّ الحسن و الحسين كلّا هذا أمر لم تكن و انما هو حديث ولّده من ولّده تقرّبا إلى بعض النّاس و الّذي كان ان اسماء بنت عميس اشارت بان تلد و قالت هذا دواء جاءنا من أرض الحبشة جاء به جعفر بن أبي طالب و كان بعلها و ساعدتها على تصويب ذلك و الاشارة به ميمونة بنت الحارث فلد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلمّا أفاق انكره و سأل عنه فذكر له كلام أسماء و موافقة ميمونة لها فامران تلد الامرأتان لا غير فلدّتا و لم يجر غير ذلك.
و أمّا الفائدة الكلاميّة فيها فانّه صلّى اللّه عليه و آله لما قيل له انما فعلنا ذلك ظننا ان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 89
بك يا رسول اللّه ذات الجنب فقال لها انّ ذلك لداء ما كان اللّه ليعذبني به و في رواية أنا أكرم على اللّه من أن يعذبني بها و في اخرى انها من الشيطان و ما كان اللّه ليسلّطها علىّ و في السيرة الحلبية قال بعضهم و هذا يدلّ على انها من سيئ الاسقام التي استعاذ صلّى اللّه عليه و آله منها بقوله اللّهم اني اعوذ بك من الجنون و الجذام و سيئ الاسقام.
أقول: و هذا كلّه يدلّ على ما بيناه في المختار المأتين و الاثنين و الثّلاثين من ان الانبياء منزهون عن كلّ ما ينفر عنه فيكون منافيا للغرض من البعثة و ذات الجنب داء يوجب نفرة النّاس و تبريهم عمن ابتلى به، و ذلك لأنّ ذات الجنب كما قال عليّ بن أبي الحزم القرشي المتطبب نفيس بن عوض المتطبب في شرحه: الورم في الغشاء المستبطن للاضلاع أى أضلاع الصدر الملبس عليها من داخل فان الصدر مركب من أربعة عشر ضلعا من كلّ جانب سبعة و بين كلّ اثنين منها عضل به يكون انبساط الصدر و انقباضه و يحيط بهذه الاضلاع و العضلات كما يدور و ينحنى من داخل غشاء واحد فاذا عرض في هذا الغشاء ورم سماه قوم ذات الجنب الخالص و الصحيح و سماه بعض شوصة صحيحة.
أو هو أي ذات الجنب الورم في الحجاب الحاجز أى الفاضل بين آلات الغذاء و آلات النّفس المسمّى ديافر غما عند الجمهور فمتى عرض هذا الداء ايّا منهما كان يوجب للعليل امورا منها ضيق النفس لضغط الورم مجارى النفس و لأن الحجاب من جملة آلات النفس فإذا ورم عجز عن الانبساط التامّ و كذلك الغشاء المستبطن فانّه أيضا يعين على التّنفس.
و منها السعال لتأذى الرية بالمجاورة و ترشح مادة المرض إليها فإن كانت غليظة كان مع السعال نفث و ان كانت رقيقة هيجت السعال من غير نفث.
و قال الشيخ الرّئيس في القانون و ذات الجنب قد يعرض معه اعراض السرسام المنكرة مثل اختلاط الذهن و الهذيان و تواتر النفس و الخفقان و الغشى و غيرها.
و من كان ذا عقل سليم و رويّة غير رديّة و لم ينفث الشيطان فى روعه يحكم بان صريح العقل يأبي عن اكتساء الأنبياء بتلك الامور المنفرة للطباع و لا يسند
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 90
اختلاط الذهن و الهذيان و اشباههما إليهم عليهم السّلام على كل حال.
قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه باسناده عن الارقم بن شرحبيل قال سألت ابن عبّاس اوصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ قال لا قلت فكيف كان ذلك قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ابعثوا إلى عليّ عليه السّلام فادعوه فقالت عائشة لو بعثت إلى أبي بكر و قالت حفصة لو بعثت إلى عمر فاجتمعوا عنده جميعا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انصرفوا فان تك لي حاجة ابعث إليكم فانصرفوا و قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصلاة فقال مروا أبا بكر ان يصلّى بالناس فقالت عائشة ان أبا بكر رجل رقيق فمر عمر فقال مروا عمر فقال عمر ما كنت لأتقدم و أبو بكر شاهد، فتقدّم أبو بكر فوجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خفة فخرج فلما سمع أبو بكر حركته تأخر فجذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثوبه فأقامه مكانه و قعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقر أمن حيث انتهى أبو بكر.
أقول: ارادت بقولها ان أبا بكر رجل رقيق، انّه لا يطيق أن يقوم مقام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لرقة قلبه، قال الشارح المعتزلي بعد نقل هذا الخبر:
فان قلت لم قلت فى صدر كلامك هذا انه أراد أن يبعث إلى عليّ ليوصي إليه و لم لا يجوز أن يكون بعث إليه لحاجة؟.
قلت لأن مخرج كلام ابن عبّاس هذا المخرج ألا ترى ان الأرقم بن شرحبيل الرّاوى لهذا الخبر قال سألت ابن عباس هل اوصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ فقال لا فقلت فكيف كان فقال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال في مرضه ابعثوا لي عليّ فادعوه فسألته المرأة ان يبعث إلى أبيها و سألته الاخرى ان يبعث إلى أبيها فلو لا ان ابن عبّاس فهم من قوله صلّى اللّه عليه و آله: ابعثوا إلى على فادعوه انه يريد الوصيّة إليه لما كان لاخبار الارقم بذلك متصلا بسؤاله عن الوصية معنى، انتهى.
أقول: لقد انصف الشارح المعتزلي هناك و نقلنا هذه الأخبار و الأقوال منهم حتّى يزداد اللّبيب بصيرة من عمل القائل بالهجر و هاتين المرأتين لا سيما الاولى منهما و لقائل ان يقول فاذا صرّح الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سمّى عليّا عليه السّلام بالاسم و قال ابعثوا إلى علىّ فادعوه فلم اعرضت المرأتان عن امره صلّى اللّه عليه و آله فبعثنا إلى أبيهما و ضجر الرسول صلّى اللّه عليه و آله من ذلك و غضب حيث قال انصرفوا فان تكن لى حاجة ابعث إليكم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 91
فانصرفوا و لو كان راضيا بذلك لما أمرهم بالانصراف و يقول أيضا لو كان صلاة أبى بكر عن أمره صلّى اللّه عليه و آله و رضاه لما قطع صلّى اللّه عليه و آله صلاته و لم يقرأها من أولها و لم يبن على ما مضى من فعال أبى بكر و لم يبال بها كما جاء فى عدة من أخبار اخر انّه صلّى اللّه عليه و آله ابتدأ الصلاة التي كان ابتدأها أبو بكر لا انه قرأ من حيث انتهى أبو بكر.
و انصف الشّارح المعتزلي فى ذلك و قال بعد نقل هذا الخبر: قلت عندى فى هذه الواقعة كلام و يعترضني فيها شكوك و اشتباه إذا كان قد اراد صلّى اللّه عليه و آله ان يبعث إلى علىّ ليوصى إليه فنفست عائشة فسألت أن يحضر أبوها و نفست حفصة عليه فسألت أن يحضر أبو هاثم حضرا و لم يطلبا فلا شبهة ان ابنتيهما طلبتاهما هذا هو الظاهر و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد اجتمعوا كلهم عنده انصرفوا فان تكن لى حاجة بعثت إليكم قول من عنده ضجر و غضب باطن لحضورهما و تهمة للنّساء فى استدعائها فكيف يطابق هذا الفعل و هذا القول ما روي من أن عائشة قالت لما عين عليها فى الصلاة ان أبى رجل رقيق فمر عمر و اين ذلك الحرص من هذا الاستعفاء و الاستقالة و هذا يوهم صحة ما تقوله الشيعة من ان صلاة أبى بكر كانت عن أمر عائشة.
ثمّ ارضى نفسه بقوله فعلّ الخبر غير صحيح مع أن المتدرب فى كتب الأخبار لا يشك فى أن طلب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّا و دعوته اياه و ما فعلت المرأتان لا بيهما و أمر الرسول بانصرافهم و ذهابه إلى المسجد ورده أبى بكر من صلاته مما هو مسلم عند الكل و متواتر و ليس فى ذلك خبر واحد و كتاب متفرد.
فى البحار و غيره من كتب الأخبار و كان علىّ عليه السّلام لا يفارقه صلّى اللّه عليه و آله فى مرضه إلا لضرورة فقام فى بعض شئونه فأفاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله افاقة فافتقد عليّا فقال و أزواجه حوله ادعوا لى أخي و صاحبي و عاوده الضعف فاصمت فقالت عائشة ادعوا له أبا بكر فدعى و دخل عليه و قعد عند رأسه فلما فتح عينه نظر إليه فاعرض عنه بوجهه فقام أبو بكر فقال لو كان له إلىّ حاجة لافضى بها إلىّ، فلمّا خرج اعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله القول ثانية و قال ادعوا لى أخى و صاحبى فقالت حفصة ادعوا له عمر فدعى فلمّا حضر و رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اعرض عنه ثمّ قال ادعوا لى أخى و صاحبى فقالت امّ سلمة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 92
رضى اللّه عنها ادعوا له عليّا عليه السّلام فانّه لا يريد غيره فدعى أمير المؤمنين عليه السّلام فلمّا دنا منه أومأ إليه فأكبّ عليه فناجاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طويلا ثمّ قام فجلس ناحية حتّى اغفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلمّا اغفى خرج فقال له النّاس ما الّذي أوعز اليك يا أبا الحسن فقال علمنى ألف باب من العلم فتح لي كلّ باب ألف باب و أوصاني بما أنا قائم به إنشاء اللّه تعالى.
في الكافي في باب الاشارة و النصّ على عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام: يحيى الحلبي عن بشير الكناسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الّذي توفّى فيه ادعوا لى خليلي فأرسلنا إلى أبويهما فلمّا نظر إليهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعرض عنهما ثمّ قال: ادعوا لى خليلي فارسل إلى عليّ فلما نظر إليه اكبّ عليه يحدّثه فلمّا خرج لقياه فقالا له ما حدّثك خليلك فقال: حدّثني ألف باب يفتح كلّ باب ألف باب.
بيان: أبويهما يعني ابوى عائشة و حفصة أبا بكر و عمر، اكبّ بمعنى أقبل و فيه عن الحضرمي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: علّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام ألف حرف كلّ حرف يفتح ألف حرف.
و فيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في آخر حديث طويل: فاوصى إليه بالاسم الاكبر و ميراث العلم و آثار علم النّبوّة و أوصى إليه بألف كلمة و ألف باب يفتح كلّ كلمة و كلّ باب ألف كلمة و ألف باب.
بيان: قال الفيض قدّس سرّه في الوافي قوله عليه السّلام بألف كلمة و ألف باب يفتح كل كلمة و كلّ باب ألف كلمة و ألف باب: يعني بقواعد كليّة اصوليّة و قوانين مضبوطة جميلة امكنه ان يستنبط منها أحكاما جزئية و مسائل فرعيّة تفصيلية.
مثال ذلك ما رواه الصفّار رحمه اللّه في بصائر الدرجات بإسناده عن موسى بن بكر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرّجل يغمى عليه اليوم و اليومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك كم يقضى من صلاته فقال ألا اخبرك بما ينتظم به هذا و اشباهه فقال كلّما غلب اللّه عليه من أمر فاللّه أعذر لعبده و زاد فيه غيره و هذا من الأبواب الّتي يفتح كلّ باب منها ألف باب.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 93
و في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال كان في ذؤابه سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صحيفة صغيرة فقلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام أى شيء كان فى تلك الصحيفة قال: هى الاحرف الّتى يفتح كلّ حرف ألف حرف قال أبو بصير: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام فاخرج منها حرفان حتّى الساعة.
و فيه عن يونس بن رباط قال دخلت أنا و كامل التمار على أبى عبد اللّه عليه السّلام فقال له كامل جعلت فداك حديث رواه فلان فقال اذكره فقال: حدثنى انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حدّث عليّا عليه السّلام بألف باب يوم توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّ باب يفتح ألف باب فذلك ألف ألف باب فقال لقد كان ذلك قلت جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم و مواليكم فقال يا كامل باب أو بابان فقلت له جعلت فداك فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلّا باب أو بابان قال: فقال: و ما عسيتم أن ترووا من فضلنا ما تروون من فضلنا إلّا ألفا غير معطوفة.
بيان، قال الفيض (ره) فى الوافى: من فضلكم، أى من علمكم الفا غير معطوفة يعنى الا حرفا واحدا ناقصا أى أقل من حرف واحد و انما اختار الألف لانه أقلّ الحروف و ابسطها و اخفها مؤنة و عدم عطفها كناية عن نقصانها فانها تكتب فى رسم الخط الكوفي هكذا «ا» فاذا كان طرفها غير مائل كان ناقصا.
و فى السيرة الحلبية: أعتق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى مرضه هذا أربعين نفسا و كانت عنده صلّى اللّه عليه و آله سبعة دنانير أو ستة فأمر عائشة أن تتصدق بها بعد أن وضعها صلّى اللّه عليه و آله فى كفه و قال: ما ظن محمّد بربه أن لو لقى اللّه و هذه عنده فتصدقت بها، و قال: و فى رواية أمرها بارسالها إلى علىّ عليه السّلام ليتصدق بها فبعث إليه فتصدق بها بعد وضعها فى كفّه.
ثمّ قال: و قد كان العبّاس رضى اللّه عنه قبل ذلك بيسير رأى أن القمر قد رفع من الأرض إلى السماء فقصّها على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال له: هو ابن أخيك، و نعم ما قاله الحافظ:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 94
ستاره اى بدرخشيد و ماه مجلس شد دل رميده ما را أنيس و مونس شد
قال المجلسى (ره) فى البحار و غيره من نقلة الاثار: انّه مما أكّد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين علىّ عليه السّلام من الفضل و تخصيصه منه بجليل رتبته ماتلا حجّة الوداع من الامور المجددة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الاحداث التي اتفقت بقضاء اللّه و قدره.
و ذلك انّه صلّى اللّه عليه و آله تحقق من دنوّ أجله ما كان قدم الذكر به لامّته فجعل صلّى اللّه عليه و آله يقوم مقاما بعد مقام فى المسلمين يحذرهم الفتنة بعده و الخلاف عليه و يؤكّد وصايتهم بالتمسك بسنته و الاجماع عليها و الوفاق، و يحثهم على الاقتداء بعترته و الطاعة لهم و النصرة و الحراسة و الاعتصام بهم فى الدين، و يزجرهم عن الاختلاف و الارتداد.
و كان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواية على اتفاق و اجتماع قوله صلّى اللّه عليه و آله:
يا أيّها النّاس انّى فرطكم و أنتم واردون على الحوض ألا و إنّى سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفونى فيهما فان اللطيف الخبير نبأنى أنهما لن يفترقا حتّى يلقياني و سألت ربّى ذلك فأعطانيه الأوانى قد تركتهما فيكم كتاب اللّه و عترتى أهل بيتى فلا تسبقوهم فتفرقوا و لا تقصروا عنهم فتهلكوا و لا تعلموهم فانهم أعلم منكم، أيّها النّاس لا الفينّكم بعدى ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقونى فى كتيبة كبحر السيل الجرار، ألا و إن علىّ بن ابي طالب أخى و وصيّى يقاتل بعدى على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.
و قال أبو جعفر الطبرى فى تاريخه: ثمّ ضرب صلّى اللّه عليه و آله فى المحرم من سنة احدى عشرة على النّاس بعثا إلى الشّام و أمّر عليهم مولاه و ابن مولاه اسامة بن زيد بن حارثة و أمره أن يوطىء الخيل تخوم البلقاء و الدّاروم من أرض فلسطين فتهجز الناس و أوعب مع اسامة المهاجرون الأوّلون، فبينا النّاس على ذلك ابتدئ صلّى اللّه عليه و آله شكواه الّتى قبضه اللّه عزّ و جلّ فيها إلى ما أراد به من رحمته و كرامته فى ليال بقين من صفر أو فى أوّل شهر ربيع الأوّل.
و قال الطبرى باسناده عن أبي مويهبة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة بعد ما قضى حجّة التمام فتحلل به السير و ضرب على النّاس بعثا و امّر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 95
عليهم اسامة بن زيد و أمره أن يوطى من آبل الزيت من مشارف الشام الأرض بالاردنّ فقال المنافقون في ذلك و ردّ عليهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انه لخليق لها أى حقيق بالامارة و إن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه من قبل و إن كان لخليقا لها، فطار الأخبار بتحلل السير بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد اشتكى فوثب الأسود باليمن و مسيلمة باليمامة و جاء الخبر عنهما للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ وثب طليحة في بلاد أسد بعد ما أفاق النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ اشتكى فى المحرم وجعه الذي قبضه اللّه تعالى فيه.
و قال باسناده عن ابن عبّاس قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد ضرب بعث اسامة فلم يستتبّ لوجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لخلع مسيلمة و الأسود «و هو ذو الخمار عبهلة بن كعب» و قد أكثر المنافقون فى تأمير اسامة حتّى بلغه فخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على النّاس عاصبا رأسه من الصداع لذلك من الشأن و انتشاره لرؤيا رآها فى بيت عائشة فقال: إنى رأيت البارحة فيما يرى النّائم أن فى عضدىّ سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فأوّلتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة و صاحب اليمن، و قد بلغنى أن أقواما يقولون فى امارة اسامة، و لعمرى لإن قالوا فى أمارته لقد قالوا فى أمارة أبيه من قبله و إن كان أبوه لخليقا للامارة و أنه لخليق لها، فانفذوا بعث اسامة و قال: لعن اللّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فخرج اسامة فضرب بالجرف و انشأ النّاس فى العسكر و نجم طليحة و تمهّل النّاس و ثقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يستتمّ الأمر ينظرون أولهم آخرهم حتّى توفى اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلّى اللّه عليه و آله.
و قال المجلسى فى البحار: ثمّ انه عقد لاسامة بن زيد بن حارثة الامرة و أمره و ندبه أن يخرج بجمهور الامة إلى حيث اصيب أبوه من بلاد الروم، و اجتمع رأيه عليه السّلام على اخراج جماعة من مقدمى المهاجرين و الأنصار فى معسكره حتى لا يبقى فى المدينة عند وفاته من يختلف فى الرياسة و يطمع في التقدّم على النّاس بالامارة و يستتب الأمر لمن استخلفه من بعده و لا ينازعه فى حقّه منازع، فعقد له الامرة على ما ذكرناه و جدّ فى اخراجهم و أمر اسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف و حث النّاس على الخروج معه و المسير إليه و حذّرهم من التلوم و الابطاء عنه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 96
فبينا هو فى ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفى فيها، فلما أحسّ بالمرض الّذى عراه أخذ بيد علىّ بن أبي طالب و اتبعه جماعة من النّاس و توجه إلى البقيع فقال للذي اتبعه: إننى قد امرت بالاستغفار لأهل البقيع، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم و قال السّلام عليكم أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه النّاس أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ثمّ استغفر لأهل البقيع طويلا، و أقبل على أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: انّ جبرئيل عليه السّلام كان يعرض علىّ القرآن كلّ سنة مرة و قد عرضه علىّ العام مرّتين و لا أراه إلّا لحضور أجلى ثمّ قال: يا علىّ إنّى خيّرت بين خزائن الدّنيا و الخلود فيها و الجنّة فاخترت لقاء ربّى و الجنة، و إذا انا متّ فاغسلنى فاستر عورتى فانه لا يراها أحد الا أكمه، ثمّ عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيّام موعوكا.
ثمّ خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين عليه السّلام بيمنى يديه و على الفضل بن عبّاس باليد الاخرى حتّى صعد المنبر فجلس عليه ثمّ قال يا معشر النّاس و قد حان منّى خفوق من بين أظهركم من كان له عندى عدة فليأتنى اعطه إيّاها و من كان له علىّ دين فليخبرنى به، معاشر الناس ليس بين اللّه و بين أحد شيء يعطيه به خيرا أو يصرف عنه به شرا إلا العمل أيّها النّاس لا يدعى مدع و لا يتمنى متمن و الذي بعثنى بالحق نبيّا لا ينجى إلّا عمل مع رحمة و لو عصيت لهويت، اللهم هل بلغت ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة ثم دخل بيته.
و كان إذ ذاك فى بيت ام سلمة رضى اللّه عنها فأقام به يوما أو يومين فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولى تعليله و سألت أزواج النّبي صلّى اللّه عليه و آله في ذلك فأذنّ لها، فانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة و استمر به المرض فيه أياما و ثقل فجاء بلال عند صلاة الصّبح و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مغمور بالمرض فنادى: الصلاة يرحمكم اللّه، فاوذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بندائه فقال: يصلّى بالنّاس بعضهم فاني مشغول بنفسي فقالت
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 97
عايشة: مروا أبا بكر و قالت حفصة: مروا عمر فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين سمع كلامهما و رأى حرص كلّ واحد منهما على التنويه بأبيهما و افتتانهما بذلك و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حىّ: اكففن فانكنّ صويحبات يوسف، ثمّ قام مبادرا خوفا من تقدم أحد الرجلين و قد كان صلّى اللّه عليه و آله أمرهما بالخروج مع اسامة و لم يك عنده أنّهما قد تخلّفا. فلما سمع من عائشة و حفصة ما سمع علم أنهما متأخران عن أمره فبدر لكفّ الفتنة و إزالة الشبهة فقام صلّى اللّه عليه و آله و انّه لا يستقل على الأرض من الضعف، فأخذ بيده عليّ بن أبي طالب و الفضل بن العبّاس فاعتمد عليهما و رجلاه يخطان الأرض من الضعف، فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب، فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه، فتأخر أبو بكر و قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مقامه فكبر و ابتدأ الصّلاة التي كان ابتدأها أبو بكر و لم يبن على ما مضى من فعاله، فلما سلّم انصرف إلى منزله و استدعى أبا بكر و عمر و جماعة من حضر المسجد من المسلمين ثمّ قال: الم آمر أن تنفذوا جيش اسامة؟ فقالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: فلم تأخرتم عن أمري؟
قال أبو بكر: انى خرجت ثمّ رجعت لاجدد بك عهدا، و قال: يا رسول اللّه انى لم اخرج لأنني لم احبّ أسأل عنك الركب فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نفذوا جيش اسامة نفذوا جيش اسامة يكرّرها ثلاث مرات إلى آخره.
قال الشارح المعتزلي: بعد ما خطب الناس دخل بيت ام سلمة ثمّ انتقل إلى بيت عائشة يعلّله النساء و الرجال أمّا النساء فأزواجه و بنته و أمّا الرّجال فعليّ عليه السّلام و العبّاس و الحسن و الحسين عليهما السّلام و كانا غلامين يومئذ و كان الفضل بن العبّاس يدخل احيانا إليهم ثمّ حدث الاختلاف بين المسلمين أيّام مرضه فأوّل ذلك التنازع الواقع يوم قال صلّى اللّه عليه و آله ايتوني بدواة و قرطاس و تلا ذلك حديث التخلف عن جيش اسامة.
أقول: لا خلاف بين المسلمين أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ولّى اسامة على جماعة منهم أبو بكر و عمر و عثمان و خالفوا الرسول صلّى اللّه عليه و آله في تنفيذ جيش اسامة و كان قصد النبي صلّى اللّه عليه و آله بعدهم عن المدينة لئلا يدعو الامامة بعد موته صلّى اللّه عليه و آله و لذلك لم يجعل أمير المؤمنين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 98
عليا عليه السّلام في جيش اسامة و هم تخلفوا عن أمر النّبي صلّى اللّه عليه و آله على ان امارة اسامة عليهم تدلّ على انه أفضل منهم و لم يرو و لم يقل أحد ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمّر أحدا على علي عليه السّلام فعلى أفضل من غيرهم فمن كان اسامة أفضل عليه لا يليق بالامارة مع أن فيهم من يكون أفضل من اسامة و غيره، مع أنّهم عصوا النّبي صلّى اللّه عليه و آله و تخلفوا عن أمره، و قبح تقديم المفضول على الأفضل معلوم و امامة المفضول قبيحة عقلا و لا يرتاب فيه إلا الطغام قال عزّ من قائل: «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُ» .
و بذلك تعلم أن قول الشّارح المعتزلي في خطبة شرحه:- و قدّم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف- اختلاق محض و افتراء صرف و لا يعلم اية مصلحة اقتضت ذلك أو لا يكون هذا الفعل نفسه قبيحا و ظلما و زورا؟ تعالى اللّه عن ذلك.
قال أبو جعفر الطبري في تاريخه باسناده عن عبد اللّه بن كعب بن مالك انّ ابن عبّاس أخبره أن عليّ بن أبي طالب خرج من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في وجعه الّذي توفّى فيه فقال النّاس: يا أبا حسن كيف أصبح رسول اللّه قال: أصبح بحمد اللّه بارئا فأخذ بيده عبّاس بن عبد المطلب فقال: ألا ترى انّك بعد ثلث عبد العصا و انى ارى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سيتوفى في وجعه هذا و انى لأعرف وجوه بني عبد المطّلب عند الموت فاذهب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسله فيمن يكون هذا الأمر فان كان فينا علمنا ذلك و إن كان في غيرنا امر به فأوصى بنا، قال عليّ عليه السّلام: و اللّه لئن سألناها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمنعناها لا يعطيناها النّاس أبدا و اللّه لا أسألها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبدا.
أقول: لما انجرّ كلامنا إلى هذا صادفنا عبد اللّه الأكبر يوم غدير خم يوم الأحد الثامن عشر من ذي الحجّة من السنة 1382 من الهجرة النّبويّة على هاجرها السلام فتذكرنا أن واقعة غدير خم حيث أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من عند اللّه تبارك و تعالى ان ينصب عليّا عليه السّلام للناس و يخبرهم بولايته فنزلت آية «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» فى ذلك فاعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كل أبيض و أسود بقوله من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 99
كنت مولاه فهذا علىّ مولاه على التفصيل الذي جاء فى أخبار الفريقين و مسلّم عند المسلمين و اشعار حسان فى ذلك المسطورة فى ديوانه و كتب الأخبار و نقلة الاثار مما لا ينكره احد و لا يابى عنه الا الخصم الألدّ: جاء حسان بن ثابت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه أ تأذن لى ان اقول فى هذا المقام ما يرضاه اللّه؟ فقال له قل يا حسان على اسم فوقف على نشز من الأرض و تطاول المسلمون لسماع كلامه فأنشأ يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمّ و اسمع بالنبىّ مناديا
و قال فمن مولاكم و وليكم فقالوا و لم يبدوا هناك التعاديا
الهك مولانا و أنت وليّنا و لن تجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له قم يا على فاننى رضيتك من بعدي اماما و هاديا
فخصّ بها دون البريّة كلّها عليّا و سمّاه الوزير المواخيا
فمن كنت مولاه فهذا وليّه فكونوا له اتباع صدق مواليا
هناك دعى اللهمّ وال وليّه و كن للذي عادى عليا معاديا
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك و انما اشترط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى الدعاء له لعلمه بعاقبة أمره فى الخلاف و لو علم سلامته فى مستقبل الاحوال لدعا له على الاطلاق كما فى الارشاد للمفيد (ره).
تلك الواقعة كانت فى السنة التي توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيها أعنى فى حجّة الوداع و لم يمض من تلك الواقعة إلى رحلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا شهران و بضعة أيام فكيف ذهل عباس بن عبد المطلب عن ذلك حتّى سأل عليا عن أن يسأل الرسول صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك مع أن حديث المنزلة و غيرهما فى حقّ علىّ عليه السّلام متواتر عند الفريقين و لذلك إنّ فى قلبى فى صحّة هذا الخبر شيئا على انّى أرى على تقدير الصحة حرف قوله «فمنعناها» عن أصله و كان الأصل «فمنحناها» بقرينة لا يعطيناها فليتأمّل.
و فى السيرة الحلبيّة: جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جبرئيل صحبة ملك الموت و قال له: يا أحمد ان اللّه قد اشتاق إليك قال: فاقبض يا ملك الموت كما امرت فتوفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 100
و في لفظ اتاه جبرئيل عليه السّلام فقال يا محمّد ان اللّه ارسلني إليك تكريما لك و تشريفا يسألك عما هو اعلم به منك يقول لك كيف تجدك قال اجدنى يا جبرئيل مغموما و اجدنى يا جبرئيل مكروبا ثمّ جاءه اليوم الثاني و الثالث فقال له ذلك فرد عليه صلّى اللّه عليه و آله بمثل ذلك و جاء معه في اليوم الثالث ملك الموت فقال له جبرئيل عليه السّلام هذا ملك الموت يستأذن عليك ما استأذن على أحد قبلك و لا يستأذن على آدمى بعدك أتأذن له فدخل فسلم عليه ثم قال يا محمّد ان اللّه ارسلني إليك فإن امرتنى ان اقبض روحك قبضت و ان امرتنى ان اترك تركت قال او تفعل قال نعم و بذلك امرت فنظر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال يا محمّد ان اللّه يقرؤك السّلام و يقول لك: إن شئت شفيتك و كفيتك، و إن شئت توفيتك و غفرت لك قال ذلك إلى ربّي يصنع بي ما يشاء.
و في رواية الخلد في الدّنيا ثمّ في الجنّة أحب إليك أم لقاء ربك ثمّ الجنة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لقاء ربّي ثمّ الجنّة.
و في الوافي (م 14 ص 46) عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا حضرت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الوفاة نزل جبرئيل عليه السّلام فقال يا رسول اللّه هل لك في الرجوع إلى الدّنيا فقال لا قد بلغت رسالات ربّي، فأعادها عليه فقال: لا بل الرّفيق الأعلى ثمّ قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المسلمون حوله مجتمعون: أيّها الناس انه لا نبى بعدى و لا سنة بعد سنّتي فمن ادّعى ذلك فدعواه و مدّعيه في النار فاقتلوه و من اتبعه فانه في النّار أيّها النّاس احيوا القصاص و احيوا الحق لصاحب الحق و لا تفرقوا اسلموا و سلّموا تسلّموا «كتب اللّه لأغلبن انا و رسلى انّ اللّه قوي عزيز».
في البحار: ثمّ ثقل صلّى اللّه عليه و آله و حضره الموت و أمير المؤمنين عليه السّلام حاضر عنده فلما قرب خروج نفسه قال له: ضع يا علىّ رأسى فى حجرك فقد جاء امر اللّه تعالى فاذا فاضت نفسى فتناولها بيدك و امسح بها وجهك ثمّ وجهنى إلى القبلة و تولّ أمري و صل علىّ أوّل النّاس و لا تفارقنى حتّى توارينى فى رمسى و استعن باللّه تعالى، فأخذ علىّ عليه السّلام رأسه فوضعه في حجره فاغمى عليه فأكبّت فاطمة عليها السّلام تنظر فى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 101
وجهه و تندبه و تبكى و تقول:
و ابيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
ففتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عينه و قال بصوت ضئيل: يا بنيّة هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه و لكن قولي: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ» فبكت طويلا و أومأ اليها بالدنوّ منه فدنت منه فأسرّ اليها شيئا تهلّل وجهها له ثمّ قبض صلّى اللّه عليه و آله و يد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه، ففاضت نفسه صلّى اللّه عليه و آله فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ثمّ وجّهه و غمّضه و مدّ عليه ازاره و اشتغل بالنظر في أمره صلّى اللّه عليه و آله.
و جاءت الرواية انه قيل لفاطمة عليها السّلام: ما الّذي أسرّك إليك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسرى عليك به ما كنت عليه من الحزن و القلق بوفاته؟ قالت: إنه اخبرني أنني أول أهل بيته لحوقا به و انّه لن يطول المدة بي بعده حتّى ادركه فسرى ذلك عنّي.
و في البحار انّه صلّى اللّه عليه و آله دعا الحسن و الحسين عليهما السّلام فقبّلهما و شممهما و جعل يترشفهما و عيناه تهملان.
و جاءت الرّواية المنقولة عن الفريقين انه كان عنده صلّى اللّه عليه و آله قدح فيه ماء و في لفظ بدل قدح علباء و فى آخر ركوة فيها ماء فلمّا اشتدّ عليه صلّى اللّه عليه و آله الأمر صار يدخل يده الشريفة في القدح ثمّ يمسح وجهه الشريف بالماء و يقول: اللهمّ اعنى على سكرات الموت و كذا في تاريخ الطبري و بشارة المصطفى لشيعة المرتضى و في غيرها من كتب الأخبار.
لما توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قالت فاطمة عليها السّلام: وا ابتاه اجاب داع دعاه يا ابتاه الفردوس مأواه يا ابتاه إلى جبرئيل ننعاه، و في السيرة الحلبيّة قال ابن كثير هذا لا يعدّ نياحة بل هو من ذكر فضائل الحقّ عليه عليه أفضل الصّلاة و السّلام قال و انّما قلنا ذلك لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن النياحة انتهى، أقول: و مضى الكلام منا آنفا في ذلك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 102
في البحار ناقلا عن المناقب لابن شهر آشوب و الطبرسى في المجمع في ضمن قوله تعالى «وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ» الآية (281 البقرة): عن ابن عبّاس و السّدي لما نزل قوله تعالى «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليتني أعلم متى يكون ذلك فنزل سورة النصر فكان يسكت بين التكبير و القراءة بعد نزل هذه السورة فيقول: سبحان اللّه و بحمده استغفر اللّه و أتوب إليه فقيل له انك لم تكن تقوله قبل هذا فقال أمّا نفسي نعيت إلىّ ثمّ بكا بكاء شديدا فقيل: يا رسول اللّه أو تبكى من الموت و قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟ قال: فأين هو المطلع و أين ضيقة القبر و ظلمة اللّحد و أين القيامة و الأهوال، فعاش بعد نزول هذه السّورة عاما انتهى.
«آخر آية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»:
أقول: آخر آية نزلت من السّماء على خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله بلا خلاف عند قاطبة المسلمين قوله تعالى: «وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ»، و لا خلاف أيضا فى أن جبريل عليه السّلام قال له صلّى اللّه عليه و آله ضعها في رأس الثمانين و المأتين من البقرة كما في المجمع و البيضاوي و الكشاف و غيرها عن ابن عبّاس و السّدي.
و انما الخلاف في أنّه صلّى اللّه عليه و آله كم عاش من الأيام بعد نزولها، و الاكثر على انه صلّى اللّه عليه و آله عاش بعدها أحدا و عشرين يوما و قال: ابن جريح: تسع ليال، و قال سعيد بن جبير و مقاتل: سبع ليال، و فى الكشاف و البيضاوي و قيل أحدا و ثمانين يوما، و في الكشاف و قيل ثلاث ساعات.
أقول: قول جبرئيل عليه السّلام له صلّى اللّه عليه و آله ضع هذه الاية في رأس الثمانين و المأتين من البقرة يدل على أن تركيب السور و ترتيب الايات القرآنية كما هو الان بين أيدينا كان بأمر اللّه تعالى و بأمر رسوله صلّى اللّه عليه و آله و ما نقص منه شيء و لا زيد فيه شيء، و من تفحص في كتب الأخبار للمسلمين يجد أن السور كانت عند ارتحال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرتّبة منظّمة باذن اللّه تعالى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 103
و بأمر رسوله صلّى اللّه عليه و آله موسومة بأساميها، و لنا في ذلك من الأخبار و الايات و أقوال أهل الخبرة شواهد و براهين لعلّنا نبحث في ذلك مفصلا ان شاء اللّه تعالى في محلّه.
ثمّ نقول إنّ هذا القول أعني آخر آية نزلت على الرّسول صلّى اللّه عليه و آله هي تلك الاية المذكورة لا ينافي ما في العدّة الفهدية و غيرها أوّل ما نزل «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» و آخره «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ» لأنّ كلامنا في آخر آية نزلت و هذا القول من ابن الفهد و غيره في آخر سورة نزلت.
قال المسعودي في مروج الذهب: و قد قيل انّه انزل عليه صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة من القرآن اثنتان و ثلاثون سورة.
أقول: و سيأتي إنشاء اللّه تعالى بحثنا في ذلك على التفصيل و التحقيق.
الاقوال فى مدة شكواه صلّى اللّه عليه و آله:
كانت مدة شكواه صلّى اللّه عليه و آله ثلاث عشرة ليلة و قيل أربع عشرة ليلة و قيل اثنتى عشرة ليلة و قيل عشرا و قيل ثمانية.
الاخبار فى مبلغ سنه صلّى اللّه عليه و آله يوم وفاته:
الأكثر من الفريقين ذهبوا إلى أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان حين قبض ابن ثلاث و ستين سنة و هو الحقّ في ذلك قال أبو جعفر الطبري في تاريخه بإسناده عن ابن عبّاس قال أقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمكّة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه و بالمدينة عشرا و مات و هو ابن ثلاث و ستين سنة.
و فيه عنه أيضا: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأربعين سنة و أقام بمكّة ثلاث عشرة يوحى إليه و بالمدينة عشرا و مات و هو ابن ثلاث و ستين سنة و كذا نقل عدة أخبار اخر في انه صلّى اللّه عليه و آله كان يومئذ ابن ثلاث و ستين سنة.
و في البحار للمجلسى «قد» عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو ابن ثلاث و ستين سنة في سنة عشر من الهجرة فكان مقامه بمكّة أربعين سنة ثمّ نزل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 104
عليه الوحى في تمام الأربعين و كان بمكّة ثلاث عشرة سنة ثمّ هاجر إلى المدينة و هو ابن ثلاث و خمسين سنة فاقام بالمدينة عشر سنين الحديث و كذا غيره من الأخبار المرويّة من أصحابنا رضوان اللّه عليهم و كبار علماء العامّة.
و نقل الطبري عن بعض أنه صلّى اللّه عليه و آله كان حينئذ ابن خمس و ستين سنة، و عن بعض آخر هو ابن ستين، و لكن الصواب ما ذهب إليه الاكثر و لا يعبأ بهذه الأقوال الشاذّة النادرة.
ذكر الاقوال عن اليوم و الشهر الذين توفى فيهما صلّى اللّه عليه و آله:
قال أبو جعفر الطبرى فى حديث عن ابن عبّاس انّه قال: ولد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم الاثنين، و استنبىء يوم الاثنين، و رفع الحجر يوم الاثنين، و خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، و قدم المدينة يوم الاثنين، و قبض يوم الاثنين.
و في المصباح للكفعمي قال الشيخ المفيد (ره) في مزاره اتق السفر يوم الاثنين فانه يوم الذي قبض فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و انقطع الوحى فيه و ابتز أهل بيته الامر و قتل فيه الحسين عليه السّلام و هو يوم نحس و كذا المنقول عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام من كشف الغمة كما في البحار أنّه قبض صلّى اللّه عليه و آله في شهر ربيع الأوّل يوم الاثنين لليلتين خلتا منه.
و قال شيخ الطائفة قدّس سرّه في التهذيب: قبض صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة و ولد بمكّة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الاول في عام الفيل.
أقول: و انما قال (ره): قبض صلّى اللّه عليه و آله مسموما لانه روى في البحار نقلا عن بصائر الدرجات عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمت اليهودية النّبيّ في ذراع قال:
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحب الذراع و الكتف و يكره الورك لقربها من المبال قال لما اتى بالشواء أكل من الذراع و كان يحبّها فاكل ما شاء اللّه و ما زال ينتفض به سمه حتى مات الخبر.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 105
و قال ثقة الاسلام الكليني رضوان اللّه عليه: انّه قبض صلّى اللّه عليه و آله لاثنتى عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الاثنين و هو ابن ثلاث و ستين سنة.
و قال المسعودى في مروج الذهب: قبضه اللّه يوم الاثنين لاثنتى عشر ليلة مضت من ربيع الأوّل سنة عشر فى الساعة التي دخل فيها المدينة «يعنى مهاجرا من مكّة إلى المدينة زاد اللّه لهما شرفا» في منزل عائشة و كان علته اثنى عشرة يوما.
و فى تفسير الثعلبى يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأوّل حين زاغت الشّمس.
و قال أبو جعفر الطبري أمّا اليوم الذي مات فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلا خلاف بين أهل العلم بالاخبار فيه انّه كان يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل غير أنّه اختلف في أي الاثنين كان موته صلّى اللّه عليه و آله ففقهاء أهل الحجاز قالوا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نصف النهار يوم الاثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع الأوّل.
و قال الواقدي توفى يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاوّل و دفن من الغد نصف النهار حين زاغت الشمس و ذلك يوم الثلثاء.
و قال أبو جعفر الطبرى فى تاريخه: ثمّ ضرب صلّى اللّه عليه و آله في المحرم من سنة -11- على النّاس بعثا إلى الشام و امّر عليهم مولاه و ابن مولاه اسامة بن زيد بن حارثة و أمره أن يوطىء الخيل تخوم البلقاء و الدّاروم من أرض فلسطين فتجهّز النّاس و أوعب مع اسامة المهاجرون الأوّلون فبينا الناس على ذلك ابتدى صلّى اللّه عليه و آله شكواه التي قبضه اللّه عزّ و جلّ فيها إلى ما أراد به من رحمته و كرامته فى ليال بقين من صفر أو في أوّل شهر ربيع الاول.
و فيه في الخبر الاخر عن أبي مويهبة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله -إلى أن قال-: ثم اشتكى في المحرم وجعه الّذي قبضه اللّه تعالى فيه.
و فيه باسناده عن هشام بن عروة عن أبيه قال اشتكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجعه الّذي توفاه اللّه به في عقب المحرم.
و قال الواقدي بدىء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجعه لليلتين بقيتا من صفر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 106
و قال الطبرسى فى المجمع فى قوله تعالى «وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ» الاية 281 من البقرة: ثمّ مات صلّى اللّه عليه و آله يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأوّل حين بزغت الشمس، قال: و روى أصحابنا لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة و لسنة واحدة من ملك أردشير بن شيرويه بن ابرويز بن هرمز بن أنوشيروان و قال المفيد (ره) فى الارشاد: و كان ذلك في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته صلّى اللّه عليه و آله و هو ابن ثلاث و ستين سنة و قال الخوارزمي توفّى أوّل شهر ربيع الأوّل.
و فى السيرة الحلبيّة: قال السهيلى: لا يصح أن يكون وفاته يوم الاثنين إلا فى ثالث عشرة أو رابع عشرة لاجماع المسلمين على ان وقفة عرفة كانت يوم الجمعة و هو تاسع ذي الحجّة و كان المحرم اما بالجمعة و إما بالسبت، فان كان السبت فيكون أوّل صفر إما الأحد أو الاثنين فعلى هذا لا يكون الثاني عشر من شهر ربيع الأول بوجه.
هذه طائفة من الأقوال فى يوم وفاته صلّى اللّه عليه و آله و شهره و جملة القول فيهما انه مما لا ينبغي ان يشك ان وفاته صلّى اللّه عليه و آله كان يوم الاثنين و هذا اتفاقى و المخالف فيه مكابر نفسه، و المشهور عند الجمهور انه كان فى شهر ربيع الاوّل لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول، و عند أصحابنا الاماميّة لليلتين بقيتا من صفر إلّا الكليني و المسعودى فانّهما وافقا العامة فى ذلك «1».
______________________________
(1)- المسعودى صاحب مروج الذهب هو أبو الحسن على بن الحسين بن على المسعودى الهذلى امامى ثقة بقى الى سنة ثلاث و ثلاثين و ثلاثمأة و له كتب: كتاب فى الامامة المسمى باثبات الوصية، و مروج الذهب و معادن الجوهر، كتاب الهداية الى تحقيق الولاية و غيرها مما عدها النجاشى فى كتاب الرجال و ذكره العلامة قدس سره فى القسم الاول من الخلاصة و وضعه أن يذكر الثقات من أصحابنا الامامية فى القسم الاول منها فارجع الى كتب الرجال الامامية من كتاب النجاشى و تنقيح المقال للمامقانى و جامع الرواة للاردبيلى و غيرها حتى يتضح لك انه من العلماء الكبار الاخيار و فى ذكرى أن صاحب الجواهر فى كتابه الصلاة أو الارث ذكر منه قولا. و بالجملة أن ما كتب فى ظهر مروج الذهب المطبوع فى مصر من أنه شافعى و هم و مختلق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 107
قال العلامة المجلسى فى البحار: لعل قول سنة عشر مبنى على اعتبار سنة الهجرة من أوّل ربيع الاول حيث وقعت الهجرة فيه و الذين قالوا سنة احدى عشرة بنوه على المحرم و هو اشهر.
أقول: و بذلك يرتفع الاختلاف كما هو واضح و يأتي فى المباحث الاتية التحقيق فى مبدء تاريخ الهجرة.
و خلاصة القول فيه ان ما بنى عليه المسلمون هو من أوّل المحرّم و قول الاخر أعنى أوّل ربيع الأوّل شاذّ لم يعمل به و إن ذهب إليه شرذمة من النّاس و منهم محمّد بن إسحاق المطلبي كما في السّيرة النبويّة لابن هشام التي أصلها لابن إسحاق و انتخبها ابن هشام قال: قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة يوم الاثنين حين اشتدّ الضحى و كادت الشمس تعتدل لثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل و هو التّاريخ.
و لكن هذا القول غير مقبول عند الجمهور و المبدأ المعمول به عند المسلمين هو المحرّم.
قال أبو جعفر الطبري في تاريخه: قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: أرّخوا فقال عمر: ما أرّخوا قال شيء تفعله الاعاجم يكتبون في شهر كذا من سنة كذا فقال عمر: حسن فأرّخوا فقال من ايّ السنين نبدأ قالوا من مبعثه صلّى اللّه عليه و آله و قالوا من وفاته صلّى اللّه عليه و آله ثمّ أجمعوا على الهجرة ثمّ قالوا فأيّ الشهور نبدأ فقالوا رمضان ثمّ قالوا المحرّم فهو منصرف النّاس من حجهم و هو شهر حرام فأجمعوا على المحرم.
ثمّ أقول: و لا غرابة أن يقال انّه اشتبه الامر على القائل بوفاته صلّى اللّه عليه و آله في شهر ربيع الاوّل و كذا على راوى هذا الخبر لانّ ولادته صلّى اللّه عليه و آله كان في ذلك الشهر فاخذ الوفاة مكان الولادة.
«الكلام فى أن عمر أنكر موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يكن عارفا بالقرآن»:
قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه عن أبي هريرة: لما توفّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 108
كان أبو بكر بالسنح و عمر حاضرا فقام عمر بن الخطاب فقال ان رجالا من المنافقين يزعمون ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله توفى و ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اللّه ما مات و لكنّه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثمّ رجع بعد ان قيل قد مات و اللّه ليرجعنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فليقطعنّ أيدي رجال و أرجلهم يزعمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مات.
قال: و اقبل أبو بكر حتّى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر و عمر يكلم النّاس فلم يلتفت إلى شيء حتّى دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في بيت عائشة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مسجّى في ناحية البيت عليه برد حبرة فاقبل حتّى كشف عن وجهه ثمّ أقبل عليه فقبّله ثمّ قال بأبي أنت و امّي أما الموتة التي كتب اللّه عليك فقد ذقتها ثمّ لن يصيبك بعدها موتة أبدا ثمّ ردّ الثوب على وجهه ثمّ خرج و عمر يكلّم النّاس فقال على رسلك يا عمر فأنصت فأبى إلّا أن يتكلّم، فلمّا رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على النّاس فلمّا سمع النّاس كلامه أقبلوا عليه و تركوا عمر فحمد اللّه و اثنى عليه ثمّ قال:
أيّها النّاس انّه من كان يعبد محمّدا فان محمّدا قد مات و من كان يعبد اللّه فانّ اللّه حىّ لا يموت ثمّ تلا هذه الاية: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ».
قال. فواللّه لكان النّاس لم يعلموا أن هذه الاية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى تلاها أبو بكر يومئذ قال و أخذها النّاس عن أبي بكر فانّما هي أفواههم.
قال أبو هريرة قال عمر: و اللّه ما هو إلّا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت حتى وقعت إلى الارض ما تحملنى رجلاى و عرفت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد مات.
و كذا روي أبو جعفر الطبري عن أبي أيوب عن إبراهيم خبرا آخر قريبا من الاوّل.
و كذا في آخر عن عبد الرّحمن الحميري قال توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر في المدينة فجاء فكشف الثوب عن وجهه فقبّله و قال فداك أبى و امّى ما أطيبك حيّا و ميّتا مات محمّد و رب الكعبة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 109
قال: ثمّ انطلق إلى المنبر فوجد عمر بن الخطّاب قائما يوعد النّاس و يقول انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حىّ لم يمت و أنّه خارج إلى من أرجف به و قاطع أيديهم و ضارب أعناقهم و صالبهم قال: فتكلّم أبو بكر و قال: انّ اللّه قال لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ» و قال: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ» الاية حتى ختم الاية فمن كان يعبد اللّه لا شريك له فانّ اللّه حىّ لا يموت الخبر.
قال الشهرستاني في المقدّمة الرابعة من الملل و النحل: الخلاف الثالث في موته صلّى اللّه عليه و آله قال عمر: من قال أن محمّدا قد مات قتلته بسيفي هذا و انما رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم عليه السّلام، و قال أبو بكر: من كان يعبد محمّدا فانّ محمّدا قد مات و من كان يعبد إله محمّد فانه حىّ لا يموت و قرأ هذه الاية: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ» إلخ.
أقول: و الأخبار في ذلك المضمون اعنى انكار عمر موته صلّى اللّه عليه و آله في كتبهم المعتبرة عندهم بلغت إلى مبلغ التواتر معنى و لا سبيل إلى إنكاره و إن كانت عباراتهم مختلفة، و لنا في هذا المقام كلام و هو:
ان من لم يكن عارفا للايات القرآنيّة و متدبرا لها و حافظا للكتاب العزيز كما اعترف به نفسه كيف يليق للامامة على الامّة و الخلافة عن اللّه و رسوله؟
و هل هذا الا تهافت و اختلاق؟ جلّ جناب الرّب عن أن ينال عهده الجاهلين.
الكلام فى ان عليا عليه السّلام هو الذى ولى غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو الاصل فى ذلك:
و قال أبو جعفر الطبرى عن عبد اللّه بن عبّاس ان عليّ بن أبي طالب و العبّاس ابن عبد المطلب و الفضل بن عبّاس و قثم بن العبّاس و اسامة بن زيد و شقران مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هم الّذين ولّوا غسله و انّ اوس بن خولى احد بنى عوف بن الخزرج قال لعليّ بن ابي طالب انشدك اللّه يا عليّ و حظّنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان اوس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 110
من أصحاب بدر و قال ادخل فدخل فحضر غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاسنده عليّ بن أبي طالب إلى صدره و كان العبّاس و الفضل و قثم هم الذين يقلّبونه معه و كان اسامة بن زيد و شقران مولياه هما الذان يصبّان الماء و علىّ يغسله قد اسنده إلى صدره و عليه قميصه يدلك من ورائه لا يفضى بيده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ يقول: بأبي أنت و امّي ما أطيبك حيّا و ميّتا و لم ير من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شيء ممّا يرى من الميّت.
و قال الشّارح المعتزلي: و روي محمّد بن حبيب في أماليه قال تولى غسل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّ عليه السّلام و العبّاس رضى اللّه عنه و كان عليّ عليه السّلام يقول بعد ذلك ما شممت اطيب من ريحه و لا رأيت اضوء من وجهه حينئذ و لم أره يعتاد فاه ما يعتاد أفواه الموتى.
أقول: و قد مضى الخبر الاخر من أبي جعفر الطبرى عن عبد اللّه بن مسعود حيث سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمن يغسله فقال صلّى اللّه عليه و آله أهلى الأدنى فالأدنى الخبر.
فحيث ضم ذلك الخبر إلى هذا الذي نقله الطبري عن عبد اللّه بن عباس و محمّد ابن حبيب في أماليه و غيرهما ينتج ان عليّ بن أبي طالب كان أقرب النّاس منه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ انه يعلم من خطاب اوس علي عليه السّلام انشدك اللّه يا عليّ و حظّنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام كان هو الّذي تولى غسله و هو الاصل في ذلك و العبّاس و الفضل و قثم و اسامة و شقران كانوا أعوانه في ذلك كما يدلّ عليه أيضا قوله و كان العبّاس و الفضل و قثم هم الذين يقلبونه معه و كان اسامة و شقران مولياه هما اللذان يصبّان الماء و قوله و عليّ عليه السّلام يغسله صريح فى ذلك.
في الكافي للكليني (قده) عن عبد اللّه بن مسعود قال: قلت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يا رسول اللّه من يغسلك إذا مت؟ فقال: يغسل كلّ نبى وصيّه قلت: فمن وصيّك يا رسول اللّه؟ قال: عليّ بن أبي طالب، فقلت: كم يعيش بعدك يا رسول اللّه؟ قال ثلاثين سنة، فان يوشع بن نون وصىّ موسى عاش من بعده ثلاثين سنة و خرجت عليه صفراء بنت شعيب زوج موسى فقالت أنا أحق بالأمر منك فقاتلها فقتل مقاتليها و اسرها فأحسن اسرها، و ان ابنة أبي بكر ستخرج على عليّ عليه السّلام فى كذا و كذا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 111
ألفا من امتى فيقتل مقاتليها و يأسرها فيحسن أسرها و فيها انزل اللّه تعالى «وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى» يعني صفراء بنت شعيب.
في التهذيب بإسناده عن يعلي بن مرة عن أبيه عن جدّه قال قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فستر بثوب و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلف الثوب و عليّ عليه السّلام عند طرف ثوبه و قد وضع خدّه على راحتيه يضرب طرف الثوب على وجه عليّ عليه السّلام قال و النّاس على الباب و في المسجد ينتحبون و يبكون و إذا سمعنا صوتا في البيت ان نبيكم طاهر مطهر فادفنوه و لا تغسلوه، قال: فرأيت عليّا عليه السّلام حين رفع رأسه فزعا فقال اخسأ عدوّ اللّه فانّه أمرنى بغسله و كفنه و ذاك سنة قال ثم نادى مناد آخر غير تلك النغمة يا علي بن أبي طالب استر عورة نبيّك و لا تنزع القميص، و روايات اخر قريبة منها اتى بها فى كتب العامّة أيضا.
قال فى البحار: فى الاحن و المحن بإسناده عن إسماعيل بن عبد اللّه عن أبيه عن عليّ عليه السّلام قال: أوصاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أنا مت فاغسلني بسبع قرب من بئرى بئر غرس.
و في السيرة الحلبيّة: و عند ابن ماجة أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام إذا أنا مت فاغسلني بسبع قرب من بئرى بئر غرس.
في الكافي و التهذيب عن فضيل سكرة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك هل للماء الذي يغسل به الميت حدّ محدود؟ قال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام: إذا أنامت فاستق ستّ قرب من ماء بئر غرس «غرس بئر بالمدينة» فغسلنى و كفّنى و حنطنى فاذا فرغت من غسلى و كفنى فخذ بجوامع كفنى و اجلسنى ثمّ سلنى عمّا شئت فو اللّه لا تسألنى عن شيء الا اجبتك فيه.
و فى البحار: أبان بن بطة قال يزيد بن بلال قال علىّ عليه السّلام: اوصى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّا يغسله احد غيري فانّه لا يرى أحد عورتى الا طمست عيناه قال: فما تناولت عضوا إلّا كانما كان يقلّه معى ثلاثون رجلا حتّى فرغت من غسله، و كذا في خبر قريب منه فى السيرة الحلبيّة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 112
أقول: و المراد من هذا الخبر ان عليّا عليه السّلام لو رأى عورته لا تطمس عينه كان على فرض الوقوع لا ان يجوز له ذلك.
و فيه أيضا: و روى انه لما أراد علىّ عليه السّلام غسله استدعى الفضل بن عبّاس ليعينه كان مشدود العينين و قد امره علىّ عليه السّلام بذلك اشفاقا عليه من العمى.
و فيه نقلا عن تفسير العياشى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سمعوا صوتا من جانب البيت و لم يروا شخصا يقول: «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ»* إلى قوله «فقد فاز» ثمّ قال: فى اللّه خلف و عزاء من كلّ مصيبة و درك لما فات فباللّه فثقوا و إيّاه فارجوا انما المحروم من حرم الثواب و استروا عورة نبيكم فلما وضعه على السرير نودي يا علىّ لا تخلع القميص قال فغسّله علىّ عليه السّلام فى قميصه.
و روى أبو جعفر الطبرى فى تاريخه باسناده عن عائشة قالت لما أرادوا ان يغسلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اختلفوا فيه فقالوا و اللّه ما ندرى أنجرّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من ثيابه كما نجرّد موتانا أو نغسّله و عليه ثيابه، فلمّا اختلفوا القى عليهم السّنة حتى ما منهم رجل إلا و ذقنه فى صدره، ثمّ كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرى من هو أن اغسلوا النّبيّ و عليه ثيابه، قالت: فقاموا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: فغسلوه و عليه قميصه يصبّون عليه الماء فوق القميص و يدلكونه و القميص دون أيديهم، و كذا مر منه آنفا نقلا عن عبد اللّه بن عبّاس أن عليّا عليه السّلام يغسله صلّى اللّه عليه و آله و عليه قميصه يدلك من ورائه لا يفضى بيده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الخبر.
و قال المفيد (ره) فى الارشاد: لما أراد أمير المؤمنين عليه السّلام غسل الرسول صلّى اللّه عليه و آله استدعى الفضل بن العبّاس فأمره أن يناوله الماء لغسله بعد أن عصّب عينيه ثمّ شق قميصه من قبل جيبه حتّى بلغ إلى سرّته و تولّى غسله و تحنيطه و تكفينه و الفضل يعاطيه الماء و يعينه عليه.
و فى التهذيب لشيخ الطّائفة الامامية قدس سره عن يعلى بن مرّة عن أبيه عن جدّه قال: قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فستر بثوب و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلف الثوب و علىّ عليه السّلام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 113
عند طرف ثوبه قد وضع خديه على راحته قال و الرّيح يضرب طرف الثوب على وجه عليّ عليه السّلام قال: و النّاس على الباب و في المسجد ينتحبون و يبكون و إذا سمعنا صوتا في البيت ان نبيكم طاهر مطهر فادفنوه و لا تغسلوه قال فرايت عليا عليه السّلام حين رفع رأسه فزعا فقال اخسأ عدو اللّه فانه امرني بغسله و كفنه و دفنه و ذاك سنة قال ثم نادى مناد آخر غير تلك النغمة يا عليّ بن أبي طالب استر عورة نبيّك و لا تنزع القميص.
أقول: ما يستفاد من جملة تلك الاخبار انّ عليّا عليه السّلام تولّى غسله بيده بلا كلام فيه و انه غسله صلّى اللّه عليه و آله في قميصه و لا تنافي لها مع ما في الارشاد، و أمّا المروية عن عائشة من اختلافهم و أخذهم السنة و يدلك من ورائه لا يفضى بيده فلا يخلو عن اختلاق و افتعال و البصير الناقد في الأحاديث المروية عنها في ذلك الباب من الطبري و غيره يرى ما لا يخفى عليه و كانت تقولها لبعض شانها و لا جرم انهم جردوه عاقبة الأمر و كفنوه.
فالحق فيها ما أنصف الشارح المعتزلي في المقام حيث بعد نقل شرذمة من تلك الأحاديث المروية عنها و نقلها فكانت عايشة تقول لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسله الا نساؤه كما رواها الطبرى و غيره أيضا، قال: قلت: حضرت عند محمّد بن معدّ العلوي في داره ببغداد و عنده حسن بن معالي الحلي المعروف بابن الباقلاوي و هما يقرآن هذا الخبر «يعني خبر عائشة عن اختلافهم و أخذهم السنة و قولها لو استقبلت من امرى إلخ» و هذه الأحاديث من تاريخ الطبرى فقال محمّد بن معد لحسن بن معالي: ما تراها قصدت بهذا القول قال: حسدت أباك على ما كان يفتخر به من غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فضحك محمّد و قال: هبها استطاعت أن تزاحمه في الغسل هل تستطيع أن تزاحمه في غيره من خصائصه انتهى.
ثمّ قال أبو جعفر الطبرى: قال ابن إسحاق و حدثنى الزهري عن عليّ بن الحسين قال فلما فرغ من غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفن في ثلاثة اثواب ثوبين صحاريّين و برد حبرة ادرج فيها ادراجا.
و كذا في الكافي للكليني (قده) عن زيد الشّحام قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 114
عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بم كفن قال في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين و برد حبرة.
و فى السيرة الحلبية ذكر أقوالا اخر تنتهى إلى سبعة.
«بيان» قال ابن اثير في النهاية: فى الحديث كفن رسول اللّه في ثوبين صحاريين صحار قرية باليمن نسب الثوب إليها و قيل هو من الصحرة و هى حمرة خفية كالغبرة يقال ثوب اصحر و صحارى.
في البحار نقلا عن مجالس الصّدوق بإسناده الى عبد اللّه بن عبّاس رضى اللّه عنه قال لما توفّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تولّى غسله عليّ بن أبي طالب و العباس معه فلما فرغ عليّ عليه السّلام من غسله كشف الازار عن وجهه ثمّ قال بأبي أنت و امّي طبت حيّا و طبت ميتا انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممّن سواك من النبوّة و الانباء خصصت حتى صرت مسلّيا عمن سواك و عممت حتّى صار النّاس فيك سواء و لو لا انك امرت بالصبر و نهيت عن الجزع لا نفدنا عليك الشؤن و لكن مالا يدفع كمد و غصص مخالفان و هما داء الاجل و قلا لك بأبي أنت و امي اذكرنا عند ربك و اجعلنا من همّك ثمّ اكبّ عليه فقبّل وجهه و مد الازار عليه.
و نقل هذه الخطبة الشارح المعتزلي على صورة اخرى قال:
قال محّد بن حبيب فلما كشف الازار عن وجهه بعد غسله انحنى عليه فقبله مرارا و بكى طويلا و قال: بأبي أنت و امّي طبت حيا و طبت ميتا انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد سواك من النبوّة و الأنبياء (و الانباء- ظ) و اخبار السماء خصصت حتّى صرت مسليا عمّن سواك و عممت حتى صارت المصيبة فيك سواء و لو لا انك امرت بالصبر و نهيت عن الجزع لانفدنا عليك ماء الشؤن و لكن اتى ما لا يدفع اشكو إليك كمدا و ادبارا مخالفين و داء الفتنة فانها قد استعرت نارها و داءها الداء الاعظم بأبي أنت و امّي اذكرنا عند ربّك و اجعلنا من بالك و همك.
ثمّ نظر إلى قذاة في عينه فلفظها بلسانه ثمّ ردّ الازار على وجهه.
أقول: لا يخفى ان هذه الرّواية تخالف ما في النهج في بعض ألفاظه و لا بعد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 115
أن يقال متى دار الأمر بين ما فى النّهج و بين ما في غيره يكون ما فى النّهج اضبط و أصحّ.
الكلام فى من صلّى اللّه عليه و آله:
و لما فرغ علىّ عليه السّلام من غسله و تجهيزه تقدم فصلّى عليه وحده و لم يشركه معه فى الصلاة عليه و كان المسلمون فى المسجد يخوضون فيمن يؤمّهم فى الصلاة عليه و اين يدفن فخرج إليهم أمير المؤمنين و قال لهم ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امامنا حيّا و ميتا فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلّون عليه بغير امام و ينصرفون و ان اللّه تعالى لم يقبض نبيا فى مكان إلا و قد ارتضاه لرمسه فيه و انى لدافنه فى حجرته الّتى قبض فيها فسلم القوم لذلك و رضوا به كما فى الارشاد للمفيد و فى غيره.
و روى ثقة الاسلام الكليني فى الكافى باسناده عن الحلبى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال اتى العباس أمير المؤمنين عليه السّلام فقال يا علىّ ان النّاس قد اجتمعوا ان يدفنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى بقيع المصلى و ان يؤمهم رجل منهم فخرج أمير المؤمنين عليه السّلام إلى النّاس فقال يا أيّها النّاس ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امامنا حيا و ميتا و قال انّى ادفن فى البقعة الّتى قبض فيها ثمّ قام على الباب فصلّى عليه ثمّ أمر النّاس عشرة عشرة يصلّون عليه ثمّ يخرجون.
و فى الكافى أيضا باسناده عن جابر عن أبى جعفر عليه السّلام قال لما قبض النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّت عليه الملائكة و المهاجرون و الأنصار فوجا فوجا و قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول فى صحته و سلامته انما انزلت هذه الاية على فى الصّلاة بعد قبض اللّه لى «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً».
و فى رواية الامالى ان أوّل من يصلى عليه هو اللّه سبحانه ثمّ الملائكة ثمّ المسلمون.
قال الطبرى: و دخل النّاس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلون عليه أرسالا حتّى إذا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 116
فرغ الرّجال ادخل النّساء حتّى إذا فرغ النساء ادخل الصبيان ثمّ ادخل العبيد و لم يؤمّ الناس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحد.
و في البحار: و لما أراد عليّ عليه السّلام غسله استدعى الفضل بن العبّاس فامره ان يناوله الماء بعد ان عصب عينيه فشق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ به إلى سرّته و تولّى غسله و تحنيطه و تكفينه و الفضل يناوله الماء فلما فرغ من غسله و تجهيزه تقدّم فصلّى عليه.
في البحار: سئل الباقر عليه السّلام كيف كانت الصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:
لما غسله أمير المؤمنين و كفنه سجّاه و ادخل عليه عشرة فداروا حوله ثمّ وقف أمير المؤمنين عليه السّلام في وسطهم فقال «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» فيقول القوم مثل ما يقول حتّى صلّى عليه أهل المدينة و أهل العوالى.
ان قلت نقل في البحار رواية عن سليم بن قيس نقلا عن سلمان الفارسى (ره) انّه قال اتيت عليّا عليه السّلام و هو يغسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد كان اوصى ان لا يغسله غير على «إلى أن قال:» فلمّا غسله و كفّنه ادخلنى و ادخل أبا ذر و المقداد و فاطمة و حسنا و حسينا عليهم السّلام فتقدم و صففنا خلفه و صلّى عليه و عائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها ثمّ ادخل عشرة عشرة من المهاجرين و الانصار فيصلون و يخرجون حتّى لم يبق أحد من المهاجرين و الأنصار إلا صلّى عليه الخبر. فكيف يوافق هذا الخبر ما ذكر من قبل ان عليّا صلّى عليه صلّى اللّه عليه و آله وحده و لم يشركه معه أحد في الصّلاة؟
قلت: يمكن الجمع بينهما انّه لم يشركه أحد في ان يؤم النّاس فلم يؤم النّاس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحد إلّا عليّ عليه السّلام على أن في سليم بن قيس كلاما.
و بالجملة لا يخفى على المتدرب البصير في الأخبار المروية عن الفريقين أن الصّلاة الحقيقيّة هي التي صلاها عليّ عليه السّلام على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أوّلا و ان صلّى عليه بعده غيره من الرّجال و النساء فوجا بعد فوج.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 117
الكلام فى دفنه صلّى اللّه عليه و آله:
و اختلف الاقوال فى موضع دفنه فذهب قوم إلى أن يدفنوه صلّى اللّه عليه و آله بمكّة لانها مسقط رأسه و قال الاخرون في المدينة فمنهم من رأى ان يدفن في البقيع عند شهداء احد و منهم من قال ان يدفنوه في صحن المسجد و قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام انّ اللّه لم يقبض نبيا إلّا في أطهر البقاع فينبغي ان يدفن في البقعة التي قبض فيها فاخذوا بقوله.
قال الطبري نقلا عن عبد اللّه بن عبّاس لما أرادوا ان يحفروا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكّة و كان أبو طلحة زيد بن سهل هو الّذي يحفر لأهل المدينة و كان يلحد فدعا العبّاس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة و للاخر اذهب إلى أبي طلحة اللهم خر لرسولك.
و قال الطبري قال ابن إسحاق و كان الّذي نزل قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّ بن أبي طالب و الفضل بن العبّاس و قثم بن العباس و شقران مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد قال اوس بن خولى انشدك اللّه يا عليّ و حظنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له انزل فنزل مع القوم و قد كان شقر ان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حفرته و بنى عليه قد اخذ قطيفة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يلبسها و يفترشها فقذفها في القبر و قال و اللّه لا يلبسها أحد بعدك أبدا قال فدفنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
فى التهذيب لشيخ الطّائفة الامامية في رواية عن أبي جعفر عليه السّلام «إلى أن قال:» ثمّ دخل عليّ عليه السّلام القبر فوضعه على يديه و ادخل معه الفضل بن العبّاس فقال رجل من الأنصار من بنى الخيلاء يقال له اوس بن الخولي انشدكم اللّه ان تقطعوا حقنا فقال له عليّ عليه السّلام ادخل فدخل معهما الخبر.
و فيه عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام ان قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رفع شبرا من الأرض.
و في الكافي للكلينى رضوان اللّه عليه عن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول جعل علىّ عليه السّلام على قبر النّبيّ لبنا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 118
و فيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله يا علي ادفنى في هذا المكان و ارفع قبري من الأرض أربع أصابع و رش عليه من الماء.
أقول: جاءت الرّوايات من الفريقين في تعيين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مدفنه كما في الرّواية المروية عن أبي جعفر الطبري المذكورة آنفا و من كتب الاماميّة أيضا و مع ذلك اختلافهم في مدفنه صلّى اللّه عليه و آله غريب جدّا.
و فيه أيضا عن يحيى بن أبي العلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: القى شقران مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى قبره القطيفة.
و فى الارشاد للمفيد (ره) بعد ما قال صلّى علىّ عليه السّلام وحده على النّبى و لم يشركه معه أحد ثمّ صلّى المسلمون قال:
و لما صلّى المسلمون عليه أنفذ العبّاس بن عبد المطلب برجل إلى أبى عبيدة ابن الجراح و كان يحفر لأهل مكّة و يضرّح و كان ذلك عادة أهل مكة و انفذ إلى زيد بن سهل و كان يحفر لأهل المدينة و يلحد فاستدعاهما و قال: اللهم خر لنبيك فوجد أبو طلحة زيد بن سهل و قيل له احفر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحفر له لحدا و دخل أمير المؤمنين و العبّاس بن عبد المطلب و الفضل بن العباس و اسامة بن زيد ليتولّوا دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فنادت الأنصار من وراء البيت يا علىّ إنا نذكرك اللّه و حقنا اليوم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يذهب ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال ليدخل اوس بن خولى و كان بدريا فاضلا من بنى عوف من الخزرج فلما دخل قال له علىّ عليه السّلام: انزل القبر فنزل و وضع أمير المؤمنين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على يديه و ولاه فى حفرته فلما حصل فى الأرض قال له اخرج فخرج و نزل علىّ عليه السّلام القبر فكشف عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وضع خدّه على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثمّ وضع عليه اللبن و أهال عليه التراب و كان ذلك فى يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته صلّى اللّه عليه و آله و هو ابن ثلاث و ستّين سنة و لم يحضر دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أكثر الناس لما جرى بين المهاجرين و الأنصار من التشاجر فى أمر الخلافة وفات أكثرهم الصّلاة عليه لذلك و أصبحت
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 119
فاطمة عليها السّلام تنادى: و اسوء صباحاه، فسمعها أبو بكر فقال لها: إنّ صباحك لصباح سوء و اغتنم القوم الفرصة لشغل علىّ بن أبي طالب عليه السّلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و انقطاع بني هاشم عنهم بمصابهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتبادروا إلى ولاية الأمر و اتفق لأبي بكر ما اتفق لاختلاف الأنصار فيما بينهم و كراهية الطلقاء و المؤلفة قلوبهم من تأخر الأمر حتّى يفرغ بنو هاشم فيستقر الامر مقرّه. فبايعوا أبا بكر لحضوره المكان وكالت أسباب معروفة تيسر للقوم منها.
ثمّ قال المفيد (ره): و قد جاءت الرّواية انه لمّا تم لأبى بكر ما تمّ و بايعه من بايع جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يسوى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمسحاة في يده فقال له ان القوم قد بايعوا أبا بكر و وقعت الخذلة للانصار لاختلافهم و بدر الطلقاء بالعقد للرجل خوفا من ادراككم الامر فوضع طرف المسحاة على الأرض و يده عليها ثمّ قال عليه السّلام «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ» .
و لقد مضى الكلام منه عليه السّلام في الخطبة المأتين عند دفن سيدة نساء العالمين مخاطبا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند قبره: و لقد وسدتك في ملحودة قبرك و فاضت بين نحرى و صدرى نفسك آه.
و قال عليه السّلام في الخطبة السادسة و التسعين و المأة: و لقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله انّى لم ارد على اللّه و لا على رسوله ساعة قط و لقد واسيته بنفسى في المواطن التي تنكص فيها الابطال و تتأخر الاقدام نجدة اكرمنى اللّه بها و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ان رأسه على صدرى و لقد سالت نفسه في كفّى فامررتها على وجهى و لقد ولّيت غسله صلّى اللّه عليه و آله و الملائكة اعواني فضجّت الدار و الافنية ملأ يهبط و ملأ يعرج و ما فارقت سمعى هينمة منهم يصلون عليه حتى و اريناه في ضريحه فمن ذا احق به منّى حيّا و ميتا.
قال الشّارح المعتزلي بعد نقل شرذمة من تلك الأخبار عن أبي جعفر الطبري:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 120
من تأمل هذه الأخبار علم ان عليّا عليه السّلام كان الأصل و الجملة و التفصيل في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جهازه ألا ترى ان اوس بن خولى لا يخاطب أحدا من الجماعة غيره في حضور الغسل أو النزول في القبر. ثمّ انظر إلى كرم عليّ عليه السّلام و سجاحة اخلاقه و طهارة شيمته كيف لم يضن بمثل هذه المقامات الشريفة عن اوس و هو رجل غريب من الانصار فعرف له حقه و اطلبه بما طلبه فكم بين هذه السجيّة الشريفة و بين قول من قال «يعني بها عائشة كما مضى الخبر في ذلك» لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الانساؤه و لو كان في ذلك المقام غيره من اولى الطباع الخشنة و ارباب الفظاظة و الغلظة و قد سأل اوس لزجر و انتهر و رجع خائبا انتهى.
الكلام فى تجهيزه صلّى اللّه عليه و آله فى انه أى يوم كان و الحق في ذلك:
مضى الكلام في يوم وفاته صلّى اللّه عليه و آله انه عند الاكثر الاشهر بل مما اتفقوا عليه كان يوم الاثنين.
ثمّ قال أبو جعفر الطبرى فى تاريخه: فلما بويع أبو بكر اقبل النّاس على جهاز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بويع أبو بكر يوم الاثنين في اليوم الذي قبض فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال بعضهم كان ذلك من فعلهم يوم الثلثاء و ذلك الغد من وفاته صلّى اللّه عليه و آله.
أقول: و ذلك البعض هو الواقدي حيث قال: و دفن صلّى اللّه عليه و آله من الغد نصف النهار حين زاغت الشمس و ذلك يوم الثلثاء.
و قال بعضهم انما دفن بعد وفاته بثلاثة أيام ثمّ دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من وسط الليل ليلة الأربعاء، و روى في دفنه صلّى اللّه عليه و آله ليلة الأربعاء عدّة روايات من عائشة و غيرها، و قال بعضهم دفن يوم الأربعاء.
و روى الطبرى عن زياد بن كليب عن إبراهيم النخعي انه لما قبض النّبي صلّى اللّه عليه و آله كان أبو بكر غائبا فجاء بعد ثلاث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يجترء أحد ان يكشف عن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 121
وجهه و قد اربدّ بطنه فكشف عن وجهه و قبل عينيه و قال بأبي أنت و امّي طبت حيا و طبت ميتا ثمّ خرج إلى النّاس فقال من يعبد محمّدا فان محمّدا قد مات الحديث.
و كذا أقوال الامامية و أخبارهم مختلفة في ذلك ففي بعضها ان النّاس دخلوا عليه عشرة عشرة فصلوا عليه يوم الاثنين و ليلة الثلثاء و في آخر أنهم صلوا عليه يوم الاثنين و ليلة الثلثاء حتى الصباح و يوم الثلثاء.
و الصواب انه صلّى اللّه عليه و آله دفن في اليوم الذي قبض و هو رأى المحققين من علمائنا الاماميّة كما صرّح به عماد الدّين الطبري في كامل البهائي و تولى تجهيزه في ذلك اليوم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام على ما مضى الكلام فيه مفصلا و القوم قد اشتغلوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بامر البيعة.
و إذا انضم قول أبي جعفر الطبرى و بويع أبو بكر يوم الاثنين فى اليوم الذي قبض فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى قول المفيد في الارشاد و قد جاءت الرواية انه لما تم لأبي بكر ما تمّ و بايعه من بايع جاء رجل إلى أمير المؤمنين و هو يسوى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمسحاة فى يده الحديث، ينتج ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دفن في اليوم الذي قبض.
على انه نهى ان يترك الميت و أمر بتعجيل الدفن الا لضرورة اقتضت خلافه حتى يحصل العلم الذي تطمئن به النفس و لا أقل ان يكون الامر بالتعجيل للاستحباب ان لم نقل بوجوبه و النهى للكراهة لا للحرمة ففي الوافي للفيض نقلا عن الكافي و التهذيب و الفقيه عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا معشر النّاس لا الفينّ رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح و لا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل لا تنتظروا بموتكم طلوع الشمس و لا غروبها عجلوا بهم إلى مضاجعهم رحمكم اللّه قال النّاس و أنت يا رسول اللّه يرحمك اللّه.
و فيه نقلا عن الاولين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا مات الميّت أوّل النهار فلا يقيل إلّا في قبره.
و فيه نقلا عن الثالث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كرامة الميت تعجيله.
و لم يكن موته صلّى اللّه عليه و آله مشتبها حتى يتربص في تجهيزه ثلاثة أيام لحصول العلم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 122
به و لا يقبل العقل السليم ان يبقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ميتا يوم الاثنين و الثلثاء و الأربعاء و أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام حاضر لا يقوم بتجهيزه و يتركه حتّى اربدّ بطنه صلّى اللّه عليه و آله و العجب من تلك الرواية المنقولة عن الطبري أنه لا يجترىء أحد أن يكشف عن وجهه هل يقبله عاقل و يتسلم لبيب ان عليّا عليه السّلام لا يجتري في ذلك، و أنصف الشارح المعتزلي فى المقام و قال:
و كيف يبقى طريحا بين أهله ثلاثة أيام لا يجترىء أحد منهم أن يكشف عن وجهه و فيهم علىّ بن أبي طالب و هو روحه بين جنبيه و العبّاس عمه القائم مقام أبيه و ابنا فاطمة و هما كولديه و فيهم فاطمة بضعة منه أ فما كان فى هؤلاء من يكشف عن وجهه و لا من يفكر فى جهازه. و لا من يأنف له من انتفاخ بطنه و اخضرارها و ينتظر بذلك حضور أبى بكر ليكشف عن وجهه انا لا اصدق ذلك و لا يسكن قلبى إليه.
ثمّ قال ذلك الشارح: و بقى الاشكال فى قعود علىّ عليه السّلام عن تجهيزه و إذا كان اولئك مشتغلين بالبيعة فما الذي شغله هو فاقول يغلب على ظنى ان صح ذلك ان يكون قد فعله شناعة على أبى بكر و اصحابه حيث فاته الأمر و استوثر عليه به فأراد ان يتركه صلّى اللّه عليه و آله بحاله لا يحدث فى جهازه امرا ليثبت عند الناس ان الدّنيا شغلتهم عن نبيهم ثلاثة أيام حتى آل أمره إلى ما ترون و قد كان عليه السّلام يتطلب الحيلة فى تهجين أمر أبى بكر حيث وقع فى السقيفة ما وقع بكل طريق و يتعلق بأدنى سبب من امور كان يعتمدها و أقوال كان يقولها فلعل هذا من جملة ذلك، أو لعله إن صحّ ذلك فانما تركه صلّى اللّه عليه و آله بوصيته منه اليه و سرّ كانا يعلمانه فى ذلك.
فان قلت فلم لا يجوزان يقال ان صح ذلك انه اخر جهازه ليجتمع رأيه و رأى المهاجرين على كيفية غسله و كفنه و نحو ذلك من اموره؟
قلت لأن الرواية الاولى يبطل هذا الاحتمال و هى قوله صلّى اللّه عليه و آله لهم قبل موته يغسلني أهلى الادنى منهم فالادنى و اكفن فى ثيابى أو فى بياض مصر أو فى حلة يمنيّة انتهى.
أقول كيف اجتري هذا الرجل ان يتفوه بذلك و كان له شيطان يعتريه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 123
و الا فكيف نطق بأنّ عليّا عليه السّلام تركه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثة أيّام لذلك الغرض الذي بمراحل عنه عليه السّلام و هو شارح أقواله و عارف بأحواله فى الجملة و لا يخالف أحد فى أنّه عليه السّلام أزهد الناس و أعلمهم و أفضلهم و أتقاهم و أنّه طلق الدنيا ثلاثا و لا يعدّ مكارم أعماله و محاسن أخلاقه و فضائل أوصافه و مناقب آدابه كلّت ألسن الفصحاء عن توصيف مقامه الشاهق، و حارت أفهام العقلاء فيه و كيف لا و هو كتاب اللّه الناطق، و بالجملة لما كانت سخافة قول الرّجل و خرافته أظهر من الشمس فى رائعة النهار فلا يهمنا اطالة الكلام فى الرّد و الانكار، و نستجير باللّه من الهواجس النّفسانيّة و الوساوس الشيطانيّة.
قال ابن قتيبة الدينوري- و هو من أكابر علماء العامة المتعصب جدّا فى مذهبه كما هو الظاهر لأهل التتبع و التفحص في حال الرجال- في كتابه الامامة و السياسة المعروف بتاريخ الخلفاء «المتوفى سنة 276» في إباية عليّ عليه السّلام بيعة أبي بكر:
ثمّ إن عليّا عليه السّلام اتى به إلى أبي بكر و هو يقول: أنا عبد اللّه و أخو رسوله فقيل له بايع أبا بكر فقال عليه السّلام: أنا أحق بهذا الأمر منكم لا ابايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الامر من الأنصار و احتججتم عليه بالقرابة من النّبي صلّى اللّه عليه و آله و تأخذونه منّا أهل البيت غصبا؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الامر منهم لما كان محمّد صلّى اللّه عليه و آله منكم فأعطوكم المقادة و سلموا إليكم الإمارة و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار. نحن اولى اللّه برسول اللّه حيّا و ميّتا فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، و إلّا فبوءوا بالظلم و أنتم تعلمون «إلى أن قال:» فقال عليه السّلام: اللّه اللّه يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره و قعر بيته إلى دوركم و قعور بيوتكم و لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه، فو اللّه يا معشر المهاجرين لنحن أحق النّاس به لأنا أهل البيت و نحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب اللّه الفقيه فى دين اللّه، العالم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 124
بسنن رسول اللّه، المضطلع بأمر الرعيّة المدافع عنهم الامور السيئة، القاسم بينهم بالسويّة، و اللّه إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل اللّه فتزدادوا من الحق بعدا.
فقال بشير بن سعد الأنصارى لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان.
قال: و خرج عليه السّلام يحمل فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول اللّه قد مضت بيعتنا لهذا الرجل و لو أنّ زوجك و ابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به فيقول عليّ عليه السّلام: أ فكنت أدع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في بيته لم أدفنه، و أخرج أنازع الناس سلطانه؟
فقالت فاطمة عليها السّلام: ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له و لقد صنعوا ماللّه حسيبهم و طالبهم.
و في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام في مرثية سيد المرسلين:
نفسى على زفراتها محبوسة يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة و انما ابكى مخافة ان تطول حياتي
و اسند إلى فاطمة عليها السّلام في مرثية أبيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكيا انوح و اشكو لا اراك مجاوبى
فيا ساكن الصحراء علّمتنى البكا و ذكرك انسانى جميع المصائب
فان كنت عنى فى التراب مغيبا فما كنت عن قلب الحزين بغائب
و قالت عليها السلام فى رثاه صلّى اللّه عليه و آله و ندبته بقولها يوم موته و بعده بألفاظ منها:
يا أبتاه جنة الخلد مثواه، يا أبتاه عند ذى العرش مأواه، يا أبتاه كان جبريل يغشاه يا أبتاه لست بعد اليوم أراه.
فى الكافى للكلينى (ره) عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال: لما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جاءهم جبرئيل عليه السّلام و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسجّى و فى البيت عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فقال السّلام عليكم يا أهل بيت الرّحمة «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 125
ان فى اللّه تعالى عزاء من كلّ مصيبة و خلفا من كل هالك و دركا مما فات فباللّه فثقوا و اياه فارجوا فان المصاب من حرم الثّواب هذا آخر وطيى من الدنيا قالوا سمعنا الصوت و لم نر الشخص.
الترجمة:
از كلام آن بزرگوار است، در حالى كه مباشر غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تكفين و تدفين او بود فرموده است:
پدر و مادرم فداى تو باد هر آينه بموت تو نبوّت و خبر دادن بحقائق و وحى آسمانى قطع شد كه بموت ديگر پيغمبران قطع نشده بود «زيرا آن حضرت خاتم انبياء است و تا قيام قيامت شريعت او منسوخ نمى شود و ديگر بر كسى كتاب آسمانى وحى نمى شود»، مصيبت تو مصيبت مخصوص و ممتازى است كه ديگر مصيبتها را تسلّى دهنده است و عام است كه همه آدميان را فرا گرفت و هيچكس از آن فارغ نيست، و اگر امر بشكيبائى و نهى از بيتابى نمى فرمودى هر آينه آب چشم را «كه از درزهاى كاسه سر فرود مى آيد و از مجراى عين خارج مى شود» در مصيبت تو تمام مى كرديم، و هر اينه درد و غم پيوسته همدم بود «و در بر طرف شدن مماطله و امروز و فردا ميكرد» و اندوه و الم هم قسم و ملازم بود، و اين درد پيوسته و اندوه هميشه براى تو اندكست «يا آن گونه گريستن و همدم اندوه و ماتم بودن براى تو اندكست» و براى بيش از اين سزاوار و درخورى. و لكن مرگ تو چيزيست كه ردّ آن مقدور كسى نيست و دفع آن در استطاعت احدى نه، «و يا اين كه: آن مقدار كه گريستيم و با غم و اندوه همدم بوديم دفع آن ميسور نبود، به بيانى كه در شرح گفته ايم».