منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 126
و من كلامه عليه السّلام اقتص فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم لحاقه به:
فجعلت أتبع مأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأطأ ذكره حتّى انتهيت إلى العرج. «في كلام طويل».
«قال الرضى (ره)»: قوله عليه السّلام: فأطا ذكره من الكلام الذي رمى به إلى غايتى الايجاز و الفصاحة، و أراد أننى كنت اعطى خبره صلّى اللّه عليه و آله من بدء خروجى إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة.
اللغة:
(جعلت) أى اخذت و شرعت (مأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله) أى الصوب الّذي سلكه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هجرته من مكّة إلى المدينة.
(اطأ) من وطئت الشيء برجلى وطا، سقطت الواو فيه و فى اخواته، قال الجوهري فى الصحاح سقطت الواو من يطأ كما سقطت مع يسع لتعدّيهما لأن فعل يفعل مما اعتل فاؤه لا يكون إلّا لازما فلمّا جاءه من بين أخواتهما متعديين خولف بهما نظائرهما.
و فى بعض النسخ «قاطّا» مكان «فاطا» و كانه تصحيف لأن القطّ كما قال الخليل: فصل الشيء عرضا، يقال قططت الشيء اقطه إذا قطعته عرضا و منه قط القلم، كما قيل فى عليّ عليه السّلام كان يقطّ الهام قطّ الاقلام، لكنه لا يناسب المقام و ان تكلف و تعسف بعض فى تفسيره.
(العرج) بفتح أوله و سكون ثانيه و هو كما قال الجوهري في الصحاح و غيره
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 127
منزل بطريق مكّة و إليه ينسب العرجىّ الشاعر و هو عبد اللّه بن عمر بن عثمان ابن عفّان و هو أحد الأمكنة التي وقع فى طريقه صلّى اللّه عليه و آله فى هجرته و هو قريب من المدينة كما يأتي ذكر طريقه صلّى اللّه عليه و آله فى هجرته و لذا قال عليه السّلام: حتّى انتهيت إلى العرج و فى النسخ المطبوعة من النهج اعرب العرج بفتح الراء و الصواب سكونها كما ذكرنا، قال زراح بن ربيعة فى قصيدة له «1»
و جاوزن بالركن من ورقان و جاوزن بالعرج حيا حلولا
الاعراب:
الظاهر أن كلمة حتّى متعلقة بكلّ واحد من اتبع و أطأ و لا تختصّ بالأخير.
المعنى:
يقتص و يروى فى هذا الفصل حاله فى خروجه من مكة إلى المدينة بعد هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان قد تخلف عنه صلّى اللّه عليه و آله بمكّة لقضاء دينه و ردّ ودائعه و ما أمره به ثمّ لحق به فى قباء راجلا و قد تورمت قدماه و قد نزل على كلثوم بن هدم حيث نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليه ثمّ جاء معه صلّى اللّه عليه و آله المدينة و نزلوا على أبى أيّوب الأنصاري كما يأتي شرحه.
(فجعلت اتبع مأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله) يعنى به خرجت من مكّة زادها اللّه شرفا مهاجرا إلى المدينة فأخذت أتبع الطريقة و الجهة التي سلكها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يأتي فى طريقه أنّه صلّى اللّه عليه و آله أتى العرج و قال علىّ عليه السّلام: حتّى انتهيت إلى العرج فسلك تلك الجهة و خرج على ذلك الطريق و ايتسى به في ذلك أيضا.
(فاطأ ذكره) اغنانا بشرحه كلام الرضى (ره) في بيانه و لا حاجة إلى التطويل.
(حتّى انتهيت إلى العرج) أى انني كنت اعطى خبره من بدء خروجي من
______________________________
(1)- السيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 127 طبع مصر 1375 ه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 128
مكّة ثمّ اطا الطريق على النحو الذى اخبرت في سيره و جهته يعني اني لازمت ذلك الطريق الّذي سلكه صلّى اللّه عليه و آله على حذوه غير مفارق اياه حتّى انتهيت على ذلك المسير إلى العرج و الظاهر انه عليه السّلام لما وصل إليه اطمأن قلبه على أنه ورد المدينة سالما لأن ذلك المكان كان قريبا منها و لذا قال حتى انتهيت إلى العرج.
الكلام فى هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الى المدينة و ما جرى فى ذلك على الايجاز: «بدء اسلام الانصار»:
في السيرة الهشاميّة و في تاريخ الطبري: لما أراد اللّه عزّ و جلّ اظهار دينه و إعزاز نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و انجاز موعده له خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الموسم الّذي لقيه فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقى رهطا من الخزرج أراد اللّه بهم خيرا.
لما لقيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال:
أمن موالى يهود؟ قالوا: نعم، قال: أفلا تجلسون اكلّمكم؟ قالوا: بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى اللّه عزّ و جلّ و عرض عليهم الاسلام و تلا عليهم القرآن.
و كان مما صنع اللّه بهم في الاسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم و كانوا أهل كتاب و علم و كانوا هم أهل الشرك و أصحاب أوثان و كانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم إن نبينا مبعوث الان قد أظلّ زمانه تتّبعه فنقتلكم معه قتل عاد و إرم.
فلما كلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اولئك النفر و دعاهم إلى اللّه قال بعضهم لبعض يا قوم تعلموا و اللّه انه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنّكم إليه فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه و قبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام و قالوا إنا قد تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و الشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم اللّه بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك و تعرض عليهم الّذي اجبناك إليه من هذا الدين فان يجمعهم اللّه عليه فلا رجل أعزّ منك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 129
ثمّ انصرفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله راجعين إلى بلادهم و قد آمنوا و صدّقوا و هم ستة نفر من الخزرج.
فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و دعوهم إلى الاسلام حتّى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار الا و فيها ذكر من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
«أمر العقبة الاولى»:
حتّى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار إثنى عشر رجلا فلقوه بالعقبة و هي العقبة الاولى فبايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على بيعة النساء «1» و ذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب.
قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليلة العقبة الاولى على أن لا نشرك باللّه شيئا و لا نسرق و لا نزني و لا نقتل أولادنا و لا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا و أرجلنا و لا نعصيه في معروف، فان وفيتم فلكم الجنّة، و إن غشيتم من ذلك شيئا فاخذتم بحدّه في الدّنيا فهو كفارة له، و إن سترتم عليه يوم القيامة فأمركم إلى اللّه عزّ و جلّ إن شاء عذّب و إن شاء غفر.
فلمّا انصرف عنه القوم بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله معهم مصعب بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف و أمره أن يقرأهم القرآن و يعلمهم الاسلام و يفقههم في الدّين فكان يسمّى المقرى بالمدينة مصعب.
______________________________
(1)- و المراد من العبارة أنهم بايعوا رسول اللّه (ص) على الشروط التي ذكرت فى بيعة النساء فى الممتحنة: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».
و كان بيعة النساء يوم فتح مكة لما فرغ النبي (ص) من بيعة الرجال و هو على الصفا جاءته النساء يبايعنه فنزلت هذه الاية فشرط اللّه تعالى فى مبايعتهن أن يأخذ عليهن هذه الشروط.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 130
«أمر العقبة الثانية»:
ثمّ إن مصعب بن عمير رجع إلى مكّة و خرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجّاج قومهم من أهل الشرك حتّى قدموا مكّة فواعدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله العقبة من أوسط أيّام التشريق حين أراد اللَّه بهم ما أراد من كرامته و النصر لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و إعزاز الاسلام و أهله و إذلال الشرك و أهله.
و اجتمع في الشعب عند العقبة ثلاثة و سبعون رجلا في اللّيلة الّتي كانوا و اعدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيها فبعد ما توثق العبّاس بن عبد المطلب و هو يومئذ على دين قومه للنّبي صلّى اللّه عليه و آله تكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتلا القرآن و دعا إلى اللّه و رغّب في الاسلام ثمّ قال: ابايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم و أبناءكم، فأخذ البراء بن معرور بيده ثمّ قال: نعم و الّذي بعثك بالحق نبيا لنمنعنّك ممّا نمنع منه ازرنا فبايعنا يا رسول اللّه فنحن و اللّه أبناء الحروب و أهل الحلقة و رثناها كابرا عن كابر.
فاعترض القول و البراء يكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أبو الهيثم بن التّيهان فقال: يا رسول اللّه إن بيننا و بين الرّجال حبالا و انّا قاطعوها- يعنى اليهود- فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ثمّ أظهرك اللّه أن ترجع إلى قومك و تدعنا؟ فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم قال: بل الدم الدم و الهدم الهدم أنا منكم و أنتم منى احارب من حاربتم و اسالم من سالمتم.
فبايعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر و الأسود أخذ لنفسه و اشترط على القوم لربّه و جعل لهم على الوفاء بذلك الجنّة.
«بيان» قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: بعثت إلى الأسود و الأحمر و هي من الألفاظ التي جاءت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من باب الكنايات يريد بعثت إلى العرب و العجم فكنى عن العرب بالسود و عن العجم بالحمر، و العرب تسمى العجمى أحمر لأن الشقرة تغلب عليه و قال جرير حيث يذكر العجم:
يسموننا الأعراب و العرب اسمنا و أسماهم فينا رقاب المزاود
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 131
إنّما يسمونهم رقاب المزاود لأنها حمرة.
نزول الامر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى القتال:
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب و لم تحلل له الدماء إنما يؤمر بالدعاء إلى اللّه و الصبر على الأذى و الصفح عن الجاهل و كانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتّى فتنوهم عن دينهم و نفوهم من بلادهم فهم بين مفتون في دينه و من بين معذب في أيديهم و بين هارب في البلاد فرارا منهم، منهم من بأرض الحبشة، و منهم من بالمدينة و في كلّ وجه.
فلما عتت قريش على اللّه عزّ و جلّ و ردّوا عليه ما أرادهم به من الكرامة و كذبوا نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و عذّبوا و نفوا من عبده و وحّده و صدّق نبيّه و اعتصم بدينه أذن اللّه عزّ و جلّ لرسوله صلّى اللّه عليه و آله في القتال و الانتصار ممّن ظلمهم و بغى عليهم فكانت أول آية انزلت في اذنه له في الحرب و احلاله له الدماء و القتال لمن بغى عليهم قول اللّه تعالى: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ» إلى قوله تعالى: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الارض» (الحج آية 42 و 43).
فلمّا أذن اللّه تعالى له صلّى اللّه عليه و آله في الحرب و بايعه هذا الحىّ من الأنصار على الاسلام و النّصرة له و لمن اتبعه و آوى إليهم من المسلمين أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصحابه من المهاجرين من قومه و من معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة و الهجرة إليها و اللحوق من الأنصار، و قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ قد جعل لكم إخوانا و دارا تأمنون بها فخرجوا ارسالا و أقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمكة ينتظر أن يأذن له ربّه في الخروج من مكّة و الهجرة إلى المدينة.
و لم يتخلّف معه بمكّة أحد من المهاجرين إلّا من حبس أو فتن إلّا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و أبو بكر بن أبي قحافة و كان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الهجرة فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تعجل لعل اللّه يجعل لك صاحبا فيطمع أبو بكر ان يكونه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 132
و لما رأت قريش أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد صارت له شيعة و أصحاب من غيرهم بغير بلدهم و رأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارا و أصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عرفوا أنهم قد أجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة- و هي دار قصى بن كلاب التي كانت قريش لا تقضى أمرا إلّا فيها- يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين خافوه.
و عن عبد اللّه بن عبّاس لما أجمعوا لذلك و اتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غدوا في اليوم الذي اتّعدوا له، و كان ذلك اليوم يسمى يوم الزّحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل عليه بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالّذي اتّعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون و عسى أن لا يعدمكم منه رأيا و نصحا، قالوا: أجل فادخل فدخل معهم و قد اجتمع فيها أشراف قريش و غيرهم ممّن لا يعدّ من قريش.
فقال بعضهم لبعض إن هذا الرّجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فانّا و اللّه ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأيا قال:
فتشاوروا.
ثمّ قال قائل منه: احبسوه في الحديد و اغلقوا عليه بابا ثمّ تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا و النابغة و من مضى منهم من هذا الموت حتّى يصيبه ما أصابهم، فقال الشّيخ النجدي: لا و اللّه ما هذا لكم برأى و اللّه لئن حبستموه كما تقولون لخيرجنّ أمره من وراء الباب الّذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من أيديكم ثمّ يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأى فانظروا في غيره فتشاوروا.
ثمّ قال قائل منهم و هو أبو الاسود ربيعة بن عامر نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فاذا اخرج عنّا فو اللّه ما نبالي أين ذهب و لا حيث وقع إذا غاب عنّا و فرغنا منه فاصلحنا أمرنا و الفتنا كما كانت، فقال الشّيخ النجدي: لا و اللّه ما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 133
هذا لكم برأى ألم تروا حسن حديثه و حلاوة منطقه و غلبته على قلوب الرجال بما يأتي به و اللّه لو فعلتم ذلك ما امنتم أن يحلّ على حىّ من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله و حديثه حتّى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتّى يطأكم بهم في بلادكم فيأخذكم أمركم من أيديكم ثمّ يفعل بكم ما أراد، دبّروا فيه رأيا غير هذا.
قال: فقال أبو جهل بن هشام: و اللّه إن لى فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا: و ما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى ان نأخذ من كلّ قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا، ثمّ نعطى كلّ فتى منهم سيفا صارما ثمّ يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فانهم إذا فعلوا ذلك تفرّق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم، قال: فقال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل هذا الرأى الّذي لا رأى غيره فتفرّق القوم على ذلك و هم مجمعون له.
«خروج النبي صلّى اللّه عليه و آله و استخلافه عليا عليه السّلام على فراشه»:
فأتى جبرئيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال: فلمّا كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكانهم قال لعليّ بن أبي طالب: نم على فراشى و تسجّ ببردى هذا الحضرميّ الأخضر فنم فيه فانّه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينام في برده ذلك إذا نام.
و لما اجتمعوا له و فيهم أبو جهل بن هشام فقال و هم على بابه: إن محمّدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب و العجم ثمّ بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الاردنّ، و إن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثمّ بعثتم من بعد موتكم ثمّ جعلت لكم نار تحرقون فيها.
و خرج عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأخذ حفنة من تراب فى يده ثمّ قال أنا أقول
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 134
ذلك أنت أحدهم و أخذ اللّه تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم و هو يتلو هؤلاء الايات من يس: «يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ» إلى قوله:
«فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» حتّى فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هؤلاء الايات و لم يبق منهم رجل إلّا و قد وضع على رأسه ترابا ثمّ انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال. ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا: محمّدا قال:
خيّبكم اللّه قد و اللّه خرج عليكم محمّد ثمّ ما ترك منكم رجلا إلّا و قد وضع على رأسه ترابا و انطلق لحاجته أ فما ترون ما بكم؟ فوضع كلّ رجل منهم يده على رأسه فاذا عليه تراب ثمّ جعلوا يتطلعون فيرون عليّا على الفراش مستحبّا ببرد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيقولون: و اللّه إن هذا لمحمّد نائما عليه برده فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام عليّ عليه السّلام عن الفراش فقالوا: و اللّه لقد كان صدقنا الّذي حدّثنا.
أقول: فان قلت: إذا علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام لن يصيبه المكروه في منامه على الفراش حيث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له عليه السّلام: فنم فيه فانه لن يخلص إليك شيء تكرهه و كان عليّا عليه السّلام على يقين من صدق قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فهل لعليّ في ذلك فضيلة و منقبة و كيف يكون كذلك مع انهما كانا عالمين بعدم اصابة مكروه لهما و كيف يصح ان يقال انّ عليّا بذل نفسه دون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وقاه بنفسه؟
على أنّه ورد في أخبار الاماميّة ان الأئمّة الاثنى عشر يعلمون علم ما كان و ما يكون و لا يخفى عليهم شيء كما جاء في ذلك باب في الكافي لثقة الاسلام الكليني و باب آخر إن اللّه تعالى لم يعلم نبيّه صلّى اللّه عليه و آله علما الا أمره أن يعلّمه أمير المؤمنين عليه السّلام و أنه كان شريكه في العلم ثمّ انتهى إليهم صلوات اللّه عليهم.
و في هذا الباب عن الصّادق عليه السّلام ان جبرئيل أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله برمانتين فأكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إحداهما و كسر الاخرى بنصفين فأكل نصفا و أطعم عليّا نصفا ثمّ قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا أخى هل تدرى ما هاتان الرمّانتان؟ قال:
لا، قال: أمّا الاولى فالنبوّة ليس لك فيها نصيب و أما الاخرى فالعلم أنت شريكى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 135
فيه فقلت أصلحك اللّه كيف كان يكون شريكه فيه قال: لم يعلم اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله علما الا و أمره أن يعلمه عليا و غير ذلك من الأبواب المشتملة على الأخبار الّتي جيئت في علمهم بما كان و ما يكون.
قلت: إنّ الأخبار الواردة في تلك الأبواب لا يدلّ على أن الأئمة الاثنى عشر كانوا عالمين بجميع ما يعلمه الامام الحىّ الّذي كان قبله ما دام ذلك الامام حيّا فلا يستفاد منها أن عليّا عليه السّلام كان عالما بجميع ما علمه الرسول صلّى اللّه عليه و آله ما دام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيّا كما ورد في ذلك بابان آخران في الكافي أولهما باب وقت ما يعلم الامام جميع علم الامام الّذي قبله و ثانيهما باب أن الامام متى يعلم أن الامر قد صار إليه، و الأخبار في هذين البابين مبيّنة و مخصّصة لتلك الأخبار في البابين الأولين، كما روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام متى يعرف الأخير ما عند الأوّل قال في آخر دقيقة تبقى من روحه.
عن صفوان قال: قلت للرضا عليه السّلام أخبرنى عن الامام متى يعلم أنه إمام حين يبلغه أن صاحبه قد مضى أو حين يمضى مثل أبي الحسن قبض ببغداد و أنت ههنا قال: يعلم ذلك حين يمضى صاحبه قلت: بأىّ شيء؟ قال: يلهمه اللّه.
و من الأخبار الدالّة على ذلك رواية اخرى في الكافي في باب الاشارة و النص على عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام: يحيى الحلبيّ عن بشير الكناسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الّذي توفى فيه: ادعوا لى خليلي، فأرسلنا إلى أبويهما «يعنى أبوى عائشة و حفصة أبا بكر و عمر» فلما نظر إليهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعرض عنهما ثمّ قال: ادعوا لى خليلي فارسل إلى عليّ عليه السّلام فلما نظر إليه أكبّ عليه يحدّثه فلمّا خرج لقياه فقالا له ما حدّثك خليلك؟ فقال: حدّثني ألف باب يفتح كلّ باب ألف باب.
فبما ذكرنا دريت أن ليس بمعلوم قطعا أن عليا عليه السّلام كان في ليلة المبيت عالما بتّا على أن المشركين لا يقتلونه حيث نام على فراشه صلّى اللّه عليه و آله.
على أن أنبياء اللّه و أولياءه لا يعلمون من عندهم شيئا و لا يقدرون بذاتهم على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 136
شيء و لا يطلعون على الغيب بل اللّه تعالى يظهرهم على غيبه عند المصلحة كظهور المعجزات في أيديهم كما نرى في كثير من الأخبار أن اناسا لمّا اتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سألوه عن أشياء و امور استمهلهم و انتظر الوحى في ذلك و لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى.
و في المجمع للطبرسي: قيل إنّ أهل مكّة قالوا يا محمّد ألا يخبرك ربّك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فنشتريه فنربح فيه و الأرض التي تريد أن تجدب فنرتحل منها إلى أرض قد اخصبت فأنزل اللّه هذه الاية: «قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» و في سورة الجن: «قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً. عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ» الاية.
و قال اللّه تعالى: «تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ» الاية.
و في الكافي في باب أنّهم لا يعلمون الغيب إلّا أنهم متى شاءوا أن يعلموا اعلموا، و في الوافي ص 137 م 2، عن أبي عبيدة المدائنى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
إذا أراد الامام أن يعلم شيئا أعلمه اللّه عزّ و جلّ ذلك.
و عن معمّر بن خلاد قال سأل أبا الحسن عليه السّلام رجل من أهل فارس فقال له أ تعلمون الغيب؟ فقال أبو جعفر عليه السّلام: يبسط لنا العلم فنعلم و يقبض عنّا فلا نعلم و قال: سرّ اللّه أسرّه إلى جبرئيل عليه السّلام و أسرّه جبرئيل إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أسرّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله إلى ما شاء اللّه.
و نعم ما نظمه العارف السعدي في هذا المعنى:
يكى پرسيد از آن گم گشته فرزند كه اى روشن روان پير خردمند
ز مصرش بوى پيراهن شنيدى چرا در چاه كنعانش نديدى
بگفت أحوال ما برق جهان است دمى پيدا و ديگر دم نهان است
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 137
گهى بر طارم أعلى نشينيم گهى تا پشت پاى خود نبينيم
و أمّا ما نقلناه عن السيرة الهشامية من أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام «نعم فيه فانه لن يخلص إليك شيء تكرهه» فنقول فيه أوّلا انه ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في ضمن بعض الخطب الماضية عن شيخه أبي جعفر النقيب: هذا هو الكذب الصراح و التحريف و الادخال في الرواية ما ليس منها و المعروف المنقول أنه صلّى اللّه عليه و آله قال له اذهب فاضطجع و تغش ببردي الحضرمي فان القوم سيفقدونني و لا يشهدون مضجعي فلعلّهم إذا رأواك يسكنّهم ذلك حتّى يصبحوا فاذا أصبحت فاغد في أداء أمانتي و ما قيل إنه صلّى اللّه عليه و آله قال له نم فيه فانه لن يخلص إليك شيء تكرهه كلام مولد لا أصل له.
و لو كان هذا صحيحا لم يصل إليه منهم مكروه و قد وقع الاتفاق على أنّه ضرب و رمى بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتّى تضور و أنهم قالوا له رأينا تضورك فانا كنا نرمى محمّدا و لا يتضور.
و لأن لفظة المكروه إن كان قالها إنما يراد بها القتل فهب أنه أمن القتل كيف يأمن من الضرب و الهوان و من أن ينقطع بعض أعضائه و بان سلمت نفسه أ ليس اللّه تعالى قال لنبيّه «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ» و مع ذلك فقد كسرت رباعيّته و شج وجهه و ادميت ساقه و ذلك لأنها عصمة من القتل خاصّة و كذلك المكروه الّذي او من عليّ عليه السّلام منه إن كان صحّ ذلك في الحديث.
و قال ابن ابي الحديد: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد الحسني فقلت إذا كانت قريش قد محضت رأيها و القى إليها إبليس كما روى ذلك الرأى و هو أن يضربوه بأسياف من أيدي جماعة من بطون مختلفة ليضيع دمه في بطون قريش فلا تطلبه بنو عبد مناف فلما ذا انتظروا به تلك اللّيلة الصبح فانّ الرواية جاءت بأنهم كانوا تسوروا الدار فعاينوا فيها شخصا مسجّى بالبرد الحضرمي الأخضر فلم يشكوا أنه هو فرصدوه إلى أن أصبحوا فوجدوه عليا و هذا طريق لأنهم كانوا قد اجمعوا على قتله تلك الليلة فما بالهم لم يقتلوا ذلك الشخص المسجّى و انتظارهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 138
به النهار دليل على أنهم لم يكونوا أرادوا قتله تلك الليلة.
فقال في الجواب لقد كانوا هموا من النهار بقتله تلك الليلة و كان إجماعهم على ذلك و عزمهم في حقنه من بني عبد مناف لأن الّذين محضوا هذا الرأى و اتفقوا عليه النضر بن الحارث من بني عبد الدار و أبو البختري بن هشام و حكيم بن حزام و زمعة بن الأسود بن المطلب هؤلاء الثلاثة من بنى سهم، و امية بن خلف و أخوه ابىّ بن خلف هذان من بني جمح فنما هذا الخبر من الليل إلى عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فلقى منهم قوما فنهاهم عنه و قال إن بنى عبد مناف لا تمسك عن دمه و لكن صفدوه في الحديد و احبسوه في دار من دوركم و تربّصوا به أن يصيبه من الموت ما أصاب أمثاله من الشعراء و كان عتبة بن ربيعة سيد بنى عبد شمس و رئيسهم و هم من بني عبد مناف و بنوعم الرجل و رهطه، فاحجم أبو جهل و أصحابه تلك الليلة عن قتله احجاما ثم تسوروا عليه و هم يظنونه في الدار فلما رأوا انسانا مسجّى بالبرد الحضرمي الأخضر لم يشكّوا أنّه هو و ائتمروا في قتله فكان أبو جهل يذمرهم عليه فيهمون ثمّ يحجمون ثمّ قال بعضهم لبعض: ارموه بالحجارة فرموه فجعل على يتضوّر منها و يتقلّب و يتأوّه تأوّها خفيفا فلم يزالوا كذلك في إقدام عليه و إحجام عنه لما يريده اللّه تعالى من سلامته و نجاته حتّى أصبح و هو وقيذ من رمى الحجارة و لو لم يخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة و أقام بينهم بمكة و لم يقتلوه تلك الليلة لقتلوه في الليلة التي تليها و إن شبّت الحرب بينهم و بين عبد مناف فان أبا جهل لم يكن بالّذي ليمسك عن قتله و كان فاقد البصيرة شديد العزم على الولوع في دمه ثمّ قال: قلت للنقيب: أ فعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام بما كان من نهى عتبة لهم؟.
قال: لا إنّهما لم يعلما ذلك تلك الليلة و إنما عرفاه من بعد و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر لما رأى عتبة و دعا له ما كان منه ان يكن في القوم خير ففي صاحب الجمل الأحمر و لو قدّرنا أن عليّا علم ما قال لهم عتبة لم يسقط ذلك فضيلة في المبيت لأنّه لم يكن على ثقة من أنّهم يقبلون قول عتبة بل كان ظن الهلاك و القتل أغلب.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 139
و كان ممّا أنزل اللّه عزّ و جلّ من القرآن في ذلك اليوم و ما كانوا أجمعوا له: «وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ» الآية (يه 30 الانفال) و قول اللّه عزّ و جلّ: «أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ. قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ» (آيه 30 الطور).
و أذن اللّه تعالى لنبيّ صلّى اللّه عليه و آله عند ذلك في الهجرة و كان أبو بكر رجلا ذا مال و لما قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد اذن لى فى الخروج و الهجرة و صحبته اياه اعدّ راحلتين كان احتبسهما فى داره ثمّ استأجرا عبد اللّه بن أرقط يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما.
فلما أجمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الخروج أتى أبا بكر بن أبى قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر فى ظهر بيته ثمّ عمد إلى غار بثور- جبل باسفل مكه و الغار هو الذي سماه اللّه فى القرآن- فدخلاه و أمر أبو بكر ابنه عبد اللّه بن أبي بكر أن يتسمع لها ما يقول النّاس فيهما نهاره ثمّ يأتيهما إذا أمسى بما يكون فى ذلك اليوم من الخبر، و أمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثمّ يريحها عليهما يأتيهما إذا أمسى فى الغار، و كانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما.
فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى الغار ثلاثا و معه أبو بكر و جعلت قريش فيه حين فقدوه مأئة ناقة لمن يردّه عليهم و كان عبد اللّه بن أبى بكر يكون فى قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به و ما يقولون فى شأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبى بكر ثمّ يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر و كان عامر بن فهيرة مولى أبى بكر يرعى فى رعيان أهل مكة فاذا أمسى أراح عليهما غنم أبى بكر فاحتلبا و ذبحا فاذا عبد اللّه بن أبى بكر غدا من عندهما إلى مكة اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتّى يعفّى عليه حتّى إذا مضت الثلاث و سكن عنهما النّاس و هدأت عنهما الأصوات أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما و بعير له
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 140
فلما قرّب أبو بكر الراحلتين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلى اللّه عليه و آله قدّم له أفضلهما ثمّ قال: اركب فداك أبى و امى، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنى لا أركب بعيرا ليس لى قال: فهى لك يا رسول اللّه، قال: لا و لكن ما الثمن الّذي ابتعتها به قال: كذا و كذا قال: قد أخذتها به، قال: هى لك يا رسول اللّه فركبا و انطلقا و اردف أبو بكر عامر ابن فهيرة مولاه خلفه ليخدمهما فى الطريق، فكانوا أربعة: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر و عامر بن فهيرة مولا أبي بكر و عبد اللّه بن أرقط دليلهما، و احتمل أبو بكر معه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف. كل ذلك نقلناه عن السيرة لابن هشام و تاريخ الطبري.
و فى المجمع فى قوله تعالى «وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ» (الانفال آية 30): قال المفسرون إنها نزلت فى قصة دار الندوة «إلى أن قال:» و جاء جبرئيل فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فخرج إلى الغار و أمر عليّا عليه السّلام فبات على فراشه فلمّا أصبحوا و فتشوا عن الفراش و جدوا عليّا عليه السّلام و قد رد اللّه مكرهم فقالوا أين محمّد؟ فقال: لا أدرى فاقتصوا أثره و ارسلوا فى طلبه فلما بلغوا الجبل و مروا بالغار رأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو كان هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاثا ثمّ قدم المدينة.
و قال فى قوله تعالى «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»- التوبة 40-: قال الزهري لما دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر الغار ارسل اللَّه زوجا من حمام حتّى باضافى اسفل الثقب و العنكبوت حتّى تنسج بيتا فلما جاء سراقة بن مالك فى طلبهما فرأى بيض الحمام و بيت العنكبوت قال لو دخله أحد لانكسر البيض و تفسخ بيت العنكبوت فانصرف، و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اللّهم أعم أبصارهم، فعميت أبصارهم عن دخوله و جعلوا يضربون يمينا و شمالا حول الغار، و قال أبو بكر: لو نظروا إلى أقدامهم لرأونا.
و روى علىّ بن إبراهيم بن هاشم قال: كان رجل من خزاعة فيهم يقال له
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 141
أبو كرز فما زال يقفو أثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حتى وقف بهم على باب الغار فقال لهم:
هذا قدم محمّد هى و اللَّه اخت القدم التي فى المقام، و قال هذه قدم أبى قحافة أو ابنه و قال: ما جازوا هذا المكان اما أن يكونوا قد صعدوا فى السماء أو دخلوا فى الأرض و جاء فارس من الملائكة فى صورة الانس فوقف على باب الغار و هو يقول لهم:
اطلبوه فى هذه الشعاب و ليس ههنا و كانت العنكبوت نسجت على باب الغار و نزل رجل من قريش فبال على باب الغار فقال أبو بكر قد أبصرونا يا رسول اللَّه، فقال صلّى اللَّه عليه و آله لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم.
ثمّ قال: و قال بعضهم: يجوز أن تكون الهاء الّتى فى «عليه» راجعة إلى أبى بكر و هذا بعيد، لأنّ الضمائر قبل هذا أو بعده تعود إلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بلا خلاف، و ذلك فى قوله «إلّا تنصروه فقد نصره اللَّه» و فى قوله «إذ أخرجه» و قوله «لصاحبه» و قوله فيما بعده «و ايّده» فكيف يتخلّلها ضمير عائد إلى غيره هذا و قد قال سبحانه فى هذه السورة «ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» و قال فى سورة الفتح «إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ» و قد ذكرت الشيعة فى تخصيص النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فى هذه الاية بالسكينة كلاما رأينا الاضراب عن ذكره أحرى لئلا ينسبنا ناسب إلى شيء. انتهى.
أقول: و سيأتى طائفة من ذلك الكلام بعد ذا.
و قال فى قوله تعالى: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ» (يه 206 البقرة):
روى السّدي عن ابن عبّاس قال: نزلت هذه الاية فى علىّ بن أبي طالب حين هرب النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله عن المشركين إلى الغار و نام علىّ عليه السّلام على فراش النبىّ صلّى اللَّه عليه و آله و نزلت هذه الاية بين مكّة و المدينة، و روي أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و جبرائيل ينادى بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهى اللَّه بك الملائكة.
قال المفيد (ره) في الارشاد في اختصاص أمير المؤمنين عليه السّلام بمناقب كثيرة:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 142
و من ذلك أن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله لما امر بالهجرة عند اجتماع الملاء من قريش على قتله فلم يتمكن صلّى اللَّه عليه و آله من مظاهرتهم بالخروج عن مكة و أراد صلّى اللَّه عليه و آله الاستسرار بذلك و تعمية خبره عنهم ليتمّ الخروج على السلامة منهم ألقى خبره إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و استكتمه إياه و كلّفه الدفاع عنه بالمبيت على فراشه من حيث لا يعلمون أنه هو البائت على الفراش و يظنون أنّه النّبي صلّى اللَّه عليه و آله بايتا على حالته الّتي كان يكون عليها فيما سلف من الليل، فوهب أمير المؤمنين عليه السّلام نفسه للَّه تعالى و شراها من اللَّه تعالى في طاعته و بذلها دون نبيّه صلوات اللَّه و سلامه عليه و آله لينجوا به من كيد الأعداء و يتمّ له بذلك السّلامة و البقاء و ينتظم له به الغرض في الدعاء إلى الملّة و إقامة الدين و إظهار الشريعة.
فبات عليه السّلام على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله متستّرا بازاره و جاءه القوم الّذين تمالئوا على قتل النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فأحدقوا به و عليهم السلاح يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا فيذهب دمه فرغا بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل و لا يتم لهم الأخذ بثاره منهم لاشتراك الجماعة في دمه و قعود كلّ قبيل عن قتال رهطه و مباينة أهله، فكان ذلك سبب نجاة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و حفظ دمه و بقائه حتّى صدع بأمر ربّه صلّى اللَّه عليه و آله.
و لولا أمير المؤمنين عليه السّلام و ما فعله من ذلك لما تمّ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله التبليغ و الأداء و لا استدام له العمر و البقاء، و لظفر به الحسدة و الأعداء فلما أصبح القوم و أرادوا الفتك به عليه السّلام ثار إليهم و تفرقوا حين عرفوه و انصرفوا و قد ضلّت حيلهم في النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و انتقض ما بنوه من التدبير في قتله، و خابت ظنونهم و بطلت آمالهم.
و كان بذلك انتظام الايمان، و إرغام الشيطان، و خذلان أهل الكفر و العدوان و لم يشرك أمير المؤمنين عليه السّلام في هذه المنقبة أحد من أهل الاسلام، و لا احيط بنظير لها على حال و لا مقارب لها في الفضل بصحيح الاعتبار، و في أمير المؤمنين عليه السّلام و مبيته على الفراش انزل اللَّه سبحانه «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ» الاية.
ثمّ قال المفيد في الارشاد أيضا في الفصل الاخر: و من ذلك انّ النبىّ صلّى اللَّه عليه و آله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 143
كان أمين قريش على ودائعهم فلما فجأه من الكفار ما احوجه إلى الهرب من مكّة بغتة لم يجد في قومه و أهله من يأتمنه علي ما كان مؤتمنا عليه سوى أمير المؤمنين عليه السّلام فاستخلفه في ردّ الودائع إلى أربابها و قضاء ما كان عليه من دين لمستحقّيه و جمع بناته و نساء أهله و أزواجه و الهجرة بهم إليه و لم ير انّ أحدا يقوم مقامه في ذلك من كافة النّاس فوثق بأمانته و عوّل على نجدته و شجاعته و اعتمد في الدفاع عن أهله و حامّته على بأسه و قدرته و اطمأنّ إلى ثقته على أهله و حرمه و عرف من ورعه و عصمته ما تسكن النفس معه إلى أمانته على ذلك فقام عليّ عليه السّلام به أحسن القيام و ردّ كلّ وديعة إلى أهلها و اعطى كلّ ذى حقّ حقه و حفظ بنات نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله و حرمه و هاجر بهم ماشيا على قدميه يحوطهم من الاعداء و يكلاءهم من الخصماء و يرفق بهم في المسير حتّى أوردهم عليه صلّى اللَّه عليه و آله المدينة على اتم صيانة و حراسة و رفق و رأفة و حسن تدبير فأنزله النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله عند وروده المدينة داره و احلّه قراره و خلطه بحرمه و أولاده و لم يميّزه من خاصّة نفسه و لا احتشمه في باطن امره و سرّه و هذه منقبة توحّد بها عليه السّلام من كافة أهل بيته و أصحابه و لم يشركه فيها أحد من اتباعه و اشياعه و لم يحصل لغيره من الخلق فضل سواها يعادلها عند السبر و لا يقاربها على الامتحان.
و روى الثعلبي في تفسيره و الغزالى في الاحياء في بيان الايثار و فضله و غيرهما من أعاظم الفريقين: انه لما بات عليّ عليه السّلام على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله اوحى اللَّه سبحانه إلى جبرئيل و ميكائيل انى قد آخيت بينكما و جعلت عمر احدكما اطول من الاخر فايّكما يؤثر أحد كما بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة فاوحي اللَّه اليهما ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام آخيت بينه و بين محمّد نبيّي صلّى اللَّه عليه و آله فبات على فراشه يفديه بنفسه و يؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه فهبطا إليه فجلس جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه فقال جبرئيل بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي اللَّه بك الملائكة فانزل اللَّه تعالى «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ» الاية و العجب ما في انسان العيون في سيرة الامين و المأمون المعروف بالسيرة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 144
الحلبية تأليف عليّ بن برهان الدّين الحلبيّ الشافعي نقلا من ابن تيمية من ان هذا الحديث اعني ما اوحى اللَّه إلى الملكين كذب باتفاق أهل العلم بالحديث.
أقول: و لعلّ وجه تكذيبه الحديث انه ينافي نص الكتاب العزيز حيث قال عزّ من قائل في سورة التحريم: «لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» و في عبس: «بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرامٍ بَرَرَةٍ» و كذا ينافي الاخبار الاخر القائلة بانهم لا يعصون اللَّه طرفة عين و لا يغشاهم سهو العقول و نحوها. فتأمل و اللَّه أعلم.
و في الكافي للكليني قدس سره عن سعيد بن المسيب سأل علىّ بن الحسين عليهما السّلام عن علىّ عليه السّلام إلى أن قال عليه السّلام و خلف عليّا فى امور لم يكن يقوم بها أحد غيره و كان خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله من مكّة فى أوّل يوم من شهر ربيع الأوّل و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث و قدم صلّى اللَّه عليه و آله المدينة لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل مع زوال الشمس فنزل بقبا فصلى الظهر ركعتين و العصر ركعتين ثمّ لم يزل مقيما ينتظر عليّا عليه السّلام يصلى الخمس صلوات ركعتين ركعتين و كان نازلا على عمرو بن عوف فأقام عندهم بضعة عشر يوما يقولون له أ تقيم عندنا فنتخذ لك منزلا و مسجدا فيقول لا إني أنتظر عليّ بن أبي طالب و قد أمرته أن يلحقني و لست مستوطنا منزلا حتى يقدم علىّ.
إلى أن قال: قال سعيد بن المسيب لعليّ بن الحسين عليهما السّلام جعلت فداك كان أبو بكر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حين أقبل المدينة فأين فارقه؟ فقال: إنّ أبا بكر لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إلى قبا فنزل بهم انتظر قدوم عليّ عليه السّلام فقال له أبو بكر انهض بنا إلى المدينة فان القوم قد فرحوا بقدومك و هم يستريثون اقبالك اليهم فانطلق بنا و لا تقم ههنا تنتظر عليّا فما أظنه يقدم عليك إلى شهر، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كلّا ما اسرعه و لست اريم حتى يقدم ابن عمي و اخي في اللَّه تعالى و احبّ أهل بيتي إلىّ فقد وقانى بنفسه من المشركين قال: فغضب عند ذلك أبو بكر و اشمأز و داخله من ذلك حسد لعلىّ عليه السّلام و كان ذلك أول عداوة بدت منه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 145
لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في عليّ عليه السّلام و أول خلاف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فانطلق حتّى دخل المدينة و تخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بقبا حتّى ينتظر عليا عليه السّلام الحديث.
و في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام:
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر
رسول اله الخلق اذ مكروا به فنجاه ذو الطول الكريم من المكر
و بتّ اراعيهم متى ينشرونني و قد وطّنت نفسي على القتل و الاسر
و بات رسول اللَّه في الغار آمنا موقى و في حفظ الاله و في ستر
اقام ثلاثا ثمّ زمّت قلائص قلائص يفرين الحصى اينما يفرى
اردت به نصر الإله تبتّلا و اضمرته حتّى اوسّد في قبري
طريقه صلّى اللَّه عليه و آله فى هجرته من مكة الى المدينة:
في السيرة النبوية لابن هشام و في التاريخ للطبري: فلما خرج بهما دليلهما عبد اللَّه بن ارقط سلك بهما اسفل مكّة.
ثمّ مضى بهما على الساحل حتّى عارض الطريق اسفل من عسفان، ثمّ سلك بهما على اسفل امج، ثمّ استجاز بهما حتّى عارض بهما الطريق بعد ان أجاز قديدا ثمّ اجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرّاز، ثمّ سلك بهما ثنيّة المرّة، ثمّ سلك بهما لقفا، ثمّ اجاز بهما مدلجة لقف، ثم استبطن بهما مدلجة محاج، ثمّ سلك بهما مرجح محاج، ثمّ تبطّن بهما مرجح من ذي الغضوين، ثمّ بطن ذى كشر. ثم اخذ بهما على الجداجد، ثمّ على الاجرد، ثمّ سلك بهما ذا سلم، ثمّ على العبابيد، ثمّ اجاز بهما الفاجّة، ثم هبط بهما العرج ثمّ خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنيّة العائر حتى هبط بهما بطن رئم ثمّ قدم بهما قباء لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل يوم الاثنين حين اشتدّ الضحاء، و كادت الشمس تعتدل و نزل على كلثوم بن هدم فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين و يوم الثلاثاء و يوم الاربعاء و يوم الخميس و اسّس مسجده ثمّ خرج من قبا إلى المدينة و نزل على أبي أيّوب الأنصاري
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 146
و لا يسع المقام ذكره على التفصيل و اقام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بمكّة ثلاث ليال و أيّامها حتّى ادّى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله الودائع الّتي كانت عنده للناس حتّى إذا فرغ منها لحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فنزل معه صلّى اللَّه عليه و آله على كلثوم بن هدم في قباء.
قال المسعودى في مروج الذهب: فخرج النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من مكّة و معه أبو بكر و عامر بن فهيرة مولى أبي بكر و عبد اللَّه بن أرقط الدئلي دليل بهم على الطريق و لم يكن مسلما و كان مقام علىّ بن أبي طالب بعده بمكة ثلاثة أيام إلى أن أدى ما أمر بأدائه ثمّ لحق بالرسول صلّى اللَّه عليه و آله و كان دخوله عليه السّلام إلى المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل، فأقام بها عشر سنين كوامل و كان نزوله عليه السّلام في حال موافاته المدينة بقبا على سعد بن خيثمة و كان مقامه بقباء يوم الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و سار يوم الجمعة ارتفاع النهار و أتته الأنصار حيّا حيّا يسأله كلّ فريق النّزول عليه و يتعلقون بزمام راحلته و هى تجذبه فيقول صلّى اللَّه عليه و آله خلوا عنها فانها مأمورة حتّى أدركته الصلاة في بني سالم فصلى بهم يوم الجمعة و كانت تلك أوّل جمعة صليت في الاسلام و هذا موضع تنازع الفقهاء في العدد الّذي بهم تتم صلاة الجمعة فذهب الشافعي في آخرين معه إلى أن الجمعة لا تجب إقامتها حتّى يكون عدد المصلين أربعين فصاعدا و أقل من ذلك لا يجزي و خالفه غيره من الفقهاء من أهل الكوفة و غيرهم و كان في بطن الوادي المعروف بوادي رائوناء إلى هذه الغاية.
أقول: في كتاب إنسان العيون في سيرة الأمين و المأمون المعروف بالسيرة الحلبيّة تأليف عليّ بن برهان الدين الحلبي الشافعي، و عند مسيره صلّى اللَّه عليه و آله إلى المدينة أدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي بمن معه من المسلمين و هم مأئة و صلاها بعد ذلك في المدينة و كانوا به صلّى اللَّه عليه و آله أربعين فعن ابن مسعود أنه صلّى اللَّه عليه و آله جمع بالمدينة و كانوا أربعين رجلا أى و لم يحفظ أنه صلاها مع النقض عن هذا العدد و من حينئذ صلّى الجمعة في ذلك المسجد سمّى هذا المسجد بمسجد الجمعة و هو على يمين السالك نحو قباء فكانت أوّل جمعة صلاها بالمدينة «إلى أن قال:»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 147
و كان هو صلّى اللَّه عليه و آله بالمدينة يخطب الجمعة بعد أن يصلّى مثل العيدين فبينما هو يخطب يوم الجمعة قائما إذ قدمت عير دحية الكلبي و كان إذا قدم يخرج أهله للقائه بالطبل و اللهو و يخرج النّاس للشراء من طعام تلك العير فانفض الناس و لم يبق معه صلّى اللَّه عليه و آله إلا نحو اثنى عشرة رجلا.
و في كنز العرفان للفاضل المقداد: فخرج النّاس فلم يبق في المسجد الا اثنى عشر رجلا، و عن ابن عبّاس لم يبق الا ثمانية، و عن ابن كيسان أحد عشر.
و في السيرة الهشاميّة لم يذكر عددهم.
و قال الجصّاص الحنفي في أحكام القرآن: و اختلفوا فى عدد من تصحّ به الجمعة من المأمومين: أبو حنيفة و زفر و محمّد و الليث ثلاثة سوى الإمام، و روى عن أبى يوسف اثنان سوى الإمام و به قال الثورى، و قال الحسن بن صالح إن لم يحضر الإمام الا رجل واحد فخطب عليه و صلّى به أجزأهما، و أما مالك فلم يجد فيه شيئا و اعتبر الشافعي أربعين رجلا.
ثمّ قال: روى جابر أن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كان يخطب يوم الجمعة فقدم عير فنفر النّاس و بقى معه اثنا عشر رجلا فأنزل اللَّه تعالى: «وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها» و معلوم أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لم يترك الجمعة منذ قدم المدينة و لم يذكر رجوع القوم فوجب أن يكون قد صلّى باثنى عشر رجلا.
و نقل أهل السير ان أوّل جمعة كانت بالمدينة صلاها مصعب بن عمير بأمر النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله باثنى عشر رجلا و ذلك قبل الهجرة فبطل بذلك اعتبار الأربعين، و أيضا الثلاثة جمع صحيح فهى كالأربعين لاتفاقهما فى كونهما جمعا صحيحا و ما دون الثلاثة مختلف فى كونه جمعا صحيحا فوجب الاقتصار على الثلاثة و اسقاط اعتبار ما زاد، انتهى.
و فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: المالكية قالوا أقل الجماعة الّتى تنعقد بها الجمعة اثنا عشرة رجلا غير الامام.
و الحنفية قالوا يشترط فى الجماعة التي تصح بها الجمعة أن تكون بثلاثة غير الامام.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 148
الشافعية قالوا أن يكونوا أربعين و لو بالامام فلا تنعقد الجمعة بأقلّ من ذلك.
و الحنابلة قالوا أن لا يقل عددهم عن أربعين و لو بالامام انتهى و قوله المالكية قالوا تنعقد الجمعة باثنى عشرة رجلا لا ينافي ما ذهب عن الجصاص و ما قاله الشيخ الطوسى (ره) فى الخلاف و لم يقدر مالك فى هذا شيئا كما لا يخفى.
و هذه مذاهب العامّة فى عدد من تصح به الجمعة، و عند أصحابنا الامامية لا تنعقد الجمعة بأقلّ من خمسة و الإمام أحدهم، و تجب عليهم بسبعة و الإمام أحدهم قطعا و إنّما الكلام فى بلوغ العدد مع الامام خمسة هل تجب تخييرا و جوازا أو تجب عينا، و ذلك لأن من أهل البيت عليهم السّلام فى العدد روايتين:
ففى التهذيب باسناده عن محمّد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال: تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين و لا تجب على أقل منهم الامام و قاضيه و المدعى حقا و المدعى عليه و الشاهدان و الذي يضرب الحدود بين يدي الامام.
و فيه عن البقباق عن أبى عبد اللَّه عليه السّلام قال: أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه.
و فى الكافى و التهذيب عن زرارة كان أبو جعفر عليه السّلام يقول: لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط الامام و أربعة.
و فى الفقيه قال زرارة: قلت له عليه السّلام: على من تجب الجمعة؟ قال: تجب على سبعة نفر من المسلمين و لا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الامام فاذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم.
و فى التهذيب عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم الحديث.
و كذا اخبار اخر بعضها يفيد أن الجمعة لا تنعقد بأقل من خمسة، و بعضها يفيد أنها تنعقد من سبعة، و لا تنافى بينهما لأن الخبر الذي يتضمن اعتبار سبعة أنفس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 149
فهو على طريق الفرض و الوجوب، و الخبر الأخير على طريق الندب و الاستحباب و على جهة الأولى و الأفضل كما فى التهذيبين و الخلاف، و غيرها من أسفار الامامية من غير واحد من علمائنا، و بالجملة هؤلاء قالوا بأن السبعة شرط للوجوب العينى و الخمسة للتخييري، و هذا لا يخلو عندى من قوة.
و قال آخرون إذا كانوا خمسة تجب عينا لا تخييرا و فى الرياض أنه قول الأكثر، و اعلم أن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة بلا خلاف فيه بيننا الامامية.
ثمّ إن الامامية اختلفوا فى إقامة الجمعة فى زمن الغيبة فبعضهم أسقطوها لأن صلاة الجمعة عند حصول شرائطها لا تجب إلّا عند حضور السلطان العادل أو من نصبه السلطان للصلاة و يعنون بالسلطان العادل الامام عليه السّلام، و بعضهم أوجبوها عند الغيبة أيضا و هذا لا يخلو عندى من قوة و يكون مجزيا عن الظهر و الاختلاف بين الفقهاء فى مسائل الجمعة كثير و ليطلب فى الكتب الفقهيّة.
المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار:
ثمّ آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار فقال تاخوا فى اللَّه أخوين أخوين، ثمّ أخذ بيد علىّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال: هذا أخى، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله سيد المرسلين و امام المتقين و رسول ربّ العالمين الذي ليس له خطير و لا نظير من العباد و علىّ بن أبي طالب عليه السّلام أخوين، و كان حمزة بن عبد المطلب عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و زيد بن حارثة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أخوين، و جعفر بن أبي طالب و معاذ بن جبل أخوين، و كذا غير واحد من المهاجرين و الأنصار أخوين على التفصيل المذكور فيهما.
كلام ابن أبى جمهور الاحسائى فى المجلى:
قال السالك الموحد الفقيه المتكلم المتأله المرتاض الرّاوي للأحاديث
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 150
المرويّة عن الأئمة الهداة المعروف بابن أبى جمهور الاحسائى فى كتابه الجامع للاصول اليقينيّة و المنازل العرفانيّة بالبراهين العقليّة و النقلية المعروف بالمجلى، فى أدلّة اثبات الخلافة لعلىّ بن أبي طالب عليه السّلام:
و يوم المواخاة يوم مشهور و موقف معلوم مبناه على تمييز الأشباه و النظائر و الاطّلاع على الخصائص و الضمائر و لم تكن المواخاة يومئذ عن الهوى بل إنما هو وحى يوحى، فواخى بين أصحابه فقرن كلّ شبه إلى شبهه، و جعل كلّ نظير مع نظيره، و لم يقرن بين عليّ عليه السّلام و بين أحد من الصحابة، بل عدل به عن جميعهم ثمّ اختاره لنفسه و قرن بينه و بينه و ميزه من بينهم باخوته، و شرفه عليهم بقربه، إظهارا لشأنه و احتجاجا عليهم ببيان حاله و كان ذلك بوحى من اللَّه و نصّه فكان ذلك موجبا له استحقاق الولاية و القيام فيهم مقامه، اذ كلّ أخ قائم مقام أخيه فيما له من المزايا، فان الاخوة مشاكلة و مشابهة فى الصفات، فيقال للشيء أخو الشيء إذ كان بينه و بينه مشابهة كلّية فى جميع صفاته، و لما كانت الولاية من أجلّ الصفات الّتى كان صلّى اللَّه عليه و آله متصفا بها وجب أن يكون أخوه و مماثله و مشاكله موصوفا بها، و إلا لما تحققت الاخوة و لا ثبت معناها و لم يكن للمماثلة و المشاكلة حينئذ معنى، فتضيع الفائدة من ذلك الفعل الصّادر عن الحكيم بنصّ أحكم الحاكمين.
فان قلت: يلزم على ما قرّرتموه إدخال النبوّة لأنها من جملة الصفات و هو خلاف الاجماع.
قلت: النّبوة معلومة الاستثناء بالأصل لما ثبت عند الكل من عدم جواز المشاركة فيها لتحقق معنى الختم به فانحجب ما سواه عن بلوغ مرتبتها فلا تصحّ المشاركة و المماثلة فيها و يبقى ما عداها داخلا فى عموم الاخوة هذا مع ان الولاية المطلقة الثابتة له صلّى اللَّه عليه و آله كما عرفت أعلى و أجلّ و أعظم من مرتبة النّبوّة ما عرفت أن مقام الاولى مقام الوحدة و أن مقام الثانية مقام الكثرة و الوحدة أجلّ و أعلى من الكثرة، فاذا ثبت أن الولاية له فقد ثبت له مقام الوحدة الذي هو مبدء الكثرة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 151
ثمّ إنّ الولاية الّتي هي مقام الوحدة الثّابت له باعتبار الاخوة يستلزم ثبوت مقام الكثرة بواسطة الرد إلى الخلق بعد المرور على مقام الوحدة الثابت له بقوله صلّى اللّه عليه و آله لعلىّ عليه السّلام يا عليّ إنك تسمع ما أسمع و ترى ما أرى إلّا أنك لست بنبيّ.
فمقام النّبوّة الخاص بعد الولاية المطلقة استثنى و لم يستثن مقتضاه أعني الرد إلي الخلق لأنه إذا كان له مقام الولاية الخاصة كانت السياسة بيده و هي مقتضى الكثرة بواسطة إهداء الخلق و القيام عليهم بما يكلمهم و يصلح معاشهم و معادهم، فلا يكون مقتضى مقام الكثرة مسلوبا عنه و ذلك هو مقتضي مقام النّبوة و لازمه لا هو، فالواجب للوليّ هو مقتضى مقام النّبوّة و لازمه لا هو فما فاته عليه السّلام شيء من معاني الاخوة و لا خصائص كمال الأخ سوا الاسم المحجوب عنه و عن كلّ ما سواه للمصلحة المقتضية لسلبه، انتهى ما أردنا نقله من المجلى.
قال العلامة الحليّ قدس سره في شرح تجريد الاعتقاد لنصير الحق و الملّة و الدين الخواجة الطوسي قدس اللّه روحه القدسي عند قوله: و عليّ عليه السّلام أفضل:
اختلف النّاس ههنا فقال عمر و عثمان و ابن عمر و أبو هريرة من الصحابة:
إنّ أبا بكر أفضل من علىّ عليه السّلام، و به قال من التابعين الحسن البصري و عمرو بن عبيد و هو اختيار النظام و أبي عثمان الجاحظ، و قال الزبير و المقداد و سلمان و جابر ابن عبد اللّه و عمّار و أبو ذر و حذيفة من الصحابة: إنّ عليّا عليه السّلام أفضل، و به قال من التابعين عطاء و مجاهد و سلمة بن كهيل، و هو اختيار البغداديين كافة و الشيعة بأجمعهم و أبى عبد اللّه البصري، و توقف الجبائيان و قاضي القضاة، قال أبو على الجبائي ان صحّ خبر الطائر فعليّ أفضل.
و نحن نقول: إن الفضائل إما نفسانية أو بدنية، و عليّ عليه السّلام كان أكمل و أفضل من باقي الصحابة فيهما، و الدليل على ذلك وجوه ذكرها المصنف رحمه اللّه «إلى أن قال في وجه الثامن عشر:».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 152
انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لما واخي بين الصحابة و قرن كلّ شخص إلى مماثله في الشرف و الفضيلة رأى عليّا عليه السّلام متكدرا (متفكرا خ ل) فسأله عن سبب ذلك فقال: انك آخيت بين الصحابة و جعلتني متفردا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ألا ترضى أن تكون أخي و وصيّي و خليفتي من بعدي؟ فقال: بلى يا رسول اللّه، فواخاه من دون الصحابة فيكون أفضل منهم.
و قال الشاعر العارف الحكيم مجدود بن آدم السنائي في الحديقة بالفارسية:
مرتضائى كه كرد يزدانش همره جان مصطفى جانش
هر دو يك قبله و خردشان دو هر دو يك روح و كالبدشان دو
دو رونده چو أختر گردون دو برادر چو موسى و هارون
هر دو يكدرّ ز يك صدف بودند هر دو پيرايه شرف بودند
تا نه بگشاد علم حيدر در ندهد سنّت پيمبر بر
و قال فى ديوانه:
آنكه او را بر سر حيدر همى خوانى أمير كافرم گر مى تواند كفش قنبر داشتن
تا سليمان وار باشد حيدر اندر صدر ملك زشت باشد ديو را بر تارك أفسر داشتن
چون همى دانى كه شهر علم را حيدر در است خوب نبود جز كه حيدر مير و مهتر داشتن
كى روا باشد بناموس و حيل در راه دين ديو را بر مسند قاضى أكبر داشتن
روى عمرو بن القناد عن محمّد بن فضيل عن أشعث بن سوار قال: سبّ عدى ابن أرطاة عليّا عليه السّلام على المنبر فبكى الحسن البصري و قال لقد سبّ هذا اليوم رجل انه لأخو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى الدّنيا و الاخرة.
و روى عبد السلم بن صالح عن إسحاق الأزرق عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما زوج فاطمة دخل النساء عليها فقلن يا بنت رسول اللّه خطبك فلان و فلان فردّهم عنك و زوّجك فقيرا لا مال له، فلما دخل عليها أبوها صلّى اللّه عليه و آله رأى ذلك فى وجهها فسألها فذكرت له ذلك، فقال: يا فاطمة إنّ اللّه أمرنى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 153
فأنكحتك أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما، و ما زوّجتك إلّا بأمر من السماء أما علمت أنّه أخى فى الدّنيا و الاخرة؟
الكلام فى أن مبيت على عليه السّلام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منقبة لم يحصل لغيره من الخلق فضل يعادلها
لا يخفى على ذى دراية أن مبيته عليه السّلام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث وهب نفسه للّه تعالى و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله فضيلة لا يقاس اليها بذل المال و نعم ما قيل:
جادوا بأنفسهم فى حبّ سيّدهم و الجود بالنفس أقصى غاية الجود
و للّه درّ قائله:
مبيت علىّ بالفراش فضيلة كبدر له كلّ الكواكب تخضع
و من أعرض عن ذلك و اعترض فيه فهو مكابر نفسه، و ليلة المبيت متواتر لا يريبه عاقل و بذل علىّ عليه السّلام نفسه دون نبيه صلّى اللّه عليه و آله فى الليلة مسلم عند الكلّ و بلغ مبلغ الضرورة.
و للمغفلين فى بذل أبى بكر طائفة من ماله و مصاحبته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تعسفات استدلوا على ذلك من آية الغار و استنبطوا منها صورا مشوّهات و استمسكوا بتلك العرى الواهية على تفضيل من قال: اقيلونى فلست بخيركم و علىّ فيكم، على من كلّت فيه ألسن العالمين.
و آية الغار عندهم من أشهر الدلائل على فضل أبي بكر بستّة أوجه:
الأوّل انّ اللّه تعالى جعله ثاني رسوله بقوله «ثاني اثنين»، الثاني وصف اجتماعهما في مكان واحد بقوله «اذ هما فى الغار»، الثالث جعله مصاحبا له صلّى اللّه عليه و آله بقوله «لصاحبه» الرابع قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له رحمة و محبة بقوله «لا تحزن».
الخامس ان اللّه كان لهما في التصرف و الاعانة على نسبة واحدة بقوله «انّ اللّه معنا» السادس نزول السكينة عليه بارجاع الضمير اليه دون الرسول صلّى اللّه عليه و آله.
و للإماميّة رضوان اللّه عليهم في ردّ هذه الوجوه الستّة عليهم بل استدلالهم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 154
على نقيض ما ذهبوا اليه مباحث رأينا الاعراض عنها ههنا أجدر و لكن نكتفي بذكر بعض ما أورده الشارح المعتزلي في المقام في المقام في ضمن بعض الخطب الماضي ناقلا عن الجاحظ ما تشمئزّ منها النفوس و يأبي عنها الفطرة السليمة و عن شيخه أبى جعفر في جوابها ما لا يخلو عن الانصاف و الاعتدال و نذكر بعض ما خطر ببالى فى المقام و اللّه ولىّ التوفيق و الهادي إلى خير السبيل.
قال الشارح المعتزلي: قال الجاحظ: فان احتج محتج لعليّ عليه السّلام بالمبيت على الفراش فبين الغار و الفراش فرق واضح، لأن الغار و صحبة أبي بكر للنّبي صلّى اللّه عليه و آله قد نطق به القرآن فصار كالصلاة و الزكاة و غيرهما ممّا نطق به الكتاب و أمر علىّ عليه السّلام و نومه على الفراش و إن كان ثابتا صحيحا إلّا أنّه لم يذكر في القرآن و إنّما جاء مجيء الروايات و السير و هذا لا يوازن هذا و لا يكائله.
ثمّ قال: قال شيخنا أبو جعفر: هذا فرق غير مؤثر لأنه قد ثبت بالتواتر حديث الفراش فلا فرق بينه و بين ما ذكر فى نص الكتاب و لا يجحده إلّا مجنون أو غير مخالط لأهل الملّة، أرأيت كون الصلوات خمسا و كون زكاة الذهب ربع العشر و كون خروج الريح ناقضا للطهارة و أمثال ذلك مما هو معلوم بالتواتر حكمه هل هو مخالف لما نصّ فى الكتاب عليه من الأحكام؟ هذا مما لا يقوله رشيد و لا عاقل.
على أن اللّه تعالى لم يذكر اسم أبى بكر فى الكتاب و انما قال «إذ يقول لصاحبه» و إنما علمنا انه أبو بكر بالخبر و ما ورد فى السيرة و قد قال أهل التفسير إن قوله تعالى: «وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ» كناية عن علىّ عليه السّلام لأنه مكر بهم و أوّل الاية «وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ» انزلت فى ليلة الهجرة و مكرهم كان توزيع السيوف على بطون قريش و مكر اللّه تعالى هو منام علىّ عليه السّلام على الفراش فلا فرق بين الموضعين فى أنهما مذكوران كناية لا تصريحا، و قد روى المفسّرون كلّهم ان قول اللّه تعالى: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» انزلت
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 155
في عليّ عليه السّلام ليلة المبيت على الفراش فهذه مثل قوله تعالى: «إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ» لا فرق بينهما.
و قال: و قال الجاحظ: و فرق آخر و هو أنّه لو كان مبيت عليّ عليه السّلام على الفراش جاء مجيء كون أبي بكر في الغار لم يكن له في ذلك كبير طاعة لأن الناقلين نقلوا أنه صلّى اللّه عليه و آله قال له: نم فلن يخلص إليك شيء تكرهه. و لم ينقل ناقل أنّه قال لأبي بكر في صحبته إيّاه و كونه معه في الغار مثل ذلك و لا قال له أنفق و أعتق فانك لن تفتقر و لن يصل إليك مكروه.
ثمّ قال: و قال شيخنا أبو جعفر: هذا هو الكذب الصراح و التحريف و الادخال في الرّواية ما ليس منها و المعروف المنقول أنه صلّى اللّه عليه و آله قال له: اذهب فاضطجع في مضجعى و تغش ببردى الحضرمى فان القوم سيفقدوننى و لا يشهدون مضجعى فلعلّهم إذا رأوك يسكّنهم ذلك حتى يصبحوا فاذا أصبحت فاغد فى أداء أمانتى، و لم ينقل ما ذكره الجاحظ و إنما ولّده أبو بكر الأصمّ و أخذه الجاحظ و لا أصل له.
و لو كان هذا صحيحا لم يصل إليه منهم مكروه و قد وقع الاتفاق على أنّه ضرب و رمى بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتى تضور، و أنهم قالوا له: رأينا تضورك فانا كنا نرمى محمّدا و لا يتضور، و لأن لفظة المكروه إن كان قالها إنما يراد بها القتل فهب أنه أمن القتل كيف يأمن من الضرب و الهوان و من أن ينقطع بعض أعضائه و بأن سلمت نفسه أليس اللّه تعالى قال لنبيّه «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ...» و مع ذلك فقد كسرت رباعيته و شجّ وجهه و ادميت ساقه و ذلك لانها عصمة من القتل خاصّة، و كذلك المكروه الّذي او من علىّ عليه السّلام منه إن كان صحّ ذلك فى الحديث إنما هو مكروه القتل.
ثمّ يقال له: و أبو بكر لا فضيلة له أيضا في كونه في الغار لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال له «لا تحزن إنّ اللّه معنا» و من يكن اللّه معه فهو آمن لا محالة من كلّ سوء فكيف قلت و لم ينقل ناقل انه قال لأبي بكر في الغار مثل ذلك، فكلّ ما يجب به عن هذا فهو جوابنا عمّا أورده فنقول له: هذا ينقلب عليك فى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأنّ اللّه تعالى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 156
وعده بظهور دينه و عاقبة أمره فيجب على قولك أن لا يكون مثابا عند اللّه تعالى على ما يحتمله من المكروه و لا ما يصيبه من الاذى إذ كان قد ايقن بالسلامة و الفتح في عدته.
و قال: قال الجاحظ: و من جحد كون أبي بكر صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقد كفر، لأنّه جحد نصّ الكتاب ثمّ انظر إلى قوله تعالى إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ» من الفضيلة لأبي بكر لأنه شريك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في كون اللّه تعالى معه، و انزل السكينة قال كثير من النّاس انّه في الاية مخصوص بأبي بكر لانّه كان محتاجا إلى السكينة لما تداخله من رقة الطبع البشري و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان غير محتاج إليها لأنّه يعلم أنّه محروس من اللّه تعالى فلا معنى لنزول السكينة عليه و هذه فضيلة ثالثة لأبي بكر.
ثمّ قال: قال شيخنا أبو جعفر: ان أبا عثمان يجرّ على نفسه مالا طاقه له به من مطاعن الشيعة و لقد كان في غنية عن التعلق بما تعلق به لانّ الشيعة تزعم أن هذه الاية بأن تكون طعنا و عيبا على أبي بكر أولى من أن تكون فضيلة و منقبة له لأنه لما قال له «لا تَحْزَنْ» دل على أنه قد كان حزن و قنط و أشفق على نفسه و ليس هذا من صفات المؤمنين الصابرين و لا يجوز أن يكون حزنه طاعة، لان اللّه تعالى لا ينهى عن الطاعة فلو لم يكن ذنبا لم ينه عنه.
و قوله «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ...» اى ان اللّه عالم بحالنا و ما نضمره من اليقين أو الشكّ كما يقول الرجل لصاحبه لا تضمرنّ سوءا و لا تنوين قبيحا فان اللّه يعلم ما نسرّه و ما نعلنه، و هذا مثل قوله تعالى «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ما...» أى هو عالم بهم.
و أمّا السكينة فكيف يقول إنها ليست راجعة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بعدها قوله «وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها» ا ترى المؤيد بالجنود كان أبا بكر أم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟.
و قوله: إنّه مستغن عنها ليس بصحيح و لا يستغنى أحد عن ألطاف اللّه و توفيقه و تأييده و تثبيت قلبه و قد قال اللّه تعالى في قصة حنين «وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ» .
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 157
و أمّا الصحبة فلا تدلّ إلّا على المرافقة و الاصطحاب لا غير، و قد يكون حيث لا ايمان كما قال تعالى «قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ» .
أقول: و قد مضى من قبل ص 141 أن القول بجواز رجوع الضمير في عليه «فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» إلى أبي بكر بعيد جدّا، بل ليس بصحيح قطعا، لان الضمائر قبله و بعده كلّها راجعة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بلا خلاف فيه فكيف يتخلل تلك الضمائر ضمير عائد إلى غيره في البين و هل هذا الا الخروج عن اسلوب الفصاحة و البلاغة؟
فذلك القول تهافت بتّا و لا يجنح إليه إلا من ليس بعارف في أساليب الكلام أو يحرفه لتحصيل المرام و إن أفضى إلى الطعن في النّبوّة و الاسلام و قد تقدم فيه الكلام، و نسأل اللّه نور الايمان و العرفان، و من لم يجعل اللّه له نورا فماله من نور.
مبدء تاريخ المسلمين و الفرق بين الهجرى القمرى و الهجرى الشمسى:
كلمة التاريخ- كما قال الفاضل البرجندي رضوان اللّه عليه في شرحيه على زيج الغ بيك و على التذكرة في الهيئة لبطليموس الثّاني المحقق الطوسي قدس سره-: في اللغة تعريف الوقت، و قيل هو قلب التأخير و قيل التاريخ مشتق من أرخ و هو في اللغة ولد البقر الوحش و التفعيل قد يأتي للازالة و التاريخ بمعنى ازالة الجهالة في مبدء شيء و وقت صدوره.
و نقل المطرزى عن بعض أهل اللغة: التاريخ بمعنى الغاية يقال: فلان تاريخ قومه أى ينتهى إليه شرفهم فمعنى قولهم فعلت في تاريخ كذا فعلت في وقت الشيء الّذي ينتهى إليه.
و قيل هو ليس بعربي فانه مصدر المورخ و هو معرب ماه روز و ذلك أنه كتب أبو موسى الأشعرى و كان من قبل عمر حاكما في اليمن انه تأتينا منك صكوك محلّها في شعبان و ما ندرى أىّ الشعبانين هو الماضي أو الاتي؟ فجمع عمر النّاس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 158
للمشورة و كان فيهم ملك أهواز اسمه الهرمزان و قد أسلم على يده حين اسر فقال:
إن لنا حسابا نسمّيه ماه روز أى حساب الشهور و الأعوام و شرح لهم كيفية استعماله فصوّبوه و عرّبوا ماه روز بقولهم مورخ و أمّا في الاصطلاح فهو تعيين يوم ظهر فيه أمر شائع من ملّة أو دولة أو حدث فيه هائل كزلزلة و طوفان لينسب إليه ما يراد تعيين وقته في مستأنف الزّمان أو في مستقدمه.
و لما كان أشهر الاجرام السّماوية النيرين اعتبر الامم في وضع الشهور و السنين دورهما، و أكثرهم اعتبروا في وضع الشهور دور القمر و في وضع السنين دور الشمس المقتضي لعود حال السنة بحسب الفصول لكنهم لم يعتبروا عودة القمر في نفسه بل عودته إلى الشمس القريبة من عودته في نفسه ليكون استنارة القمر في أوائل الشهور و أواسطه و أواخره بل في جميع اجزائها على نسق واحد، ثمّ لما كان عودة الشمس فى اثنى عشر شهرا قمريا تقريبا قسموا السنة اثنى عشر قسما و سموا كلا منها شهرا مجازا و ركبوا اثنى عشر شهرا قمريا و سموها سنة على التشبيه.
و لم يكن للمسلمين بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تاريخ في حوادثهم و امورهم و كان قبل الاسلام بين الأعراب عدة تواريخ كتاريخ بناء الكعبة و تاريخ رياسة عمرو بن ربيعة و هو الذي وضع عبادة الاصنام في العرب و كان هذا التاريخ متداولا به إلى عام الفيل ثمّ صار عام الفيل مبدءا، فلما حدث التباس بعض الأمور فى زمان عمر كما دريت أمر بوضع التاريخ.
فأشار بعض اليهود إلى تاريخ الروم فلم يقبله لما فيه من الطول، و بعضهم إلى تاريخ الفرس فردّه لعدم استناده إلى مبدء معين فانهم كانوا يجددونه كلما قام ملك و طرحوا ما قبله.
فاستقر رأيهم على تعيين يوم من أيامه عليه الصلاة و السّلام لذلك و لم يصلح وقت للمبعث لكونه غير معلوم، و لا وقت الولادة لاختلاف فيه فقيل إنه ولد ليلة الثاني أو الثامن أو الثالث عشر من شهر الرّبيع الاوّل سنة أربعين أو اثنتين و أربعين أو ثلاث و أربعين من ملك أنوشروان إلى غير ذلك من الأقوال، و لا وقت الوفاة لتنفر الطبع عنه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 159
فجعل مبدءه الهجرة من مكّة إلى المدينة باشارة عليّ عليه السّلام إلى ذلك كما سيأتي نقل الأخبار فيه إذ بها ظهرت دولة الاسلام فأجمعوا عليه.
ثمّ قالوا: فأىّ الشهور نبدأ فقالوا: رمضان ثمّ قالوا: المحرم فهو منصرف الناس من حجهم و هو شهر حرام فأجمعوا على المحرم.
و اعلم أن أوّل تلك السنة أعنى أوّل المحرم كان يوم الخميس بحسب الامر الأوسط بالاتفاق لانّه ممّا لا يعتريه خلاف و لو بسطنا الكلام فيه لا نجرّ إلى بحث طويل الذيل.
و أمّا بحسب الرؤية ففي بعض الأحاديث أنه كان يوم الخميس و هذا ممكن لانه قد يتفق أول الشهر بحسب الامر الاوسط و الرؤية معا، و في بعض الروايات أنّه كان يوم الجمعة و هذا أيضا ممكن لانه قد يختلف بين يوم الأمر الأوسط و يوم الرّؤية فى يوم بأن يكون أوّل الشهر الوسطى خميسا و الحقيقى المبنى على الرؤية جمعة مثلا أو يومين بأن يكون أوّل الحقيقى سبتا.
و فى بعض الروايات أنه كان أول المحرم من تلك السنة يوم الاثنين و هذا محال لانه لا يمكن اختلافهما فى أكثر من يومين على ما برهن و حقق فى محلّه.
و لم يتفق لى طول ستّ سنوات استخراجى إلى الان أن يقدم أوّل الشهر الحقيقى على الوسطى و لو بيوم بل قد يتفقان فى أوّل الشهر أو يقدم الوسطى على الحقيقى اما يوما أو يومين.
الفرق بين الشهر القمرى الحقيقى و الوسطى:
و اعلم أن الشهر القمرى مأخوذ من تشكلات القمر النورية بحسب أوضاعه من الشمس، و دريت أنه لما كان أشهر الاجرام السماوية النيرين اعتبر الناس فى وضع الشهور و الأعوام دورهما.
فمستعملوا الشهر القمرى بعضهم و هم الترك أخذوا مبدئه من اجتماع حقيقى فالشهر عندهم من اجتماع حقيقى بين النّيرين إلى اجتماع حقيقى بعده، فان وقع الاجتماع قبل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 160
نصف النهار فذلك اليوم هو أوّل الشهر، و إن كان بعده فاليوم الّذي بعده، و لكن فيه تعذرا لتوقفه على استخراج التقويمين في رأس كل شهر و اعمال كثيرة اخر حتى يعلم أن الاجتماع في أيّ يوم و أيّ ساعة، و هذا لا يتيسر الا للأوحدى من الناس ممّن رزقهم اللّه التفكر فى خلق السموات و الأرض.
و المسلمون و أهل البادية من الأعراب اخذوه من ليلة رؤية الهلال إلى ليلتها لأن أقرب أوضاع القمر من الشمس إلى الادراك هو الهلال، فالأوضاع الاخرى من المقابلة و التربيع و غير ذلك لا يدرك إلّا بحسب التخمين، فان القمر يبقى على النور التام قبل المقابلة و بعدها زمانا كثيرة و كذلك غيره من الأوضاع و أما وضعه منها عند وصوله في تحت الشعاع و إن كان يشبه وضع الهلال في ذلك لكنه في وضع الهلال يشبه الموجود بعد العدم و المولود الخارج من الظلم فجعله مبدء أولى.
قال اللّه تعالى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ» الاية، و كان اتفاق المسلمين ان أوّل شهر الصيام ليلة رؤية الهلال إلى ليلة رؤيتها و يكون الصوم للرؤية و الفطر للرؤية و هذا الشهر لا يزيد عن ثلاثين يوما و لا ينقض على تسعة و عشرين يوما.
و ليعلم انه على هذا الوجه اعنى أخذ الشهر القمرى من ليلة رؤية الهلال إلى ليلتها كما ذهب اليه المسلمون يمكن أن تكون أربعة أشهر متواليات ثلاثين يوما و لا يزيد على ذلك قط كما يمكن أن تكون ثلاثة أشهر متواليات تسعة و عشرين يوما و لا يزيد على هذا المقدار أيضا قطّ على ما حقق في محلّه، و ذكر الدليل ينجرّ إلى بحث طويل. و هذا هو الشهر القمرى الحقيقى المبتنى على وضع القمر مع الشمس و أما الوسطى فهو مصطلح أهل الحساب فيأخذون مبدء الشهر من الاجتماع الوسطى و يجعلون المحرم ثلاثين يوما و الصفر تسعة و عشرين يوما، و هكذا كل فرد ثلاثين يوما و كلّ زوج تسعة و عشرين يوما، و في طول ثلاثين سنة يأخذون ذا الحجة إحدى عشر مرة ثلاثين يوما و يسمونها كبائس، و برهانه مذكور في الكتب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 161
المبرهنة في الفنّ، و هذا الشهر الوسطى هو مبني الجداول في كتب الأعمال أعني الزيجات.
و مقدار الشهر الوسطى ما حوسب و استخرج في الزيج البهادري و هو أدق الزيجات:
يكون تسعة و عشرين يوما و احدى و ثلاثين دقيقة و خمسين ثانية و ثماني ثوالث على أن كلّ يوم ستون دقيقة و كلّ دقيقة ستون ثانية.
«فائدتان»:
الاولى:
انك دريت أن وضع الجداول في الزيجات على الامر الاوسط و لا مساس له فى الرؤية اعنى ان المنجمين يرتّبون حركات الكواكب فى الجداول على ذلك النهج الاوسط فاذا أرادوا ان يعلموا رؤية هلال أو تقويم كوكب او خسوف و كسوف او مقدار الايام و الليالى و غير ذلك من الامور احتاجوا إلى محاسبة ثانية من تلك الجداول باعمال التعديلات على الطرق المعلومة عند العالمين بها فليس مبني الجداول أولا على السير الحقيقي و التقويم الواقعي للكواكب.
و يعبر الزيج في تعابير الفقهاء بالجدول و ما في كتب الفقهيّة- كاللمعة للشهيد الاول (ره) في كتاب الصوم في رؤية الهلال- لا عبرة بالجدول، حق لان مبني الجداول أعني الزيجات على عدّ شهر تامّا و شهر ناقصا حتى يمكن ضبطها و وضعها في الجداول فالجدول في تعابير الفقهاء كان بهذا المعني و لا اعتبار به قبل المحاسبة ثانية لكل امر لا انه ليس على مبني صحيح و معتبر و ذلك كما ترى ان محاسبا يخبران في يوم كذا و ساعة كذا ينكسف الشمس مثلا في مقدار كذا و مدة كذا فترى ما اخبر مطابقا للواقع و ان ظهر خلافه فغلّط هو فى عمله.
الفائدة الثانية:
ان شهر رمضان كسائر الشهور تارة يكون ثلاثين يوما و تارة تسعة و عشرين يوما لان الشهر القمرى كما دريت يكون من ليلة رؤية الهلال إلى ليلة رؤية الهلال و القمر قد يخرج تحت شعاع الشمس فى اليوم التاسع و العشرين فيرى الهلال عند مغيب الشمس و قد لا يخرج في ذلك اليوم فيصير الشهر ثلاثين يوما و ليس للنّيرين في شهر رمضان وضع خاص حتى يكون دائما ثلاثين يوما و ليس لشهر رمضان تأثير خاص في ذلك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 162
و في التهذيب عن محمّد بن الفضيل قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن اليوم الّذي يشكّ فيه لا يدري اهو من شهر رمضان أو من شعبان فقال: شهر رمضان شهر يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة و النقصان فصوموا للرؤية و افطروا للرؤية الحديث.
و ذهب رئيس المحدثين الصدوق رضوان اللّه عليه إلى ان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوما ابدا و روى فى الخصال بإسناده عن إسماعيل بن مهران قال سمعت جعفر بن محمّد عليهما السّلام يقول و اللّه ما كلّف اللّه العباد إلا دون ما يطيقون انما كلفهم فى اليوم و الليلة خمس صلوات و كلفهم فى كلّ الف درهم خمسة و عشرين درهما و كلفهم فى السنة صيام ثلاثين يوما و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك.
ثمّ قال (ره) مذهب خواصّ الشيعة و أهل الاستبصار منهم في شهر رمضان انه لا ينقص عن ثلاثين يوما ابدا و الاخبار في ذلك موافقة للكتاب و مخالفة العامة فمن ذهب من ضعفة الشيعة إلى الاخبار التي وردت للتقيّة في انه ينقص و يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان و التمام اتقى كما يتقى العامة و لم يكلم الا بما يكلم به العامة.
و قريب من قوله هذا ما في الفقيه.
أقول: و هذا الكلام منه قدس سرّه مع جلالة شأنه غريب جدّا و الاخبار الناطقة في ذلك إما يشير إلى صوم يوم الشك حيث تغيّمت السماء او إلى امور اخر ذكروها شراح الاحاديث على ان شيخ الطائفة قدس سرّه ردّ تلك الاخبار في التهذيب بوجوه فمن شاء فليرجع اليه او إلى الوافى و غيره من الكتب المبسوطة.
ثمّ ان شراح الأحاديث و فقهاء الاماميّة لا سيما الشيخ الطوسي في الهذيبين و ان ذكروا فى ردّ تلك الاخبار القائلة بان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين ابدا و توجيهها وجوها كثيرة و لكن ههنا دقيقة تبصّر بها و ذكرها في حاشية الوافي شيخنا الاجل و استادنا الاعظم الجامع للعلوم النقلية و العقلية و المتبحر في الفنون الغريبة الحاج الميرزا أبو الحسن الشعراني متعنا اللّه بطول بقائه يعجبني ان اذكرها تيمنا بما قال و تمثلا له في البال، قال مدّ ظله:
أقول: عادة المنجمين ان يحاسبوا الشهور الهلالية اولا على الامر الاوسط و يرتبون الايام و يستخرجون مواضع الكواكب في تلك الايام ثم يرجعون و يستخرجون
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 163
رؤية الأهلة و يرتبون الشهور و يعينون غرة كل شهر على حسب الرؤية فاذا بنوا على الامر الاوسط حاسبوا شهر محرم تاما و صفر ناقصا فهكذا فيكون شعبان ناقصا و رمضان تاما و هذا بحسب الأمر الاوسط و هو عادتهم من قديم الدهر الا ان هذا عمل يبتدون به في الحساب قبل ان يستخرج الأهلة فإذا استخرج الهلال بنوا على الرؤية و كان بعض الرواة سمع ذلك من عمل المنجمين فاستحسنه لان نسبة النقصان إلى شهر رمضان و هو شهر اللّه الأعظم يوجب التنفير و اسائة الادب فنسبه إلى بعض الائمة عليهم السّلام سهوا و زادوا فيه و العجب ان الصدوق رحمه اللّه روى الأحاديث فى الصوم للرؤية و الافطار لها و روى أحاديث الشهادة على الهلال و روى احكام يوم الشك و لو كان شعبان ناقصا ابدا و شهر رمضان تاما ابدا لا تنفى جميع هذه الاحكام و بطلت جميع تلك الروايات و لا يبقى يوم الشك و لم يحتج إلى الرؤية.
و أمّا الفرق بين السنة الهجرية القمرية و الهجرية الشمسية فنقول: مبدءهما الأوّل واحد و هو مهاجرة نبيّنا خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله من مكة إلى المدينة كما مرّ بيانه مفصّلا إلّا انهم في صدر الاسلام جعلوا مبدء القمرية من المحرّم و جعل في قرب عصرنا مبدء الشمسية من تحويل الشمس إلى الحمل و ما كان الاصل في ذلك هو السنة الهجرية القمرية لما دريت ان العرب اعتبروا الشهور و الاعوام من دور القمر فالشهر من ليلة رؤية الهلال إلى ليلتها ثمّ ركّبوا اثنى عشرة شهرا قمريا و سموها سنة و مضى من هجرة نبينا صلّى اللّه عليه و آله إلى هذا اليوم الّذي نحرّر ذلك المطلب و هو يوم الاثنين ثامن ربيع الاوّل يوم وفاة امامنا أبي محمّد الحسن بن علىّ العسكرى عليه السّلام، اثنان و ثمانون و ثلاثمأة و الف سنة و شهران و ثمانية أيام.
و أمّا الهجرية الشمسية و إن كان مبدءهما الأوّل هجرة الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلّا انّه تاريخ حديث وضعوه فى طهران عاصمة ايران و كان مبدءه السنة 1304 الشمسية و هو مبني على اثنى عشرة شهرا شمسيا كتاريخ الجلالى و اسامى الشهور بعينها اسامى اليزدجردى و هى: فروردين، ارديبهشت، خوردا، تير، مرداد، شهريور، مهر، آبان، آذر، دى، بهمن، اسفند و جعلوا الشهور الستّ الأوّل احدا و ثلاثين يوما
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 164
و الست الاخر ثلاثين يوما إلّا ان شهر اسفند يكون فى الكبيسة ثلاثين يوما و فى غيره تسعة و عشرين يوما و بهذه الحيلة نشروا الخمس المسترقة فى الشهور تسهيلا للامر و مبدء السنة يكون من يوم تحويل الشمس إلى أوّل الحمل إن كان تحويلها قبل نصف النهار و إلّا فاليوم الذى بعده و مضى من تلك السنة إلى اليوم احدى و أربعون و ثلاثمأة و الف سنة.
و التفاوت بينهما ناش من حيث إن الأوّل مبتن على حركة القمر و تكون السنة مركبة من اثنى عشر شهرا قمريا و الثاني على حركة الشمس فالسنة مركبة من اثنى عشر شهرا شمسيّا.
و الشهر القمرى الحقيقى على الزيج البهادرى هو تسعة و عشرون يوما و اثنتى عشر ساعة و أربع و أربعون دقيقة و ثلاث ثوانى و ثلاث ثوالث و تسع روابع و ست و ثلاثون خامسة.
فلا جرم ان السنة القمرية الحقيقية أربع و خمسون و ثلاثمأة يوم و ثماني ساعات و ثماني و أربعون دقيقة و ست و ثلاثون ثانية و سبع و ثلاثون ثالثة و خمس و خمسون رابعة و اثنتا عشر خامسة الحاصلة من ضرب عدد الشهر القمري في اثنى عشرة.
و السنة الشمسية الحقيقية على ما رصد في الزيج البهادرى و صرّح به في الصفحة الثامنة و الثلاثين منه:
خمسة و ستون و ثلاثمأة يوما و خمس ساعات و ثماني و أربعون دقيقة و ست و أربعون ثانية و ست ثوالث و عشر روابع.
فالتفاوت بين السنة الشمسيّة الحقيقية و القمرية الحقيقية هو عشرة أيام و احدى و عشرون ساعة و تسع ثوانى و ثماني و عشرون ثالثة و اربع عشرة رابعة و ثماني و اربعون خامسة. و هذا هو التحقيق في ذلك المقام بما لا مرية فيه و لا كلام و بالجملة مبدء تاريخ المسلمين المعمول به عند جمهورهم هو أوّل شهر المحرّم من سنة هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من مكة زادها اللّه شرفا إلى المدينة الطيّبة.
و ذهب محمّد بن إسحاق المطلبي كما في السيرة النبوية لابن هشام التي هي منتخبة ممّا الفه ابن إسحاق، و غيره إلى ان مبدأه يكون شهر ربيع الأوّل حيث
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 165
قال: قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة يوم الاثنين حين اشتدّ الضّحاء و كادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل و هو التاريخ و هذا متروك عند المسلمين.
و يمكن ان يكون الضمير اعني هو في قوله و هو التاريخ راجعا إلى قدومه و هجرته من مكة إلى المدينة فلا تنافي.
«ذكر الاخبار فى ذلك»:
قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه المعروف: قال عبيد اللّه بن أبي رافع قال سمعت سعيد بن المسيب يقول جمع عمر بن الخطّاب الناس فسألهم فقال من أىّ يوم نكتب فقال على عليه السّلام من يوم هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ترك أرض الشرك ففعله عمر.
و فيه بإسناده عن الشعبى قال كتب ابو موسى الأشعرى إلى عمر انه تأتينا منك كتب ليس لها تاريخ قال فجمع عمر الناس للمشورة فقال بعضهم ارخ لمبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال بعضهم لمهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال عمر لابل نؤرخ لمهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فان مهاجره فرق بين الحق و الباطل.
و فيه عن ميمون بن مهران قال رفع إلى عمر صكّ محله في شعبان فقال عمر أيّ شعبان الّذى هو آت او الّذى نحن فيه؟ قال ثمّ قال لأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ضعوا للناس شيئا يعرفونه فقال بعضهم اكتبوا على تاريخ الروم فقيل انهم يكتبون من عهد ذى القرنين فهذا يطول و قال بعضهم اكتبوا على تاريخ الفرس فقيل إنّ الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله فاجتمع رأيهم على ان ينظرواكم اقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة فوجدوه عشر سنين فكتب التاريخ من هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و فيه قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال ارّخوا فقال عمر ما أرخوا قال شيء تفعله الاعاجم يكتبون فى شهر كذا من سنة كذا فقال عمر حسن فارّخوا فقالوا من أىّ السنين نبدأ قالوا من مبعثه و قالوا من وفاته ثمّ اجمعوا على الهجرة ثمّ قالوا فأىّ الشهور نبدأ فقالوا رمضان ثمّ قالوا المحرّم فهو منصرف الناس من حجهم و هو شهر حرام فاجمعوا على المحرّم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 166
الترجمة:
از كلام آن حضرت است كه رفتن خود را در پى پيغمبر صلّى اللّه عليه و آله و رسيدن بان جناب بعد از مهاجرت حضرتش از مكه بسوى مدينه حكايت ميكند:
پس شروع كردم، پيروى مى كردم آن راهى را كه پيمبر خدا رفته بود، پس بياد او گام مى نهادم تا به عرج رسيدم (كناية از اين كه از ابتداء خروج از مكّه تا اين موضع پيوسته از آن جناب خبر مى گرفتم و بر اثر نشان او قدم مى زدم. عرج بر وزن خرج موضعى است بين مكه و مدينه و بمدينه نزديكتر است).
سيد رضى رضوان اللّه عليه در مدح كلام مولى مى گويد: اين جمله گفتار آن حضرت (فاطأ ذكره) كلامى است كه در نهايت اعجاز و غايت فصاحت از آن جناب صادر شد. اراده كرده است از آن كه من ابتداء بيرون آمدن از مكه تا رسيدن بدين موضع همواره از آن حضرت خبر مى گرفتم، اين مطلب را باين كنايه عجيب اداء فرموده است.
هجرت پيغمبر (ص) از مكه بمدينه و جانشين شدن على عليه السّلام آن بزرگوار را و در فراش او خفتن باختصار:
كفار مكه از هر قبيله اى تنى چند برگزيدند كه پيغمبر اكرم صلّى اللّه عليه و آله را شبانه در بستر خوابش بقتل رسانند و چون بنو عبد مناف قوه مقابله و مقاتله با جميع قبائل ندارند بديت راضى شوند، جبرئيل رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله را از سوء نيت آن گروه اعلام فرمود و حضرتش را به مهاجرت اشارت كرد.
پيغمبر اكرم صلّى اللّه عليه و آله على عليه السّلام را از آن اخبار فرمود و وى را جانشين خود قرار داد و زن و فرزندان و ودائعى را كه مردم از جهت اطمينان و اعتمادى كه به پيغمبر داشتند در نزد وى بامانت نهاده بودند بدست على عليه السّلام سپرد، أمير المؤمنين امر آن جناب را بيدريغ امتثال كرد و در جاى رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله بخفت و در حقيقت جانش را وقايه و فداى پيغمبر اكرم صلّى اللّه عليه و آله گردانيد كه رسول اللّه شبانه با ابو بكر بغار ثور رفته و سه شب در غار بسر برد تا جان بسلامت بدر برد و سپس بسوى مدينه مهاجرت فرمود.
و آيه كريمه «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ» در شأن على عليه السّلام در اين موضوع نازل شد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 167
كفار چون گرد خانه پيغمبر صلّى اللّه عليه و آله را گرفتند و على عليه السّلام را بجاى پيغمبر ديدند نا اميد شدند. أمير المؤمنين عليه السّلام سه روز در مكه بود و ودائع را بصاحبانش برگردانيد و سپس با زن و فرزندان پيغمبر بسوى مدينه بدان راهى كه رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله گام نهاد رهسپار شد. و مبدء تاريخ هجرى چه قمرى چه شمسى از اينجا آغاز مى گردد.
بر مسلمان خردمند پوشيده نيست كه اين عمل أمير المؤمنين عليه السّلام موجب انتظام دين و ايمان و سبب خذلان اهل كفر و عدوان شد. على عليه السّلام جان خويش را در طاعت خدا و حفظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخشيده و در فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخفت تا حضرتش را از كيد اعداء برهانيد و امر ملّت و دين و سلامت و بقاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كتاب اللّه بدان انتظام يافت و حافظ و حامى شريعت سيد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله گرديد چه خداوند فرمود «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ ...» و بر خردمند هوشيار معلوم است كه بذل مال و كالا در ازاء بذل نفس بى مقدار است، و الجود بالنفس اقصى غاية الجود.