منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 16
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الرابعة و الاربعون من المختار في باب الخطب و شرحها في فصلين:
الفصل الاول:
بعث رسله بما خصّهم به من وحيه، و جعلهم حجّة له على خلقه، لئلّا تجب الحجّة لهم بترك الإعذار إليهم، فدعاهم بلسان الصّدق إلى سبيل الحقّ، ألا إنّ اللَّه قد كشف الخلق كشفة، لا أنّه جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم، و مكنون ضمائرهم، و لكن ليبلوهم أيّهم أحسن عملا، فيكون الثّواب جزاء، و العقاب بواء.
اللغة:
(الاعذار) التخويف و الوعيد و (الكشف) الاظهار و رفع كلّ شيء عما يواريه و يستره و (البواء) الكفوء و باء الرّجل بفلان قتل به، و أبأت القاتل بالقتل و استبأته أي قتلته به.
الاعراب:
قوله: من وحيه، بيان لما الموصولة، و قوله: ليبلوهم أيّهم أحسن عملا، كلمة أيّ استفهاميّة مضافة إلى ما بعدها و هي مبتدأ و أحسن خبره، و عملا تميز و جملة الاستفهام بدل من مفعول يبلو على حدّ قوله سبحانه: «وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» فانّ جملة هل هذا إلّا بشر، بدل من النّجوى.
و يجوز أن يكون الجملة الاستفهاميّة استينافا بيانيا، كأنّه سئل عن المبتلين و قيل: من هم؟ فقيل: أيّهم أحسن عملا نظير ما قاله بعض النحويّين في قوله: «لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا» من أنّ أيّ استفهاميّة و جملة الاستفهام مستأنفة، و من كلّ شيعة، مفعول ننزعنّ، و المعنى لننزعنّ بعض كلّ شيعة، و كأنّ قائلا يقول: و من المنزعين؟ فقيل: أيّهم أشدّ. استفهام تقريعى و توبيخى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 18
المعنى:
اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة حسب ما أشار اليه الشّارحان البحراني و المعتزلي منافرة بينه و بين قوم من الصّحابة الذين كانوا ينازعونه الفضل، و صدّر الفصل بالاشارة إلى بعث الرّسل و الحكمة في بعثهم فقال: (بعث رسله بما خصّهم به من وحيه) الضمائر راجعة إلى اللَّه سبحانه و إن لم يجر له ذكر لعدم الالتباس كما في قوله تعالى: «فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى .» و الوحى كلام مأخوذ من اللَّه سبحانه بواسطة الملك، و الالهام يحصل منه سبحانه بغير واسطة، و قيل: الوحى قد يحصل بشهود الملك و سماع كلامه فهو من الكشف الصّورى المتضمّن للكشف المعنوي، و الالهام من المعنوى، و أيضا الوحى من خواصّ الرّسالة و متعلّق بالظاهر، و الالهام من خواصّ الولاية، و أيضا هو مشروط بالتبليغ كما قال: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» دون الالهام، و منهم من جعل الالهام نوعا من الوحى فيكون إطلاق الوحى على الالهام في قوله سبحانه: «وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ» «وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى » على سبيل الحقيقة، و أمّا على الأقوال السّابقة فهو من باب التوسّع و التجوّز.
(و جعلهم حجّة له على خلقه لئلا) يكون للنّاس على اللَّه حجّة بعد الرّسل و (تجب الحجّة لهم عليه بترك الاعذار) و التّخويف و إبداء العذر في العقاب و تقديمه (إليهم) يعني أنّه سبحانه إنّما أرسل رسله مبشّرين و منذرين إتماما للحجّة و إزالة للعذر عنه في العقاب على العصيان لأنّ العقاب بلا بيان قبيح على الحكيم كما قال تعالى: «وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا».
فان قلت: هذا ينافي بالقول بالواجبات العقليّة و كفاية حكم العقل بالوجوب أو التحريم فيما استقل بحسنه أو قبحه و لو لم يبعث الرّسل كما هو مذهب العدليّة من الامامية و المعتزلة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 19
قلت: قد أجاب عنه الشّارح المعتزلي بأنّ صحّة مذهبهم يقتضي أن يحمل عموم الألفاظ على أنّ المراد بها الخصوص، فيكون التّأويل لئلا يكون للنّاس على اللَّه حجّة فيما لم يدلّ العقل على وجوبه و لا قبحه كالشّرعيّات، و كذلك و ما كنّا معذّبين على ما لم يكن العقل دليلا عليه حتّى نبعث رسولا، و محصّله أنّ العمومات مخصوصة بغير المستقلات، و أنّ المقصود بالآية و ما كنّا معذّبين قبل بعث الرّسل إلّا فيما استقلّ لحكمه العقل، هذا.
و يمكن الجواب بابقاء الآية على عمومها و التصرّف في البعث بأن يجعل كنايه- مجاز [بعث رسله بما خصّهم به من وحيه ] بعث الرّسل كناية أو مجازا عن مطلق بيان التكليف و لو بلسان العقل كما في المستقلات العقليّة إلّا أنّه لمّا كان الغالب بل الأغلب كون البيان بالرّسول، فعبّر به عنه كما في قولك لا أبرح هذا المكان حتّى يؤذّن المؤذّن، مريدا به دخول الوقت إذ كثيرا ما يعلم دخوله به.
(فدعاهم بلسان الصّدق) و هو لسان الأنبياء و الحجج، لأنّهم تراجمة وحى اللَّه سبحانه و يقرب منه ما في شرح البحراني قال: هو لسان الشريعة النّاطقة عن مصباح النّبوة المشتعل عن نور الحقّ سبحانه (إلى سبيل الحقّ) و هو سبيل الدّين و نهج الشّرع المبين.
و لمّا أشار عليه السّلام إلى الحكمة في بعث الرّسل أردفه بالتّنبيه على الغرض من التّكليف و هو قوله: (ألا إنّ اللَّه تعالى قد كشف الخلق كشفة) أي أبداهم و أظهر حالهم بما تعبّدهم به من الأحكام إذ بالتعبّد بها يظهر ما هم عليه من السّعادة و الشّقاوة و الجحود و التّسليم، و هذا معنى ما قيل إنّه أراد بالكشف الاختبار و الابتلاء (لا) ل (أنّه جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم و) أضمروه من (مكنون ضمائرهم) بل هو العالم بالسّرائر و الخبير بمكنونات الضّمائر.
و إن تجهر بالقول فانّه يعلم السّر و أخفى، و لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض و لا في السّماء، و ما يكون من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم و لا خمسة إلّا هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر إلّا هو معهم، على ما مرّ تحقيقا و تفصيلا في
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 20
تنبيهات الفصل السّابع من الخطبة الأولى، و في شرح الخطبة التّاسعة و الأربعين و الخطبة الخامسة و الثّمانين فليراجع (و لكن) كشفهم (ليبلوهم أيّهم أحسن عملا) اقتباس من الآية الشّريفة في سورة هود قال تعالى: «وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا».
قال الطّبرسيّ: معناه أنّه خلق الخلق و دبّر الامور ليظهر إحسان المحسن فانّه الغرض في ذلك أي ليعاملكم معاملة المبتلى المختبر لئلا يتوهم أنّه سبحانه يجازى العباد على حسب ما في معلومه أنّه يكون منهم قبل أن يفعلوه.
و في سورة الملك «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا».
قال الطّبرسيّ: أي ليعاملكم معاملة المختبر بالأمر و النّهى فيجازى كلّ عامل بقدر عمله، و قيل: ليبلوكم أيّكم أكثر للموت ذكرا و أحسن له استعدادا و أحسن صبرا على موته و موت غيره، و أيّكم أكثر امتثالا للأوامر و اجتنابا عن النّواهي في حال حياته.
قال أبو قتادة سألت النّبي صلّى اللَّه عليه و آله عن قوله تعالى: «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا»* ما عنى به؟ فقال صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: يقول: أيّكم أحسن عقلا ثمّ قال: أتمّكم عقلا، و أشدّكم للَّه خوفا، و أحسنكم فيما أمر اللَّه به و نهى عنه نظرا، و إن كان أقلّكم تطوّعا.
و عن ابن عمر عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّه تلى تبارك الذي بيده الملك إلى قوله: «أيّكم أحسن عملا»، ثمّ قال: أيّكم أحسن عقلا، و أورع عن محارم اللَّه، و أسرع في طاعة اللَّه، و عن الحسن أيّكم أزهد في الدّنيا و أترك لها انتهى.
أقول: و قد مضى تفصيل الكلام في معنى ابتلاء اللَّه سبحانه لعباده في شرح الخطبة الثانية و السّتين، و محصّله أنّه سبحانه يختبر عباده مع علمه بما يؤل اليه أمرهم من سعادة أو شقاوة بأوامره و نواهيه، و يعاملهم معاملة المختبر ليجازي كلّ عامل بمقتضى فعله و عمله، كما لا يجازي المختبر للغير إلّا بعد وقوع الفعل و العمل منه (فيكون الثواب) منه تعالى (جزاء) للحسنات بمقتضى فضله (و العقاب بواء) للسيّئات بمقتضى عدله.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن امام مبين و وليّ ربّ العالمين است كه متضمّن فائده بعثت پيغمبران عاليمقدار و اظهار مناقب عترت رسول مختار و أهل بيت اطهار است چنانچه فرموده:
مبعوث فرمود حق سبحانه و تعالى پيغمبران خود را بآن چه كه مخصوص ساخت ايشان را از وحى خود، و گردانيد ايشان را حجّة واضحه از براى خود بر مخلوقات خود تا اين كه واجب نشود حجّت مر ايشان را بسبب ترك تخويف و ترساندن ايشان، پس خواند ايشان را بزبان راست كه دعوت أنبياء است بسوى راه درست كه طريق شريعت غرّا است، آگاه باشيد بدرستى كه خداوند آشكارا ساخت خلق را آشكار ساختنى نه از جهة اين كه جاهل بود به آن چه مخفى داشته اند از أسرار محفوظه و مكنونات قلوب ايشان، و ليكن از جهة اين كه امتحان نمايد ايشان را تا كدام يك از ايشان بهترند از حيث عمل تا باشد ثواب جزاى حساب و عقاب پاداش سيئات.