منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 131
و من خطبة له عليه السّلام في الملاحم و هى المأة و الخمسون من المختار في باب الخطب:
و أخذوا يمينا و شمالا ظعنا في مسالك الغىّ، و تركا لمذاهب الرّشد، فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد، و لا تستبطئوا ما يجيىء به الغد، فكم من مستعجل بما إن أدركه ودّ أنّه لم يدركه، و ما أقرب اليوم من تباشير غد، يا قوم هذا إبّان ورود كلّ موعود، و دنوّ من طلعة ما لا تعرفون، ألا و من أدركها منّا يسري فيها بسراج منير، و يحذو فيها على مثال الصّالحين، ليحلّ فيها ربقا، و يعتق رقّا، و يصدع شعبا، و يشعب صدعا، في سترة عن النّاس لا يبصر القائف أثره و لو تابع نظره، ثمّ ليشحذنّ فيها قوم شحذ القين النّصل، يجلى بالتّنزيل أبصارهم، و يرمى بالتّفسير في مسامعهم، و يغبقون كأس الحكمة بعد الصّبوح.
اللغة:
(ظعن) ظعنا من باب منع و ظعنا بالتّحريك سار و (التباشير) أوائل الصّبح و كلّ شيء، و (إبّان) الشيء بكسر الهمزة و تشديد الباء الموحّدة وقته و زمانه و (الرّبق) بالكسر فالسّكون حبل فيه عدّة عري يشدّ به البهم و كلّ عروة ربقة بالكسر و الفتح و الجمع ربق و رباق و أرباق و (يشحذنّ) على البناء للمفعول من الشّحذ و هو التّحديد و (القين) الحدّاد و (النّصل) حديدة الرّمح و السّهم و السّيف ما لم يكن له مقبض و (الغبوق) وزان صبور الشّرب بالعشىّ و غبقه سقاه ذلك و (الصّبوح) كصبور أيضا الشّرب بالغداة، و صبّحهم سقاهم صبوحا و قد يطلق الغبوق و الصّبوح على ما يشرب بالعشىّ و الغداة.
الاعراب:
قال الشّارح المعتزلي: ينصب ظعنا و تركا على المصدريّة و العامل فيهما من غير لفظهما و هو أخذوا، انتهى.
و الصّواب أنّهما حالان من فاعل أخذوا على التّأويل بالفاعل، أى ظاعنين و تاركين، و يا قوم بكسر الميم منادى مرّخم، و قوله: في سترة خبر لمبتدأ محذوف و جملة لا يبصر القائف أثره حال مؤكّدة نحو: وليّ مدبرا، و جملة يجلى بالتّنزيل في محلّ الرّفع صفة لقوم.
المعنى:
اعلم أنّه عليه السّلام يذكر في هذه الخطبة قوما من فرق الضّلال زاغوا عن طريق الهدى إلى سمت الرّدى و مدارها على فصول:
الفصل الاول:
قوله عليه السّلام: (و أخدوا يمينا و شمالا ظعنا في مسالك الغيّ و تركا لمذاهب الرّشد) أى مرتحلين في مسالك الغيّ و الضّلال، و تاركين لمذاهب الرّشد و السّداد، فانّ اليمين و الشّمال مضلّة و الطّريق الوسطى هي الجادّة على ما تقدّم تفصيلا في شرح الفصل الثّاني من الكلام السّادس عشر، فمن أخذ بالشّمال و اليمين ضلّ لا محالة عن النّهج القويم و الصراط المستقيم.
ثمّ نهاهم عن استعجال ما كانوا يتوقّعونه من الفتن الّتي أخبرهم الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 135
و هو عليه السّلام بوقوعها في مستقبل الزّمان، و كانوا يسألونه عليه السّلام عنها و يستبطئون حصولها فقال: (فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد) أى مترقّب و معدّ (و لا تستبطئوا ما يجيء به الغد) و علّل النّهى عن الاستعجال بقوله (فكم من مستعجل بما إن أدركه) حريص عليه (ودّ أنّه لم يدركه) و ذلك لأنّه ربّما يستعجل أمرا غفلة عمّا يترتّب عليه من المفاسد و المضارّ، و جهلا بما يتضمّنه من الشّرور و المعايب فاذا أدركه ظهر له ما كان مخفيّا عنه فيودّ أن لا ينيله و لا يدركه قال سبحانه: «وَ عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ».
و لمّا نهاهم عن استبطاء ما يجيء به الغد أشار إلى قربه بقوله (و ما أقرب اليوم من تباشير غد) و أوائله كما قال الشّاعر: غد ما غد ما أقرب اليوم من غد.
ثمّ قال عليه السّلام: (يا قوم هذا إبّان ورود كلّ موعود) أى وقت وروده و زمانه و المستفاد من شرح البحراني أنّ المقصود بهذه الجملة تقريب ذلك الموعود من الفتن، و من شرح المعتزلي أنّها إشارة إلى قرب وقت القيامة و ظهور الفتن التي يظهر أمامها، و الانصاف أنّ كلامه عليه السّلام متشابه المراد، لأنّ السيّد (ره) حذف أوّل الخطبة و ساقها على غير نسق، فأوجب ذلك إبهام المرام و إعضال الكلام، و كم له (ره) من مثل هذا الاسلوب المخالف للسّليقة في هذا الكتاب الموجب للغلق و الاضطراب هذا.
و قوله: (و دنوّ من طلعة ما لا تعرفون) أى هذا وقت قرب ظهور ما لا تعرفون من تلك الملاحم و الفتن الحادثة بالتّفصيل.
قال الشّارح المعتزلي: لأنّ تلك الملاحم و الأشراط الهايلة غير معهود مثلها، نحو دابّة الأرض، و الدّجال و فتنته و ما يظهر على يده من المخاريق و الامور الموهمة، و واقعة السّفياني و ان يقتل فيها من الخلائق الذي لا يحصى عددهم، انتهى ثمّ أشار إلى سيرة أهل بيته عليه السّلام عند ظهور هذه الفتن فقال (ألا و من أدركها منّا) أهل البيت (يسرى فيها) أى في ظلمات هذه الفتن (بسراج منير) أى بنور
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 136
الامامة و الولاية، فلا توجب ظلماتها انحرافه عن طريق الهدى، و لا توقع له شبهة في عقيدته الصّادقة الصّافية بل يسلك فيها مسلك الحقّ المبين (و يحذو فيها على مثال) أسلافه (الصّالحين) و يقتفى آثار أولياء الدّين (ليحلّ فيها ربقا و يعتق رقّا) أى يستفكّ الهدى و ينقذ مظلومين من أيدى الظّالمين، و يحتمل أن يكون كناية عن حلّه فيها ربق الشّك من أعناق النّفوس و عتقها من ذلّ الجهل (و يصدع شعبا و يشعب صدعا) أى يفرّق ما اجتمع و اتّفق من الضّلال و يصلح ما تشتّت و تفرّق من الهدى.
و قوله: (في سترة عن النّاس) قال الشّارح المعتزلي هنا بعد بنائه على أنّ المراد بالموصول في قوله عليه السّلام سابقا: و من أدركها، هو مهدىّ آل محمّد سلام اللَّه عليه و على آبائه الطّاهرين: إنّ هذا الكلام يدلّ على استتار هذا الانسان المشار إليه و ليس ذلك بنافع للاماميّة في مذهبهم و إن ظنّوا أنّه تصريح بقولهم، و ذلك لأنّه من الجايز أن يكون هذا الامام يخلقه اللَّه في آخر الزّمان و يكون مستترا مدّة و له دعاة يدعون إليه و يقرّرون أمره ثمّ يظهر بعد ذلك الاستتار و يملك المماليك و يقهر الدّول و يمهّد الأرض كما ورد في الخبر انتهى.
أقول: قد أشرنا في شرح الخطبة المأة و الثّامنة و الثلاثين أنّ المهدىّ صاحب الزّمان عليه صلوات الرّحمن مخلوق موجود الآن، و أنّ خلاف المعتزلة و من حذا حذوهم فيه و إنكارهم لوجوده بعد ممّا لا يعبأ به بعد قيام البراهين العقليّة و النقلية و دلالة الأصول المحكمة على وجوده كما هو ضروريّ مذهب الاماميّة رضوان اللَّه عليهم، و كتب أصحابنا في الغيبة كفتنا مؤنة الاستدلال في هذا المقام و كيف كان فلو اريد بالموصول خصوص امام الزّمان عليه السّلام لا بدّ أن يكون المراد بقوله: في سترة عن النّاس، غيبته و استتاره عن أعين النّاس، و يكون قوله (لا يبصر القائف أثره و لو تابع نظره) إشارة إلى شدّة استتاره و عدم إمكان الوصول إليه و لو استقصى في الطلب و بولغ في النّظر و التّأمل إلّا للأوحدىّ من النّاس إذا اقتضت الحكمة الالهيّة، و لو اريد به العموم كان المقصود به ما قاله الشّارح
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 137
البحراني حيث قال: و ما زالت أئمة أهل البيت عليهم السّلام مغمورين في النّاس لا يعرفهم إلّا من عرّفوه أنفسهم حتّى لو تعرّفهم من لا يريدون معرفته لم يعرفهم، لست أقول لم يعرف أشخاصهم بل لا يعرف أنّهم أهل الحقّ و الأحقّون بالأمر.
(ثمّ ليشحذنّ فيها قوم شحذ القين النّصل) قال الشّارح المعتزلي: يريد ليحرضنّ في هذه الملاحم قوم على الحرب و قتل أهل الضّلال، و ليوطننّ عزائمهم كما يشحذ الصّيقل السّيف و يطلق حدّه.
استعاره [ثمّ ليشحذنّ فيها قوم شحذ القين النّصل ] و قال الشّارح البحراني: أى في أثناء ما يأتي من الفتن تشحذ أذهان قوم و تعدّ لقبول العلوم و الحكمة كما يشحذ الحدّاد النّصل، و لفظ الشّحذ مستعار لاعداد الأذهان، و وجه الاستعارة الاشتراك في الاعداد التّام النّافع، فهو يمضى في مسائل الحكمة و العلوم كمضىّ النّصل فما يقطع به و هو وجه التّشبيه المذكور، انتهى.
أقول: فعلى قول الأوّل يكون المراد بقوله عليه السّلام: قوم، أنصار إمام الزمان عليه السّلام و أصحابه، و على قول الثّاني يكون المراد به علماء الامّة المستجمعين لكمالات النفوس، السّالكين لسبيل اللَّه من جاء منهم قبلنا و من يأتي في آخر الزمان و وصف هؤلاء بقوله (يجلى بالتنزيل أبصارهم و يرمى بالتّفسير في مسامعهم) أى يكشف الرّين و تدفع ظلمات الشّكوك و الشّبهات عن أبصار بصائرهم بالقرآن و التّدبر في بديع اسلوبه و معانيه، و يرمى بتفسيره حقّ التفسير في مسامعهم، و الجملة الثّانية بمنزلة التّعليل للأولى، يعني أنّهم لتلقّيهم تفسيره على ما يحقّ و ينبغي من أهل الذكر الذينهم معادن التنزيل و التّأويل و تحصيلهم المعرفة عنهم عليهم السّلام بمعانيه و مبانيه و اسراره الباطنة و الظاهرة و حكمه الجليّة و الخفيّة ارتفعت غطاء الشّبهات و غشاوة الشّكوكات عن ضمائرهم و بصائرهم، فاستعدّت أذهانهم لادراك المعارف الحقّة و الحكم الالهيّة، و لم يزل الأسرار الرّبانيّة و العنايات الالهيّة تفاض اليهم صباحا و مساء.
و هو معنى قوله: استعاره بالكنايه- استعاره تخييلية- استعاره مرشحة (و يغبقون كأس الحكمة بعد الصّبوح) و هو من باب الاستعارة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 138
بالكناية حيث شبّه الحكمة التي هى عبارة عن المعارف المتضمّنة لصلاح النشأتين بالشّراب، و الجامع عظم المنفعة و اللّذة فيهما و إن كانت منفعة الأولى للأرواح و بها التذاذها و كمالها، و نفع الثّاني للأبدان و منه حظّها، و اثبات الكأس تخييل، و ذكر الغبوق و الصّبوح ترشيح.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن بزرگوار است كه اشاره فرموده در آن بواقعات عظيمه مى فرمايد:
و فرا گرفتند گمراهان امت طريق يمين و شمال و راه افراط و تفريط را در حالتى كه كوچ كنندگانند در راه جهل و ضلالت، و ترك نمايندگانند راه رشد و سعادت را، پس طلب ننمائيد بشتاب آنچه كه واقع شونده است و مهيا، و دير مشماريد آنچه كه مى آورد آنرا فردا پس بسا بشتاب طلب كننده است چيزى را كه اگر درك نمايد آن را دوست مى گيرد در نيافتن آن را، و چه نزديكست امروز بأوايل فردا.
اى قوم اين زمان وقت وارد شدن هر وعده داده شده است و وقت نزديكيست از طلوع و ظهور آنچه كه نمى شناسيد آن را در فتنه هاى حادثه و علامات هائله، آگاه باشيد قسم بخدا بدرستى كسى كه درك نمايد آن فتنه ها را از ما سير مى كند در ظلمتهاى آن فتنه ها بچراغى كه نور بخشنده است، و رفتار مى كند در آن بقرار صالحان تا اين كه بگشايد در آن فتنه ها ريسمانها را از گردن اسيران، و آزاد نمايد بندگان را از بندگى، و پراكنده سازد آنچه كه بهم پيوسته از منكرات، و بهم بست كند آنچه كه پاشيده شده از محسنات، آن شخص در پرده است از أنظار مردمان نمى بيند صاحب قيافه أثر و نشانه آن را اگر چه امعان نظر نمايد.
پس از آن البته تيز ساخته شود در آن فتنه ها طائفه بجهة قتال أهل ضلال يا بجهة كسب معارف و كمالات همچو تيز ساختن شمشير ساز شمشير را در حالتى كه جلا داده بشود با نور قرآن ديدهاى بصيرت آن طائفه، و انداخته شود تفسير قرآن در گوشهاى ايشان، و مى آشامند كاسه حكمت را در شبانگاه بعد از آشاميدن آن در چاشتگاه.