منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 82
و من كلام له عليه السّلام و هو المأتان و الخامس من المختار فى باب الخطب و رواه الشّارح المعتزلي من كتاب نصر بن مزاحم في شرح المختار السادس و الأربعين باختلاف تطلع عليه إنشاء اللّه و قد سمع قوما من أصحابه يسبّون أهل الشّام أيّام حربهم بصفّين:
إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، و لكنّكم لو وصفتم أعمالهم، و ذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، و أبلغ في العذر، و قلتم مكان سبّكم إيّاهم: أللّهمّ احقن دمائنا و دمائهم، و أصلح ذات بيننا و بينهم، و اهدهم من ضلالتهم حتّى يعرف الحقّ من جهله، و يرعوي عن الغيّ و العدوان من لهج به. (49582- 49515)
اللغة:
(السب) الشتم كالسّباب بكسر السّين و تخفيف الباء من سبّه يسبّه من باب نصر، و رجل مسبّ بكسر الميم و سبّ و سبّاب كثير السبّ، و التسابّ التشاتم و رجل سبّة بالضمّ أى يكثر النّاس سبّه و سببة كهمزة أى كثير السّب للنّاس و السبّابة الأصبع التي تلى الابهام لأنّها يشار بها عند السبّ.
و (حقنت) الماء في السّقاء حقنا من باب نصر جمعته فيه و حقنت دمه خلاف هدرته أى منعته أن يسفك.
و (البين) بالفتح من الأضداد يطلق على الفرقة و الوصل قال تعالى لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ أى وصلكم و يكون اسما و ظرفا متمكنّا قال الفيومى: البين يطلق على الوصل و على الفرقة و منه ذات البين للعداوة و البغضاء و قولهم لاصلاح ذات البين أى لاصلاح الفساد بين القوم، و المراد إسكان النائرة و بين ظرف مبهم لا يتبيّن معناه إلّا بالاضافة إلى اثنين فصاعدا أو ما يقوم مقام ذلك كقوله تعالى «عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ».
و (ارعوى) عن القبيح ارتدع عنه و رجع و (الغيّ) الضلال و روى العمى بدله و (لهج) بالشيء لهجا من باب تعب أولع به.
الاعراب:
قوله: و قلتم عطف على قوله: وصفتم فتدخل عليه لو و حذف جوابها بدلالة الجواب السّابق عليه أى و لو قلتم مكان سبّكم هذا الدّعاء لكان أحسن و أصوب.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 83
كنايه و قوله: ذات بيننا و بينهم باضافة ذات إلى بين، و بينهم على ما رأيناه في عدّة من النّسخ بالنصب عطف على ذات، و الأصوب أن يكون بالجرّ عطفا على بيننا.
و ذات إمّا بمعنى صاحبة كما في قوله تعالى «وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ» حَمْلَها فتكون كناية عن نائرة العداوة و البغضاء، و بيننا و بينهم على هذا ظرف مكان أى اصلح ما بيننا و بينهم من البغضاء و العداوة، و لمّا كانت العداوة مصاحبة البين و ملابسة له اضيفت إليه كما أنّ الضمائر لمّا كانت ملابسة للصدور قيل: ذات الصّدور.
و إمّا بمعني نفس الشيء و حقيقته كما في قولهم: ذات يوم و ذات ليلة، و قد فسّر بهما قوله تعالى «وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» أى عليم بما في الصّدور من الضّماير أو عليم بنفس الصّدور و بواطنها، و بين على هذا المعنى الثاني يجوز أن يكون ظرفا، و أن يكون اسما بمعنى الفرقة و الوصل حسبما تعرف في بيان المعنى
المعنى:
اعلم أنّ هذا الكلام كما قاله الرّضيّ و يأتي في رواية الطبرسيّ أيضا خاطب به أصحابه (و) ذلك أنّه (قد سمع قوما من أصحابه يسبّون أهل الشّام أيّام حربهم بصفين) فمنعهم بهذا الكلام من باب التأديب و الارشاد إلى القول الصّواب و كرايم الأخلاق المطلوبة في كلّ باب.
و قبل الشروع في شرح كلامه ينبغي أن نمهّد مقدّمة فقهيّة في جواز السبّ و عدم جوازه مطلقا أو في الجملة تحقيقا للمقام و توضيحا لمرام الامام عليه السّلام.
فأقول و باللّه التوفيق:
السبّ لغة هو الشّتم كقولك يا شارب الخمر، يا آكل الرّبا، يا ملعون، يا خائن، يا فاجر، يا فاسق، يا حمار، يا كلب، يا ابن الكلب و نحو ذلك، أو يا أعور يا أعمى يا أجذم، يا أبرص، و نحوها، و يشمل القذف أيضا مثل يا ابن الزانية، يا ابن الحرام، و يا ديّوث، و يا قوّاد، و مثل ذلك.
و هو إما في حقّ المؤمن، أو في حقّ غيره من المنافق و الكافر و النّاصب.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 84
أمّا المؤمن فسبّه حرام مطلقا، سواء كان متضمّنا للقذف أم لا و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة المتقدّمة جملة منها في شرح المختار المأة و الثّاني و التسعين خصوصا و عموم الأخبار الكثيرة الدّالّة على حرمة اهانة المؤمن و استحقاره و استذلاله.
مثل ما رواه في الكافي بسنده عن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قال اللّه لي: يا محمّد من أذلّ لي وليّا فقد أرصدني بالمحاربة و من حاربني حاربته، فقلت: يا ربّ و من وليّك هذا فقد علمت أنّ من حاربك حاربته، قال: ذاك من أخذت ميثاقه لك و لوصيّك و لذرّيتكما بالولاية.
و فيه عن المعلّى قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قال اللّه عزّ و جلّ: قد نابذني من أذلّ عبدي المؤمن.
و عن المعلّى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال اللّه عزّ و جلّ: من استذلّ عبدى فقد بارزني بالمحاربة، و نحوها أخبار اخر.
و كما يحرم سبّه يحرم لعنه أيضا، و معناه الطّرد و الابعاد من رحمة اللّه بل هو نوع من السّب فيدلّ على حرمته ما دلّ على حرمة السّب مضافا إلى خصوص الأخبار النّاهية عنه.
مثل ما رواه في الكافي عن عليّ بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام قال: سمعته يقول: إنّ اللّعنة إذا خرجت عن فيّ صاحبها تردّدت فان وجدت مساغا و إلّا رجعت على صاحبها.
و فيه عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنّ اللّعنة إذا خرجت من فيّ صاحبها تردّدت بينهما فان وجدت مساغا و إلّا رجعت على صاحبها.
و عن معلّى عن أحمد بن غسّال عن سماعة قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لي مبتدأ: يا سماعة ما هذا الّذي بينك و بين جمّالك إيّاك أن تكون فحّاشا أو سخّابا أو لعّانا، فقلت: و اللّه لقد كان ذلك إنّه ظلمني، فقال: إن كان ظلمك لقد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 85
أربيت عليه إنّ هذا ليس من فعالى و لا آمر به شيعتى استغفر ربّك و لا تعد، قلت: أستغفر اللّه و لا أعود.
ثمّ المراد بالمؤمن الذي قلنا بعدم جواز سبّه و لعنه هل هو مطلق المؤمن أو خصوص من لم يستحق الاستخفاف، ظاهر الأخبار الاطلاق لكنّ المستفاد من بعض الأخبار و كلمات علمائنا الأبرار هو الاختصاص فيجوز سبّ المستحق إذا لم يكن متضمّنا للقذف.
قال في البحار بعد ما روى من الكافي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال: سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه: ما عبارته:
السّباب هنا بالكسر مصدر باب المفاعلة، و هو إمّا بمعنى السّب أو المبالغة في السبّ أو على بابه من الطرفين و الاضافة إلى المفعول أو الفاعل، و الأوّل أظهر فيدلّ على أنّه لا بأس بسبّ غير المؤمن إذا لم يكن قذفا.
بل يمكن أن يكون المراد بالمؤمن من لا يتظاهر بارتكاب الكبائر و لا يكون مبتدعا مستحقّا للاستخفاف.
قال المحقّق في الشّرايع: كلّ تعريض بما يكرهه المواجه و لم يوضع للقذف لغة و لا عرفا يثبت به التعزير إلى قوله: و لو كان المقول له مستحقّا للاستخفاف فلا حدّ و لا تعزير، و كذا كلّ ما يوجب أذى كقوله: يا أجذم أو يا أبرص.
و قال الشّهيد الثّاني في شرحه: لمّا كان أذى المؤمن الغير المستحقّ للاستخفاف محرّما فكلّ كلمة تقال له و يحصل له بها الأذى و لم تكن موضوعة للقذف بالزّنا و ما في حكمه لغة و لا عرفا يجب بها التّعزير بفعل المحرم كغيره من المحرّمات و منه التّعبير بالأمراض.
و فى صحيحة عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل سبّ رجلا بغير قذف يعرّض به هل يجلّد؟ قال: عليه التعزير.
و المراد بكون المقول له مستحقّا للاستخفاف أن يكون فاسقا متظاهرا بفسقه فانّه لا حرمة له حينئذ.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 86
لما روى عن الصّادق عليه السّلام إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له، و لا غيبة قال: و في بعض الأخبار: من تمام العبادة الوقيعة في أهل الرّيب.
و فى الصّحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا رأيتم أهل البدع و الرّيب من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبّهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم لئلا يطمعوا فى الفساد في الاسلام و يحذّرهم النّاس و لا يتعلّمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدّرجات «في الاخرة» انتهى.
و أمّا غير المؤمن من الكافر و المنافق و المبغض لال محمّد صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم، فلا ريب في جواز لعنهم و وجوب معاداتهم و البراءة منهم، و آيات الكتاب و روايات الأئمّة الأطياب مشحونة به، قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً و قال «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ ...».
و فى البحار من العيون باسناد التميمي عن الرّضا عن آبائه عليهم السّلام قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من تولّى غير مواليه فعليه لعنة اللّه و الملائكه و النّاس أجمعين قال الصّدوق في عقايده: اعتقادنا في الظالمين انّهم ملعونون و البراءة منهم واجبة قال اللّه عزّ و جلّ «وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ» .
و قال ابن عباس في تفسير هذه الاية: سبيل اللّه عزّ و جلّ في هذا الموضع عليّ بن أبي طالب، و الأئمة في كتاب اللّه عزّ و جلّ: إمامان: إمام هدى، و إمام ضلالة قال اللّه جلّ ثناؤه: «وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا» و قال عزّ و جلّ في أئمة الضلال «وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ. وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ» .
و لمّا نزلت هذه الاية «وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من ظلم عليّا مقعدى هذا بعد وفاتي فكأنّما جحد نبوّتى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 87
و نبوّة الأنبياء من قبلي، و من تولّى ظالما فهو ظالم قال اللّه عزّ و جلّ «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» و قال اللّه عزّ و جلّ «لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» و قال عزّ و جلّ «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ» و قال عزّ و جلّ «وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ» و الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فمن ادّعى الامامة و ليس بامام فهو الظالم الملعون، و من وضع الامامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون، انتهى كلامه رفع مقامه.
و أما سبّ هؤلاء و شتمهم فالظاهر جوازه أيضا كما ظهر من المحدّث العلامة المجلسى، بل هو ظاهر عبارة الشهيد الثاني أيضا لعدم الرّيب في فسقهم الموجب للاستخفاف بأىّ نحو كان.
و يدل على ذلك صريحا ما في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسير سورة الأحزاب في اقتصاص غزوة بني قريظة قال: فجاء أمير المؤمنين عليه السّلام فأحاط بحصنهم فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن يشتمهم و يشتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حمار فاستقبله أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: بأبي و امّي يا رسول اللّه لا تدن من الحصن، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ لعلّهم شتموني انهم لو رأوني لأذلّهم اللّه، ثمّ دنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من حصنهم فقال: يا اخوة القردة و الخنازير و عبدة الطاغوت أ تشتموني إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم، فأشرف عليهم كعب بن اسيد من الحصن فقال: يا أبا القاسم ما كنت جهولا، فاستحى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى سقط الرّداء من ظهره حياء مما قاله الحديث.
و يدل عليه أيضا ما قاله أمير المؤمنين عليه السّلام في المختار التاسع عشر للاشعث ابن قيس: عليك لعنة اللّه و لعنة اللاعنين حائك بن حائك منافق بن كافر، و ما قاله في المختار المأة و الخامس و الثلاثين للمغيرة بن الأخنس يا ابن اللّعين الأبتر و الشجرة التي لا أصل لها و لا فرع، و الأخبار في هذا المعنى كثيرة كما هو غير خفيّ على المتتبّع الخبير.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 88
هذا كله إذا لم يتضمّن سبّهم للقذف، و أمّا إن تضمّن ذلك فلا كالمؤمن.
و يدل على ذلك ما رواه في الكافي باسناده عن عمرو بن النعمان الجعفي قال: كان لأبي عبد اللّه عليه السّلام صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكانا فبينما هو يمشى معه في الحذائين «1» و معه غلام سندى له يمشي خلفهما إذا التفت الرّجل يريد غلامه ثلاث مرّات فلم يره، فلما نظر في الرابعة قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال:
فرفع أبو عبد اللّه عليه السّلام يده فصكّ بها جبهة نفسه ثمّ قال عليه السّلام: سبحان اللّه تقذف امّه قد كنت أرى أنّ لك ورعا فاذا ليس لك ورع، فقال: جعلت فداك إنّ امّه سنديّة مشركة فقال عليه السّلام: أما علمت أنّ لكلّ امة نكاحا تنحّ عنى، قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما، قال: و في رواية اخرى انّ لكلّ امة نكاحا يحتجزون به عن الزّنا.
و فى الوسائل من الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي الحسن الحذا قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فسألني رجل ما فعل غريمك قلت:
ذاك ابن الفاعلة، فنظر إليّ أبو عبد اللّه عليه السّلام نظرا شديدا قال: فقلت: جعلت فداك إنه مجوسيّ امه اخته، فقال عليه السّلام: أو ليس ذلك في دينهم نكاحا.
و إذا تمهّد لك هذه المقدّمة الشريفة و عرفت جواز سبّ غير المؤمن و لعنه و طعنه و الوقيعة فيه فلنرجع إلى شرح المتن و نبيّن وجه منعه عليه السّلام لأصحابه عن سبّ أهل الشام كما يستفاد من قوله عليه السّلام:
(إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين) و لعلّ النكتة في ذلك أنه عليه السّلام لما كان غرضه الأصلي و مقصوده بالذّات في جميع حروبه هداية الانام و إعلاء كلمة الاسلام و انقاذهم من ورطات الجهالة و الضلالة لا القتل و الغارة و الملك و السلطنة بالاصالة كما أشار إلى ذلك في المختار الرّابع و الخمسين بقوله عليه السّلام حين استبطاء أصحابه اذنه لهم في القتال بصفين: و أما قولكم شكا في أهل الشام فو اللّه ما دفعت الحرب يوما
______________________________
(1)- الحذّاء وزان شدّاد صانع الحذاء و هو النعل، منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 89
إلّا و أنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدى بي و تعشو إلى ضوئي، و ذلك أحبّ إلىّ من أن اقتلها على ضلالها و إن كانت تبوء باثامها، و كان حصول هذا الغرض بالرّفق و المداراة و الحلم و كظم الغيظ لا بالغلظة و الخشونة و السّبّ و اللّعنة، لا جرم منعهم من السبّ لئلّا يبعث على شدّة العناد و مزيد العداوة.
و الى ذلك يومى ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ رجلا من بني تميم أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: اوصني، فكان فيما أوصاه أن قال: لا تسبّوا الناس فتكسبوا العداوة بينهم.
و يدل على ذلك صريحا قوله تعالى في سورة بني إسرائيل «وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً» أي انّ الشيطان يفسد بينهم و يغرى بعضهم ببعض و يلقى بينهم العداوة.
قال في الصافي في تفسير الاية: قل لعبادي يعني المؤمنين يقولوا للمشركين الكلمة التي هي أحسن و لا يخاطبوهم بما يغيظهم و يغضبهم إنّ الشيطان يهيج بينهم المراء و الشرّ، فلعلّ المخاشنة بهم يفضي إلى العناد و ازدياد الفساد.
و قال تعالى أيضا في سورة السجدة «وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ» قال في مجمع البيان: لا تستوى الخصلة الحسنة و السيئة، فلا يستوى الصبر و الغضب و الحلم و المداراة و الغلظة و العفو و الاسائة، ثمّ بيّن سبحانه ما يلزم على الدّاعي من الرّفق بالمدعوّ فقال: ادفع بالتي هي أحسن، خاطب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: ادفع بحقك باطلهم و بحلمك جهلهم و بعفوك اسائتهم، فانك إذا دفعت خصومك بلين و رفق و مداراة صار عدوّك الذي يعاديك في الدّين بصورة وليّك القريب فكأنه وليّك في الدّين و حميمك في النسب، و ما يلقّيها أى ما يلقّي هذه الفعلة و هذه الحالة التي هي دفع السيئة بالحسنة إلّا الذين صبروا على كظم الغيظ و احتمال المكروه، و ما يلقّيها أى هذه الخصلة الّا ذو نصيب وافر من العقل و الرّأى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 90
و قال تعالى أيضا في سورة الشورى «وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَ لَمَنِ. انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ. وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ».
قال أمين الاسلام الطبرسي: الذين إذا أصابهم البغي من غيرهم هم ينتصرون ممّن بغى عليهم، فمن انتصر و أخذ بحقّه و لم يجاوز في ذلك ما حدّ اللّه فهو مطيع للّه و من أطاع اللّه فهو محمود.
ثمّ ذكر حدّ الانتصار فقال: و جزاء سيئة سيئة مثلها، قيل: هو جواب القبيح إذا قال أخزاك اللّه قال أخزاك اللّه، و سمّى الثانية سيئة للمشاكلة و كونها فى مقابلة الأولى.
ثمّ ذكر سبحانه العفو فقال: فمن عفى و أصلح فأجره على اللّه أى فمن عفى عمّاله المؤاخذة به و أصلح أمره بينه و بين ربّه فثوابه على اللّه إنه لا يحبّ الظالمين بيّن سبحانه انّه لم يرغب المظلوم في العفو عن الظالم لميله إلى الظالم أو لحبّه إيّاه و لكنّه ليعرّضه بذلك لجزيل الثواب و لحبّه الاحسان و الفضل.
ثمّ ذكر سبحانه المنتصر فقال: و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل معناه من انتصر لنفسه و انتصف من ظالمه بعد ظلمه أى بعد أن ظلم و تعدّى عليه فالمنتصرون ما عليهم من اثم و عقوبة و ذّم إنّما السّبيل أى الاثم و العقاب على الذين يظلمون النّاس ابتداء و يبغون في الأرض بغير الحقّ اولئك لهم عذاب أليم و لمن صبر و تحمّل المشقّة في رضاء اللّه و غفر فلم ينتصر فانّ ذلك الصّبر و التجاوز لمن عزم الامور.
فقد علم بما ذكرنا كلّه أنّ استكراهه عليه السّلام لسبّ أهل الشّام لم يكن لتحريمه كما توهّمه الشّارح البحراني، بل لا يراثه ازدياد الفساد و مزيد العداوة و العناد المنافي لغرضه عليه السّلام، مع أنّ في الرّفق و المداراة و العفو و الصّفح من المصالح الدّنيوية و الاخرويّة ما لا تحصى حسبما اشيرت اليها في الايات الشريفة و الأخبار الّتي لا تستقصى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 91
و لكون هذه الخصال من مكارم الأخلاق و مزايا الخصال واظب عليها في نفسه كما حثّ عليها أصحابه.
فقد روى في البحار من كتاب صفّين لنصر بن مزاحم عن رجل عن منازل الجهني عن زيد بن وهب أنّ عليا مرّ على جماعة من أهل الشّام فيهم الوليد بن عقبة و هم يشتمونه فأخبروه بذلك فوقف في ناس من إخوانه فقال: انهدوا «1» إليهم و عليكم بالسّكينة و سيماء السّالكين و وقار السلام و اللّه لاقرب قوم من الجهل باللّه عزّ و جلّ قوم قائدهم و مؤدّبهم معاوية و ابن النابغة و ابن الأعور السّلمي و ابن أبي معيط شارب الحرام و المجلود حدا في الاسلام، و هم اولى يقومون فيقصبوني «2» و يشتموني و قبل اليوم ما قاتلوني و شتموني و أنا إذ ذاك أدعوهم إلى الاسلام و هم يدعوني إلى عبادة الأصنام، الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و قديما ما عادنى الفاسقون إنّ هذا هو الخطب الجليل إنّ فسّاقا كانوا عندنا غير مرضيّين، و على الاسلام و أهله متخوّفين، حتّى خدعوا شطر هذه الامّة و اشربوا قلوبهم حبّ الفتنة و استمالوا أهواءهم بالافك و البهتان، و قد نصبوا لنا الحرب، و جدّوا في اطفاء نور اللّه، و اللّه متمّ نوره و لو كره الكافرون، اللّهمّ إنّهم قد ردّوا الحقّ فافضض جمعهم، و شتّت كلمتهم، و ابسلهم بخطاياهم، فانّه لا يذلّ من واليت، و لا يعزّ من عاديت.
فانظر إلى كريم خلقه و شرفه و سودده و حلمه، فانّه مع سماعه لشتمهم لعنهم اللّه كيف كفّ و حلم و صفح و أمر أصحابه بالنهد إليهم و أوصاهم بالسّكينة و الوقار و لزوم سيماء الصّالحين، و لعمري إنّه عليه السّلام المصداق الحقّ لقوله تعالى «وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» هذا.
و يحتمل أن يكون السرّ في المنع من سبّ أهل الشّام التحرّز من سبّهم له،
______________________________
(1)- نهد لعدوّه صمد اليه، ق
(2)- قصبه عابه، ق
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 92
فيكون السّبّ لهم و الحال ذلك حراما، و يراد بالكراهة الحرمة لا معناها المعروف في مصطلح المتشرّعة.
فيكون مساقه مساق قوله تعالى «وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» قال قتادة: كان المسلمون يسبّون أصنام الكفار فنهاهم عن ذلك لئلا يسبّوا اللّه فانّهم قوم جهلة.
و في مجمع البيان نهى اللّه المؤمنين أن يسبّوا الأصنام، لما في ذلك من المفسدة فقال: «وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» ، أى لا تخرجوا من دعوة الكفّار و محاجّتهم إلى أن تسبّوا ما يعبدون، فانّ ذلك ليس من الحجاج في شيء فيسبّوا اللّه عدوا أى ظلما بغير علم و أنتم اليوم غير قادرين على معاقبتهم بما يستحقّون، فيدلّ على وجوب كفّ اللّسان عن المخالفين و عن أئمتهم في مقام عدم التمكن.
و فى تفسير عليّ بن إبراهيم قال: حدّثني أبي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ الشّرك أخفى من دبيب النّمل على صفاء سوداء في ليلة ظلماء، قال عليه السّلام: كان المؤمنون يسبّون ما يعبد المشركون من دون اللّه، فكان المشركون يسبّون ما يعبد المؤمنون، فنهى اللّه المؤمنين عن سبّ آلهتهم لكيلا يسبّوا الكفّار إله المؤمنين فيكون المؤمنون قد أشركوا باللّه من حيث لا يعلمون فقال: «وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ...» الاية.
و فى الصّافي من الكافي عن الصّادق عليه السّلام في حديث: إيّاكم و سبّ أعداء اللّه حيث يسمعونكم فيسبّوا اللّه عدوا بغير علم.
بل المستفاد من بعض الأخبار أنّ المقصود بالاية النّهى عن سبّهم لئلا يسبّوا وليّ اللّه فيكون المراد بالاية و المراد بكلام الامام شيئا واحدا.
فقد روى في الصّافي عن العياشي عن الصّادق عليه السّلام انّه سئل عن هذه الاية فقال عليه السّلام: أرايت أحدا يسبّ اللّه؟ فقيل: لا و كيف؟ قال: من سبّ وليّ اللّه فقد سبّ اللّه.
قال فى الصّافي: و فى الاعتقادات عنه عليه السّلام إنه قيل له: إنا نرى فى المسجد رجلا يطعن بسبّ أعدائكم و يسبّهم، فقال: ما له لعنه اللّه تعرّض بنا قال اللّه «وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ..» الاية.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 93
قال و قال الصّادق عليه السّلام في تفسير هذه الاية: لا تسبّوهم فانهم يسبّون عليّكم، قال: و من سبّ وليّ اللّه فقد سبّ اللّه قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام: من سبّك فقد سبّني و من سبّني فقد سبّ اللّه و من سبّ اللّه فقد كبّه اللّه في منخريه في نار جهنم فقد تحصّل مما ذكرنا أنّ سبّ أعداء اللّه و لعنهم و طعنهم مندوب مرغوب شرعا عند التمكن و القدرة، و الكفّ عنهم و الصفح و الاعراض واجب عند عدم الاستطاعة كما قال تعالى «فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ» و قال «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ» هذا.
و لما منعهم من السب رغّبهم بأحسن القول و أصوبه الذي لا يهيج الفساد فقال (و لكنكم لو وصفتم أعمالهم و ذكرتم حالهم) بدل السباب لهم و شرحتم ما هم عليه من البغي و الظلم و العدوان و اتباع الهوى و الانحراف عن قصد السبيل من باب النصح و الارشاد و التنبيه على الخطاء (كان أصوب في القول) لأنه من باب الدفع و الجدال بالتي هي أحسن المأمور بهما في قوله تعالى «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ» أى أدفع باطلهم ببيان الحجج على ألطف الوجوه و أوضحها و أقربها إلى الاجابة و القبول نحن أعلم بما يكذبون و يقولون و نجازيهم بما يستحقّون و في قوله تعالى «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» قال الطبرسى: أى ادع إلى دينه لأنه الطريق إلى مرضاته بالحكمة و الموعظة الحسن و هو الصرف عن القبيح على وجه الترغيب فى تركه و التزهيد فى فعله، و فى ذلك تليين القلوب بما توجب الخشوع، و جادلهم بالكلمة التي هى أحسن و المعنى اقتلوا المشركين و اصرفهم عماهم عليه بالرّفق و السكينة و لين الجانب فى النصيحة ليكونوا أقرب إلى الاجابة فانّ الجدل هو قتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج (و) كان (أبلغ فى العذر) إن مسّت الحاجة إلى الاعتذار مثل أن لو اعترض عليكم معترض منهم فى قتلهم و قتالهم كان لكم أن تجيبوهم و تعتذروا إليهم بأنا قد ذكّرناكم فلم تتذكروا، و نصحناكم فلم تنتصحوا، و وعظناكم فلم تقبلوا، فليس لكم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 94
عندنا عتبى (و) لو (قلتم مكان سبّكم إياهم اللّهمّ احقن دمائنا و دمائهم) أى احفظها و أمسكها من السفك (و اصلح ذات بيننا و بينهم) أى العداوة التي بيننا و بينهم أو أصلح حقيقة فرقتنا و بينونتنا و بدّلها بالايتلاف و الاجتماع (و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق) و يفىء إليه (من جهله و يرعوى) أى يرتدع (عن الغىّ) و الضلال (و العدوان من لهج) و أولع (به) لكان أحسن القول و أجمله.
تكملة:
هذا كلام رواه الشارح المعتزلي فى شرح المختار السادس و الأربعين من كتاب صفين لنصر بن مزاحم باختلاف و زيادة احببت نقله.
قال: قال نصر: حدثنا عمر بن سعد عن الحرث بن حصين عن عبد اللّه ابن شريك قال: خرج حجر بن عدى و عمرو بن الحمق يظهر ان البراءة من أهل الشام، فأرسل عليّ عليه السّلام إليهما أن كفّا عمّا لا ينبغي عنكما، فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين ألسنا محقّين؟
قال: بلى، قالا: أو ليسوا مبطلين؟ قال: بلى، قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين تشتمون و تبرون و لكن لو وصفتم مساوى أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا و كذا و من أعمالهم كذا و كذا كان أصوب فى القول و أبلغ فى العذر، و قلتم مكان لعنكم إياهم و براءتكم منهم: اللهمّ احقن دماءهم و دماءنا و أصلح ذات بينهم و بيننا و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحقّ منهم من جهله و يرعوى عن الغىّ و العدوان منهم من لهج به، لكان أحبّ إلىّ و خيرا لكم، فقالا يا أمير المؤمنين نقبل عظتك و نتأدّب بأدبك.
و يظهر من هذه الرواية انه عليه السّلام كما كان يكره منهم الشتم كذلك يكره اللعن و البراءة للنكتة التي قدّمناها، فما قاله الشارح المعتزلي فى شرح المقام:
من أنّ الذي كرهه عليه السّلام منهم أنهم كانوا يشتمون أهل الشام و لم يكن يكره منهم لعنهم إياهم و البراءة منهم ليس بوجيه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 95
الترجمة:
از جمله كلام نصيحت انجام آن بزرگوار است در حالتى كه شنيد جماعتى را از اصحاب خود كه فحش مى دادند شاميان را در ايام جنگ صفين:
بدرستى كه من ناخوش دارم براى شما اين كه فحاش بشويد، و ليكن اگر تعريف نمائيد عملهاى ايشان را و ذكر نمائيد حالهاى ايشان را مقرون بصواب باشد در گفتار، و مقرون بكمال باشد در مقام اعتذار، و اگر بگوئيد بجاى فحش دادن شما ايشان را: بار پروردگارا نگه بدار خونهاى ما و خونهاى ايشان را از ريخته شدن، و اصلاح بفرما عداوت و دشمنى ميان ما و ميان ايشان را، و هدايت كن ايشان را از گمراهى خودشان تا اين كه بشناسد حق را كسى كه جاهل بوده است بان و برگردد از گمراهى و تعدى كسى كه حريص و مهيج باشد بان هر آينه اين بهتر خواهد شد، اللهمّ وفقنا للطاعة.