منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 96
و من كلام له عليه السّلام فى بعض ايام صفين و هو المأتان و السادس من المختار فى باب الخطب و قد رأى الحسن عليه السّلام ابنه يتسرّع إلى الحرب:
أملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني، فإنّي أنفس بهذين- يعني الحسن و الحسين عليهما السّلام- على الموت، لئلّا ينقطع بهما نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. (49623- 49601) قال الرضى أبو الحسن «ره»: قوله: املكوا عنى هذا الغلام من أعلى الكلام و أفصحه.
اللغة:
(ملكه) يملكه من باب ضرب ملكا بتثليث الميم احتواه قادرا على الاستبداد به، فهو مالك و ذاك مملوك و عبد مملكة مثلّثة اللام إذا سبى و ملك و لم يملك أبواه و ملك على النّاس أمرهم إذا تولى السلطنة فهو ملك بكسر اللام، و أملكه الشيء و ملّكه من باب الافعال و التفعيل بمعنى واحد، و ملكت العجين ملكا من باب ضرب شددته و قوّيته و أنعمت عجنه، و ملك نفسه منعها من السّقوط في شهواتها و ما تمالك أن فعل أى لم يقدر على حبس نفسه.
و لفظ أملكوا في أكثر النّسخ حسبما صرّح به العلامة المجلسي أيضا بفتح الألف من باب الافعال.
و ضبطه الشّارح المعتزلي بصيغة الثلاثي مجردا قال: الألف في املكوا وصل لأنّ الماضي ثلاثي من ملكت الفرس و الدّار و العبد أملك بالكسر أى احجروا عليه كما يحجر المالك على مملوكه، قال: و عن متعلّقة بمحذوف تقديره استولوا عليه و أبعدوه، مجاز [املكوا عنى ] و لمّا كان الملك سبب الهجر على مملوكه عبّر بالسّبب عن المسبّب، انتهى.
و على النسخ المشهورة فلا بدّ من جعل المزيد بمعنى المجرّد كما يستعمل المتعدّى مورد اللازم في نحو كبّه فأكبّ.
و قال الرّاوندي في محكي كلامه: املكوا أى أمسكوه لأجلى يقال ما تمالك أن قال، أى ما تماسك و قيل: إنّه من ملكت العجين أى خذوه بالشدّة.
و قال البحراني: أملكوه شدّوه و اضبطوه و (الهدّ) الهدم بشدّة و الكسر و (نفس) به من باب فرح ضنّ و بخل و (انسل) الولد و نسل نسلا من باب ضرب كثر نسله و تناسلوا توالدوا أى ولد بعضهم من بعض.
الاعراب:
حرف عن في قوله أملكوا عنّي على قول الشّارح المعتزلي و البحراني بمعناها الأصلي أعني المجاوزة، أو بمعنى من كما في قوله «وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ ...» و على قول الرّاوندى فهى بمعنى اللام للتّعليل كما في قوله تعالى: «وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ» و الأظهر عندي أنّها بمعنى البدل و العوض
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 97
كما فى قوله تعالى «وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً».
و قوله لا يهدّنى فى بعض النّسخ بالنّصب على اضمار أن أى لئلّا يهدّنى، و فى بعضها بالرّفع على الغاء ان المضمرة عن العمل كما فى قولهم: و تسمع بالمعيدى خير من أن تراه على رواية الرّفع، و قد روى بالوجهين أيضا قول طرفة:
ألا ايّهذا الزّاجرى احضر الوغى و ان اشهد اللذات هل أنت مخلد
قال علماء الأدب: و انتصاب المضارع فى هذا الشّعر بأن شاذّ لعدم وقوعه فى جواب أحد الأشياء الستّة.
و يحتمل أن يكون انتصاب يهدّنى بلفظة كى مضمرة إن جوّزنا إضمارها كما نصبت مظهرة فى قوله تعالى «وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ» و قوله «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» و قوله «ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ ...» و «وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ...» و نحوها.
المعنى:
اعلم أنّ هذا الكلام حسبما أشار إليه الرّضى قد خاطب به أصحابه فى بعض أيّام صفين و قد رأى الامام الهمام أبا محمّد الحسن عليه السّلام ابنه يتسرّع أى يتعجّل إلى الحرب فقال لهم: (أملكوا عنّى هذا الغلام) أراد به منعهم له من التسرّع إليه و حفظهم إياه بدلا منه.
قال الشارح المعتزلي فى وجه علوّ هذا الكلام و فصاحته على ما أشار إليه السّيد: إنّه لمّا كان فى أملكوا معنى العبد أعقبه بعن، و ذلك أنهم لا يملكونه دون أمير المؤمنين عليه السّلام إلا و قد أبعدوه عنه ألا ترى أنك إذا حجرت علي زيد دون عمرو فقد باعدت زيدا عن عمرو، فلذلك قال: املكوا عنّى، انتهى.
و لا بأس به إلّا انه انما يحسن لو كان الحسن فى تسرّعه إلى الحرب متابعا لأبيه عليه السّلام معاقبا له فيستحسن حينئذ أن يقول عليه السّلام: ابعدوه عنى، و لكن الرّواية لا دلالة فيها على ذلك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 98
و الأوجه عندى انه عليه السّلام لما شاهد من ابنه مسارعته إلى الحرب و كان بنفسه غير متمكن من حفظه و ممانعته لمكان اشتغاله بكريهة الحرب و القتل و القتال أمر أصحابه بمحافظته عليه السّلام بأحسن تعبير و ألطف عبارة و قال لهم: أملكوا أى أملكوه من التسرّع، فعدل عن التعبير بلفظ المنع و الضبط و الحفظ و المراقبة و الامساك و ما ضاهاها إلى التعبير بلفظ الملك، لما فيه من الدلالة على التسلط و الاستيلاء و التمكّن من التصرف و القدرة على الممانعة و الحفظ بأىّ وجه أمكن و أىّ نحو شاء و أراد المالك ما ليس فى غيره من الألفاظ المذكورة، يعنى امنعوه و احفظوه منع المالك لملكه و حفظه إياه.
ثمّ أكّد ذلك بقوله عنّى يعنى أنى كما لو كان ممكنا لى لكنت أملكه و اراقبه غاية المراقبة، فحيث إنه لا يمكن لى ذلك فكونوا مالكين له مراقبين عليه بدلا منّى و راقبوه مثل مراقبتى غير متوانين و لا مقصّرين.
فقد علم بذلك أنّ فى هذه العبارة من الدّلالة على تأكيد المنع و المحافظة ما ليس في غيرها.
و علل عليه السّلام ذلك بقوله (لا يهدّنى) أى لئلا يكسرني لأنّ التسرّع إلى الحرب مظنة القتل و الهلاك و موت الولد الصالح المعين خصوصا مثل أبى محمّد الحسن عليه السّلام موجب لانك «كذا» ظهر الوالد و ذهاب قوّة قلبه و نور بصره.
ثمّ علل عليه السّلام بعلة ثانية و قال (فانى أنفس) أى أبخل (بهذين- يعنى الحسن و الحسين عليهما السّلام- على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم).
تنبيه:
قال الشارح المعتزلي: فان قلت: يجوز أن يقال للحسن و الحسين و ولدهما أبناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذرّية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟
قلت: نعم لأنّ اللّه تعالى سماهم ابناه فى قوله «نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ» و انما عنى الحسن و الحسين و لو أوصى لولد فلان بمال دخل فيه أولاد البنات و سمّى اللّه تعالى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 99
عيسى ذرّية إبراهيم فى قوله تعالى «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ» إلى أن قال «وَ يَحْيى وَ عِيسى» و لم يختلف أهل اللغة فى أنّ ولد البنات من نسل الرّجل.
فان قلت: فما تصنع بقوله تعالى «ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ» ؟
قلت: أسألك عن ابوّته لابراهيم بن مارية فكلّ ما تجيب به عن ذلك فهو جوابى عن الحسن و الحسين عليهما السّلام و الجواب الشامل للجميع أنه عنى زيد بن حارثة لأنّ العرب كانت تقول: زيد بن محمّد على عادتهم فى تبنّى العبد، فأبطل اللّه ذلك و نهى عن سنة الجاهلية و قال: إنّ محمّدا ليس أبا لواحد من الرّجال الباغين المعروفين بينكم ليفترى إليه بالنبوّة، و ذلك لا ينفى كونه أبا لأطفال لم يطلق عليهم لفظة الرّجال كابراهيم و حسن و حسين عليهم السّلام.
فان قلت: أتقول إنّ ابن البنت ابن على الحقيقة الأصلية أم على سبيل المجاز؟
قلت: لذاهب أن يذهب إلى أنّه حقيقة أصلية لأنّ الأصل فى الاستعمال الحقيقة، و قد يكون اللفظ مشتركا بين مفهومين و هو فى أحدهما أشهر و لا يلزم من كونه أشهر في أحدهما أن لا يكون حقيقة في الاخر، و لذاهب أن يذهب إلى أنّه حقيقة عرفيّة، و لذاهب إلى كونه مجازا قد استعمله الشّارع، فجاز إطلاقه فى كلّ حال و استعماله كساير المجازات المستعملة.
قال: و ما يدلّ على اختصاص ولد فاطمة عليهما السّلام دون بني هاشم كافة بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه ما كان يحلّ له عليه السّلام أن ينكح بنات الحسن و الحسين عليهما السّلام و لا بنات ذرّيتهما و إن بعدت و طال الزّمان، و يحلّ له نكاح بنات غيرهم من بني هاشم من الطالبيّين و غيرهم و هذا يدلّ على مزيد الأقربيّة و هى كونهم أولاده فان قلت: فقد قال الشّاعر:
بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد
و قال حكيم العرب أكثم الصّيفي في البنات يذّمهنّ: إنّهنّ يلدن الأعداء و يورّثن البعداء.
قلت: إنّما قال الشّاعر ما قاله على المفهوم الأشهر، و ليس في قول أكثم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 100
ما يدلّ على نفى بنوّتهم و إنّما ذكر أنّهن يلدن الأعداء و قد يكون ولد الرّجل لصلبه عدوّا قال اللّه تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ ...» و لا ينفى كونه عدوّا كونه ابنا، انتهى.
اقول: ما حقّقه الشّارح هو الحقّ الموافق للتحقيق، و هو مأخوذ من أخبار أهل بيت العصمة و الطهارة حسبما نشير إلى بعضها و ان شئت مزيدا على ذلك فأقول:
لا شكّ إنّ نسبة الابن و البنت إلى الأب و الامّ من حيث التّكوين و الخلقة نسبة واحدة لكونهما مخلوقين من نطفتهما قال تعالى «إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ» أى أخلاط لأنّ ماء الرّجل يختلط بماء المرأة و دمها يكون مشيجا أربعين ليلة، و قال أيضا «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ. يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ» أى صلب الرّجل و ترائب المرأة أى صدرها، لأنّ منيّها يخرج منه و من أجل اتّحاد نسبتهما إليهما في التّكوّن صحّ إضافتهما إلى كلّ منهما في مقام التلفّظ و التعبير من دون تفاوت، فيقال ابن فلان و ابنة فلان و ابن فلانة و ابنة فلانة، و لم يخالف في صحّة هذه الاضافة أحد من أهل العرف و اللغة أصلا و قد قال تعالى في كتابه العزيز «وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ»* و قال «وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها».
فاذا صحّ إضافة الابن إلى الامّ و الامّ إلى أبيها و هكذا إضافته إلى الأب و الأب إلى أبيه بلا خلاف فلتصحّ اضافته إلى أب الامّ كما تصحّ إلى أب الأب، لعدم مانع يتصوّر إلّا الشّعر المتقدّم أعني قوله:
بنونا بنو أبنائنا و بناتنا بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد
و هو لا يصلح للمانعيّة.
إما لما قاله الشّارح المعتزلي: من ابتنائه على كون اطلاق الأبن على ابن الابن أشهر و أغلب من اطلاقه على ابن البنت، و الشّهرة في الاطلاق لا تدلّ على كونه حقيقة فيه فقط و مجازا في غيره كما برهن في الاصول.
أو لابتنائه على مجرى عادة العرب من إسقاطهم البنات مع كونهنّ أولادا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 101
حقيقة من درجة الأولاد من أجل الاستنكاف و الالفة و النّخوة العربيّة و حميّة الجاهليّة كما شرح اللّه حالهم في قوله «وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ. يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ» و قد بلغوا في الاستنكاف منهنّ إلى أن جرت عادتهم على الوئد و القتل حتّى نهاهم اللّه عن ذلك و عاتبهم عليه في قوله «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ» و قوله «وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» حسبما عرفت تفصيل ذلك في شرح الفصل السّادس من الخطبة المأة و الحادية و التّسعين المعروفة بالقاصعة.
أو لما قاله ابن إدريس في محكى كلامه من السّرائر: من أنّ الشاعر انما أراد بقوله بنونا بنو أبنائنا آه الانتساب بمعنى أنّ أولاد البنت لا ينسبون إلى امّهم و انّما ينسبون إلى آبائهم و ليس كلامنا فيه بل في الولادة و هي متحقّقة من جهة الامّ من غير خلاف و الذكر و الانثى فيه سواء.
و قد وافقنا على ذلك غير واحد من الأصحاب منهم المرتضى و ابن إدريس و صاحب الجواهر في غير موضع منه، و قد بسط الكلام في ذلك كلّ البسط في كتاب الخمس منه، و قال بعد اختياره موافقة المرتضي في كونه ابنه حقيقة: إنّه يظهر ذلك من جماعة من الأصحاب في غير المقام، بل قد يظهر من المحكىّ عن ابن إدريس في كتاب المواريث الاجماع عليه كما عن المرتضى فيه أيضا نفى الخلاف فيه، بل و كذا المحكىّ عن خلاف الشيخ في باب الوقف و الميراث، بل ظاهره فيهما اجماع الامّة على ذلك.
ثمّ ساق الأدلة في ذلك، و أجاب عن الشّعر المتقدّم بأنّه مضافا إلى أنّه قول اعرابيّ جاهل لا يعارض الكتاب و السنّة محتمل لارادة المتعارف المعتاد في جلب المنافع الدّنيويّة و المضار بالأولاد و أولادهم دون أولاد البنات، فكانوا كالأباعد بالنّسبة إلى ذلك، بل لعلّ ظهور ارادة هذا الشاعر المجاز و المبالغة في النّفى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 102
شاهدة على العكس، اذ من البعيد ارادته بيان الوضع و اللغة فتأمّل، انتهى كلامه رفع مقامه.
و الحاصل انا نرى أنهم يستعملون لفظ الابن و الولد في ابن البنت و ولدها كاستعمالهم لهما فى ابن الابن و ولده مع عدم صحة السّلب، فيكونان حقيقة فيهما و لا دليل على المصير إلى المجاز.
و إذا عرفت ذلك فأقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد أطلق على الحسنين عليهما السّلام لفظ الابن في غير واحد من الأخبار فيكونان ابنيه حقيقة.
و من جملة هذه الأخبار الحديث المشهور انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال فيهما: هذان ابناى إمامان.
و فى البحار من المناقب عن فردوس الدّيلمي عن سلمان قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
سمّى هارون ابنيه شبرا و شبيرا، و انّني سمّيت ابنيّ الحسن و الحسين.
و عن الدّار قطني بالاسناد عن ابن عمر قال: قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ابناى هذان سيدا شباب أهل الجنّة و أبوهما خير منهما.
و عن الرّاغب عن أبي هريرة و بريدة رأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخطب على المنبر ينظر إلى الناس مرّة و إلى الحسن مرّة و قال: إنّ ابني هذا سيصلح اللّه به بين فئتين من المسلمين.
و عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: كنّا جلوسا عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبل الحسين عليه السّلام فجعل ينزو على ظهر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على بطنه فبال و قال عليه السّلام دعوه، قال أبو عبيد في غريب الحديث إنّه قال: لا تزرموا ابني أى لا تقطعوا عليه بوله ثمّ دعا بماء فصبّه على بوله.
و عن الطبري عن طاوس اليماني عن ابن عبّاس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: رأيت في الجنّة قصرا من درّة بيضاء لا صدع فيها و لا وصل، فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذا القصر؟ قال: للحسين ابنك، ثمّ تقدّمت أمامه فاذا أنا بتفّاح فأخذت تفّاحة ففلقتها فخرجت منها حوراء كان مقاريم النّسور أشفار عينيها فقلت: لمن أنت؟ فبكت ثمّ قالت: لابنك الحسين، إلى غير هذه ممّا لا نطيل بروايتها.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 103
فقد ظهر ممّا ذكرنا و اتّضح كلّ الوضوح أنّه لا شكّ في كونهما عليهما السّلام ابنيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حقيقة فلا يستريب فيه إلّا جاهل متعنّت أو جاحد متعصّب، و قد احتجّ على ذلك الأئمة عليهم السّلام و غيرهم أيضا في مجالس المخالفين و غيرها بأحكم بيّنة و برهان.
فقد روى في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ظريف بن ناصح عن عبد الصمد بن بشير عن أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
قال لي أبو جعفر عليه السّلام: يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن و الحسين عليهما السّلام قلت: ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال عليه السّلام: فبأىّ شيء احتججتم عليهم؟ قلت: بقول اللّه عزّ و جلّ في عيسى بن مريم «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ» إلى قوله «وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ»* فجعل عيسى من ذرّية إبراهيم قال عليه السّلام: فأيّ شيء قالوا لكم؟ قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الولد و لا يكون من الصّلب قال عليه السّلام: فأىّ شيء احتججتم عليهم؟ قلت: احتججنا عليهم بقول اللّه عزّ و جلّ «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ» الاية قال عليه السّلام: فأىّ شيء قالوا لكم؟ قلت: قالوا: قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد فيقول أبنائنا و انّما هما ابن واحد قال: فقال أبو جعفر عليه السّلام: و اللّه يا أبا الجارود لأعطينّكها من كتاب اللّه تسمّى بصلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يردّها إلّا الكافر، قال: قلت: جعلت فداك و أين؟ قال: حيث قال اللّه تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ» إلى أن ينتهى إلى قوله تعالى «وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ» فسلهم يا أبا الجارود هل حلّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نكاح حليلتهما فان قالوا: نعم فكذبوا و اللّه و فجروا، و إن قالوا: لا فهما و اللّه ابناه للصّلب و ما حرمتا عليه إلّا للصلب.
قال المحدّث العلامة المجلسيّ: وجه الاحتجاج بالاية الأخيرة هو اتّفاقهم على دخول ولد البنت في هذه الاية و الأصل في الاستعمال الحقيقة أو أنّهم يستدلّون بهذه الاية على حرمة حليلة الولد و لا يتمّ إلّا بكونه ولدا حقيقة للصّلب.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 104
و هنا قصة لطيفة و فى البحار وجدت في بعض كتب المناقب مرسلا عن عامر الشّعبي أنّه قال:
بعث إلىّ الحجّاج ذات ليلة فخشيت فقمت فتوضأت و أوصيت ثمّ دخلت عليه فنظرت فاذا نطع منشور و السّيف مسلول، فسلّمت عليه فردّ علىّ السّلام فقال:
لا تخف فقد امنتك اللّيلة و غدا إلى الظهر، و أجلسني عنده.
ثمّ أشار فاتي برجل مقيّد بالكبول و الأغلال فوضعوه بين يديه فقال: إنّ هذا الشّيخ يقول: إنّ الحسن و الحسين كانا ابني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليأتينىّ بحجّة من القرآن و إلّا لأضربنّ عنقه، فقلت: يجب أن تحلّ قيده فانّه إذا احتجّ فانّه لا محالة يذهب و ان لم يحتج فانّ السّيف لا يقطع هذا الحديد، فخلّوا قيوده و كبوله فنظرت فاذا هو سعيد بن جبير فحزنت بذلك و قلت: كيف يجد حجّة على ذلك من القرآن، فقال له الحجاج: ائتنى بحجّة من القرآن على ما ادّعيت و إلّا أضرب عنقك، فقال له: انتظر، فسكت ساعة ثمّ قال له مثل ذلك، فقال انتظر، فسكت ساعة ثمّ قال له مثل ذلك، فقال: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ثمّ قال «وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ»* إلى قوله «وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ»* ثمّ سكت، و قال للحجّاج اقرء ما بعده، فقرأ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى فقال سعيد: كيف يليق ههنا عيسى؟ قال: إنّه كان من ذرّيته قال: إن كان عيسى من ذريّة إبراهيم و لم يكن له أب بل كان ابن ابنته فنسب إليه مع بعده فالحسن و الحسين أولى أن ينسبا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع قربهما منه، فأمر له بعشرة آلاف دينار، و أمر بأن يحملوها معه إلى داره و أذن له في الرّجوع.
قال الشّعبي: فلمّا أصبحت قلت في نفسى قد وجب علىّ أن آتى هذا الشيخ فأتعلّم منه معاني القرآن لأنّي كنت أظنّ أنى أعرفها فأتيته فاذا هو في المسجد و تلك الدّنانير بين يديه يفرّقها عشرا عشرا و يتصدّق بها، ثمّ قال: هذا كلّه ببركة الحسن و الحسين عليهما السّلام لئن كنّا أغممنا واحدا لقد أفرحنا ألفا و أرضينّ اللّه و رسوله.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 105
فقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّه حصل لهما عليهما السّلام من النّسب ما لم يحصل لغيرهما فانّهما ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سبطاه و ولداه و ذرّيتاه و سيّدا شباب أهل الجنّة، فجدّهما رسول ربّ العالمين، و أبوهما أمير المؤمنين، و امّهما سيّدة نساء العالمين و هذا هو النّسب الذي تتضائل عنده الأنساب، و الشّرف الذى اسجل بصحّته الاثر و الكتاب.
نسب كأنّ عليه من شمس الضحى نورا و من فلق الصباح عمودا
فهما عليهما السّلام دوحتا النّبوة التّي طابت فرعا و أصلا، و شعبتا الفتوّة التي سمت رفعة و نبلا، و إنسانا عيني السّيادة و الفخار، و سليلا الشّرف الذى أظهر الخيلاء في مضر و نزار، قد اكتنفهما العزّ و الشّرف، فما له عنهما منصرف، و أحاط بهما المجد من طرفيهما، و تصوّرا من الجلالة فكادت أن تقطر من عطفيهما، و تكوّنا من الاريحية فهى تلوح على شمائلهما، تبدو كما يبدو النّهار على مخائلهما، وفاقا في طيب الاعراق و طهارة الاخلاق رتبة الأواخر و الأوائل، فعلت سماء فضلهما حتّى قيل: أين الثريا من يد المتناول، نسبهما يتّصل بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قبل الامّ بغير فصل، و من قبل الأب يجتمع في عبد المطلب فأعجب لطيب فرع و ذكاء أصل.
أنتم ذوو النسب القصير و طولكم باد على الكبراء و الأشراف
الخمر إن قيل ابنة العنب اكتفت بأب من الألقاب و الأوصاف
تكميل:
قد تقدّم في شرح الخطبة المأة و السادسة و التسعين و بعض الخطب المتضمّنة لذكر النبيّ جملة من مناقبه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و تقدّم في غير موضع من تضاعيف الشرح فصل واف من مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام و كراماته و فضائله، و في شرح المختار الواحد و المأتين جملة من مناقب الصدّيقة الكبرى سيدة النساء سلام اللّه عليها فأحببت أن أذكر هنا شطرا من مناقب الامامين الهمامين السبطين الزّكيين أبي محمّد الحسن و أبي عبد اللّه الحسين عليهما السلام تيمّنا بذكر فضايل جميع الخمسة من آل العباء عليهم التحية و الثناء، راجيا بذلك مزيد الأجر و الذخر يوم الجزاء،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 106
و إن كان مناقبهم الجميلة لا تعدّ و لا تحصى، و ماثرهم الجليلة لا تحدّ و لا تستقصى، إلّا أن الميسور لا يسقط بالمعسور، و عسى أن يدرك المرجوّ بالمقدور.
رويدك إن أحببت نيل المطالب فلا تعد عن ترتيل آى المناقب
مناقب أصحاب الكساء قدوة الورى بهم يبتغى مطلوبه كلّ طالب
مناقب تجلى سافرات وجوهها و يجلو سناها مدلهما الغياهب
عليك بها سرّا وجه را فانها تحلّل عند اللّه أعلى المراتب
وجد عند ما يتلو لسانك آينا بدعوة قلب حاضر غير غائب
لمن قام في تأليفها و اعتني به ليقضى من مفروضهم كلّ واجب
عسى دعوة تزكو بها حسناته فيحظى من الحسنى بأسنى المواهب
فأقول: روى فى كشف الغمة من كتاب معالم العترة الطاهرة للجنابذي عن بريدة قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخطب فأقبل الحسن و الحسين عليهما السلام و عليهما قميصان أحمران يعثران و يقومان، فلما رآهما فنزل فأخذهما ثمّ صعد فوضعهما في حجره ثمّ قال: صدق اللّه «وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ...»* رأيت هذين فلم أصبر حتى أخذتهما.
و عن فاطمة عليهما السلام بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنها أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معها الحسن و الحسين عليهما السّلام فى مرضه الذي توفّى فيه قالت: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ هذين لم تورّثهما شيئا قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أمّا الحسن فله هيبتى و أمّا الحسين فله جرأتى و جودى.
و عن عبد اللّه بن عباس قال: بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ أقبلت فاطمة تبكى، فقال لها النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. ما يبكيك؟ قالت: يا رسول اللّه إنّ الحسن و الحسين خرجا فو اللّه ما أدرى أين سلكا.
فقال النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تبكين فداك أبوك فانّ اللّه عزّ و جلّ خلقهما و هو أرحم بهما اللهمّ إن كانا قد أخذا فى برّ فاحفظهما، و إن كانا قد أخذا فى بحر فسلّمهما فهبط جبرئيل عليه السّلام فقال: يا أحمد لا تغتم و لا تحزن هما فاضلان فى الدّنيا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 107
فاضلان فى الاخرة و أبوهما خير منهما و هما فى حظيرة بنى النجار نائمين، و قد وكّل اللّه بهما ملكا يحفظهما.
قال ابن عباس: فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قمنا معه حتى أتينا معه حظيرة بنى النجار فاذا الحسن معانق الحسين و إذا الملك قد غطاهما بأحد جناحيه.
قال: فحمل النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و أخذ الحسين الملك و الناس يرون أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حاملهما فقال أبو بكر و أبو أيوب الأنصارى: يا رسول اللّه ألا نخفّف عنك بأحد الصبيّين فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: دعاهما فانهما فاضلان فى الدّنيا فاضلان فى الاخرة و أبوهما خير منهما ثمّ قال و اللّه لاشرّفنهما اليوم بما شرّفهما اللّه فخطب فقال:
يا أيها الناس ألا اخبركم بخير الناس جدّا و جدّة؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: الحسن و الحسين جدّهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و جدّتهما خديجه بنت خويلد.
ألا اخبركم بخير الناس أبا و أما؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: الحسن و الحسين أبوهما علىّ بن أبى طالب عليه السّلام و امّهما فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ألا اخبركم أيها الناس بخير الناس عما و عمة؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه: قال: الحسن و الحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب و عمّتهما امّ هانى بنت أبي طالب.
أيها الناس ألا اخبركم بخير الناس خالا و خالة؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: الحسن و الحسين خالهما القاسم بن محمّد و خالتهما زينب بنت محمّد ألا إنّ أباهما في الجنّة و امهما فى الجنّة و جدّهما فى الجنّة و جدّتهما فى الجنّة و خالهما فى الجنّة و خالتهما فى الجنّة و عمّهما فى الجنّة و عمّتهما فى الجنّة و هما فى الجنّة و من أحبّهما فى الجنّة و من أحبّ من أحبّهما فى الجنّة.
و فى البحار من بعض كتب المناقب القديمة عن محمّد بن أحمد بن علىّ بن شاذان باسناده عن ابن عباس قال:
كنت جالسا بين يدي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم و بين يديه عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام إذ هبط جبرئيل و معه تفّاحة، فحيّا بها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حيّا بها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فتحيّا بها علىّ و قبّلها و ردّها إلى رسول اللّه، فتحيّا بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 108
و حيّا بها الحسن و تحيّا بها الحسن و قبّلها و ردّها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فتحيّا بها رسول اللّه و حيّا بها الحسين و تحيّا بها الحسين و قبّلها و ردّها إلى رسول اللّه فتحيّا بها و حيّا بها فاطمة فتحيّت بها و قبّلتها و ردّتها إلى النبيّ، فتحيّا بها الرابعة و حيّا بها عليّ بن أبي طالب فلما همّ أن يردّها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سقطت التفاحة من بين أنامله فانفلقت بنصفين فسطع منها نور حتى بلغ إلى السماء الدّنيا فاذا عليها سطران مكتوبان: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم تحيّة من اللّه إلى محمّد المصطفى و عليّ المرتضى و فاطمة الزّهراء و الحسن و الحسين سبطى رسول اللّه و أمان لمحبّيهما يوم القيامة من النار.
و عن ابن شاذان عن زاذان عن سلمان قال: أتيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسلّمت عليه ثمّ دخلت على فاطمة عليهما السّلام فقال يا عبد اللّه هذان الحسن و الحسين جائعان يبكيان فخذ بأيديهما فاخرج بهما إلى جدّهما فأخذت بأيديهما و حملتهما حتى أتيت بهما إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ما لكما يا حسناى؟
قالا: نشتهى طعاما يا رسول اللّه، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اللّهم أطعمهما ثلاثا قال:
فنظرت فاذا سفرجلة فى يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شبيهة بقلّة من حجر أشد بياضا من الثلج و أحلى من العسل و ألين من الزبد، فعركها بابهامه فصيرها نصفين ثمّ دفع إلى الحسن نصفها و إلى الحسين نصفها، فجعلت أنظر إلى النصفين فى أيديهما و أنا أشتهيها قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا سلمان هذا طعام من الجنّة لا يأكله أحد حتّى ينجو من الحساب.
و باسناده عن الطبرانى باسناده عن سلمان قال: كنا حول النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فجاءت أم أيمن فقالت: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لقد ضلّ الحسن و الحسين و ذلك عند ارتفاع النهار، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قوموا فاطلبوا ابنىّ، فأخذ كل رجل تجاه وجهه و أخذت نحو النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم يزل حتى أتى صفح الجبل و إذا الحسن و الحسين عليهما السّلام ملتزق كلّ واحد منهما بصاحبه، و إذا شجاع قائم على ذنبه يخرج من فيه شبه النار فأسرع لى «إليه» رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فالتفت مخاطبا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم انساب فدخل بعض الأجحرة، ثمّ أتاهما فافرق بينهما و مسح
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 109
وجوههما و قال بأبى و امّى أنتما ما أكرمكما على اللّه، ثمّ حمل أحدهما على عاتقه الأيمن و الاخر على عاتقة الأيسر فقلت: طوبى كما نعم المطية مطيتكما فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و نعم الراكبان هما و أبوهما خير منهما.
و روى فى المراسيل: أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا يبكيان، فقال الحسن للحسين عليه السّلام: خطّي أحسن، و قال الحسين: لا بل خطّى أحسن من خطّك، فقال لفاطمة عليهما السّلام حكمى بيننا فكرهت فاطمة عليها السّلام أن تؤذى أحدهما، فقالت لهما: سلا أباكما، فسألاه فكره أن يؤذى أحدهما فقال: سلاجدّ كما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا أحكم بينكما حتّى أسأل جبرئيل فلما جاء جبرئيل قال: لا أحكم بينهما و لكن اسرافيل يحكم بينهما فقال اسرافيل: لا أحكم بينهما و لكن اسأل اللّه أن يحكم بينهما، فسأل اللّه ذلك فقال تعالى: لا أحكم بينهما و لكن امّهما فاطمة تحكم بينهما، فقالت فاطمة:
احكم بينهما يا ربّ و كانت لها قلادة فقالت: أنا أنثر بينكما جواهر هذه القلادة فمن أخذ منها أكثر فخطّه أحسن، فنثرها و كان جبرئيل وقتئذ عند قائمة العرش، فأمره اللّه تعالى أن يهبط إلى الأرض و ينصف الجواهر بينهما كيلا يتأذّى أحدهما ففعل ذلك جبرئيل إكراما لهما و تعظيما.
و روى ركن الأئمة عبد الحميد بن ميكائيل عن يوسف بن منصور السّاوى عن عبد اللّه بن محمّد الأزدى عن سهل بن عثمان عن منصور بن محمّد النسفي عن عبد اللّه ابن عمرو عن الحسن موسى عن صعدان عن مالك بن سليمان عن ابن جريح عن عطا عن عايشة قالت:
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جايعا لا يقدر على ما يأكل، فقال لي: هاتى ردائى، فقلت أين تريد؟ قال: إلى ابنتى فأنظر إلى الحسن و الحسين فيذهب بعض ما بى من الجوع، فخرج حتّى دخل على فاطمة عليها السّلام فقال: يا فاطمة أين ابناى؟ فقالت:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 110
يا رسول اللّه خرجا من الجوع و هما يبكيان، فخرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في طلبهما فرأى أبا الدّرداء فقال: يا عويمر هل رأيت ابنيّ؟ قال: نعم يا رسول اللّه هما نائمان فى ظلّ حائلى بنى جذعان، فانطلق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فضمّهما و هما يبكيان و هو يمسح الدّموع عنهما، فقال له أبو الدّرداء: دعنى أحملهما فقال يا أبا الدّرداء دعنى أمسح الدّموع عنهما فو الذى بعثنى بالحقّ نبيا لو قطرت قطرة في الأرض لبقيت المجاعة فى امتى إلى يوم القيامة ثمّ حملهما و هما يبكيان و هو يبكى فجاء جبرئيل عليه السّلام فقال: السلام عليك يا محمّد ربّ العزّة جلّ جلاله يقرؤك السلام و يقول: ما هذا الجزع؟ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا جبرئيل ما أبكى جزعا بل أبكى من ذلّ الدّنيا، فقال جبرئيل: إنّ اللّه تعالى يقول: أيسرّك أن أحوّل لك احدا ذهبا و لا ينقص مما عندى شيء؟
قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا، قال: لم؟ قال: لأنّ اللّه تعالى لم يحبّ الدّنيا و لو أحبّها لما جعلها للكافر أكملها فقال جبرئيل: ادع بالجفنة المنكوبة التي في ناحية البيت، قال: فدعا بها، فلما حملت فاذا فيها ثريد و لحم كثير، فقال: كل يا محمّد و أطعم ابنيك و أهل بيتك، قال: فأكلوا و شبعوا قال: ثمّ أرسل بها إلىّ فأكلوا و شبعوا و هو على حالها، قال ما رأيت جفنة أعظم بركة منها فرفعت عنهم فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و الذى بعثني بالحقّ لو سكتّ لتداولها فقراء امتي إلى يوم القيامة.
و فى البحار وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا أنه روى مرسلا من جماعة من الصحابة قالوا:
دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دار فاطمة فقال: يا فاطمة إنّ أباك اليوم ضيفك، فقالت يا أبت إن الحسن و الحسين يطالباني بشيء من الزاد فلم أجد لهما شيئا يقتاتان به ثمّ إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دخل و جلس مع عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام و فاطمة عليها السّلام متحيّرة ما تدرى كيف تصنع، ثمّ إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نظر إلى السماء ساعة و اذا بجبرئيل قد نزل و قال: يا محمّد العليّ الأعلى يقرؤك السلام و يخصّك بالتحيّة و الاكرام و يقول لك: قل لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين أىّ شيء يشتهون من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 111
فواكه الجنّة؟ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ و يا فاطمة و يا حسن و يا حسين إنّ ربّ العزّة علم أنّكم جياع فأىّ شيء تشتهون من فواكه الجنّة؟ فأمسكوا عن الكلام و لم يردّوا جوابا حياء من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال الحسين: عن إذنك يا أبتا يا أمير المؤمنين و عن إذنك يا أماه يا سيّدة نساء العالمين و عن إذنك يا أخاه الحسن الزّكي أختار لكم شيئا من فواكه الجنّة.
فقالوا جميعا: قل يا حسين ما شئت فقد رضينا بما تختاره لنا، فقال: يا رسول اللّه قل لجبرئيل: إنّا نشتهى رطبا جنيّا فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد علم اللّه ذلك ثمّ قال: يا فاطمة قومي و ادخلى البيت و احضرى إلينا ما فيه، فدخلت فرأت فيه طبقا من البلّور مغطى بمنديل من السندس الأخضر و فيه رطب جنيّ في غير أوانه فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا فاطمة أنّى لك هذا قالت: هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب كما قالت مريم بنت عمران.
فقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تناوله و قدّمه بين أيديهم ثمّ قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ثمّ أخذ رطبة واحدة فوضعها في فم الحسين عليه السّلام فقال هنيئا مريئا لك يا حسين، ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن عليه السّلام و قال هنيئا مريئا لك يا حسن، ثمّ أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة الزّهراء عليها السّلام و قال هنيئا مرئيا لك يا فاطمة الزهراء، ثمّ أخذ رطبة رابعة فوضعها فى فم علىّ عليه السّلام و قال هنيئا مريئا لك يا عليّ، ثمّ ناول عليّا رطبة اخرى ثمّ رطبة اخرى و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول له هنيئا مريئا لك، ثمّ وثب النبيّ قائما ثمّ جلس ثمّ أكلوا جميعا عن ذلك الرّطب.
فلمّا اكتفوا و اشبعوا ارتفعت المائدة إلى السّماء باذن اللّه تعالى.
فقالت فاطمة: يا أبت لقد رأيت اليوم منك عجبا.
فقال: يا فاطمة أمّا الرّطبة الاولى الّتي وضعتها في فم الحسين و قلت له هنيئا يا حسين فانّي سمعت ميكائيل و اسرافيل يقولان هنيئا يا حسين فقلت أيضا موافقا لهما في القول، ثمّ أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن فسمعت جبرئيل و ميكائيل يقولان هنيئا لك يا حسن فقلت أنا موافقا لهما في القول، ثمّ أخذت الثالثة فوضعتها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 112
في فمك يا فاطمة فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان يقلن هنيئا لك يا فاطمة فقلت موافقا لهنّ بالقول، و لمّا أخذت الرّابعة فوضعتها في فم عليّ عليه السّلام سمعت النّداء من قبل الحقّ يقول هنيئا مريئا لك يا عليّ فقلت موافقا لقول اللّه عزّ و جلّ، ثمّ ناولت عليّا رطبة اخرى ثمّ اخرى و أنا أسمع صوت الحقّ سبحانه يقول هنيئا مريئا لك يا عليّ فقلت موافقا لقول اللّه، ثمّ قمت إجلالا لربّ العزّة جلّ جلاله فسمعته يقول يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عزّتي و جلالى لو ناولت عليّا من هذه الساعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت هنيئا مريئا بعد بلا انقطاع و روى في بعض الأخبار:
أنّ أعرابيا أتى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال له: يا رسول اللّه لقد صدت خشفة غزالة و أتيت بها إليك هدية لولديك الحسن و الحسين، فقبلها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و دعا له بالخير فاذا الحسن واقف عند جدّه فرغب إليها فأعطاه إيّاها، فما مضى ساعة إلّا و الحسين قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها فقال: يا أخى من أين لك هذه الخشفة؟
فقال الحسن: أعطانيها جدّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فسار الحسين مسرعا إلى جدّه فقال: يا جدّاه أعطيت أخى خشفة و لم تعطني مثلها و جعل يكرّر القول على جدّه و هو ساكت لكنّه يسلّى خواطره و يلاطفه بشىء من الكلام حتّى أفضى من أمر الحسين عليه السّلام إلى أن همّ يبكى.
فبينما هو كذلك إذ نحن بصياح قد ارتفع من باب المسجد، فنظرنا فاذا ظبية و معها خشفها و من خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تضربها بأحد أطرافها حتّى أتت بها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ثمّ نطقت الغزالة بلسان فصيح فقالت: يا رسول اللّه قد كانت لي خشفتان إحداهما صادها الصياد و أتى بها إليك، و بقيت لي هذه الاخرى و أنا بها مسرورة و إنّي كنت الان ارضعها فسمعت قائلا يقول: اسرعى اسرعى يا غزالة بخشفك إلى النبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اوصليه سريعا لأنّ الحسين واقف بين يدي جدّه و قد همّ أن يبكى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 113
و الملائكة بأجمعهم قد رفعوا رؤوسهم من صوامع العبادة، و لو بكى الحسين لبكت الملائكة المقرّبون لبكائه، و سمعت أيضا قائلا يقول: اسرعى يا غزالة قبل جريان الدموع على خدّ الحسين فان لم تفعلى سلّطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفك فأتيت بخشفى إليك يا رسول اللّه و قطعت مسافة بعيدة و لكن طويت لى الأرض حتّى أتيتك سريعة و أنا أحمد اللّه ربّى على أن جئتك قبل جريان دموع الحسين على خدّه، فارتفع التّهليل و التكبير من الأصحاب و دعا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الغزالة بالخير و البركة و أخذ الحسين الخشفة و أتى بها إلى امه الزّهراء فسرّت بذلك سرورا عظيما و روى عن سلمان الفارسي قال:
اهدى إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قطف من العنب في غير أوانه فقال لي: يا سلمان ايتني بولدىّ الحسن و الحسين ليأكلا معى من هذا العنب، قال سلمان الفارسي: فذهبت أطرق عليهما منزل امّهما فلم أرهما، فأتيت منزل اختهما امّ كلثوم فلم أرهما.
فخبّرت النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك فاضطرب و وثب قائما و هو يقول: وا ولداه و اقرّة عيناه من يرشدني عليهما فله على اللّه الجنّة، فنزل جبرئيل من السماء و قال: يا محمّد على م هذا الانزعاج؟ فقال: على ولديّ الحسن و الحسين فانى خائف عليهما من كيد اليهود، فقال جبرئيل: يا محمّد بل خف عليهما من كيد المنافقين، فانّ كيدهم أشدّ من كيد اليهود اعلم يا محمّد أنّ ابنيك الحسن و الحسين نائمان في حديقة أبي الدّحداح.
فسار النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من وقته و ساعته إلى الحديقة و أنا معه حتّى دخلنا الحديقة و إذا هما نائمان و قد اعتنق أحدهما الاخر و ثعبان في فيه طاقة ريحان يروّح بها وجهيهما.
فلّما رأى الثّعبان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ألقى ما كان في فيه فقال: السّلام عليك يا رسول اللّه لست أنا ثعبانا و لكنّى ملك من ملائكة الكرّ و بيّين غفلت عن ذكر ربّي طرفة عين فغضب علىّ ربّى و مسخنى ثعبانا كما ترى و طردنى من السماء إلى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 114
الأرض ولى منذ سنين كثيرة أقصد كريما إلى اللّه فأسأله أن يشفع لى عند ربّى عسى أن يرحمني و يعيدني ملكا كما كنت أوّلا إنّه على كلّ شيء قدير قال: فجاء النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقبّلهما حتّى استيقظا فجلسا على ركبتى النّبي.
فقال لهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انظرا يا ولدّى هذا ملك من ملائكة اللّه الكرّوبيين قد غفل عن ذكر ربّه طرفة عين فجعله اللّه هكذا و أنا مستشفع بكما إلى اللّه فاشفعا له فوثب الحسن و الحسين عليهما السّلام فأسبغا الوضوء و صلّيا ركعتين و قالا: اللّهمّ بحقّ جدّنا الجليل الحبيب محمّد المصطفى، و بأبينا علىّ المرتضى، و بامّنا فاطمة الزّهراء إلّا ما رددته إلى حالته الأولى.
قال فما استتمّ دعاؤهما فاذا بجبرئيل نزل من السماء في رهط من الملائكة و بشّر ذلك الملك برضى اللّه عنه و بردّه إلى سيرته الأولى ثمّ ارتفعوا إلى السماء و هم يسبّحون اللّه تعالى.
ثمّ رجع جبرئيل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو متبسّم، و قال يا رسول اللّه إنّ ذلك الملك يفتخر على الملائكة السّبع السماوات و يقول لهم: من مثلى و أنا في شفاعة السيدين السّبطين الحسن و الحسين عليهما السّلام.
و قال حكى عن عروة البارقي قال: حججت في بعض السّنين فدخلت مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوجدت رسول اللّه جالسا و حوله غلامان يافعان و هو يقبّل هذا مرّة و هذا اخرى، فاذا رآه النّاس يفعل ذلك أمسكوا عن كلامه حتّى يقضى منهما و ما يعرفون لأىّ سبب حبّه ايّاهما.
فجئته و هو يفعل ذلك بهما فقلت: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذان ابناك؟ فقال: انّهما ابنا ابنتي و ابنا أخى و ابن عمّى و أحبّ الرّجال إلىّ و من هو سمعى و بصرى و من نفسه نفسى و نفسى نفسه و من أحزن لحزنه و يحزن لحزني.
فقلت له: قد عجبت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من فعلك بهما و حبّك لهما.
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له: أحدّثك أيّها الرّجل إنّى لمّا عرج بي إلى السماء و دخلت
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 115
الجنّة انتهيت إلى شجرة في رياض الجنّة فعجبت من طيب راپحتها فقال لى جبرئيل: يا محمّد تعجب من هذه الشجرة فثمرها أطيب من ريحها، فجعل جبرئيل يتحفني من ثمرها و يطعمني من فاكهتها و أنا لا أملّ منها، ثمّ مررنا بشجرة اخرى فقال لي جبرئيل: يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كل من هذه الشجرة فانّها تشبه الشجرة الّتي أكلت منها الثمر فهى أطيب طعما و أزكا رايحة.
قال: فجعل جبرئيل يتحفني بثمرها و يشمّني من راپحتها و أنا لا أملّ منها، فقلت: يا أخى جبرئيل ما رأيت في الأشجار أطيب و لا أحسن من هاتين الشّجرتين، فقال لى: يا محمّد أ تدرى ما اسم هاتين الشّجرتين؟ فقلت: لا أدرى، فقال: إحداهما الحسن و الاخرى الحسين، فاذا هبطت يا محمّد إلى الأرض من فورك فأت زوجتك خديجة و واقعها من وقتك و ساعتك فانّه يخرج منك طيب رايحة الثمر الّذى أكلته من هاتين الشّجرتين فتلد لك فاطمة الزّهراء، ثمّ زوّجها أخاك عليّا فتلد له ابنين فسمّ أحدهما الحسن و الاخر الحسين.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ففعلت ما أمرني أخى جبرئيل فكان الأمر ما كان، فنزل إلىّ جبرئيل بعد ما ولد الحسن و الحسين فقلت له: يا جبرئيل ما أشوقنى إلى تينك الشّجرتين فقال لي: يا محمّد إذا اشتقت إلى الأكل من ثمرة تينك الشّجرتين فشمّ الحسن و الحسين.
قال: فجعل النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلّما اشتاق إلى الشّجرتين يشمّ الحسن و الحسين عليهما الصلاة و السّلام و يلثمهما و هو يقول: صدق أخى جبرئيل، ثمّ يقبّل الحسن و الحسين عليهما السّلام و يقول: يا أصحابى انّى أودّ أنّى اقاسمهما حياتي لحبّي لهما و هما ريحانتاى من الدّنيا، فتعجّب الرّجل وصف النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للحسن و الحسين عليهما السّلام.
و فى كشف الغمّة قال البغوى يرفعه إلى يعلي قال: جاء الحسن و الحسين يسعيان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأخذ أحدهما فضمّه إلى ابطه و أخذ الاخر فضّمه إلى ابطه الاخرى فقال: هذان ريحانتاى من الدّنيا من أحبّني فليحبّهما.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 13، ص: 116
و فيه عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معه حسن و حسين عليهما السّلام هذا على عاتقة و هذا على عاتقة و هو يلثم هذا مرّة و هذا مرّة حتّى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول اللّه إنّك تحبّهما فقال: من أحبّهما فقد أحبّني و من أبغضهما فقد أبغضني.
أقول: هذه الأخبار أنموذج من مناقب أخبار السّبطين سلام اللّه عليهما و على جدّهما و أبيهما و امّهما و ظهر منها كيفيّة عناية اللّه تعالى و عناية رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إكرامهما فى حقّهما كما ظهر فرط محبّة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و محبّة أمير المؤمنين إيّاهما إلى مرتبة يودّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يقاسمهما حياته كما مرّ في آخر روايات البحار و يرضى أمير المؤمنين عليه السّلام بأن يخوض بنفسه الشّريف في غمرات الحرب و يضنّ بهما ذلك حذرا من انقطاع نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حسبما مرّ في هذا الكلام الّذي نحن في شرحه.
فلعن اللّه امة بلغوا الغاية في العصيان، و وصلوا إلى النّهاية في إرضاء الشيطان و أقدموا على أمر عظيم من إسخاط الرّحمن، كيف سعوا في إطفاء نور اللّه و جدّوا في قطع نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و بدّلوا ما وصّاهم اللّه به من مودّة القربي بالعداوة و البغضاء، و ما أوصاهم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من محبّة العترة بالشقاوة و الشقاء.
فشوها لتلك الوجوه الّتي شوّهها الكفر و الفسوق و العصيان، و سوأة لهذه الامّة الّتي لم تبق شيئا من مراتب العداوة و العناد و الطغيان، فكيف لو شاهدهم النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع ما أقدموا عليه في حقّ الال من سفك الدّماء و قتل الرجال و سبي الحريم و ذبح الأطفال، اولئك عليهم لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين و سيعلم الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون.
الترجمة:
از جمله كلام آن حضرتست در بعض أيّام جنگ صفين در حالتي كه ديد پسرش امام حسن عليه السّلام را مي شتابد بسوى جنگ فرمود بأصحاب خود:
مالك شويد و ممانعت نمائيد بعوض من اين جوان را تا آنكه نشكند بنيه بدن مرا، پس بدرستي كه من بخيل ترم باين دو جوان كه حسن و حسين عليهما السّلام باشند بر مرگ، مبادا بريده شود بجهت موت ايشان نسل بر گزيده پيغمبر آن رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
سيّد رضى رحمة اللّه عليه گفته كه: فرمايش آن حضرت كه فرموده مالك شويد بعوض من از جمله كلام عالى مقام او و متضمّن غايت فصاحتست.