منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 80
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأتان و الثانية عشر من المختار فى باب الخطب:
الحمد للّه العليّ عن شبه المخلوقين، الغالب لمقال الواصفين، الظّاهر بعجايب تدبيره للنّاظرين، و الباطن بجلال عزّته عن فكر المتوهّمين، العالم بلا اكتساب و لا ازدياد، و لا علم مستفاد، المقدّر لجميع الأمور بلا رويّة و لا ضمير، الذي لا تغشاه الظّلم، و لا يستضيء بالأنوار، و لا يرهقه ليل و لا يجري عليه نهار، ليس إدراكه بالأبصار، و لا علمه بالأخبار.
اللغة:
(الشّبه) بالتحريك كالشّبه و الشّبيه بمعنى المثل و المشابه و شبّهت الشيء بالشىء أقمته مقامه بصفة جامعة بينهما و أشبه الولد أباه و شابهه إذا شاركه فى صفة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 81
من الصّفات و (رهق) الدّين رهقا من باب تعب غشيه و رهقت الشيء أدركته و (الاخبار) في أكثر النسخ بالكسر مصدر اخبر و في بعضها بالفتح جمع الخبر و كذلك الابصار.
المعنى:
اعلم أنّ هذه الخطبة الشّريفة كما ذكره بعض الشراح و أشار إليه السيّد «ره» مشتملة على فصلين:
الفصل الاول:
في تمجيد اللّه عزّ و جلّ و ثنائه بنعوت جلاله و جماله و أثنى عليه تعالى باعتبارات:
أولها قوله (الحمد للّه العلىّ عن شبه المخلوقين) أى المتعالى عن مشابهة مخلوقاته فلا يشابه شيئا منها، و لا يشابهه شيء، فليس له شبه و شبيه و نظير.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 82
و ذلك لما عرفت مرارا في تضاعيف الشّرح لا سيما شرح الخطبة المأة و الخامسة و الثمانين و شرح الكلام المأتين و الثّامن أنّ المخلوقات كلّها محدودة بالحدود الاصطلاحيّة المركّبة من الجنس و الفصل، و بالحدود اللّغويّة أى النّهاية و اللّه سبحانه منزّه عن الحدّ اصطلاحيّا كان أو لغويّا لاستلزام الأوّل للتّركيب و الثاني للافتقار إلى محدّد، و كلّ مركب و مفتقر ممكن، فالواجب تعالى لا يمكن أن يكون له مشابه و مشارك في ذاته و صفاته و أفعاله.
و الحاصل أنّ الواجب تعالى أجلّ و أعلى من أن يتّصف بالصّفات الامكانية، فيشابه المحدثات و يشاركهم في جهة من الجهات.
الثاني انه (الغالب لمقال الواصفين) يعني أنه تعالى شأنه أجلّ من أن يقدر الواصفون على وصفه و بيان محامده، لعدم وقوف صفاته الكمالية و أوصافه الجمالية و الجلالية إلى حدّ معين حتى يحيط بها العقول و يصفه الألسنة كيف و قد اعترف سيد البشر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالعجز عن ذلك، و قال: لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، فأنّى لغيره بذلك.
و هذه الفقرة مساوقة لقوله عليه السّلام فى الخطبة الاولى: الحمد للّه الذى لا يبلغ مدحته القائلون، فانّ المدح و الثناء و الوصف كلها بمعنى
لا يدرك الواصف المطرى محامده و إن يكن سابقا فى كلّ ما وصفا
فحيث قصرت ألسنة الواصفين و كلّت عن تعداد صفاته الحميدة فهو كالغالب على أقوالهم لعجزها عن البلوغ إلى مدى صفاته.
الثالث أنه (الظاهر بعجايب تدبيره للناظرين) يعنى أنه تعالى ظاهر للناظرين و ليس ظهوره بذاته كما توهمه المجسمة و غيرهم من المجوّزين للرّؤية، بل باثار قدرته و اعلام عظمته و بدايع صنعه و عجايب تدبيره و حكمته حسبما عرفته تفصيلا فى شرح الخطبة التّاسعة و الأربعين و الخطبة الرّابعة و السّتين و غيرهما.
(و) الرابع أنّه (الباطن بجلال عزّته عن فكر المتوهّمين) يعني أنّه محتجب عن الأوهام و العقول، و ليس احتجابه و اختفاؤه بصغر جسمه و حقارته أو
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 83
لطافة قوامه كالهواء و الرّوح و نحوهما، بل باعتبار جلاله و عزّته و جبروته و عظمته حسبما عرفت في شرح الخطبتين المذكورتين و الحاصل أنّه ظاهر باياته باطن بذاته.
قال الشّارح البحراني: و إنما قال: فكر المتوهّمين، لأنّ النفس الانسانية حال التفاتها إلى استلاحة الامور العلوية المجرّدة لا بدّ أن يستعين بالقوّة المتخيلة بباعث الوهم في أن تصوّر تلك الامور بصور خيالية مناسبة لتشبيهها بها و تحطها إلى الخيال، و قد علمت أنّ الوهم إنما يدرك ما كان متعلّقا بمحسوس أو متخيل من المحسوسات، فكل أمر يتصوّره الانسان و هو في هذا العالم سواء كان ذات اللّه سبحانه أو غير ذلك فلا بدّ أن يكون مشوبا بصورة خيالية و معلقا بها، و هو تعالى منزّه بجلال عزّته عن تكيف تلك الفكر له و باطن عنها، انتهى.
و قد تقدّم ما يوضح ذلك في شرح الفصل الثاني من الخطبة الاولى و شرح الخطبة المأة و الخامسة و الثمانين فليراجع هناك.
الخامس انه (العالم بلا اكتساب و لا ازدياد و لا علم مستفاد) يعنى أنه عزّ و جلّ عالم بذاته و العلم ذاته و ليس علمه باكتساب له بعد الجهل، و لا بازدياد منه بعد النقص، و لا باستفادة و أخذ له عن غيره كما هو شأن علم المخلوقين، إذ لو كان كذلك لكان سبحانه متغيّرا و ناقصا فى ذاته مستكملا بغيره و هو باطل.
السادس انه (المقدّر لجميع الامور بلا رويّة و لا ضمير) أى الموجد لمخلوقاته على وفق حكمته و قضائه كلّا منها بقدر معلوم و مقدار معيّن من دون أن يكون ايجادها مستندا إلى الرّوية و الفكر، و لا إلى ما يضمر فى القلب من الصور كما يحتاج إليها ساير الصناع، لأنه سبحانه منزّه من الضمير و القلب، و الرّوايات لا تليق إلّا بذوى الضمائر حسبما عرفت تفصيلا فى شرح الفصل الأوّل من الخطبة المأة و السابعة.
السابع أنه (الذى لا تغشاه الظلم و لا يستضيء بالأنوار) أى لا يغطيه ظلام كما يغطى ساير الأجسام لكونه منزّها عن الجسمية، و لا يستضيء بالأنوار كما يستضيء بها ذوات الابصار لكونه منزّها من حاسّة البصر و ساير الحواسّ، مضافا إلى أنه تعالى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 84
نور السماوات و الأرض، و الجميع به يستضيء فكيف يستضيء بغيره و الّا لزم أن يكون مفتقرا إلى غيره مستكملا به و هو باطل.
(و) الثامن انه (لا يرهقه ليل و لا يجرى عليه نهار) يعنى لا يتعور عليه ليل و نهار لكونه منزّها عن الزّمان و الحركة فلو تعاورا عليه لتفاوتت ذاته و تغيّرت صفاته و امتنع من الأزل معناه.
(و) التاسع انه (ليس إدراكه بالابصار) لتنزّهه من الاحتياج فى الادراك إلى الالات و المشاعر و الأدوات.
و العاشر ما أشار إليه بقوله (و لا علمه بالأخبار) أى بأن يخبره غيره بشىء فيحصل له العلم بذلك الشيء بسبب هذا الخبر، لاستلزام ذلك للجهل أوّلا و الافتقار إلى حاسة السمع ثانيا، و النقص بالذات، و الاستكمال بالغير ثالثا، و هذا كلّه مناف لوجوب الوجود.
الترجمة:
حمد و ثنا خدائى راست كه برتر است از مشابهت مخلوقات، و غلبه كننده است مر گفتار وصف كنندگان كنه ذات و صفات -يعنى او غالب است بتوصيف هر واصفى و هيچكس قدرت وصف او ندارد- ظاهر است و هويدا با عجايب و غرايب تدبير خود از براى متفكران، و پنهانست بجهت جلال عظمت و شدّت نور خود از فكر صاحبان و هم و عقل دانا و عالم است بدون حاجت بكسب علم از ديگرى و بدون احتياج بأفزون كردن علم و بدون علمى كه استفاده شود از خارج، مقدّر است جميع امورات را بدون فكر و خطور خاطرى، چنان خدائى كه احاطه نمى كند او را ظلمتها، و طلب روشنى نمى كند بنورها، و درك نمى كند او را شب، و جارى نمى شود بر او روز، نيست ديدن او با ديدن بصر، و نه دانستن او بخبر دادن كسى ديگر.