منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 410
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأتان و الثامنة و العشرون من المختار فى باب الخطب:
فانّ تقوى اللّه مفتاح سداد، و ذخيرة معاد، و عتق من كلّ ملكة، و نجاة من كلّ هلكة، بها ينجح الطّالب، و ينجو الهارب و تنال الرّغائب، فاعملوا و العمل يرفع، و التّوبة تنفع، و الدّعاء يسمع، و الحال هادئة، و الاقلام جارية، و بادروا بالأعمال عمرا ناكسا و مرضا حابسا، أو موتا خالسا.
اللغة:
(السّداد) بالفتح الصّواب من القول و العمل و (ملكه) يملكه من باب ضرب ملكا مثلثة و ملكة بالتحريك احتواه قادرا على الاستبداد به و (النجح) بالضمّ الظفر بالمطلوب و أنجحه اللّه أى أظفر به و (الرّغائب) جمع الرّغيبة و هو الأمر المرغوب فيه و العطاء الكثير و (هدء) هدءا من باب منع سكن و (نكسه)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 412
قلّبه على رأسه كنكّسه بالتشديد و النكس بضمّتين المدرهمّون من الشّيوخ بعد الهرم أى السّاقطون كثيرا قال تعالى «وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ» . و (خلست) الشيء اختطفته.
الاعراب:
قوله: مفتاح سداد «1» تقديم المسند و قوله: بها متعلّق بقوله ينجح و تقديمه عليه لقصد الحصر و الفاء في قوله فاعملوا فصيحة، و جملة و العمل يرفع في محلّ النصب على الحال و الباء في قوله بالأعمال للمصاحبة،
المعنى:
اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة من محاسن خطبة عليه السّلام و فيها من نكات البلاغة و فنون البديع ما لا يخفى على المصقع البارع، و مدارها على فصلين:
الفصل الاول منها:
فى الحثّ على البرّ و التقوى و أخذ الزاد ليوم المعاد بالتذكير بالموت
______________________________
(1)- الظاهر سقوط شيء من هنا. المصحح.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 414
الذي هو هادم اللذات و قاطع الامنيات و التحذير من الدّنيا التي هي دار الغرور و المكاره و الافات و هو قوله:
استعاره (فانّ تقوى اللّه مفتاح سداد و ذخيرة معاد) و قد تقدّم تحقيق معنى التقوى و ما يترتّب عليها من الثمرات الدّنيوية و الاخروية في شرح الخطبة الرّابعة و العشرين و غيرها فليراجع هناك و أقول هنا توضيحا لكلامه عليه السّلام: إنّ التقوى لما كانت عبارة عن اتّخاذ الوقاية من العقوبات و الحذر من الموبقات الاخروية و بها يحصل التجنّب من المعاصي و الاتيان بالواجبات المتّصفة بالصلاح و السداد لا جرم استعار لها المفتاح الذي يوصل به إلى ما فى البيت قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً».
قال أمين الاسلام الطبرسيّ أمر اللّه سبحانه أهل الإيمان و التوحيد بالتقوى و القول السديد فقال «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ» أى اتّقوا عقاب اللّه باجتناب معاصيه و فعل واجباته «وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً» أى صوابا برّيا من الفساد خالصا من شائب الكذب و اللّغو موافق الظاهر للباطن، و قال الحسن و عكرمة صادقا يعني كلمة التوحيد لا إله إلّا اللّه «يصلح لكم أعمالكم» معناه إن فعلتم ذلك يصلح لكم أعمالكم بأن يلطف لكم فيها حتّى تستقيموا على الطريقة المستقيمة السليمة من الفساد و يوفقكم لما فيه الصلاح و الرشاد «و يغفر لكم ذنوبكم» باستقامتكم في الأقوال و الأفعال «و من يطع اللّه و رسوله» في الأوامر و النواهي «فقد فاز فوزا عظيما» أى فقد أفلح افلاحا عظيما، و قيل فقد ظفر برضوان اللّه و كرامته.
و أما انها ذخيرة معاد فواضح لأنها أنفس ذخيرة معدّة لفاقة الاخرة و بها ينجى من أليم العذاب و يفاز عظيم الزلفى و الثواب قال تعالى «وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ. وَ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 415
و قال «قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوانٌ» .
استعاره (و عتق من كلّ ملكة) قال الشّارح البحراني: استعار لفظ العتق لخلاص النفس العاقلة من استيلاء حكم شياطينها المطبقة بها كخلوص القلب من استيلاء سيّده ثمّ جعل التقوى نفسها عتقا إطلاقا لاسم السّبب على المسبّب انتهى و محصّله أنّ التقوى سبب الخلاص من قيد رقيّة نفس الأمارة و عبودية الهوى و مملوكيّة الشيطان فانه ليس له سلطان على الذين آمنوا و على ربّهم يتوكّلون إنّما سلطانه على الذين يتولّونه و الّذينهم به مشركون.
مبالغة (و نجاة من كلّ هلكة) أى سبب للنّجاة من الهلكات الدّنيويّة و الاخروية فاطلق عليها النّجاة مبالغة من قبيل زيد عدل قال تعالى «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» أى مخرجا من كلّ كرب في الدّنيا و الاخرة.
و فى مجمع البيان عن النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قرأها و قال: مخرجا من شبهات الدّنيا و من غمرات الموت و شدائد الاخرة.
و فى البحار من الدّعوات للرّاوندى قال النّبى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من اتّقى اللّه عاش قويا و صار فى بلاد عدوّه آمنا.
(بها ينجح الطالب) للاخرة أى يفوز بمطلبه قال تعالى «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ. جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ» و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خصلة من لزمها أطاعته الدّنيا و الاخرة و ربح الفوز بالجنّة، قيل: و ما هى يا رسول اللّه؟ قال: التّقوى من أراد أن يكون أعز النّاس فليتّق اللّه عزّ و جلّ ثمّ تلا «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ...» الاية.
(و ينجو الهارب) «1» الراهب من سخط اللّه و عقابه فانّ أولياء اللّه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، و من يتّق اللّه يكفّر عنه سيئاته و يعظم له أجرا.
(و تنال الرّغائب) أى العطايا الكثيرة و الخيرات الدّنيوية و الاخروية التي ترغب إليها النفوس.
______________________________
(1)- لا يخفى أن بين هذه الفقرة و سابقتها من محاسن البديع حسن الطباق و الجناس اللاحق و السجع المتوازى و مثلها الفقرتان السابقتان عليها و أما الاوليان ففيهما السجع المتوازى فقط، منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 416
أمّا الدّنيويّة فقد قال الصّادق عليه السّلام: من أخرجه اللّه تعالى من ذلّ المعصية إلى عزّ التقوى أغناه اللّه بلا مال، و أعزّه بلا عشيرة، و انسه بلا بشر، أى من غير أنيس من البشر بل اللّه مونسه.
و أما الاخروية فقد قال اللّه تعالى «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ. وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَ لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ» و قال عزّ و جلّ «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ. يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ أَكْوابٍ وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ» هذا و لما نبّه على ثمرات التقوى و كانت التقوى ملازمة للعمل و رتّب عليه الحثّ على العمل فقال (فاعملوا و العمل يرفع) أى اعملوا صالحا فانّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاؤن عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير، و معنى قوله: و العمل يرفع إنّ العمل الصّالح يرفع اللّه إليه و يقبله من فاعله.
و قد أشير إلى ذلك في قوله عزّ و جلّ «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» قال أمين الاسلام الطبرسى: معنى الصعود القبول من صاحبه و الاثابة عليه، و كلّما يتقبله اللّه سبحانه من الطاعات يوصف بالرّفع و الصّعود لأنّ الملائكة يكتبون أعمال بنى آدم و يرفعونها إلى حيث شاء اللّه، و هذا كقوله «كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي ...» و الكلم الطيّب الكلمات الحسنة من التعظيم و التقديس و أحسن الكلم لا إله إلّا اللّه و العمل الصّالح يرفعه قيل فيه وجوه: أحدها أنّ الكلم الطيّب يرفعه العمل الصالح فالضمير يعود إلى الكلم، و الثاني أنه على القلب من الأول «1».
______________________________
(1)- هذا آخر ما وفق الشارح المصنف العلامة الهاشمى الخوئى أعلا اللّه مقامه بشرحه و برز من قلمه الشريف و آخر المجلد السابع حسب تجزأته «قد» على ما فى الطبعه الاولى، و تتمة ما نقله هنا عن الطبرسى «قد» هكذا: أى و العمل الصالح يرفعه الكلم الطيّب، و المعنى أنّ العمل الصالح لا ينفع إلّا إذا صدر عن التوحيد عن ابن عباس، و الثالث أنّ المعنى العمل الصالح يرفعه اللّه لصاحبه، أى يقبله عن قتادة، و على هذا فيكون ابتداء اخبار لا يتعلّق بما قبله. المصحح.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 417
(بسم اللّه الرحمن الرحيم) بعد الحمد و الصّلاة على رسوله و آله يقول العبد المحتاج إلى رحمة ربّه أبو الحسن المدعوّ بالشعراني عفى عنه إني لما وقفت على هذا الشّرح النّفيس الجامع لشتات اللّطائف، الحاوى لطرايف الظرائف و رأيت أنّ صاحبه لم يتمكّن من اتمامه و توقّف على شرح كلام أمير المؤمنين عليه السّلام: و العمل يرفع، علمت أنّ عاقبته إلى رفع العمل و القبول كما ان ختم كلامه إليه و هذا و ان كان فالا حسنا للشارح لكن الناظرين يرون عمله أبتر إذ لم يكمل شرح الكتاب بل الخطبة التي شرع فى شرحها فرأيت أن اعلّق عليه شيئا يتمّ به شرح الخطبة الأخيرة و أضمّ عملي إلى عمله المقبول و أتطفل في تحصيل الثواب الحاصل له و سلكت فيه مسلكه من الاقتصار على ما يسهل تناوله بعون اللّه و حسن توفيقه و أقول (و العمل يرفع) في كلام أمير المؤمنين عليه السّلام جملة حالية في محلّ النصب و كذلك ما يتلوها إلى قوله عليه السّلام: و الأقلام جارية أى اعملوا في هذا الوقت الذي يرفع العمل و أنتم أحياء فى دار الدّنيا و أما بعد ذلك فلا يرفع العمل إذ لا عمل بعد الموت حتّى يرفع و هذا طريقة العرب في كلامهم يقول شاعرهم: على لا حب لا يهتدى بمناره يعني على طريق لا منار فيها حتى يهتدى به.
قوله (و التوبة تنفع) أى اعملوا في هذه الحال التي تنفع التوبة قبل الموت فاذا مات ابن آدم انقطع عمله و لم يقبل منه التّوبة إذ لا تقع منه حتّى تقبل (و الدعاء يسمع) في حال الحياة يسمع الدّعاء، و أمّا بعد الموت فلا يسمع و المقصود الدّعاء الذي يصير سببا للنجاح و السعادة و غفران الذنوب و رفع الدّرجات.
و أمّا الدّعاء بمعنى آخر فقد يقع في الاخرة و يسمع و قد ورد في القرآن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 418
الكريم كنايه (و الحال هادئة) في الحياة الدّنيا و سكون الحال كناية عن السلامة و القدرة و الاختيار بحيث يتمكن من فعل الخيرات (و الأقلام جارية) و الملائكة تكتب أعمال العباد في الحياة الدّنيا أى اغتنموا الحياة و اعملوا فيها ثمّ أكّد عليه السّلام ذلك بقوله (و بادروا بالأعمال عمرا ناكسا) يعني لا يتمكّن أحد من العمل في الحياة إذا هرم و شاخ و ضعف فبادروا بالعمل قبل أن يمنعكم منه الهرم (و مرضا حابسا) يسلبكم النشاط (أو موتا خالسا) يعرض بغتة فلا يبقى لكم فرصة التوبة و الاستغفار.
الترجمة:
بدرستى كه پرهيزكارى كليد صلاح است و توشه آخرت و آزادى از بند بندگى و رهائى از دام هلاكت، آنكه خواهنده خير است بتقوى بمقصود نائل آيد و آنكه از شر گريزان است بتقوى از آن رهائى جويد مقاصد مردمان بتقوى حاصل گردد پس اكنون كه عمل صالح بدرگاه الهى بالا مى رود و گناهكاران را توبه سود دارد آرامش حال برقرار و قلم فرشتگان بنوشتن اعمال بندگان روان است بكوشيد و بشتابيد پيش از آنكه عمر از شما روى بگرداند و پشت كند و بيمارى مانع عمل شود و مرگ ناگهان فرود آيد.