منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 168
المختار المأتان و الخامس و الثلاثون و من خطبة له عليه السّلام:
فاعملوا و أنتم في نفس البقاء و الصّحف منشورة، و التّوبة مبسوطة، و المدبر يدعى، و المسيء يرجى قبل أن يخمد العمل و ينقطع المهل، و ينقضي الأجل، و يسدّ باب التّوبة، و تصعد الملائكة فأخذ امرؤ من نفسه لنفسه، و أخذ من حيّ لميّت، و من فان لباق، و من ذاهب لدائم، امرؤ خاف اللّه و هو معمّر إلى أجله، و منظور إلى عمله امرؤ ألجم نفسه بلجامها، و زمّها بزمامها، فأمسكها بلجامها عن معاصى اللّه، و قادها بزمامها إلى طاعة اللّه (54996- 54846).
اللغة:
(في نفس البقاء) أى فى سعته. و النفس بالتحريك كالسبب السعة و الفرج و المهلة و الفسحة. فى الصحاح للجوهرى: و النفس بالتحريك، يقال انت فى نفس من امرك أى فى سعة.
(الصحف) جمع الصحيفة أى الكتاب و تجمع على الصحائف أيضا و المراد به هنا صحائف اعمال الانسان (التوبة) اصلها الرجوع عمّا سلف و لذا فسّر الزمخشرى قوله تعالى «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ» (البقرة ية 36): أى فرجع عليه بالرحمة و القبول و فى الاصطلاح الندم على الذنب لقبحه عند العدلية و لذا عرفوها على التفصيل بقولهم: هى الندم على المعصية لكونها معصية مع العزم على ترك المعاودة فى المستقبل و بعبارة اخرى الندم على القبيح مع العزم ان لا يعود إلى مثله فى القبح كما يأتي شرحها و تفسيرها. و التوبة إذا اسند إلى اللّه تعالى تكون صلته على كقوله تعالى: «فَتابَ عَلَيْهِ» و قوله تعالى: «رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ...» (البقرة ية 123) و إذا اسند إلى العبد تكون صلته إلى كقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً» (التحريم ية 8) فى صحاح الجوهرى: و تاب إلى اللّه توبة و متابا و قد تاب اللّه عليه وفّقه لها.
و قال الطبرسى فى المجمع: التوبة و الاقلاع و الانابة فى اللغة نظائر و ضدّ التوبة الاصرار و اللّه تعالى يوصف بالتواب و معناه انه يقبل التوبة عن عباده و اصل التوبة الرجوع عما سلف و الندم على ما فرط فاللّه تعالى تائب على العبد بقبول توبته و العبد تائب إلى اللّه تعالى بندمه على معصيته (يدعى و يرجى) كل واحد منهما ناقص واوى من دعو و رجو و يحتمل إن يكون يرجى من الارجاء اى التاخير و الامهال و قلب الهمزة ياء لغة فيه فقلب الهمزة ياء ثمّ أبدل الفا و منه قوله تعالى فى الاعراف و الشعراء «قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ» قال الجوهرى فى صحاح اللغة ارجأت الامر: اخّرته، بالهمز و بعض العرب يقول ارجيت، و لا يهمز.
(يخمد) فى الصحاح: خمدت النار تخمد خمودا إذا سكن لهبها و لم يطفأ جمرها و خمدت الحمّى سكن فورانها، و جاء من بابى نصر و علم قال يزيد بن حمان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 169
السكونى في الحماسة الثالثة و التسعين:
انّي حمدت بنى شيبان اذ خمدت نيران قومى و فيهم شبّت النار
و روى (يحمد العمل) بالهاء المهملة و الاول اولى و انسب بقرينة ينقطع (المهل) بالتحريك كالأجل: التّؤدة و قال المرزوقي في شرحه على الحماسة المهل و المهل و المهلة تتقارب في اداء معنى الرفق و السكون، و المراد به ههنا العمر الّذي امهل الناس فيه.
(الاجل) بالتحريك: مدّة الشيء، وقت الموت، غاية الوقت.
(فاخذ) امر في صورة الخبر اى فليأخذ.
(ميت) فيعل من الموت و اصله ميوت كسيّد سيود من السودد، قال نظام الدين النيشابورى في شرحه على الشافية لابن الحاجب: نحو سيد ليس مكرر العين إذ لم يوجد فعل بكسر العين في الاسماء الصحيحة و لا فعل بفتحها و فيعل بالكسر و ان لم يوجد في الصحيح إلّا انهم وجدوا فيعلا بالفتح نحو صيرف و ضيغم فكانهم خصّوا الاجوف بالكسر لمناسبة الياء (اللجام) معرب لگام كما في الصحاح اللجام فارسىّ معرّب.
(قادها) قدت الفرس و غيره أقود قودا إذا مشيت أمامه آخذا بمقوده عكس ساق يقال ساق الدّابة سوقا من باب قال كقاد إذا حثّها على السير من خلف.
الاعراب:
كلمة الفاء في قوله عليه السّلام فاعملوا لمجرد الترتيب و التقدير أنتم في نفس البقاء و ... فاعملوا قبل ان يخمد العمل.
الواو في (و أنتم في نفس البقاء) للحال و الجملة مبتداء و خبر و الجمل الاربع بعدها معطوفة عليها اى و الحال أنتم في نفس البقاء و الحال الصحف منشورة و هكذا.
(قبل ان يخمد العمل) الظرف متعلق بقوله فاعملوا، و الجمل الاربع بعدها معطوفة عليها اى فاعملوا قبل ان ينقطع المهل و فاعملوا قبل ان ينقضي الاجل و هكذا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 170
(فاخذ امرؤ من نفسه لنفسه) اخذ فعل ماض اقيم مقام الامر اعنى انه امر في صورة الخبر أى فليأخذ و كلمة (فا) رابطة للجواب بالشرط و التقدير إذا كان كذلك فليأخذ، و كلمتا من و اللام الجارتين متعلقان باخذ و اللام للتعليل و كذا الجمل الثلاث التالية.
(امرؤ خاف) بدل لامرؤ في قوله فاخذ امرؤ و كذا قوله امرؤ ألجم نفسه.
(و الواو) في و هو معمر للحال و منظور عطف على معمر.
و قوله (فامسكها بلجامها) الى قوله (طاعة اللّه) مفصلة و مبينة لقوله ألجم نفسه بلجامها و زمها بزمامها فالفاء فيها للترتيب لان تلك الفاء تكون في عطف مفصل على مجمل كما فى مغنى اللبيب و هذا المقام كذلك كقوله تعالى «يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ...» و نحو قوله تعالى «وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي» الاية.
و الباءات الاربع للاستعانة نحو كتبت بالقلم و نجرت بالقدوم و الاولى متعلقة بألجم و الثانية بزمّ و الثالثة و الجارة تاليها بامسك و الرابعة و تاليها بقاد.
المعنى:
فى هذه الخطبة يحرّض عليه السّلام النّاس و يحثهم على طاعة اللّه و المتاب إليه تعالى و نهى النفس عن الهوى و سوقها إلى الكمالات الانسانية و يحذرهم عن القنوط من رحمة اللّه و سوء الظنّ به تعالى و اليأس من روح اللّه بأن باب التوبة مفتوح و وقت العمل باق فقال عليه السّلام:
(فاعملوا و أنتم فى نفس البقاء) اى فاعملوا لاخرتكم و خذوا من ممركم لمقركم و الحال أنتم فى سعة من البقاء و الحياة فلم يتصرم وقت العمل فاغتنموا الفرص و كونوا أبناء الوقت.
قوله عليه السّلام (و الصحف منشورة) أى الصحائف التي كتب فيها أعمال الخلائق منشورة لم يطو بعد و انما يطوى بانقضاء الاجل أى فاعملوا و أنتم احياء بعد لما علمت ان صحيفة اعمال الانسان لا يطوى الا إذا مات فالانسان متى لم يجيء اجله فهو فى سعة ان يعمل الصالحات.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 171
قوله عليه السّلام (و التوبة مبسوطة) أى ان التوبة ليست مردودة عليكم و لا مقبوضة عنكم ان فعلتموها فهى مبسوطة و بابها مفتوح للانسان إلى قبيل موته.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى آخر خطبة خطبها كما فى من لا يحضره الفقيه للصدوق قدس سره: من تاب قبل موته بسنة تاب اللّه عليه ثمّ قال و ان السنة لكثيرة من تاب قبل موته بشهر تاب اللّه عليه ثمّ قال و ان الشهر لكثير من تاب قبل موته بيوم تاب اللّه عليه ثم قال و ان اليوم لكثير من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه ثمّ قال الساعة لكثيرة من تاب و قد بلغت نفسه هذه و اهوى بيده إلى حلقه تاب اللّه عليه.
و فى مجمع البيان بعد نقل هذه الرواية عن الفقيه قال: و روى الثعلبى باسناده عن عبادة بن الصامت عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله هذا الخبر بعينه إلا انه قال في آخره و الساعة لكثيرة من تاب قبل ان يغر غربها تاب اللّه عليه.
و فى الكافي لثقة الاسلام الكليني قدس سرّه في باب وقت التوبة: عن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام او عن أبي جعفر عليه السّلام: قال ان آدم قال يا ربّ سلّطت علىّ الشيطان و اجريته مجرى الدم منّي فاجعل لي شيئا فقال يا آدم جعلت لك انّ من همّ من ذرّيتك بسيّئة لم يكتب عليه شيء فان عملها كتبت عليه سيّئة و من همّ منهم بحسنة فان لم يعملها كتبت له حسنة فان هو عملها كتبت له عشرا قال يا ربّ زدني قال جعلت لك انّ من عمل منهم سيّئة ثمّ استغفر غفرت له قال يا ربّ زدنى قال جعلت لهم التوبة و بسطت لهم التوبة حتى يبلغ النفس هذه قال يا ربّ حسبي.
و فيه أيضا في ذلك الباب عن ابن وهب: قال خرجنا إلى مكّة و معنا شيخ متعبد متأله لا يعرف هذا الأمر يتمّ الصلاة في الطريق و معه ابن اخ له مسلم فمرض الشيخ فقلت لابن اخيه لو عرضت هذا الأمر على عمّك لعل اللّه تعالى ان يخلّصه فقال كلّهم دعوا الشيخ حتّى يموت على حاله فانّه حسن الهيئة فلم يصبر ابن اخيه حتّى قال له يا عمّ إن النّاس ارتدّوا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلّا نفرا يسيرا و كان لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام من الطاعة ما كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 172
الحق و الطاعة له قال فتنفّس الشيخ و شهق و قال انا على هذا و خرجت نفسه فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام فعرض عليّ بن السرّى هذا الكلام على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال هو رجل من أهل الجنة فقال له عليّ بن السرّى إنّه لم يعرف شيئا من ذلك غير ساعته تلك قال فتريدون منه ما ذا قد دخل و اللّه الجنّة.
و في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال إذا بلغت النفس هذه و اومى بيده إلى حلقه لم يكن للعالم توبة و كانت للجاهل توبة.
و في رياض السالكين في شرح الصحيفة لسيّد الساجدين عليه السّلام في الدعاء الحادى و الثلاثين: قال بعض المفسرين و من لطف اللّه تعالى بالعباد ان أمر قابض الارواح بالابتداء في نزعها من اصابع الرجلين ثمّ تصعد شيئا فشيئا إلى ان تصل إلى الصدر ثمّ تنتهى إلى الحلق ليتمكن في هذه المهلة من الاقبال على اللّه تعالى و الوصيّة و التوبة ما لم يعاين و الاستحلال و ذكر اللّه سبحانه فتخرج روحه و ذكر اللّه على لسانه فيرجى بذلك حسن خاتمته.
و ههنا مباحث:
الاول كما فى المجلى و غيره ان التعلق بالجسمانيات موجب لبعد النفس عن المعقولات و اشتغالها بالمجردات لشدة تعلقها و عظم انغماسها في عالم الطبيعة فيحصل البعد الموجب للحرمان عن الوصول إلى الكمال.
و فى الكافى للكلينى «ره» فى غوائل الذنوب و تبعاتها: عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال كان أبى يقول ما من شيء افسد للقلب من خطيئة إن القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصير اعلاه اسفله.
و قال الفيض «ره» فى الوافى فى بيانه: يعنى فما تزال تفعل تلك الخطيئة بالقلب و تؤثر فيه بحلاوتها حتّى يجعل وجهه الّذى إلى جانب الحقّ و الاخرة إلى جانب الباطل و الدّنيا فحقيقة التوبة الاقلاع عن ذلك التعلق و نفى العلاقة و جذب النفس عن عالم الاجسام حتّى يصير ذلك ملكة لها ليتعلق بعالم التطهير و الحصول مع القديسين و بذلك ينجو عن ورطة الحجاب و البعد بسبب الالتفات إلى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 173
المعقولات و التعلق بالمجردات فان البعد عن احد الجانبين مقرب إلى الاخر و من هذا قوله صلّى اللّه عليه و آله الدنيا و الاخرة ككفتى ميزان ايّهما رجحت نقصت الاخرى و قال بعض أهل الحكمة انهما كالضرّتين الانس بأحدهما يوجب الوحشة من الاخرى.
و بالجملة الامور الدّنيوية و التعلق بها توجب الحرمان و منع التعلق بالامور الاخروية و بقدر ما يبعد عن احدهما يقرب من الاخرى و عبر صلّى اللّه عليه و آله عن هذه الجملة بقوله: الدنيا رأس كلّ خطيئة فلا يتحقق التوبة المعتبرة عند أهل اللّه إلّا بالاعراض عن الاحوال الدّنيوية بالكلّية بحيث لا يلتفت اليها و يبعدها عن مطمح نظره كما جاء في الحديث: الدّنيا محرمة على أهل الاخرة و الاخرة محرّمة على أهل الدّنيا و هما معا محرّمتان على أهل اللّه و لهذا قيل إن التوبة على ثلاثة أنواع عام للعبيد كلّهم و هى التوبة عن ترك الطاعة و فعل القبيح، و خاص بأهل الورع و هى التوبة عن فعل المكروه و ترك المندوب، و أخص من الخاص و هى التوبة عن الالتفات إلى غير اللّه و هى لأهل الولاية الّذين هم فى مرتبة الحضور فى اغلب الاوقات، و توبة نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و اوليائه من هذا القبيل و منه قوله: صلّى اللّه عليه و آله إنّه ليغان على قلبى و إنّى لأستغفر اللّه فى اليوم سبعين مرة، و أهل هذه الطبقة هم أهل المراقبة.
الثاني إن التوبة عن المعاصى واجبة على العباد و هو مبتن على مقدمة و هى:
إن الحسن و القبح امران عقليان و هذا حكم متفق عليه بين العدلية من الامامية و المعتزلة و ذهبت الاشاعرة إلى أن الحسن و القبح إنّما يستفادان من الشرع فكلما أمر الشرع به فهو حسن و كلما نهى عنه فهو قبيح و لو لا الشرع لم يكن حسن و لا قبيح و لو أمر اللّه تعالى بما نهى عنه لانقلب القبيح إلى الحسن و القول بثبوت الحسن و القبح عقلا مما يدّعى فيه أهل التحقيق الضرورة و مع ذلك نقول كما فى المجلى:
لا ريب إن الحسن و القبيح قد استعملا لما يلائم الطبع و لما ينافيه فيقال للأوّل حسن و للثانى قبيح و يقالان باعتبار النقص و الكمال فما هو كمال يقال له الحسن و ما هو نقص يقال له قبيح فمن الأوّل قولهم هذا طعم حسن و طعم قبيح و صورة حسنة و صورة قبيحة باعتبار ملائمة الطبع و منافرته، و من الثاني قولهم العلم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 174
حسن و الجهل قبيح و مدرك هذا الحسن و القبيح فى الموضعين هو العقل عند الكل بلا مرية و ريب.
و أمّا باعتبار استحقاق المدح و الذم بان يقال الحسن ما يستحق فاعله المدح و القبيح ما استحق فاعله الذم فهل هو مدرك بالعقل ذلك موضع نزاع «1» و أكثر العقلاء على ثبوتهما به بذلك المعنى و خالف الأشاعرة فيه و قالوا لا حكم للعقل في ثبوتهما به بذلك المعنى بل انما الحاكم بذلك الشرع فما مدح فاعله الشرع فحسن و ما ذمّه فقبيح و هذا الأصل هو مبنى قواعد العدليّة و مخالفوهم إذ مع تحقق ثبوت الحسن و القبح عقلا يمكن للعقل المجال فى البحث عن اثباتهما و نفيهما باعتبار حسن المدح و الذم عنده على تقدير وقوعهما من الفاعل المختار و لذا اسندوا القبائح إلى مباشرها القريب و نفوا جميع القبائح عن الحكيم تعالى نظرا إلى حكمته باعتبار ان وقوع القبيح مستلزم للذم عند العقل المنزه جناب الحق تعالى عنه المقدس عن النقائص و اثبتوا بذلك جميع الواجبات العقلية على اللّه تعالى و على غيره نظرا
______________________________
(1) و بعبارة اخرى الحسن و القبح يطلق على ثلاثة معان: الاول على صفة الكمال و النقص كما يقال العلم حسن و الجهل قبيح بمعنى ان العلم صفة توجب كمال صاحبه و ارتفاع شأنه و النقص سبب لنقص صاحبه و انخفاض شأنه. الثاني على ما يلائم الطبع و المطلب الذى يريد ان يفعله فما وافقه فهو حسن فما خالفه فهو قبيح. الثالث استحقاق المدح و جزاء الخير او استحقاق الذم و جزاء الشر سواء كان من جانب العقلاء او من جانب اللّه تعالى سواء كان فى الدنيا او فى الاخرة و الحسن و القبح على الاولين لا خلاف فيه و الكل متفق فى ان الافعال بعضها فى نفس الامر متصف بالحسن او القبح العقليين و بعضها يوافق الغرض المطلوب و بعضها لا يوافق و انما الاختلاف فى الثالث فذهب العدلية و جمهور الحكما الى ان افعال العباد فى نفس الامر متصفة بالحسن و القبح العقليين و الاشاعرة قالوا لا حكم للعقل فى ثبوتهما بذلك المعنى بل انما الحاكم بذلك هو الشرع فقط و بتعبير اخصروا بين ان الاشاعرة قائلون بان الحسن و القبح على المعنيين الاولين عقلى و على الثالث شرعى لا حكم للعقل فيه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 175
إلى انّ العقل يقسم الحسن عنده إلى ما ينتهى إلى الرجحان فى جانب العقل إلى أن ينتهى إلى المنع من الترك فقالوا بوجوب التكليف و جميع فروعه على اللّه تعالى و اوجبوا على العاقل شكر المنعم و النظر فى الامور العقلية و قالوا إنّه مكلّف بهما و إن لم يرد الشرع بذلك و لهذا سموهم العدليّة.
و أمّا الاشعرى فلما لم يقل بثبوتهما عقلا لم يثبت شيئا من ذلك عنده بل قالوا إن اللّه تعالى اخبر في الشرع بجميع ذلك فكل قبيح و حسن انما يعلم باعلامه و لولاه لما كان للعقل علم بشيء منهما فلا يقبح من اللّه شيء و لا يجب عليه شيء و كل ما سواه صادر عنه بناء على ما اصلوه و هذا تحقيق أصل مذهب الفريقين في باب الافعال و لكل من الفريقين دلائل مذكورة في مواضعها.
و قال العلامة الحلى قدس سرّه فى شرحه على تجريد الاعتقاد: و قد شنّع أبو الحسين على الاشاعرة باشياء رديّة و ما شنّع به فهو حقّ إذ لا تتمشى قواعد الاسلام بارتكاب ما ذهب إليه الاشعرية من تجويز القبائح عليه تعالى و تجويز اخلاله بالواجب و ما ادرى كيف يمكنهم الجمع بين المذهبين و اعلم انّه لا يشك عاقل إن الصدق المشتمل على النفع حسن في نفسه و الكذب المشتمل على الضرر قبيح في نفسه سواء لا حظ الشرع أو لا فان العاقل متى عرض ذلك على نفسه و فرض نفسه خاليا عن الشرع جزم به من غير أن يخالجه شكّ فيه و لا يعبأ بمن انكر الضرورة إذ هو مكابر بمقتضى عقله فلا يلتفت إليه و لهذا إن العاقل متى خير بين الصدق و الكذب عند اختيار ما استوت منفعته و مضرّته باعتبار وقوع أيّهما منه يميل إلى الصدق و يختاره و ما ذلك إلّا لعلمه بما فيه من الحسن الذاتي و بما في الكذب من القبح الذاتى و إنّما يتغيران بعوارض تعوق العقل عن اتباعهما لا عن العلم بهما فقد يختار الكذب و يترك الصدق إمّا لاشتمال الأوّل على مصلحة او منفعة عاجلة و اشتمال الثاني علي مضرة عاجلة او حصول منفعة فيميل بحسب الطبيعة إلى مخالفة العقل طلبا لتلك الفائدة و ترجيحا لها لا لتغير في الصدق و الكذب عن الحسن و القبح الذاتيين لهما و ذلك بيّن تشهد به العقول السليمة عن آفة الالفة و المحبّة و التقليد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 176
و بوجه آخر لو كان مدرك الحسن و القبح هو الشرع وحده لزم أن لا يتحققا بدونه لكن اللازم باطل فالملزوم مثله بيان الملازمة إنّه على ذلك التقدير يكون الشرع علة في ثبوتهما او شرطا في تحققهما و يستحيل وجود المعلول بدون وجود العلة و ثبوت المشروط بدون الشرط فعلى تقدير أنهما شرعيان يجب أن لا يحصلا الابه و بيان بطلان اللازم أن من لا يعتقد الشرع من اصناف الكفار كاهل الهند و البراهمة و الملاحدة يجزمون بحسن الصدق و قبح الكذب و وجوب شكر المنعم و يذمّون فاعل الكذب و تارك الشكر و يمدحون فاعله و فاعل الحسن من غير ان يتوقفون في ذلك على الشرع لانهم لا يعتقدون به.
فان قلت جاز ان يكون المدرك لذلك طباعهم.
قلت الطباع مختلفة فلو كان المدرك لذلك طباعهم لما تحقق اتفاقهم فيه لكن الأمر ليس كذلك فلا يكون إلا عقليا.
إن قلت جاز ان يكون ذلك ثابتا عندهم بشريعة سابقة نسختها هذه الشريعة.
قلت إنما تجد هذا الحكم عند من ينفى الشرائع البته بل و يقبح النبوات فلا يكون ذلك الوهم حاصلا بالنسبة إليه مع أن هذا المعتقد في هذا الوقت لا يعرف تلك الشريعة و لا النّبيّ الّذى جاءها حتّى يكون حكمه باعتبار الشرع.
فان قلت إن اللّه تعالى اجرى عادته بخلق هذه العلوم عند تصوراتهم.
قلت لا يجدي ذلك نفعا إذ لا يسمى ذلك شرعا اتفاقا فلا يكون إلّا حكما عقليا.
ثمّ نقول إن كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع و يعاضد العقل فيما حكم به كوحدة الصانع و حسن الاحسان و شكر المنعم و وفاء العهد و اداء الامانة و قبح الكذب و الظلم و نقض العهد و الخيانة و كفر النعمة و غيرها من الامور المدركة عند العقل و أمّا كلّ ما حكم به الشرع من الأحكام الخمسة المتعلقة على افعال العباد فيحكم به العقل إن وصل إليه و ادركه. مثلا إن الشارع تعالى احلّ اكل الغنم بشرط أن يذبح على شرائط الذبح و إن مات هذا الغنم حتف انفه او لم يراع بعض تلك الشروط
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 177
للذبح فهو ميتة فحرّمها لمفسدة كامنة فيها فان ادرك العقل ما فى الميتة من المفسدة يقضى على وجوب اجتنابها و يذمّ آكلها و يقبح عمله و كذا إن الشارع تعالى اوجب صوم شهر رمضان و لا ريب إنّه حسن في نفس الأمر و حرم صيام يوم الفطر و هو قبيح في نفس الأمر فلو ادركها العقل حقّ الإدراك لحكم بحسن الأوّل و وجوبه و قبح الثاني و حرمته.
و لذا قال المتكلمون إن البعثة حسنة لاشتمالها على فوائد و عدّوا من تلك الفوائد هذين: معاضدة العقل فيما يدلّ عليه، و استفادة الحكم فيما لا يدلّ.
و الاحكام الخمسة مبتنية على مصالح و مفاسد كامنة في الافعال و الاشياء خلافا للاشاعرة قائلين بأن الحسن و القبح يستفادان من الشرع فكلما امر الشرع به فهو حسن و كلما نهى عنه فهو قبيح و لو لا الشرع لم يكن حسن و لا قبيح كما دريت.
بالجملة العدليّة أعني الامامية و المعتزلة و جمهور الحكماء ذهبوا إلى أن الأحكام معللة بالمصالح و المفاسد الذاتية الكامنة في الأشياء و ان أفعال العباد متصفة في نفس الأمر بالحسن و القبح أدركهما العقل أم لا لأنّه لو كان جميع الأفعال في الحسن و القبح و النفع و الضرّ على السواء و مع ذلك كان بعضها مأمورا به و فعله مطلوبا و بعضها الاخر منهيا عنه و تركه مطلوبا للزم الترجيح بلا مرجح و التخصيص بلا مخصص و هو في نفسه محال و صدوره من الحكيم العليم القدير قبيح و ممتنع و للحكماء و المتكلمين من العدلية في إبرام هذا المعني ورد أدلة الاشاعرة ادلّة اخر أعرضنا عنها خوفا للاطالة.
و قد حصرت على سبيل الاجمال في الضروريات الخمس الكليّة الّتي علّلت بها الأحكام الشرعيّة الكليّة فان كلّ واحد منها حرم لحفظ شيء من تلك الكليّات الّتي هي الضروريات الّتي لا يستقيم النوع إلّا بحفظها ففي من لا يحضره الفقيه لرئيس المحدثين الصدوق رضوان اللّه عليه و فى باب علل تحريم الكبائر من الوافي للفيض قدس سرّه نقلا عنه:
كتب عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 178
حرّم اللّه قتل النفس لعلة فساد الخلق في تحليله لو احلّ و فنائهم و فساد التدبير.
و حرّم اللّه تعالى عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التوقير للّه تعالى و التوقير للوالدين و كفر النعمة و إبطال الشكر و ما يدعو من ذلك إلى قلة النسل و انقطاعه لما في العقوق من قلة توقير الوالدين و العرفان بحقهما و قطع الأرحام و الزهد من الوالدين في الولد و ترك التربية لعلّة ترك الولد برّهما.
و حرّم اللّه الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس و ذهاب الأنساب و ترك التربية للأطفال و فساد المواريث و ما أشبه ذلك من وجوه الفساد.
و حرّم اللّه عزّ و جلّ قذف المحصنات لما فيه من فساد الأنساب و نفي الولد و إبطال المواريث و ترك التّربية و ذهاب المعارف و ما فيه من الكبائر و العلل الّتي تؤدي إلى فساد الخلق.
و حرّم اللّه أكل مال اليتيم ظلما لعلل كثيرة من وجوه الفساد: أوّل ذلك إذا أكل الانسان مال اليتيم ظلما فقد اعان على قتله إذا ليتيم غير مستغن و لا متحمّل لنفسه و لا قائم بشأنه و لا له من يقوم عليه و يكفيه كقيام والديه فاذا أكل ماله فكانه قد قتله و صيّره إلى الفقر و الفاقة مع ما حرّم اللّه عليه و جعل له من العقوبة في قوله تعالى «وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً» و لقول أبي جعفر عليه السّلام إن اللّه تعالى اوعد في أكل مال اليتيم عقوبتين عقوبة في الدّنيا و عقوبة في الاخرة ففي تحريم مال اليتيم استبقاء اليتيم و استقلاله لنفسه و السلامة للعقب أن يصيبهم ما أصابه لما أوعد اللّه عزّ و جلّ فيه من العقوبة مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثاره إذا ادرك وقوع الشحناء و العداوة و البغضاء حتّى يتفانوا.
و حرّم اللّه الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدّين و الاستخفاف بالرسل صلوات اللّه و سلامه عليهم و الائمة العادلة عليهم السّلام و ترك نصرتهم على الاعداء و العقوبة لهم على إنكار ما دعوا إليه من الاقرار بالربوبية و اظهار العدل و ترك الجور
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 179
و اماتته و الفساد و لما في ذلك من جرأة العدوّ على المسلمين و ما يكون في ذلك من السى و القتل و إبطال حق اللّه تعالى و غيره من الفساد.
و حرّم اللّه تعالى التعرّب بعد الهجرة للرجوع عن الدّين و ترك الموازرة للأنبياء و الحجج عليهم أفضل الصلوات و ما في ذلك من الفساد و إبطال حقّ كلّ ذي حقّ حقّه لا لعلة سكنى البدو و لذلك لو عرف الرجل الدّين كاملا لم يجز له مساكنة أهل الجهل و الخوف عليه لانه لا يؤمن إن وقع منه ترك العلم و الدخول مع أهل الجهل و التمادى في ذلك.
و علة تحريم الربا لما نهى اللّه تعالى و لما فيه من فساد الأموال لان الانسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما و ثمن الاخر باطلا فبيع الربا و شراؤه و كس على كلّ حال على المشترى و على البائع فحظر اللّه تعالى على العباد الربا لعلة فساد الأموال كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من إفساده حتّى يو؟؟ منه رشده فلهذه العلة حرّم اللّه تعالى الربا و بيع الربا بيع الدرهم بالدرهمين.
و علة تحريم الربا بعد البيّنة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم و هي كبيرة بعد البيان و تحريم اللّه تعالى لها لم يكن ذلك منه إلّا استخفافا بالمحرّم الحرام و الاستخفاف بذلك دخول في الكفر.
و علة تحريم الربا بالنّسية لعلّة ذهاب المعروف و تلف الأموال و رغبة النّاس في الربح و تركهم للقرض و القرض صنائع المعروف و لما في ذلك من الفساد و الظلم و فناء الأموال.
و فى الفقيه أيضا عن جابر عن زينب بنت عليّ عليه السّلام قالت قالت فاطمة عليها السلام في خطبتها في معني فدك: للّه بينكم عهد قدّمه اليكم و بقية استخلفها عليكم كتاب اللّه بيّنة بصائره و آى منكشفة سرائره و برهان منجلية ظواهره مديم للبرية استماعه و قائد إلى الرضوان اتّباعه مؤدّيا إلى النجاة أشياعه فيه تبيان حجج اللّه المنورة و محارمه المحذورة و فضائله المندوبة و جمله الكافية و رخصه الموهوبة و شرائعه المكتوبة و بيناته الجالية ففرض اللّه الايمان تطهيرا من الشرك و الصلاة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 180
تنزيها عن الكبر و الزكاة زيادة في الرزق و الصيام تبيينا للاخلاص و الحجّ تسنية للدّين و العدل تسكينا للقلوب و الطاعة نظاما للملّة و الامامة لمّا من الفرقة و الجهاد عزّ الاسلام و الصبر معونة على الاستيجاب و الأمر بالمعروف مصلحة للعامة و برّ الوالدين وقاية عن السخط و صلة الاحارم منماة للعدد و القصاص حقنا للدماء و الوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة و توفية المكاييل و الموازين تعبيرا للحنيفيّة «تعييرا للبخسة ظ» و قذف المحصنات حجبا عن اللعنة و السرقة ايجابا للعفّة و أكل أموال اليتامي إجارة من الظلم و العدل في الأحكام ايناسا للرعيّة و حرّم اللّه الشرك إخلاصا له بالرّبوبية فاتقوا اللّه حقّ تقاته فيما أمركم اللّه به و انتهوا عما نهاكم.
و فيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّما حرّم الربا كيلا يمتنعوا من صنائع المعروف.
و فيه عن أبي جعفر عليه السّلام إنّما حرّم اللّه عزّ و جلّ الربا لئلا يذهب المعروف.
و فيه أيضا: سأل هشام بن الحكم أبا عبد اللّه عليه السّلام عن علّة تحريم الربا فقال إنّه لو كان الربا حلالا لترك النّاس التجارات و ما يحتاجون إليه فحرّم اللّه الربا ليفرّ النّاس من الحرام إلى الحلال و التجارات و إلى البيع و الشرى فيبقى ذلك بينهم في القرض.
و قال الفيض قدس سرّه في الوافي: و لتحريم الربا علّة اخرى ذكرها بعض أهل المعرفة حيث قال آكل الربا اسوء حالا من جميع مرتكبى الكبائر فان كل مكتسب له توكل ما في كسبه قليلا كان أو كثيرا كالتاجر و الزارع و المحترف لم يعيّنوا أرزاقهم بعقولهم و لم يتعيّن لهم قبل الاكتساب فهم على غير معلوم في الحقيقة كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبى اللّه أن يرزق المؤمن إلّا من حيث لا يعلم و أمّا آكل الربا فقد عيّن مكسبه و رزقه و هو محجوب عن ربّه بنفسه و عن رزقه بتعيينه لا توكّل له اصلا فوكلّه اللّه تعالى إلى نفسه و عقله و أخرجه من حفظه و كلائته فاختطفته الجن و خبلته فيقوم يوم القيامة و لا رابطة بينه و بين اللّه عزّ و جلّ كسائر النّاس المرتبطين به بالتوكّل فيكون كالمصروع الّذى مسّه الشيطان فيخبطه لا يهتدى إلى مقصد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 181
فإذا دريت إن أفعال العباد متصفة في نفس الأمر بالحسن و القبح العقليين فنقول إن الأحكام المتعلقة بها تكون على خمسة أقسام لان الحسن ينقسم إلى الأحكام الأربعة الواجب و المندوب و المباح و المكروه و القبيح حرام فتصير أحكام الحسنة مع القبيح خمسة و وجه الحصر كما في المجلى و شرح التجريد للعلامه:
ان العقل عند حدوث الفعل إما أن يصفه بوصف زائد على حدوثه أولا يصفه بغير الحدوث و الثاني حركات غير القاصد كالساهى و النائم و الأوّل لا يخلو ذلك الوصف إمّا جزم العقل بالنفرة منه و هو القبح و إلّا فهو الحسن ثمّ الحسن إن رجّح جانب الفعل إلى حدّ يمنع العقل من تركه فهو الواجب و الافندب و إن كان راجح الترك رجحانا لا يصل إلى المنع من فعله حتّى ينفر العقل منه فمكروه و إن تساوى طرفى الفعل و الترك فمباح فالقبيح ما كان على حدّ ينفر العقل منه بحيث يذم فاعله و الحسن ما ليس كذلك.
فالواجب منه ما يحكم العقل بوجوب المدح لفاعله و الذمّ لتاركه و المكروه ما لا يستحق الذمّ بفعله و يستحق المدح بتركه و الندب ما يستحق المدح بفعله و لا ذم في تركه و المباح ما لا يستحق بفعله و لا بتركه مدحا و لا ذما.
و ليعلم أن هذا التقسيم منطبق على تقسيم القضايا الثلاث العقلية أعني الوجوب و الامكان و الامتناع فان الواجب لمّا كان راجح الفعل ممنوع من تركه كان نظير الواجب لذاته الّذى هو راجح الوجود غير جائز العدم.
و الحرام لما كان راجح الترك غير جائز فعله كان كالممتنع الّذى هو راجح العدم و لا يصحّ وجوده.
و المندوب لما كان راجح الفعل مع جواز الترك كان كالممكن الواجب بعلته مع جواز العدم عليه باعتبار ذاته.
و المكروه لما كان راجح الترك مع جواز الفعل كان كالممتنع بغيره فانه راجح العدم مع جواز الوجود باعتبار ذاته.
و المباح لما كان متساوى طرفى الفعل و الترك من غير ترجيح لاحدهما كان كالممكن الصرف الّذى لم يلاحظ معه علّة الوجود و لا علّة العدم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 182
فاذا علمت فى هذه المقدمة أن الاحكام الخمسة مبتنية على المصالح و المفاسد الكائنة فى الأشياء و أفعال العباد و حرّم هذه لمفسدة و ضرر و أحلّ ذلك لمصلحة و نفع و ما حرّم فهو قبيح في نفس الأمر و أن ارتكاب القبائح و المعاصي يبعد الانسان عن اللّه تعالى و يوجب الحرمان و عن كماله اللائق له و كذا الاخلال بالواجب و لا ريب ان إزالة المضار واجبة في العقول لان الذنوب سموم مهلكة فيجب عليه عقلا و شرعا أن يتوب إلى اللّه أي يندم على ترك الواجب و في القبيح في الماضي لقبحه و أن يعزم على ترك المعاودة إليه فالتوبة واجبة لدفعها الضرر و لوجوب الندم على كلّ قبيح لقبحه او اخلال بالواجب و على هذا التحقيق يستفاد فورية وجوب التوبة أيضا كما لا يخفى.
و إنّما قلنا و لوجوب الندم على كلّ قبيح ليشمل الدليل الصغائر لو اعترض معترض أن قولنا لدفعها الضرر لا يشمل الصغائر.
و قال العلامة الشّيخ البهائي قدس سره كما في رياض السالكين لا ريب في وجوب التوبة على الفور فان الذنوب بمنزلة السموم المضرّة بالبدن و كما يجب على شارب السمّ المبادرة إلى الاستفراغ تلافيا لبدنه المشرف على الهلاك كذلك يجب على صاحب الذنوب المبادرة إلى تركها و التوبة منها تلافيا لدينه المشرف على الاضمحلال قال و لا خلاف في أصل وجوبها سمعا للامر الصريح بها في القرآن و الوعيد و الحتم على تركها فيه قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً» و قال «وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» و انما الخلاف في وجوبها عقلا فأثبته المعتزلة لدفعها ضرر العقاب.
و هذا كما لا يخفى لا يدلّ على وجوب التوبة عن الصغائر ممن يجتنب الكبائر لانها تكفره حينئذ و لذا ذهب البهشمية إلى وجوبها عن الصغائر سمعا لا عقلا نعم الاستدلال بأن الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين.
و أمّا فورية الوجوب فقد صرّح به المعتزلة و قالوا يلزم بتأخيرها ساعة اثم آخر تجب التوبة منه أيضا حتى أن من أخّر التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة فقد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 183
فعل كبيرتين و ساعتين أربع كبائر الأوليان و ترك التوبة عن كل منهما و ثلاث ساعات ثمان كبائر و هكذا و أصحابنا يوافقونهم على وجوب الفورية لكنهم لم يذكروا هذا التفصيل فيما رأيته من كتبهم الكلاميّة.
ثمّ ان التوبة عن الذنوب تكون على صور تختلف بحسب اختلاف المعاصي و ذلك كما في شرح التجريد للعلامة و المجلى لابن أبي جمهور الاحسائي و احياء العلوم للغزالي و غيرها من الكتب الكلامية و غيرها: انّ التوبة اما ان تكون من ذنب يتعلق به حقه تعالى خاصّة أو يتعلق به حق الادمي، و الأوّل إما أن تكون من فعل قبيح كشرب الخمر و الزنا، أو اخلال بواجب كترك الزكاة و لصلاة فالأول يكفى في التوبة منه الندم عليه و العزم على ترك العود إليه.
و اما الثاني فيختلف أحكامه بحسب القوانين الشرعيّة فان الذنب إذا لم يكن مستتبعا لأمر آخر يلزم الاتيان به شرعا كلبس الحرير و شرب الخمر و سماع الغناء كفى الندم عليه و العزم على عدم العود إليه و لا يجب سوى ذلك و ان كان مستتبعا لأمر آخر من حقوق اللّه أو من حقوق النّاس ماليا أو غير مالى وجب مع التوبة الاتيان به فمنه ما لا بدّ مع التوبة منه أداءه كالزكاة و منه ما يجب معه القضاء كالصلاة و منه ما يسقطان عنه كالعيدين و هذا الأخير يكفى فيه الندم و العزم على ترك المعاودة كما في فعل القبيح و إما يتعلق به حق الادمي فيجب فيه الخروج إليهم منه فان كان أخذ مال وجب ردّه على مالكه أو على ورثته إن مات، و لو لم يتمكن من ذلك وجب العزم عليه و كذا إن كان حد قذف و إن كان قصاصا وجب الخروج إليهم منه بأن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول فإما أن يقتلوه أو يعفوا عنه بالدية أو بدونها و إن كان في بعض الأعضاء وجب تسليم نفسه ليقتص منه في ذلك العضو إلى المستحق من المجنى عليه أو الورثة.
بل في حقوق النّاس غير المالية ان كانت غير حدّ كقضاء الفوات و صوم الكفارة و نحوهما يجب الاتيان بها مع القدرة كالمالية و إن كان حدّا فالمكلف مخيّر بين الاتيان بذلك الأمر و بين الاكتفاء بالتوبة من الذنب المستتبع له، فالمكلف مخيّر في الحدود إن شاء اقرّ بالذنوب عند الحاكم ليقام عليه و ان شاء
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 184
ستره و اكتفي بالتوبة فلا حدّ حينئذ عليه ان تاب قبل قيام البينة به عند الحاكم.
و ان جنى عليه في دينه بان يكون قد أضلّه بشبهة استنزله بها وجب إرشاده من الضلال و ارجاعه عما اعتقده بسببه من الباطل ان امكن ذلك فان مات قبل التمكن أو تمكن منه و اجتهد في حلّ الشبهة فلم تنحل من نفس ذلك الضال فلا عقاب عليه لانه قد استفرغ جهده.
و ان اغتاب أحدا فان بلغ المغتاب اغتيابه يلزم عليه الاعتذار عنه إليه و الاستحلال منه لانه أوصل إليه مضرة الغم فوجب عليه ازالة ذلك بالاعتذار منه و الندم عليه و ان لم يبلغه لا يلزم عليه الاعتذار و لا الاستحلال منه لأنه لم يفعل به ألما و في كلا القسمين يجب الندم للّه تعالى لمخالفته النهى و العزم على ترك المعاودة. و كذلك الكلام ان يسمع غيبته، كذا قال غير واحد من الامامية و غيرهم في الغيبة.
و قال ابن أبي جمهور الاحسائي في المجلي: و روى وجوب الاستغفار له، يعني يجب على المغتاب «على الفاعل» الاستغفار للمغتاب «على المفعول».
و في الكافي و الفقيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما كفارة الاغتياب قال تستغفر اللّه لمن اغتبته كلّما ذكره.
و في مجمع البيان في سورة الحجرات في قوله تعالى «وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» و عن جابر قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اياكم و الغيبة فان الغيبة اشد من الزنا ثم قال ان الرجل يزني ثمّ يتوب فيتوب اللّه عليه و ان صاحب الغيبة لا يغفر له حتّى يغفر له صاحبه و سيأتي الكلام في الغيبة في محلّه إنشاء اللّه تعالى على التفصيل و البسط و نقل الأقوال و الأخبار و جمعها.
و ليعلم أن الاتيان بما يستتبعه الذنوب من قضاء الفوائت و اداء حقوق اللّه و الناس و غيرها ليس شرطا و شطرا في صحة التوبة.
و لذا قال المحقق الطوسي في التجريد بعد ذكر أداء الحقوق مطلقا: و ليس ذلك اجزاء، يعني ليس تلك الامور اجزاء التوبة حتّى لا يصح التوبة بدونها لانتفاء الكل بدون الجزء.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 185
و هذا ردّ على المعتزلة لانهم ذهبوا كما في رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السّلام إلى أن ردّ المظالم شرط في صحة التوبة فقالوا لا تصح التوبة عن مظلمة دون الخروج عن تلك المظلمة كردّ المال و الاستبراء منه أو الاعتذار إلى المغتاب و استرضائه ان بلغه الغيبة و نحو ذلك.
و ذهب أصحابنا الامامية و وافقهم الاشعرية إلى أن ذلك واجب برأسه لا مدخل له في الندم على ذنب آخر.
قال الامدي: إذا أتى بالمظلمة كالقتل و الضرب مثلا وجب عليه أمران:
التوبة و الخروج عن المظلمة، و هو تسليم نفسه مع الامكان ليقنص منه و من أتى بالتوبة فقد أتى بأحد الواجبين و من أتى بأحد الواجبين فلا تكون صحة ما أتى به متوقفة على الاتيان بالواجب الاخر كما لو وجب عليه صلاتان فأتى باحديهما دون الاخرى.
و قال شيخنا البهائي قدس سرّه: و اعلم أن الاتيان بما يستتبعه الذنوب من قضاء الفوائت و أداء الحقوق و التمكين من القصاص و الحدّ و نحو ذلك ليس شرطا في صحة التوبة بل هذه واجبات برأسها و التوبة صحيحة بدونها و بها تصير أكمل و أتم.
قال بعض العلماء: التوبة تنتظم من امور ثلاثة: علم و حال و عمل أما العلم فهو اليقين بان الذنوب سموم مهلكة و حجاب بين العبد و محبوبه و هذا اليقين يثمر حالة ثانية هى التألم لفوات المطلوب و التأسف عن فعل الذنوب و يعبر عن هذه الحالة بالندم و هى تثمر حالة ثالثة هى ترك الذنوب فى الحال و العزم على عدم العود إليها فى الاستقبال و تدارك فى الماضى من حقوق اللّه تعالى و حقوق الناس و لو لم يمكنه ذلك أى تدارك حقوق النّاس كان عليه أن يكثر من العبادة ليبقى له قدر الكفاية فى القيامة بعد أخذ حقوقهم منها.
و هذه الامور مرتبة فى الحصول و يطلق اسم التوبة تارة على مجموعها و تارة على الندم وحده و يجعل العلم كالمقدمة و الترك كالثمرة فيكون الندم محفوفا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 186
بالطرفين الطرف الأول مثمر الندم و الطرف الاخر ثمرته كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام إن الندم على الشرّ يدعو الى تركه.
و ترتب هذه الامور غير مختص بالتوبة بل انتظام الصبر و الشكر و التوكل و الرضا و غير ذلك من المقامات الدينيّة ينتظم من علم و حال و عمل.
و هذه الامور الثلاثة إذا قيس بعضها إلى بعض لاح للنّاظرين إلى الظواهر ان العلوم مطلقا انما تراد للأحوال و الاحوال انما تراد للأعمال و أما أهل البصائر و اولوالالباب فالأمر عندهم بالعكس فان الاعمال عندهم تراد للأحوال و الأحوال تراد للعلوم فالافضل العلوم ثمّ الاحوال ثمّ الأعمال لأن كل مراد لغيره يكون ذلك الغير لا محالة أفضل منه.
الثالث اختلفوا فى أن التوبة المبعّضة أى التوبة من قبيح دون قبيح تصحّ أم لا فذهب أبو هاشم المعتزلي و جماعة إلى عدم صحّتها و ذهب أبو على و جماعة إلى جواز ذلك و صحتها.
و احتج القائلون بعدم الجواز على أن التوبة و الندم عن القبيح إنما هو لقبحه و إلا لم يكن توبة حقيقة و القبح عام متحقق في الكلّ و حاصل في الجميع فلو تاب من بعضها دون بعض كشف ذلك عن كونه غير تائب عن القبيح لعلة القبح لان الاشتراك في العلّة يوجب الاشتراك في المعلول و عند التبعيض تنتفى التوبة لانها لم تحصل لعلة القبح بل لامر آخر يوجد في هذا دون ذاك كمن يتوب من المعصية حفظا لسلامة بدنه أو لعرضه بحيث لا ينثلم عند الناس أو لأمر آخر فان مثل هذا لا يعدّ توبة لانتفاء الندم على القبيح لقبحه فلو كان لكان عامّا في الجميع حتى قالوا ان تاب خوفا من النّار فان كان الخوف هو الغاية في توبته بحيث لولا خوفها لم يتب من الذنوب فلا تصح توبته لانه لم يتب منها و لم يندم عنها لقبحها و إن لم يكن خوف النّار هو الغاية للتوبة بل يندم و يتوب لانها قبيح و مع ذلك فيها عذاب النار بحيث لو لم يكن القبح لما ندم عليها و إن كان فيها عذاب النّار صحّت توبته.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 187
و كذلك الحكم فى الاخلال بالواجب بمعنى انه إن ندم عليه لانه اخل بالواجب و اجمع على فعل الواجب فالتوبة صحيحة و إن تاب خوفا من النار أو من فوات الجنة فان كان ذلك الخوف هو الغاية لم تصحّ توبته أيضا و إلا لكانت صحيحة و لذا لو اعتذر المسىء إلى المظلوم لا لاجل إساءته بل لخوفه من عقوبة لم يقبل العقلاء عذره كما في شرح التجريد للعلامة (ره) و المجلى و غيرهما.
و احتج المثبتون على جوازه قياسا على جواز الاتيان بواجب دون واجب يعنون بذلك أنه لو لم يصحّ التوبة عن قبيح دون قبيح لم يصحّ الاتيان بواجب دون واجب و التالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطيّة إذ كما يجب على التائب ترك القبيح لقبحه كذا يجب عليه فعل الواجب لوجوبه فلو لزم من اشتراك القبائح في القبح عدم صحّة التوبة من بعضها دون بعض لزم من اشتراك الواجبات في الوجوب عدم صحّة الاتيان بواجب دون واجب آخر و أما بطلان التالي فبالاجماع إذ لا خلاف في صحّة صلاة من أخل بالصّوم.
و أجابهم القائلون بعدم الجواز بالفرق بين ترك القبيح لقبحه و فعل الواجب لوجوبه بان التعميم في الترك واجب دون الفعل فان من قال لا آكل الرمان لحموضته يجب عليه الامتناع من مجموعه لعلّة الحموضة التي هي سبب لجهة الاتحاد في الترك و المنع بخلاف من قال أنا آكله لحموضته فانه لا يجب ان يأكل جميعه بل يحصل الفعل بأكل رمانة واحدة فافترقا.
قال في المجلي مع أن القياس لا يكون حجّة في أمثال هذه المباحث فقال: أقول تحقيق حصول الفرق في هذا القياس أن التعليل المذكور كان قياسا لترك القبيح على فعل الواجب لاشتراكهما في العلّة و هي وجوب فعل الواجب لوجوبه و وجوب ترك القبيح لقبحه و هذا القياس لا يتمّ لحصول الفرق بين الاصل و الفرع فيه لأن أحدهما في باب الفعل و الاخر في باب الترك فلا يتحدان في العلة لان الاختلاف في الاصل و الفرع موجب لاختلافهما في العلة فيوجب الاختلاف في الحكم فلا يتم القياس مع وجود الفارق فلا يتمّ التعليل به.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 188
أقول و الصواب صحة التوبة المبعّضة كما ذهب إليه المحقق الطوسى و العلامة الحلي و الشّيخ البهائي في شرح الأربعين و الجمهور من الفريقين، و ذلك لأنّ الافعال تقع بحسب الدواعي و تنتفي بحسب الصوارف فاذا ترجّح الداعي وقع الفعل فجاز أن يرجّح فاعل القبائح دواعيه إلى الندم عليها و ذلك بأن يقترن بعض القبائح بامر زائد كعظم الذنب و كثرة الزواجر عنه أو الشناعة عند العقلاء فعله فان الافعال الكثيرة قد تشترك في الدواعي ثمّ يؤثر صاحب الدواعي بعض تلك الافعال على بعض بأن يرجح دواعيه إلى ذلك الفعل بما يقترن به من زيادة الدواعي فلا استبعاد في كون قبح الفعل داعيا إلى الندم على ذلك البعض و لو اشتركت القبائح في قوة الدواعي اشتركت في وقوع الندم و لم يصح الندم على بعض دون آخر.
و قال العلامة الشيخ البهائي في شرح الاربعين: و الاصحّ صحّة المبعّضة و الا لما صحّت عن الكفر مع الاصرار على صغيرة و قال العلامة الحلّي و لان اليهودى لو سرق درهما ثمّ تاب عن اليهودية دون السرقة فانه يكون مسلما بالاجماع.
و المحقق الطوسي (ره) في التجريد بعد ما اختار هذا المذهب اعني صحّة التوبة المبعّضة قال: و به يتأول كلام أمير المؤمنين و أولاده عليهم السّلام و هو أن التوبة لا تصحّ عن بعض دون بعض و إلّا لزم الحكم ببقاء الكفر على التائب منه المقيم على صغيرة.
و قال العلامة في شرحه بعد تفسير مختاره: و على هذا ينبغي أن يحمل كلام أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و كلام أولاده كالرضا و غيره عليهم السّلام حيث نقل عنهم نفى تصحيح التوبة عن بعض القبائح دون بعض لانه لو لا ذلك لزم خرق الاجماع و التالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أن الكافر إذا تاب عن كفره و اسلم و هو مقيم على الكذب فاما أن يحكم باسلامه و يقبل توبته عن الكفر أولا و الثاني خرق للاجماع لاتفاق المسلمين على اجراء أحكام المسلمين عليه فالأول هو المطلوب، و قد التزم أبو هاشم استحقاقه عقاب الكفر و عدم قبول توبته و اسلامه لكن لا يمتنع إطلاق اسم الاسلام عليه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 189
نقل ابن أبي جمهور الاحسائي في المجلى عن بعض المشايخ ان القبيحين إذا اشتركا في علة القبيح لم يصحّ التوبة من أحدهما دون الاخر و لو اختلفا في العلّة بان يكون علة القبح فى أحدهما غير علّة قبح الاخر صحّ التوبة من أحدهما دون الاخر مثال الاوّل الزنا و اللواط فان العلة في قبحهما لحفظ النسب فاتحدا في علة القبح و مثال الثاني الزنا و الشرب فان العلة في الثاني لحفظ العقل و الاول لحفظ النسب و لا تعلق لاحدهما بالاخر.
ثم قال ابن أبي جمهور و هذا القول عن ذلك البعض قريب من الصواب بل هو التحقيق و حمل كلام أئمة الهدى عليهم السّلام على هذا الوجه انسب مما ذكر في الاوّل يعني على ما ذهب إليه المحقق الطوسي و غيره في حمل كلامهم عليهم السّلام عليه فتأمل.
فان قلت يأتي عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حكمه و مواعظه: قال عليه السّلام لقائل قال بحضرته «أستغفر اللّه»: ثكلتك امّك أ تدرى ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين و هو اسم واقع على ستة معان: أوّلها الندم على ما مضى، و الثاني العزم على ترك العود إليه أبدا، و الثالث ان تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى اللّه املس ليس عليك تبعة، و الرابع ان تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها، و الخامس ان تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالاحزان حتى تلصق الجلد بالعظم و ينشأ بينهما لحم جديد، و السادس ان تذيق الجسم ألم الطّاعة كما اذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر اللّه.
و كلامه عليه السّلام هذا دليل على عدم جواز التوبة عن قبيح دون قبيح و ان تلك الشرائط الستة كلها شروط في حصول حقيقة التوبة و الانتفاع بالاستغفار و أنّه بدون اجتماعها غير نافع فكيف التوفيق؟
قلت هذا اشارة إلى حقيقة التوبة الكاملة لا مطلق التّوبة كما دريت اجماع المسلمين على قبول توبة يهودي لو سرق درهما حيث تاب عن اليهوديّة دون السرقة و نظائرها.
الرابع اختلف في التوبة الموقّتة مثل ان لا يذنب إلى سنة فذهب بعضهم إلى بطلانها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 190
لأنها إذا ندم على ذنب في وقت و لم يندم عليه في وقت آخر ظهر أنه لم يندم عليه لقبحه و إلا ندم عليه في جميع الاوقات و إذ لم يكن ندمه لقبحه لم يكن توبة، و ذهب آخرون إلى صحّتها كما في الواجبات فانه قد يأتي المأمور ببعضها في بعض الاوقات دون بعضها و يكون المأتي به صحيحا في نفسه بلا توقف على غيره مع ان العلة المقتضية للاتيان بالواجب هي كون الفعل حسنا واجبا غايته أنه إذا عصى بعد ذلك جدّد ذلك الذنب وجوب توبة اخرى عليه.
و تحقيق الحق في ذلك يبتني على تمهيد مقدمة و هي ان الامامية و المعتزلة و بالجملة العدلية اشترطوا في صحة التوبة ترك المعاودة لذلك الذنب الذي تاب منه أىّ ذنب كان و منعه الاشاعرة لان الشخص قد يندم على الامر زمانا ثمّ يبدو له و اللّه مقلب القلوب قال الامدى التوبة مأمور بها فتكون عبادة و ليس من شرط صحة العبادة المأتى بها في وقت عدم المعصية في وقت آخر بل غايته إذا ارتكب ذلك الذنب مرة ثانية وجب عليه توبة اخرى و إذا دريت هذه المقدمة فنقول:
الحق في ذلك عند أصحابنا الاماميّة رضى اللّه عنهم و المعتزلة: الاوّل أى بطلان التوبة الموقتة لانهم قالوا التوبة هي الندم على المعصية لكونها معصية و العزم على ترك المعاودة في المستقبل كما علمت فهم اشترطوا العزم على عدم العود أبدا و هذا الشرط يقتضى بطلانها و اما الاشاعرة فحيث لم يشترطوا ذلك قالوا بالصحة لكن صرّح بعضهم ان الادم على المعصية لا يخلو من ذلك العزم البتة على تقدير الخطور و الاقتدار.
في الكافي للكليني (قده) عن الكناني قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً» قال يتوب العبد من الذنب ثمّ لا يعود فيه.
قال محمّد بن الفضيل سألت عنها أبا الحسن عليه السّلام فقال يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه و احب العباد إلى اللّه تعالى المنيبون التوابون.
و فيه أبو بصير سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عنها فقال هو الذنب الذي لا يعود إليه أبدا قال
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 191
قلت و اينا لم يعد؟ فقال يا با محمّد ان اللّه تعالى يحب من عباده المفتن التواب. «المفتن» من الافتنان أو التفتين بمعنى الايقاع في الفتنة أى الذنب. فتأمل.
الخامس ذهب جماعة من المعتزلة إلى أن التوبة إنما تجب من الكبائر المعلوم كونها كبائر و المظنون فيها ذلك و لا تجب من الصغائر المعلوم كونها صغائر لأن التوبة انما تجب رفعا للضرر و هو غير حاصل في الصغيرة. و قال آخرون إنها لا تجب من ذنوب تاب عنها من قبل.
و الحقّ عندنا الامامية أنها تجب من جميع الكبائر و الصغائر و الاخلال بالواجب سواء تاب عنها قبل أو لم يتب لان ترك التوبة من المعصية صغيرة كانت أو كبيرة إصرار عليها و هو قبيح لاخلاص منه إلّا بالتوبة فهى واجبة في جميع المعاصى، و لأن التوبة عن القبيح إنما تجب لكونه قبيحا و هو عام، و لأن وجه الوجوب هو اشتمال الصغيرة على القبح سواء اشتمل على ضرر أم لا.
السادس ذهب قاضى القضاة المعتزلي إلى أن التائب إن كان عالما بذنوبه على التفصيل وجب عليه التوبة عن كلّ واحد منها مفصلا و ان علم بعضها مفصلا و بعضها مجملا وجب عليه التفصيل فيما علم مفصلا و الاجمال فيما علم مجملا.
و قال العلامة البهائى قدس سره أمّا التوبة المجملة كان يتوب عن الذنوب على الاجمال من دون تفصيلها و هو ذاكر للتفصيل فقد توقف فيها المحقق الطوسى و القول بصحتها غير بعيد إذ لا دليل على اشتراط التفصيل.
أقول: و لعله قدس سره استفاد توقف المحقق الطوسي فيها من قوله في التجريد: و في إيجاب التفصيل مع الذكر اشكال، حيث إنه لم ينجّز فى ذلك بل عبّر بلفظة اشكال، و قال العلامة الحلّى فى شرحه بعد ما نقل مذهب قاضى القضاة على ما مرّ آنفا: و استشكل المصنّف- يعنى به المحقق الطوسى- ايجاب التفصيل مع الذكر لامكان الاجراء بالندم على كلّ قبيح وقع منه و إن لم يذكره مفصّلا. انتهى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 192
و الصواب صحة التوبة المجملة و القول باشتراط التفصيل موهون جدّا نظير قصد الصوم إذ يكفى فيه نية الكف عن المفطرات و ان لم يحضرها بباله على التفصيل على أنه لا دليل على اشتراط التفصيل و انى لذلك البعض المعتزلي اثبات ذلك.
السابع اختلف فى أن المكلف إذا تاب عن معصية ثمّ ذكرها هل يجب عليه تجديد التوبة أم لا؟ قال المحقق الطوسى و فى وجوب التجديد أيضا اشكال. و قال العلامة (ره) فى الشرح، قال أبو على نعم- أي يشترط تجديد التوبة عند تذكر الذنب- بناء على أن المكلف القادر بقدرة لا ينفك عن الضدين إما الفعل أو الترك فعند ذكر المعصية إمّا أن يكون نادما عليها أو مصرّا عليها و الثّاني قبيح فيجب الأوّل.
و قال أبو هاشم لا يجب لجواز خلوّ القادر بقدرة عنهما فجاز أنه إذا ذكرها لم يندم عليها و لا يشتهى إليها و لا يتبهج بها.
و قال في رياض السالكين في الرّوضة الحادية و الثلاثين عند قوله عليه السّلام «فاجعل توبتى هذه توبة لا احتاج بعدها إلى توبة»: قد يستفاد من قوله عليه السّلام فاجعل توبتى «إلخ» عدم وجوب تجديد التوبة عند تذكر الذنب خلافا لمن ذهب إلى أن المتذكر للذنب كالمقارف له فيجب عليه تجديد التوبة.
قال الامدى يدل على بطلان ذلك أنا نعلم بالضرورة ان الصحابة و من اسلم بعد كفره كانوا يتذكرون ما كانوا عليه في الجاهلية من الكفر و لم يجب عليهم تجديد الاسلام و لا امروا بذلك و كذلك فى كل ذنب وقعت التوبة عنه.
أقول: و لا كلام ان التوبة انما تكون عن ذنب فمن عمل ذنبا فتاب عنه ثمّ تذكر ذلك الذنب لا يكون صرف تذكره ذنبا بالاتفاق فلم يفعل عملا قبيحا و لم يرتكب ذنبا حتّى يتوب عنه فما قال أبو على كان بمعزل عن التحقيق و ما توسل به الامدى مؤيد سديد لما اخترناه و حققناه.
الثامن قال فى رياض السالكين: قال شيخنا البهائى فى شرح الاربعين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 193
العزم على عدم العود إلى الذنب فيما بقى من الامر لا بد منه في التوبة و هل امكان صدوره منه في بقيّة العمر شرط حتى لو زنا ثمّ جبّ و عزم على أن لا يعود إلى الزنا على تقدير قدرته عليه لم تصح توبته أم ليس بشرط فتصح؟ الأكثر على الثاني بل نقل بعض المتكلمين اجماع السلف عليه، و أولى من هذا بصحّة التوبة من تاب في مرض مخوف غلب على ظنّه الموت فيه.
أما التوبة عند حضور الموت و تيقن الفوت و هو المعبّر عنه بالمعاينة فقد انعقد الاجماع على عدم صحّتها و نطق بذلك القرآن العزيز قال سبحانه «وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً».
و في الحديث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إن اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، و الغرغرة تردد الماء و غيره من الأجسام المائعة فى الحلق، و المراد تردد الروح وقت النزع و قد روى محدثوا الاماميّة عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام أحاديث كثيرة فى أنه لا تقبل التوبة عند حضور الموت و ظهور علاماته و مشاهدة أهواله.
و كذا قوله تعالى فى سورة يونس فى غرق فرعون و توبته: «وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» صريح فى أن التوبة حين الايقان بالهلاك و الموت و اليأس من الحياة ليست بمقبولة، لأنه يكون العبد هناك ملجئا إلى فعل الحسنات و ترك القبائح فيكون خارجا عن حدّ التكليف إذا لا يستحق على فعله المدح و لا الذم و إذا زال عنه التكليف لم تصحّ منه التوبة، فعند ظهور علامات الموت و مشاهدة أهواله تصير الأمر عيانا فيسقط التكليف كما أن أهل الاخرة لما صارت معارفهم ضرورية سقطت التكليف عنهم.
و في الفقيه سئل الصّادق عليه السّلام عن قول اللّه تعالى «وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ» قال ذلك إذا عاين أمر الاخرة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 194
و في الحديث: من تاب قبل أن يعاين قبل اللّه توبته، و فسّر قوله عليه السّلام قبل أن يعاين بمعاينة ملك الموت و هو المروي عن ابن عباس.
و يمكن أن يراد بالمعاينة علمه بحلول الموت و قطعه الطمع من الحياة و تيقنه ذلك كانه يعاينه، و أن يراد معاينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الوصي عليه السّلام فقد روي أنهما يحضران عند كل محتضر و يبشر انه بما يؤل إليه من خير و شرّ، و معاينة منزلته في الاخرة كما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: لن يخرج أحدكم من الدّنيا حتّى يعلم اين مصيره و حتى يرى مقعده من الجنّة أو النّار.
و بالجملة تصريح الايات و الاخبار و برهان العقل و الاجماع على أنّ التوبة عند المعاينة ليست بمقبولة، و لو كان في ذلك خبر ظاهره يوهم خلافه فمأوّل إلى ذلك المعنى المبرهن الصحيح على العقل و النقل.
ثمّ الظاهر أن المرض المهلك ليس من باب المعاينة لأن الموت منه ليس بمتحقق قطعا فيمكن انصراف بعض الأخبار المخالف ظاهرها الكتاب و العقل و الاجماع على تلك الحال.
و ما في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا بلغت النفس هذه- و أومى بيده إلى حلقه- لم يكن للعالم توبة و كانت للجاهل توبة، فتشديد للعالم دون الجاهل للفرق البيّن بينهما.
التاسع المراد بقبول التوبة إسقاط العقاب المترتب على الذنب الّذى تاب منه و سقوط العقاب بالتوبة ممّا أجمع عليه أهل الاسلام و لكن اختلفوا في أن التوبة تسقط العقاب بذاتها لا على معني أنها لذاتها تؤثر في اسقاط العقاب بل على معني أنّها إذا وقعت على شروطها و الصفة الّتي بها تؤثر في اسقاط العقاب من غير اعتبار امر زائد و قال آخرون إنّها تسقط العقاب لكثرة ثوابها و ذهب المحقق الطوسي إلى الأول و استدلّ عليه كما في التجريد و شرحه للعلامة بوجوه:
الأوّل ان التوبة قد تقع محبطة بغير ثواب كتوبة الخارجي من الزنا فانّه يسقط بها عقابه من الزنا و لا ثواب لها.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 195
الثاني انّه لو اسقطت العقاب بكثرة ثوابها لم يبق فرق بين تقدم التوبة على المعصية و تأخرها عنها كغيرها من الطاعات الّتي يسقط العقاب بكثرة ثوابها و لو صح ذلك لكان التائب عن المعاصي إذا كفر أو فسق اسقط عنه العقاب.
الثالث لو اسقطت العقاب لعظم ثوابها لما اختص بها بعض الذنوب عن بعض فلم يكن اسقاطها لما هي توبة عنه بأولى من غيره لأن الثواب لا اختصاص له ببعض العقاب دون بعض.
و المحقق الطوسى أجاب عن حجة المخالف و تقرير تلك الحجة أن التوبة لو اسقطت العقاب لذاتها لأسقطته في حال المعاينة و في الدار الاخرة. و الجواب عنها أنها تؤثر في الاسقاط إذا وقعت على وجهها و هي ان تقع ندما على القبيح لقبحه و في الاخرة يقع الالجاء فلا يكون الندم للقبيح.
و بالجملة لا خلاف في سقوط العقاب بالتوبة و إنّما الخلاف في انّه هل يجب على اللّه تعالى حتّى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما او هو تفضل يفعله سبحانه كرما منه و رحمة بعباده؟ المعتزلة على الأوّل و الاشاعرة على الثاني، و اليه ذهب الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس اللّه روحه في كتاب الاقتصاد، و العلامة في بعض كتب الكلامية، و توقف المحقق الطوسى في التجريد و مختار الشيخين هو الظاهر و دليل الوجوب مدخول.
قال ابن أبي جمهور الاحسائي في المجلي: و المعتزلة بنوه على أصلهم من منع العفو عن الفاسق فلو لم يجب سقوط العقاب بها قبح تكليف العاصي فان حسنه للتوصل به إلى حصول الثواب و هو لا يجتمع مع استحقاق العقاب عندهم فلا خلاص من العقاب حينئذ فيقبح التكليف هذا خلف.
و أيضا فان سقوط الذنب عقيب التوبة واجب فكذا العقاب لانّهما معلولا علة واحدة هو فعل القبيح و سقوط أحد المعلولين يستلزم سقوط المعلول الاخر لارتفاع العلة بارتفاع أحدهما فيرتفع الاخر بارتفاعها و لهذا أنّه متى اعتذر إلى من اساء اليه و عرف صحة نيته و خلوص اعتذاره و ندمه وجب ان يسقط ذمه على تلك الاساءة و لهذا ان العقلاء يذمّون من يذمّه عقيب ذلك.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 196
و الاعتراض عليه أمّا أوّلا فلابتنائه على منع العفو و هو ممنوع مع جوازان بعض القبائح يقتضي الذّم و لا يقتضي العقاب كما في حقه تعالى مع العفو. و علم من هذا أن الذّم و العقاب لا تلازم بينهما فى الوقوع و مع عدم التلازم جاز ارتفاع أحدهما دون الاخر نعم هما ملازمان في الاستحقاق فيتم الكلام على تقديره. و قريب من ما في المجلي في كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد.
فان قلت لو لم يجب قبولها وجب قبول الاسلام من الكافر فلا يصحّ تكليفه و ذلك مخالف للاجماع؟
قلت الفرق ثابت فانه لما ثبت دوام عقاب الكافر و عدم جواز انقطاعه بالأدلة النقلية لم يكن ثمّ طريق إلى حسن تكليفه إلّا بوجوب قبول اسلامه و لا كذلك العاصي لوجوب انقطاع عقابه بل و جواز العفو عنه فلا يقبح تكليفه حينئذ لثبوت استحقاق الثواب له و ان لم تجب قبول توبته فمع هذا الفرق لا يتحقق الايراد.
و الحقّ عندنا أن سقوط العقاب بالتوبة تفضّل من اللّه تعالى فانه لو وجب لكان:
إما لوجوب قبولها و القول بالوجوب ممنوع فان من عصى أمر غيره و اساء اليه بأعظم الاساءات ثمّ اعتذر اليه لا يجب عقلا على ذلك الغير قبول عذره و الاغماض عنه و إن لم يعف عنه لا يذمه العقلاء بل قد يرون حسن رده المسىء و عدم العفو عنه.
او لكثرة ثوابها فهو أيضا ممنوع لابتنائه على التحابط و هو باطل كما حقق في محلّه.
العاشر قال في رياض السالكين: صرّح أكثر علمائنا باستحباب الغسل للتوبة بعدها سواء كان عن كفر او فسق و سواء كان الفسق عن صغيرة او كبيرة، بل صرّح الشهيد الثاني رحمه اللّه في شرح اللمعة باستحبابه للتوبة عن مطلق الذنب و إن لم يوجب الفسق كالصغيرة النادرة و خصّه المفيد بالتوبة عن الكبائر قيل و لعل ملحوظه إن الذنوب كلّها كبائر لاشتراكها في الخروج عن طاعة اللّه و إنّما يطلق الكبر و الصغر على الذنب بالاضافة إلى ما تحته و ما فوقه، فالقبلة صغيرة بالنسبة إلى الزنا و كبيرة بالنسبة إلى النظر، و قد نسب الشيخ أبو على الطبرسى رضوان اللّه عليه القول بذلك إلى أصحابنا رضى اللّه عنهم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 197
الحادى عشر في رياض السالكين أيضا: قال بعض الناصحين إذا أردت توبة فبرّىء نفسك من التبعات و قلبك من الذنوب و وجّه وجهك إلى علام الغيوب بعزم صادق و رجاء واثق و عدّ انك عبد آبق من مولى كريم رحيم حليم يجب عودك إلى بابه و استجارتك به من عذابه و قد طلب منك العود مرارا عديدة و أنت معرض عن الرجوع اليه مدة مديدة مع أنّه وعدك إن رجعت اليه و أقلعت عمّا أنت عليه بالعفو عن جميع ما صدر عنك و الصفح عن كلّ ما وقع منك، و قم و اغتسل احتياطا و طهر ثوبك و صلّ بعض الفرائض و اتبعها بشيء من النوافل و لتكن تلك الصلاة على الأرض بخشوع و خضوع و استحياء و انكسار و بكاء و فاقة و افتقار في مكان لا يراك فيه و لا يسمع صوتك إلّا اللّه سبحانه، فاذا سلمت فعقب صلاتك و انت حزين مستحى رجل راج ثمّ اقرء الدعاء المأثور عن زين العابدين عليه السّلام الّذى اوله «يا من برحمته يستغيث المذنبون».
ثمّ ضع وجهك على الأرض و اجعل التراب على رأسك و مرغ وجهك الّذى هو اكرم أعضائك في التراب بدمع جار و قلب حزين و صوت عال و أنت تقول:
عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك، تكرر ذلك و تعدد ما تذكره من ذنوبك لائما نفسك موبّخا لها نائحا عليها نادما على ما صدر منها، و ابق على ذلك ساعة طويلة ثمّ قم و ارفع يديك إلى التواب الرحيم و قل الهى عبدك الابق رجع إلى بابك عبدك العاصي رجع إلى الصلح عبدك المذنب أتاك بالعذر و أنت أكرم الأكرمين و أرحم الراحمين، ثمّ تدعو و دموعك تنهمل بالدعاء المأثور عن زين العابدين عليه السّلام و هو الّذى أوّله «اللّهم يا من لا يصفه نعت الواصفين».
و اجهد في توجه قلبك اليه و اقبالك بكلّيتك عليه مشعرا نفسك سعة الجود و الرحمة، ثمّ اسجد سجدة تكثر فيها البكاء و العويل و الانتحات بصوت عال لا يسمعه إلا اللّه تعالى، ثمّ ارفع رأسك واثقا بالقبول فرحا ببلوغ المأمول و اللّه ولىّ التوفيق.
الثاني عشر و فيه أيضا: قال بعض أرباب القلوب: النّاس في التوبة على أحوال: رجل مسوّف بالتوبة مدافع بها اغترّ بطول الامل و نسى هجوم الأجل،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 198
فهذا متى ادركه الموت ادركه على الإصرار فهو هالك، و آخر تائب ما لم يجد شهوة فإذا وجد ركب هواه و أضاع المحاسبة لنفسه، فهذا مستوجب للعقوبة من اللّه، و رجل تائب بقلبه إلّا أن نفسه تدعوه إلى الشيء مما يكره، فهذا يحتاج إلى الأدب لنفسه، و فائدته على قدر مجاهدته، و رجل مديم للحساب قد قام على ساق مقام الخصم فهذا مستوجب للعصمة من اللّه، و رجل قد هام به خوفه من ذنوبه و لم تبق فيه باقية فهذا المتوحّد بولاية اللّه.
و قال العلامة الشيخ البهائى قدس سرّه: من أهمل المبادرة إلى التوبة و سوّفها من وقت إلى وقت فهو بين خطرين عظيمين إن سلم من واحد فلعله لا يسلم من الاخر:
أحدهما أن يعاجله الأجل فلا يتنبّه من غفلته إلّا و قد حضره الموت وفات وقت التدارك و انسدّت أبواب التلافي و جاء الوقت الّذي أشار اليه سبحانه بقوله «وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ» و صار يطلب المهلة يوما أو ساعة فلا يجاب اليها كما قال تعالى «وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ...».
قال بعض المفسرين في تفسيره هذه الاية: إن المحتضر يقول عند كشف الغطاء يا ملك الموت أخّرني يوما اعتذر فيه إلى ربّي و اتوب اليه و أتزوّد صالحا، فيقول فنيت الأيام فيقول أخرني ساعة، فيقول: فنيت الساعات، فيغلق عنه باب التوبة و يغرغر بروحه إلى النار و يتجرع غصّة اليأس و حسرة الندامة على تضييع العمر و ربما اضطرب أصل إيمانه في صدمات تلك الاهوال.
و ثانيهما أن يتراكم ظلم المعاصي على قلبه إلى أن تصير رينا و طبعا فلا يقبل المحو، فان كلّ معصية يفعلها الانسان تحصل منها ظلمة في قلبه كما تحصل من نفس الانسان ظلمة في المرآة، فاذا تراكمت ظلمة الذنوب صارت رينا كما يصير بخار النفس عند تراكمه على المرآة صدءا، و إذا تراكم الرين صار طبعا فيطبع على قلبه كالخبث على وجه المرآة إذا تراكم بعضه فوق بعض و طال مكثه و غاض
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 199
في جرمها و أفسدها، فصارت لا تقبل الصيقل أبدا.
و قد يعبر عن هذا بالقلب المنكوس و القلب الاسود كما روى عن الباقر عليه السّلام:
ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة إن القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتّى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله.
و عنه عليه السّلام ما من عبد الاوفي قلبه نكتة بيضاء فاذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء فان تاب ذهب ذلك السواد و ان تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطي البياض فاذا غطي البياض لم يرجع صاحبه إلى خير ابدا و هو قول اللّه عزّ و جلّ «كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ».
فقوله عليه السّلام لم يرجع صاحبه إلى خير ابدا يدل على أن صاحب هذا القلب لا يرجع عن المعاصى و لا يتوب منها أبدا و لو قال بلسانه تبت إلى اللّه يكون هذا القول منه مجرد تحريك اللسان من دون موافقة القلب فلا أثر له أصلا كما أن قول الغسال غسلت الثوب لا يصير الثوب نقيّا من الأوساخ.
و ربما يؤل صاحب هذا القلب إلى عدم المبالاة بأوامر الشريعة و نواهيها فيسهل أمر الدين في نظره و يزول وقع الأحكام الالهية من قلبه و ينفر عن قبولها طبعه و ينجر ذلك إلى اختلال عقيدته و زوال ايمانه فيموت على غير الملّة و هو المعبر عنه بسوء الخاتمة، نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا.
و من كلام بعضهم: اغتنموا التوبة قبل أن يصير القريب تائبا و المقيم ماضيا و قبل أن يكون المحصول ندما و الموجود عدما و قبل ان يضرب الادبار على المصرين سرادق الخسار فلا اقالة عثار و لا توفيق انابة و اعتذار.
و في آخر كشكول الشيخ البهائى قدس سرّه: في الحديث إذا تاب الشيخ الهرم قالت الملائكة الان و قد خمدت حواسك و بردت أنفاسك.
ذكر العطبي أنّه قيل لرجل عند الوفاة: قل لا إله إلا اللّه، فقال آه و يلي على الشباب و في أي زمان فقدت شرخ الشباب حين مات الغيور و ارتخص المهر و غاب الحجاب عن كل باب.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 200
و قيل لاخر و قد قرب خروج نفسه و انقطاع نفسه قل: لا إله إلا اللّه، فقال لهف نفسي على الزمان و في أى زمان دهتني الأزمان حين ولّي الشتاء و استقبل الصيف و طاب المدام و الريحان.
و احتضر آخر فقيل له قل: لا إله إلا اللّه، فقال برد الليل و طاب الماء و التذ الشراب و مضي عنا حزيران و تموز و آب ثمّ قضى لوقته.
و قالت امرأة لرجل كان منزله قريبا من حمام منجاب ببغداد: يا رجل أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فأومى اليها و أرشدها إلى طريق غيره في سكّة خراب لا منفذ لها و تبعها اليها ففجر بها فلما حضرته الوفاة قيل له قل: لا إله إلا اللّه فقال:
يا ربّ قائلة يوما و قد لقيت أين الطريق إلى حمّام منجاب
و مات لوقته. هكذا يدرك سوء الخاتمة و تهوى بالمخذولين مدرجة العاقبة نعوذ باللّه من ذلك.
قال بعض أرباب القلوب: التائبون المنيبون على أنواع: تائب يتوب من الذنوب و السيئات، و تائب يتوب من الزلل و الغفلات، و تائب يتوب من رؤية الحسنات و مشاهدة الطاعات و على هذا سئل بعضهم أى الاعمال أرفع ثوابا فأنشد:
إذا محاسني اللاتي أدلّ بها كانت ذنوبي فقل لي كيف اعتذر
قوله: أدلّ بها، من الدلال أى التغنج و بالفارسية ناز كردن و كأنه يشير الى الحديث المشهور حسنات الابرار سيئات المقربين.
الثالث عشر في ذكر بعض الايات و الاخبار في الحث على التوبة.
قال عزّ من قائل (سورة الزمر الاية 54) «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
و قال جل جلاله (البقرة الاية 222) «وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً».
و قال تعالى شانه (التوبة الاية 105) «أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 201
و قوله تعالى «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ ...».
في الكافي عن ابن وهب قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه اللّه تعالى فستر عليه فقلت و كيف يستر عليه قال ينسى ملكيه ما كانا يكتبان عليه ثمّ يوحى اللّه إلى جوارحه و إلى بقاع الأرض أن اكتمى عليه ذنوبه فيلقى اللّه تعالى حين يلقاه و ليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب.
و فيه عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: يا محمّد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة و المغفرة أما و اللّه انها ليست إلا لأهل الايمان، قلت فان عاد بعد التوبة و الاستغفار في الذنوب و عاد في التوبة، فقال: يا محمّد بن مسلم أ ترى العبد المؤمن يندم على ذنبه و يستغفر اللّه تعالى منه و يتوب ثمّ لا يقبل اللّه تعالى توبته؟ قلت: فانّه فعل ذلك مرارا يذنب ثمّ يتوب و يستغفر فقال: كلّما عاد المؤمن بالاستغفار و التوبة عاد اللّه تعالى عليه بالمغفرة و إن اللّه غفور رحيم يقبل التوبة و يعفو عن السيئات قال: فاياك ان تقنط المؤمنين من رحمه اللّه تعالى.
و فيه عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: التائب من الذنب كمن لا ذنب له و المقيم على الذنب و هو يستغفر منه كالمستهزىء. إلى غير ذلك من الايات و الأخبار و فيما ذكرناه كفاية انشاء اللّه تعالى.
قوله عليه السّلام (و المدبر يدعى) أى من أسرف على نفسه فادبر عن طاعة اللّه و أعرض عن جانب جنابه يدعى إليه و ينادي يا فلان أقبل إلى طاعة اللّه و ارجع إلى رحمه اللّه و إلى ما يصلحك من الكمالات اللائقة لك و خلّص نفسك من سجن الدّنيا و قيد الهوى.
بال بگشا و صفير از شجر طوبى زن حيف باشد چو تو مرغي كه اسير قفسى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 202
قوله عليه السّلام (و المسىء يرجى) أى من اساء يرجى عوده عن الاسائة و اقلاعه عن المعصية فانه جلّ جلاله أرحم الرّاحمين و يحبّ التوابين، هذا إن أخذ يرجى من رجو و إن كان من الارجاء بمعنى التأخير و الامهال كما مرّ بيانه في اللّغة فمعناه ان من عصى فأساء يؤخّر عقابه فلعله يتوب كما هو مضمون عدة الاخبار في ذلك و مضى بعضها من قبل و هذا كلّه تحضيض و حثّ على الرجوع عن المعصية و التوبة إليه تعالى و اللّه برحمته الواسعة يعفو عن السيئات و سبقت رحمته غضبه و يقبل التوبة عن عباده و هو أرأف من الوالد بولده و نعم ما نظمه العارف السعدى:
خداوند بخشنده دستگير كريم خطا بخش پوزش پذير
نه گردنكشان را بگيرد بفور نه عذر آوران را براند بجور
و گر خشم گيرد ز كردار زشت چو باز آمدى ما جرى در نوشت
و گر با پدر جنگ جويد كسى پدر بيگمان خشم گيرد بسى
و گر خويش راضى نباشد ز خويش چو بيگانگانش براند ز پيش
و گر بنده چابك نيايد بكار عزيزش ندارد خداوندگار
و گر بر رفيقان نباشى شفيق بفرسنگ بگريزد از تو رفيق
و گر ترك خدمت كند لشكرى شود شاه لشكر كش از وى برى
و ليكن خداوند بالا و پست بعصيان در رزق بر كس نبست
و في مجمع البيان للطبرسي رضوان اللّه عليه في ضمن قول اللّه عزّ و جلّ: «وَ اكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» الاية (سورة الاعراف الاية 157) قال: و فى الحديث انّ النبىّ صلّى اللّه عليه و آله قام فى الصّلاة فقال أعرابى و هو في الصلاة: اللهمّ ارحمنى و محمّدا و لا ترحم معنا أحدا، فلما سلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال للأعرابى: لقد تحجّرت واسعا يريد رحمه اللّه عزّ و جلّ أورده البخارى فى الصحيح انتهى.
و جاء فى بعض الأخبار- كما فى باب العقل و الجهل من الوافى-: لو لا أنكم تذنبون لذهب اللّه بكم و جاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر اللّه لهم.
أقول: و ذلك لأن أسماء اللّه الحسنى و صفاته العليا يقتضى مظاهر حتّى تظهر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 203
آثارها و بعض تلك الصفات العفوّ و الغفور و التّواب و نعم ما قاله الشيخ العارف فريد الدين العطّار فى هذا المعنى:
بود عين عفو تو عاصى طلب عرصه عصيان گرفتم را نسبب
چون بستّاريت ديدم پرده ساز هم بدست خود دريدم پرده باز
رحمتت را تشنه ديدم آبخواه آبروى خويش بردم از گناه
و فى المقام كلام لا يدركه إلّا أهل الشهود العارفين بأسرار الأخبار، و الأولى أن نعرض عن بيانه و نطويه طيّا خوفا من أن يزّل بعض الأقدام و ما مرت من الاشارة إليه ايجازا كفاية لمن أخذت الفطانة بيده.
قوله عليه السّلام (قبل أن يخمد العمل) الظرف متعلق بقوله عليه السّلام فاعملوا أى فاعملوا قبل ان يخمد العمل أى فاغتنموا العمل و بادروا إليه قبل أن يطفأ مصباح العمل و يأتي الاجل فانكم تنتقلون إلى دار ليست بدار العمل بل دار الجزاء.
و فى مادة ولد من سفينة البحار عن الصّادق عليه السّلام قال ليس يتبع الرجل بعد موته من الاجر الاثلاث خصال: صدقة اجراها فى حياته فهى تجرى بعد موته، و سنة هدى سنّها فهى تعمل بها بعد موته، و ولد صالح يستغفر له.
و فى أمالى الصّدوق عن أبى عبد اللّه الصّادق عليه السّلام قال: ست خصال ينتفع بها المؤمن من بعد موته: ولد صالح يستغفر له، و مصحف يقرأ منه، و قليب يحفره، و غرس يغرسه، و صدقة ماء يجريه، و سنة حسنة يؤخذ بها بعده.
و لعل ما فى الرواية الاولى من قوله عليه السّلام صدقة أجراها يشمل بعض ما فى الرّواية الثانية كانّ الاولى اجمال و الثاني تفصيل له فتأمل.
و يتنبّه النبيه من قوله عليه السّلام قبل أن يخمد العمل بأنّ الدنيا متجر أولياء اللّه و مكسب أولى الالباب فطوبى لمن أخذها متجره و اغتنم حياته قبل موته و خسرت صفقة من باع حظّه بالارذل الادنى و شرى آخرته بالثمن الاوكس.
و الشارح المعتزلي قرأ يحمد بالحاء المهملة و علمه أولى من المعجمة و قال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 204
قبل أن يحمد العمل استعارة مليحة لأن الميّت يحمد عمله و يقف، و يروى يخمد بالخاء من خمدت النار و الأوّل أحسن. و مضى الكلام منّا ان المعجمة اولى من المهملة بقرينة ينقطع.
تشبيه قوله عليه السّلام (و ينقطع المهل) أي قبل ان ينقطع عمركم الّذي امهلتم فيه كانما شبه عليه السّلام العمر بالسبب أي قبل ان ينقطع سبب عمركم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر: كن على عمرك أشحّ منك على درهمك و دينارك.
قوله عليه السّلام (و ينقضي الأجل) أي اعملوا قبل ان يفنى و ينصرم أجلكم المضروب و إذا انصرم لا يستأخرون ساعة.
قوله عليه السّلام (و يسدّ باب التوبة) أى اعملوا قبل أن يسدّ باب التوبة و ذلك لما مرّ من أن التوبة حين المعاينة و اشراف الموت ليست بمقبولة قال اللّه تعالى: «حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها» الاية (المؤمنون ية 101).
قوله عليه السّلام (و تصعد الملائكة) أى اعملوا قبل ان يصعد الملائكة الّذين هم حفظة اعمالكم من الطاعات و المعاصي إلى السماء لانه إذا مات الانسان لم يبق لكتبة أفعاله و اقواله في الأرض شغل.
أقول: لا ريب إن الانسان لم يترك سدى و وكل بكل فرد منه ملائكة يكتبون أعماله و هم موكلون لذلك الأمر نطق بذلك الفرقان العظيم و الاخبار من الرسول الكريم و آله الطاهرين عليهم السّلام قال عزّ من قائل «وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ» (الانفطار) و قال جل جلاله: «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ. ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (ق).
و في مجمع البيان في التفسير للطبرسي ره في ضمن هذه الاية: عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إن اللّه تعالى وكّل بعبده ملكين يكتبان عليه فاذا مات قالا يا ربّ قد قبضت عبدك فلانا فالى أين قال سمائي مملوءة بملائكتي يعبدونني
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 205
و ارصي مملوءة من خلقي يطيعونني اذهبا إلى قبر عبدي فسبّحاني و كبراني و هلّلاني فاكتبا ذلك في حسنات عبدى إلى يوم القيامة.
و فيه عن أبي أمامة عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله قال ان صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسىء فان ندم و استغفر اللّه منها القاها و إلا كتب واحدة. و في رواية اخرى قال صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين بعشر امثالها و إذا عمل سيئة فاراد صاحب الشمال ان يكتبها قال له صاحب اليمين امسك فيمسك عنه سبع ساعات فان استغفر اللّه منها لم يكتب عليه شيء و إن لم يستغفر اللّه كتب له سيئة واحدة.
و في الكافي عن زرارة عن احدهما عليهما السّلام قال إن اللّه تعالى جعل لادم في ذريته من هم بحسنة و لم يعملها كتبت له حسنة و من هم بحسنة و عملها كتبت له عشرا و من همّ بسيّئة و لم يعملها لم تكتب عليه و من عمل بها كتبت عليه سيّئة.
و قال في الوافي في بيان كون الحسنة بعشر امثالها و السيئة بمثلها- و للّه درّ قائله-: و لعل السرّ في كون الحسنة بعشر امثالها و السيئة بمثلها ان الجوهر الانساني بطبعه مائل إلى العالم العلوى لانه مقتبس منه و هبوطه إلى القالب الجسماني غريب من طبيعته و الحسنة إنما يرتقى إلى ما يوافق طبيعة ذلك الجوهر لأنها من جنسه و القوة الّتي تحرك الحجر مثلا إلى ما فوق ذراعا واحدا هي بعينها ان استعملت في تحريكه إلى اسفل حركته عشرة اذرع و زيادة فلذلك كانت الحسنة بعشر امثالها إلى سبعمائة ضعف و منها ما يوفي اجرها بغير حساب و الحسنة الّتي لا يدفع تأثيرها سمعة او رياء او عجب كالحجر الّذي يد حرج من شاهق لا يصادفه دافع فانه لا يتقدر مقدار هويه بحساب حتّى يبلغ الغاية.
و في الكافي عن عبد اللّه بن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال و سألته عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد ان يعمله او الحسنة؟ فقال ريح الكنيف و ريح الطيب سواء فقلت لا قال ان العبد إذا همّ بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال قف فانّه قد همّ بالحسنة فاذا هو عملها كان لسانه قلمه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 206
و ريقه مداده فأثبتها له و إذا هم بالسيّئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين قف فانّه قدهمّ بالسيئة فاذا هو عملها كان ريقه مداده و لسانه قلمه فاثبتها عليه.
و في الوافي في بيانه: انما جعل الريق و اللسان آلة لاثبات الحسنة و السيّئة لأن بناء الاعمال انما هو على ما عقد في القلب من التكلم بها و اليه الاشارة بقوله سبحانه: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» و هذا الريق و اللسان الظاهر صورة لذلك المعني كما قيل:
إن الكلام لفي الفؤاد و إنّما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
و في الكافي أيضا عن الفضيل بن عثمان المرادي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أربع من كنّ فيه لم يهلك على اللّه عزّ و جلّ بعد هنّ إلّا هالك:
يهمّ العبد بالحسنة فيعملها فان هو لم يعملها كتب اللّه له حسنة بحسن نيّته و ان هو عملها كتب اللّه عزّ و جل له عشرا، و يهمّ بالسيّئة ان يعملها فان لم يعملها لم يكتب عليه و إن هو عملها اجّل سبع ساعات و قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات و هو صاحب الشمال لا تعجل عسى ان يتبعها بحسنة تمحوها فان اللّه يقول «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ» او الاستغفار فان هو قال: استغفر اللّه الّذي لا إله هو عالم الغيب و الشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذو الجلال و الاكرام و اتوب اليه لم يكتب عليه شيء و إن مضت سبع ساعات و لم يتبعها بحسنة و استغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات اكتب على الشقى المحروم.
و فيه أيضا عن أبي النعمان قال: قال أبو جعفر عليه السّلام يا أبا النعمان لا يغرنك النّاس من نفسك فان الأمر يصل اليك دونهم و لا تقطع نهارك بكذا و كذا فان معك من يحفظ عليك عملك فاحسن فاني لم ار شيئا احسن دركا و لا اسرع طلبا من حسنة محدثة لذنب قديم.
قوله عليه السّلام (فاخذ امرؤمن نفسه لنفسه) هذا تحضيض منه عليه السّلام إلى طاعة اللّه و التوجه إلى جناب الرّب و التزوّد للدار الاخرة. أى إذا كان كذلك فليأخذ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 207
امرؤ من نفسه لنفسه أى يتعب نفسه فى الطاعات و ترك الشهوات و عمل الخيرات و المبرّات و ينفق ماله في سبيل اللّه لانه بمنزلة نفسه ذخيرة لنفسه يوم المعاد قال اللّه عزّ و جلّ «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ. قُطُوفُها دانِيَةٌ. كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ».
و لما كان الانسان فى عباداته و رياضاته يأخذ من قوى نفسه اى ينقص و يضعف تلك القوى حيث انفقها فى سبيل اللّه ذخرة له يوم المعاد فحقّ انّه اخذ من نفسه لنفسه و لا يخفى لطف كلامه عليه السّلام و حسن افادته لفظا و معنى.
فى الكافى (فى الوافى ص 63 م 3) عن الشحام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: خذ لنفسك من نفسك خذ منها فى الصحة قبل السقم و فى القوة قبل الضعف و فى الحياة قبل الممات.
و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام احمل نفسك لنفسك فان لم تفعل لم يحمل غيرك.
قوله عليه السّلام (و اخذ من حيّ لميّت) المراد بالحى و الميّت هو المرء نفسه اى يأخذ في حال حياته لحال مماته كما مر الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و في الحياة قبل الممات و كقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر رضي اللّه عنه اغتنم خمسا قبل خمس إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله حياتك قبل موتك.
قوله عليه السّلام (و من فان لباق و من ذاهب لدائم) المراد بالفانى و الذاهب هذه الدار الدنيا و بالاخيرين الاخرة و للدنيا و الاخرة أسام عديدة باعتبارات شتى اى فليأخذ من دنياه لاخرته. فالدنيا ممدوحة من حيث انها متجر و مكسب لمن اخذها كذلك و سيأتي البحث في الدنيا المذمومة و الممدوحة إن شاء اللّه تعالى في قوله عليه السّلام: و قد سمع رجلا يذم الدنيا: أيّها الذام للدنيا المغترّ بغرورها اه او المراد من الفاني و الذاهب البدن و من الاخيرين الروح فيكون إشارة إلى بقاء الروح و تجرّده.
قوله عليه السّلام (امرؤ خاف اللّه و هو معمّر إلى اجله و منظور إلى عمله) بدل امرؤ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 208
في قوله عليه السّلام فأخذ امرؤ اى فليأخذ امرؤ خاف اللّه اه اى يأخذ من نفسه لنفسه و من دنياه لاخرته رجل يخاف اللّه و هو امهل إلى اجله و في الغد ينظر إلى عمله لأن كلّ نفس بما كسبت رهينة فان خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى، و ان طغى و آثر الحيوة الدنيا فان الجحيم هي المأوى.
تشبيه قوله عليه السّلام: (امرؤ الجم نفسه) إلى آخره شبّه عليه السّلام النفس بالدّابة الحرون فان الجمتها و امسكتها عن معاصي اللّه و قدتها إلى طاعته و إلّا فهي تذهب بك إلى حيث شاءت و لنعم ما نظم العارف الرومى فى المثنوى حيث شبه الروح بعيسى روح اللّه عليه السّلام و النفس بالحمار الحرون فقال:
ترك عيسى كرده خر پرورده لا جرم چون خر برون پرده
طالع عيسى است علم و معرفت طالع خر نيست اى تو خر صفت
ناله خر بشنوى رحم آيدت پس ندانى خر خرى فرمايدت
رحم بر عيسى كن و بر خر مكن طبع را بر عقل خود سرور مكن
طبع را هل تا بگريد زار زار تو از و بستان و وام جان گذار
سالها خر بنده بودى بس بود ز آن كه خر بنده ز خر واپس بود
هم مزاج خر شدت اين عقل پست فكرش اين كه چون علف آرد بدست
گردن خر گير و سوى راه كش سوى رهبانان و رهدانان خوش
هين مهل خر را و دست از وى مدار ز آن كه عشق او است سوى سبزه زار
گر يكى دم تو بغفلت و اهليش او رود فرسنگها سوى حشيش
دشمن راهست خر مست علف اى بسا خر بنده كز وى شد تلف
گر ندانى ره هر آنچه خر بخواست عكس آنرا كن كه هست آن راه راست
نقل نفيس بن عوض الطبيب في شرح الاسباب في الطب لعلاء الدين علىّ بن أبي الحزم القرشي المتطبب في مبحث العشق، عن الحكماء: النفس ان لم تشتغلها شغلتك و ذلك لانّها لا يكاد تفتر ساعة من تدبير فان شغلتها بالامور النافعة اشتغلت بها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 15، ص: 209
و الا اشتغلت بالامور الفاسدة المهلكة. و النفس خصم ألدّ و امّارة بالسوء و قطاع الطريق للسالك إلى اللّه فلو تركها الانسان بحالها و لم يمسكها عن معاصي اللّه و عن ما تشتهيه لذهبت به إلى المهالك فالحرىّ بالعاقل اليقظان أن يجاهد أولا هذا العدوّ الفظّ الّذي كان جاره في داره.
تو با دشمن نفس همخانه چه در بند پيكار بيگانه
و روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام في كتاب الأربعين للعلامة بهاء الدين العاملي (ره) إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعث سريّة فلما رجعوا قال مرحبا بقوم قضوا الجهاد الاصغر و بقي عليهم الجهاد الأكبر قيل يا رسول اللّه و ما الجهاد الأكبر قال جهاد النفس ثمّ قال عليه السّلام افضل الجهاد من جاهد نفسه الّتي بين جنبيه.
و مما قلته في ذم متابعة النفس على صنعة التعريب:
من كرّد نفسه پيرويّا فليقعدن في الدّوزخ جثيّا
من افكند بدستها زمامه فماله الخوشىّ و السّلامة
لأنّها لحيّة لدغاء ان بگزد ليس لها دواء
إن جاوزت عن حدّها بموئى فانّها أمّارة بالسّوء
ربّ پنهت بك من هواها بدبخت من لا يترس عقباها
الترجمة:
يكى از خطبه هاى آن حضرت است: اكنون كه در فراخي بقا هستيد (كنايه از اين كه زنده ايد) و نامهاى أعمال گسترده است و پيچيده نشده، و توبه پهن است و در آن بسته نشد (كنايه از اين كه هنوز اجل شما فرا نرسيده) و آنكه از حق تعالى و فرمان او پشت كرده خوانده مى شود كه برگرد و بسوى ما بيا، و آنكه بد كرده است اميدوارى باو داده شد كه اگر دست از بدى بردارد و بخوبى گرايد و تدارك كند از او پذيرفته است و عاقبت بخير خواهد بود پس كار كنيد و تلافي گذشته نمائيد پيش از آنكه مرگ گريبان شما را بگيرد و چراغ عمل خاموش گردد، و طناب عمر بريده شود و وقت بسر آيد و فرصت از دست رود و در توبه بسته شود، و فرشتگان اعمال دست از كار بكشند و باسمان برشوند (كنايه از اين كه تن بكار دهيد پيش از آنكه عمر بسر آيد و مرگ بدر آيد). پس بايد بگيرد هر كسى از خود براى خود (يعنى خويشتن را رنج دهد و كار كند تا در آخرت او را بكار آيد)، و بايد بگيرد از زنده براى مرده (يعنى تا زنده است كارى كند كه چون بميرد او را بكار آيد). و از دنياى فانى براى سراى جاودانى يا از بدن فاني براى روح باقى، و از رونده و گذرنده براى دائم هميشگى (يعنى از دنيا براى عقبى يا از تن براى جان).
مرديكه از خدا بترسد و حال آنكه تا هنگام اجل فرصت دارد و عمل او مورد نظر است (يعنى تا زنده است بعمل كوشد و براى روز تنگدستى خويش كارى كند) مرديكه چارپاى سركش نفس را لگام زده و مهار كرده پس بلگامش وى را از معاصى باز مى دارد و بمهارش بسوى طاعت خدا مى كشاند.