منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 37
و من عهد له عليه الصلاة و السلام الى بعض عماله و قد بعثه على الصدقة- و هو المختار السادس و العشرون من باب كتبه عليه السّلام و رسائله:
أمره بتقوى اللّه في سرائر اموره و خفيّات أعماله حيث لا شهيد غيره، و لا وكيل دونه. و أمره أن لا يعمل بشيىء من طاعة اللّه فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسرّ، و من لم يختلف سرّه و علانيته و فعله و مقالته فقد أدّى الأمانة، و أخلص العبادة. و أمره ألّا يجبههم و لا يعضههم و لا يرغب عنهم تفضّلا بالإمارة عليهم فإنّهم الإخوان في الدّين، و الأعوان على استخراج الحقوق.
اللغة:
(لا يجبههم) أي لا يزجرهم أصله من الجبه بمعنى مقابلة الانسان بما يكرهه. قال ابن الأثير في النهاية: الجبه هو الاستقبال بالمكروه و أصله من اصابة الجبهة يقال: جبهته إذا أصبت جبهته. انتهى قوله. و قال الشارح المعتزلي: و أن لا يجبههم: لا يواجههم بما يكرهونه و أصل الجبه لقاء الجبهة أو ضربها فلما كان المواجه غيره بالكلام القبيح كالضارب جبهته سمّى بذلك جبها. انتهى. و في القاموس: جبهه كمنعه ضرب جبهته و ردّه أو لقيه بما يكره. انتهى. و في منتهى الأرب جبهه (من باب فتح): زد بر پيشانى او و رد كرد آن را، و بمكروه پيش آمد او را و نابايست آورد بر وى. انتهى. و قال اميّة بن أبي الصّلت في ابن له عقّه: «1»
غذوتك مولودا و علتك يافعا تعلّ بما ادني إليك و تنهل
إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت لشكوك إلّا ساهرا أتململ
كأنّي أنا المطروق دونك بالّذي طرقت به دوني و عيني تهمل
فلمّا بلغت السنّ و الغاية الّتي إليها مدى ما كنت فيك اؤمّل
جعلت جزائي منك جبها و غلظة كأنك أنت المنعم المتفضّل
فليتك إذ لم ترع حقّ ابوّتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
تراه معدّا للخلاف كأنّه بردّ على أهل الصّواب موكّل
(و لا يعضههم) اى لا يرميهم بالبهتان و الكذب و في القاموس عضه كمن عضها و يحرك و عضيهة و عضهة بالكسر كذب و سحر و نمّ و جاء بالإفك و البهتان كأعضه و فلانا بهته و قال فيه ما لم يكن انتهى. و قال المتوكل الليثي (الحماسة 442 من شرح المرزوقي).
احذر وصال اللّئيم إنّ له عضها إذا حبل وصله انقطعا
و قال المرزوقي في شرحه: احذر مواصلة اللئيم و مؤاخاته لأنّه إذا انقطع حبل وصله و انصرم ما يجمعك و إيّاه من ودّه يتكذّب عليك و يخلق من الإفك فيك ما لم تكتسبه لا بيدك و لا لسانك، و العضه ذكر القبيح كذبا و زورا و يقال:
______________________________
(1) الابيات من الحماسة فراجع الى شرح الحماسة للمرزوقى. الحماسة 254. منه.
عضهته إذا رميته بالزّور. و أعضه الرجل أتى بالعضيهة و هي الإفك، و من كلامهم يا للعضيهة و يا للأفيكة.
الاعراب:
كلمة أمره في المواضع الثلاثة من العهد مشكولة في نسخة عندنا قوبلت بنسخة الرّضي بفتح الهمزة و الميم و الراء، و في غيرها من النسخ الّتي عندنا آمره بمدّ الهمزة و ضمّ الميم و الراء، فعلى الأول فعل ماض مغايب و على الثاني متكلّم من المضارع، و الصواب هو الأوّل و ذلك لأنّ اسلوب كلامه عليه السّلام في هذا العهد على وزان عهده الّذي كتبه إلى محمّد بن أبي بكر حين ولّاه مصر و هو: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما عهد عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى محمّد بن أبي بكر حين ولّاه مصر أمره بتقوى اللّه و الطاعة في السرّ و العلانية- إلى أن قال عليه السّلام: و أمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة و الجماعة- إلى أن قال عليه السّلام: و أمره أن يجبى خراج الأرض- إلى أن قال عليه السّلام: و أمره أن يحكم بين النّاس بالحقّ- إلى آخر العهد. أتي به في جمهرة رسائل العرب (ص 532 ج 1) ناقلا عن تاريخ الطبرى (ص 231 ج 5) و شرح ابن أبي الحديد (ص 25 ج 2) فضمير أمر يرجع إلى الاسم الظاهر و هو عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام و كذا الكلام في هذا العهد لأنّه كما دريت طويل و لم يذكره الرضي كاملا، و كانت الكلمة على نسخة الرضى على هيئة الماضي فالمختار هو المتعيّن.
(فيخالف) الفعل منصوب لأنّه وقع بعد الفاء الّتي وقعت جوابا للنّفى أعنى لا يعمل و قد قرّر في النحو أنّ المضارع ينصب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء الّتي وقعت جوابا لنفى أو طلب، قال ابن مالك في باب اعراب الفعل من الألفية:
و بعد فا جواب نفى أو طلب محضين أن و سترها حتم نصب
(تفضلا) انتصب على المفعول له. و الظاهر أنّ قوله بالامارة متعلق بلا يرغب و إن امكن تعلقه بالأفعال الثلاثة جميعا. (فانّهم الأخوان) تعليل لما أمره ثالثا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 36
المصدر:
رواه القاضي نعمان المصري رحمه اللّه تعالى المتوفّى 363 ه ق- مسندا في دعائم الاسلام كما في الباب 12 من كتاب الزكاة من مستدرك الوسائل للمحدّث المتضلع الحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي- ره- (ص 516 ج 1)، و في باب أدب المصدّق من كتاب الزكاة من البحار للعلّامة المجلسي- ره- (ص 22 ج 20 من الطبع الكمبانى) و نقله من النهج في المجلّد الثامن من البحار (ص 642) و المنقول عن الدعائم أنّ أمير المؤمنين عليا عليه السّلام أوصي مخنف بن سليم الأزدي و قد بعثه علي الصدقة بوصيّة طويلة أمره فيها بتقوى اللّه ربّه في سرائر اموره و خفيات أعماله و أن يتلقاهم (يلقاهم- نسخة) ببسط الوجه و لين الجانب، و أمره أن يلزم التواضع و يجتنب التكبر فانّ اللّه يرفع المتواضعين و يضع المتكبّرين.
ثمّ قال له (و قال له. خ) يا مخنف بن سليم إنّ لك في هذه الصدقة حقا و نصيبا مفروضا (نصيبا و حقا مفروضا. خ) و لك فيها شركاء فقراء و مساكين و غارمون و مجاهدون و أبناء سبيل و مملوكون و متألّفون و إنّا موفّوك حقك فوفّهم حقوقهم و إلّا فانك من أكثر الناس يوم القيامة خصما و بؤسا لامرىء خصمه مثل هؤلاء. انتهى.
أقول: لم نجد الوصيّة بطولها فيما عندنا من الجوامع الروائية و غيرها مع كثرة الفحص و الجدّ في الطلب، و لم يحضرنا دعائم الاسلام و لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 43
المعنى:
قد أوصى أمير المؤمنين عليه السّلام مخنف بن سليم الأزدي بهذه الوصيّة لمّا بعثه على الصّدقة. قال الاسترابادي في كتاب رجاله الكبير: مخنف بن سليم الأزديّ عربي كوفي و في [د] مخنف بن سليم الأزدي [ى- جخ ] من خواصّه عربى. و في [ق ] في أصحابه من اليمن مخنف بن سليم الأزدي و كذا في [صه ] نقلا عنه و في الجامع مخنف بن سليم الأزدي بن الحارث بن عوف بن ثعلبة بن الدول بن سعد بن مناة ابن غامد الغامدى ولّاه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام اصفهان روى عنه ابنه أبو رملة و اسمه عامر عداده في أهل البصرة و قيل في أهل الكعبة. مخنف بكسر الميم و سكون الخاء المعجمة و فتح النون و بالفاء. سليم بضم السين و فتح اللام. و الدول بضم الدّال و باللّام. و غامد بالغين المعجمة و رملة بفتح الراء و باللّام. انتهى كلام الأسترابادي.
و أقول: ما حصل لنا من الجوامع و المجاميع أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أوصى مخنف بن سليم بهذه الوصيّة لمّا بعثه على الصدقة، و كتب إليه كتابا لمّا كان عامله على اصبهان و همدان و ذلك أنّ الأمير عليه السّلام لمّا أجمع أن يسير إلى الشام لقتال معاوية كتب إلى عمّاله يستفزّهم فكتب إلى مخنف:
سلام عليك فانّي أحمد اليك اللّه الّذي لا إله إلّا هو أمّا بعد فإنّ جهاد من صدف عن الحقّ رغبة عنه، و هبّ في نعاس العمي و الضلال اختيارا به، فريضة على العارفين، إنّ اللّه يرضي عمّن أرضاه و يسخط على من عصاه. و إنّا قد هممنا بالسير إلى هؤلاء القوم الّذين عملوا في عباد اللّه بغير ما أنزل اللّه، و استأثروا بالفيء و عطّلوا الحدود، و أماتوا الحقّ، و أظهروا في الأرض الفساد، و اتّخذوا الفاسقين وليجة من دون المؤمنين، فاذا وليّ اللّه أعظم أحداثهم أبغضوه و أقصوه و حرموه و إذا ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبّوه و أدنوه و برّوه، فقد أصرّوا على ظلمهم و أجمعوا على الخلاف و قديما صدّوا عن الحقّ و تعاونوا على الاثم و كانوا ظالمين فاذا أتيت بكتابى هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك و أقبل إلينا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 44
لعلّك تلقى معنا هذا العدوّ المحلّ فتأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر، و تجامع المحقّ، و تباين المبطل فإنّه لا غنى بنا و لا بك عن أجر الجهاد و حسبنا اللّه و نعم الوكيل.
و كتبه عبيد اللّه بن أبي رافع في سنة سبع و ثلاثين.
فاستخلف مخنف على اصبهان الحارث بن أبي الحارث بن الرّبيع، و استعمل على همدان سعيد بن وهب و كلاهما من قومه، و أقبل حتّى شهد مع على عليه السّلام صفّين.
نقله في جمهرة رسائل العرب (ص 458 ج 1) عن شرح ابن أبي الحديد (ص 282 ج 1).
قوله عليه السّلام: (أمره بتقوى اللّه إلخ) أمره عليه السّلام في هذا الوصيّة بأوامر بعضها يبيّن وظيفته مع الخالق تعالى و بعضها يبيّن وظيفته مع الخلق، و ذكر للأوّل أمرين أحدهما قوله عليه السّلام: أمره بتقوى اللّه إلخ، و قد تقدّم منّا أنّه عليه السّلام كان يوصى في أكثر كتبه و عهوده و وصاياه أوّلا بتقوى اللّه و كان هذا من دأبه عليه السّلام امتثالا لأمر اللّه سبحانه و اقتداء بكلامه حيث قال: «وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ» (النساء 132) فراجع إلى شرح المختار الثاني عشر من باب الكتب (ص 84 ج 18) و إلى شرح المختار الخامس و العشرين.
و قد أفاد بعض الأماجد أنّ جميع خيرات الدّنيا و الاخرة جمعت في كلمة واحدة هي التقوى. انظر إلى القرآن ما علّق عليها من خير و ثواب و أضاف إليها من سعادة و كرامة دنيوية و اخروية:
الأوّل الثناء عليها قال اللّه سبحانه: «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا».
الثاني الحفظ و الحراسة من الأعداء و الماكرين قال اللّه تعالى: «وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً».
الثالث التأييد و النصر قال اللّه تعالى: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا».
الرّابع النجاة من النار قال اللّه سبحانه: «ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا».
الخامس الخلود في الجنّة قال اللّه تعالى: «وَ سارِعُوا».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 45
السّادس النجاة من الشدائد و الرزق الحلال قال اللّه تعالى: «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ».
السّابع إصلاح العمل قال عزّ شأنه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ».
الثامن غفران الذّنب قال اللّه جلّ جلاله: «وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ»*.
التاسع محبّة اللّه تعالى عزّ اسمه: «بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ».
العاشر قبول الأعمال قال اللّه عمّ نواله: «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ».
الحادى عشر الاكرام و الإعزاز قال اللّه تبارك و تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ».
الثاني عشر البشارة عند الموت قال اللّه عظم شأنه: «الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ».
و لأجل اجتماع تلك الخصال قال اللّه سبحانه: «وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ».
و أفاد نحوه مع زيادات من روايات و إشارات الشّيخ العالم الرّباني جمال الدّين أحمد بن فهد الحلّي قدّس سرّه في أواخر كتاب عدّة الداعى و نجاح السّاعى (ص 226) فراجع.
و المرويّ في مجمع البيان في تفسير القرآن عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:
جماع التقوى في قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (النحل 91). قال:
و قيل: المتّقي الّذي اتّقى ما حرم عليه و فعل ما أوجب عليه. و قيل: هو الّذي يتّقى بصالح أعماله عذاب اللّه. و سأل عمر بن الخطّاب كعب الأخبار عن التقوى فقال:
هل أخذت طريقا ذا شوك؟ فقال: نعم، قال: فما عملت فيه؟ قال: حذرت و تشمّرت فقال كعب: ذلك التقوى. و نظمه بعض الناس فقال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 46
خلّ الذنوب صغيرها و كبيرها فهو التّقى
و اصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرة إنّ الجبال من الحصى
و روي عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: انما سمّي المتّقون لتركهم مالا بأس به حذرا للوقوع فيما به بأس. و قال عمر بن عبد العزيز: التقىّ ملجم كالمحرم في الحرم.
و قال بعضهم: التقوى أن لا يراك اللّه حيث نهاك و لا يفقدك حيث أمرك. انتهى ما في المجمع في المقام، و قد أتي به في أوّل سورة البقرة.
و أقول: ما نقله من سؤال عمر عن التّقوى أتى به السيوطى في الدرّ المنثور أيضا لكنّه قال: أخرج ابن أبي الدّنيا في كتاب التقوى عن أبي هريرة أنّ رجلا قال له: ما التقوى؟ قال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم قال: فكيف صنعت؟ قال إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه قال: ذاك التقوى انتهى. فليتأمّل.
ثمّ إنّ قول الشاعر: لا تحقرنّ صغيرة إنّ الجبال من الحصى، كأنه يشير إلى قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه: ايتونا بحطب فقالوا:
يا رسول اللّه نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب قال: فليأت كلّ انسان بما قدر عليه فجاءوا به حتّى رموا بين يديه بعضه على بعض فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: هكذا تجتمع الذّنوب ثمّ قال: إياكم و المحقرات من الذّنوب فانّ لكلّ شيء طالبا ألا و إنّ طالبها يكتب ما قدّموا و آثارهم و كلّ شيء أحصيناه في امام مبين. رواه الكليني قدّس سرّه في الكافي. و أتى به الفيض في باب استصغار الذنب و الاصرار عليه من الوافي (ص 168 ج 3).
و في أوّل سورة البقرة من تفسير الدرّ المنثور روايات و حكايات مفيدة في التقوى و لكن رأسها ما وصفه إمام المتقين عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام لهمّام بن شريح بن يزيد بن مرّة رضوان اللّه عليه و هو المختار 191 من باب الخطب من النهج أوّله:
روى أنّ صاحبا لأمير المؤمنين عليه السّلام يقال له همّام كان رجلا عابدا- إلخ. و قد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 47
رواه ثقة الاسلام الكليني في باب المؤمن و علاماته و صفاته من اصول الكافي ص 979 ج 2 من الكافي المشكول. و رواه الصّدوق- ره- في المجالس أيضا. و الشّيخ الكراجكي- ره- في كنز الفوائد. و هو مرويّ أيضا في كتاب سليم بن قيس الكوفي ص 190 من طبع النجف. و راجع أيضا إلى باب صفات الشيعة و أصنافهم من المجلّد الخامس عشر من البحار (ص 154 من الطبع الكمبانى). و إلى باب صفات المؤمن و علاماته من الوافي (ص 33 ج 3). و مرآة العقول (ص 201 ج 2) من المطبوع على الحجر.
ثمّ أوصى عليه السّلام أن يكون تقواه في سرائر أمره و خفيّات عمله و ذلك لأنّ الانسان يأبى عن إتيان الفواحش في مرئى الناس صونا عن أن يتطرق إليه ما لا يرضى ممّا يضرّه و يمنعه من الوصول إلى ما يهويه و يشتهيه. ثمّ علّل ذلك تنبيها له بقوله: (حيث لا شهيد غيره و لا وكيل دونه) فمن عرف أنّه تعالى شهيد و وكيل لا غير و أنّه بدّه اللازم و معه اينما كان فهو لا يفعل إلّا ما أجازه تعالى و أمره به فهذا العرفان و الشهود أشدّ بمراحل من الحضور مع الناس بل أين هذا من ذلك فلا يرتكب المعاصى إلّا الغافل الّذي لا يدري أنّه من هو و بين يدي من هو و مع من هو، فهو من الّذين قال عزّ من قائل: استحوذ عليهم الشّيطان فأنساهم ذكر اللّه. و بما قدّمناه دريت أنّ ما ذهب إليه الشارح المعتزلي و فسّر كلامه عليه السّلام حيث لا شهيد و لا وكيل بقوله يعنى يوم القيمة و هم، لأنّه تعالى شهيد و وكيل في الدّنيا و الاخرة. و تفسير الكلام هو ما بيّناه لا غير و ما فسّره الشارح المذكور يشابه كلام الظاهريين من المتكلّمين.
و روى ثقة الإسلام الكليني- ره- في الجامع الكافي عن إسحاق بن عمّار قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا إسحاق خف اللّه كأنّك تراه و إن كنت لا تراه فانه يراك، و ان كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت و إن كنت تعلم أنّه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك. و ما أجاد قول العارف عبد الرّحمن الجامي في سبحة الأبرار حيث قال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 48
در مقامي كه كنى قصد گناه گر كند كودكى از دور نگاه
شرم دارى ز گنه در گذرى پرده عصمت خود را ندرى
شرم بادت ز خداوند جهان كه بود واقف أسرار جهان
بر تو باشد نظرش بيگه و گاه تو كنى در نظرش قصد گناه
و قد مضى بحثنا عن رؤيته تعالى في المختار الثامن من كتبه عليه السّلام و رسائله (ص 242 ج 17) فراجع. و سيأتي نقل رسالتنا منفردة في لقائه تعالى فارتقب.
قوله: عليه السّلام (و أمره أن لا يعمل- إلخ) هذا ثانى الأمرين الذين ذكرهما بيانا لوظيفة العبد مع خالقه تعالى و حاصله أنّ العبد يجب له الاجتناب من الرياء و السمعة و النفاق، ثمّ عرّف الأمين و المخلص ترغيبا للعباد إليهما بقوله: (و من لم يختلف سرّه- إلخ.) و قد روى ثقة الإسلام الكليني قدّس سرّه في الجامع الكافي باسناده عن مسع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما زاد خشوع الجسد على القلب فهو عندنا نفاق. رواه في آخر باب صفة النفاق و المنافق من كتاب الايمان و الكفر من اصول الكافي (ص 289 ج 2 من الكافي المشكول).
و الظاهر أنّ المراد بالأمانة في المقام هو أمانة العامل على الصدقات بأن يقال:
لمّا كان عليه السّلام بعث مخنف بن سليم على الصّدقة و اتّخذه أمينا على حفظها في غيابه و بعض الناس يخالف سرّهم علانيتهم قال ذلك تحريضا للأمين إلى أداء الأمانة و إخلاص العبادة. و لكلامه هذا أثر تامّ لمن يبعث على عمل و حفظ مال و نحوهما حيث لا يعلم ما يعمل إلّا اللّه الشهيد الحفيظ.
قوله عليه السّلام: (و أمره أن لا يجبههم- إلخ) أخذ عليه السّلام في بيان وظيفة العامل مع الخلق أمره أن لا يواجههم بما يكرهونه و لا يقول فيهم ما لم يكن فيهم بأن يقول مثلا: ما تعلق به الزكاة من أموالكم كان أكثر من ذلك و انّما كتمتموها منّى أو ما تدّعون من أنكم أدّيتم الزكاة لا أتقبّل منكم و إنّما تقولون به فرارا من الزكاة و نحوها، و أن لا يعرض عنهم تفضلا بالإمارة عليهم أى لا يوجب إمارته عليهم هذه الامور كما هو دأب من غرّته الإمارة. ثمّ علّل عليه السّلام ما أمره به بقوله:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 49
(فإنّهم الاخوان في الدّين و الأعوان على استخراج الحقوق) فالاعراض عنهم و مقابلتهم بما يكرهون و الإفك فيهم يوجب تفرّقهم و تنفّر طباعهم، و تعطيل الحقوق و تفرقة الاخوان مستلزمة لتخريب البلدان، و تضييع الحقوق يؤدّى إلى مفاسد كثيرة، و قد أكّد عليه السّلام في مواضع كثيرة بتأدية حقوق الإخوان و مراعاة أحوالهم، و بيّن منزلتهم ببيانات شافية وافية، و كلامه عليه السّلام في ذلك في النهج مشحون.
الترجمة:
از جمله عهد آن حضرت عليه السّلام است كه آنرا به يكى از عمّالش هنگامى كه او را براى جمع زكاة فرستاده مرقوم فرمود:
امر كرد او را كه در امور پنهان و اعمال پوشيده اش با تقوى باشد چه گواهى جز خدا و وكيلى سواى او نيست.
و امر كرد او را كه در آشكار طاعتى بجا نياورد كه در پنهان خلاف آنرا مرتكب شود، و هر كه پنهان و آشكارش و كردار و گفتارش دو گونه و خلاف هم نيست امانت را ادا كرد و عبادت را به اخلاص گذرانده.
و امر كرد او را كه دست رد به پيشانى مردم نزند و نابايست و ناخوش بر آنها پيش نياورد، و بدانها بهتان نزند و بر آنها دروغ نبندد. و از جهت إمارت و حكومت بر آنان از ايشان روى برنگرداند چه آنان برادران دينى و ياوران بر گرفتن حقوق هستند.