منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 152
المختار الواحد و الخمسون من كتبه عليه السّلام و من كتاب له عليه السلام الى امراء البلاد في معنى الصلاة:
أمّا بعد، فصلّوا بالنّاس الظّهر حتّى تفىء الشّمس مثل مربض العنز، و صلّوا بهم العصر و الشّمس بيضاء حيّة في عضو من النّهار حين يسار فيها فرسخان، و صلّوا بهم المغرب حين يفطر الصّائم و يدفع الحاجّ إلى منى، و صلوا بهم العشاء حين يتوارى الشّفق إلى ثلث اللّيل، و صلّوا بهم الغداة و الرّجل يعرف وجه صاحبه، و صلّوا بهم صلاة أضعفهم و لا تكونوا فتّانين. (66171- 66105)
اللغة:
(مربض العنز): محلّ نوم الشاة طوله يقرب من ذراعين و عرضه يقرب من ذراع، (و يدفع الحاجّ إلى منى): وقت الافاضة من عرفات إلى منى و هو آخر يوم عرفة يبتدء من المغرب الشرعي، (يتوارى الشفق): يزول الحمرة المغربيّة الحادثة بعد غروب الشمس، (و الرجل يعرف وجه صاحبه): أى إذا كانا تحت السماء و لم يكن غيم و لا مانع.
الاعراب:
صلّوا بالناس: الباء في قوله: بالناس، يشبه أن تكون للتعدية كالباء في ذهب به لأنّ الامام يوجد الصلاة في المأمومين بتصدّيه للامامة كما أنّ ذهب به ربما يستعمل في مقام تصدّى الفاعل لهداية الذاهب و إمامته في الذهاب، مثل مربض العنز: أى فيئا مثل مربض العنز فحذف الموصوف و هو مفعول مطلق لقوله تفىء، و الشمس بيضاء حيّة مبتدأ و خبر و الجملة حاليّة عن فاعل صلّوا، و في عضو من النهار: ظرف مستقرّ خبر بعد خبر لقوله: و الشمس، و كذلك قوله: حين يسار فيها فرسخان، و يمكن أن يكون ظرفا لغوا متعلّقا بقوله: صلّوا، و قوله: حين يفطر الصائم، ظرف متعلّق بقوله: صلّوا.
المعنى:
هذا دستور لإقامة صلاة الجماعة مع النّاس إلى امراء البلاد لأنّ الإمامة في الصّلاة من أهمّ وظائف الامراء في الإسلام و خصوصا في ذلك العصر، لأنّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 153
الجماعة في الصلاة محور تربية المسلمين و تعليمهم لما يهمّهم من امور الدين و خصوصا تعليم آي القرآن و سوره، فانّ الامام يقرأ بعد الحمد ما يتيسّر من سور القرآن الكريم و المأمومين ينصتون له و يحفظون ما يقرؤه بالمداومة و المحافظة على الصلاة كما أنّ إقامة الصلاة في صفوف مرصوصة منظمّة يدرّبهم على الاصطفاف تجاه الأعداء في ميادين الجهاد و معارك القتال و هو فنّ نظامي عسكري كان له أثر كبير في تقدّم جيوش الاسلام و الغلبة على أعدائهم، و قد اشير إليه في قوله تعالى «إنّ اللّه يحبّ الّذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص 3- الصفّ» فالمقاتلة في صفّ كأنّهم بنيان مرصوص ممّا يدربون عليها في الاصطفاف لصلاة الجماعة.
فالظاهر أنّ هذا الدستور لا يرجع إلى تحديد أوقات الصلاة تشريعا بحيث يمكن الاستناد به لاثبات الوقت المشروع، نعم يستفاد منه أنّ إقامة الصلاة في هذه الأوقات مقرونة بالفضيلة و مناسبة مع حال الامّة.
و ليس الغرض منه تحديد وقت الصلاة الشرعي كما يظهر من ابن ميثم قال: «ص 133 ج 5» بيّن في هذا الكتاب أوقات الصلاة المفروضة، فالأوّل وقت الظهر وحدّه بوقت فيء الشمس أى رجوعها و ميلها إلى المغرب، ثمّ نبّه بتقديره بمربض العنز و هو أوّل وقت الظهر و ذلك ممّا يختلف باختلاف البلاد.
أقول: ظاهر كلامه بل صريحه أنّ رجوع الظلّ الحادث بعد الزوال إلى مقدار مربض العنز أوّل وقت الظهر، و فيه:
1- أنّ ظاهر قوله عليه السّلام: (صلّوا بالناس الظهر حتّى تفيء الشمس مثل مربض العنز) أنّ بلوغ الفىء إلى هذا المقدار آخر وقت صلاة الظهر، لأنّ لفظة حتّى تفيد انتهاء الغاية في الزمان و المكان لا ابتداءها، فالمقصود أنّه صلّوا الظهر من حين الزوال إلى أن يبلغ الفيء هذا المقدار.
2- أنّه مخالف لقوله تعالى «أقم الصّلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل و قرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودا 87- الأسراء».
قال في المجمع: أقم الصّلوة لدلوك الشمس، أى لزوالها و ميلها، يقال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 154
دلكت الشمس و النجوم من باب قعد دلوكا إذا زالت و مالت عن الاستواء، قال الجوهري: و يقال دلوكها غروبها، و هو خلاف ما صحّ عن الباقر عليه السّلام من أنّ دلوك الشمس زوالها، فهذه الاية شرّعت أوقات الصلاة و ابتدأت ببيان وقت الظهر من حين زوال الشمس و رجوع الفىء إلى مقدار مربض العنز متأخّر عنه بساعات خصوصا في البلاد الّتي يسامت الشمس رءوس أهلها و يزول الظلّ عند زوال الشمس كالمدينة في أيّام من كون الشمس في برج جوزاء.
3- أنّه مخالف لما اتّفق عليه الفقهاء الاماميّة من أنّ أوّل وقت صلاة الظهر من حين زوال الشمس و ميلها عن دائرة نصف نهار البلد.
قال المحقّق في الشرائع: فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت للظهر و العصر و إن كان يختصّ الظهر من أوّله بمقدار أدائها و كذا العصر من آخره و ما بينهما فمشترك.
قال صاحب الجواهر في شرح كلامه: كلّ ذلك على المشهور بين الأصحاب بل لا خلاف في كون الزوال مبدأ صلاة الظهر بين المسلمين كما عن المرتضى و غيره الاعتراف به عدا ما يحكى عن ابن عبّاس و الحسن و الشعبي من جواز تقديمها للمسافر عليه بقليل و هو بعد انقراضه لا يقدح في إجماع من عداهم من المسلمين على خلافه إن لم يكن ضروريّا من ضروريّات الدين.
ثمّ تعرّض صاحب الجواهر رحمه اللّه لأخبار كثيرة يستفاد منها تأخير وقت الظهر عن الزوال، فقال: فما في صحيح الفضلاء عن الباقر و الصادق عليهما السّلام من أنّ وقت الظهر بعد الزوال قدمان و وقت العصر بعد ذلك قدمان، و صحيح زرارة عن الباقر عليه السّلام أنّ وقت الظهر بعد ذراع من زوال الشمس و وقت العصر ذراعين من وقت الظهر، و ذلك أربعة أقدام من زوال الشمس، بل عن ابن مسكان أنّه قال:
حدّثني بالذراع و الذراعين سليمان بن خالد و أبو بصير المرادي و حسين صاحب القلانس و ابن أبي يعفور و من لا أحصيه منهم، و خبر عبد اللّه بن مسكان أنّه كان حائط مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل أن يظلّل قامة و كان إذا كان الفىء ذراعا و هو قدر مربض
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 155
غزال صلّى الظهر و إذا كان ضعف ذلك صلّى العصر و نحوه غيره.
و خبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السّلام: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان فيء الجدار ذراعا صلّى الظهر و إذا كان ذراعين صلّى العصر، قلت: إنّ الجدار يختلف، بعضها قصير و بعضها طويل؟ فقال: كان جدار مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يومئذ قامة.
و خبر إسماعيل بن عبد الخالق عن الصادق عليه السّلام: إنّ وقت الظهر بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلّا في يوم الجمعة أو في السفر فانّ وقتها حين تزول الشمس.
و مضمر ابن أبي نصر: سألته عن وقت صلاة الظهر و العصر؟ فكتب: قامة للظهر و قامة للعصر.
و خبر عمر بن سعيد بن هلال عن الصادق عليه السّلام: قال: قل لزرارة إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر و إذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر.
و خبر سعيد الأعرج عن الصادق عليه السّلام أيضا عن وقت الظهر، أ هو إذا زالت الشمس؟ فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلّا في السفر و يوم الجمعة فانّ وقتها إذا زالت الشمس فقال: بعد الزّوال.
و خبر ابن شعيب عن الصادق عليه السّلام: سألته عن صلاة الظهر؟ فقال: إذا كان الفيء ذراعا قلت: ذراعا من أيّ شيء؟ قال: ذراعا من فيئك، قلت: فالعصر؟
قال: الشطر من ذلك، قلت: هذا شبر؟ قال: أو ليس الشبر بكثير.
و خبر زرارة عن الصادق عليه السّلام أيضا: وقت الظهر على ذراع.
و خبر ذريح المحاربي: سأل أبا عبد اللّه اناس و أنا حاضر، إلى أن قال:
فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الاولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: النصف من ذلك أحبّ إليّ.
و خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: الصلاة في الحضر ثمان ركعات إذا زالت الشمس ما بينك و بين أن يذهب ثلثا القامة، فاذا ذهب ثلثا القامة بدأت بالفريضة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 156
و خبر عبيد بن زرارة: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من أفضل وقت الظهر؟ قال:
ذراع بعد الزوال، قال: قلت: فالشتاء و الصيف واحد؟ قال: نعم.
و يستفاد من مجموع هذه الأخبار امور:
1- أنّ المقصود من مربض العنز في كلامه عليه السّلام هو مقدار مربضه عرضا و يقرب من ذراع.
2- أنّ المقصود من هذه التعبيرات المختلفة كمربض العنز و مربض الغزال و الذراع و القدمين أمر واحد و أنّ اختلاف التعبير بمناسبة انس ذهن المخاطب بأحد هذه المقادير.
3- أنّ تأخير صلاة الظهر عن الزوال بهذا المقدار كان لغرض من الأغراض:
منها- إرادة الرخصة في التنفّل كما ذكره في الجواهر، قال: محمول على إرادة الرخصة للمتنفّل في تأخير الظهر هذا المقدار و أنّه لا يتوهّم حرمته للنهي عن التطوّع وقت الفريضة كما يؤمى إليه الأمر بالظهر عند الزوال حيث لا تشرع النافلة فيه كالسفر يوم الجمعة، و في خبر زرارة قال: قال لي: أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟ قال: قلت: لم؟ قال: لمكان الفريضة لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا فاذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة.
و منها- انتظار اجتماع الناس و حضورهم في الجماعة و عدم تخلّف أحد منها كما هو الظاهر من دستوره لامراء بلاده.
و منها- انتظار برودة الهواء في الأيّام الشديدة الحرّ كما ورد من قوله صلّى اللّه عليه و آله «أبردوا بصلاة الظهر» و فسّر بأنّ المقصود من الإبراد بصلاة الظهر هو تأخيره إلى أن يبلغ الظلّ مقدار ذراع و تنكسر سورة الحرّ.
هذا، و لم يتعرّض عليه السّلام في كتابه هذا لبيان آخر وقت الظهر، و هذا دليل على أنّه ليس في مقام تحديد الوقت، و وقت صلاة العصر بعد مضيّ مقدار أداء صلاة الظهر من الزوال و يمتدّ إلى غروب الشمس فيختصّ العصر بمقدار أربع ركعات من آخر النهار كما في مرسلة داود بن فرقد المنجبرة عن الصادق عليه السّلام إذا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 157
زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات فاذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقى وقت العصر حتّى تغيب الشمس- إلخ.
و لكنّه قرّر وقت أداء صلاة العصر و عقد الجماعة لها بقوله: (و صلّوا بهم العصر و الشمس بيضاء حيّة) أى لم ينكسر ضوؤها بقربها و هبوطها إلى افق المغرب ثمّ أوضح ذلك بقوله (حين يسار فيها فرسخان) و المقصود سير القوافل المعمولة و يشغل مسير الفرسخين ممّا يقرب من ساعتين و الظلّ في هذا الوقت يقرب من المثلين كما نقل في الجواهر: و دخل أبو بصير على أبي عبداللّه عليه السّلام فقال: إنّ زرارة سألني عن شيء فلم اجبه فقد ضقت من ذلك فاذهب أنت رسولي إليه فقل له: صلّ الظهر في الصيف إذا كان ظلّك مثلك و العصر إذا كان مثليك، و كان زرارة هكذا يصلّى في الصيف.
و لم يتعرّض عليه السّلام لبيان آخر وقت العصر أيضا و قد عرفت أنّه يمتدّ إلى غروب الشمس.
و أمّا صلاة المغرب فقد أمر بعقد الجماعة لها من أوّل وقتها و هو غروب الشمس و ذكر له علامتين:
1- حين يفطر الصائم، و إفطار الصائم إنّما يكون بعد انتهاء النهار و دخول الليل لقوله تعالى «ثمّ أتمّوا الصيام إلى الليل».
2- حين يدفع الحاجّ من عرفات إلى المشعر، و هو بعد انتهاء نهار عرفة أيضا و لكن في التعبير بقوله عليه السّلام: إلى منى، غموض فانّ دفع الحاجّ إلى منى إنّما يكون في عشيّة يوم التروية ليبيتوا بمنى ثمّ يذهبوا إلى عرفات من صبيحة اليوم التاسع و ليس له وقت محدود و على أيّ حال فالمقصود إقامة صلاة المغرب في أوّل الليل بعد انتهاء النهار، و قد اختلف كلمات الأصحاب في تحديده:
قال في الشرائع: و كذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب و يختصّ من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 158
أوّله بمقدار ثلاث ركعات ثمّ يشاركها العشاء حتّى ينتصف الليل و يختصّ العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع ركعات- إلى أن قال: و يعلم الغروب باستتار القرص و قيل: بذهاب الحمرة عن المشرق و هو الأشهر، قال صاحب الجواهر في شرحه:
بل في كشف اللثام أنّه مذهب المعظم بل هو المشهور نقلا و تحصيلا فتوى و عملا شهرة عظيمة سيّما بين المتأخّرين، بل في الرياض أنّ عليه عامّتهم إلّا من ندر، بل في المعتبر أنّ عليه عمل الأصحاب كما عن التذكرة بل عن السرائر الاجماع عليه ....
أقول: لا إشكال في أنّ المدار في دخول الليل و انتهاء النهار هو سقوط الشمس عن الافق و غيبوبة الشمس عن الأبصار و الأنظار و حلول السواد محلّ بياض النهار، و لكنّ البحث في أنّ سقوط الشمس عن أيّ الافق مدار نهاية النهار و دخول الليل، فالأفق الظاهري هو ما يحيط به خطّ موهوم يخرج من عين الناظر و يتّصل بمنتهى الافق في الأرض المستوية بحيث إذا هبطت عنه الشمس تغيب عن عين الناظر، و الافق الحقيقي هو ما يحيط به دائرة متوهّمة يمرّ بمركز الأرض من تحت رجل الناظر بحيث إذا جاوزت عنه الشمس تقع محاذية للقسم الأسفل من الكرة الأرضية، فسقوط الشمس عن الافق الظاهري محسوسة في الأرض المستوية و أمّا سقوطه عن الافق المركزي فيعلم بعلامة و هى ذهاب الحمرة المشرقيّة الحادثة أوان غيبوبة الشمس عن الافق الظاهري كان، فينبغي أن يقال أنّه لا خلاف في انّ حقيقة المغرب هو سقوط القرص كما أنّه لا خلاف بين الاماميّة في اعتبار ذهاب الحمرة علامة للمغرب، إنّما الكلام في تحقيق معنا ذهاب الحمرة عن المشرق، ففسّره بعضهم بانّه عبارة عن ارتفاع الحمرة إلى فوق الرأس ثمّ هبوطها إلى افق المغرب و ظهورها هناك، و لكنّه ليس بصحيح، لأنّ الحمرة المشرقيّة ترتفع عن الافق إلى فوق القامة ثمّ تمحو و تضمحلّ و لا مفهوم لتجاوز الحمرة عن فوق الرأس بهذا المعنى.
و فسّره بعضهم بارتفاع الحمرة عن افق المشرق إلى ما يتجاوز قامة إنسان معتدل بحيث إذا توهّم قيام إنسان في الافق الشرقي و قيس الحمرة المرتفعة معه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 159
كانت الحمرة فوق رأسه فيصحّ أن يقال إنّ الحمرة جاوزت عن الرأس، و هذا هو الصحيح.
فالحاصل أنّ المغرب يدخل بسقوط الشمس عن الافق المركزي و علامته ارتفاع الحمرة عن افق المشرق فوق القامة و إن كانت باقية بعد، و هذا هو المراد من تجاوز الحمرة قمّة الرأس، كما ورد في مرسل ابن أبي عمير الّذي وصفه في الجواهر بأنّه في قوّة المسند عن الصادق عليه السّلام وقت سقوط القرص و وقت الافطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة و تتفقّد الّتي ترتفع من المشرق فاذا جاوزت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار و سقط القرص- انتهى.
و هذا هو مراد ابن أبي عقيل فيما حكى عنه كما في الجواهر: «أوّل وقت المغرب سقوط القرص، و علامة ذلك أن يسودّ افق السماء من المشرق و ذلك الليل» فانّه لا معنى لتجاوز الحمرة عن قمّة الرأس إلّا ارتفاعها فوق القامة فانّها بعد ذلك تضمحلّ و تمحو فانّ ظهور هذا الحمرة إنّما هو من تجلّي أشعّة الشمس في الطبقة البخاريّة الهوائيّة حول الافق.
و يؤيّد ذلك ما رواه في الجواهر عن كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب، قال: أمرت أبا الخطّاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس فجعل هو الحمرة الّتي من قبل المغرب و كان يصلّي حين يغيب الشفق.
هذا، و لم يتعرّض عليه السّلام في كتابه هذا لبيان آخر وقت صلاة المغرب و قد عرفت أنّه يمتدّ إلى نصف الليل و إن اختصّ من آخره مقدار أربع ركعات بصلاة العشاء.
ثمّ قال عليه السّلام (و صلّوا بهم العشاء حين يتواري الشفق الى ثلث الليل).
فقد فسّر الشفق بالحمرة المغربية، قال في الشرح المعتزلي: فأمّا وقت العشاء فقال الشعافعي: هو أن يغيب الشفق و هو الحمرة- إلى أن قال: و قد حكينا مذهب أبي حنيفة فيما تقدّم و هو أن يغيب الشفق الّذي هو البياض و به قال زفر و المزني- انتهى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 160
فقد ترى اختلاف الفقهاء في أنّ الشفق هو الحمرة المغربيّة القليلة البقاء بعد غروب الشمس أو البياض الباقي في افق المغرب إلى ما يقرب ساعتين من الليل، و قد فسّر بعض الفقهاء الشفق بالحمرة المغربيّة فقال بضيق وقت المغرب و نافلتها حيث إنّ هذا الوقت لا يكفي إلّا لأداء فريضة المغرب و نافلتها، و الظاهر أنّ المراد من الشفق في كلامه عليه السّلام هو البياض الساطع بعد غروب الشمس إلى مقدار ساعة و نصف من الليل تقريبا فانّه المعهود لأداء صلاة العشاء عند تفريقها عن صلاة المغرب، و عليه جرت السنّة و السيرة في مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلى عصرنا هذا.
و حدّد عليه السّلام آخر وقت أداء صلاة العشاء بمضيّ ثلث الليل و ظاهره سعة وقت إقامة الجماعة في صلاة العشاء إلى ثلث الليل باختلاف وضع البلدان و اختلاف الليل و النهار في الفصول المختلفة و ليس المقصود أنّ ثلث الليل نهاية وقت صلاة العشاء على وجه الاطلاق، لما عرفت ممّا ذكرنا أنّ هذا الكتاب ليس بصدد بيان الأوقات بحدودها، بل المقصود منه دستور لإقامة الجماعة في وقت مناسب لها.
و أمّا الغداة فقال عليه السّلام كنايه (و صلّوا بهم الغداة و الرجل يعرف وجه صاحبه) و هذا التعبير كناية عن بسط ضوء الفجر بحيث يعرف الرجل صاحبه إذا نظر إليه كما عبّر في القرآن الكريم عن الفجر الصادق بقوله عزّ من قائل «حتّى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر» ففسّره بعضهم بأنّ المراد منه بسط ضوء الصباح إلى حيث يمتاز الخيط الأسود من الخيط الأبيض لأصحاب العيون الصحيحة، بناء على أنّ لفظة من في قوله تعالى «من الفجر» للتعليل فالمقصود أنّ الفجر يعتبر من بسط الضوء إلى حيث يكشف الظلمة و يتبين الأشياء فيمتاز الخيط الأسود من الخيط الأبيض أو يعرف الرجل وجه صاحبه إذا لم يكن هناك مانع من غيم أو سقف أو غيرهما.
و قد وصّى عليه السّلام امراءه بعد بيان أوقات الجماعة بأمرين:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 20، ص: 161
1- مراعاة حال الضعفاء في الصلاة بترك التطويل و أداء المستحبّات في الركوع و السجود فيصعب الأمر على الضعفاء و يرد عليهم المشقّة فيبغضون الجماعة.
2- ترك الفتنة في إقامة الجماعة و هي على وجوه:
الالف- أى لا تفتنوا الناس بإتعابهم و إدخال المشقّة عليهم بإطالة الصلاة و إفساد صلاة المأمومين بما يفعلونه من أفعال مخصوصة ...، هكذا فسّره في الشرح المعتزلي.
ب- وجه الفتنة هنا أنّهم يكونون صادفين للناس عن الاتّفاق و التساعد على الجماعة باطالتها المستلزمة لتخلّف العاجزين و الضعفاء، هكذا فسّره ابن ميثم «ص 134 ج 5».
أقول: و أنت ترى أنّ كلا التفسيرين متشابهان و كأنّه تكرار للأمر الأول.
ج- أن يكون المراد من النهي عن الفتنة عدم التوسّل بالمأمومين و اجتماعهم لاثارة الخلاف و الصول على المخالفين أو عدم الافتتان بالصفوف المرتصّة خلفهم فيدخلهم الكبرياء و العجب، فتدبّر.
الترجمة:
از يك نامه اى كه در معنى نماز بفرماندهان بلاد نگاشت:
أمّا بعد نماز ظهر را براى مردم بخوانيد تا گاهى كه سايه خورشيد باندازه خوابگاه گوسفندى بر گردد، و نماز عصر را هنگامى براى آنان بخوانيد كه خورشيد پرتو افكن و زنده است و قسمتى از روز باقى است باندازه اى كه بتوان مقدار دو فرسخ در آن طىّ مسافت كرد (پياده يا با چهارپا)، نماز مغرب را در آن گاه برايشان بخوانيد كه روزه دار افطار كند و حاج از عرفات كوچ كنند «بسوى منى»، و نماز عشا را در آن گاه برايشان بخوانيد كه شفق نهان مى شود تا يك سوم أز شب، و نماز بامداد را در آن گاه بخوانيد كه هر مردى چهره مصاحب خود را مى شناسد، نماز را برابر توانائى ضعيف ترين مردم بخوانيد، و در نماز فتنه جو مباشيد.