و في أيدينا بعد فضل النّبوّة الّتي أذللنا بها العزيز، و نعشنا بها الذّليل. و لمّا أدخل اللّه العرب في دينه أفواجا، و أسلمت له هذه الأمّة طوعا و كرها كنتم ممّن دخل في الدّين إمّا رغبة و إمّا رهبة على حين فاز أهل السّبق بسبقهم، و ذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم. فلا تجعلنّ للشّيطان فيك نصيبا، و لا على نفسك سبيلا. (57352- 57177)
اللغه:
«نعشنا» نعشه اللّه ينعشه من باب منع أي رفعه، قال الجوهريّ: لا يقال أنعشه اللّه، و سمّى سرير الميّت نعشا لارتفاعه و إذا لم يكن عليه ميّت محمول فهو سرير، قاله ابن الأثير في النهاية، و قال المرزوقي في شرحه على الحماسة (368): النعش شبيه بالمحفّة كان يحمل عليه الملك إذا مرض؛ ثم كثر حتّى سمّي النعش الّذي فيه الميّت نعشا.
«رغبة» بالفتح فالسكون مصدر من قولك رغب فيه من باب علم إذا أراده بالحرص عليه و أحبّه. و «رهبة» كالرغبة أي الخوف مصدر رهب الرّجل منه من باب علم إذا خاف منه.
الاعراب:
في أيد خبر فضل النبوّة قدّم توسعا للظرف و الواو للحال فالجملة حالية بعد مبني على الضمّ حذف المضاف إليه بقرينة المقام كما سيعلم في المعنى، نعشنا عطف على قوله اذللنا.
«كنتم» جواب لمّا، و أفرد دخل لظاهر من، على حين كقوله تعالى: «دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها» (القصص- 16) و قال الفاضل أبو البقاء يعيش بن عليّ بن يعيش في تفسير التبيان في إعراب القرآن: على حين غفلة حال من المدينة و يجوز أن يكون حالا من الفاعل أي مختلسا. انتهى، ففي المقام جاز أن يكون على حين حالا من ضمير كنتم أو من الدّين و إن كان الأوّل أنسب بسياق الكلام.
«طوعا» و «كرها» مصدران في موضع الحال و كذا رغبة و رهبة و ذو الحال في الصورة الاولى الامّة و في الثانية من «و ذهب» عطف على فاز، أي على حين ذهب، و الباء في بفضلهم للتّعدية أعني صار فعل ذهب بها متعدّيا، و في باء التعدية معنى المصاحبة أيضا، و لذلك إذا تعدّى الفعل اللازم بباب الافعال يفيد معنى، و إذا تعدّى بباء الجر يفيد معنى آخر يغاير الأوّل؛ مثلا إذا قلت اذهبت زيدا جعلت زيدا ذاهبا و ما ذهبت معه، و إذا قلت ذهبت بزيد جعلته ذاهبا و أنت أيضا ذاهب معه لمكان الباء؛ فتبصّر من لطافة قوله عليه السّلام و ذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم. و الأوّلون صفة للمهاجرين، و الباء في بسبقهم سببيّة.
«نصيبا» مفعول لا تجعل، و للشيطان متعلق به و كذلك فيك قدّما عليه توسعا للظّروف.
«و لا على نفسك سبيلا» معطوف على الشيطان فسبيلا مفعول الفعل و على نفسك متعلق به قدّم عليه للظرفيّة.
المعنى:
قال عليه السّلام: «و في أيدينا بعد فضل النبوّة الّتي أذللنا بها العزيز و نعشنا بها الذليل» هذا ردّ على قول معاوية: «ليس لبعضنا على بعض فضل إلّا فضل لا يستذلّ به عزيز و لا يسترقّ به حرّ» معناه: و الحال أنّ لنا فضلا آخر عليكم بعد الفضائل المتقدّمة و هو فضل النبوّة، و لمّا استثنى معاوية بقوله إلّا فضل لا يستذلّ به- إلخ أجابه الأمير عليه السّلام تبكيتا له و إفحاما و ردّا لادّعائه الباطل بقوله: الّتي أذللنا بها العزيز كأبي سفيان و أبي لهب و أضرابهما، و رفعنا بها الذّليل كأكثر الصحابة و التابعين كانوا خاملى الذكر و لمّا آمنوا رفع اللّه لهم ذكرهم.
بل كان لابائه أعني بني هاشم فضل و شرف و مجد كانوا أعوانا للمظلوم و إن كان خاملا ذليلا، و خصماء للظالم و إن كان عزيزا نبيها، و كانوا يؤدّون كلّ ذي حقّ حقّه و يذلّون العزيز الظالم و ينعشون المظلوم الذليل.
و في قوله عليه السّلام: و في أيدينا بعد فضل النبوّة اشارة إلى انّه ربّي في بيت النبوّة و اقتبس من مشكاة الرّسالة، و أنّ نور النبوّة كان في بني هاشم ينتقل عن واحد منهم بعد واحد حتّى انتقل إلى عبد اللّه بن عبد المطّلب والد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أنّ بني هاشم كانوا ببركة هذا النّور يذلّون العزيز و يرفعون الذّليل، و كان لهم به شرف و فضل لم يكن لغيرهم، و أنّ من كان من بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و أهله إنّما كان شأنه اعانة المظلوم و إغاثته، و قمع الظلم و دفع الظالم، و اللّه أعلم حيث يجعل رسالته، و لا يخفى عليك أنّ هذا الفضل لا يعادله شيء.
قوله عليه السّلام «و لما أدخل اللّه العرب- إلخ» بعد ما عرّف عليه السّلام نفسه و آباءه بأنّهم من بيت النبوّة و لهم فضل النبوّة و كانوا حماة النّاس و رعاتهم عقّبه بذكر رذيلة للخصم بأنّه و أباه و أتباعهما- كما أتى بلفظة الجمع حيث قال كنتم- ممّن دخلوا في دين اللّه لا عن اخلاص بل كانوا متمرّدين عاصين كارهين إلّا أنّهم لمّا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 280
رأوا أنّ دين اللّه استولى على النّاس و أظهره اللّه تعالى على الدّين كلّه لم يجدوا مخلصا و محيصا إلّا أن يستسلموا إمّا رغبة إلى زخارف الدّنيا، و إمّا رهبة من سيوف المسلمين و قد مضى في ذلك كلام عمّار و ابن الحنفية في المختار السابق عند قوله عليه السّلام: «و الّذي فلق الحبّة و برىء النسمة ما أسلموا و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر فلما وجدوا عليه أعوانا أظهروه» فراجع.
على أنّهم إنّما أسلموا ظاهرا بعد ما فاز أهل السبق بسبقهم و ذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم، و إنّما الفضل للمتقدّم لأنّه إمام في فعله وداع إلى الخير و للسّابق إلى الاسلام و دعوة الناس إلى اللّه فضيلة على غيره لا تنكر.
و قوله عليه السّلام: «و لمّا أدخل اللّه العرب في دينه أفواجا» اشارة إلى سورة النصر.
و قوله عليه السّلام: «على حين فاز أهل السبق بسبقهم و ذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم» اشارة إلى قوله تعالى: «وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (التوبة 100).
قوله عليه السّلام: فلا تجعل للشيطان- إلخ معناه كما أفاده الفاضل الشارح المعتزلي: لا تستلزم من أفعالك ما يدوم به كون الشيطان ضاربا فيك بنصيب لأنّه ما كتب إليه هذه الرّسالة إلّا بعد أن صار للشيطان فيه أوفر نصيب و إنّما المراد نهيه عن دوام ذلك و استمراره.
في صفّين لنصر بن مزاحم (ص 110 من الطبع الناصري) أنّ عمّارا جعل يقول (يعني يوم صفّين): يا أهل الإسلام أ تريدون أن تنظروا إلى من عادى اللّه و رسوله و جاهدهما و بغي على المسلمين و ظاهر المشركين فلمّا أراد اللّه أن يظهر دينه و ينصر رسوله أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فأسلم و هو و اللّه فيما يرى راهب غير راغب و قبض اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و اله و إنّا لنعرفه بعداوة المسلم و مودّة المجرم، ألا و إنّه معاوية فالعنوه لعنه اللّه، و قاتلوه فانّه ممّن يطفأ نور اللّه و يظاهر أعداء اللّه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 281
حديث فتح مكة و أن أهل مكة الطلقاء:
لمّا صالح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قريشا عام الحديبيّة كان في أشراطهم أنّه من أحبّ أن يدخل في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله دخل فيه فدخلت خزاعة في عقد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كنانة في عقد قريش فأعانت قريش كنانة فأرسلوا مواليهم فوثبوا على خزاعة فقتلوا فيهم فجاءت خزاعة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فشكوا إليه ذلك و كان ذلك ممّا هاج فتح مكّة فأحلّ اللّه لنبيّه قطع المدّة الّتي بينه و بينهم و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال للناس كأنّكم بأبي سفيان قد جاء ليشدّ العقد و يزيد في المدّة و سيلقي بديل بن ورقاه فلقوا أبا سفيان بعسفان و قد بعثته قريش إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله ليشدّ العقد و يزيد في المدّة فلمّا لقى أبو سفيان بديلا قال: من أين أقبلت يا بديل؟ و ظنّ أنّه أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال: سرت في هذا الساحل و في بطن هذا الوادي قال: ما أتيت محمّدا؟ قال: لا؛ فلما راح بديل إلى مكّة فقال أبو سفيان: لئن كان جاء من المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته و أخذ من بعرها ففتّه فرأى فيه النوى فقال: احلف باللّه تعالى لقد جاء بديل محمّدا.
ثمّ خرج أبو سفيان حتّى قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فدخل على ابنته امّ حبيبة فلمّا ذهب ليجلس على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله طوته عنه؛ فقال: يا بنيّة ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عنّي؟
قالت امّ حبيبة: بل هو فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أنت رجل مشرك نجس و لم احبّ أن تجلس على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.
قال: و اللّه لقد أصابك يا بنيّة بعدي شرّ.
ثمّ خرج حتّى أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فكلّمه فقال: يا محمّد احقن دم قومك و أجر بين قريش و زدنا في المدّة.
فقال صلّى اللّه عليه و اله: أغدرتم يا أبا سفيان؟ قال: لا، قال: فنحن على ما كنّا عليه.
فخرج أبو سفيان فلقي أبا بكر فقال: أجر بين قريش.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 282
قال: ويحك و أحد يجير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟ ما أنا بفاعل.
ثمّ لقى عمر بن الخطّاب فقال له مثل ذلك.
فقال عمر: أ أنا أشفع لكم إلى رسول اللّه فو اللّه لو لم أجد إلّا الذّرّ لجاهدتكم به.
ثمّ خرج فدخل على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و عنده فاطمه بنت رسول اللّه سلام اللّه عليها و عندها حسن بن عليّ غلام يدبّ بين يديها، فقال: يا عليّ إنّك أمسّ القوم بي رحما، و إنّي قد جئت في حاجة فلا أرجعنّ كما جئت خائبا فاشفع لي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.
فقال: ويحك يا أبا سفيان! و اللّه لقد عزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على أمر ما نستطيع أن نكلّمه فيه.
فالتفت إلى فاطمة عليها السّلام فقال: يا بنت محمّد هل لك أن تأمري بنيّك هذا فيجير بين النّاس فيكون سيّد العرب إلى آخر الدّهر؟
قالت: و اللّه ما بلغ بنيّ ذاك أن يجير بين النّاس، و ما يجير أحد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.
و في مجمع الطبرسيّ: دخل أبو سفيان بعد ما خرج من عند ابنته امّ حبيبة على فاطمة عليها السّلام فقال: يا بنت سيّد العرب تجيرين بين قريش و تزيدين في المدّة فتكونين أكرم سيّدة في النّاس؟
فقالت: جواري جوار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.
أ تأمرين (فقال: أ تأمرين- ظ) ابنيك أن يجيرا بين النّاس؟ قالت: و اللّه ما بلغ ابناى أن يجيرا بين النّاس و ما يجير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أحد.
فقال: يا أبا الحسن إنّي أرى الامور قد اشتدّت عليّ فانصحني.
قال: و اللّه ما أعلم شيئا يغني عنك شيئا و لكنّك سيّد بني كنانة فقم فأجر بين النّاس ثمّ الحق بأرضك.
قال: أو ترى ذلك مغنيا عنّي شيئا؟
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 283
قال: لا و اللّه ما أظنّه و لكنّي لا أجد لك غير ذلك.
فقام أبو سفيان في المسجد فقال: أيّها النّاس إنّي قد أجرت بين النّاس، ثمّ ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا: ما وراءك؟
قال: جئت محمّدا فكلّمته فو اللّه ما ردّ عليّ شيئا ثمّ جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرا، ثمّ جئت ابن الخطّاب فوجدته أدنى العدوّ، ثمّ جئت عليّا فوجدته ألين القوم و قد أشار عليّ بشيء صنعته فو اللّه ما أدري هل يغني ذلك شيئا أم لا؟
قالوا: و بم أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين النّاس ففعلت؛ قالوا: فهل أجار ذلك محمّد؟
قال: لا؛ قالوا: ويلك! أما و اللّه إن زاد عليّ بن أبي طالب على أن لعب بك فما يغني عنك ما قلت، قال: لا و اللّه ما وجدت غير ذلك.
ثمّ عزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على غزو مكّة و قال: اللّهمّ أعم الأخبار عنهم- يعني قريشا- فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب إلى قريش بخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و ما اعتزم عليه فنزل جبرئيل فأخبره بما فعل حاطب فوجّه بعليّ بن أبي طالب و الزّبير و قال خذ الكتاب منها فلحقاها و قد كانت تنكّبت الطريق فوجد الكتاب في مشعرها، و قيل في فرجها فأتيا به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأسرّ إلى كلّ رئيس منهم بما أراد و أمره أن يلقاه بموضع سمّاه و أن يكتم ما قال له فأسرّ إلى خزاعي بن عبد نهم أن يلقاه بمزينة بالروحاء، و إلى عبد اللّه بن مالك أن يلقاه بغفار بالسقيا، و إلى قدامة بن ثمامة أن بلقاه ببني سليم بقديد، و إلى الصعب بن جثامة أن يلقاه ببني- ليث بالكديد.
و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوم الجمعة حين صلّى صلاة العصر لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة ثمان، و قيل لعشر مضين من رمضان، و استخلف على المدينة أبا لبابة ابن عبد المنذر و لقيته القبائل في المواضع الّتي سمّاها لهم و أمر النّاس فأفطروا، و سمّى الّذين لم يفطروا العصاة و دعا بماء فشربه و تلقّاه العبّاس بن عبد المطّلب في بعض
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 284
الطريق فلمّا صار بمرّ الظهران خرج أبو سفيان بن حرب يتجسّس الأخبار و معه حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء و هو يقول لحكيم ما هذه النيران؟ فقال خزاعة أحمشتها الحرب، فقال خزاعة: أقل و أذل و سمع صوته العبّاس فناداه يا أبا حنظلة (يعني به أبا سفيان) فأجابه فقال له: يا أبا الفضل ما هذا الجمع؟ قال: هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأردفه على بغلته و لحقه عمر بن الخطّاب و قال: الحمد للّه الّذي أمكن منك بغير عهد و لا عقد فسبقه العبّاس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال: يا رسول اللّه هذا أبو سفيان قد جاء ليسلم طائعا فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: قل أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أني محمّد رسول اللّه، فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و جعل يمتنع من أن يقول و أنّك رسول اللّه فصاح به العباس فقال.
و في نقل آخر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال له: يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلّا اللّه؟ فقال: بأبي أنت و امّي ما أوصلك و أكرمك و أرحمك و أحلمك و اللّه لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر و يوم احد فقال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول اللّه؟ فقال: بأبي أنت و امّي أمّا هذه فإنّ في النفس منها شيئا، قال العبّاس: فقلت له ويحك اشهد بشهادة الحقّ قبل أن يضرب عنقك فتشهّد كما في السيرة لابن هشام (ص 403 ج 2).
ثمّ سأل العبّاس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن يجعل له شرفا و قال: إنّه يحبّ الشرف فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: من دخل دارك يا أبا سفيان فهو آمن.
فلما ذهب لينصرف قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: يا عبّاس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتّى تمرّ به جنود اللّه فيراها، قال عبّاس: فخرجت حتّى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن أحبسه و مرّت القبائل على راياتها، كلّما مرّت قبيلة قال: يا عبّاس من هذه؟ فأقول: سليم، فيقول: مالي و لسليم، ثمّ تمرّ القبيلة فيقول: يا عبّاس من هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: مالي و لمزينة، حتّى نفدت القبائل ما تمرّ به قبيلة إلّا يسألني عنها فإذا أخبرته بهم قال: مالي و لبني فلان حتّى مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في كتيبته الخضراء من المهاجرين و الأنصار في الحديد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 285
لا يرى منهم إلّا الحدق فقال: سبحان اللّه من هؤلاء يا أبا الفضل- يعني به العباس-؟
قلت: هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المهاجرين و الأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل و لا طاقة، و اللّه يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما، قال: قلت: ويحك يا أبا سفيان إنّه ليس بملك إنّما هي النبوّة، قال: فنعم إذن.
و مضى أبو سفيان مسرعا حتّى دخل مكّة فأخبرهم الخبر و قال هو اصطلام إن لم تسلموا و قد جعل أنّ من دخل داري فهو آمن، فوثبوا عليه و قالوا: ما يسع دارك؟ فقال: و من أغلق بابه فهو آمن، و من دخل المسجد فهو آمن.
و فتح اللّه على نبيّه و كفاه القتال و دخل مكّة و دخل أصحابه من أربعة مواضع و أحلّها اللّه له ساعة من نهار.
ثمّ قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فخطب فحرمها، و أجارت أمّ هاني بنت أبي طالب حموين لها: الحارث بن هشام، و عبد اللّه بن أبي ربيعة فأراد عليّ عليه السّلام قتلهما؛ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: يا عليّ قد أجرنا من أجارت امّ هاني، و آمنهم جميعا إلّا خمسة نفر أمر بقتالهم و لو كانوا متعلّقين بأستار الكعبة، و أربع نسوة.
و هم: عبد اللّه بن عبد العزّى بن خطل من بني تيم الأكرم بن غالب، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله وجّهه مع رجل من الأنصار فشدّ على الأنصاري فقتله و قال: لا طاعة لك و لا لمحمّد.
و عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح العامري و كان يكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فصار إلى مكّة فقال: أنا أقول كما يقول محمّد و اللّه ما محمّد نبيّ و لقد كان يقول لي اكتب «عزيز حكيم» فأكتب «لطيف خبير» و لو كان نبيّا لعلم فاواه عثمان و كان أخاه من الرضاع و أتى به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فجعل يكلّمه فيه و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ساكت ثمّ قال: هلا قتلتموه؟ فقالوا: انتظرنا أن تومئ؛ فقال: إنّ الأنبياء لا تقتل بالإيماء.
و مقيس بن صبابة أحد بني ليث بن كنانة و كان أخوه قتل فأخذ الدّية من قاتله ثمّ شدّ عليه فقتله.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 286
و الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد قصى كان ممّن يؤذي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بمكّة و يتناوله بالقول القبيح.
و النسوة: سارة مولاة بني عبد المطّلب و كانت تذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بالقبيح.
و هند بنت عتبة، و قريبة و فرتا (كذا) جاريتا ابن خطل كانتا تغنّيان في هجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.
و أسلمت قريش طوعا و كرها، و أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مفتاح البيت من عثمان ابن أبي طلحة و فتح الباب بيده و ستره ثمّ دخل البيت فصلّى فيه ركعتين ثمّ خرج فأخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له أنجز وعده و نصر عبده و غلب الأحزاب وحده فللّه الحمد و الملك لا شريك له.
ثمّ قال: ما تظنّون و ما أنتم قائلون؟ قال سهيل: نظنّ خيرا و نقول خيرا أخ كريم و ابن عمّ كريم و قد ظفرت، قال: فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف «لا تثريب عليكم اليوم».
ثمّ قال: ألا كلّ دم و مال و مأثرة في الجاهليّة فإنّه موضوع تحت قدميّ هاتين إلّا سدانة الكعبة و سقاية الحاجّ فإنّهما مردودان إلى أهليهما، ألا و إنّ مكّة محرّمة بحرمة اللّه لم تحلّ لأحد من قبلي و لا تحلّ لأحد من بعدي و إنّما حلّت لي ساعة ثمّ أغلقت فهي محرمة إلى يوم القيامة لا يختلي خلاها، و لا يعضد شجرها، و لا ينفر صيدها، و لا تحلّ لقطتها إلّا لمنشد، ألا إنّ في القتل شبه العمد الدّية مغلّظة، و الولد للفراش و للعاهر الحجر.
ثمّ قال: ألا لبئس جيران النبيّ كنتم لقد كذبتم و طردتم و أخرجتم و آذيتم ثمّ ما رضيتم حتّى جئتموني في بلادي تقاتلونني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فخرج القوم فكأنّما انشروا من القبور.
و دخل مكّة بغير احرام و أمر بلالا أن يصعد على الكعبة فأذّن فعظم ذلك على قريش و قال عكرمه بن أبي جهل و خالد بن أسيد: إنّ ابن رباح ينهق على الكعبة. و تكلّم قوم معهما فارسل إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقالوا: قد قلنا فنستغفر اللّه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 287
فقال: ما أدرى ما أقول لكم و لكن تحضر الصلاة فمن صلّى فسبيل ذلك و إلّا قدّمته فضربت عنقه.
و أمر بكلّ ما في الكعبة من صورة فمحيت و غسلت بالماء، و نادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من كان في بيته صنم فليكسره فكسروا الأصنام.
و دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بالنساء فبايعنه و نزلت عليه سورة إذا جاء نصر اللّه و الفتح فقال: نعيت إلى نفسي.
و اعلم أنّه قد مضى بحثنا الكلامي عن عمل عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح و طرح بعض روايات وردت فيه فراجع إلى شرح المختار الأوّل من باب الكتب و الرّسائل (ص 210- 213 ج 16).
و كذا قد تقدّم وجه دلالة سورة النصر على رحلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في شرح المختار 233 من باب الخطب (ص 79 ج 15).
و قيل لأهل مكّة الطّلقاء لقوله صلّى اللّه عليه و اله لهم: فاذهبوا و أنتم الطّلقاء، و لذا قالت عقيلة بني هاشم الصدّيقة الصغرى زينب بنت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في احتجاجها على يزيد بن معاوية: أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماءك و سوقك بنات رسول اللّه سبايا؟
و عن ابن مسعود قال: دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يوم الفتح و حول البيت ثلاثمائة و ستّون صنما فجعل يطعنها بعود في يده و يقول: جاء الحقّ و ما يبدىء الباطل و ما يعيد، جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا.
و عن ابن عبّاس قال: لمّا قدم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إلى مكّة أبى أن يدخل البيت و فيه الالهة فأمر بها فاخرجت صورة إبراهيم و إسماعيل عليهما السّلام و في أيديهما الأزلام؛ فقال صلّى اللّه عليه و اله: قاتلهم اللّه أما و اللّه لقد علموا أنّهما لم يستقسما بها قطّ، و جاء ابن الزّبعرى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أسلم و قال:
يا رسول المليك إنّ لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أبارى الشيطان في سنن الغيّ و من مال ميله مثبور
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 288
آمن اللحم و العظام لربّي ثمّ قلبي الشهيد أنت النّذير
إنّني عنك زاجر ثمّ حيّا من لؤيّ و كلّهم مغرور
و ابن الزّبعرى هذا هو الّذي تقدّم الكلام فيه في شرح المختار الخامس عشر من باب الكتب و الرّسائل.
طائفة من احتجاجات و محاضرات وقعت بين معاوية و غيره يناسب نقلها المقام و تفيد زيادة تبصر في آل أبى سفيان.
لما استتمّت البيعة لمعاوية من أهل الكوفة صعد المنبر فخطب النّاس، و ذكر أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام، و نال منه و نال من الحسن عليه السّلام ما نال؛ و كان الحسن و الحسين عليهما السّلام حاضرين فقام الحسين عليه السّلام ليردّ عليه فأخذ بيده الحسن عليه السّلام و أجلسه ثمّ قام فقال: أيّها الذاكر عليّا أنا الحسن و أبي عليّ، و أنت معاوية و أبوك صخر، و امّي فاطمة و امّك هند، و جدّي رسول اللّه وجدّك حرب، وجدّتي خديجة وجدّتك فتيلة فلعن اللّه أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرّنا قدما و أقدمنا كفرا و نفاقا. فقالت طوائف من أهل المسجد: آمين آمين.
و كذلك يقول مؤلّف الكتاب نجم الدّين الحسن الطبريّ الامليّ: آمين آمين، و يرحم اللّه عبدا قال آمينا، و نقل القصّة الشيخ الأجلّ المفيد رحمه اللّه في الإرشاد (ص 173 طبع طهران 1377 ه) و من ذلك أنّه اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص، و الوليد بن عقبة، و عقبة ابن أبي سفيان، و المغيرة بن شعبة؛ فقالوا: يا أمير المؤمنين ابعث لنا إلى الحسن ابن عليّ، فقال لهم: فيم؟ فقالوا: كي نوبّخه و تعرفه أنّ أباه قتل عثمان، فقال لهم: إنّكم لا تنتصفون منه و لا تقولون شيئا إلّا كذّبكم النّاس، و لا يقول لكم شيئا ببلاغته إلّا صدّقه النّاس، فقالوا: أرسل إليه فإنّا سنكفيك أمره، فأرسل إليه معاوية، فلمّا حضر قال: يا حسن إنّي لم أرسل إليك و لكن هؤلاء أرسلوا إليك فاسمع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 289
مقالتهم و أجب و لا تحرمني فقال الحسن عليه السّلام فليتكلّموا و نسمع.
فقام عمرو بن العاص فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: هل تعلم يا حسن أنّ أباك أوّل من أثار الفتنة، و طلب الملك؟ فكيف رأيت صنع اللّه به؟.
ثمّ قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: يا بني هاشم كنتم أصهار عثمان بن عفّان فنعم الصّهر كان يفضلكم و يقرّبكم؛ ثمّ بغيتم عليه فقتلتموه؛ و لقد أردنا يا حسن قتل أبيك فأنقذنا اللّه منه، و لو قتلناه بعثمان ما كان علينا من اللّه ذنب.
ثمّ قام عقبة فقال: تعلم يا حسن أنّ أباك بغى على عثمان فقتله حسدا على الملك و الدّنيا فسلبها؟ و لقد أردنا قتل أبيك حتّى قتله اللّه تعالى.
ثمّ قام المغيرة بن شعبة فكان كلامه كلّه سبّا لعليّ و تعظيما لعثمان.
فقام الحسن عليه السّلام فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه و قال: بك أبدأ يا معاوية لم يشتمني هؤلاء و لكن أنت تشتمني بغضا و عداوة و خلافا لجدّي صلّى اللّه عليه و اله ثمّ التفت إلى النّاس و قال: انشدكم اللّه، أ تعلمون أنّ الرّجل الّذي شتمه هؤلاء كان أوّل من آمن باللّه، و صلّى للقبلتين، و أنت يا معاوية يومئذ كافر تشرك باللّه، و كان معه لواء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يوم بدر و مع معاوية و أبيه لواء المشركين؟
ثمّ قال: انشدكم اللّه و الإسلام أ تعلمون أنّ معاوية كان يكتب الرسائل لجدّي صلّى اللّه عليه و اله فأرسل إليه يوما فرجع الرّسول و قال: هو يأكل فردّ الرّسول إليه ثلاث مرّات كلّ ذلك و هو يقول هو يأكل فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: لا أشبع اللّه بطنه؛ أما تعرف ذلك في بطنك يا معاوية؟
ثمّ قال: و انشدكم اللّه أ تعلمون أنّ معاوية كان يقود بأبيه على جمل و أخوه هذا يسوقه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: لعن اللّه الجمل و قائده و راكبه و سائقه؟ هذا كلّه لك يا معاوية.
و أمّا أنت يا عمرو: فتنازع فيك خمسة من قريش فغلب عليك ألأمهم حسبا و شرّهم منصبا، ثمّ قمت وسط قريش فقلت: إنّي شانئ محمّد فأنزل اللّه على نبيّه صلّى اللّه عليه و اله
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 290
«إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» ثمّ هجوت محمّدا صلّى اللّه عليه و اله بثلاثين بيتا من الشعر فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله:
إنّي لا أحسن الشّعر و لكن العن عمرو بن العاص بكلّ بيت لعنة ثمّ انطلقت إلى النجاشي بما علمت و عملت فأكذبك اللّه وردّك خائبا فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهلية و الإسلام فلم نلمك على بغضك.
و أمّا أنت يا ابن أبي معيط فكيف ألومك على سبّك لعليّ و قد جلّد ظهرك في الخمر ثمانين سوطا، و قتل أباك صبرا بأمر جدّي و قتله جدّي بأمر ربّي، و لمّا قدّمه للقتل قال: من للصبية يا محمّد؟ فقال: لهم النّار، فلم يكن لكم عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إلّا النار و لم يكن لكم عند عليّ غير السّيف و السّوط.
و أمّا أنت يا عقبة فكيف تعد أحدا بالقتل؟ لم لاقتلت الّذي وجدته في فراشك مضاجعا لزوجتك ثمّ أمسكتها بعد أن بغت.
و أمّا أنت يا أعور ثقيف ففي أيّ ثلاث تسبّ عليّا: أفي بعده من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ أم في حكم جائر؟ أم في رغبة في الدّنيا؟ فان قلت شيئا من ذلك فقد كذبت اكذبك النّاس، و إن زعمت أنّ عليّا قتل عثمان فقد كذبت و أكذبك النّاس، و أمّا وعيدك فإنّما مثلك كمثل بعوضة وقفت على نخلة فقالت لها: استمسكي فانّي اريد أن أطير؛ فقالت لها النخلة: ما علمت بوقوفك فكيف يشقّ عليّ طيرانك؟
و أنت فما شعرنا بعداوتك فكيف يشقّ علينا سبّك؟ ثمّ نفض ثيابه و قام.
فقال لهم معاوية: ألم أقل لكم إنّكم لا تنتصفون منه؟ فو اللّه لقد أظلم عليّ البيت حتى قام فليس لكم بعد اليوم خير. و قد نقلها أبو بكر بن عليّ القادري الحنفيّ في ثمرات الأوراق في المحاضرات (هامش المستطرف ص 55 ج 1 طبع مصر).
و المراد من الألأم الشانىء الأبتر هو العاص بن وائل السّهمي، و كان عمرو ابنه على النّحو الّذي بيّنه المجتبى عليه السّلام.
و رواية «لا أشبع اللّه بطنه» منقبة جليلة لمعاوية قد اصطلحت نقلة الاثار بنقلها منهم ابن عبد البرّ في الاستيعاب، و ابن الأثير في اسد الغابة عن مسند أبي داود الطيالسي و غيره، و ما أنكروا ثبوتها له.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 291
و قد روى الصّدوق رحمه اللّه في باب السبعة من كتابه الخصال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المؤمن يأكل في معاء واحدة و الكافر يأكل في سبعة أمعاء، و روى السيوطي في الجامع الصغير عنه صلّى اللّه عليه و اله: المؤمن يشرب في معي واحد و الكافر يشرب في سبعة أمعاء.
«المعى» يذكر و يؤنث فالعبارة في الروايتين صحيحة، و سيأتي كلام صعصعة له: اتسع بطن من لا يشبع، و دعا عليه من لا يجمع.
و الكلام في حديث اللّعن كالرّواية المتقدّمة في المنقبة المذكورة، و قد مضى نقل روايات اخرى في سائر مناقبه أيضا عن كتاب صفّين لنصر بن مزاحم في شرح المختار 236 (ص 370- 374 ج 15) منها عن البراء بن عاذب قال: أقبل أبو سفيان و معه معاوية، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: اللّهمّ العن التابع و المتبوع.
و روى الصّدوق رحمه اللّه في باب السبع من الخصال عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن. فراجع.
و من ذلك أنّ شريك بن الأعور دخل على معاوية و هو يختال في مشيته، فقال له معاوية: و اللّه إنّك لشريك و ليس للّه من شريك، و إنّك ابن الأعور و الصّحيح خير من الأعور، و إنّك لدميم و الوسيم خير من الدّميم؛ فبم سوّدك [سدت ] قومك؟
فقال له شريك: و اللّه إنّك لمعاوية و ما معاوية إلّا كلبة عوت فاستعوت فسمّيت معاوية، و إنّك ابن حرب و السّلم خير من الحرب، و إنّك ابن صخر و السّهل خير من الصّخر، و إنّك ابن اميّة و ما اميّة إلّا أمة صغّرت فسميّت اميّة فكيف صرت أمير المؤمنين؟
فقال له معاوية: أقسمت عليك إلّا ما خرجت عنّي.
نقلها في ثمرات الأوراق أيضا (هامش المستطرف ص 59 ج 1) و نقلها الأبشيهي في المستطرف (ص 57 ج 1).
و في تاريخ الخلفاء (ص 199) للسّيوطي و في المستطرف للأبشيهي (ص 58 ج 1):
أخرج عن الفضل بن سويد قال: وفد جارية بن قدامة السعدي على معاوية فقال
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 292
له معاوية: أنت الساعي مع عليّ بن أبي طالب، و الموقد النّار في شعلك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم؟
قال جارية: يا معاوية دع عنك عليّا فما أبغضنا عليّا منذ أحببناه، و لا غششناه منذ صحبناه.
قال: ويحك يا جارية! ما كان أهونك على أهلك إذا سمّوك جارية! قال:
أنت يا معاوية كنت أهون على أهلك إذ سمّوك معاوية و هي الانثى من الكلاب، قال: اسكت لا امّ لك، قال: امّ لي ولدتني؛ أما و اللّه إنّ القلوب الّتي أبغضناك بها لبين جوانحنا، و قوائم السيوف الّتي لقيناك بها بصفّين في أيدينا، قال: إنّك لتهدّدني؟ قال: إنّك لم تملكنا قسرة و لم تفتحنا عنوة، و لكن أعطيتنا عهودا و مواثيق فان وفيت لنا وفينا و إن ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالا مدادا، و أدرعا شدادا، و أسنّة حدادا، فإن بسطت إلينا فترا من غدر زلفنا إليك بباع من ختر؛ قال معاوية: لا أكثر اللّه في النّاس أمثالك يا جارية؛ فقال له: قل معروفا فإنّ شرّ الدّعاء محيط أهله.
و أخرج ابن عساكر عن عبد الملك بن عمير قال: قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية فقال: من أنت؟ قال: جارية بن قدامة، قال: و ما عسيت أن تكون؟ هل أنت إلّا نحلة؟ قال: لا تقل، فقد شبّهتني بها حامية اللّسعة حلوة البصاق؛ و اللّه ما معاوية إلّا كلبة تعاوي الكلاب، و ما اميّة إلّا تصغير أمة، (تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 199).
و دخل عديّ بن حاتم الطائي على معاوية فقال له معاوية: ما فعلت الطرفات- يعني أولاده-؟ قال: قتلوا مع عليّ، قال: ما أنصفك على قتل أولادك و بقاء أولاده، فقال عديّ: ما أنصفك عليّ [ما أنصفت عليّا] إذ قتل و بقيت بعده؛ فقال معاوية: أما إنّه قد بقي قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلّا دم شريف من أشراف اليمن.
فقال عديّ: و اللّه إنّ قلوبنا الّتي أبغضناك بها لفي صدورنا، و إنّ أسيافنا الّتي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، و لئن أدنيت إلينا من الغدر فترا لندنينّ إليك من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 293
الشرّ شبرا و إنّ حزّ الحلقوم و حشرجة الحيزوم لأهون علينا من أن نسمع المساءة في علي فسلّم السيف لباعث السيف.
فقال معاوية: هذه كلمات حكم فاكتبوها و أقبل علي عديّ محادثا له كأنّه ما خاطبه بشيء، ذكره المسعوديّ في مروج الذّهب (ص 54 ج 2).
و خطب معاوية يوما فقال: إنّ اللّه تعالى يقول: «وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ» فعلام تلومونني إذا قصرت في عطاياكم؟
فقال له الأحنف: و إنّا و اللّه لا نلومك على ما في خزائن اللّه و لكن على ما أنزله اللّه من خزائنه فجعلته في خزائنك حلت بيننا و بينه، نقله في المستطرف (ص 58 ج 1).
و دخل عقيل على معاوية و قد كفّ بصره فأجلسه معه على سريره ثمّ قال له: أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم، فقال له عقيل: و أنتم معشر بني اميّة تصابون في بصائركم. أتى به في المستطرف (ص 58 ج 1).
و قال معاوية يوما: أيّها الناس إنّ اللّه حبا قريشا بثلاث: فقال لنبيّه: «و أنذر عشيرتك الأقربين» و نحن عشيرته الأقربون، و قال تعالى: «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ» و نحن قومه، و قال تعالى: «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ» و نحن قريش.
فأجابه رجل من الأنصار فقال: على رسلك يا معاوية فإنّ اللّه تعالى يقول: «وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُ» و أنتم قومه، و قال تعالى: «وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ» و أنتم قومه، و قال تعالى: «وَ قالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» و أنتم قومه ثلاثة بثلاثة. ذكره في المستطرف (ص 58 ج 1).
و من ذلك أنّ معاوية حجّ سنة 44 و لمّا صار إلى المدينة أتاه جماعة من بني هاشم و كلّموه في امورهم فقال: أما ترضون يا بني هاشم أن نقرّ عليكم دماءكم و قد قتلتم عثمان حتّى تقولوا ما تقولون فو اللّه لأنتم أحلّ دما من كذا و كذا و أعظم في القول.
فقال له ابن عبّاس: كلّما قلت لنا يا معاوية من شرّ بين دفّتيك و أنت و اللّه أولى بذلك منّا، أنت قتلت عثمان ثمّ قمت تغمص على النّاس أنّك تطلب بدمه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 294
فانكسر معاوية، فقال ابن عبّاس و اللّه ما رأيتك صدقت إلّا فزعت و انكسرت، قال فضحك معاوية، و قال: و اللّه ما احبّ أنّكم لم تكونوا كلّمتموني.
ثمّ كلّمه الأنصار فأغلظ لهم في القول و قال لهم: ما فعلت نواضحكم؟ قالوا أفنيناها يوم بدر لما قتلنا أخاك و جدّك و خالك، و لكنّا نفعل ما أوصانا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛ قال: ما أوصاكم به؟ قالوا: أوصانا بالصبر؛ قال: فاصبروا ثمّ ادلج معاوية إلى الشام و لم يقض لهم حاجة.
ذكره اليعقوبي في التاريخ (ص 198 ج 2) ثمّ قال اليعقوبيّ: و أخرج معاوية المنابر إلى المصلّى في العيدين و خطب الخطبة قبل الصّلاة و ذلك أنّ الناس كانوا إذا صلّوا انصرفوا لئلّا يسمعوا لعن عليّ عليه السّلام فقدّم معاوية الخطبة قبل الصلاة و وهب فدكا لمروان بن الحكم ليغيظ بذلك آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.
قال السيوطي في تاريخ الخلفاء (ص 201): و ابن عبد البرّ في الاستيعاب عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيل: قدم معاوية المدينة فلقيه أبو قتادة الأنصاري، فقال معاوية: تلقّاني النّاس كلّهم غيركم يا معشر الأنصار، قال: لم يكن لنا دوابّ فقال: فأين النّواضح؟ قال: عقرناها في طلبك و طلب أبيك يوم بدر، قال: نعم يا أبا قتادة! ثمّ قال أبو قتادة: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال لنا: انّكم سترون بعدي أثره، فقال معاوية: فما أمركم عند ذلك؟ قال: أمرنا بالصبر، قال: فاصبروا حتّى تلقوه، فبلغ عبد الرّحمن بن حسّان بن ثابت ذلك فقال:
ألا أبلغ معاوية بن حرب أمير المؤمنين نبا كلامي
فإنّا صابرون و منظروكم إلى يوم التغابن و الخصام
و في نسخة الاستيعاب: نثا كلامي، و في بعضها عنى كلامي.
و من ذلك أنّه لم يكن أحد أحبّ إلى معاوية أن يلقاه من أبي الطّفيل عامر ابن واثلة الصّحابي الكناني و كان فارس أهل صفّين و شاعرهم، و كان من أخصّ النّاس بعليّ عليه السّلام، فقدم أبو الطفيل الشّام يزور ابن أخ له من رجال معاوية فأخبر معاوية
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 295
بقدومه، فأرسل إليه، فأتاه و هو شيخ كبير، فلمّا دخل عليه، قال له معاوية: أنت أبو الطفيل عامر بن واثلة؟ قال: نعم، قال معاوية: أ كنت ممّن قتل عثمان؟ قال:
لا؛ و لكن ممّن شهده فلم ينصره، قال: و لم؟ قال: لم ينصره المهاجرون و الأنصار، فقال معاوية: أما و اللّه إن نصرته كانت عليهم و عليك حقّا واجبا، و فرضا لازما فقال أبو الطفيل: فما منعك إذ تربّصت به ريب المنون أن لا تنصره و معك أهل الشام؟ فقال معاوية: أما طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل و قال: بلى و لكنّك و عثمان كما قال عبيد بن الأبرص.
لا ألفينّك بعد الموت تندبني و في حياتي ما زوّدتني زادا
فدخل مروان بن الحكم، و سعيد بن العاص، و عبد الرّحمن بن الحكم فلمّا جلسوا نظر إليهم معاوية، ثمّ قال: أ تعرفون هذا الشيخ؟ قالوا: لا؛ فقال معاوية:
هذا خليل عليّ بن أبي طالب، و فارس صفّين، و شاعر أهل العراق، هذا أبو الطّفيل، قال سعيد بن العاص: قد عرفناه فما يمنعك منه؟ و شتمه القوم- فزجرهم معاوية، قال: مهلا فربّ يوم ارتفع عن الأسباب قد ضقتم به ذرعا، ثمّ قال: أتعرف هؤلاء يا أبا الطّفيل؟ قال: ما أنكرهم من سوء، و لا أعرفهم بخير، و أنشد:
فإن تكن العداوة قد أكنّت فشرّ عداوة المرء السباب
فقال معاوية: يا أبا الطفيل ما أبقى لك الدهر من حبّ عليّ؟ قال: حبّ امّ موسى و أشكو إلى اللّه التقصير. (و في مروج الذّهب: قال معاوية له: كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟ قال: كوجد امّ موسى على موسى و أشكو إلى اللّه التقصير) فضحك معاوية، قال: و لكن و اللّه هؤلاء الّذين حولك لو سألوا عنّي ما قالوا هذا فقال مروان: أجل و اللّه لا نقول الباطل، (الامامة و السياسة للدينوريّ ص 192 ج 1، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 200، مروج الذّهب للمسعوديّ ص 62 ج 2) و ذكره أبو الفرج في الأغاني على التفصيل فراجع (ص 159 ج 13 من طبع ساسي).
و دخل على معاوية ضرار بن الخطّاب فقال له: كيف حزنك على أبي الحسن؟
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 296
قال: حزن من ذبح ولدها على صدرها فما ترقأ عبرتها و لا يسكن حزنها، نقله المسعودي في مروج الذّهب (ص 62 ج 2).
و أخرج العسكري في كتاب الأوائل عن سليمان بن عبد اللّه بن معمر قال:
قدم معاوية مكّة أو المدينة فأتى المسجد فقعد في حلقة فيها ابن عمرو ابن عبّاس و عبد الرّحمن بن أبي بكر فأقبلوا عليه و أعرض عنه ابن عبّاس فقال معاوية: و أنا أحقّ بهذا الأمر من هذا المعرض و ابن عمّه، فقال ابن عبّاس: و لم؟ ألتقدّم في الإسلام، أم سابقة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، أو قرابة منه؟ قال: لا و لكنّي ابن عمّ المقتول، قال: فهذا أحقّ به- يريد ابن أبي بكر- قال: إنّ أباه مات موتا، قال: فهذا أحقّ به- يريد ابن عمر- قال: إنّ أباه قتله كافر، قال: فذاك أدحض لحجّتك إن كان المسلمون عتبوا على ابن عمّك فقتلوه (تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 201).
و أخرج ابن عساكر عن الأوزاعي قال: دخل خريم بن فاتك على معاوية و مئزره مشمّر- و كان حسن الساقين- فقال معاوية: لو كانت هاتان الساقان لإمرة! فقال خريم: في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين (تاريخ الخلفاء ص 204).
و أخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمّد، عن أبيه أنّ عقيلا دخل على معاوية فقال معاوية: و هذا عقيل و عمّه أبو لهب، فقال عقيل: هذا معاوية و عمّته حمّالة الحطب (تاريخ الخلفاء ص 204).
و أخرج ابن عساكر عن حميد بن هلال أنّ عقيل بن أبي طالب سأل عليّا عليه السّلام فقال: إنّي محتاج و إنّي فقير فأعطني، فقال: اصبر حتّى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم فألحّ عليه، فقال لرجل: خذ بيده و انطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل: دق هذه الأقفال، و خذ ما في هذه الحوانيت، قال: تريد أن تتّخذني سارقا؟ قال: و أنت تريد أن تتّخذني سارقا؟ أن آخذ أموال المسلمين فأعطيكها دونهم، قال: لاتينّ معاوية، قال: أنت و ذاك؛ فأتى معاوية فسأله و أعطاه مائة ألف، ثمّ قال: اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك به عليّ و ما أوليتك فصعد فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها النّاس إنّي أخبركم أنّي أردت عليّا على دينه فاختار دينه، و أنّي أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. (تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 204)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 297
و من ذلك أنّه وفد على معاوية عقيل بن أبي طالب منتجعا و زائرا، فرحبّ به معاوية و سرّ بوروده لاختياره إيّاه على أخيه- يعني أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام- و أوسعه حلما و احتمالا؛ فقال له: يا أبا يزيد- يعني عقيلا- كيف تركت عليّا؟
فقال: تركته على ما يحبّ اللّه و رسوله، و ألفيتك على ما يكره اللّه و رسوله، فقال له معاوية: لو لا إنّك زائر منتجع جنابنا لرددت عليك أبا يزيد جوابا تألم منه.
ثمّ أحبّ معاوية أن يقطع كلامه مخافة أن يأتي بشيء يخفضه، فوثب عن مجلسه و أمر له أن ينزل و حمل إليه مالا عظيما، فلمّا كان من غد جلس و أرسل إليه فأتاه فقال له: يا أبا يزيد كيف تركت عليّا أخاك؟ قال: تركته خيرا لنفسه منك و أنت خير لي منه، فقال له معاوية: أنت و اللّه كما قال الشاعر:
و إذا عددت فخار آل محرق فالمجد منهم في بني عتاب
فمحلّ المجد من بني هاشم منوط فيك يا أبا يزيد ما تغيّرك الأيّام و اللّيالي، فقال عقيل:
اصبر لحرب أنت جانيها لا بدّ أن تصلّى بحاميها
و أنت و اللّه يا ابن أبي سفيان كما قال الاخر:
و إذا هوازن أقبلت بفخارها يوما فخرتهم بال مجاشع
بالحاملين على الموالي عزمهم و الضاربين الهام يوم القارع
و لكن أنت يا معاوية إذا افتخرت بنو اميّة فبمن تفخر؟ فقال معاوية: عزمت عليك أبا يزيد لما أمسكت فانّي لم أجلس لهذا و إنّما أردت أن أسألك عن أصحاب عليّ فانّك ذو معرفة بهم، فقال عقيل: سل عما بدا لك، فقال: ميّز لي أصحاب علىّ و ابدأ بال صوحان فانّهم مخاريق الكلام، قال: أمّا صعصعة فعظيم الشأن، عضب اللّسان، قائد فرسان، قاتل أقران، يرتق ما فتق، و يفتق ما رتق، قليل النظير.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 298
و أمّا زيد و عبد اللّه فانّهما نهران جاريان يصبّ فيهما الخلجان، و يغاث بهما البلدان، رجلا جدّ لا لعب معه، و أمّا بنو صوحان فكما قال الشاعر:
إذا نزل العدوّ فانّ عندي اسودا تخلس الأسد النفوسا
فاتّصل كلام عقيل بصعصعة فكتب إليه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، ذكر اللّه أكبر و به يستفتح المستفتحون، و أنتم مفاتيح الدّنيا و الاخرة، أمّا بعد فقد بلغ مولاك كلامك لعدوّ اللّه و عدوّه فحمدت اللّه على ذلك و سألته أن يفيء بك إلى الدّرجة العليا، و القضيب الأحمر، و العمود الأسود، فإنّه عمود من فارقه فارق الدّين الأزهر، و لئن نزعت بك نفسك إلى معاوية طلبا لماله إنّك لذو علم بجميع خصاله فاحذر أن تعلق بك ناره فيضلّك عن الحجّة فإنّ اللّه قد رفع عنكم أهل البيت ما وضعه في غيركم، فما كان من فضل أو احسان فبكم وصل إلينا، فأجلّ اللّه أقداركم و حمى أخطاركم، و كتب آثاركم، فإنّ أقداركم مرضيّة، و أخطاركم محميّة و آثاركم بدريّة، و أنتم سلّم اللّه إلى خلقه، و وسيلته إلى طرقه، أيد عليّة، و وجوه جليّة، و أنتم كما قال الشاعر:
فما كان من خبر أتوه فإنّما توارثه آباء آبائهم قبل
و هل ينبت الخطى إلّا وشيجه و تغرس إلّا في منابتها النخل؟
نقله المسعودي في مروج الذّهب (ص 75 ج 2).
وحدت أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ، عن محمّد بن حميد الرازي، عن أبي مجاهد عن محمّد بن إسحاق بن أبي نجيح قال: لمّا حجّ معاوية طاف بالبيت و معه سعد فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه على سريره، و وقع معاوية في عليّ و شرع في سبّه فزحف سعد ثمّ قال: أجلستني معك على سريرك ثمّ شرعت في سبّ عليّ! و اللّه لأن تكون فيّ خصلة واحدة من خصال كانت لعليّ أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.
و اللّه لأن أكون صهر الرّسول صلّى اللّه عليه و اله لي من الولد ما لعليّ أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 299
و اللّه لأن يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قاله لي ما قاله يوم خيبر: «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّه اللّه و رسوله و يحبّ اللّه و رسوله ليس بفرّار يفتح اللّه على يديه» أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.
و اللّه لأن يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال لي ما قال له في غزوة تبوك: «ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس و أيم اللّه لا دخلت لك دارا ما بقيت و نهض.
نقله المسعودي في مروج الذّهب (ص 61 ج 2) ثمّ قال المسعودي: و وجدت في وجه آخر من الرّوايات و ذلك في كتاب عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي في الأخبار عن ابن عائشة و غيره أنّ سعدا لما قال هذه المقالة لمعاوية و نهض ليقوم ضرط له معاوية و قال له: اقعد حتّى تسمع جواب ما قلت ما كنت عندي قطّ ألأم منك الان فهلّا نصرته و لم قعدت عن بيعته؟ فإنّي لو سمعت من النبيّ مثل الّذي سمعت فيه لكنت خادما لعليّ ما عشت، فقال سعد: و اللّه إنّي لأحقّ بموضعك منك، فقال معاوية: يأبى عليك بنو عذرة- و كان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة- قال النوفلي: و في ذلك يقول السيّد الحميريّ:
سائل قريشا بها إن كنت ذا عمه من كان أثبتها في الدّين أوتادا
من كان أقدمها سلما و أكثرها علما و أطهرها أهلا و أولادا
من وحّد اللّه إذ كانت مكذّبة تدعو مع اللّه أوثانا و أندادا
من كان يقدم في الهيجاء ان نكلوا عنها و إن بخلوا في أزمة جادا
من كان أعدلها حكما و أقسطها حلما و أصدقها وعدا و إيعادا
إن يصدقوك فلم يعدوا أبا حسن إن أنت لم تلق للأبرار حسّادا
إن أنت لم تلق من تيم أخا صلف و من عديّ لحقّ اللّه جحّادا
أو من بني عامر أو من بني أسد رهط العبيد ذوي جهل و أوغادا
أو رهط سعد و سعد كان قد علموا عن مستقيم صراط اللّه صدادا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 300
قوم تداعوا زنيما ثمّ سادهم لو لا خمول بني زهر لما سادا
و قال معاوية لعقيل: إنّ فيكم شبقا يا بني هاشم، فقال له عقيل: منّا في الرّجال و منكم في النساء، نقله القاضي نور اللّه الشهيد في المجلس الثالث من مجالس المؤمنين.
و من ذلك ما جرى بين معاوية و بين قيس بن سعد بن عبادة حين كان عاملا على مصر فكتب إليه معاوية: أمّا بعد فانّك يهوديّ ابن يهوديّ و إن ظفر أحبّ الفريقين إليك عزلك و استبدل بك، و إن ظفر أبغضهما إليك نكل بك و قتلك؛ و قد كان أبوك أو ترقوسه و رمى غرضه فأكثر الجدّ و أخطأ القصد فخذله قومه و أدركه يومه ثمّ مات بحوران طريدا.
فكتب إليه قيس بن سعد: أمّا بعد فإنّما أنت و ثنيّ ابن وثنيّ دخلت في الإسلام كرها، و خرجت منه طوعا لم يقدم إيمانك و لم يحدث نفاقك و قد كان أبي أو ترقوسه و رمى غرضه فشغب به من لم يبلغ عقبه و لا شق غباره، و نحن أنصار الدّين الّذي منه خرجت و أعداء الدّين الّذي فيه دخلت، نقله المسعوديّ في مروج الذّهب (ص 62 ج 2).
و دخل قيس بن سعد بعد وفاة عليّ و وقوع الصلح في جماعة من الأنصار على معاوية فقال لهم معاوية: يا معشر الأنصار بم تطلبون ما قبلي؟ فو اللّه لقد كنتم قليلا معي، كثيرا عليّ، و لفللتم حدّي يوم صفّين حتّى رأيت المنايا تلظّى في أسنّتكم و هجوتموني في أسلافي بأشدّ من وقع الأسنّة حتّى إذا أقام اللّه ما حاولتم ميله قلتم ارع وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله هيهات يأبى الحقير الغدرة.
فقال قيس: نطلب ما قبلك بالاسلام الكافي به اللّه لا بما نمت به إليك الأحزاب و أمّا عداوتنا لك فلو شئت كففتها عنك، و أمّا هجاؤنا إيّاك فقول يزول باطله و يثبت حقّه، و أمّا استقامة الأمر فعلى كره كان منّا، و أمّا فلّنا حدّك يوم صفّين فانّا كنّا مع رجل نرى طاعته للّه طاعة، و أمّا وصيّة رسول اللّه بنا فمن آمن به رعاها بعده، و أمّا قولك يأبى الحقير الغدرة فليس دون اللّه يد تحجزك منّا يا معاوية، فقال معاوية: دعوه «1» ارفعوا حوائجكم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 301
نقله المسعودي في مروج الذّهب (ص 63 ج 2) ثمّ قال: و قد كان قيس بن سعد من الزهد و الدّيانة و الميل إلى عليّ بالموضع العظيم.
لما قدم معاوية الكوفة صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد ذلكم فإنّه لم تختلف امّة بعد نبيّها إلّا غلب باطلها حقّها إلّا ما كان من هذه الامّة فإنّ حقّها غلب باطلها. ثمّ نزل و أحضر النّاس لبيعته و كان الرّجل يحضر فيقول: و اللّه يا معاوية إنّي لا بايعك و إنّي لكاره لك فيقول: بايع فانّ اللّه قد جعل في المكروه خيرا كثيرا؛ و يأتي الاخر فيقول: أعوذ باللّه من نفسك، و أتاه قيس بن سعد بن عبادة فقال: بايع قيس، قال: إن كنت لأكره مثل هذا اليوم يا معاوية؟ فقال له: مه رحمك اللّه، فقال: لقد حرصت أن افرق بين روحك و جسدك قبل ذلك فأبى اللّه يا ابن أبي سفيان إلّا ما أحبّ، قال: فلا يردّ أمر اللّه، فأقبل قيس على النّاس بوجهه فقال: «يا معشر النّاس لقد اعتضتم الشرّ من الخير، و استبدلتم الذلّ من العزّ، و الكفر من الإيمان، فأصبحتم بعد ولاية أمير المؤمنين و سيّد المسلمين و ابن عمّ رسول ربّ العالمين، و قد وليكم الطّليق ابن الطّليق، يسومكم الخسف، و يسير فيكم بالعسف، فكيف تجهل ذلك أنفسكم أم طبع اللّه على قلوبكم و أنتم لا تعقلون» فجثا معاوية على ركبتيه ثمّ أخذ بيده و قال: أقسمت عليك ثمّ صفق على كفّه و نادى النّاس: بايع قيس؛ فقال: كذبتم و اللّه ما بايعت و لم يبايع لمعاوية أحد إلّا أخذ عليه الإيمان فكان أوّل من استخلف على بيعته.
و دخل إليه سعد بن مالك فقال: السّلام عليك أيها الملك. فغضب معاوية فقال: ألّا قلت السّلام عليك يا أمير المؤمنين؟ قال: ذاك إن كنّا أمّرناك، إنّما أنت منتز، (نقلهما اليعقوبي في التاريخ ص 192 ج 2).
حدث أبو الهيثم قال: حدثني أبو البشر محمّد بن بشر الفزاري عن إبراهيم بن عقيل البصريّ قال: قال معاوية يوما و عنده صعصعة و كان قدم عليه بكتاب عليّ و عنده
______________________________
(1) كان الاصل: يموه، و انما صححناه على القياس. منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 302
وجوه النّاس: الأرض للّه و أنا خليفة اللّه فما آخذ من مال اللّه فهو لي و ما تركته منه كان جائزا لي، فقال صعصعة:
تمنّيك نفسك ما لا يكون جهلا معاوى لا تأثم
فقال معاوية: يا صعصعة تعلّمت الكلام قال: العلم بالتعلّم و من لا يعلم يجهل، قال معاوية: ما أحوجك إلى أن اذيقك و بال أمرك! قال: ليس ذلك بيدك ذلك بيد الّذي لا يؤخّر نفسا إذا جاء أجلها، قال معاوية: و من يحول بيني و بينك؟ قال:
الّذي يحول بين المرء و قلبه، قال معاوية: اتّسع بطنك للكلام كما اتّسع بطن البعير للشعير: قال: اتّسع بطن من لا يشبع و دعا عليه من لا يجمع، نقله المسعوديّ في مروج الذّهب (ص 79 ج 2).
و دخل صعصعة بن صوحان على معاوية فقال له: يا ابن صوحان أنت ذو معرفة بالعرب و بحالها فأخبرني عن أهل البصرة و إيّاك و الحمل على قوم لقوم فأجابه و أخبره عنهم، ثمّ قال: فأخبرني عن أهل الكوفة؛ قال: قبة الاسلام و ذروة الكلام- إلى أن قال: غير أنّ لهم ثباتا في الدّين و تمسكا بعروة اليقين يتّبعون الأئمّة الأبرار و يخلعون الفسقة الفجّار؛ فقال معاوية من البررة و الفسقة؟ فقال: يا ابن أبي سفيان ترك الخداع من كشف القناع، عليّ و أصحابه من الأئمّة الأبرار و أنت و أصحابك من اولئك، ثمّ أحبّ معاوية أن يمضي صعصعة في كلامه بعد أن بان فيه الغضب فقال:
أخبرني عن القبّة الحمراء في ديار مضر فأخبره عنها ثمّ استخبره عن ديار ربيعة، و عن مضر فأخبره عنهما ثمّ أمسك معاوية فقال له صعصعة: سل يا معاوية و إلّا أخبرتك بما تحيد عنه؛ قال: و ما ذاك يا ابن صوحان؟ قال: أهل الشام، قال: فأخبرني عنهم قال: أطوع الناس لمخلوق، و أعصاهم للخالق، عصاة الجبار، و خلفة الأشرار، فعليهم الدّمار، و لهم سوء الدار، فقال معاوية: و اللّه يا ابن صوحان إنّك لحامل مديتك منذ أزمان إلأ أنّ حلم أبي سفيان يردّ عنك، فقال صعصعة: بل أمر اللّه و قدرته إنّ أمر اللّه كان قدرا مقدورا.
نقله المسعوديّ في مروج الذّهب مفصّلا و ما أتينا به ههنا ملتقط منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 303
و من ذلك أنّ معاوية حبس صعصعة بن صوحان العبدي، و عبد اللّه بن الكواء اليشكري و رجالا من أصحاب عليّ عليه السّلام مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوما فقال: نشدتكم باللّه إلّا ما قلتم حقّا و صدقا أيّ الخلفاء رأيتموني؟ فبعد ما تكلّم ابن الكواء في مساوي معاوية قال صعصعة: تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت و لم تقصر عمّا أردت و ليس الأمر على ما ذكرت أنّى يكون الخليفة من ملك النّاس قهرا، و دانهم كبرا، و استولى بأسباب الباطل كذبا و مكرا؟ أما و اللّه مالك في يوم بدر مضرب و لا مرمى و ما كنت فيه إلّا كما قال القائل «لا حلى و لا سيرى» و لقد كنت أنت و أبوك في العير و النفير ممّن أجلب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و إنّما أنت طليق ابن طليق أطلقكما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأنّى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية: لو لا أنّي أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:
قابلت جهلهم حلما و مغفرة و العفو عن قدرة ضرب من الكرم
لقتلتكم. (مروج الذّهب ص 78 ج 2).
دخل صعصعة على معاوية أوّل ما دخل عليه و قد كان يبلغ معاوية عنه فسأله عن نسبه فبيّن له نسبه، ثمّ قال له معاوية: أمّا و اللّه لقد كان يسوءني أن أراك أسيرا! قال: و أنا و اللّه لقد كان يسوءني أن أراك أميرا، نقلهما القالي في الأمالي و القصّة طويلة عذبة غير مملّة (ص 227 ج 2) و قريب منها ما نقله المسعودي في مروج الذّهب (ص 76 ج 2) و لصعصعة بن صوحان أخبار حسان و كلام في نهاية البلاغة و الفصاحة و الإيضاح عن المعاني على إيجاز و اختصار و قد جرى بينه و بين معاوية كلام كثير في غير موطن تكلّم فيها بقبائح أعمال معاوية و خبث سريرته و سوء رويّته و قد أتى الشيخ الأجلّ الطبرسي في كتاب الاحتجاج طائفة من احتجاجات الإمامين سيّدي شباب أهل الجنّة و ريحانتي الرّسول الحسن و الحسين عليهما السّلام، و غيرهما من كبار الصحابة و التابعين على معاوية بن أبي سفيان، و ما تكلّم القوم بها معاوية من مساوي أفعاله أكثر من أن تحصى و إنّما نقلنا نبذة منها فإنّ القليل ينبىء عن الكثير.
و فيما نقلناها مواقع للتدبّر و الاستبصار في أمر معاوية و أشياعه و أتباعه كيف
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 18، ص: 304
لعبوا بالقرآن، و رفعوا راية البغي و الطغيان فاتّخذوا دين اللّه دغلا، و مال اللّه دولا، و عباده خولا و الصّالحين حربا، و الفاسقين حزبا، و قد قال السيوطي في تاريخ الخلفاء إنّه أخرج السلفي في الطيوريات عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال:
سألت عن عليّ عليه السّلام و معاوية، فقال: اعلم أنّ عليّا كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه عيبا فلم يجدوا فجاءوا إلى رجل قد حاربه و قاتله فأطروه كيادا منهم له.
فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا و يذرون طيبا من القول و يأخذون خبيثا فبعدا للمفترين و سحقا للممترين ربّ نعوذ بك من أماني الأنفس و شرورها.
اشارة: قد احتجّ صعصعة على معاوية بأنّ الطّليق لا يصلح للخلافة، و هذا حقّ و صعصعة رضوان اللّه عليه قد استنار من ضياء القرآن، و اقتبس من مشكاة النبوّة و الولاية و ذلك لأنّ الطّلقاء كانوا مشركين قبل الإسلام و عبدوا الأصنام و قد قال عزّ من قائل: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» (لقمان- 14) و قال اللّه تعالى: «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» (البقرة- 119) و الخلافة عهد اللّه تعالى فلا يناله الطّلقاء، و تقدّم بحثنا عن ذلك في شرح المختار 237 من باب الخطب فراجع (ص 49- 59 ج 16).
الترجمة:
و حال آنكه بعد از اين همه فضائل، در دست ما فضل نبوّت است -كه هيچ فضيلتى با آن برابرى نمى كند- كه بدان گردنكشان را خوار، و بيچارگان را بلند گردانيديم. و چون خداوند عرب را دسته دسته بدينش در آورد و اين امّت برخى برضا و رغبت و برخى به بى ميلى و كراهت اسلام آوردند، شما از كسانى بوديد كه يا بجهت طمع بدنيا و يا از ترس شمشير داخل در دين شديد؛ علاوه آنهم در وقتى كه سابقان به سبقتشان در دين رستگار شدند، و هجرت كنندگانى كه پيش از اين بودند فضل و بزرگى را برده بودند پس براى شيطان در خود بهره اى و بر خويشتن راهى قرار مده. و السّلام.