منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 343
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و التاسعة و الخمسون من المختار فى باب الخطب و شرحها في فصلين:
الفصل الاول:
أمره قضاء و حكمة، و رضاه أمان و رحمة، يقضي بعلم، و يعفو بحلم، الّلهُمّ لك الحمد على ما تأخذ و تعطي، و على ما تعافي و تبتلي، حمدا يكون أرضى الحمد لك، و أحبّ الحمد إليك، و أفضل الحمد عندك، حمدا يملاء ما خلقت، و يبلغ ما أردت، حمدا لا يحجب عنك، و لا يقصر دونك، حمدا لا ينقطع عدده، و لا يفنى مدده.
اللغة:
قال الفيومى (عافاه) اللّه محى عنه الأسقام و العافية اسم منه و هى مصدر جاءت على فاعلة، و مثله ناشئة اللّيل بمعنى نشوء اللّيل و الخاتمة بمعنى الختم، و العاقبة بمعنى العقب، و ليس لوقعتها كاذبة.
المعنى:
اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة متضمّن لتعظيم اللّه سبحانه و تبجيله بجملة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 345
من نعوت كماله و أوصاف جماله قال عليه السّلام (أمره قضاء و حكمة) يجوز أن يراد بأمره الأمر التّكويني أعني الاختراع و الاحداث، فيكون القضاء بمعنى الانفاذ و الامضاء، و حمله عليه حينئذ من باب المبالغة أو المصدر بمعنى الفاعل أو المفعول، يعني أنّ أمره سبحانه نافذ و ممضى لا رادّ له و لا دافع كما قال عزّ من قائل «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ». اى إذ أراد أن يكوّنه فيكون.
قال الزّمخشري: فان قلت: ما حقيقة قوله: أن يقول له كن فيكون؟
قلت: هو مجاز من الكلام و تمثيل لأنّه لا يمتنع عليه شيء من المكوّنات و أنّه بمنزلة من المأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع، و المراد بالحكمة حينئذ العدل و النّظام الأكمل، فمحصّل المعنى أنّ أمره تعالى نافذ في جميع الموجودات و المكوّنات، متضمّن للعدل، و مشتمل على النظام الأكمل.
و يجوز أن يراد به الأمر التّكليفي فيكون القضاء بمعنى الحتم و الالزام يعنى أنّ أمره سبحانه حتم و إلزام مشتمل على الحكمة و المصلحة في المأمور به كما هو مذهب العدليّة من كون الأوامر و النّواهي تابعة للمصالح و المفاسد الكامنة الواقعيّة، و قد تكون المصلحة في نفس الأمر دون المأمور به كما في الأوامر الابتلائيّة.
و يجوز أن يكون المراد به الشّأن فيكون القضاء بمعنى الحكم، يعني أنّ شأنه تعالى حكم و حكمة لأنّه القادر القاهر العالم العادل، فبمقتضى قدرته و سلطانه حاكم، و بمقتضى علمه و عدله حكيم.
و كون الأمر بمعنى الشّأن قد صرّح به غير واحد منهم الزّمخشري في تفسير الآية السّابقة قال: إنّما أمره إنّما شأنه إذا أراد شيئا إذا دعاه داعى حكمة إلى تكوينه و لا صارف أن يقول له كن أن يكوّنه من غير توقّف، فيكون فيحدث أى فهو كائن موجود لا محالة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 346
(و رضاه أمان و رحمة) أى أمان من النّار و رحمة للأبرار إذ رضوانه سبحانه مبدء كلّ منحة و نعمة، و منشاء كلّ لذّة و بهجة كما قال تعالى: «وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ».
(يقضى بعلم) أى يحكم بما يحكم به لعلمه بحسن ذلك القضاء و اقتضاء الحكمة و العدل له و هو كالتفسير لقوله: أمره قضاء و حكمة، كما أنّ قوله (و يعفو بحلم) بمنزلة التّفسير لقوله: و رضاه أمان و رحمة، لأنّ العفو يعود إلى الرّضا بالطّاعة بعد تقدّم الذّنب، و إنّما يتحقّق العفو مع القدرة على العقاب إذ العجز عن الانتقام لا يسمّى عفوا فلذلك قال: يعفو بحلم، يعني أنّ عفوه لكونه حليما لا يستنفره الغضب.
ثمّ أثنى عليه تعالى بالاعتراف بنعمه فقال (اللّهمّ لك الحمد على ما تأخذ و تعطى و على ما تعافي و تبتلى) أى على السّرّاء و الضّرّاء و الشّدة و الرّخاء، و قد تقدّم تحقيق معنى الأخذ و الاعطاء، و وجه استحقاق اللّه سبحانه للحمد بهذين الوصفين في شرح الخطبة المأة و الثّانية و الثّلاثين، و وجه استحقاقه للحمد على البلاء و الابتلاء هناك أيضا مضافا إلى شرح الخطبة المأة و الثّالثة عشر.
و أقول هنا زيادة على ما تقدّم: إنّه قد ثبت في علم الأصول أنّ اللّه عزّ و علا الغنيّ المطلق عمّا سواه و المتعالى عن الحاجة إلى ما عداه، بل غني كلّ مخلوق بجوده، و قوام كلّ موجود بوجوده، فاذا جميع ما يصدر عنه سبحانه في حقّ العباد من الأخذ و الاعطاء و المعافاة و الابتلاء و الافتقار و الاغناء ليس الغرض منها جلب منفعة لذاته أو دفع مضرّة عن نفسه، بل الغرض منها كلّها مصالح كامنة للمكلّفين و منافع عائدة إليهم يعلمها سبحانه و لا نعلمها إلّا بعضا منها ممّا علّمنا اللّه سبحانه بالقوّة العاقلة أو بتعليم حججه، فكم من فقير لا يصلحه إلّا الفقر و لو استغنى لطغى، و كم من غنيّ لا يصلحه إلّا الغنى و لو افتقر لكفر، و ربّ مريض لو كان معتدل المزاج لا نهمك في الشّهوات و اقتحم في الهلكات، و كأيّن من صحيح البنية لو مرض
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 347
لم يصبر عليه و أحبّ المنيّة، و هكذا جميع ما يفعله سبحانه في حقّ المكلّفين فهو في الحقيقة نعمة منه تعالى عليهم ظاهرة أو باطنة كما قال عزّ من قائل «وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً» فاذا ثبت أنّ هذه كلّها إنعام منه سبحانه عليهم، و إحسان اليهم ظهر وجه استحقاقه للحمد و الثّناء عليها كلّها إذ الشّكر على النّعم فرض عقلا و نقلا هذا.
و يدلّ على ما ذكرنا من كون الابتلاء منه تعالى في الحقيقة نعمة منه على العباد ما رواه في الكافي عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّه ليكون للعبد منزلة عند اللّه فما ينالها إلّا باحدى خصلتين: إمّا بذهاب في ماله أو ببليّة في جسده.
و فيه عن يونس بن رباط قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ أهل الحقّ لم يزالوا منذ كانوا في شدّة اما إنّ ذلك إلى مدّة قليلة و عافية طويلة.
و فيه عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول إنّ المؤمن من اللّه عزّ و جلّ لبأفضل مكان ثلاثا إنّه ليبتليه بالبلاء ثمّ ينزع نفسه عضوا عضوا و هو يحمد اللّه على ذلك.
ثمّ أخذ في تفخيم شأن حمده عليه و تعظيمه باعتبار كيفيّته فقال (حمدا يكون أرضي الحمد لك) أى أكمل رضاء منك به من غيره (و أحبّ الحمد إليك و أفضل الحمد عندك) أى أشدّ محبّة منك إليه و أرفع منزلة عندك من ساير المحامد لاتّصافه بالفضل و الكمال و رجحانه على ما سواه.
ثمّ اتبعه بتفخيمه باعتبار كميّته فقال (حمدا يملاء ما خلقت) من السّماء و العرش و الأرض (و يبلغ ما أردت) من حيث الكثرة و الزّيادة.
ثمّ بتفخيمه باعتبار الخلوص فقال (حمدا لا يحجب عنك و لا يقصر) أى لا يحبس (دونك) لخلوصه من شوب العجب و الرّيا و ساير ما يمنعه عن الوصول إلى درجة القبول و الرّضا ثمّ باعتبار مادّته فقال (حمدا لا ينقطع عدده و لا يفنى مدده) هذا و تكرار
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 9، ص: 348
لفظ الحمد إمّا لقصد التّعظيم كما في قوله: «وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ» و في قوله: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ».
أو للتّلذّذ بذكر المكرّر كما في قول الشّاعر:
سقى اللّه نجدا و السّلام على نجد و يا حبّذا نجد على الناى و البعد
نظرت إلى نجد و بغداد دونه لعلّى أرى نجدا و هيهات من نجد
و في قوله:
تاللّه يا ظبيات القاع قلن لنا ليلاى منكنّ أم ليلى من البشر
أو للاهتمام بشأنه.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن حضرتست كه فصل أوّل آن متضمّن أوصاف كمال حضرت ذوالجلالست مى فرمايد كه:
أمر خداى تعالى حكميست لازم و موافق است با حكمت و خوشنودى آن امانست از عقوبت و سبب مغفرتست و رحمت حكم مى فرمايد بعلم شامل خود، و عفو مى فرمايد با حلم كامل، پروردگارا مر تو راست حمد بر آنچه مى گيري و مى دهى، و بر آنچه كه سلامت مى دارى از بليّات و مبتلا مى نمائى بآفات، حمد مى كنم تو را حمد كردنى كه باشد خوشنودترين حمدها از براى تو، و دوست ترين حمدها بسوى تو و فاضل ترين حمدها نزد تو، چنان حمدى كه پر سازد آنچه را خلق كرده، و برسد بمقامى كه مراد تو است، حمدى كه محجوب نباشد از درگاه تو، و ممنوع و محبوس نباشد نزد بارگاه تو، حمدى كه منقطع نشود شماره و عدد آن، و فاني نشود مادّه و مدد آن.