و اعلموا عباد اللّه أنّه لم يخلقكم عبثا، و لم يرسلكم هملا، علم مبلغ نعمه عليكم، و أحصى إحسانه إليكم، فاستفتحوه، و استنجحوه، و اطلبوا إليه، و استمنحوه، فما قطعكم عنه حجاب، و لا أغلق عنكم دونه باب، و إنّه لبكلّ مكان، و في كلّ حين و أوان «زمان خ»، و مع كلّ إنس و جانّ، لا يثلمه العطاء، و لا ينقصه الحباء، و لا يستنفده سائل، و لا يستقصيه نائل، و لا يلويه شخص عن شخص، و لا يلهيه صوت عن صوت، و لا تحجزه هبة عن سلب، و لا يشغله غضب عن رحمة، و لا تولهه رحمة عن عقاب، و لا يجنّه البطون عن الظّهور، و لا يقطعه الظّهور عن البطون، قرب فناى، و علا فدنى، و ظهر فبطن، و بطن فعلن، و دان و لم يدن، لم يذرء الخلق باحتيال و لا استعان بهم لكلال.
اللغة:
و (الجانّ) اسم جمع للجنّ و أبو الجنّ و (استمنحوه) بالنّون من المنحة و هى العطيّة و في بعض النّسخ بالياء يقال استمحت الرّجل طلبت عطاءه و محت الرّجل أعطيته و (الثّلمة) في الحائط و غيره الخلل و الجمع ثلم كغرفة و غرف و (نفد) الشيء ينفد من باب تعب نفادا فنى و انقطع و أنفدته أفنيته و (النّائل)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 186
العطاء كالنوال و النّال و (سلبت) ثوب زيد من باب قتل أخذته و السّلب بالتحريك الاختلاس و اسم لما يسلب و منه الحديث من قتل قتيلا فله سلبه.
و قوله (و لا يجنه البطون عن الظهور و لا يقطعه الظهور عن البطون) هكذا في نسخة الشّارح المعتزلي بتذكير الفعلين، و عليها فالبطون و الظهور مصدر بطن و ظهر، و في بعض النّسخ بتأنيثهما و على ذلك فلا بدّ من جعلهما جمعا للبطن و الظهر كما هو مقتضى القواعد الأدبيّة.
و (الدّين) الجزاء و منه الحديث كما تدين تدان أى كما تجازى تجازى بما فعلت و يقال أيضا على القهر و الغلبة قال ابن الأثير: و منه الحديث كان عليّ عليه السّلام ديّان هذه الامّة أى قاهرهم على الطّاعة و في القاموس الدّين الحساب و القهر و الغلبة و الاستعلاء و السّلطان و الملك و الحكم. و (الكلال) العجز و الاعياء.
الاعراب:
قوله و اطلبوا إليه، تعدية الطلب لتضمينة معنى التضرّع.
المعنى:
ثمّ نبّه المخاطبين على عدم كونه تعالى في خلقهم و ايجادهم لاغيا عابثا فقال (و اعلموا عباد اللّه أنّه لم يخلقكم عبثا) تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، و انما خلقكم للمعرفة و العبوديّة كما قال «وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ».
(و لم يرسلكم هملا) أى لم يترككم سدى مهملين كالبهائم و الأنعام، و إنّما كلّفكم بالتكاليف و الأحكام (علم مبلغ نعمه) و مقدارها كمّا و كيفا (عليكم و أحصى إحسانه) و فضله (إليكم) ليبلوكم أ تشكرونه أم تكفرون و من شكر فانّما يشكر لنفسه و من كفر فانّه غنىّ كريم (فاستفتحوه) أى اطلبوا منه فتح أبواب النّعم (و استنجحوه) أى اطلبوا منه نجاح عوائد المزيد و القسم (و اطلبوا) منه متضرّعين (إليه) أن يصرف عنكم ما لا يصرفه أحد غيره من عذاب النّار و سخط الجبّار.
(و استمنحوه) أى اطلبوا منه أن يعطيكم ما لا يعطيه أحد غيره من فوز الجنان و رضى الرّحمن، و طلب ذلك كلّه منه سبحانه إنما هو بالقيام بمراسم الحمد و الشكر و بالمواظبة على وظايف الطّاعات و القربات الّتي بها يستعدّ لافاضة الرّحمة و نزول الخيرات، هذا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 190
و لمّا أمرهم بالطّلب و السّؤال أردفه بما يشوّقهم إلى ذلك و يرغّبهم إليه بالتّنبيه على انتهاء جميع السّؤالات و الطلبات إليه و عدم رادع و مانع من وصولها إليه و هو قوله:
(فما قطعكم عنه حجاب و لا اغلق عنكم دونه باب) يعني أنّ بابه مفتوح لمن دعاه و ليس بينه و بين خلقه حجاب مانع و لا باب مغلق يمنع من الوصول إليه و من عرض الحوائج و المقاصد عليه كساير الملوك و السّلاطين يأخذون لأنفسهم حجّابا و بوّابا، لأنّ ذلك من أوصاف الأجسام و صفات النّقص و الامكان و اللّه تعالى موصوف بالعظمة و الجلال منزّه عن الحيّز و المكان فلا يتصوّر أن يكون له باب أو عنده حجاب كما أفصح عن ذلك بقوله: (و انّه لبكلّ مكان) بالعلم و الاحاطة لا بالتحيّز و الحواية، فلا يخفى عليه شيء من حوائج السّائلين و إنّما منظره فى القرب و البعد سواء، لم يبعد منه قريب و لم يقرب منه بعيد، و لا يحويه مكان و لا يحيط به مكان حتّى إذا كان في ذلك المكان يحجب عنه أخبار ساير الأمكنة و المكانيّات.
يوضح ذلك ما رواه في الكافي باسناده عن عيسى بن يونس قال: قال ابن أبي العوجاء لأبي عبد اللّه عليه السّلام في بعض ما كان يحاوره: ذكرت اللّه فأحلت على غايب فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد و اليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم و يرى أشخاصهم و يعلم أسرارهم، فقال ابن أبى العوجاء أ هو في كلّ مكان أ ليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض و إذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان و خلا منه مكان فلا يدرى في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذى كان فيه، فأما اللّه العظيم الشأن الملك الدّيان فلا يخلو منه مكان و لا يشتغل به مكان و لا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان.
و قد مرّ هذا الحديث في شرح الفصل السادس من الخطبة الاولى و مرّ تحقيق الكلام في تنزّهه سبحانه من المكان في شرح الفصل الخامس منها فليراجع ثمّة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 191
فانّ هناك مطالب نفيسة.
و لما نبّه على عدم خلوّ الأمكنة منه عزّ و جلّ أردفه بالتنبّه على عدم خلوّ الأزمنة منه فقال: (و في كلّ حين و زمان) بالعلم و الاحاطة أيضا لا بمعنى ظرفيّته له، لأنّ الكون فيه بمعنى الظرفية مستلزم للحدوث المنافي للوجوب، فالواجب الأوّل تعالى منزّه عن ذلك، و قد تقدّم مزيد تحقيق لذلك في شرح الخطبة المأة و الخامسة و الثمانين (و مع كلّ إنس و جانّ) لا معيّة بالاقتران بل بمعنى كونه عالما بهم شاهدا عليهم غير غايب عنهم كما قال عزّ من قائل «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» و قد مرّ مزيد تحقيق لهذا المعنى في شرح الفصل الخامس و السادس من الخطبة الاولى، هذا.
و لما شوّق المخاطبين إلى الطلب و السؤال بالتنبيه على عموم علمه بحالات السائلين و حاجات الطالبين و عدم خفاء شيء منها عليه أكد تشويقهم بالتنبيه على سعة جوده فقال: (لا يثلمه العطاء و لا ينقصه الحباء) أى لا يوجب كثرة عطائه و مزيد حبائه خللا و نقصا في خزانة كرمه و بحر جوده، و ذلك لعدم تناهى مقدوراته.
و يوضح ذلك ما فى الحديث المرويّ فى الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: فلو أنّ أهل سماواتي و أهل أرضي أمّلوا جميعا ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة، و كيف ينتقص ملك أنا قيّمه، فيا بؤسا للقانطين من رحمتي، و يا بؤسا لمن عصانى و لم يراقبني.
و بذلك الحديث أيضا اتّضح معنى قوله (لا يستنفده سائل و لا يستقصيه نائل) أى لا ينفى جوده سائل و إن بلغ الغاية فى طلبه و سؤاله، و كذا لا يبلغ القصوى و الغاية عطاؤه و نواله بل لو وهب ما تنفّست عنه معادن الجبال و ضحكت عنه أصداق البحار من فلزّ اللّجين و العقيان و نثارة الدّر و حصيد المرجان ما أثّر ذلك فى جوده و لا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 192
أنفد سعة ما عنده، و لكان عنده من ذخاير الأنعام ما لا تنفده مطالب الأنام، لأنّه الجواد الّذى لا يغيضه سؤال السّائلين، و لا يبخّله إلحاح الملحّين حسبما مرّ في الخطبة التّسعين.
(و لا يلويه) أى لا يصرفه (شخص عن شخص و لا يلهيه) أى لا يشغله (صوت عن صوت) لأنّ الصّرف و اللّهو يستلزمان الغفلة عن أمر و الفطنة لغيره بعد الغفلة عنه و هما من عوارض المزاج الحيواني و توابع الامكان.
(و لا تحجزه هبة عن سلب) أى لا يمنعه البذل و الانعام عن سلب المال و أخذه قال الشّارح المعتزلي: أى ليس كالقادرين منّا فانّ الواحد منّا يصرفه اهتمامه بعطيّة عن سلب مال عمرو حال ما يكون مهتمّا بتلك العطيّة لأنّ اشتغال القلب بأحد الأمرين يشغله عن الاخر، انتهى.
أقول: و محصّله أنّه تعالى لا يشغله شأن عن شأن، و يحتمل أن يراد به أنّه تعالى لا يمنعه هبته لأحد و إنعامه عليه عن سلب نعمة اخرى عنه كالواحد منّا إذا وهب يمنعه هبته عن سلبه، لاستلزام الهبة فينا التلطف و العطف، و استلزام السلب فينا الغيظ و الغضب، و هما أمران متضادّ ان لا يمكن اجتماعهما في شخص واحد في حالة واحدة، فلا يكون الواهب حال ما هو واهب سالبا و بالعكس، و أمّا الواجب تعالى فلمّا لم يكن منشأ هبته و سلبه العطف و الغضب لكونهما من عوارض المزاج الحيوانى و تنزّهه عنها جاز اتّصافه بهما معا.
و هذان الاحتمالان يأتيان في قوله (و لا يشغله غضب عن رحمة) و المراد بهما غايتهما، أى العقاب و الاحسان لا معناهما المعروف المستلزم للحدوث و النّقصان.
و أمّا قوله (و لا تولهه رحمة عن عقاب) فقد قال الشارح المعتزلي أى لا يحدث الرّحمة لمستحقها عنده ولها و هو التحيّر و التردّد و يصرفه عن عقاب المستحقّ، و ذلك لأنّ الواحد منّا إذا رحم انسانا حدث عنده رقّة خصوصا إذا توالت منه الرّحمة لقوم متعدّدين فانه يصير الرّحمة كالملكة عنده فلا يطيق فى تلك الحال أن ينتقم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 193
و البارى سبحانه بخلاف ذلك، لأنّه ليس بذى مزاج سبحانه، هذا.
و قوله (و لا يجنّه البطون عن الظّهور) قد تقدّم منّا في شرح الخطبة التّاسعة و الأربعين و الخطبة الرّابعة و السّتين ما هو كاف في شرح معنى هذه الفقرة و ما يتلوها من الفقرات الاتية إلى قوله: و بطن فعلن.
و أقول هنا مزيدا للتّوضيح: إنّ الغرض بهذه الجملات جميعا التّنبيه على كمال الحقّ المتعال عزّ و جلّ و على تنزّهه من صفات المخلوقين، فانّ البطون في الخلق مانع من الظهور، و الظهور من البطون، و القرب من البعد، و البعد من القرب، و العلوّ من الدّنوّ، و الدّنوّ من العلوّ لكون كلّ من هذه الصّفات بمعناه المعروف مضادا للاخر، فلا يمكن اتّصاف شخص واحد بهما معا في حالة واحدة و لا اجتماعهما في محلّ واحد على ما هو مقتضى التّضادّ.
أمّا اللّه الحىّ القيّوم جلّ جلاله فيتّصف بهما جميعا بمعنى آخر وراء ذلك المعنى المعروف، فهو تعالى ظاهر باطن قريب بعيد عال دان.
و على ذلك فلا يجنّه البطون عن الظهور، أى لا يستره خفاؤه بذاته عن ظهوره باياته، أو لا يستره اختفاؤه عن الأبصار عن ظهوره للعقول و البصاير، أو لا يحجبه خفاؤه عن الأبصار و الأوهام بذاته عن قهره و غلبته للأشياء بسلطانه و قدرته.
و محصّله أنّه ليس بطونه بلطافة أو اجتنان، و لا ظهوره برؤية و عيان حتّى يكون اتّصافه بأحدهما حاجبا و مانعا عن الاخر كما في المخلوق.
و على ما في بعض النّسخ من رواية لا تجنّه بصيغة التّأنيث، فالمراد أنّه لا تستره بواطن الأشياء عن ظواهرها أى لا تحجب علمه بطونها عن ظهورها، لأنّ علمه ببواطن الأشياء ليس على وجه الاستبطان و الغور فيها، و لا علمه بظواهر الأشياء من أجل كونه فوقها حتّى تحجبه البطون عن الظّهور و الظّهور عن البطون كما فينا.
و يحتمل أن يكون المراد أنّه تعالى حين ما هو عالم بالباطن عالم بالظاهر لكمال علمه و عموم إحاطته، و ليس كالمخلوق حين علمه بأحدهما يغفل عن الاخر لنقصان علمه و قصوره.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 194
(و) بذلك كلّه ظهر أيضا معنى قوله: (لا يقطعه الظّهور عن البطون) و أمّا قوله (قرب فنأى) فالمراد به أنّه قرب من الخلق بالعلم و الاحاطة و بالرّحمة و الافاضة، و بعد عنهم بالذّات و الحقيقة و ليس قربه قربا مكانيّا حتّى ينافي لبعده، و لا بعده بعدا مكانيّا بتراخى مسافة حتّى ينافي لقربه.
(و علا فدنا) أى علا بحوله و قدرته و غلبته و سلطانه و دنا بطوله و فضله و مننه و احسانه كما مرّ التصريح به منه عليه السّلام في الخطبة الثّانية و الثمانين، و يجوز أن يراد علوّه على الأشياء بجلاله و عزّته و دنوّه منها بعلمه و احاطته، و أن يراد بالعلوّ العلوّ بالعليّة و بالدّنوّ قربه من الأشياء قرب العلّة من معلولها، و هذا هو الأولى بالارادة هنا و أنسب بعطفه الدّنوّ على العلوّ بالفاء المفيدة لتفريعه عليه فافهم جيّدا و قد مضى تحقيق ذلك في شرح الخطبة التّاسعة و الأربعين.
(و ظهر فبطن) أى ظهر على الأشياء بسلطانه و عظمته، و بطن في الأشياء بعلمه و معرفته (و بطن فعلن) أى خفى بذاته و كنهه و ظهر باثاره و آياته، و هاتان الفقرتان تأكيدتان للفقرتين المتقدّمتين، فانّه لمّا نبّه فيهما على عدم حجب بطونه عن ظهوره و ظهوره عن بطونه نبّه هنا على ما يستلزمه عدم الحجب و هو اتّصافه بهما معا روى في الكافي في باب الفرق بين المعاني الّتي تحت أسماء اللّه تعالى و أسماء المخلوقين عن عليّ بن محمّد مرسلا عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال: قال:
و أمّا الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها و قعود عليها و تسنّم لذراها، و لكن ذلك لقهره و غلبته الأشياء و قدرته عليها، كقول الرّجل ظهرت على أعدائى و أظهرنى اللّه على خصمى، يخبر عن الفلج و الغلبة فهكذا ظهور اللّه على الأشياء، و وجه آخر أنّه الظّاهر لمن أراده و لا يخفى عليه شيء و أنّه مدبّر لكلّ ما برء فأىّ ظاهر أظهر و أوضح من اللّه تبارك و تعالى، لأنّك لا تعدم صنعته حيثما توجّهت و فيك من آثاره ما يغنيك، و الظّاهر منّا البارز بنفسه و المعلوم بحدّه فقد جمعنا الاسم و لم يجمعنا المعنى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 12، ص: 195
و أمّا الباطن فليس على معنى الاستبطان في الأشياء بأن يغور فيها، و لكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما و حفظا و تدبيرا كقول القائل أبطنته يعني خبرته و علمت مكتوم سرّه، و الباطن منّا الغايب في الشيء المستتر و قد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.
(و) أمّا قوله (دان و لم يدن) فأراد به أنّه جزى العباد بأعمالهم إن خيرا فخيرا و إن شرّا فشرّا، و لم يجز، أو أنّه حاسب و لم يحاسب، أو أنّه استعلا عليهم و لم يستعل عليه، أو أنّه تسلّط على كلّ ما سواه و لم يسلّط عليه، أو أنّه ملك جميع الخلايق و لم يملك، أو أنّه قهر الكلّ و غلبهم بافتقار الكلّ إليه و استغنائه عنهم و لم يقهر عليه.
قال الرّضا عليه السّلام في الحديث الّذى قدّمناه آنفا: و أما القاهر فانّه ليس على معنى علاج و نصب «و تصلّب خ» و احتيال و مداراة و مكر كما يقهر العباد بعضهم بعضا و المقهور منهم يعود قاهرا و القاهر يكون مقهورا، و لكن ذلك من اللّه عزّ و جلّ على أنّ جميع ما خلق ملبس به الذّل لفاعله و قلّة الامتناع لما أراد به لم يخرج منه طرفة عين أن يقول له كن فيكون، و القاهر منّا على ما ذكرت و وصفت فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.
(لم يذرء الخلق باحتيال) أى لم يخلقهم باستخراج وجوه الحيل و إجالة الرّأى و الفكر في استخراجها كما هو شأن البشر في صنعهم، و ذلك لأنّ الفكرة و الحركة القلبية مختصّة بذوى الضمائر، و جلال البارى تعالى شأنه منزّه عنه و إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
(و لا استعان بهم لكلال) أى لعجز و اعياء، لأنّ منشأ الاعياء تناهي القوّة الجسمية المخصوصة بذوى الأجسام، و طلب العون و الحاجة إلى المعين من ضعف القدرة، و إذ لا ضعف و لا عجز لكمال ذاته سبحانه قوّة و قدرة فلا يتصوّر في حقه الاستعانة.
الترجمة:
و بدانيد اى بندگان خدا كه بتحقيق خدا خلق نفرموده شما را عبث و بى فايده و رها نكرده شما را سر خود، دانسته است مقدار نعمتهاى خود را بر شما، و شمرده است انعام خود را بر شما، پس طلب فتح و نصرت كنيد از او و طلب فوز بمقصود نمائيد از او، و متوجّه شويد بسوى او در مطالب، و طلب بخشش او كنيد، پس نبريده است شما را از او پرده، و بسته نشده است از شما نزد او هيچ درى، و بدرستى كه او در هر مكان و در هر وقت و زمان حاضر، و با هر انسان و جانّ مصاحب.
صدمه نمى رساند كرم او را بخشش و عطا، و نقصان نمى رساند خزانه احسان او را كرم او، و تمام نمى نمايد بحر عطاى او را هيچ سؤال كننده، و بپايان نمى رساند نعمتهاى او را هيچ عطيه، پيچيده نمى نمايد او را شخصى از شخصى، و مشغول نمى گرداند او را آوازى از آوازى، و مانع نمى شود او را بخششى از ربودنى، و رو گردان نمى سازد او را غضبى از رحمتى، و حيران نمى گرداند او را رأفتى از عذابى، و پنهان نمى دارد پنهانى ذات او از آشكارى آثار او، و منقطع نمى سازد ظهور آثار او از خفاء ذات او، نزديك شد بمخلوقات با علم و قيوميّت پس دور شد از ايشان بحسب ذات، و بلند شد بهمه چيز با استيلا و سلطنت پس نزديك شد بايشان با علم و احاطه و ظاهر شد پس از كثرت ظهور خفا بهم رساند، و مخفى گشت پس در خفايش آشكار گرديد، و لنعم ما قيل:
از همه كان بى نياز و بر همه مشفق و ز همه عالم نهان و بر همه پيدا
و جزا داد بهمه عباد و جزا داده نشد، و خلق نفرمود خلق را با جولان فكر و تدبير، و طلب اعانت نجست از ايشان بجهت عجز و ضعفى.