منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 256
ثمّ أقبل عليه السّلام على النّاس فقال: أيّها النّاس إيّاكم و تعلّم النّجوم إلّا ما يهتدي به في برّ أو بحر فإنّها تدعو إلى الكهانة، المنجّم كالكاهن، و الكاهن كالسّاحر، و السّاحر كالكافر، و الكافر في النّار سيروا على اسم اللّه. (12303- 12199)
اللغة:
و (كهن) له من باب نصر و منع و كرم كهانة بالفتح و تكهنّ تكهنا قضى له بالغيب فهو كاهن و الجمع كهنة و كهان و حرفته الكهانة بالكسر.
الاعراب:
و قوله أيّها النّاس كلمة أىّ اسم وضع للتوصّل إلى نداء ما فيه أل استكراها لاجتماع آلتي التعريف أعنى النّدا و حرف التعريف فحاولوا أن يفصلوا بينهما بشي ء فطلبوا اسما مبهما غير دالّ على ماهيّة معيّنة محتاجا بالوضع في الدّلالة عليها إلى شي ء آخر يزيل عنه الابهام يقع النّداء في الظاهر على ذلك الاسم المبهم و في الحقيقة على ذلك المخصّص الرافع للابهام عنه.
فوجدوا الاسم المتّصف بهذه الصّفة أيّا بشرط قطعه «1» عن الاضافة و اسم الاشارة حيث وضعها مبهمين مشروطا بازالة إبهامهما بشي ء اما اسم الاشارة فبالاشارة الحسيّة و أمّا أىّ فباسم آخر بعده إلّا أنّ أىّ لما كان أدخل في الابهام من اسم
______________________________
(1) و انما شرطوا ذلك لأنّ الاضافة يخصصه نحو أىّ رجل، منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 257
الاشارة و أحوج إلى الوصف منه لأنّ زوال ابهامه انّما هو باسم بعده بخلاف اسم الاشارة فانّه قد يزول ابهامه بالاشارة الحسيّة حسبما ذكرنا، و لهذا جاز يا هذا و لم يجزيا أىّ لا جرم خصّوا الفصل بين حرف النداء و اللام التعريف به و جعلوا المعرّف باللام المزيل عنه الابهام وصفا له.
فأىّ في قوله أيّها النّاس منادى مفرد معرفة مبنيّ على الضمّ و ها حرف تنبيه و النّاس صفة لأىّ و قال الأخفش في يا أيّها الرّجل: إنّ أيّا لا تكون وصلة و إنّما هو موصول و ذو اللام بعده خبر مبتداء محذوف و الجملة صلة أىّ و إنّما وجب هذا المبتدأ لمناسبة التخفيف للمنادى و لا سيّما إذا زيد عليه كلمتان أعنى أيّها فالمعنى يا من هو الرّجل.
قال الرّضيّ و يصحّ تقوية مذهبه بكثرة وقوع أىّ موصولة في غير هذا الموضع و ندور كونها موصوفة و قوله: إيّاكم و تعلم النّجوم تحذير و قال ابن الحاجب في الكافية التحذير معمول بتقدير اتّق تحذيرا ممّا بعده أو ذكر المحذر منه مكرّرا نحو ايّاك و الأسد و إيّاك و أن تحذف و الطريق الطريق.
و قال نجم الأئمة الرّضيّ في شرحه: قال المصنّف: كان أصل إيّاك و الأسد اتقك ثمّ انّهم لما كانوا لا يجمعون بين ضمير الفاعل و المفعول لواحد إذا اتّصلا جاءوا بالنّفس مضافا إلى الكاف فقالوا اتّق نفسك ثمّ حذفوا الفعل لكثرة الاستعمال، ثمّ حذفوا النّفس لعدم الاحتياج إليه لأنّ اجتماع الضميرين زال بحذف الفاعل مع الفعل فرجع الكاف، و لم يجز أن يكون متّصلا لانّ عامله مقدّم كما يجي ء في باب المضمر فصار منفصلا.
قال الرّضيّ: و أرى أنّ هذا الذى ارتكبه تطويل مستغنى عنه و الأولى أن يقال هو بتقدير ايّاك باعد أونحّ باضمار العامل بعد المفعول و انّما جاز اجتماع ضميرى الفاعل و المفعول لواحد لكون أحدهما منفصلا كما جاز ما ضربت إلا ايّاك و ما ضربت إلّا إيّاى، إلى أن قال و انّما وجب حذف الفاعل في نحو إيّاك لأنّه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 258
في معنى المكرّر الذي ذكرنا «1» انّه يجب حذف فعله لأنّ معنى إيّاك أى بعّد نفسك من الأسد.
و فحوى هذا الكلام احذر الأسد و معنى الأسد أى بعّد الأسد عن نفسك و هو أيضا بمعنى لحذر الأسد لأنّ تبعيد الأسد عن نفسك بأن تتباعد عنه فكأنك قلت: الأسد الأسد.
فان قلت المعطوف في حكم المعطوف عليه و ايّاك محذّر و الأسد المحذّر منه و هما متخالفان فكيف جاز العطف؟
فالجواب أنّه لا يجب مشاركة الاسم المعطوف للمعطوف عليه إلّا في الجهة المنتسب بها المعطوف عليه إلى عامله و جهة انتساب ايّاك إلى عامله كونه مفعولا به أى مبعدا و كذا الأسد إذ المعنى إيّاك بعّد و بعّد الأسد.
المعنى:
(ثم) إنّه بعد التنبيه على فساد زعم المنجّم بالوجوه الثلاثة (أقبل على الناس) و نهاهم عن الأخذ بالنجوم و حذّرهم عن تعلّمها (فقال أيها الناس إياكم و تعلّم النجوم) قال الشارح البحراني: الذى يلوح من سرّ نهى الحكمة النبويّة عن تعلّم النجوم أمران الأوّل اشتغال متعلّمها بها و اعتماد كثير من الخلق السامعين لأحكامها فيما يرجون و يخافون عليه فيما يسنده إلى الكواكب و الأوقات و الاشتغال بالفزع إليه و إلى ملاحظة الكواكب عن الفزع إلى اللّه و الغفلة عن الرّجوع إليه فيما يهمّ من الأحوال و قد علمت أنّ ذلك يضادّ مطلوب الشارع إذ كان غرضه ليس إلّا دوام التفات الخلق إلى اللّه و تذكرهم لمعبودهم بدوام حاجتهم إليه.
الثاني أنّ الأحكام النجومية اخبارات عن امور سيكون و هى تشبه الاطلاع على الامور الغيبية و أكثر الخلق من العوام و النساء و الصبيان لا يتميزون بينها و بين علم الغيب و الأخبار به فكان تعلّم تلك الأحكام و الحكم بها سببا لضلال كثير من الخلق و موهنا لاعتقاداتهم في المعجزات أو الاخبار عن الكاينات منها و كذلك في عظمة بارئهم و يشككهم في عموم الآيات الدّالة على اختصاص علم الغيب باللّه سبحانه، و كان هذين الوجهين هما المقتضيان لتحريم الكهانة و السحر و العزائم و نحوهما.
و كيف كان فلما نهى الناس عن تعلّم النجوم بالوجهين الذين عرفت استثنى عن ذلك قوله (إلّا ما يهتدى به في برّ أو بحر) لعدم استلزام ذلك الجهتين المذكورتين
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 261
و قد نصّ على جواز الاهتداء بها الآيات الكريمة مضافة إلى الأخبار الكثيرة قال تعالى «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» و قال تعالى: «وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» .
قال الطبرسى لأنّ من النجوم ما يكون بين يدي الانسان و منها ما يكون خلفه و منها ما يكون عن يمينه و منها ما يكون عن يساره و يهتدى بها في الاسفار و فى البلاد و في القبلة و أوقات الليل و إلى الطرق في مسالك البرارى و البحار، و قيل أراد الاهتداء به في القبلة، قال ابن عباس: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنه فقال: الجدى علامة قبلتكم و به تهتدون في برّكم و بحركم.
أقول: و هذه الرّواية موافقة لما رواه الصدوق مرسلا قال: قال رجل للصادق عليه السّلام: أنا اكون في السفر و لا اهتدي إلى القبلة بالليل قال أتعرف الكوكب الذي يقال له جدى؟ قلت: نعم قال: اجعله على يمينك و إذا كنت في طريق الحجّ فاجعله بين كتفيك.
و روى أيضا محمّد بن سنان عن أحدهما عليه السّلام قال: سألته عن القبلة قال: ضع الجدى في قفاك و صلّ هذا.
و لا ينحصر جواز تعلّمها فيما ذكر بل ربّما يجوز التعلّم لما يترتّب عليها من الأحكام الشّرعية المتعلّقة بها في أبواب العبادات و المعاملات بل قد يجب لوجوب الحكم المرتّب عليها فيجب معرفتها من باب المقدّمة مثلا لوجوب معرفة الأوقات الخمسة للصّلاة و معرفة الحول المضروبة للزكاة و اتيان الحجّ و العمرة في الأشهر المعلومات و ضبط عدد الحولين لرضاع الحاملات و تعيين أيام العدة للمتوفّي عنها زوجها و للحامل و ساير المطلقات، و العلم بما ضربت للدّين المؤجل من الأوقات كما اشير إلى ذلك في غير واحدة من الآيات قال تعالى: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 262
و قال «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِ» و قال «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» و قد مضى في سادس تنبيهات الفصل الثامن من فصول الخطبة الاولى ما يوجب ازدياد بصيرتك في المقام فتذكّر، و قوله (فانّها تدعو إلى الكهانة) تعليل للنّهى عن النّجوم و الكهانة بالكسر.
قال في البحار هى عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له بحيث يأتيه بالأخبار الغايبة و هو قريب من السّحر قيل: قد كان فى العرب كهنة كشق و سطيح و غيرهما فمنهم من يزعم أنّ له تابعا من الجنّ و دئيا يلقى إليه الأخبار، و منهم من كان يزعم أنّه يعرف الامور بمقدّمات و أسباب يستدلّ بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله و هذا يخصونه باسم العراف كالذى يدّعى معرفة الشّي ء المسروق و مكان الضالة و نحوهما.
و دعوة علم النّجوم إلى الكهانة إمّا لانّه ينجرّ أمر النجم إلى الرغبة في تعلّم الكهانة و التّكسب به أو ادّعاء ما يدّعيه الكاهن، ثمّ إنّه شبّه المنجّم بالكاهن و قال تشبيه (المنجّم كالكاهن) و وجه الشّبه إمّا الاشتراك في الاخبار عن الغايبات أو فى الكذب و الاخبار بالظنّ و التخمين و الاستناد إلى الامارات الضعيفة و المناسبات السّخيفة أو في العدول و الانحراف عن سبيل الحقّ و التمسك في نيل المطالب و درك المآرب بأسباب خارجة عن حدود الشّريعة و صدّهم عن التوسل إلى اللّه بالدعاء و الصدقة و ساير أصناف الطاعة، أو فى البعد عن الرحمة و المغفرة.
و يجرى بعض هذه الوجوه في التشبيهين في قوله: (و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر) و المشبه به في التشبيهات أقوى.
و السحر على ما قيل كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام و عزايم و نحوها يحدث بسببها ضرر على الغير، و منه عقد الرّجل عن زوجته و القاء البغضاء بين الناس، و منه استخدام الملائكة و الجنّ و استنزال الشّياطين في كشف الغايبات و علاج المصاب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 263
و استحضارهم و تلبسهم ببدن صبىّ أو امرئة و كشف الغايبات على لسانه انتهى.
و الظاهر أنّه لا يختصّ بالضّرر بل ربّما يفعل لعبا أو لإبداء أمر غريب و عن صاحب العين السّحر عمل يقرب إلى الشّياطين و من السّحر الاخذة التي تأخذ العين حتّى تظن أنّ الأمر كما ترى، و ليس الأمر كما ترى فالسحر عمل خفىّ لخفاء سببه يصوّر الشّي ء بخلاف صورته و يقلبه من جنسه في الظاهر و لا يقلبه من جنسه في الحقيقة ألا ترى إلى قوله تعالى: «يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى» .
و قال: الشّيخ في محكىّ كلامه عن التبيان قيل في معنى السّحر أربعة أقوال:
احدها أنّه خدع و مخاريق و تمويهات لا حقيقة يخيل إلى المسحور أنها حقيقة.
و الثّاني أنّه اخذ بالعين على وجه الحيلة.
و الثّالث أنّه قلب الحيوان من صورة إلى صورة و إنشاء الاجسام على وجه الاختراع فيمكن السّاحر أن يقلب الانسان حمارا و ينشى أجساما.
و الرّابع أنّه ضرب من خدمة الجنّ و أقرب الأقوال الأوّل لأنّ كلّ شي ء خرج عن العادة الجارية فانّه سحر لا يجوز أنّ يأتي من السّاحر، و من جوّز شيئا من هذا فقد كفر لأنّه لا يمكن معذلك العلم بصحة المعجزات الدّالة على النبوات لانّه أجاز مثله على جهة الحيلة و السّحر و في الرّياض و السّحر عرف تارة بما في الكتاب قال تعالى:
«فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ» .
و في الاحتجاج من أكبر السّحر النميمة يفرق بها بين المتحابّين و يجلب العداوة بين المتصادقين، قيل: و منه استخدام الجنّ و عرف بانّه عمل يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة و اخرى لوجه يدخل فيه العلم الطلسمات و النّيرنجات و غير ذلك، و ذلك أن يقال هو استحداث الخوارق إمّا بمجرّد التأثيرات النفسانية
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 264
و هو السّحر أو بالاستعانة بالفلكيات فقط و هو دعوة الكواكب، أو على تمزيج القوى السّماوية بالقوى الأرضية و هو الطلسمات، أو على سبيل الاستعانة بالأرواح السّاذجة و هو العزائم قيل: و الكلّ حرام في شريعة الاسلام.
و ظاهره اجماع المسلمين عليه و هو الحجة مضافا إلى النّصوص المستفيضة منها، و يدخل فيه النير نجات على ما ورد في الساحر أنّ دم السّاحر حلال و أنّ تعلم السّحر آخر العهد باللّه تعالى و حدّه القتل و نحو ذلك، و ظاهرها التّحريم مطلقا و قد استثنى منه السّحر للتوقى و دفع المتنبّى و ربّما وجب كفاية.
و روى في العيون في تفسير آية هاروت و ماروت أنّه كان بعد نوح قد كثرت السّحرة و المموهون فبعث اللّه ملكين إلى نبىّ ذلك الزّمان يذكر ما يسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم و يردّ به كيدهم فتلقاه النبيّ من الملكين و أداه إلى عباد اللّه بأمر اللّه أن يقفوا به على السّحر و أن يبطلوه و نهاهم أن يسحروا به الناس، و ربّما خصّت روايات الحلّ بغير السّحر كالقرآن و الذّكر و التعويذ و نحوها جمعا و هو أحوط.
ثمّ إنّه بعد تشبيه المنجّم بالكاهن و الكاهن بالساحر و الساحر بالكافر أشار بقوله (و الكافر في النّار) إلى نتيجة الجميع و هو دخول النّار إما على وجه الخلود كما في الكافر أولا كما في غيره، و لما فرغ من تنفير أصحابه عن تعلّم النجوم و قبول أحكامها أمرهم بالمسير بقوله: (سيروا على اسم اللّه) و عونه.
و ينبغي تذييل المقام بامور مهمة:
الأوّل:
اعلم أنّ هذا الكلام ممّا اشتهرت روايته بين الخاصّة و العامّة و قد روى بطرق مختلفه مع اختلاف كثير في متنه و لا بأس بالاشارة إلى بعض تلك الطرق استبصارا و اطلاعا منك على مواقع الاختلاف و استظهارا و استنصارا لما أورد السّيد في الكتاب فأقول:
منها ما في شرح المعتزلي عند شرح لخطبة السّادسة و الثلاثين قال: روى ابن و يزيل قال: عزم على الخروج من الكوفة إلى الحروريّة و كان في أصحابه منجّم فقال له يا أمير المؤمنين لا تسرفى هذه السّاعة و سر على ثلاث ساعات مضين من النهار
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 265
فانك إن سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذى و ضرّ شديد، و إن سرت في ساعة التي أمرتك بها ظفرت «1» و ظهرت و أصبت ما طلبت.
فقال له عليّ أ تدري ما في بطن فرسى هذه أذكر هو أم انثى؟ قال: إن حسبت علمت، فقال من صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن قال اللّه تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ» الآية.
ثمّ قال إنّ محمّدا ما كان يدّعى علم ما ادّعيت علمه، أ تزعم أنك تهدى إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها و تصرف عن الساعة التي يحيق «2» السوء لمن سار فيها فمن صدّقك فقد استغنى عن الاستعانة باللّه جلّ ذكره في صرف المكروه عنه و ينبغي للمؤمن بأمرك أن يوليك الحمد دون اللّه جلّ جلاله لأنك بزعمك هديته إلى السّاعة التي يصيب النفع من سار فيها، و صرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن آمن بك في هذا لم امن عليه أن يكون كمن اتّخذ من دون اللّه ضدا و ندا، اللهمّ لا طير إلّا طيرك و لا ضير إلّا ضيرك و لا إله غيرك.
ثمّ قال: نخالف و نسير في الساعة التي نهيتنا عنها، ثمّ أقبل على الناس فقال:
أيها النّاس إياكم و التعلم للنجوم إلّا ما يهتدى به في ظلمات البرّ و البحر إنما المنجّم كالكاهن و الكاهن كالكافر و الكافر في النّار، أما و اللّه لان بلغنى أنك تعمل بالنّجوم لأخلدنك في السجن أبدا ما بقيت و لأحرمنّك العطاء ما كان لى من سلطان.
ثمّ سار في الساعة التي نهاه عنها المنجّم فظفر بأهل النهر و ظهر عليهم، ثمّ قال عليه السّلام لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجّم لقال الناس سار في الساعة التي أمر بها المنجّم فظفر و ظهر أما أنّه ما كان لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منجّم و لا لنا من بعده حتّى فتح اللّه علينا بلاد كسرى و قيصر أيّها الناس توكّلوا على اللّه و اتّقوا اللّه فانّه يكفى ممّن سواه.
و منها ما في البحار من مجالس الصّدوق عن محمّد بن عليّ ما جيلويه عن محمّد
______________________________
(1) ظفر بمطلوبه فاز، لغة.
(2) حاق به السوء لزمه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 266
ابن أبي القاسم عن محمّد بن عليّ القرشى عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر.
قال: لما أراد أمير المؤمنين المسير إلى النهر و ان أتاه منجّم فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسرفى هذه الساعة و سرفي ثلاث ساعات مضين من النهار، فقال أمير المؤمنين: و لم ذلك؟ قال: لأنك إن سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك اذى و ضرّ شديد و إن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت و ظهرت و أصبت كما طلبت.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام تدرى ما في بطن هذا الدابة ذكر أم انثى؟ قال:
إن حسبت علمت، قال له أمير المؤمنين عليه السّلام من صدّقك على هذا القول كذب بالقرآن قال اللّه تعالى: إنّ اللّه عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدرى نفس ما ذا تكسب غدا، و ما تدري نفس بأىّ أرض تموت إنّ اللّه عليم خبير.
ما كان محمّد يدعى ما ادّعيت أ تزعم أنك تهدى إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه سوء و الساعة التي من سار فيها حاق به الضّر من صدّقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللّه عزّ و جلّ، و في ذلك الوجه و أحوج إلى الرّغبة إليك في دفع المكروه عنه و ينبغي له أن يوليك دون ربه عزّ و جلّ فمن آمن لك بهذا فقد اتّخذك من دون اللّه ندّا و ضدّا.
ثمّ قال: اللّهم لا طير إلّا طيرك و لا ضير إلّا ضيرك و لا خيرك إلّا خيرك و لا إله غيرك بل نكذبك و نخالفك و نسير في الساعة التي نهيت عنها.
قال المحدّث المجلسي بعد ما أورد الرّواية: قوله: من صدّقك على هذا القول فقد كذب بالقرآن لادّعائه العلم الذي أخبر اللّه سبحانه أنّه مختصّ به إذ ظاهر قوله تعالى عنده الاختصاص.
فان قيل: فقد أخبر النبيّ فالأئمة بالخمسة المذكورة في الآية في مواطن كثيرة فكيف ذلك؟
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 267
قلنا: المراد أنّه لا يعلمها أحد بغير تعليمه سبحانه و ما أخبروه من ذلك فانّما كان بالوحى و الالهام أو التّعلم من النبيّ الذي علمه بالوحى.
لا يقال: علم النّجوم أيضا من هذا القبيل لما سيأتى من الأخبار الدّالة على أنّ له أصلا و أنّه ممّا علمه اللّه أنبياءه فكيف يكون تصديق المنجّم تكذيبا بالقرآن؟
لأنا نقول الذي سيظهر من الأخبار أنّ نوعا من هذا العلم حقا يعلمه الأنبياء و الأوصياء و أمّا أنّ ما في أيدى النّاس من ذلك فلا.
و قوله أن يوليك الحمد، على بناء الافعال أو التّفعيل أى يقربك من الحمد من الولى بمعنى القرب أو من قولهم ولاه الأمير عمل كذا أى قلّده ايّاه أى يجعلك وليا لمحمّد «للحمد ظ» و أهلا له أو من قولهم أوليته معروفا أى أنعمت عليه لا طير إلّا طيرك الطير من الطيرة و هى التّشام بالشّي ء أى لا تاثير للطيرة إلّا طيرك أى قضاؤك و قدرك على المشاكلة و يدلّ على أنّ ضرر النّجوم من جهة الطيرة، و الضير الضرر.
الثاني:
قال السّيد الجليل عليّ بن طاوس (ره) في محكيّ كلامه عن كتاب النّجوم بعد ما أورد هذا الكلام له عليه السّلام نقلا عن الرّضيّ (ره) في الكتاب:
إنّني رأيت فيما وقفت عليه في كتاب عيون الجواهر تأليف أبي جعفر محمّد بن بابويه (ره) حديث المنجّم الذى عرض لمولانا عليّ عليه السّلام عند مسيره إلى النهروان مسندا عن محمّد بن عليّ ما جيلويه عن عمّه محمّد بن أبي القاسم عن محمّد بن عليّ القرشي عن نصر بن مزاحم المنقرّى عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد اللّه بن عوف ابن الأحمر قال: لمّا أراد أمير المؤمنين عليه السّلام المسير إلى النّهروان أتاه منجّم، ثمّ ذكر حديثه.
قال: فأقول إنّ في هذا الحديث عدّة رجال لا يعمل علماء أهل البيت عليهم السّلام على روايتهم و يمنع من يجوّز العمل بأخبار الآحاد من العمل بأخبارهم و شهادتهم و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص مقاتل الحسين عليه السّلام فانّ أخباره و رواياته مهجورة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 268
و لا يلتفت عارف بحاله إلى ما يرويه أو يسند إليه.
ثمّ طعن في الرّواية بانّها لو كانت صحيحة لكان عليه السّلام قد حكم في هذا على صاحبه الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنّه من أصحابه أيضا بأحكام الكفار إمّا بكونه مرتدّا عن الفطرة فيقتله فى الحال أو يردّه عن غير الفطرة فيتوبه أو يمتنع من التّوبة فيقتل لأنّ الرّواية قد تضمّنت أنّ المنجّم كالكافر أو كان يجرى عليه أحكام الكهنة أو السّحرة لأنّ الرّواية تضمّنت أنّه كالكاهن و السّاحر و ما عرفنا إلى وقتنا هذا أنّه حكم على هذا المنجّم أحكام الكفار و لا السّحرة و لا الكهنة و لا أبعده و لا عزّره بل قال: سيروا على اسم اللّه و المنجّم من جملتهم لانّه صاحبه.
و هذا يدلك على تباعد الرّواية من صحّة النّقل أو يكون لها تأويل غير ظاهر موافق للعقل.
ثمّ قال: و ممّا نذكره من التّنبيه على بطلان ظاهر الرّواية بتحريم علم النّجوم قول الرّاوي فيها إنّ من صدّقك فقد كذب القرآن و استغنى عن الاستعانة باللّه و نعلم أنّ الطلائع للحروب مديون على السّلامة من هجوم الجيش و كثير من النّحوس و يبشّرون بالسّلامة و ما الزم من ذلك أن يوليهم الحمد دون ربّهم ثمّ انّنا وجدنا في الدّعوات الكثيرة التّعوذ من أهل الكهانة و السّحرة فلو كان المنجّم مثلهم كان قد تضمن بعض الأدعية التّعوّذ منه و ما عرفنا في الأدعية التعوّذ من النّجوم و المنجّم إلى وقتنا هذا.
و من التنبيه على بطلان ظاهر هذه الرواية أنّ الدّعوات تضمّن كثير منها و غيرها من صفات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه لم يكن كاهنا و لا ساحرا و ما وجدنا إلى الآن و لا كان عالما بالنّجوم، فلو كان المنجّم كالكاهن و الساحر ما كان يبعد أن يتضمنه بعض الرّوايات و الدعوات في ذكر الصّفات انتهى كلامه رفع مقامه.
و اورد عليه المحدّث المجلسي (ره) بعد نقل كلامه في البحار بقوله، و أقول:
أمّا قدحه فى سند الرّواية فهى من المشهورات بين الخاصّة و العامّة و لذا أورده السيّد (ره) في النهج اذ دأبه فيه أن يروى ما كان مقبول الطرفين و ضعف سند الرّواية
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 269
التي أورده الصّدوق لا يدلّ على ضعف ساير الأسانيد.
و عمر بن سعد الذي يروى عنه نصر بن مزاحم ليس الملعون الذى كان محارب الحسين عليه السّلام كما يظهر من كتابه كتاب الصّفين الذي عندنا، فان أكثر ما رواه فيه رواه عن هذا الرّجل و في كثير من المواضع عمر و مكان عمر، و لم يكن الملعون من جملة رواة الحديث و حملة الأخبار حتّى يروى عنه هذه الأخبار الكثيرة.
و أيضا رواية نصر عنه بعيد جدّا فانّ نصر كان من أصحاب الباقر عليه السّلام و الملعون لم يبق بعد شهادة الحسين عليه السّلام إلّا قليلا، و الشّواهد على كونه غيره كثيرة لا تخفى على المتدرّب في الاخبار العارف بأحوال الرّجال و هذا من السيّد غريب و أمّا قوله إنّه لم يحكم بكفر المنجّم فيرد عليه أنّ ظاهر التشبيه بالكافر أنّه ليس بكافر و إنّما يدلّ على اشتراكه معه في بعض الصفات لا في جميع الأحكام كقتله في الحال أو بعد امتناعه من التوبة على أنه عليه السّلام لم يشبهه بالكافر بل بالمشبه بالكافر.
و أما قوله و لا أبعده و لا عزّره، ففيه أنه قد ظهر مما رواه ابن أبي الحديد الابعاد بالحبس المؤبد و التحريم من العطاء، و لم يعلم أنه أصرّ المنجّم على العمل بالنجوم بعد ذلك حتى يستحقّ تعزيرا أو نكالا و عدم اشتمال رواية السيد على هذه الزّيادة لا يدلّ على عدمها، فانّ عادة السيد الاختصار على ما اختاره من كلامه عليه السّلام بزعمه استيفاء النقل و الرّواية مع عدم النقل في مثل هذا لا يدلّ على العدم.
و كونه من أصحابه عليه السّلام و بينهم لا يدلّ على كونه مرضيا فانّ جيشه عليه السّلام كان مشتملا على كثير من الخوارج و المنافقين كالأشعث أخى هذا المنجّم على ما ذكره السيد و غيره أنه كان عفيف بن قيس أخا الأشعث رأس المنافقين و مثير أكثر الفتن.
و أما قياسه على طلائع الحروب فالفرق بين الأمرين بيّن، فانّ ما يهدى إليه الطلائع و نحوهم ليست امورا يترتب عليها صرف السوء و نيل المحبوب حتما بل يتوقف على اجتماع امور كوجود الشرائط و ارتفاع الموانع و كلّ ذلك لا يتيسّر الظفر بها الّا بفضل مسبّب الأسباب بخلاف ما ادّعاه المنجّم من أنّ الظفر يترتّب حتما على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 270
على الخروج في الساعة التي اختاره.
و أما عدم التعوّذ من النجوم و المنجّم فلأن المنجّم إنما يعود ضرره إلى نفسه بخلاف السّاحر و الكاهن فانه يترتّب منهما ضرر كثير على الناس، مع أنّ الدّعاء الذي رواه السيد في كتاب الاستخارات و أوردناه في هذا الباب يتضمّن البراءة إلى اللّه من اللّجاء إلى العمل بالنّجوم و طلب الاختيارات منها.
و أما عدم وصف النبيّ بأنه لم يكن منجّما لأنّ الكفار إنما كانوا يصفونه بالسحر و الكهانة و الشعر فورد براءته عنها ردا عليهم و لم يكونوا يصفونه بالنجوم مع أنه كان عالما بما هو الحقّ من علم النجوم و كان من فضائله صلّى اللّه عليه و آله.
الثالث:
روى في الاحتجاج و البحار قصّة المنجّم معه عليه السّلام بنحو آخر مشتمل على مطالب غريبة و أحكام عجيبة أحببت ايراد ذلك ضنّنا منّى أن يخلو الشّرح عن ذلك فأقول.
في الاحتجاج عن سعيد بن جبير قال استقبل أمير المؤمنين دهقان من دهاقين الفرس فقال له بعد التهنية: يا أمير المؤمنين تناحست النّجوم الطالعات و تناحست السّعود بالنّحوس و إذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء و يومك هذا يوم صعب قد انقلب فيه (كوكبان خ ل) و انقدح من برجك النّيران و ليس الحرب لك بمكان.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام ويحك يا دهقان المنبئ بالآثار المحذّر من الأقدار ما قصّة صاحب الميزان و قصّة صاحب السّرطان؟ و كم المطالع من الأسد و السّاعات من المحركات و كم بين السرارى و الدّرارى؟
قال: سانظرو أومأ بيده إلى كمّه و أخرج منه اسطر لابا ينظر فيه، فتبسّم عليه السّلام فقال أ تدرى ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصّين، و انفرج برج ما جين، و سقط سور سر انديب، و انهزم بطريق الرّوم بارمنيه (بارمينيّة خ ل)، و فقد ديّان اليهودي بايلة، و هاج النّمل بوادى النّمل، و هلك ملك أفريقيّة أ كنت عالما بهذا؟
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 271
قال: لا يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السّلام: البارحة سعد سبعون ألف عالم، و ولد في كلّ عالم سبعون ألفا و الليلة يموت مثلهم و هذا منهم، و أومأ بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثى لعنه اللّه و كان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنين، فظنّ الملعون أنّه يقول خذوه فأخذ بنفسه فمات، فخرّ الدّهقان ساجدا.
فقال أمير المؤمنين ألم اروّك من عين التّوفيق؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السّلام أنا و صاحبي لا شرقيّ و لا غربيّ نحن ناشئة القطب و أعلام الفلك أما قولك انقدح من برجك النيران، فكان الواجب أن تحكم به لي لا عليّ، و أمّا نوره و ضياؤه فعندي و أمّا حريقه و لهبه فذهب عنّي فهذه مسألة عميقة احسبها إن كنت حاسبا.
قال المحدّث المجلسي في شرحه بعد ما أورده في البحار: «ما قصّة صاحب الميزان» أى الكواكب التي الآن في برج الميزان أو الكواكب المتعلّقة بتلك البرج المناسبة لها، و كذا صاحب السّرطان و «كم المطالع» أى كم طلع من ذلك البرج الان و «السّاعات» أى كم مضى من طلوع السّاعات من طلوع ساير المحرّكات.
و لعلّ المراد «بالسّراري» الكواكب الخفية تشبيها لها بالسّرية «و الدّراري» الكواكب الكبيرة المضيئة أو اصطلاحان في الكواكب لا يعرفهما المنجّمون، و الغرض أنّه لو كان هذا العلم فانّما يمكن الحكم به بعد الاحاطة بجميع أوضاع الكواكب و أحوالها و خواصّها في كلّ آن و زمان و المنجّمون لم يرصدوا من الكواكب إلّا أقلها و مناط أحكامهم أوضاع السّيارات فقط مع عدم احاطتهم بأحوال تلك أيضا.
ثمّ نبّهه عليه السّلام على عدم احاطته بذلك العلم أو عدم كفايته للعلم بالحوادث بجهله بكثير من الامور الحادثة، و في القاموس «البطريق» ككبريت القايد من قوّاد الرّوم تحت يده عشرة آلاف رجل انتهى و «ديّان اليهود» عالمهم و في بعض النّسخ بالنّون جمع دن و هو الجبّ العظيم «و صاحبي» أي النّبيّ «لا شرقي و لا غربي» ايماء إلى قوله سبحانه لا شرقيّة و لا غربية، و الغرض لسنا كساير الناس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 272
حتّى تحكم علينا بأحكامهم كالنّجوم المنسوبة إلى العرب أو إلى الملوك أو إلى العلماء و الأشراف فانا فوق ذلك كلّه.
«نحن ناشئة القطب» أي الفرقة النّاشئة المنسوبة إلى القطب أى حقيقة لثباتهم و استقرارهم في درجات العزّ و الكمال أو كناية عن أنّهم غير منسوبين إلى الفلك و الكواكب بل هي منسوبة إليهم و سعادتها بسببهم، أو أنّهم قطب الفلك إذ الفلك يدور ببركتهم «و» هم «أعلام الفلك» بهم يتزيّن و يتبرّك و يسعد.
ثمّ الزم عليه السّلام عليه في قوله «انقدح من برجك النّيران» بأنّ للنّار جهتين جهة نور وجهة إحراق فنورها لنا و إحراقها على عدوّنا، و يحتمل أن يكون المراد به أنّ اللّه يدفع ضررها عنّا بتوسّلنا به تعالى و توكلنا عليه «فهذه مسألة عميقة» أى كوننا ممتازين عن ساير الخلق في الأحكام أو كون النيران خيرا لنا و شرّا لعدوّنا و أنّ التوسل و الدّعاء يدفع النحوس و البلاء مسألة عميقة خارجة عن قانون نجومك و حسابك و يبطل جميع ما تظنّ من ذلك.
و في البحار روينا باسنادنا إلى الشيخ سعيد محمّد بن رستم بن جرير الطبري الامامي عن الحسين بن عبد اللّه الجرمي و محمّد بن هارون التلعكبري عن محمّد بن أحمد ابن محروم عن أحمد بن القاسم عن يحيى بن عبد الرحمن عن عليّ بن صالح بن حيّ الكوفي عن زياد بن المنذر عن قيس بن سعد قال:
كنت كثيرا اساير أمير المؤمنين عليه السّلام إذا سار إلى وجه من الوجوه فلما قصد أهل النهروان و صرنا بالمداين و كنت يومئذ مسايرا له إذ خرج إليه قوم من أهل المداين من دهاقينهم معهم براذين قد جاءوا بها هدية إليه فقبلها، و كان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المداين يدعى سرسفيل، و كانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى و ترجع إلى قوله فيما سلف فلما بصر بأمير المؤمنين قال له:
يا أمير المؤمنين لترجع عما قصدت قال و لم ذاك يا دهقان؟ قال: يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطوالع فنحس أصحاب السعود و سعد أصحاب النحوس و لزم الحكيم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 273
في مثل هذا اليوم الاستخفاء و الجلوس، و أنّ يومك هذا يوم مميت قد اقترن فيه كوكبان قتّالان، و شرف فيه بهرام في برج الميزان، و انقدح «و انفذت خ» من برجك النيران و ليس الحرب لك بمكان.
فتبسّم أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ قال: أيّها الدّهقان المنبئ بالاخبار و المحذّر من الاقدار ما نزل البارحة في آخر الميزان و أىّ نجم حلّ في السّرطان؟ قال: سأنظر ذلك و أخرج من كمه اسطرلابا و تقويما، قال له أمير المؤمنين: أنت مسير الجاريات؟ قال: لا قال: فأنت تقضى على الثابتات؟ قال لا: قال: فاخبرنى عن طول الأسد و تباعده من المطالع و المراجع و ما الزّهرة من التوابع و الجوامع؟ قال: لا علم لى بذلك.
قال عليه السّلام: فما بين السوارى إلى الدّرارى و ما بين السّاعات إلى المعجزات و كم قدر شعاع المبدرات و كم تحصل الفجر في الغدوات؟ قال: لا علم لي بذلك، قال: فهل علمت يا دهقان أنّ الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت بالصّين و انقلب برج ماجين و احترق دور بالزّنج و طفح جبّ سرانديب و تهدم حصن الاندلس و هاج نمل الشّيخ و انهزم مراق الهندي و فقد ديان اليهود بايلة و هزم بطريك الرّوم برومية و عمى راهب عموديّة و سقطت شرفات القسطنطنية أفعا لم أنت بهذه الحوادث و ما الذي أحدثها شرقيها أو غربيها من الفلك؟ قال: لا علم لي بذلك.
قال و بأىّ الكواكب تقضى في أعلى القطب و بأيّها تنحس من تنحس؟ قال: لا علم لي بذلك قال: فهل علمت أنّه سعد اليوم اثنان و سبعون عالما في كلّ عالم سبعون عالما، منهم في البرّ و منهم في البحر و بعض في الجبال و بعض في الغياض و بعض في العمران و ما الذي أسعدهم؟ قال: لا علم لى بذلك.
قال يا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشترى و زحل لما استنار لك فى الغسق و ظهر تلا لاشعاع المريخ و تشريقه في السحر و قد سار فاتّصل جرمه بجرم تربيع القمر، و ذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلّهم يولدون اليوم و الليلة و يموت مثلهم و أشار بيده إلى جاسوس في عسكره لمعاوية فقال: و يموت هذا فانّه منهم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 274
فلما قال عليه السّلام ذلك ظن الرّجل أنّه قال: خذوه فأخذه شي ء بقلبه و تكسرت نفسه في صدره فمات لوقته.
فقال: يا دهقان ألم أرك عين «غير خ ل» التقدير في غاية التصوير؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين قال: يا دهقان أنا مخبرك إنى و صحبى هؤلاء لا شرقيّون و لا غربيّون إنما نحن ناشئة القطب و ما زعمت أنّه انقدح البارحة من برجى النيران فقد كان يجب أن تحكم معه لى لأنّ نوره و ضيائه عنده فلهبه ذاهب عنّى.
يا دهقان هذه قضية عيص فاحسبها و ولّدها ما إن كنت عالما بالأكوار و الأدوار، فقال: لو علمت ذلك لعلمت تحصى عقود القصب في هذه الاجمة.
و مضى أمير المؤمنين فهزم أهل النهروان و قتلهم و عاد بالغنيمة و الظفر، فقال الدّهقان ليس هذا العلم بما في أيدى أهل زماننا هذا علم مادته في السّماء.
قال المجلسى أكثر السّؤالات المذكورة في الرّواية على تقدير صحّتها و ضبطها مبنيّة على اصطلاحات معرفتها مختصة بهم اوردها لبيان عجزه و جهله و عدم إحاطة علمه بما لا بد منه في هذا العلم «و كم تحصل الفجر في الغدوات» يحتمل أن يكون المراد به زمان ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فانّ ذلك يختلف في الفصول و «طفح جبّ سرانديب» امتلاء و ارتفع، و منه سكران طافح و «الشّيح» نبت معروف و يحتمل أن يكون المراد هنا الوادى الذى هو منبته.
و «العمودية» ماء للنّصارى يغمسون فيه اولادهم و «ما الذي أحدثها» أى بزعمك «شرقيها» أى الكواكب «ألم أرك غير التّقدير» بكسر الغين و فتح الياء اى التغيرات النّاشئة من تقديرات اللّه تعالى و في بعض النّسخ عين التّقدير أى أصله «هذه قضية عيص» بالاضافة إلى الاصل في القاموس العيص بالكسر الاصل و في بعض النّسخ عويصة اى صعبة شديدة و «ولّدها» بصيغة الأمر و تشديد اللّام أى استنتج منها.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 275
الرابع:
فى تحقيق الكلام في علم النجوم و جواز العمل بأحكامه، و قد اختلف في ذلك الأخبار ككلمات علمائنا الأخيار و البحث في مقامات ثلاثة:
المقام الاول:
في بطلان ما زعمه قدماء المنجمين من أنّ الكواكب تفعل في الأرض و من عليها أفعالا يسندونها إلى طباعها.
فأقول: إنّ اعتقاد ذلك كفر و زندقة و الحاد دلّت على امتناعه الأدلّة النقليّة و البراهين العقليّة.
قال الشّيخ إبراهيم بن نوبخت في كتاب الياقوت: قول المنجمين يبطله قدم الصّانع و اشتراط اختياره و يلزم عليهم أن لا يستقرّ الفعل على حال من الأحوال و قول أهل الطبايع يبطل بمثل ذلك.
و قال العلامة في شرح ذلك: اختلف قول المنجّمين على قسمين: أحدهما قول من قال إنّ الكواكب السّبعة حية مختارة، و الثاني قول من قال إنّها موجبة و القولان باطلان أما الأوّل فلأنها أجسام محدثة فلا تكون آلهة، و لأنّها محتاجة إلى محدث غير جسم فلا بدّ من القول بالصّانع، و أما الثاني فلأنّ الكواكب المعين كالمريخ مثلا إذا كان مقتضيا للحرب لزم دوام وقوع الهرج و المرج في العالم و أن لا يستقرّ أفعالهم على حال من الأحوال و لما كان ذلك باطلا كان ما ذكروه باطلا، و أما القائلون بالطبايع الذين يسندون الأفعال إلى مجرّد الطبيعة فيبطل قولهم بمثل ذلك أيضا فانّ الطبيعة قوّة جسمانية في كلّ جسم محدث فكلّ قوة حالة فهى محدثة تفتقر إلى محدث غير طبيعة و إلّا لزم التسلسل فلا بدّ من القول بالصّانع سبحانه.
و قال أيضا في محكىّ كتاب المنتهى: التنجيم حرام و كذا تعلّم النجوم مع اعتقاد أنّها مؤثرة أو أنّ لها مدخلا في التاثير بالنفع و الضّرر و بالجملة كلّ من يعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتّصالات الكوكبية كافر و أخذ الاجرة على ذلك حرام.
و قال علم الهدى في كتاب الغرر و الدّرر: و قد فرغ المتكلّمون من الكلام في أنّ الكواكب لا يجوز أن تكون فينا فاعلة و تكلّمنا نحن أيضا في مواضع على ذلك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 276
و بيّنا بطلان الطبايع التي يهذون بذكرها و إضافة الافعال إليها و بيّنا أنّ الفاعل لا بدّ أن يكون حيا قادرا و قد علمنا أنّ الكواكب ليست بهذه الصفة فكيف تفعل و ما يصحّح الأفعال مفقود فيها.
و قد سطر المتكلّمون طرفا كثيرة في أنها ليست بحيّة و لا قادرة أكثرها معترض و اشف «1» ما قيل في ذلك أنّ الحياة معلوم انّ الحرارة الشّديدة كحرارة النّار تنفيها و لا تثبت معها و معلوم أنّ حرارة الشمس أشدّ و أقوى من حرارة النّار بكثير لأنّ الذي يصل إلينا على بعد المسافة من حرارة الشّمس بشعاعها يماثل أو يزيد على حرارة النار و ما كان بهذه الصّفة من الحرارة يستحيل كونه حيّا.
و أقوى من ذلك كلّه في نفى كون الفلك و ما فيه من شمس و قمر و كوكب أحياء السمع و الاجماع و أنّه لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك و ما يشتمل عليه من الكواكب و أنها مسخّرة مدبّرة مصرفة، و ذلك معلوم من دين رسول اللّه ضرورة و إذا قطعنا على نفى الحياة و القدرة عن الكواكب فكيف تكون فاعلة.
و على أننا قد سلّمنا لهم استظهارا في الحجة أنّها قادرة قلنا إنّ الجسم و إن كان قادرا قدرا فانّه لا يجوز أن يفعل في غيره إلّا على سبيل التوليد، و لا بدّ من وصلة بين الفاعل و المفعول فيه، و الكواكب غير مماسة لنا و لا وصلة بيننا و بينها فكيف تكون فاعلة فينا، فان ادّعى أنّ الوصلة بيننا الهواء فالهواء أوّلا لا يجوز أن يكون آلة في الحركات الشّديدة و حمل الاثقال، ثمّ لو كان الهواء آلة تحرّكنا بها الكواكب لوجب أن نحسّ بذلك و نعلم أنّ الهواء يحرّكنا و يصرفنا كما نعلم في غيرنا من الأجسام إذا حرّكنا بآلة على أنّ في الحوادث الحادثة فينا ما لا يجوز أن يفعل بآلة و لا يتولّد عن سبب كالارادات و الاعتقادات و أشياء كثيرة فكيف فعلت الكواكب ذلك فينا.
و هى لا يصحّ أن تكون مخترعة للأفعال لأنّ الجسم لا يجوز أن يكون قادرة إلّا
______________________________
(1) أى أفضل منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 277
بقدرة و القدرة لا يجوز لأمر يرجع إلى نوعها أن تخترع بها الأفعال فأمّا الادمة «1» فليس تؤثرها الشّمس على الحقيقة في وجوهنا و أبداننا و إنّما اللّه تعالى هو المؤثر لها و فاعلها بتوسّط حرارة الشّمس كما أنّه تعالى هو المحرّق على الحقيقة بحرارة النّار و الهاشم لما يهشمه الحجر بثقله و حرارة الشّمس مسوّدة الأجسام من جهة معقولة مفهومة كما أنّ النّار تحرق الاجسام على وجه معقول فأىّ تأثير للكواكب فينا يجرى هذا المجرى في تمييزه و العلم بصحته فليشر إليه فانّ ذلك لا قدرة عليه.
و ممّا يمكن أن يعتمد في إبطال أن تكون الكواكب فاعلة و مصرّفة لنا أن ذلك يقتضى سقوط الأمر و النهى و المدح و الذّم عنّا، و نكون معذورين في كلّ إسائة تقع منا و نجيئها بأيدينا و غير مشكورين على شي ء من الاحسان و الافضال و كلّ شي ء نفسد به قول المجبرة فهو مفسد لهذا المذهب.
الثاني:
في أنّه بعد ما تحقق بطلان كون الكواكب عللا مؤثرة مدّبرة لهذا العالم السّفلى موجدة لما فيه فهل يمكن كونها أمارات و علامات على وقوع بعض الحوادث في هذا العالم ممّا يوجده اللّه تعالى بقدرته، و هل يمكن الاطلاع بالحوادث الاستقبالية من أشكال الكواكب و اتّصالاتها و ما يعرض لها من الأوضاع و الهيآت بقرب بعضها من بعض أو بعده بأن يجرى عادة اللّه سبحانه على فعل كذا عند كذا.
الحقّ إمكان ذلك وفاقا لاكثر الأصحاب لما سمعنا و شاهدنا من إصابة كثير من المنجمين في أحكامهم النّجوميّة و إن كان خطائهم فيها كثيرا أيضا، و يبعد بأن تكون تلك الاصابة كلّها من باب البخث و الاتفاق.
و قد خالف في ذلك المرتضى و بالغ كلّ المبالغة في إنكار أصل هذا العلم و زعم أنّ جميع ما اتفق من اخبار المنجمين من باب الاتفاق و التخمين نحو ما يقوله الفوّالون.
______________________________
(1) الادمة بالضمّ السمرة، ق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 278
قال فى كتاب الغرر و الدرر ما ملخصه: إنّ جريان عادة اللّه بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه أو اتّصاله أو مفارقته و إن كان جائزا لكن لا طريق إلى العلم بأنّ ذلك قد وقع و ثبت من أين لنا بأنّ اللّه تعالى قد أجرى العادة بأن يكون زحلا و المرّيخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا، و أنّ المشترى إذا كان كذلك كان سعدا، و أىّ سمع مقطوع به جاء بذلك و أىّ نبي خبر به و استفيد من جهته.
فان عوّلوا في ذلك على التجربة بانّا جرّ بنا ذلك و من كان قبلنا فوجدناه على هذه الصّفة و إذا لم يكن موجبا وجب أن يكون معتادا.
قلنا و من سلم لكم صحّة هذه التّجربة و انتظامها و اطرادها و قدر أينا خطائكم فيها أكثر من صوابكم و صدقكم أقلّ من كذبكم فالّا نسبتم الصّحة إذا اتفقت منكم إلى الاتفاق الذي يقع من المخمن و المرجّم، فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممّن يخطى و هو غير أصل معتمد و لا قاعدة صحيحة.
فاذا قلتم: سبب خطاء المنجم زلل دخل عليه في أخذ الطالع أو تسيير الكواكب، قلنا و لم لا كانت اصابته سببها التخمين و إنّما كان يصحّ لكم هذا التأويل و التخريج لو كان على صحّة احكام النجوم دليل قاطع هو غير اصابة المنجّم، فامّا إذا كان دليل صحّة الاحكام الاصابة فالا كان دليل فسادها الخطاء فما أحدهما في المقابلة إلّا كصاحبه إلى أن قال.
و بعض الرّؤساء بل الوزراء ممّن كان فاضلا في الأدب و الكتابة و مشعوفا بالنّجوم عاملا عليها قال لي يوما و قد جرى حديث يتعلق بأحكام النجوم و راى من مخايلي التّعجب ممّن يتشاغل بذلك و يفنى زمانه به: اريد أن أسألك عن شي ء في نفسي، فقلت: سل عمّا بدا لك، فقال: اريد أن تعرّفنى هل بلغ بك التّكذيب باحكام النّجوم إلى أن لا تختار يوما لسفر و لبس ثوب جديد و توجه في حاجة؟
فقلت: قد بلغت إلى ذلك و الحمد للّه و زيادة عليه و ما في دارى تقويم و لا انظر فيه و ما رأيت مع ذلك إلّا خيرا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 279
ثم أقبلت عليه فقلت ندع ما يدلّ على بطلان احكام النجوم ممّا يحتاج إلى ظن دقيق و روية طويلة و ههنا شي ء قريب لا يخفى على أحد ممن علت طبقته في الفهم او انخفضت.
خبرنى لو فرضنا جادّة مسلوكة و طريقا يمشى فيه النّاس ليلا و نهارا و في محجته آبار متقاربة و بين بعضها و بعض طريق يحتاج سالكه إلى تأمّل و توقف حتّى يتخلّص من السّقوط في بعض تلك الآبار هل يجوز أن يكون سلامة من يمشي في هذا الطريق من العميان كسلامة من يمشي من البصراء، و قد فرضنا أنّه لا يخلو طرفة عين من المشاة فيه بصراء و عميان و هل يجوز أن يكون عطب البصراء يقارب عطب العميان أو سلامة العميان مقاربة بسلامة البصراء؟
فقال: هذا ممّا لا يجوز بل الواجب أن تكون سلامة البصراء أكثر من سلامة العميان و لا يجوز في مثل هذا التّقارب.
فقلت: إذا كان هذا محالا فاحيلوا نظيره و ما لا فرق بينه و بينه و أنتم تجيزون شبيه ما ذكرناه و عديله، لأنّ البصراء هم الذين يعرفون أحكام النّجوم و يميزّون سعدها من نحسها و يتوقون بهذه المعرفة مضارّ الزّمان و يتحفّظونها و يعتمدون منافعه و يقصدونها، و مثال العميان كلّ من لا يحسن تعلّم النّجوم و لا يلتفت إليه من الفقهاء و الفهماء و أهل الدّيانات و العبادات ثمّ ساير العوام و الأعراب و الأكراد و هم أضعاف أضعاف من يراعى عدد النّجوم، و مثال الطريق الذي فيه الآبار الزّمان الذي يمضى عليه الخلق أجمعون، و مثال آباره مصايبه و نوائبه و محنه.
و قد كان يجب لو صحّ العلم بالنجوم و أحكامها أن تكون سلامة المنجّمين أكثر و مصايبهم أقلّ لأنّهم يتوقّون المحن لعلمهم بها قبل كونها و تكون محن كلّ من ذكرناه من الطبقات الكثيرة أوفر و أظهر حتّى تكون السّلامة هي الطريقة الغريبة و قد علمنا خلاف ذلك أنّ السّلامة و المحن متقاربة غير متفاوته.
فقال: ربّما اتّفق مثل ذلك، فقلت له: فيجب أن نصدّق من خبرنا في ذلك الطريق المسلوك الذي فرضناه بأنّ سلامة العميان كسلامة البصراء، و نقول لعلّ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 280
ذلك اتّفق، و بعد فانّ الاتّفاق لا يستمرّ بل ينقطع و هذا الذي ذكرناه مستمرّ غير منقطع إلى أن قال:
و من أدلّ الدّليل على بطلان أحكام النّجوم إنّا قد علمنا أنّ من جملة معجزات الأنبياء عليهم السلام الاخبار عن الغيوب و عدّ ذلك خارقا للعادات كاحياء الميّت و ابراء الأكمه و الأبرص، و لو كان العلم بما يحدث طريقا نجوميا لم يكن ما ذكرناه معجزا و لا خارقا للعادة، و كيف يشتبه على مسلم بطلان أحكام النّجوم.
و قد أجمع المسلمون قديما و حديثا على تكذيب المنجمين و الشّهادة بفساد مذاهبهم و بطلان احكامهم، و معلوم من دين الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ضرورة التّكذيب بما يدّعيه و الازراء عليهم و التعجيز لهم و في الرّوايات عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ذلك ما لا يحصى كثرة و كذلك عن علماء أهل بيته عليهم السّلام و خيار أصحابه فما زالوا يبرون من مذاهب المنجمين و يعدّونها ضلالا و محالا و ما اشتهر هذه الشهرة في دين الاسلام كيف يفتى بخلافه منتسب إلى الملّة و مصلّ إلى القبلة.
فأمّا إصابتهم في الاخبار عن الكسوفات فلأجل أنّ الكسوفات و اقترانات الكواكب و انفصالها طريقة و الحساب و تسيير الكواكب، و له اصول صحيحة و قواعد سديدة، و ليس كذلك ما يدعونه من تأثيرات الكواكب في الخير و الشّر و النّفع و الضرّ، انتهى كلامه رفع مقامه.
و مثله شيخ المتكلمين محمود بن علىّ الحمصى قال في محكى كلامه في البحار: إنّا لا نردّ عليهم فيما يتعلّق بالحساب في تسيير النّجوم و اتّصالاتها التي يذكرونها فانّ ذلك ممّا لا يهمّنا و لا هو مما يقابل بانكار و ردّ ثمّ قال:
فان قيل: كيف تنكرون الاحكام و قد علمنا أنهم يحكمون بالكسوف و رؤية الأهلّة و يكون الأمر على ما يحكمون في ذلك، و كذلك يخبرون عن امور مستقبلة تجرى على الانسان و تجرى تلك الامور على ما أخبروا عنها فمع وضوح الأمر فيما ذكرناه كيف تدفع الأحكام؟
قلنا إنّ إخبارهم عن الكسوف و الخسوف و رؤية الأهلّة فليس من الأحكام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 281
و إنّما هو من باب الحساب إنّما الحكم أن يقولوا إذا كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا و كذا، فامّا الامور المستقبلة التي يخبرون عنها فأكثرها لا تقع على ما يخبرون عنه و إنّما يقع قليل منه بالاتفاق و مثل ذلك يتفق لأصحاب الفال و الزّجر الذين لا يعرفون النجوم بل للعجايز اللواتي يتفأ لن بالأحجار و الذي قد يخبر المصروع و كثير من ناقصي العقول عن أشياء فيتّفق وقوع ما يخبرون عنه انتهى.
و نحوهما الشّيخ محمّد بن الحسين الكيدرى قال في شرحه على الكتاب على ما حكى عنه في البحار: كيف يمكن أن يكون الانسان يعرف الحوادث و أسبابها في الحال حتّى يعرف المسبّبات في المستقبل كما في الجزر و المدّ، و من ادّعى أنّه يعرف أسباب الكاينات فمقدّماته ليست برهانية و إنما هى تجربية أو شعريّة أو خطابية مؤلفة من المشهورات في الظاهر أو المقبولات و المظنونات.
و مع ذلك فلا يمكنه أن يتعرّض إلّا لجنس من أجناس الأسباب و هو تعرّض بعض الأسباب العلوّية و لا يمكنه أن يتعرّض لجميع الاسباب السّماوية و القوابل و اذا تغيرت القوابل عن احوالها تغير أثر الفاعل فيها فانّ النّار في الحطب اليابس مؤثرة تأثيرا لا تؤثر في الرّماد و كذلك معرفة بقائها على استعداد القبول شرط و يمكن أن يكون القوابل عوائق فلا يعلم تلك الأسباب و المسببات إلّا اللّه تعالى.
و أيضا فانّ المنجم يحكم على مفردات الكواكب و لا يحكم على جميعها ممتزجة و كما أنّ أحكام مفردات الترياق و ساير المعاجين غير أحكام المركب الذي حصلت له صورة نوعية، كذلك حكم الكواكب المركوزة في الأفلاك غير حكم أفرادها، و إذا لم يمكن المنجم الحكم إلّا على المفردات كان الحكم ناقصا غير موثوق به.
ثمّ إنّه ربّما يحصل التوأمان في غشاء فيكشف عنهما فاذا فيه صبيّان حيّان و على قوانين الاحكاميين يجب أن يكونا مثلين في الصورة و العمر و الحركات حتّى لا يجوز أن يختلفا في شي ء من الأشياء و لا يجوز أن يسكت أحدهما في وقت كلام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 282
الآخر و لا يقوم في وقت قعود الآخر و لا ينام في وقت لا ينام فيه الآخر، و إذا دخلا بيتا فيه باب ضيق فلا يمكنهما الدّخول فانّه لا بدّ ههنا من التّقدم و التّأخر، و لا يجوز أن يمسّ الانسان أحدهما دون الآخر، و لا يجوز أن يكون في التزويج امرأة أحدهما غير امرأة الآخر و لا أن يكون مكان أحدهما غير مكان الآخر في الأرض و هذا ما لا يخفى فساده.
و أيضا فانّ الحكم الكلّي عند أكثرهم يغلب الجزئي ألا ترى أنّ طالع ناحية أو بلد إذا كان فاسدا فانّه لا يفيد عطية الكدخداه لانسان فكيف يعتمد على الطوالع و الاختيارات مع نفى العلم بالكليات.
و من شنيع قولهم انّهم يقولون إذا ولد للملك في حال ولد و لسوقى ولد، فانّ الكواكب تدلّ لابن الملك بخلاف ما يدلّ لابن السوقى مع اتّفاقهما في كمية العمر لأن حيلاجهما و كدخداهما لا يختلفان، فاذا جاز دلالة النّجوم مختلفة في سعادة هذين الولدين فما أنكروا أن يكون مقادير أعمارهما أيضا مختلفة.
و اختلفوا في تقويم الكواكب باختلاف الزّيجات و لا برهان على فساد بعضها و صواب بعضها فربما يوجد في تقويم الشّمس من التّفاوت خمس درج و تختلف درج الطوالع و بروج التّحاويل بسبب ذلك فتفسد الاحكام.
ثمّ أورد عليهم كثيرا من الاختلافات و التّناقضات لا نطيل الكلام بايرادها.
اقول: و ما ذكره هؤلاء الأفاضل من الاختلافات و التناقضات و الاستبعادات كلّها مسلم إلّا أنّ دلالتها على بطلان علم النّجوم من أصله ممنوعة، و نحن لا نضايق من كثرة خطاء المنجمين و خبطهم في أحكامهم إلّا أنّ إصابتهم فيها أيضا غير عزيز و دعوى أنّ كلّ هذه الاصابة على كثرتها من باب الاتفاق كما ترى، و سرّ كثرة وقوع الخطاء فيها أنّ ما في أيدى النّاس من هذا العلم غير تامّ و تمامه إنّما هو عند أئمة الدين الذينهم خزّان العلم و اليقين.
و يشهد بما ذكرناه من صحّة هذا العلم في الجملة و على أنّ له أصلا الأخبار و الاعتبار.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 283
اما الاخبار فهى كثيرة لا تحصى. منها روايتا الاحتجاج و البحار السالفتان في التنبيه الثالث.
و منها ما رواه في الكافي باسناده عن معلّي بن خنيس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النّجوم أحقّ هي؟ قال: نعم إنّ اللّه عزّ و جل بعث المشترى إلى الأرض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلّمه النجوم حتّى ظن أنّه قد بلغ، ثمّ قال له: انظر أين المشترى، فقال: ما أراه في الفلك و ما أدرى أين هو، قال: فنحاه و أخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتّى ظن أنّه قد بلغ، و قال: انظر إلى المشترى اين هو فقال: إنّ حسابى ليدلّ على أنك أنت المشترى، و قال فشهق شهقة فمات و ورث علمه أهله فالعلم هناك.
و منها ما في البحار من كتاب النجوم عن الرّيان بن الصّلت، و ذكر اجتماع العلماء بحضرة المامون و حضور الصّباح بن نصر الهندى عند مولانا الرّضا عليه السّلام و سؤاله عن مسائل كثيرة منها سؤاله عن علم النجوم فقال عليه السّلام ما هذا لفظه:
علم في أصل صحيح ذكروا أنّ أوّل من تكلّم في النجوم إدريس و كان ذو القرنين بها ماهرا و أصل هذا العلم من عند اللّه عزّ و جلّ و يقال أنّ اللّه بعث النجم الذى يقال له المشترى إلى الأرض في صورة رجل فأتى بلد العجم فعلّمهم في حديث طويل فلم يستكملوا ذلك، فأتى بلد الهند فعلّم رجلا منهم فمن هناك صار علم النجوم بها و قد قال قوم هو علم من علم الأنبياء خصّوا به لأسباب شتّى فلم يستدرك المنجمون الدّقيق منها فشابوا الحقّ بالكذب.
هذا آخر لفظ مولينا عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام في هذه الرواية الجليلة الأسناد و قوله عليه السّلام حجة على العباد، و قوله عليه السّلام ذكروا و يقال فانّ عادته عند التّقية من المخالفين و العامة يقول نحو هذا الكلام و تارة يقول كان أبى يقول و تارة روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 284
و منها ما فيه أيضا من كتاب النجوم و جادة في كتاب عتيق عن عطا قال: قيل لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام: هل كان للنجوم أصل؟ قال: نعم نبيّ من الأنبياء قال له قومه إنا لا نؤمن بك حتّى تعلّمنا بدء الخلق و آجاله فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى غمامة فأمطرتهم و استنقع حول الجبل ماء صافيا، ثمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى الشّمس و القمر و النجوم أن تجرى في ذلك الماء، ثمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى ذلك النبيّ أن يرتقى هو وقوعه على الجبل فارتقوا الجبل فقاموا على الماء حتّى عرفوا بدء الخلق و آجاله بمجارى الشّمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النّهار.
و كان أحدهم يعلم متى يموت و متى يمرض و من ذا الّذي يولد له و من ذا الّذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم.
ثمّ إنّ داود عليه السّلام قاتلهم على الكفر فاخرجوا إلى داود في القتال من لم يحضر أجله و من حضر أجله أخلفوه في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود و لا يقتل من هؤلاء واحد، فقال داود عليه السّلام ربّ اقاتل على طاعتك و يقاتل هؤلاء على معصيتك فيقتل أصحابي و لا يقتل من هؤلاء أحد؟ فأوحى اللّه عزّ و جلّ إنّى كنت علّمتهم بدء الخلق و آجاله إنّما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فمن ثمّ يقتل من أصحابك و لا يقتل منهم أحد قال داود: يا ربّ على ما ذا علّمتهم؟
قال تعالى: على مجارى الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار.
قال عليه السّلام فدعا اللّه عزّ و جلّ فحبس الشمس عليهم فزاد في النّهار و اختلط الزّيادة بالليل و النهار فلم يعرفوا قدر الزّيادة فاختلط حسابهم قال عليّ عليه السّلام فمن ثمّ كره النظر فى علم النجوم، و رواه فيه أيضا عن الدّر المنثور، نعم زاد فيه أنّ النبيّ المذكور كان يوشع بن نون.
و منها ما رواه يونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك أخبرنى عن علم النجوم ما هو؟ قال عليه السّلام هو علم من علم الأنبياء، قال فقلت: كان عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يعلمه؟ فقال: كان أعلم النّاس به.
و الاخبار في هذا المعنى كثيرة لا نطيل بذكرها و من أراد الزّيادة فليراجع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 285
إلى كتاب السّماء و العالم من البحار، فقد عقد المجلسي «ره» فيه بابا على ذلك و استوفى الكلام فيه.
و اما الاعتبار فهو إنا قد سمعنا تظافرا بل تواترا و حصل لنا العلم وجدانا بأنّ من المنجمين من حصل له العلم بجملة من الحوادث الاستقبالية في موارد شتى من طريق النجوم و حكموا فيه فكان حكمه مطابقا للواقع و لا بأس بالاشارة إلى بعض تلك الموارد تاييدا و استظهارا.
فمنها دلالة النجوم على نبوّة نوح فقد رواه في البحار من كتاب التجمل باسناده عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام عمن ذكره قال: قد كان علم نبوّة نوح بالنجوم.
و منها دلالتها على إبراهيم ففي البحار أيضا من كتاب النجوم من كتاب التجمّل إنّ آذر أبا إبراهيم كان منجما لنمرود و لم يكن يصدر إلّا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فأصبح و هو يقول لنمرود لقد رأيت في النجوم عجبا، قال: و ما هو؟ قال:
رأيت مولودا يولد في زماننا يكون هلاكنا على يديه و لا يلبث إلّا قليلا حتى يحمل به قال: فتعجب من ذلك ثم قال: هل حملت به النساء بعد؟ قال: لا، فحجب الرّجال عن النساء و لم يدع امرأة إلّا جعلها في المدينة و لا يخلص إليها بعلها.
قال فوقع آذر على أهله فحملت بابراهيم فظنّ أنّه صاحبه فأرسل إلى قوابل ذلك الزّمان و كنّ أعلم النّاس بالجنين و لا يكون في الرّحم شي ء إلّا عرفنه و علمن به، فنظرن فالزم ما في الرّحم الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيئا، قال و كان ممّا اوتي من العلم أنّ المولود سيحرق بالنار و لم يؤت علما أنّ اللّه سينجيه منها.
قال المجلسي و قد روى هذا الحديث عليّ بن إبراهيم في كتاب تفسير القرآن بأبسط من هذه الرّواية و رواه أيضا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبرى في الجزء الأول من تاريخه، و رواه أيضا سعيد بن هبة اللّه الراوندى في كتاب قصص الأنبياء، و رواه الثعلبي في تفسيره و غيره من العلماء.
و منها دلالتها على نبوّة موسى عليه السّلام و كتب التواريخ مشحونه بذلك و قد روى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 286
المجلسي من كتاب العرايس للثعلبي قال إنّ فرعون رأى في منامه أنّ نارا قد أقبلت من بيت المقدس حتّى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها و أحرقت القبط و تركت بني اسرائيل، فدعى فرعون السّحرة و الكهنة و المعبرين و المنجمين و سألهم عن رؤياه فقالوا له: إنّه يولد في بني اسرائيل غلام يسلبك ملكك و يغلبك على سلطانك، و يخرجك و قومك من أرضك و يذلّ دينك و قد اطلك زمانه الذي يولد فيه.
و منها دلالتها على نبوّة عيسى عليه السّلام روى في البحار من كتاب النبوة لابن بابويه فى باب سياقه حديث عيسى بن مريم فقال ما هذا لفظه: و قدم عليها و فد من علماء المجوس زائرين معظمين لامر ابنها و قالوا إنا قوم ننظر في النجوم فلما ولد ابنك طلع بمولده نجم من نجوم الملك فنظرنا فيه فاذا ملكه ملك نبوّة لا يزول عنه و لا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء و يجاور ربّه عزّ و جلّ ما كانت الدنيا مكانها ثمّ يصير إلى ملك هو أطول و أبقى مما كان فيه.
فخرجنا من قبل حتّى رفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعا عليه من فوقه فبذلك عرفنا موضعه و قد اهدينا له هدية جعلناها له قربانا لم يقرب مثله لأحد قط و ذلك إنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره و هو الذهب و المرّ و اللبان لأنّ الذهب سيد المتاع كلّه و كذلك ابنك سيد الناس ما كان حيّا، و لأنّ المرّجبار الجراحات و العاهات كلّها و لأنّ اللّبان يبلغ دخانه السّماء و لن يبلغها دخان شي ء غيره و كذلك ابنك يرفعه اللّه عزّ و جلّ إلى السّماء و ليس يرفع من أهل زمانه غيره.
و منها دلالتها على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ففى البحار و جاده في كتاب دلايل النبوّة جمع أبي القاسم الحسين بن محمّد السّكوني باسناده عن حسان بن ثابت قال إنى و اللّه لغلام يافع يقوا بن سبع أو ثمان سنين أعقل كلّما سمعت إذ سمعت يهوديّا و هو على أكمة يثرب يصرخ يا معشر اليهود فلما اجتمعوا قالوا ويلك مالك؟ قال: طلع نجم أحمد الذى يبعث به الليلة.
قال: و وجدت كتابا عندنا الآن اسمه كتاب اليد الصينى عمله كشينا ملك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 287
الهند يذكر فيه تفصيل دلالة النّجوم على نبوّة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و منها موارد متفرقة ذكر السيّد بن طاوس (ره) في رسالته التي دوّنها في النّجوم و ذكر جماعة من العلماء المعتنين بهذا العلم العارفين به تاييدا لصحّته.
قال المجلسي: و السيّد الجليل النبيل عليّ بن طاوس (ره) لانس قليل له بهذا العلم عمل في ذلك رسالة و بالغ في الانكار على من اعتقد أنّ النّجوم ذوات إرادة فاعلة أو مؤثرة و استدلّ على ذلك بدلايل كثيرة و أيّده بكلام جمّ غفير من الأفاضل إلّا أنّه أنكر على السّيد الأجلّ المرتضى (ره) في تحريمه و ذهب إلى أنّه من العلوم المباحات و أنّ النّجوم علامات و دلالات على الحادثات لكن يجوز للقادر الحكيم أن يغيّرها بالبرّ و الصدقة و الدّعآء و غير ذلك من الاسباب و الدّواعى على وفق إرادته و حكمته، و جوّز تعليم علم النّجوم و تعلّمه و النظر فيه و العمل به إذا لم يعتقد انها مؤثرة، و حمل أخبار النّهى و الذّم على ما إذا اعتقد ذلك.
ثمّ ذكر تأييدا لصحّة هذا العلم أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به فقال:
إنّ جماعة من بني نوبخت كانوا علماء بالنجوم و قدوة في هذا الباب و وقفت على عدّة مصنّفات لهم في النّجوم و أنها دلالات على الحادثات.
منهم الحسن بن موسى النّوبختى.
و من علماء المنجمين من الشيعة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي و ذكر النجاشي في كتبه كتاب النّجوم.
و منهم أحمد بن محمّد بن طلحة، فقد عدّ الشيخ و النجاشى من كتبه كتاب النجوم و الشيخ النجاشي كان له تصنيف في النجوم.
و من المذكورين بعلم النّجوم الجلودي البصرى.
و منهم عليّ بن محمّد بن العدوى و الشّمشاطى فانّه ذكر النجاشى أنّ له رسالة في إبطال أحكام النجوم.
و منهم عليّ بن محمّد العباس فانّ النجاشي ذكر في كتبه كتاب الردّ على المنجمين كتاب الرّد على الفلاسفة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 288
و منهم محمّد بن أبي عمير.
و منهم محمّد بن مسعود العياشي فانّه ذكر في تصانيفه كتاب النجوم.
و منهم موسى بن الحسن بن عباس بن اسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت قال النجاشي كان حسن المعرفة بالنجوم و له مصنّفات فيه و كان مع ذلك حسن العبادة و الدّين.
و منهم الفضل بن أبي سهل بن نوبخت وصل إلينا من تصانيفه ما يدلّ على قوّة معرفته بالنجوم و ذكر عن العيون ما أوردته في أبواب تاريخ الرّضا عليه السّلام من أنّه أخبر المأمون بخطاء المنجمين في السّاعة التي اختاروها لولاية العهد، فزجره المأمون و نهاه أن يخبر به أحدا فعلم أنّه تعمد ذلك.
أقول: و الظاهر أنّ المراد بها هي ما رواها في العيون عن البيهقى عن الصّولي عن عون بن محمّد قال: حدّثنى الفضل بن أبي سهل النوبختى أو عن أخ له قال: لما عزم المأمون على العقد للرّضا عليه السّلام بالعهد قلت و اللّه لأعتبر ما في نفس المأمون من هذا الأمر أيحبّ تمامه أو هو تصنع به، فكتبت إليه على يد خادم له كان يكاتبني باسراره على يده:
قد عزم ذو الرّياستين على عقد العهد و الطالع السّرطان و فيه المشترى و السّرطان و إن كان شرف المشترى فهو برج منقلب لا يتمّ أمر يعقد فيه و مع هذا فانّ المريخ في الميزان في بيت العاقبة و هذا يدلّ على نكبة المعقود له و عرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب علىّ إذا وقف على هذا من غيرى.
فكتب إلىّ إذا قرأت جوابى إليك فاردده إلىّ مع الخادم و نفسك أن يقف أحد على ما عرفتنيه أو أن يرجع ذو الرّياستين عن عزمه فانّه إن فعل ذلك الحقت الذّنب بك و علمت أنك سببه، قال فضاقت علىّ الدّنيا و تمنّيت أنّى ما كنت كتبت إليه.
ثمّ بلغنى أنّ الفضل بن سهل ذو الرّياستين قد تنبّه على الأمر و رجع عن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 289
عزمه و كان حسن العلم بالنجوم فخفت و اللّه على نفسي و ركبت إليه فقلت له: أتعلم نجما في السّماء أسعد من المشترى؟ قال: لا قلت: أ فتعلم أنّ في الكواكب نجما تكون في حال أسعد منها في شرفها؟ قال: لا، قلت: فامض العزم على رأيك إذ كنت تعتقد أن الفلك في أسعد حالاته فامضى الأمر على ذلك فما علمت أنّى من أهل الدّنيا حتّى وقع العقد فزعا من المأمون.
قال: و منهم السّيد الفاضل عليّ بن أبي الحسن العلويّ المعروف بابن الأعلم و كان صاحب الزّيج.
و منهم أبو الحسن النقيب الملقب أبا قيراط.
و منهم الشّيخ الفاضل الشّيعي عليّ بن الحسين بن عليّ بن المسعودي مصنّف كتاب مروج الذّهب.
و منهم أبو القاسم ابن نافع من أصحابنا الشّيعة.
و منهم ابراهيم الفرازى صاحب القصيدة في النّجوم و كان منجّما لمنصور.
و منهم الشّيخ الفاضل أحمد بن يوسف بن إبراهيم المصرى كاتب آل طولون.
و منهم الشّيخ الفاضل محمّد بن عبد اللّه بن عمر الباز يار القميّ تلميذ أبي معشر.
و منهم الشيخ الفاضل أبو الحسين بن أبي الخضيب القميّ.
و منهم أبو جعفر السقاء المنجم ذكره الشّيخ في الرّجال.
و منهم محمّد بن أحمد بن سليم الجعفي مصنّف كتاب الفاخر.
و منهم محمود بن الحسين بن السّندي بن شاهك المعروف بكشاجم ذكر ابن شهر آشوب أنّه كان شاعرا منجّما متكلّما.
و منهم العفيف بن قيس أخو الأشعث ذكره المبرد، و قد مرّ أنّه قيل إنه هو الذي أشار إلى أمير المؤمنين بترك قتال الخوارج في السّاعة التي أراد.
ثمّ قال (ره) و ممّن أدركته من علماء الشّيعة العارفين بالنجوم و عرفت بعض إصاباته
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 290
الفقيه العالم الزّاهد الملقب خطير الدّين محمود بن محمّد.
و ممّن رأيته الشيخ الفاضل أبو نصر الحسن بن علي القمّي، ثمّ عدّ من اشتهر بعلم النّجوم و قيل انّه من الشّيعة فقال:
منهم أحمد بن محمّد السّنجري، و الشّيخ الفاضل عليّ بن أحمد العمراني، و الفاضل اسحاق بن يعقوب الكندى.
قال و ممّن اشتهر بالنجوم من بني العباس محمّد بن عبد العزيز الهاشمي و عليّ بن القاسم القصرى، و قال وجدت فيما وقفت عليه أنّ عليّ بن الحسين بن بابويه القمي كان ممن أخذ طالعه في النّجوم و أنّ ميلاده بالسنبلة، ثمّ قال روى الشيخ في اختيار الكشي في بيان حال أبي خالد السجستاني حمدويه و إبراهيم عن محمّد بن عثمان قال:
حدّثنا أبو خالد السجستاني أنّه لما مضى أبو الحسن عليه السّلام وقف عليه ثمّ نظر في نجومه فزعم أنّه قد مات فقطع على موته و خالف أصحابه.
ثمّ قال: ففى هذا عدّة فوايد منها أنّ هذا أبو خالد كان واقفيا يعتقد أنّ أبا الحسن موسى عليه السّلام ما مات فدله اللّه تعالى بعلم النجوم على موته و قد كان هذا العلم سبب هدايته.
و منها أنّه كان من أصحاب الكاظم عليه السّلام و لم يبلغنا أنّه عليه السّلام أنكر عليه علم النّجوم و منها أنّه لو علم أبو خالد أنّ علم النّجوم منكر عند إمامه لما اعتمد عليه في عقيدته و منها اختيار جدّي الطوسى لهذا الحديث و تصحيحه و قد تقدّم ثناؤه على جماعة من العلماء بالنجوم ثم قال:
و ممّن اشتهر بعلمه من بنى نوبخت عبد اللّه بن أبي سهل.
و من العلماء بالنجوم محمّد بن إسحاق النديم كان منجما للعلوي المصري.
و من المذكورين بالتصنيف في علم النّجوم حسن بن أحمد بن محمّد بن عاصم المعروف بالعاصمي المحدّث الكوفي ثقة سكن بغداد فمن كتبه الكتب النّجومية ذكر ذلك ابن شهر آشوب في كتاب معالم العلماء.
و ممّن اشتهر بعلم النّجوم من المنسوبين إلى مذهب الاماميّة الفضل بن سهل وزير المأمون فروى محمّد بن عبدوس الجهشيارى و غيره ما معناه أنّه لما وقع بين الأمين و المأمون ما وقع و اضطربت خراسان و طلب جند المأمون أرزاقهم و توجّه علىّ بن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 291
عيسى بن ماهان من العراق لحرب المأمون و صعد المأمون إلى منظرة للخوف على نفسه من جنده و معه الفضل و قد ضاق عليه مجال التدبير و عزم على مفارقة ما هو فيه أخذ الفضل طالعه و رفع اسطر لابا و قال ما تنزل من هذه المنزلة إلّا خليفة غالبا لأخيك الأمين فلا تعجل و ما زال يسكنه و يثبته حتّى ورد عليهم في تلك الساعة رأس عليّ بن عيسى و قد قتله طاهر و ثبت ملكه و زال ما كان يخافه و ظفر بالامان و روى خبرا آخر مثل ذلك.
ثمّ قال و ممّن كان عالما بالنجوم من المنسوبين إلى الشيعة الحسن بن سهل ثمّ ذكر ما أخرجنا من العيون في أبواب تاريخ الرّضا عليه السّلام من حديث الحمام و قتل الفضل فيه.
أقول: الرّواية في العيون بسنده عن ياسر الخادم يذكر فيها خروج الرّضا عليه السّلام و المأمون و ذى الرّياستين من مرو إلى المدينة و فيها:
و خرج المأمون و خرجنا مع الرّضا عليه السّلام فلما كان بعد ذلك بأيام و نحن في بعض المنازل ورد على ذي الرّياستين كتاب عن أخيه الحسن بن سهل إنّى نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم فوجدت فيه أنّك تذوق فى شهر كذا يوم الأربعا حرّ الحديد و حرّ النار و أرى أن تدخل أنت و الرّضا عليه السّلام و أمير المؤمنين الحمام في ذلك اليوم فتحتجم أنت فيه و تصب الدّم ليزول نحسه عنك.
فبعث الفضل إلى المأمون و كتب إليه بذلك و سأله أن يدخل الحمام معه و سأل أبا الحسن عليه السّلام أيضا ذلك فكتب المأمون إلى الرّضا عليه السّلام رقعة في ذلك فسأله أن يدخل الحمام معه فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام لست بداخل غدا الحمام و لا أرى لك يا أمير المؤمنين أن تدخل الحمام غدا و لا أرى الفضل أن يدخل الحمام غدا فأعاد إليه مرّتين فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام لست بداخل غدا الحمام فانى رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في النوم في هذه الليلة يقول لى يا على لا تدخل الحمام غدا فكتب إليه المأمون: صدقت يا سيدي و صدق رسول اللّه لست بداخل غدا الحمام و الفضل فهو أعلم و ما فعله.
قال ياسر فلما أمسينا و غابت الشمس فقال لنا الرّضا عليه السّلام قولوا نعوذ باللّه من
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 292
شرّ ما ينزل في هذه الليلة فأقبلنا نقول ذلك فلما صلّى الرّضا عليه السّلام الصّبح قال لنا:
قولوا نعوذ باللّه من شرّ ما ينزل في هذا اليوم فما زلنا نقول ذلك.
فلما كان قريبا من طلوع الشّمس قال لي الرّضا عليه السّلام اصعد السّطح فاستمع هل تسمع شيئا فلما صعدت سمعت الصّيحة «الضجة خ ل» و النّحيب و كثرة ذلك فاذا بالمأمون قد دخل من الباب الذى كان إلى داره من دار أبي الحسن عليه السّلام يقول يا سيدى يا أبا الحسن آجرك اللّه في الفضل و كان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسّيوف و اخذ من دخل عليه في الحمام و كانوا ثلاثة نفر أحدهم ابن خالة الفضل ذو العلمين قال و اجتمع القواد و الجند و من كان من جند ذى الرّياستين على باب المأمون فقالوا اغتاله و قتله فلنطلبن بدمه.
فقال المأمون للرّضا عليه السّلام يا سيدي ترى أن تخرج إليهم فتفرّقهم قال: ياسر فركب الرّضا عليه السّلام و قال لي اركب فلما خرجنا من الباب نزل الرّضا عليه السّلام إليهم و قد اجتمعوا و جاءوا بالنّيران ليحرقوا الباب فصاح بهم و أومى إليهم بيده تفرّقوا، فتفرّقوا قال ياسر فأقبل النّاس و اللّه يقع بعضهم على بعض و ما اشار إلى أحد الّا ركض و مرّ و لم يقف به.
ثمّ قال السّيد رأيت في كتاب الوزراء جمع عبد الرّحمن بن المبارك أنّه ذكر محمّد بن سعيد أنّه وجد على كتاب من كتب ذي الرّياستين بخطه هذه السنة الفلانية التي تكون فيها النكبة و إلى اللّه نرغب في رفعها و إن صحّ من حساب الفلك شي ء فالأمر واقع فيها لا محالة و نسأل اللّه أن يختم لنا بخير بمنّه، و كان يعمل لذي الرّياستين تقويم في كلّ سنة فيوقع عليه هذا يوم يصلح لكذا و يجنب في هذا اليوم كذا، فلما كان في السّنة التي قتل فيها عرض عليه اليوم فجعل يوقع فيه ما يصلح حتّى انتهى إلى اليوم الذى قتل فيه فقال: افّ لهذا اليوم ما أشرّه علىّ و رمى بالتّقويم.
و روى عن اخت الفضل قالت: دخل الفضل إلى امّه في الليلة التي قتل فى صبيحتها فقعد إلى جانبها و أقبل يعظها و يعزّيها عن نفسه و يذكرها حوادث الدّهر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 293
و تقضى امور العباد، ثمّ قبّل صدرها و ثديها و ودّعها و داع المفارق، ثمّ قام فخرج و هو قلق منزعج لما دلّه عليه الحساب، فجعل ينتقل من موضع إلى موضع و من مجلس إلى مجلس و امتنع عليه النوم.
فلما كان السّحر قام إلى الحمام و قدر أن يجعل غمه و حرارته و كربه هو الذي دلّت عليه النّجوم، و قدمت له بغلة فركبها و كان الحمام في آخر البستان فكبت به البغلة فسرّه ذلك و قدر أنّها هي النكبة التي كان يتخوّفها، ثمّ مشى إلى الحمام و لم يزل حتّى دخل الحمام و اغتسل فيه فقتل.
قال: و من المذكورين بعلم النجوم بوران بنت الحسن بن سهل، وجدت فى مجموع عتيق أنّ بوران كان في المنزلة العليا بأصناف العلوم لا سيّما في النجوم فانها برعت فيه و بلغت أقصى نهايته و كانت ترفع الاسطر لاب كلّ وقت و تنظر إلى مولد المعتصم فعثرت يوما بقطع عليه سببه الخشب.
فقالت لوالدها الحسن انصرف إلى أمير المؤمنين و عرّفه أنّ الجارية فلانة قد نظرت إلى المولد و رفعت الاسطر لاب فدلّ الحساب و اللّه أعلم أنّ قطعا يلحق أمير المؤمنين من خشب في السّاعة الفلانية من يوم بعينه.
قال الحسن: يا قرّة عينى يا سيّدة الحراير إنّ أمير المؤمنين قد تغيّر علينا و ربّما أصغى إلى شي ء بخلاف ما يقتضيه وجه المشورة و النّصيحة، قالت يا أبه و ما عليك من نصيحة إمامك لأنّه خطر بروح لا عوض منها، فان قبلها و إلّا كنت قد أدّيت المفروض عليك.
قال: فانصرف الحسن إلى المعتصم و عرّفه ما قالت بوران، قال المعتصم: أيّها الحسن أحسن اللّه جزائها و جزائك انصرف اليها و خصّها عنى بالسّلام و اسألها ثانيا و احضر عندى اليوم الذي عيّنت عليه و لازمني حتّى ينصرم النوم و يذهب فلست اشار كك في هذه المشورة و التّدبير أحدا من البشر.
قال فلما كان صباح ذلك اليوم دخل عليه الحسن فأمر المعتصم حتّى خرج كلّ من في المجلس و خلا إليه و أشار عليه أن ينتقل عن المجلس الثّقفى إلى مجلس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 294
ابن ارخى «رازجى كذا فى الاصل» لا يوجد فيه وزن درهم واحد من الخشب، و ما زال الحسن يحدثه و المعتصم يمازحه و ينشطه حتّى أظهر النّهار و ضربت نوبة الصّلاة فقام المعتصم ليتوضّأ فقال الحسن لا تخرج أمير المؤمنين عن هذا المجلس و يكون الوضوء و الصّلاة و كلّ ما تريد فيه حتّى ينصرم اليوم.
فجائه خادم و معه المشط و المسواك فقال الحسن للخادم امتشط بالمشط و استك بالسّواك فامتنع و قال و كيف أتناول آلة أمير المؤمنين، قال المعتصم و يلك امتثل قول الحسن و لا تخالف ففعل فسقطت ثناياه و انتفخ دماغه و خرّ مغشيّا عليه و رفع ميتا، و قام الحسن ليخرج فاستدعاه المعتصم إليه و احتضنه و لم يفارقه حتّى قبّل عينيه و ردّ على بوران أملاكا و ضياعا، و كان ابن الزّيات سلبها عنها و ذكر مثله برواية اخرى.
و روى من كتاب الوزراء لمحمد بن عبدوس عن إسماعيل بن صبيح قال: كنت يوما بين يدي يحيى بن خالد البرمكى فدخل عليه جعفر بن يحيى فلما رآه صاح و اعرض بوجهه عنه و قطب و كره رؤيته فلما انصرف قلت له: أطال اللّه بقائك تفعل هذا بابنك و حاله عند أمير المؤمنين حالة لا يقدم عليه ولدا و لاوليا، فقال: إليك عنى أيّها الرّجل فو اللّه لا يكون هلاك أهل هذا البيت إلّا بسببه.
فلما كان بعد مدّة من ذلك دخل عليه أيضا جعفر و أنا بحضرته ففعل مثل ما فعل الأوّل و أكدت عليه القول فقال: ادن منّي الدّوات، فأدنيتها و كتب كلمات يسيرة في رقعة و ختمها و دفعها إلىّ و قال: بلى ليكن عندك فاذا دخلت سنة سبع و ثمانين و مأئة و مضى النّجوم فانظر فيها، فلما كان في صفر أوقع الرّشيد بهم فنظرت في الرقعة فكان الوقت الذي ذكره، قال اسماعيل، و كان يحيى أعلم النّاس بالنجوم.
و روى أيضا عن محمّد بن عبدوس صاحب كتاب الوزراء عن موسى بن نصر الوصيف عن أبيه قال: غدوت إلى يحيى بن خالد في آخر أمرها اريد عيادته من علّة كان يجدها، فوجدت في دهليزه بغلا مسرّجا فدخلت إليه فكان يأنس بى و يفضى إلىّ بسرّه، فوجدته مفكرا مهموما و رأيته مستخلا مشتغلا بحساب النّجوم و هو ينظر فيه فقلت له:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 295
إنى لما رأيت بغلا مسرّجا سرّنى لأنى قدرت انصراف العلّة و أنّ عزمك الرّكوب، ثمّ قد غمّني ما أراه من همك قال: فقال لى: إنّ لهذا البغل قصّة إنّى رأيت البارحة في النّوم كأنى راكبة حتّى وافيت رأس الجسر من الجانب الأيسر فوقفت فاذا بصايح يصيح من الجانب الآخر:
كان لم يكن بين الحجون الى الصفا انيس و لم يسمر بمكة سامر
قال فضربت يدي على قربوس السّوج و قلت:
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا صروف الليالى و الجدود العواثر
ثمّ انتبهت فلجأت إلى أخذ الطالع فأخذته و ضربت الأمر ظهرا لبطن فوقفت على أنه لا بد من انقضاء مدّتنا و زوال أمرنا، قال: فما كان يكاد يفرغ من كلامه حتّى دخل عليه مسرور الخادم بخوانة مغطاة و فيها رأس جعفر بن يحيى و قال له: يقول لك أمير المؤمنين: كيف رأيت نقمة اللّه في الفاجر فقال له يحيى قوله يا أمير المؤمنين أرى انّك أفسدت عليه دنياه و أفسد عليك آخرتك.
ثمّ قال: و من رأيت ذكره في علماء النجوم و إن لم أعلم مذهبه إبراهيم بن السّندى بن شاهك و كان منجما طبيبا متكلّما.
و من العلماء بالنّجوم عضد الدولة بن بويه و كان منسوبا إلى التشيّع و لعلّه كان يرى مذهب الزّيدية.
و منهم الشّيخ المعظم محمود بن علىّ الحمصى كما حكينا عنه.
و منهم جابر بن حيّان صاحب الصّادق عليه السّلام و ذكره ابن النّديم في رجال الشّيعة.
و ممّن ذكر بعلم النجوم من الوزراء أبو أيّوب سليمان بن مخلد المورياني.
و ممن ظهر فيه العمل على النجوم البرامكة ذكر عبد اللّه «الرحمن فى الأصل» بن المبارك أنّ جعفرا لما عزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه و جمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه فاختار واله وقتا من الليل، فلما حضر الوقت خرج على حمار من الموضع الذي
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 296
ينزل على قصره و الطرق خالية و النّاس ساكنون فلما وصل إلى سوق يحيى رأى رجلا يقول:
يدبّر بالنجوم و ليس يدرى و ربّ النّجم يفعل ما يريد
فاستوحش و وقف و دعا بالرّجل فقال له: أعد علىّ ما قلت فأعاده فقال: ما أردت بهذا؟ قال: و اللّه ما أردت به معنى من المعاني لكنّه عرض لى و جاء على لساني فأمر له بدنانير.
ثمّ ذكر اصابات كثيرة من المنجّمين نقلا من كتبهم، و نقل من كتاب ربيع الأبرار أنّ رجلا دخل اصبعيه في حلقتى مقراض و قال لمنجّم: ايش ترى في يدي؟
فقال: خاتمى حديد.
و قال: فقدت في دار بعض الرّؤساء مشربة فضة فوجّه إلى ابن هامان يسأله فقال: المشربة سرقت نفسها، فضحكت منه و اغتاض و قال: هل في الدار جارية اسمها فضّة أخذت الفضّة فكان كما قال.
و قال: سعى بمنجّم فامر بصلبه فقيل له هل رأيت هذا في نجومك؟ فقال: رأيت ارتفاعا و لكن لم أعلم أنّه فوق خشبة.
و قال: من الملوك المشهورين بعلم النجوم و تقريب أهله المأمون، و ذكر محمّد بن اسحاق أنّه كان سبب نقل كتب النجوم من بلاد الرّوم و نشرها بين المسلمين.
و ذكر المسعودى في حديث وفات المأمون قال: فأمرنا باحضار جماعة من أهل الموضع فسألهم ما تفسير التديون فقالوا: تفسيره مدّ رجليك، فلما سمع المأمون بذلك اضطرب و تطيّر بهذا الاسم و قال سلوهم ما اسم هذا الموضع بالعربية قالوا: اسمه بالعربيّة الرقة، و كان فيما عمل من مولد المأمون أنّه يموت بالرقة، فلما سمع اسم الرقة عرفه أنّه الموضع الذي ذكر في مولده و أنّه لا يموت إلّا برقة فمات به كما اقتضت دلالة النّجوم، انتهى ما أردنا ايراده من كلام السيّد.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 297
فقد بان و ظهر منه و ممّا قدّمنا أنّ الاصابة في النّجوم غير عزيزة و إن كان الخطاء فيها كثيرا أيضا إلّا أنّ وقوع الخطاء لا يدلّ على بطلانها من أصلها و سرّ كثرة الخطاء هو ما أشرنا إليه سابقا من عسر الضّبط و الاحاطة بأقطارها.
و إليه الاشارة في خبر عبد الرّحمن بن السّيابة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
جعلت فداك إنّ النّاس يقولون إنّ النّجوم لا يحلّ النّظر فيها فان كان يضرّ بديني فلا حاجة لي في شي ء يضرّ بديني، و إن كان لا يضرّ بديني فو اللّه إنّى لأشتهيها و أشتهى النّظر إليها، فقال: عليه السّلام ليس كما يقولون لا يضرّ بدينك، ثمّ قال عليه السّلام: إنّكم تنظرون في شي ء كثيره لا يدرك و قليله لا ينفع.
و في خبر هشام قال قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام كيف بصرك في النّجوم؟ قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنّجوم ثمّ سأله عن أشياء لم يعرفها، ثمّ قال عليه السّلام: فما بال العسكرين يلتقيان في هذا و في ذاك فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و يحسب هذا لصاحبه بالظفر فيلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت النّجوم؟ قال: فقلت: و اللّه ما أعلم ذلك، فقال عليه السّلام: إنّ أصل الحساب حقّ و لكن لا يعلم ذلك إلّا من علم مواليد الخلق.
الامر الخامس:
في الحكم الشرعي للعمل بالنّجوم و أنّه هل يجوز تعليمه و تعلّمه و استنباط الأحكام منه و الاخبار عن الحوادث الاستقباليّة على وجه القطع أو الظنّ من طريق النّجوم.
المستفاد من السّيد بن طاوس (ره) في كلامه الذي قدّمنا ذكره في المقام الثاني هو الجواز بحمل الأخبار النّاهية على ما إذا اعتقد التأثير.
و مثله شيخنا البهائي (ره) في محكيّ كلامه و ما يدّعيه المنجّمون من ارتباط بعض الحوادث السفليّة بالأجرام العلويّة إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلّة المؤثّرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو أنّها شريكة في التأثير فهذا لا يحلّ للمسلم اعتقاده، و علم النّجوم المبتني على هذا كفر و العياذ باللّه، و على هذا حمل ما ورد في
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 298
الحديث من التّحذير عن علم النّجوم و النّهى عن اعتقاد صحّته.
و إن قالوا إنّ اتصالات تلك الاجرام و ما يعرض لها من الاوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم ممّا يوجده اللّه سبحانه بقدرته و إرادته كما أنّ حركات النّبض و اختلافات أوضاعه علامات يستدلّ بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصّحة و اشتداد المرض و نحو ذلك، و كما يستدلّ باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة، فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده، و ما روي من صحّة علم النّجوم و جواز نقله محمول على هذا المعنى.
ثمّ قال: الامور التي يحكم بها المنجّمون من الحوادث الاستقباليّة اصول بعضها مأخوذة من أصحاب الوحى سلام اللّه عليهم، و بعضها يدّعون فيها التّجربة، و بعضها مبتن على امور منشعبة لا تفي قوّة البشريّة في الأغلب بضبطها و الاحاطة بها كما يؤمى إليه قول الصّادق عليه السّلام: كثيره لا يدرك و قليله لا ينتج «ينفع»، فلذلك وجد الاختلاف في كلامهم و تطرّق الخطاء إلى بعض أحكامهم و من اتّفق له الجرى على الاصول الصّحيحة صحّ كلامه و صدقت أحكامه لا محالة كما نطق به كلام الصّادق عليه السّلام في الرّواية المذكورة قبيل هذا الفصل يعني رواية ابن سيابة، و لكن هذا أمر عزيز المنازل لا يظفر به إلا القليل و اللّه الهادى إلى سواء السّبيل.
أقول: و لقد أجاد (ره) فيما أفاد إلّا أنّ في الأخبار النّاهية ما يأبي عن الحمل الذي ذكره مثل خبر المنجّم الذي عرض لأمير المؤمنين عليه السّلام عند المسير إلى النّهروان على ما تقدّم روايته منّا و من السّيد (ره) في المتن، فانّ الظاهر منها أنّ المنجّم المذكور لم يكن معتقدا للتّأثير في النّجوم و مع ذلك فقد نهاه عليه السّلام عنه بمحض حكمه المستند إليه فافهم.
و يظهر من شيخنا صاحب الجواهر الميل إلى الجواز أيضا حيث قال: و التّحقيق أنّه لا بأس بالنّظر في هذا العلم و تعلّمه و تعليمه و الاخبار عمّا يقتضيه ممّا وصل إليه من قواعده لا على جهة الجزم بل على معنى جريان عادة اللّه بفعل كذا عند كذا و عدم اطّراده غير قادح، فانّ اللّه يمحو ما يشاء و يثبت و عنده أمّ الكتاب، بل قد يتوقّف
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 299
في الكراهة فضلا عن الحرمة، بل يمكن حصول زيادة العرفان بمعرفته و الترقّى إلى بعض درجات الايمان بممارسته.
و دعوى أنّ فيه تعريضا للوقوع في المحظور من اعتقاد التّأثير فيحرم لذلك أو لأنّ أحكامه تخمينيّة كما ترى خصوصا الثّاني ضرورة عدم حرمة مراعات الظنون في أمثال ذلك بل لعلّ المعلوم من سيرة النّاس و طريقتهم خلافه في الطبّ و غيره و التّعريض المزبور مع أنّه ممنوع لا يكفى فى الحرمة و إلّا لحرّم النّظر في علم الكلام الذي خطره أعظم من ذلك فلا ريب في رجحان ما ذكرناه بل لا يبعد أن يكون النّظر فيه نحو النّظر في علم هيئة الأفلاك الذي يحصل بسببه الاطلاع على حكمة اللّه و عظم قدرته.
نعم لا ينبغي الجزم بشي ء من مقتضياته لاستيثار اللّه بعلم الغيب، انتهى.
و ذهب المرتضى (ره) إلى الحرمة، و هو ظاهر المحدّث المجلسي بل صريحه في البحار حيث قال بعد بسط الكلام في علم النّجوم و نقل الأخبار و أقوال العلماء فيه ما لفظه: و أمّا كونها امارات و علامات جعلها اللّه دلالة على حدوث الحوادث في عالم الكون و الفساد فغير بعيد عن السداد و قد عرفت أنّ كثيرا من الأخبار تدلّ على ذلك.
و هى إمّا مفيدة للعلم العادي لكنّه مخصوص ببعض الأنبياء و الأئمة عليهم السلام و من أخذها منهم لأنّ الطريق إلى العلم بعدم ما يرفع دلالتها من وحى أو إلهام و الاحاطة بجميع الشّرايط و الموانع و القوابل مختصّة بهم.
أو مفيدة للظنّ، و وقوع مدلولاتها مشروط بتحقّق شروط و رفع موانع، و ما في أيدي النّاس ليس ذلك العلم أصلا أو بعضه منه لكنّه غير معلوم بخصوصه و لا يفيد العلم قطعا، و افادته نوعا من الظنّ مشكوك فيه.
و أمّا تعليمه و تعلّمه و العمل به و الاخبار بالامور الخفيّة و المستقبلة و أخذ الطوالع و الحكم بها على الأعمار و الأحوال الظاهر حرمة ذلك لشمول النهى له، و ما ورد أنّها دلالات و علامات لا يدلّ على التّجويز لغير من أحاط علمه بجميع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 300
ذلك من المعصومين و ما دلّ على الجواز فأخبار أكثرها ضعيفة.
و يمكن حملها على التّقية لشيوع العمل بها في زمن خلفاء الجور و السلاطين في أكثر الأعصار و تقرّب المنجّمين عندهم و ربّما يؤمى بعض الأخبار إليه، و يمكن حمل اخبار النّهى على الكراهة الشّديدة و الجواز على الاباحة أو حمل أخبار النّهى على ما إذا اعتقد التأثير و الجواز على عدمه كما فعله السّيد ابن طاوس و غيره و لكن الأوّل أظهر و أحوط.
أقول: و الأظهر عندي هو الجواز مع الكراهة، أمّا الجواز فللأخبار المجوّزة و أمّا الكراهة فخروجا عن خلاف من منعه و لوجود أخبار النّهى المحمولة عليها.
فان قلت: أخبار النّهى ظاهرة في الحرمة فلم لا تحملها على ظاهرها.
قلت: إبقاؤها على ظواهرها موجب لطرح الأخبار الاخر و الجمع بقدر الامكان أولى، فلا بدّ من صرفها عن الظاهر بحملها على الكراهة أو بالحمل على صورة اعتقاد التأثير و ذلك إنّما يجرى في بعضها حسبما أشرنا، و أمّا حمل الأخبار المجوّزة على التّقية فبعيد لاشتهار العمل بها بين الخاصّة كالعامّة كما عرفت في المقام الثّالث و عمل بعض أصحاب الأئمة عليهم السّلام بها مع عدم منعهم عن ذلك حسبما قدّمنا.
و إلى ذلك ذهب المحقّق الكركي (ره) حيث قال بعد الحكم بحرمة اعتقاد التّأثير و كونه كفرا: أمّا التّنجيم لا على هذا الوجه مع التّحرز عن الكذب فانّه جايز فقد ثبت كراهيّة التّزويج و سفر الحجّ في العقرب و ذلك من هذا القبيل، نعم هو مكروه و لا ينجرّ إلى الاعتقاد الفاسد و قد ورد النّهى عنه مطلقا حسما للمادّة و هو أيضا مذهب شيخنا العلّامة الأنصارى في المكاسب، قال بعد ذكر الأخبار الدّالّة على أنّ للنّجوم أصلا و الأخبار الدّالّة على كثرة خطاء المنجّمين ما هذا لفظه: و من تتبّع هذه الأخبار لم يحصل له ظنّ بالأحكام المستخرجة عنها فضلا «1»
______________________________
(1)- لا يخفى أنّ المقام الثالث لم يتقدّم ذكره فيما قبل، نعم ذكر المصنف (قده) فيما سبق ما أشار اليه هنا فى ضمن المقام الثاني فتذكر «المصحح»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 5، ص: 301
عن القطع، نعم قد يحصل من التّجربة خلفا عن سلف الظنّ بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الأوضاع الفلكية، فالأولى التجنّب عن الحكم بها و مع الارتكاب فالأولى الحكم على سبيل التقريب و أنّه لا يبعد أن يقع كذا عند كذا، و اللّه المسدّد.
الترجمة:
بعد از آن توجّه فرمود آن حضرت بمردمان پس فرمود كه أى مردمان حذر نمائيد از تعلّم علم نجوم مگر آن چيزى كه هدايت بيابيد بآن در بيابان يا در دريا پس بدرستى كه معرفت نجوم داعى مى شود بر كاهنى و منجّم همچو كاهن است و كاهن همچو ساحر است و ساحر همچو كافر است و كافر در آتش است، بعد از آن حضرت فرمود بأصحاب خود كه: سير كنيد بسوى دشمن بر نام خداوند و يارى او.