قد تكفّل لكم بالرّزق، و أمرتم بالعمل، فلا يكوننّ المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم عمله، مع أنّه و اللَّه لقد اعترض الشّكّ و دخل اليقين حتّى كأنّ الّذي ضمن لكم قد فرض عليكم، و كأنّ الّذي فرض عليكم قد وضع عنكم، فبادروا العمل، و خافوا بغتة الأجل، فإنّه لا يرجا من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرّزق، ما فات اليوم من الرّزق رجي غدا زيادته، و ما فات أمس من العمر لم يرج رجعته، الرّجاء مع الجائي، و اليأس مع الماضي، «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ». (23830- 23333)
اللغة:
و (دخل اليقين) أى تزلزل كما في قوله: كنت أرى اسلامه مدخولا، أى متزلزلا و (الرجعة) الرّجوع و (التقاة) الخوف و أصله تقية و زان تهمة.
المعنى:
ثمّ نهى عن تقديم طلب الرّزق على الاشتغال بالعبادة و ترجيحه عليه فقال (قد تكفّل لكم بالرّزق و أمرتم بالعمل) أما الأمر بالعمل فواضح، و أمّا التكفّل بالرّزق فقد تقدّم الكلام فيه و في معنى الرّزق بما لا مزيد عليه في شرح الفصل الأوّل من فصول
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 67
الخطبة التسعين (فلا يكون المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم عمله) و هذا يدلّ صريحا على المنع من ترجيح الطّلب على العمل حسب ما اشرنا إليه، و لا دلالة فيه على ترك الطّلب بالكليّة، بل المستفاد من الرّوايات الكثيرة كراهة ذلك مثل الأول.
منها ما رواه في الكافي باسناده عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام رجل قال لأقعدنّ في بيتى و لاصلّينّ و لأصومنّ و لأعبدنّ ربّي فأما رزقي فسيأتيني فقال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: هذا أحد الثلاثة الّذين لا يستجاب لهم.
و فيه عن معلّى بن خنيس قال سأل أبو عبد اللَّه عليه السّلام عن رجل و أنا عنده فقيل أصابته الحاجة، فقال: ما يصنع اليوم؟ قيل في البيت يعبد ربّه، قال: فمن أين قوته؟ قال: من عند بعض اخوانه، فقال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: و اللَّه للّذي يقوته أشدّ عبادة منه.
ثمّ وبّخهم بقوله (مع أنّه و اللَّه لقد اعترض الشّك و دخل اليقين) أى اعترض الشّك في المضمون و المفروض و تزلزل اليقين بضمان المضمون و بفرض المفروض (حتّى كأنّ الّذي ضمن لكم قد فرض عليكم) فبالغتم في تحصيله و طلبه و الجدّ له (و كأنّ الّذى فرض عليكم قد وضع عنكم) فتوانيتم فيه و لم تبالوا به (فبادروا العمل) المأمور به قبل حلول الموت (و خافوا بغتة الأجل) و فجأة الفوت (فانه لا يرجى من رجعة العمر) و عوده (ما يرجى من رجعة الرّزق) هذا في مقام التعليل للمبادرة إلى العمل و ترجيحه على طلب الرزق بيانه:
أنّ العمر ظرف للعمل و ما فات و مضى منه فلا يعود و لا يرجى عوده و يفوت العمل كساير الزّمانيّات المتعلّقة به بفواته لا محالة و لا يمكن استدراكه بعينه فاذا وجب المبادرة إليه و الاتيان به و إليه اشير في قوله عليه السّلام:
ما فات مضى و ما سيأتيك فأين قم فاغتنم الفرصة بين العدمين
و قال آخر:
إنّما هذه الحياة متاع و السّفيه الغوىّ من يصطفيها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 68
ما مضى فات و المؤمّل غيب ذلك السّاعة الّتي أنت فيها
و أمّا الرزق فهو مقسوم و ما نقص منه في الماضى أمكن جبرانه في الغابر، و إليه أشار بقوله (ما فات اليوم من الرزق رجى غدا زيادته و ما فات أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته) لأنّ العمر عبارة عن زمان الحياة و مدّته و الزّمان كمّ متّصل غير قارّ الذات، و الجزء الثّاني منه عادم للجزء الأوّل، و الجزء الثّالث عادم للجزء الثاني و هكذا فلا يمكن رجوع الجزء الأوّل بعد مضيّه أبدا، و هذا بخلاف الرّزق كالمآكل و المشارب و الأموال، فانّ الانسان إذا فاته شي ء منها قدر على ارتجاعه بعينه إن كان عينه باقية، و ما لا يبقى عينه يقدر على اكتساب مثله، نعم يشكل ذلك لو عممنا الرزق بالنّسبة إلى التّنفس في الهواء، فانه كالعمل أيضا من الزّمانيات لا يمكن استدراكه، اللّهم إلّا أن يقال إنّه فرد نادر، و نظر الامام عليه السّلام في كلامه إلى الأفراد الشائعة و الأعمّ الأغلب، فانّ ساير أفراد الرّزق عموما قابل للاستدراك.
و قوله عليه السّلام (الرّجاء مع الجائي و اليأس مع الماضي) مؤكّد لما سبق و أراد بالجائي الرّزق و بالماضى العمر.
و لما أمرهم بالمبادرة إلى العمل مخافة بغتة الأجل أكّد ذلك بالأمر بملازمة التقوى فقال (فاتّقوا اللَّه حقّ تقاته) أى حقّ تقواه و ما يجب منها و هو استفراغ الوسع في القيام بالواجبات و الاجتناب عن المحرّمات استعاره اقتباس (و لا تموتنّ إلّا و أنتم مسلمون) و هو اقتباس من الآية في سورة آل عمران قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَ...» الآية.
قال في مجمع البيان معناه و اتّقوا عذاب اللَّه أى احترسوا و امتنعوا بالطاعة من عذاب اللَّه كما يحقّ، فكما يجب أن يتّقى ينبغي أن يحترس منه، و ذكر في قوله حقّ تقاته وجوه أحدها أن يطاع فلا يعصى و يشكر فلا يكفر و يذكر فلا ينسى، و هو المرويّ عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام و ثانيها أنه اتّقاء جميع معاصيه و ثالثها أنّه المجاهدة في اللَّه و أن لا تأخذه فيه لومة لائم و أن يقام له بالقسط في الخوف و الأمن و قوله: «وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» .
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 8، ص: 69
معناه لا تتركوا الاسلام و كونوا عليه حتّى إذا ورد عليكم الموت صادفكم عليه، و انما قال بلفظة النّهى عن الموت من حيث إنّ الموت لا بدّ منه و إنما النّهي في الحقيقة عن ترك الاسلام لأن لا يهلكوا بالانقطاع عن التّمكّن منه بالموت إلّا أنه وضع كلام موضع كلام على جهة التّصرّف و الابدال بحسن الاستعارة و زوال اللّبس و روى عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: و أنتم مسلّمون، بالتشديد و معناه مستسلمون لما أتى به النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم منقادون له، و اللَّه الموفّق.
الترجمة:
بتحقيق كه كفالت شده است از براى شما بروزى، و مأمور شده ايد بعمل، پس بايد نباشد چيزى كه ضمانت شده است از براى شما طلب كردن آن اولى بشما از چيزى كه فرض و واجب شده است بر شما عمل آن. با وجود اين بحق خدا پيش آمده است شما را شك در ضمان روزى و مدخول و متزلزل شده است يقين در فرض ربّ العالمين حتى اين كه گويا آنچه كه ضمانت شده براى شما واجب كرده شده است بر شما و چيزى كه فرض كرده بر شما انداخته شده است از گردن شما، پس بشتابيد بسوى عمل، و بترسيد از ناگهان رسيدن أجل، پس بدرستى كه اميد گرفته نمى شود از باز گشتن عمر آنچه كه اميد گرفته مى شود از باز گشتن روزى، آنچه كه فوت شده است امروز از روزى اميد گرفته مى شود فردا افزونى آن، و آنچه كه فوت شده است ديروز از عمر اميد گرفته نمى شود امروز بازگشتن آن، اميد با آينده است كه روزى فردا است، و نوميدى با گذشته است كه عمر ديروزى است بس، و بترسيد از خدا حق تقوى و ترسكارى، و مميريد مگر در حالتى كه شما هستيد مسلمان و تسليم داريد حكم ملك منّان.