فاحذروا عباد اللّه الموت و قربه، و أعدّوا له عدّته فإنّه يأتي بأمر عظيم و خطب جليل بخير لا يكون معه شرّ أبدا، أو شرّ لا يكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنّة من عاملها؟ و من أقرب إلى النّار من عاملها؟
و أنتم طرداء الموت إن أقمتم له أخذكم و إن فررتم منه أدرككم و هو ألزم لكم من ظلّكم، الموت معقود بنواصيكم و الدّنيا تطوى من خلفكم، فاحذروا نارا قعرها بعيد و حرّها شديد و عذابها جديد. دار ليس فيها رحمة، و لا تسمع فيها دعوة، و لا تفرّج فيها كربة، و إن استطعتم أن يشتدّ خوفكم من اللّه و أن يحسن ظنّكم به فاجمعوا بينهما فإنّ العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه، و إنّ أحسن النّاس ظنّا باللّه أشدّهم خوفا للّه.
اللغة:
(مثوى) أى مقام و منزل. (طرداء) جمع طريد أى مطرود، و الطريدة ما طردت من صيد أو غيره، و طردته نفيته عنّى.
(هادم اللذّات) الهدم بالدال المهملة نقض البناء، و قد ضبطه بعضهم بالذال المعجمة من الهذم بمعنى القطع. و في أساس البلاغة للزمخشري: هذمه أسرع قطعه.
و سيف مخذم و مهذم و هذام. (ضمّته) الضمّ قبض الشيء إلى الشيء و قد ضمّه فانضمّ إليه و معنى ضمّة القبر بالفارسيّة فشارش قبر.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 87
المعنى:
قوله عليه السّلام: (فاحذروا عباد اللّه الموت و قربه- إلخ) المراد من الحذر عن الموت الحذر عن الأهوال الّتي يراها غير المؤمن عند الموت فكأنه عليه السّلام أمرهم أن يجعلوا الموت نصب أعينهم فإنّ من جعله نصب عينه زهّده في الدّنيا و رغّبه في الاخرة و حثّه إلى إعداد عدّته، و من كلام سيّد الساجدين عليه السّلام في الدّعاء الأربعين من الصحيفة: و انصب الموت بين أيدينا نصبا و لا تجعل ذكرنا له غبّا.
ثمّ علّل الأمر بالحذر بقوله (فانّه) أى الموت (يأتي بأمر عظيم و خطب جليل).
روى الكليني في الكافي باسناده عن عبد اللّه بن سنان عمّن سمع أبا جعفر عليه السّلام يقول لمّا حضرت الحسن عليه السّلام الوفاة بكى فقيل له: يا ابن رسول اللّه تبكى و مكانك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي أنت به و قد قال فيك ما قال و قد حججت عشرين حجّة ماشيا و قد قاسمت مالك ثلاث مرات حتّى النعل بالنّعل؟ فقال عليه السّلام: إنما أبكى لخصلتين: لهول المطّلع، و فراق الأحبّة (الوافي في باب ما جاء في الحسن بن علىّ عليهما السّلام ص 174 ج 2).
قوله عليه السّلام: (بخير لا يكون معه شرّ أبدا أو شرّ لا يكون معه خير أبدا) معنى الجملة الاولى ظاهر و انما الكلام في معنى الثانية لأنّ أخبار البرزخ دالّة على أنّ أقواما معذبون في البرزخ و ينقطع منهم العذاب بعد البرزخ فقد روى الكليني قدّس سرّه في الكافي باسناده عن عبد الرّحمن بن عبّاد عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّى سمعت و أنت تقول: كلّ شيعتنا في الجنّة على ما كان منهم قال: صدقتك كلّهم و اللّه في الجنّة قال: قلت: جعلت فداك إنّ الذّنوب كثيرة كبار فقال: أمّا في القيامة فكلّكم في الجنّة بشفاعة النبيّ المطاع أو وصىّ النبي و لكنّى
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 88
و اللّه أتخوّف عليكم في البرزخ قلت: و ما البرزخ؟ قال: القبر منذحين موته إلى يوم القيامة (الوافي ص 94 ج 13).
و الظاهر أنه عليه السّلام أراد بكلامه هذا عاقبة امور الناس في الاخرة لأنّ ما يستفاد من ضمّ الايات القرآنيّة و تصديق بعضها بعضا و تفسير بعضها بعضا أنّ مال النّاس في الاخرة إلى أمرين أعنى أنهم ينقسمون آخر الأمر إلى فريقين فريق في الجنّة و فريق في النّار. قال عزّ من قائل: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» (آل عمران 108).
و قال تعالى: «يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ. وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» (هود 106- 109). و قال تعالى: «وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» (الشورى 8). و اللّه تعالى أعلم بكلام أوليائه.
قوله عليه السّلام: (فمن أقرب إلى الجنّة من عاملها، و من أقرب إلى النار من عاملها) تحت هذا الكلام أيضا سرّ لمن كان له قلب لأنّه عليه السّلام قال: فمن أقرب إلى الجنّة من عامل الجنّة و كذا من أقرب إلى النار من عامل النار فمن عمل الحسنات فهو عامل الجنّة، و من ارتكب السيئات فهو عامل النار و لم يقل عليه السّلام فمن أقرب إلى الجنّة ممّن عمل ما يجرّه إلى الجنّة، أو من أقرب إلى النار ممّن عمل ما يدخله النار و نحوهما من العبارات. فمن عمل الحسنات فهو عامل جنّته، و من عمل السيئات فهو عامل ناره فتبصّر.
و قال تعالى: «كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ» (البقرة 168).
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 89
و قال تعالى: «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» (آل عمران: 30) و قال تعالى: «وَ لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (يس: 54) لم يقل بما كنتم أو ممّا كنتم و نحوهما فتدبّر.
قوله عليه السّلام: (فاحذروا نارا قعرها بعيد و حرّها شديد و عذابها جديد) أمّا كونها بعيد القعر فلأنّها من دار الاخرة و قال عزّ من قائل: «وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» (العنكبوت 65) فنارها حيّة بحياتها الذّاتية لها فاذا أضفت كلامه هذا إلى قوله عليه السّلام: و من أقرب إلى النار إلى عاملها ينتج أنها ليست من عالم الخلق بل هو من عالم الأمر و كلّ ما في عالم الأمر غير متصفة بصفات الخلق الناقصة المحدودة جدّا المستحيلة المتبدّلة آنا فانا فظهر معنى كونها بعيد القعر لمن وقف على ما اشرنا إليها موجزة.
و قال بعض الأعاظم: و من أعجب ما روينا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنه كان قاعدا مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدّة عظيمة فارتاعوا فقال صلّى اللّه عليه و آله: أ تعرفون ما هذه الهدّة؟ قالوا: اللّه و رسوله أعلم. قال: حجر ألقى من أعلى جهنّم منذ سبعين سنة الان وصل إلى قعرها، فكان وصوله إلى قعرها و سقوطه فيها هذه الهدّة، فما فرغ من كلامه عليه السّلام إلّا و الصّراخ في دار منافق من المنافقين قد مات و كان عمره سبعين سنة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اللّه أكبر فعلم علماء الصحابة أنّ هذا الحجر هو ذلك المنافق، و أنّه منذ خلقه اللّه يهوى في جهنّم و بلغ عمره سبعين سنة فلما مات حصل في قعرها، قال اللّه تعالى: «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»، فكان سمعتهم تلك الهدّة الّتي أسمعهم اللّه ليعتبروا فانظر ما أعجب كلام النبوّة و ما ألطف تعريفه و ما أغرب كلامه، انتهى كلامه.
و أما كونها شديد الحرّ فلأنّ النّار ما دامت في كسوة المادّة الدّنيا ويّة لم يظهر سلطان أثرها و تعوقها المادّة عن ذلك و كأنّها مغمورة تحت رماد فاذا خلصت منها و خرجت عن غلافها تؤثّر أثرها التّام.
و أمّا أنّ عذابها جديد فكأنّ أمير المؤمنين روحي له الفداء يشير بقوله هذا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 19، ص: 90
إلى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً» (النساء 57) و البحث في المقام ينجر إلى الاطناب و يطلب في كتابنا القيامة.
قوله عليه السّلام: (دار ليس فيها رحمة و لا تسمع فيها دعوة و لا تفرّج فيها كربة) قال عزّ من قائل: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَةٌ وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (255، البقرة) فتدبّر أيّها العاقل في قول اللّه تعالى و قول خليفته و انظر إلى ما أنت فيه و ليس المحشور إلّا أنت و لا يمكن سلبك و انتزاعك منك و لا يمكنك الفرار من نفسك فما عملته فهو جزاؤك قال اللّه المتعال: «إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».
الترجمة:
پس اى بندگان خدا از مرگ و زود فرا رسيدنش بترسيد و زاد و توشه راه گرد آوريد زيرا مرگ امر بزرگى در پيش دارد كه آن تا ابد يا خير بدون شرّ است، يا شرّ بدون خير چه كسى به بهشت به سازنده آن نزديكتر است؟ و چه كسى باتش بفراهم كننده آن؟ بدانيد كه شما رانده مرگيد اگر بايستيد بگيرد و اگر بگريزيد برسد از سايه شما بشما وابسته تر است. مرگ به پيشانى تان گره زده است و دنيا طومار عمرتان را در مى نوردد پس بترسيد از آتشى كه ته آن دور است و سوزندگيش سخت و شكنجه هاى آن پى در پى. سرايى كه در آن رحمت نيست، و گوش بگفتار كسى داده نمى شود و اندوهى گشوده نمى شود اگر مى توانيد هم سخت از خدا بترسيد و هم نيك بدو خوش گمان باشيد كه خوش گمانى بنده بخدايش باندازه ترسش از او است، آن كس خوش گمان تر است كه ترس او بيشتر است.