منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 122
ثمّ جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض النّاس على بعض، فجعلها تتكافوء في وجوهها، و يوجب بعضها بعضا، و لا يستوجب بعضها إلّا ببعض. و أعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حقّ الوالي على الرّعيّة و حقّ الرّعيّة على الوالي، فريضة فرضها اللّه سبحانه لكلّ على كلّ، فجعلها نظاما لالفتهم، و عزّا لدينهم، فليست تصلح الرّعيّة إلّا بصلاح الولاة، و لا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرّعيّة. فإذا أدّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه، و أدّى الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، و قامت مناهج الدّين، و اعتدلت معالم العدل، و جرت على أذلالها السّنن، فصلح بذلك الزّمان، و طمع في بقاء الدّولة، و يئست مطامع الأعداء. و إذا غلبت الرّعيّة واليها و أجحف الوالي برعيّته، اختلفت هنالك الكلمة، و ظهرت معالم الجور، و كثر الإدغال في الدّين، و تركت محاجّ السّنن، فعمل بالهوى، و عطّلت الأحكام، و كثرت علل النّفوس، فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل، و لا لعظيم باطل فعل، فهنالك تذلّ الأبرار، و تعزّ الأشرار، و تعظم تبعات اللّه سبحانه عند العباد.
اللغة:
و (التّكافؤ) التّساوي و الاستواء و (يستوجب) بالبناء على المفعول و (المنهج) واضح الطريق و (ذلّ) الطريق بالكسر محجّتها و الجمع أذلال كحبر و أخبار و (الادغال)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 123
بالكسر أن يدخل في الشيء ما ليس منه و بالفتح جمع الدّغل محرّكة كأسباب و سبب هو الفساد و (المحاجّ) بتشديد الجيم جمع المحجّة بفتح الميم و هى الجادّة.
و (تذلّ) و (تعزّ) بالبناء على الفاعل من باب ضرب و في بعض النّسخ بالبناء على المفعول و (التّبعة) و زان كلمة ما تطلبه من ظلامة و الجمع تبعات.
الاعراب:
و قوله: فريضة فرضها اللّه في بعض النّسخ بالنّصب على الاشتغال أو على الحال كما قاله بعض الشّراح، و في بعضها بالرّفع على أنّه خبر لمبتدأ محذوف.
المعنى:
و لما بيّن حقّ اللّه على عباده و هو الحقّ الذى له لنفسه عقّبه ببيان حقوق الناس بعضهم على بعض فقال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 127
(ثمّ جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض) و جعلها من حقوقه لافتراضها من قبله تعالى و فى القيام بها إطاعة له و امتثال لأمره، فتكون بهذا الاعتبار من حقوقه الواجبة على عباده، و هذه الجملة توطئة و تمهيد لما يريد أن ينبّه عليه من كون حقه عليه السّلام واجبا عليهم من قبله تعالى و كون القيام به اطاعة له عزّ و علا فيكون ذلك أدعى لهم على أدائه.
(فجعلها) أى تلك الحقوق التي بين الناس (تتكافؤ) و تتقابل (فى وجوهها) أى جعل كلّ وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله، فحقّ الوالى على الرعيّة مثلا و هو الطاعة مقابل بمثله فهو العدل و حسن السيرة الذى هو حقّ الرّعية على الوالى (و يوجب بعضها بعضا و لا يستوجب) أى لا يستحقّ (بعضها إلّا ببعض) كما أنّ الوالى إذا لم يعدل لا يستحقّ الطاعة و الزّوجة إذا كانت ناشزة لا يستحقّ النّفقة.
و لمّا مهّد ما مهّد تخلّص إلى غرضه الأصلي فقال (و أعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق) المتكافئة (حقّ الوالي على الرّعيّة و حقّ الرّعيّة على الوالي) و إنّما كان من أعظم الحقوق لكون مصلحته عامّة لجميع المسلمين و باعثا على انتظام أمر الدين.
و لذلك أكّده بقوله (فريضة فرضها اللّه سبحانه لكلّ على كلّ) و أشار إلى وجوه المصلحة فيها بقوله (فجعلها نظاما لألفتهم و عزّا لدينهم) لأنّها سبب اجتماعهم و بها يقهرون أعداءهم و يعزون أديانهم (فليست تصلح الرّعيّة إلّا بصلاح الولاة) كما هو المشاهد بالعيان و التجربة و شهدت عليه العقول السّليمة (و لا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرّعيّة) في الطاعة إذ بمخالفتهم و عصيانهم يؤل جمعهم إلى الشّتات و حبل نظامهم إلى التّبات.
(فاذا أدّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه) و أطاعوه (و أدّى الوالي إليها حقّها) و عدل (عزّ الحقّ بينهم) أى يكون عزيزا (و قامت مناهج الدّين) و سبله (و اعتدلت معالم العدل) أى مظانّه أو العلامات الّتي نصبت في طريق العدل لسلوكه (و جرت على أذلالها السّنن) أى جرت على محاجّها و مسالكها بحيث لا تكون فيها اعوجاج و تحريف.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 128
مجاز (فصلح بذلك الزّمان) نسبة الصّلاح إلى الزّمان من باب التوسّع و المراد صلاح حال أهله بانتظام امورهم الدّنيويّة و الاخرويّة (و طمع في بقاء الدّولة) و السّلطنة (و يئست مطامع الاعداء) أى أطماعها باتّفاق أهل المملكة و قوّتهم.
(و) أمّا (إذا) كان الأمر بخلاف ذلك بأن (غلبت الرّعية واليها و أجحف الوالي برعيّته) أى تعدّى عليهم و ظلمهم ف (اختلفت هنا لك الكلمة) باختلاف الاراء (و ظهرت معالم الجور) أى علاماته، إذ بغلبة الرّعيّة على الوالي و إجحاف الوالي يحصل الهرج و المرج و يختلط النّاس بعضهم ببعض و يتسلّط الأشرار على الأبرار و يظلم الأقوياء للضّعفاء (و كثر الادغال) أى الابداع و التلبيس أو المفاسد (فى الدّين) لاختلاف الأهواء و أخذ كلّ بما يشتهيه نفسه ممّا هو مخالف للدّين و مفسد له (و تركت محاجّ السّنن) أى طرقها الواضحة لاعراض النّاس عنها (فعمل بالهوى و عطّلت الأحكام) الشرعيّة و التكاليف الدّينية (و كثرت علل النفوس) أى أمراضها بما حصلت لها من الملكات الرّديّة كالحقد و الحسد و العداوة و نحوها و قيل عللها وجوه ارتكاباتها للمنكرات فيأتي كلّ منكر بوجه و علة و رأى فاسد (فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل) لكثرة تعطيل الحقوق و كونه متداولا متعارفا بينهم (و لا لعظيم باطل فعل) لشيوع الباطل و اعتيادهم عليه مع كونه موافقا لهواهم (فهنا لك تذلّ الأبرار) لذلّة الحقّ الّذى هم أهله (و تعزّ الاشرار) لعزّة الباطل الّذى هم أهله (و تعظم تبعات اللّه عند العباد) إضافة التّبعات و هى المظالم إليه تعالى باعتبار أنّه المطالب بها و المؤاخذ عليها و إلّا فالتّبعات فى الحقيقة لبعض النّاس عند بعض.
الترجمة:
پس گردانيد حق سبحانه و تعالى از جمله حقوق خود حقوقى را كه واجب گردانيده است آنها را از براى بعضى از مردمان بر بعضى، پس گردانيد آنها را متساوى و متقابل در جهات آنها و باعث مى شود بعضى از آنها به بعضى و مستحق نمى شود بعضى را مگر بعوض بعضى و بزرگترين چيزى كه واجب گردانيد حق سبحانه و تعالى از اين حقوق حق والى و پادشاهست بر رعيّت، و حقّ رعيّت است بر والى و پادشاه فريضه ايست كه فرض كرده خداى سبحانه و تعالى آنرا از براى هر يكى از والى و رعيّت بر ديگرى، پس گردانيد آن حقّ را سبب نظم از براى الفت ايشان و مايه عزّت از براى دين ايشان، پس صلاح نمى يابد حال رعيّت مگر بصلاح حال پادشاهان و صلاح نمى يابد حال پادشاهان مگر بانتظام أمر رعيّت.
پس وقتى كه ادا كند رعيّت بوالى حقّ او را كه اطاعت و فرمان برداريست و ادا كند والى برعيّت حقّ او را كه عدالت و دادرسى است عزيز مى شود حقّ در ميانه ايشان، و مستقيم مى شود راههاى دين، و معتدل مى شود علامتهاى عدالت، و جارى مى شود سنن شرعيّه بر راههاى خود پس صلاح مى يابد بسبب اين روزگار، و اميدوارى مى شود در دوام و بقاء سلطنت، و مأيوس مى گردد جايگاه طمع دشمنان.
و وقتى كه غالب گردد و تمرّد نمايد رعيّت بر پادشاه خود، يا ظلم و تعدّى كند پادشاه بر رعيّت خود مختلف مى شود در آن وقت سخنان، و آشكار گردد علامتهاى ظلم و ستم، و بسيار گردد دغل و مفاسد در دين، و ترك شود جادّه سنن شرعيّه، پس عمل كرده مى شود بخواهشات نفسانيّه، و معطّل گردد احكام شرعيّه نبويّه، و بسيار شود ناخوشيهاى نفسها، پس استيحاش نمى شود يعنى مردم وحشت نمى كنند از بزرگ حقّى كه تعطيل افتد، و نه از بزرگ باطلى كه آورده شود، پس در آن وقت ذليل و خار گردند نيكوكاران، و عزيز گردد بدكرداران، و بزرگ مى شود مظالم خدا بر ذمّه بندگان.