منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 234
الفصل الثالث:
و كم أكلت الأرض من عزيز جسد، و أنيق لون، كان في الدّنيا غذىّ ترف، و ربيب شرف، يتعلّل بالسّرور في ساعة حزنه، و يفزع إلى السّلوة إن مصيبة نزلت به، ضنّا بغضارة عيشه، و شحاحة بلهوه و لعبه. فبينا هو يضحك إلى الدّنيا، و تضحك الدّنيا إليه، في ظلّ عيش غفول، إذ وطئ الدّهر به حسكه، و نقضت الأيّام قواه، و نظرت إليه الحتوف من كثب، فخالطه بثّ لا يعرفه، و نجيّ همّ ما كان يجده، و تولّدت فيه فترات علل انس ما كان بصحّته. ففزع إلى ما كان عوّده الأطبّاء من تسكين الحارّ بالقارّ، و تحريك البارد بالحارّ، فلم يطفئ ببارد إلّا ثوّر حرارة، و لا حرّك بحارّ إلّا هيّج برودة، و لا اعتدل بممازج لتلك الطّبايع إلّا أمدّ منها كلّ ذات داء، حتّى فتر معلّله، و ذهل ممرّضه، و تعايا أهله بصفة دائه، و خرسوا عن جواب السّائلين عنه، و تنازعوا دونه شجى خبر يكتمونه، فقائل هو لما به، و ممّن لهم إياب عافيته، و مصبّر لهم على فقده، يذكّرهم أسى الماضين من قبله. فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدّنيا، و ترك الأحبّة، إذ عرض له عارض من غصصه، فتحيّرت نوافذ فطنته، و يبست رطوبة لسانه، فكم من مهمّ من جوابه عرفه فعيّ عن ردّه، و دعاء مولم لقلبه سمعه فتصامّ عنه، من كبير كان يعظّمه، أو صغير كان يرحمه، و إنّ للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة، أو تعتدل على قلوب أهل الدّنيا. (52648- 52419)
اللغة:
(ترف) ترفا من باب منع تنعّم و أترفته النعمة أطغته و التّرفة بالضمّ النعمة و الطعام الطيّب و (ربّ) فلان الصّبى يربّه ربّا ربّاه حتّى أدرك و الرّبيب المربوب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 235
قال تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ» و (السّلوة) بفتح السّين و ضمّها اسم من سلى همّه سلوّا و سليّا نسيه و (عيش غفول) و زان صبور كثير الغفلة و (الحسك) محرّكة نبات تعلق ثمرته بصوف الغنم و عند ورقه شوك ملزّز صلب ذو ثلاث شعب.
و (الحتوف) بالضمّ جمع الحتف بالفتح و هو الموت و (الكثب) محرّكة القرب و هو يرى من كثب أى قرب و (النّجى) فعيل من ناجاه مناجاة أى سارّه و (القارّ) البارد من قرّ القدر إذا صبّ فيه ماء باردا و (الثور) الهيجان و (علّل) الصّبي بطعام و غيره شغله به و تعلّل بالأمر تشاغل و (التّمريض) حسن القيام على المريض و (عىّ) بالأمر و عيى و تعايا و استعيا لم يهتد لوجه مراده أو عجز منه و لم يطق احكامه و (خرس) خرسا من باب فرح انعقد لسانه عن الكلام و (الاسى) بالضمّ جمع الاسوة و هو ما يتأسى به الانسان و يتسلّى.
الاعراب:
قوله عليه السّلام: و كم أكلت الأرض من عزيز جسد، لفظة كم خبريّة بمعني كثير مبنيّة على السّكون لشباهتها بكم الاستفهاميّة لفظا و معني من حيث ابهام كلتيهما، و هي منصوبة المحلّ لكونها مفعول أكلت قدمت عليه لأنّ لها صدر الكلام، و من عزيز جسد تميز رافع للابهام الّذى فيها، أى أكلت الأرض كثيرا من عزيز جسد، و عزيز صفة لموصوف محذوف أى من ميّت عزيز الجسد، و إضافة عزيز إلى جسد من إضافة الصّفة إلى فاعله كما في قولك: مررت برجل حسن وجه أى حسن وجهه، و هذا القسم من اضافة الصّفة المشبّهة و إن استقبحه علماء الأدبيّة لأجل خلوّ الصّفة من ضمير يعود إلى الموصوف لفظا إلّا أنّه يسوغه كثرة الاستعمال و وجود الضّمير تقديرا، و جملة كان في الدّنيا، في محلّ الخفض على أنّها صفة لعزيز جسد، و جملة يتعلّل، في محلّ النصب حال من اسم كان.
و قوله: ضنّا مفعول لأجله، مجاز و عيش غفول في نسبة غفول إلى عيش توسّع كما في عيشة راضية و قوله إذ وطئ الدّهر، إذ للمفاجاة لوقوعها بعد بينا نصّ على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 236
ذلك سيبويه، قال: إذا وقعت بعد بينا و بينما فهي للمفاجاة و مثال وقوعها بعد بينما قوله:
استقدر اللّه خيرا و ارضينّ به فبينما العسر إذ دارت مياسير
و بينما المرء في الأحياء مغتبط إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
و الباء في وطيء به للتّعدية أى أوطأه.
و قوله: عليه السّلام آنس ما كان بصحّته، آنس منصوب على الحال من ضمير فيه و العامل فيه تولّدت، و ما نكرة موصوفة كما في مررت بما معجب لك، و كان تامّة، و بصحّته متعلّق بانس و محصّل المعنى تولّدت فيه فترات و الحال أنّه آنس شيء وجد أى آنس الأشياء بصحّته، و يحتمل أن تكون ما مصدريّة زمانيّة كما في قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» و قوله «ما دُمْتُ حَيًّا» أى مدّة استطاعتكم و مدّة دوامى حيّا فيكون معناه آنس مدّة كونه و وجوده بصحّته أى آنس زمان عمره به، و قيل فيه معان اخر و ما قلته أظهر.
قوله: شجي خبر من اضافة الصفة إلى الموصوف أى خبر ذى شجي و غصّة، و قوله فقائل، خبر لمبتدأ محذوف و الجملة معطوفة على جملة تنازعوا و تفصيل له، و اللام في قوله: لما به، بمعني على كما في قوله تعالى «وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ» و قوله «وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ» و ليست بمعناها الأصلى كما توهّم.
قوله: و دعاء مولم لقلبه، اللّام للتّقوية، و في بعض النسخ بقلبه بالباء بدل اللام و عليه فهى زايدة كما في قوله تعالى «وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» و يجوز جعلها بمعني في على تضمين مولم معني مؤثر، و بهذا المعني جاء الباء في قوله تعالى «وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ» أى فيها.
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام لمّا نبّه في الفصلين السابقين على أهاويل البرزخ و فظايعه أردفهما بهذا الفصل استطرادا و تنبيها على غمرات الموت و شدايده و حالات الميّت عند الاشراف على الموت و الاحتضار فقال:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 237
استعاره بالكنايه- استعارة تبعيّة (و كم أكلت الأرض من عزيز جسد و أنيق لون) إمّا استعارة بالكناية تشبيها للأرض بالاكل و اثبات الاكل تخييلا، أو استعارة تبعيّة كما في نطقت الحال بكذا تشبيها لا فناء الأرض لأجزاء الميّت و استحالتها لها بالتراب بأكلها لها، فاستعير الأكل للافناء و دلّ على الاستعارة بذكر الأرض، و المعني أفنت الأرض و أبلت كثيرا كثيرا من ميّت طرىّ البدن معجب اللون لصفائه و بياضه و اشراقه.
(كان في الدّنيا غذّى ترف و ربيب شرف) أى غذّى و تنعّم بالتّنعّم الموجب لبطره و طغيانه، و ربّي في عزّ و شرف و منعة.
(يتعلّل بالسرور في ساعة حزنه) أى يتشاغل بما يسرّه و يتلهّى به عما يحزنه (و يفزع إلى السّلوة إن مصيبة نزلت به) أى يلتجى إلى ما يسلى همّه و ينسيه إن أصابته مصيبة (ضنّا بغضارة عيشه) أى لأجل بخله بسعة عيشه و طيبه (و شحاحة) و بخالة (بلهوه و لعبه) حتّى لا يشوب لهما ما يكدّرهما.
(فبينا هو يضحك إلى الدّنيا) ابتهاجا بها و شعفا بحبّها لجريانها على وفق مراده و تهيئتها لمقدّمات عيشه و نشاطه (و تضحك الدّنيا إليه) ابتهاجا به لكونه من أبنائها و الرّاغبين إليها و فرط محبّتها إيّاه، و حاصله تضاحك كلّ منهما و اشتياقه إلى الاخر لمزيد المحابة و المعافاة بينهما (فى ظلّ عيش غفول) أى في دعة و راحة و سعة عيش متّصف بكثرة الغفلة.
و المراد غفلة صاحبه به كما في عيشة راضية، و قال الشارح المعتزلي: عيش غفول قد غفل عن صاحبه، فهو مستغرق في العيش لم يتنبّه له الدّهر فيكدر عليه وقته قال الشّاعر:
كأنّ المرء في غفلات عيش كأنّ الدّهر عنها في وثاق
- انتهى و لعلّ ما قلته أولى و دلالة الشعر عليه أظهر استعاره (إذ وطيء الدّهر به حسكه) أى أوطاه حسكه أى أنشب شوكه فيه و استعار الحسك لالام الدّهر و أسقامه و حوادثه الموجبة لأذاه كايجاب الحسك للأذى مجاز (و نقضت الأيّام قواه) نسبة النّقض إلى الأيّام من التوسّع و المراد به انحلال قواه النفسانيّة و ضعف جوارحه (و نظرت إليه الحتوف من كثب)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 238
أى من قرب، و تخصيصه بالذّكر لأنّ تأثير النّظر فيه أشدّ يعني أنّ ملاحظة المنية نحوه دانية، و جمع الحتوف باعتبار تعدّد أسباب الموت.
(فخالطه بثّ لا يعرفه) أى مازج قلبه حزن لا يعرف علّته (و نجيّ هم ما كان يجده) أى همّ خفيّ لم يكن معهودا به (و تولّدت فيه فترات علل آنس ما كان بصحّته) قال الشّارح المعتزلي: الفترات أوائل المرض انتهى و المراد أنّه طرئ عليه و ظهر في مزاجه علل موجبة لفتور بدنه و ضعف جسمه، و الحال أنّه في غاية الانس بصحّته و كمال الرّكون إلى سلامته في لذات طربه و بدوات اربه لا يحتسب رزيّة و لا يحتمل بليّة.
(ف) لمّا وجد في نفسه ذلك و أحسّ به استوحش منه و (فزع إلى ما كان عوّده الأطبّاء) أى التجأ إلى ما جعلوه معتادا له من المداواة و المعالجات (من تسكين الحارّ بالقارّ و تحريك البارد بالحارّ) تخصيص التّسكين بالقارّ و التحريك بالبارد لأنّ من شأنّ الحرارة التّحريك و التّهييج فاستعمل في قهرها بالبارد لفظ التّسكين و من شأن البرودة التخدير و التجميد فاستعمل في قهرها بالحارّ لفظة التحريك.
(فلم يطفىء) الحارّ (ببارد إلّا ثوّر) و هيّج (حرارة) زايدة على حرارة الحارّ (و لا حرّك) البارد (بحارّ إلّا هيّج) و ثوّر (برودة) زايدة على برودة البارد.
و محصّله أنّه لم ينفعه استعمال المسخّن و المبرّد إلّا عكس المطلوب و أنتج له المسخّن برودة و المبرّد حرارة.
(و لا اعتدل بممازج لتلك الطبايع إلّا أمدّ منها كلّ ذات داء) أى لم يقصد الاعتدال بما يمازج تلك الطبايع الحارّة و الباردة المفرطة فيردّها إلى الاعتدال إلّا و أمدّ ذلك الممازج أو المريض و أعطى مددا و قوّة و أعان من هذه الطّبايع كلّ طبيعة ذات داء، أى صار مزج الممازج ممدّا و معينا على الطبيعة الّتي هي منشأ المرض مع ماله من مضادّة خاصيّة لخاصيّتها.
و يوضح ما قاله عليه السّلام على وجه البسط ما رواه في البحار من علل الشرائع بسنده عن وهب بن منبه أنّه وجد في التوراة صفة خلقة آدم على نبيّنا و عليه السّلام
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 239
حين خلقه اللّه عزّ و جلّ و ابتدعه، قال اللّه تبارك و تعالى:
انّي خلقت و ركّبت جسده من أربعة أشياء، ثمّ جعلتها وراثة في ولده تنمي في أجسادهم و ينمون عليها إلى يوم القيامة، و ركّبت جسده حين خلقته من رطب و يابس و سخن و بارد، و ذلك أنّي خلقته من تراب و ماء ثمّ جعلت فيه نفساً و روحاً فيبوسة كلّ جسد من قبل التّراب، و رطوبته من قبل الماء، و حرارته من قبل النفس، و برودته من قبل الرّوح.
ثمّ خلقت فى الجسد بعد هذا الخلق الأوّل أربعة أنواع، و هنّ ملاك الجسد و قوامه بادنا لا يقوم الجسد إلّا بهنّ و لا تقوم منهنّ واحدة إلّا بالاخرى: منها المرّة السوداء، و المرّة الصّفراء، و الدّم، و البلغم ثمّ اسكن بعض هذا الخلق فى بعض، فجعل مسكن اليبوسة فى المرّة السّوداء، و مسكن الرّطوبة فى المرّة الصفراء، و مسكن الحرارة فى الدّم، و مسكن البرودة فى البلغم.
فأيّما جسد اعتدلت فيه هذه الأنواع الأربع الّتى جعلتها ملاكه و قوامه و كانت كلّ واحدة منهنّ أربعا لا تزيد و لا تنقص كملت صحّته و اعتدل بنيانه، فان زاد منهنّ واحدة عليهنّ فقهرتهنّ و مالت بهنّ دخل على البدن السّقم من ناحيتها بقدر ما زادت و إذا كانت ناقصة تقلّ عنهنّ حتّى تضعف من طاقتهنّ و تعجز عن مقارنتهنّ «مقاومتهنّ» قال وهب: فالطبيب العالم بالدّاء و الدّواء يعلم من حيث يأتي السقم من قبل زيادة تكون فى احدى هذه الفطرة الأربع أو نقصان منها، و يعلم الدّواء الّذى به يعالجهنّ فيزيد فى النّاقصة منهنّ أو ينقص من الزّايدة حتّى يستقيم الجسد على فطرته و يعتدل الشيء بأقرانه.
إذا عرفت ذلك فنقول: إذا أراد اللّه أن يشفى المريض و يحصل له البرء من مرضه أصاب المعالج و اهتدى إلى معرفة ما به من الدّاء و نفع الدّواء بالخاصيّة الّتى فيه و إذا قضى أجله أخطأ المعالج أو سقط الدّواء من التأثير أو أمدّ ضدّ خاصيّته المكمونة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 240
(حتّى) اشتدّ مرضه و (فتر معلّله) أى من يشغله عن التوجّه إلى مرضه و يمنّيه العافية أو عمّا يضرّه من الأطعمة و الأشربة بالأدوية النافعة، و فتوره من جهة طول المرض و حصول اليأس، فانّ العادة جارية بأنّ أهل المريض فى أوّل مرضه يواظبون عليه و يجتمعون حوله و يعلّلونه حتى إذا طال المرض و اشتدّ و ظهر مخائل الموت يقلّ عزمهم و يفتر هممهم و يحصل لهم التوانى و الكسل.
(و ذهل ممرّضه) أى من يواظب عليه و يقوم بأمرء فى دوائه و غذائه و غيره، و ذهوله و غفلته من أجل أنه فى بداية المرض يكون له جدّ أكيد و جهد جهيد فى التعهد و المواظبة بما له من رجاء الصّحة و العافية، و بعد اشتداد المرض و ظهور أمارات الموت توانى و فتر، و تسرع اليه الغفلة على ما جرت عليه العادة.
(و تعايا أهله بصفة دائه) أى عجزوا بوصف دائه و شرح مرضه على ما هو عليه للطبيب و غيره، و هذه عادة المريض المثقل.
(و خرسوا عن جواب السائلين عنه) هذه الجملة كالتفسير لسابقتها، و المراد أنّ أهله إذا سئلوا عنه يجمجمون و لا يفصحون عن بيان حاله كالأخرس الذى ينعقد لسانه عن التكلّم، و إنما يخرسون عن جوابهم لأنه بعد ظهور أمارات الموت عليه لا يسعهم الجواب بصحّته لكونه خلاف الواقع، و لا يسوغهم الجواب بما هو الواقع من إشرافه على الموت لعدم طيب أنفسهم به و انطلاق لسانهم ببيانه.
(و تنازعوا دونه شجى خبر يكتمونه) أى اختلفوا عنده فى خبر ذى حزن و غصة يخفونه منه و يجيبون السّائلين بالتناجى و المسارّة كيلا يشعر به، و فصّل كيفية التنازع و الاختلاف بقوله:
(فقائل) منهم (هو لما به) أى على الحال الذى كان عليه لا تفاوت فى مرضه و قيل: معناه هو الأمر الذى نزل به، أى قد أشفى على الموت، و ما قلناه أظهر و أولى.
(و) آخر (ممنّ لهم إياب عافيته) أى يمنّيهم و يطمعهم عود عافيته بقوله: قد رأيت مثل هذا المريض و أشدّ مرضا منه ثمّ عوفى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 241
(و) ثالث (مصبّر لهم على فقده) أى يحملهم على الصبر و التحمّل على فقده و فراقه (يذكرهم اسى الماضين من قبله) بقوله: تلك الرّزيّة ممّا لا اختصاص لهابكم و لا الموت مخصوصا بهذا المريض بل كلّ حيّ سالك سبيل و كلّ نفس ذائقة الموت، و قد مضى قبل هذا المريض عالم من النّاس و بقي بعد الأسلاف الأخلاف فتعزّوا بعزاء اللّه و تسلّوا و اصبروا و لم يكن لهم علاج إلّا أن قالوا: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، فينبغي لكم التأسّي بالماضين، فانّ لكم فيهم اسوة، و في هذا المعني قال الشاعر و لنعم ما قال:
و إنّ الاولى بالطف من آل هاشم تأسّوا فسنّوا للكرام التأسّيا
و قالت الخنساء:
و ما يبكون مثل أخي و لكن اسلّي النفس عنه بالتّأسّي
و قد قال أمير المؤمنين عليه السّلام فى المختار المأتين و الواحد الّذى قاله عند دفن الصّديقة عليهما السّلام: قلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبرى إلّا أنّ لى فى التّأسى بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعزّ.
(فبينا هو كذلك على جناح) أى على حركة سريعة فانّ الطّيران بالجناح سبب سرعة الحركة فتجوز عنها (من فراق الدّنيا و ترك الأحبّة إذ) دهمته فجعات المنية و (عرض له عارض من غصصه) و اعترض فى حلقه و أخذ بخناقه.
(فتحيّرت نوافذ فطنته) أى تاهت إدراكات جودته و ذكائه الثاقبة المتعلّقة بمصالح النشأة الدّنيويّة و الاخرويّة، و فى بعض النسخ: فطنه، بصيغة الجمع، و المراد تبلّد مشاعره و قواه الدّرّاكة و قصورها عن الادراكات النظرية.
(و يبست رطوبة لسانه) و جفّ حيله- ريقه- و حيل بينه و بين منطقه فصار بين أهله ينظر وجوههم و يسمع رجع كلامهم و يرى حركات ألسنتهم و لا يستطيع التّكلّم معهم.
(فكم من مهمّ من جوابه عرفه فعىّ عن ردّه) أى جواب سائل سأله عن أمر مهم من وصيّه و وصيّته و دينه و مصارف ماله و قيّم أطفاله و نحو ذلك فعجز عن ردّه.
(و دعاء مولم لقلبه سمعه فتصامّ عنه) أى نداء موجع لقلبه سمعه فأظهر الصّمم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 242
لعدم قدرته على اجابة المنادى (من كبير كان يعظّمه) كما إذا كان المنادى له والده و ولىّ النعمة له (أو صغير كان يرحمه) كما إذا كان المنادى ولده الصغير.
(و انّ للموت لغمرات) و أهاويل و سكرات (هى أفظع من أن تستغرق بصفة) أى تستعاب بوصف و بيان (أو تعتدل) و تستقيم (على قلوب أهل الدّنيا) لكونها خارجة عن حدّ الاحصاء متجاوزة عن طور الاستقصاء و كيف لا و هو هادم اللّذّات و قاطع الامنيّات و جذبة من جذباته أهون عندها نشر المناشير و قرض المقاريض.
أعاننا اللّه عليه، و ثبّتنا بالقول الثابت لديه، و وفّقنا اللّه و أيّدنا و هدانا الصّراط المستقيم بفضله العميم، هذا.
و قد أشار بعض الشعراء إلى إجمال ما قاله عليه السّلام فى هذا الفصل و قال:
بينا الفتى مرح الخطا فرحا بما يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى
إذ قيل بات بليلة ما نامها إذ قيل أصبح مثقلا ما يرتجى
إذ قيل أمسى شاخصا و موجها إذ قيل فارقهم و حلّ به الرّدى
و للّه درّ المؤلّف أبى الحسن الرّضىّ قدّس سرّه ما أعجب نظمه فى شرح حال الدّنيا و أهلها و الهالكين منهم و وصف مضجعهم و برزخهم و ساير حالاتهم قال:
انظر إلى هذا الأنام بعبرة لا يعجبنّك خلقه و رواؤه
فتراه كالورق النضير تقصّفت أغصانه و تسلّبت شجراته
انّى محاباه المنون و إنّما خلقت مراعى للرّدى خضراؤه
أم كيف تأمل فلتة أجساده من ذا الزّمان و حشوها اوداؤه
لا تعجبنّ فما العجيب فناؤه بيد المنون بل العجيب بقاؤه
إنّا لنعجب كيف حمّ حمامه عن صحّة و يغيب عنّاد آؤه
من طاح فى سبل الرّدى آباؤه فليسلكن طريقهم أبناؤه
و مؤمّر نزلوا به فى سوقة لا شكله فيهم و لا نظراؤه
قد كان يفرق ظلّه أقرانه و يغضّ دون جلاله أكفاؤه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 243
و محجّب ضربت عليه مهابة يغشى العيون بهاؤه و ضياؤه
نادته من خلف الحجاب منيّة امم فكان جوابها حوباؤه
شقّت إليه سيوفه و رماحه و اميط عنه عبيده و إماؤه
لم يغنه من كان ودّ لو أنّه قبل المنون من المنون فداؤه
حرّم عليه الذّلّ إلّا أنّه ابدا ليشهد بالجلال بناؤه
متخشع بعد الانيس جنائه متضائل بعد القطين فناؤه
عريان تطرد كلّ ريح ترابه و يطيع اوّل أمرها حصباؤه
و لقد مررت ببرزخ فسألته أين الاولى ضمّمتهم ارجاؤه
مثل المطىّ بواركا أجداثه يسقى على جنباتها بوغاؤه
ناديته فخفى علىّ جوابه بالقول إلّا ما زقت أصداؤه
من ناظر مطروفة ألحاظه أو خاطر مطلوبة سوداؤه
أو واجد مكظومة زفراته أو حاقد منسيّة شحناؤه
و مسندين على الجنوب كأنّهم شرب تخاذل بالطلى أعضاؤه
تحت الصعيد لغير إشفاق إلى يوم المعاد يضمّهم أحشاؤه
أكلتهم الارض الّتي ولدتهم أكل الضّروس حلت له اواؤه
الترجمة:
فصل سيم از اين كلام در اشارة بحالات مرض موت و شدايد مرگست مى فرمايد:
چه بسيار خورده زمين از بدن تازه و صاحب آب و رنگ خوش آينده را كه بود در دنيا پرورده نعمت و پرورش يافته شرف و عزت، در حالتى كه تعلّل مى ورزيد و بهانه ميكرد بشادى در حالت حزن و پريشانى، و پناه مى برد به تسلّى خواطر اگر مصيبتى نازل مى شد باو از جهت بخل ورزيدن و ضايع نساختن خوش گذرانى خود، و از جهت خساست و هدر نكردن لهو و لعب خود.
پس در اين اثنا كه او خنده ميكرد و فرحناك بود بر دنيا و خنده ميكرد و فرحناك بود دنيا بأو در سايه خوش گذرانى كه باعث زيادت غفلت او بود ناگاه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 14، ص: 244
لگد كوب كرد او را زمانه خار خود را، و شكاند روزگار قوّت او را، و نگاه كرد بسوى او مرگ ها از نزديكى، پس آميخت بأو حزن و اندوهى كه نمى شناخت او را، و غصّه پنهانى كه نيافته بود او را، و متولّد شد در او سستيهاى مرضها در حالت غايت انس او بصحّت خود.
پس ملتحى شد بسوى آن چيزى كه عادت داده بودند او را بان طبيبها از فرو نشاندن مايه حرارت بدواهاى بارد، و حركت دادن مايه برودت بدواهاى حارّ، پس فرو ننشاند باستعمال دواى بارد مگر اين كه حركت داد حرارت را، و حركت نداد بدواء حارّ مگر بهيجان آورد برودت را، و معتدل نساخت بچيزى كه مخلوط نمود بان طبيعتهاى حارّه و بارده مگر اين كه مدد نمود از اين كه طبيعتها هر مادّه كه منشإ درد بود.
تا اين كه سست شد پرستار او و غافل گرديد مواظب مرض او و درمانده گرديدند اهل و عيال او در صفت ناخوشى او و لال گرديدند از جواب پرسندگان أحوال او، و اختلاف كردند در نزد او در غمناك چيزى كه پنهان مى كردند آن را، پس از ايشان يكى مى گفت او بهمين حالتست كه هست، و يكى ديگر تطميع مى كرد أهل او را برجوع كردن صحّت او، و ديگرى تسلّى مى داد ايشان را بر مرگ او در حالتى كه يادآورى ايشان مى كرد پيروى گذشتگان پيش از او را.
پس در اين أثنا كه او بر اين حالت بود بر جناح حركت از دنيا و ترك كردن أحبّا ناگاه عارض شد او را عارضه از غصّه هاى او، پس متحيّر گرديد زيركيهاى نافذه او، و خشك شد رطوبت زبان او، پس چه بسيار مهمّى از جوابش بود كه شناخت او را پس عاجز از ردّ آن شد، و چه بسيار از ندا كردن درد آوردنده قلب او بود كه شنيد او را پس خود را به كرى زد بجهت عدم قدرت بر جواب، آن ندا از بزرگى بود كه هميشه تعظيم مى كرد او را مثل پدر، يا از كوچكى بود كه هميشه مهربانى مى كرد بأو مثل أولاد، و بدرستى كه مرگ ر است سختيهائى كه دشوارترند از اين كه استيعاب وصف آنها شود، يا اين كه راست آيد شرح آنها بعقلهاى أهل دنيا.