منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 246
إنّه ليس على الإمام إلّا ما حمّل من أمر ربّه: الإبلاغ في الموعظة، و الاجتهاد في النّصيحة، و الإحياء للسّنّة، و إقامة الحدود على مستحقّيها، و إصدار السّهمان على أهلها، فبادروا العلم من قبل تصويح نبته، و من قبل أن تشغلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله، و انهوا غيركم عن المنكر و تناهوا عنه، فإنّما أمرتم بالنّهي بعد التّناهي. (20563- 20409)
اللغة:
و (الاصدار) الارجاع من الصدر و هو الرّجوع و (السهمان) كالسهمة بالضّم فيهما جمع السهم و هو الحظ و النّصيب و (صوّح) النبت أى يبس و تشقّق أو جفّ أعلاه و (المستثار) مصدر بمعنى الاستثارة و هو الانهاض و التهييج.
الاعراب:
و قوله الابلاغ في النّصيحة بالرفع بدل بعض من ما.
المعنى:
ثمّ لما نهاهم من الرجوع إلى من لا يتمكّن من إزالة الشّكوى و الشّجوى و لا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 250
يستطيع حلّ المبرمات المغلقات، أردفه ببيان ما يجب على الامام بالنسبة إلى رعيّته ليعرفوا وظايف الامام و لوازم الامامة، فيتابعوا من اتّصف بها و يراجعوا إليه في أمر الدّين و الدّنيا، و يرفضوا غيره و ينتهوا عنه فقال عليه السّلام (إنه ليس على الامام) الحقّ (إلّا) القيام ب (ما حمّل من أمر ربّه) و هو امور خمسة: (الابلاغ في الموعظة، و الاجتهاد في النصيحة، و الاحياء للسنة، و إقامة الحدود على مستحقّيها، و إصدار السّهمان على أهلها) و من المعلوم أنه عليه السّلام قام بتلك الوظايف فأدّى ما حمّله و بالغ في الموعظة و النصيحة و كفى به شهيدا ما ضمنه خطبه الشريفة، و أحيى الشريعة و أمات البدعة، و أقام الحدود من دون أن يأخذه في اللّه لومة لائم، و عدل في القسمة شهد بكلّ ذلك المؤالف و المخالف.
و أمّا غيره عليه السّلام من المنتحلين للخلافة فقد قصّروا في ذلك و أحيوا البدعة، و فرّطوا في إجراء الحدود، و فضلوا في قسمة السّهام كما يظهر ذلك بالرّجوع إلى ما ذكره الأصحاب من مطاعنهم، و قد تقدّمت في غير موضع من الشرح و تأتي أيضا في مقاماتها اللّائقة، هذا.
و لعلّ غرضه من النفى أعني قوله عليه السّلام ليس على الامام إلّا ما حمّل قطع الأطماع الفاسدة و التوقّع للتفضّل في القسمة كما كان دأب المتخلّفين و ديدنهم.
و لمّا نهيهم عن الرّكون إلى الجهل و الرّجوع إلى قادة الضلال عرفهم ما يجب رعايته على الامام من لوازم منصب الامامة و أمرهم بالرجوع إليه و بالأخذ من قبسات علمه فقال عليه السّلام:
كنايه (فبادروا العلم من قبل تصويح نبته) أى من قبل أن يجفّ نباته، و هو كناية عن ذهاب رونقه أو عن اختفائه بفقدانه عليه السّلام (و من قبل أن تشغلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله) أى من قبل أن تكونوا مشغولين بتخليص أنفسكم من شرور بني امية و فتنها التي ستنزل بكم عن استثارة العلم و تهييجه و استخراجه من عند أهله، و أراد بأهله نفسه الشريف (و انهوا غيركم عن المنكر و تناهوا عنه فانما امرتم بالنّهى بعد التّناهي).
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 251
قال الشارح المعتزلي: في هذا الموضع اشكال، و ذلك أنّ لقائل أن يقول النهى عن المنكر واجب على العدل و الفاسق فكيف قال: إنّما امرتم بالنّهى بعد التناهى؟
و الجواب إنه لم يرد أنّ وجوب النهى عن المنكر مشروط بانتهاء ذلك الناهي من المنكر، و إنما أراد أني لم آمركم بالنّهى عن المنكر إلّا بعد أن أمرتكم بالانتهاء عن المنكر فالترتيب إنّما هو في أمره عليه السّلام لهم بالحالتين المذكورتين لا في نهيهم و تناهيهم.
فان قلت: فلما ذا قدّم أمرهم بالانتهاء على أمرهم بالنهى؟
قلت: لأنّ إصلاح المرء لنفسه أهمّ من الاعتناء باصلاحه لغيره انتهى.
و أقول: لا حاجة إلى ما تكلّفه في الجواب، و الأولى أن يقال: إنّه عليه السّلام أمر بالنهى و التناهي معا أوّلا، و هو دليل على وجوب الأمرين كليهما، و اتبعه بقوله:
فانّما امرتم بالنهى آه تنبيها على أنّ التناهى في نظر الشارع مقدّم على النّهى و وجوبه آكد، لأنّ إصلاح النفس مقدّم على إصلاح حال الغير، و لأنّ النهى إنما يثمر بعد التناهي، و يكون تأثيره في النفوس أقوى، و انفعال الطّبايع منه أشد أو آكد كما يشهد به العقول السليمة و التجربة المستمرة و توافقت عليه الشرائع و الآراء و دلّت عليه الأحاديث و الأخبار.
ففى الوسائل عن الكليني باسناده عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ».
قال عليه السّلام كانوا ثلاثة أصناف: صنف ائتمروا و أمروا فنجوا، و صنف ائتمروا و لم يأمروا فمسخوا، و صنف لم يأتمروا و لم يأمروا فهلكوا.
و عن الصّدوق باسناده عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال في وصيّته لولده محمّد بن الحنفية: يا بني اقبل من الحكماء مواعظهم و تدبّر أحكامهم، و كن آخذ النّاس
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 252
بما تأمر به، و أكفّ الناس عما تنهى عنه و أمر بالمعروف تكن من أهله، فانّ استتمام الامور عند اللّه تبارك و تعالى الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر.
و من الخصال مسندا عن محمّد بن أبي عمير رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنما يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به تارك لما ينهى عنه، عادل فيما يأمر عادل فيما ينهى، رفيق فيما يأمر رفيق فيما ينهى.
و من المجالس باسناده عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد اللّه الصّادق عليه السّلام بم يعرف الناجي؟ فقال: من كان فعله لقوله موافقا فهو ناج، و من لم يكن فعله لقوله موافقا فانما ذلك مستودع.
و عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام في حديث وصف المؤمن و المنافق قال عليه السّلام: و المنافق ينهى و لا ينتهى و يأمر بما يأتي.
و عن الارشاد للحسن بن محمّد الدّيلمي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: رأيت ليلة أسرى بي إلى السماء قوما تقرض شفاههم بمقاريض من نار ثمّ يرمى، فقلت يا جبرئيل من هؤلاء؟ فقال: خطباء امّتك يأمرون النّاس بالبرّ و ينسون أنفسهم و هم يتلون الكتاب أفلا يعقلون.
و الرّوايات في هذا المعنى كثيرة و فيما رويناه كفاية لمن له دراية، و في هذا المعنى قال أبو الأسود الدّئلي:
و إذا جريت مع السّفيه كما جرى فكلا كما في جريه مذموم
و إذا عتبت على السّفيه و لمته في مثل ما تأتى فأنت ظلوم
لا تنه عن خلق و تأتى مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
و ابدء بنفسك فانهها عن عيبها فاذا انتهيت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما و عظت و يقتدى بالعلم منك و ينفع التعليم
و اللّه الهادي و هو الموفق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 7، ص: 253
الترجمة:
بدرستى كه نيست بر امام مگر آنچه كه بار كرده شده است بر او از أمر پروردگار خود و آن عبارتست از إكمال موعظه و جهد نمودن در نصيحت، و زنده كردن سنّت نبويّه، و إقامه حدود بر مستحقان آن، و باز گردانيدن سهمها و نصيبها بر أهل آن پس مبادرت كنيد بعلم و معرفت پيش از خشك شدن گياه آن و پيش از اين كه مشغول شده باشيد بخلاصي نفس خود از فتنها از بيرون آوردن علم از نزد أهل آن و نهى كنيد از كار زشت و قبيح، و باز ايستيد از آن پس جز اين نيست كه مأمور شده ايد شما بنهى كردن غير بعد از باز ايستادن خود.