لامنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 55
يشمل بحدّ، و لا يحسب بعدّ و إنّما تحدّ الأدوات أنفسها، و تشير الالات إلى نظائرها، منعتها منذ القدمة، و حمتها قد الأزليّة، و جنّبتها لو لا التّكملة، بها تجلّى صانعها للعقول، و بها امتنع عن نظر العيون، لا يجري عليه السّكون و الحركة، و كيف يجري عليه ما هو أجراه، و يعود فيه ما هو أبداه و يحدث فيه ما هو أحدثه، إذا لتفاوتت ذاته، و لتجزّء كنهه، و لا امتنع من الأزل معناه، و لكان له وراء إذ وجد له أمام، و لالتمس التّمام إذ لزمه النّقصان، و إذا لقامت آية المصنوع فيه، و لتحوّل دليلا بعد أن كان مدلولا عليه، و خرج بسلطان الامتناع من أن يؤثّر فيه ما يؤثّر في غيره. الّذي لا يحول و لا يزول، و لا يجوز عليه الأفول، لم يلد فيكون مولودا، و لم يولد فيصير محدودا، جلّ عن اتّخاذ الأبناء، و طهر عن ملامسة النّساء.
الاعراب:
قوله: منعتها منذ القدمة و حمتها قد الأزليّة و جنبتها لو لا التكملة، المروىّ من نسخة الرضيّ نصب القدمة و التكملة و الأزليّة، و من بعض النسخ رفعها، فعلى الرواية الاولى الضمائر المتّصلة مفعولات اول للأفعال الثلاثة، و لفظة منذ و قد و لو لا في موضع الرّفع على الفاعل، و المنصوبات الثلاث مفعولات ثانية بالواسطة، و على الرواية الثانية فارتفاع الأسماء الثلاثة على الفاعليّة، و الضمائر المتّصلة مفاعيل و منذ و قد و لو لا مفاعيل ثوان.
المعنى:
الحادى و العشرون أنّه (لا يشمل بحدّ) أي لا يشمله حدّ و لا يكون محدودا به، لا بالحدّ الاصطلاحي و لا بالحدّ اللّغوي، لما مرّ غير مرّة في تضاعيف الشرح من أنّ الحدّ الاصطلاحي و هو القول الشارح لمهيّة الشيء المؤلف من المعاني الذاتية المختصّه به، فلا بدّ أن يكون المحدود به مركّبا ذا أجزاء، و الواجب تعالى ليس بمركب فلا يكون محدودا، و الحدّ اللّغوي عبارة عن نهاية الشيء الذي يقف عندها و لا يتجاوز عنها، و هو من لواحق الكمّ المتّصل و المنفصل و الكمّ من الأعراض
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 73
و لا شيء من الواجب بعرض أو محلّ له فامتنع أن يوصف به.
(و) الثاني و العشرون أنّه (لا يحسب بعدّ) قال الشارح البحراني: أى لا يلحقه الحساب و العدّ فيدخل في جملة المحسوبات بالمعدودة و ذلك إنّ العدّ من لواحق الكمّ المنفصل الذي هو العدد كما هو معلوم في مظانه و الكمّ عرض، و قد ثبت أنه تعالى ليس بعرض و لا محلّ له.
و قال الشّارح المعتزلي: يحتمل أن يريد به أنّه لا تحسب أزليّته بعدّ أى لا يقال له منذ وجد كذا و كذا كما يقال للأشياء المتقاربة العهد و يحتمل أن يريد به أنّه ليس مماثلا للأشياء فيدخل تحت العدّ كما يعدّ الجواهر و كما تعدّ الامور المحسوسة.
و قال العلّامة المجلسي (ره): لا يحسب بالأجزاء و الصّفات الزائدة المعدودة.
أقول: و الكلّ صحيح محتمل لا غبار عليه و إن كان الأوّل أشبه، فالمقصود به أنّه ليس من جملة المعدودات كما ربما يسبق ذلك إلى الوهم إذا وصفناه سبحانه بأنه واحد فيتوهّم منه أنّه واحد ليس له ثان و أنّ وحدته وحدة عدديّة، و اندفاع ذلك الوهم بأن معنى كونه واحدا أنّه احدى الذات و أنّه ليس له مثل و نظير لا أنّه واحد بالعدد، لأنه لا يحسب بعد فيكون مساقه مساق قوله عليه السّلام في الخطبة السابقة واحد لا بعدد، هذا.
و لما نزّهه تعالى عن كونه محدودا بحدّ و معدودا بعدّ أكّد ذلك بقوله (و إنما تحدّ الأدوات أنفسها و تشير الالات إلى نظايرها) يعني أنّه سبحانه لو رام أحد أن يحدّه أو يعدّه فلا بدّ أن يكون تحديده و عدّه بالالات البدنيّة و القوى الجسمانيّة ظاهريّة كانت كالأصابع و اليد و اللّسان و غيرها، أو باطنية كالمتوهّمة و المتفكرة و المتخيّلة، لكن شيئا منها لا يقدر على ذلك.
أمّا الجوارح الظاهرة فلانحصار مدركاتها في عالم المحسوسات و الأجسام و الجسمانيات، فهي إنما تدرك و تحدّ أنفسها أى أجناسها و أنواعها و تعدّ نظايرها أي ذوات المقادير و تشير إلى ما هي مثل لها في الجسمية و الجسمانية، و صانع العالم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 74
ليس بجسم و لا جسماني و لا ذي مقدار فاستحال أن تحدّه الالات و تعدّه الأدوات.
و أمّا المشاعر الباطنة فانّ مدركاتها و إن لم تكن مقصورة في المحسوسات و الموجودات إلّا أنها إذا حملت على ما ليس بموجود في الخارج ترجع و تخترع صورة مماثلة للموجود حسبما عرفته في شرح الفصل الثاني من المختار الأوّل فهي أيضا لا تتعلّق إلّا بما يماثلها في الامكان و لا تحيط إلّا بما هو في صورة جسم أو جسماني.
فاتّضح بذلك أنّ أفعال الأدوات و الالات و آثارها إنما توجد في الأشياء الممكنة الّتي هي مثلها لا فيه تعالى، هذا.
و لما ذكر أنّه سبحانه أجلّ و أعظم شأنا و قدسا من دخوله في عداد المحدودات و أكّده باستحالة التحديد و الاشارة إليه سبحانه من الالات و الأدوات لكون مدركاتها مقصورة محصورة في أسناخها و أشباهها من الممكنات و المحسوسات و أكّده ثانيا بالتنبيه على أنّ الالات موصوفة بالحدوث و الامكان و النقص، و الحقّ الأوّل جلّ شأنه و عظم سلطانه موصوف بالقدم و الوجوب و الكمال، فكيف لها أن تحوم حوم حضرة القدس و أنّى للحادث أن يحدّ القديم و للممكن الاشارة إلى الواجب و للناقص الاحاطة بمن هو في غاية العظمة و الكمال و الجبروت و الجلال.
و ذلك قوله (منعتها منذ القدمة و حمتها قد الأزلية و جنبتها لو لا التّكملة) فالمقصود بهذا الكلام التنبيه على حدوث الالات و الأدوات و نقصها صراحة و الاشارة إلى قدم الباري تعالى و كماله ضمنا أو بالعكس، و الأوّل مبنيّ على كون منذ و قد و لو لا مرفوعات المحل على الفاعلية، و الثاني على انتصابها بالمفعوليّة و كون الفاعل القدمة و الأزليّة و التكملة و الأوّل أولى و أنسب لمطابقته لنسخة الرضيّ كما روي و لكون قرب هذه الجمل بقوله و إنما تحدّ الأدوات آه مشعرا بكون عمدة النظر فيهما إلى بيان وصف الالات بالحدوث و إظهار نقصها و قصورها و ان كان المقصود بالذات منهما جميعا الدلالة على تنزيه الباري سبحانه من القصور و النقصان.
و كيف كان فتوضيح دلالة هذا الكلام على المرام يحتاج إلى تمهيد مقدّمة أو بيّنة و هي:
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 75
أنّ لفظ منذ مثل اختها مذلها معنيان:
أحدهما أوّل المدّة أى ابتداء زمان الفعل الذي قبلها مثبتا أو منفيا تقول رأيته منذ يوم الجمعة أو ما رأيته منذ يوم الجمعة أى أوّل مدّة الرؤية أو انتفاؤها يوم الجمعة.
و ثانيها جميع مدّة الفعل الذي قبلها مثبتا أو منفيا، نحو صحبني منذ يومان أى مدّة صحبته يومان فيليها الزّمان الذي فيه معنى العدد، و يجب أن يليها مجموع زمان الفعل من أوّله الى آخره المتصل بزمان التكلّم.
و قد يقع بعدها مصدر أو فعل أو ان فيقدّر زمان مضاف الى هذه نحو ما رأيته منذ سفره أو منذ سافر أو منذ أنه سافر أى منذ زمان سفره و منذ زمان سافر و منذ زمان أنه سافر.
و لفظة قد اذا دخلت على الماضي تفيد التحقيق و تقريب الماضي من الحال تقول: قد ركب زيد أى حصل ركوبه عن قريب، فان قلت ركب زيد احتمل الماضي القريب و البعيد و لذلك لا تدخل على الفعل الغير المنصرف مثل نعم و بئس و عسى و ليس لأنّها ليست بمعنى الماضي حتى يقرّب معناها من الحال.
و لفظة لو لا موضوعة للدخول على جملة اسمية ففعلية لربط امتناع الثانية بالاولى تقول لو لا زيد لأكرمتك أى لو لا زيد موجود، فهي تدلّ على امتناع الاكرام بسبب وجود زيد، و تقول في الأشياء البديعة المعجبة ما أحسنها و ألطفها لو لا ما فيها من عيب كذا، فتفيد انتفاء شدّة الحسن و الاعجاب بوجود العيب الموجود فيها.
و إذا مهّدت هذه المقدّمة الشريفة نقول:
معنى كلامه عليه السّلام على رواية رفع منذ و قد و لو لا بالفاعلية أنّ صحّة إطلاق هذه الألفاظ الثلاثة بمعانيها المذكورة و اطراد استعمالها في الالات و الأدوات في نفسها و ما يتعلّق بها من أوصافها أو في أهلها أعنى من له تلك الالات تدلّ على حدوثها و نقصانها و ذلك لأنّ دخول لفظة منذ عليها في قولنا: هذه الالات وجدت منذ زمن طويل أو قصير أو أعوام كذا تمنعها من كون تلك الالات قديمة، إذ القديم متعال عن الزّمان و لا ابتداء لوجوده.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 76
و كذا دخول لفظة قد عليها في قولنا: قد وجدت تلك الالات في وقت كذا يمنعها من كونها أزليّة لافادتها تقريب زمان وجودها من الحال المنافي للأزليّة إذ الأزلي ما لا بداية لوجوده فكيف يكون الزمان الماضي ظرفا لوجوده فضلا عن القرب إلى الحال.
و كذا صحّة استعمال لو لا فيها في قولنا: ما أحسن تلك الالات و أكملها أو أحسن و أكمل أربابها لو لا فنائها يجنّبها أى تجعلها أجنبيّة من التكملة و الوصف بالكمال.
فملخّص المعنى أنها منعتها صحّة دخول منذ من قدمتها، و صحّة دخول قد من أزليتها و جعلها صحّة استعمال لو لا أجنبية من تكملتها أى من توصيفها بالكمال.
و أما على رواية النّصب و كون القدمة و الأزليّة و التكملة مرفوعات بالفاعلية فالمراد بيان قدم الباري و كماله سبحانه.
و معنى الكلام أن هذه الالات منعها كون الباري قديما من جواز استعمال لفظة منذ المربوط معناها بالزمان فيه تعالى و اطلاقها عليه سبحانه، لأنّ القديم سابق على الوقت و الزمان، و كذا منعها كونه سبحانه أزليا من جواز استعمال قد فيه عزّ شأنه، و جنّبها كونه على غاية العزّ و الكمال و منتهى العظمة و الجلال من دخول لفظة لو لا المفصحة عن القصور و النقصان على ذاته و صفاته تعالى هذا.
و لما ذكر عليه السّلام قدسه تعالى عن الاتّصاف بحدّ و الاحتساب بعدّ و ارتفاع ذاته عن تحديد الالات و المشاعر، و تعاليه عن إدراك الممكنات عن الأعراض و الجواهر و أشار إلى حدوث الالات و قصورها و نقصانها و قدمة الباري و أزليته و كماله أردفه بقوله (بها تجلى صانعها للعقول و بها امتنع عن نظر العيون) تنبيها على أنها على ما فيها من القصور و النقص غير عادم المدخلية في معرفته سبحانه، إذ بها عرفنا صفات جماله، و بها علمنا صفات جلاله.
فمعنى قوله عليه السّلام: بها تجلّي صانعها للعقول، أنّه بخلقه تلك المشاعر و الالات على
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 77
وجه الاتقان و الاحكام، و تقديره إيّاها على النظام الأكمل و إفاضتها علينا و إهداء كلّ منها إلى ما خلق لأجلها من المصالح و المنافع التي لا تعدّ و لا تحصى، تجلّي سبحانه لعقولنا و علمنا علما لا يعتريه شكّ و ريب أنّ لها صانعا قادرا عالما مدبّرا حكيما و أيضا فانه سبحانه لما خلق تلك الالات و الحواس المدركة لبدايع ما في عالم الامكان عرفنا بإدراكها أنّ لذلك العالم مبدعا قادرا و صانعا قاهرا فكانت تلك الالات طرقا لعرفان العقل كما قال عزّ من قائل «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» و معنى قوله: و بها امتنع عن نظر العيون، أنّه بها استنبطنا استحالة كونه مرئيا بحاسة البصر، و ذلك لأنا بالمشاعر و الحواس كملت عقولنا استخرجنا الدّلالة على أنّه لا تصحّ رؤيته، و عرفنا أنه يستحيل أن يعرف بغير العقل و أنّ قول من قال إنّا سنعرفه رؤية و مشافهة بالحاسة باطل، هكذا قال الشارح المعتزلي.
و قال الشارح البحراني: إنّه بايجادها و خلقها بحيث تدرك بحاسّة البصر علم أنّه تعالى يمتنع أن يكون مرئيا مثلها، و ذلك لأنّ تلك الالات إنما كانت متعلّقة حسّ البصر باعتبار أنّها ذات وضع وجهة و لون و غيره من شرايط الرؤية، و لما كانت هذه الأمور ممتنعة في حقّه تعالى لا جرم امتنع أن يكون محلّا لنظر العيون.
و قال العلّامة المجلسي (ره): لما رأينا المشاعر انما تدرك ما كان ذا وضع بالنسبة إليها علمنا أنه لا يدرك بها، لاستحالة الوضع فيه.
و الثالث و العشرون أنه سبحانه (لا يجرى عليه السكون و الحركة) لأنّهما من أقسام الأعراض و أوصاف الأجسام فيستحيل جريانهما عليه سبحانه، و أوضح ذلك الدّليل بوجوه:
أحدها ما أشار إليه بقوله استفهام انكارى (و كيف يجرى عليه ما هو أجراه و يعود فيه ما هو أبداه و يحدث فيه ما هو أحدثه) استفهام على سبيل الانكار و الابطال لجريهما عليه تعالى تقريره أنّه عزّ و جلّ هو جاعل الحركة و السّكون و مبدؤهما و موجدهما فهما من مجعولاته و آثاره سبحانه في الأجسام، و كلّ ما كان من آثاره فيستحيل اتّصافه به.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 78
أمّا أنهما من آثاره سبحانه فواضح و أمّا استحالة اتّصافه بهما فلأنّ المؤثّر واجب التقدّم بالوجود على الأثر فذلك الأثر:
إمّا أن يكون معتبرا في صفات الكمال فيلزم أن يكون الواجب ناقصا بذاته مستكملا بغيره من آثاره، و النقص عليه محال.
و إمّا أن لا يكون معتبرا في صفات الكمال فله الكمال المطلق بدون ذلك الأثر فيكون إثباته له و توصيفه به نقصا في حقّه لأنّ الزيادة على الكمال المطلق نقصان و هو عليه محال.
ثانيها ما أشار إليه بقوله (اذا لتفاوتت ذاته) يعني أنّه لو جريا عليه لكان ذاته متفاوتة متغيّرة بأن يكون تارة متحرّكة و أخرى ساكنة و الواجب لا يكون محلّا للحوادث و المتغيّرات لرجوع التغيير فيها إلى الذات.
ثالثها ما أشار إليه بقوله (و لتجزّء كنهه) أى لو كان متّصفا بهما يلزم أن يكون ذاته و كنهه متجزّءا كما قد أفصح عنه في الفصل الرابع من الخطبة الاولى بقوله: فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه و من قرنه فقد ثنّاه و من ثنّاه فقد جزّاه.
و توضيحه أنّهما من الأعراض الخاصّة بالأجسام فلو اتّصف الواجب تعالى بهما لكان جسما و كلّ جسم مركب قابل للتجزئة و كلّ مركب مفتقر إلى أجزائه و ممكن، فيكون الواجب مفتقرا ممكنا و هو باطل.
و قيل في وجه الملازمة: إنّ اتّصافه بهما يستلزم شركته مع الممكنات فيلزم تركبه ممّا به الاشتراك و ممّا به الامتياز، و ما قلناه أولى.
رابعها ما أشار إليه بقوله (و لامتنع من الأزل معناه) و هو في الحقيقة تعليل لما سبق أى إذا استلزم اتصافه بهما للتركيب و التجزئة التي هي من خواصّ الأجسام فيمتنع استحقاقه للأزليّة لأنّه حينئذ يكون جسما و كلّ جسم حادث.
خامسها ما أشار إليه بقوله (و لكان له وراء إذ وجد له أمام) و هذا الدّليل
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: مخصوص بنفى الحركة.79
قال الشارح المعتزلي: يقول لو حلته الحركة لكان جرما و حجما و لكان أحد وجهيه غير وجهه الأخر لا محالة فكان منقسما.
و قال الشارح البحراني: لو جرت عليه الحركة لكان له أمام يتحرّك إليه و حينئذ يلزم أن يكون له وراء إذ له أمام لأنهما إضافتان لا تنفكّ إحداهما عن الاخرى لكن ذلك محال لأنّ كلّ ذي وجهين فهو منقسم، و كلّ منقسم ممكن.
و سادسها ما أشار إليه بقوله (و لالتمس التّمام إذ لزمه النقصان) و هذا الدليل أيضا مخصوص بنفى الحركة و يستفاد منه نفي السّكون بالأولويّة يقول عليه السّلام:
إنّه سبحانه لو كان متحرّكا لكان ملتمسا بحركته كمالا لم يكن له حال سكونه لأنّ السكون كما قاله الحكماء عدم و نقص، و الحركة وجود و كمال، فلو كان الواجب تعالى متحرّكا لكان طالبا بالحركة الطارية على سكونه الكمال و التمام لكنه يستحيل أن يكون له حالة نقصان و أن يكون له حال بالقوّة و أخرى بالفعل.
قال الشارح البحراني في تقريره: إنّ جريان الحركة عليه مستلزم لتوجّهه بها إلى غاية إما جلب منفعة أو دفع مضرّة، إذ من لوازم حركات العقلاء ذلك، و على التقديرين فهما كمال مطلوب له لنقصان لازم لذاته، لكن النقصان بالذات و الاستكمال بالغير مستلزم للامكان فالواجب ممكن، هذا خلف.
أقول: و ان شئت مزيد توضيح لهذا الدليل فهو موقوف على تحقيق معنى الحركة و بسط الكلام في المقام فأقول:
عرّفها أرسطو و من تابعه بأنها كمال أول لما هو بالقوّة من حيث هو بالقوّة و عرّفها المتكلّمون بأنها حصول الجسم في مكان بعد آخر، و تقييدهم الحصول بالمكان بناء على أنّهم لا يثبتون الحركة في ساير المقولات بل يخصّونها بمقولة الأين فقط، و أمّا الأوّلون فيحكمون بوقوعها في الأين و الوضع و الكمّ و الكيف، و تفصيل ذلك موكول إلى الكتب الكلاميّة، و المراد بالكمال في تعريفهم هو الحاصل بالفعل.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 80
قال الشارح القوشجي: و إنّما سمّى الحاصل بالفعل كمالا لأنّ في القوّة نقصانا و الفعل تمام بالنسبة إليها، و هذه التسمية لا يقتضي سبق القوّة بل يكفيها تصوّرها و فرضها.
و احترز بقيد الأوليّة عن الوصول، فانّ الجسم إذا كان في مكان مثلا و هو ممكن الحصول في مكان آخر كان له إمكانان إمكان الحصول في ذلك المكان و إمكان التوجّه إليه، و هما كمالان و التوجّه مقدّم على الوصول فهو كمال أوّل و الوصول كمال ثان.
ثمّ إنّ الحركة تفارق ساير الكمالات من حيث إنّها لا حقيقة لها إلّا التّوجه إلى الغير فالسّلوك إليه، فلا بدّ من مطلوب ممكن الحصول ليكون التوجّه توجّها إليه، و من أن لا يكون ذلك المطلوب حاصلا بالفعل، إذ لا توجّه بعد حصول المطلوب.
فالحركة إنما تكون حاصلة بالفعل إذا كان المطلوب حاصلا بالقوّة، لكن من حيث هو بالقوّة لا من حيث هو بالفعل و لا من حيثية اخرى كساير الكمالات فانّ الحركة لا تكون كمالا للجسم في جسميّته أو في شكله أو نحو ذلك، بل من الجهة التي هو باعتبارها كان بالقوّة أعنى الحصول في المكان الاخر.
و احترز بهذا القيد عن كمالاته التي ليست كذلك كالصّورة النوعيّة، فانّها كمال أوّل للمتحرّك الذى لم يصل إلى المقصود، لكن لا من حيث هو بالقوّة بل من حيث هو بالفعل.
و أنت إذا عرفت ذلك تعرف أنّ الحقّ الأوّل تعالى شأنه يمتنع جريان الحركة عليه سواء كانت بالمعنى الذى يقوله الفلاسفة أو بالمعنى الذى يقوله المتكلّمون.
أمّا على الثاني فواضح لأنها عندهم هو حصول الجسم في مكان بعد آخر و هو تعالى ليس بجسم و لا حاجة له إلى المكان.
و أمّا على الأوّل فأوضح.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 81
أمّا أوّلا فلأنّ محلّها عندهم هو المولات الأربع أعنى الكم و الكيف و الوضع و الأين و كلّها من أنواع العرض و اللّه سبحانه ليس بعرض و لا جوهر بل خالق الجوهر و العرض و جاعل الوضع و الكم وو الذي أيّن الأين بلا أين و كيّف الكيف بلا كيف.
أمّا ثانيا فلأنه تعالى ليس له كمال بالفعل و كمال بالقوّة بل جميع كمالاته فعلية.
و أمّا ثالثا فلأنه ليس عادما بشيء من الكمالات حتّى يحتاج بحركته إلى تحصيل كمال بل هو كامل في ذاته و تمام في صفاته جامع لجميع الكمالات الذاتية و الصّفاتية، هذا.
و قد نبه على عدم جريان الحركة عليه سبحانه بمعنييه أبو إبراهيم موسى ابن جعفر عليه السّلام في الحديث المروى في الكافي عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال:
ذكر عند أبي إبراهيم عليه السّلام قوم يزعمون أنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل إلى السّماء الدّنيا فقال عليه السّلام: إنّ اللّه لا ينزل و لا يحتاج إلى أن ينزل إنما منظره في القرب و البعد سواء، لم يبعد منه قريب و لم يقرب منه بعيد، و لم يحتج إلى شيء بل يحتاج إليه و هو ذو الطول لا إله إلّا هو العزيز الحكيم أما قول الواصفين انّه ينزل تبارك و تعالى فانما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة و كلّ متحرّك محتاج إلى من يحرّكه أو يتحرّك به فمن ظنّ باللّه الظنون هلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حدّ يحدّونه بنقص أو زيادة أو تحريك أو تحرّك أو زوال أو استنزال أو نهوض أو قعود، فانّ اللّه جلّ و عزّ عن صفة الواصفين و نعت الناعتين و توهّم المتوهّمين و توكّل على العزيز الرّحيم الذى يراك حين تقوم و تقلّبك في الساجدين.
قال بعض الأفاضل «1» في شرح الحديث:
قوله عليه السّلام «إنّ اللّه لا ينزل و لا يحتاج إلى أن ينزل» لأنّ المتحرّك من مكان إلى مكان إنما يتحرّك لحاجة إلى الحركة إذ ليست نسبته إلى جميع الأمكنة نسبة واحدة
______________________________
(1) صدر المتألهين في شرح الكافي. منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 82
بل إذا حضر له مكان أو مكانيّ غاب عنه مكان أو مكانيّ آخر، و إذا قرب من شيء بعد عن شيء آخر فاذا حصل في مكان و كان مطلوبه في مكان آخر فيحتاج في حصول مطلوبه إلى الحركة إلى مطلوبه أو حركة مطلوبه إليه، و اللّه سبحانه لما لم يكن مكانيا كان نسبته إلى جميع الأمكنة و المكانيّات نسبة واحدة و ليس شيء أقرب إليه من شيء آخر و لا أبعد و لا هو أقرب إلى شيء من شيء آخر و لا أبعد إلّا بمعنى آخر غير المكانى و هو القرب بالذات و الصّفات و نحو ذلك و البعد الذى بازائه، و إلى ذلك أشار عليه السّلام بقوله: «إنما منظره في القرب و البعد» يعنى المكانيّين «سواء».
و قوله عليه السّلام «و لم يحتج إلى شيء» تعميم لقوله: و لا يحتاج إلى أن ينزل، فالأول إشارة إلى البرهان على نفى الحركة في المكان بما ذكره في تساوى منظره في القرب و البعد من الأحياز و الأمكنة، و هذا إشارة الى البرهان على نفى الحركة و التغيّر مطلقا بأنّ معنى الحركة الخروج من القوّة إلى الفعل، و بعبارة اخرى كمال ما بالقوّة من جهة ما هو بالقوّة و كلّ ما هو بالقوّة في شيء فهو فاقد له محتاج إليه لأنّه كمال وجودى له، و إلّا لم يتحرّك إليه، و الحقّ تعالى غير محتاج إلى شيء أصلا فهو غير متحرّك بوجه من الوجوه لا في المكان و لا في غيره و إنما قلنا إنه لم يحتج إلى شيء لأنّ ما سواه من الأشياء كلّها إنما حصلت منه و هو أصلها و منبعها و منشاؤها، و هو المتطوّل عليها المتفضّل المنعم بالاحسان إليها، فهي المحتاجة إليه تعالى، فلو احتاج هو إلى شيء يلزم افتقار الشيء إلى ما يفتقر إليه من حيثية واحدة، و ذلك محال، لاستلزامه توقف الشيء على نفسه و ذلك قوله عليه السّلام «بل يحتاج إليه و هو ذو الطول لا إله إلّا هو العزيز الحكيم».
و لما ذكر عليه السّلام القاعدة الكلّية بالبيان البرهانى على نفى الحركة المكانية أوّلا ثمّ على نفى الحركة و التغيّر على الاطلاق أراد أن يشير إلى المفاسد التي يلزم من القول بوصفه تعالى بنزوله من مكان إلى مكان فقال: «أما قول الواصفين أنه ينزل تبارك و تعالى فانما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة» يعني أنّ النزول ضرب من الحركة و أنّ كلّ ما يتحرّك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 83
سواء كانت الحركة في الأين أو في غيره فهو خارج من نقص إلى كمال فيلزم على هؤلاء الواصفين ربّهم بالنزول أن ينسبوه إلى نقص و ذلك قبل الحركة أو إلى زيادة و هي بعد الحركة و الخروج من القوّة إلى الفعل، و كلّ ما يوصف بنقص أو زيادة ففي ذاته إمكان أن ينفعل من غيره فيتركب ذاته من قوّة و فعل، بل من مادّة بها يكون بالقوّة، و من صورة بها يكون بالفعل و كلّ مركب فهو ممكن الوجود محتاج إلى غيره فيلزم أن لا يكون إله العالم واجب الوجود، و هذا محال و قوله «و كلّ متحرّك محتاج إلى من يحرّكه أو يتحرّك به» إشارة إلى حجّة أخرى على بطلان توهّم الحركة، و هى أنّ كلّ متحرّك لا بدّ له من محرّك غيره، سواء كان مباينا له كالحركات النفسانية و هو المعبّر عنه بقوله من يحرّكه، أو مقارنا له كالحركات الطبيعيّة و هو المعبّر عنه بقوله أو يتحرّك به، و ذلك لأنّ الحركة صفة حادثة لكون أجزائها غير مجتمعة في الوجود، و كلّ جزء منها مسبوق بجزء آخر فيكون جميعها حادثة و ما يتركب فهو أولى فهى لكونها صفة تحتاج إلى قابل و لكونها حادثه تحتاج إلى فاعل، و لا بدّ أن يكون فاعلها غير قابلها لأنّ المحرّك لا يحرّك نفسه بل بشيء يكون متحرّكا بالقوّة و فاعلها امر بالفعل فكلّ متحرّك يحتاج إلى محرّك يغايره و المحتاج إلى الغير لا يكون واجبا فيلزم أن لا يكون إله العالم واجبا و هو محال و سابعها ما أشار إليه بقوله (و إذا لقامت آية المصنوع فيه) أى لو كان فيه الحركة و السّكون لقامت فيه علامة المصنوع لكونهما من صفات المصنوعات الحادثة، فيلزم أن لا يكون إله العالم صانعا بل مصنوعا مفتقرا إلي صانع كساير الممكنات و المصنوعات الموصوفة بالحدوث.
و ثامنها ما أشار إليه بقوله (و لتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه) يعنى أنا استدللنا على وجوده سبحانه بحدوث الأجسام و تغيراتها و حركاتها و انتقالاتها من حال إلى حال، فلو كان إله العالم متغيّرا متحرّكا منتقلا من حال إلى حال لاشتراك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 84
مع غيره في صفات الامكان و ما يوجب الافتقار إلى العلّة فكان دليلا على صانع صنعه و أحدثه لا مدلولا عليه بأنه صانع و هو باطل، هذا.
و لما ذكر المفاسد التي تترتب على جريان الحركة و السكون عليه سبحانه، و أبطل جوازهما عليه بالوجوه الثمانية عقّبه بقوله (و خرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره) و اختلف شراح النهج فيما عطفت هذه الجملة عليه:
فقال الشارح المعتزلي: إنها عطف على قوله عليه السّلام كان مدلولا عليه، و تقدير الكلام كان يلزم أن يتحوّل البارى دليلا بعد أن كان مدلولا عليه و بعد أن خرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما اثر في غيره.
و قال الشارح البحراني: قد يسبق إلى الوهم أنها عطف على الأدلة المذكورة و ظاهر أنّه ليس كذلك بل هو عطف على قوله: امتنع أى بها امتنع عن نظر العيون و خرج بسلطان ذلك الامتناع أى امتناع أن يكون مثلها في كونها مرئية للعيون و محلّا للنظر إليها عن أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره من المرئيات و هي الأجسام و الجسمانيات، و ظاهر أنه لما امتنع عن نظر العيون لم يكن جسما و لا قائما به فخرج لسلطان استحقاق ذلك الامتناع عن أن يكون يؤثر فيه ما يؤثر في غيره من الأجسام و الجسمانيات و عن قبول ذلك.
و قال بعض الشارحين: إنها عطف على قوله: تجلّى، أى بها تجلّى صانعها للعقول و خرج بسلطان الامتناع عن كونه مثلا لها أى بكونه واجب الوجود ممتنع العدم عن أن يكون ممكنا فيقبل أثر غيره كما يقبله ساير الممكنات.
أقول: و أنت خبير بسخافة هذا القول كسابقه و إباء سوق كلامه عليه السّلام عنهما جميعا، لأنه عليه السّلام قد ذكر هذه الجملة في ذيل المفاسد المترتبة على جريان الحركة و السّكون لا في ذيل تجلّى الصانع للعقول و امتناعه عن نظر العيون، فلا ارتباط له بشيء منهما مع طول الفصل بين المعطوف و المعطوف عليه بجملات أجنبيّة تنيف على عشر.
نعم ما قاله الشارح المعتزلي لا بأس به إلّا أنّ الأظهر الأولى أن تجعل الواو
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 85
في هذه الجملة حالية لا عاطفة و تكون الجملة في محلّ النصب على الحال بتقدير قد على حدّ قوله تعالى «حصرت صدورهم» و ذو الحال هو الضمير المستتر في تحول الراجع إلى اللّه سبحانه، فيكون تحول عاملا فيها و لا غبار عليه عند المشهور من علماء الأدبية.
و أما على قول بعضهم من أنّ جميع العوامل اللفظية تعمل في الحال إلّا الأفعال الناقصة فاجعلها حالا من ضمير فيه في قوله: و لقامت آية المصنوع فيه فالعامل حينئذ قامت و حسن ارتباطها بالجملتين مضافا إلى قربهما غير خفىّ على صاحب الذّوق السّليم فانّه عليه السّلام لما ذكر استلزام جريان الحركة عليه سبحانه لقيام علامة الصنع و آثار الامكان فيه المفيد لتأثره من صانعه، و ذكر أيضا استلزامه لكونه تعالى دليلا على مدلوله المفيد لكونه معلولا منفعلا من علّته و فاعله، عقّبه بهذه الجملة تنبيها على بطلان اللّازمين كليهما المستلزم لبطلان ملزومهما، و هو جريان الحركة عليه.
فمحصّل نظم الكلام أنه تعالى لو جرى عليه الحركة و اتّصف بها لقام فيه أثر صانعه المحرك و ظهر عليه فعل علّته الفاعل له، و الحال أنه قد خرج بسلطنة الكلية على جميع من سواه و امتناع التأثر و استحالة الانفعال بما له من وجوب الوجود عن أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره من الممكنات و أن يتأثر من غيره كساير الموجودات لأنّ غيره و من سواه جميعا بكونه دليلا في قيد الامكان مفتقر إلى المؤثر محتاج إلى العلّة فوجوده و افعاله مكتسب من الغير فهو لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرّا و لا موتا و لا حياتا و لا نشورا، و أما إله الحىّ القيّوم العزيز الشأن فوجوده و صفاته الذاتية عين ذاته و أفعاله الصّادرة بنفس ذاته المقدّسة فلا افتقار له إلى المؤثر و لا حاجة له إلى المدبّر بل هو المؤثر في جميع العالم، لا إله إلّا هو العزيز الحكيم.
و الرابع و العشرون أنه (الذى لا يحول و لا يزول) أى لا يمضى و لا يكون زائلا من مكان إلى مكان و من حال إلى حال لاستحالة التغيّر و الانتقال عليه عزّ و جلّ.
(و) الخامس و العشرون أنه (لا يجوز عليه) الغيبة و (الأفوال) لاستلزامه الانتقال و الحركة الدالة على الحدوث.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 86
و لذلك استدلّ به إبراهيم عليه السّلام على عدم ربوبيّة الكوكب و الشمس و القمر كما حكاه سبحانه عنه في كتابه العزيز بقوله فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا. أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ». قال الطبرسي «ره» و إنما استدلّ إبراهيم بالأفول على حدوثها لأنّ حركتها بالأفول أظهر و من الشبهة أبعد، و إذا جازت عليها الحركة و السّكون كانت مخلوقة محدثة محتاجة إلى المحدث.
السادس و العشرون (لم يلد فيكون مولودا و لم يولد فيصير محدودا) أما أنه سبحانه لم يلد شيئا و لم يولد من شيء فقد مرّ بيانه في شرح الخطبة التي رواها عنه نوف البكالي و هي الخطبة المأة و الاحدى و الثمانين.
و أما الملازمة بين مقدم القضية الاولى و تاليها.
فأما بناء على ما هو المتعارف المعتاد بحسب الاستقراء من أنّ كلّ ما له ولد فانه يكون مولودا و إن لم يجب ذلك عقلا كادم أبي البشر أنه عليه السّلام والد و ليس بمولود و كاصول أنواع الحيوان الحادثة.
أو بناء على ما قاله الشارح المعتزلي من أنه ليس معنى الكلام أنّه يلزم من فرض وقوع أحدهما فرض وقوع الاخر، و إنما المراد أنه يلزم من فرض صحّة كونه والدا صحّة كونه مولودا و التالى محال وجهة التلازم أنه لو صحّ أن يكون والدا على التفسير المفهوم من الوالدية و هو أن يتصوّر من بعض أجزائه حىّ آخر من نوعه على سبيل الاستحالة لذلك الجزء كما نعقل في النطفة المنفصلة من الانسان المستحيلة إلى صورة اخرى حتّى يكون منها بشر آخر من نوع الأوّل لصحّ عليه أن يكون هو مولودا من والد آخر قبله.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 87
و ذلك لأنّ الأجسام متماثلة في الجسميّة و قد ثبت ذلك بدليل عقلي واضح و كلّ مثلين فانّ أحدهما يصح عليه ما يصحّ على الاخر، فلو صحّ كونه والدا صحّ كونه ولدا.
و أمّا بطلان التالي فلأنّ كلّ مولود متأخّر بالزّمان عن والده و محدث و الحقّ الأوّل عزّ و جلّ قديم فلا يجوز عليه أن يكون مولودا، و أيضا لو كان مولودا لكان محدودا كما صرّح به في القضية الثانية و الثاني باطل فالمقدّم مثله و وجه الملازمة أنّه لو كان مولودا لكان محاطا و محدودا بالمحلّ المتولّد منه و أيضا الشيء المتولّد من شيء لا بدّ له من مادّة و صورة و غيرهما من شرايط وجوده و تركيبه و من جزئين بأحدهما يشارك أفراد نوعه و بالاخر يتميّز عنهم و هي أجزاؤه التي يقف عندها و ينتهى عند التحليل إليها، فثبت أنّه لو كان مولودا لكان محدودا.
و أمّا بطلان التالي فلما قد مرّ في تضاعيف الشرح غير مرّة و في شرح هذه الخطبة بخصوصها عند تفسير قوله: لا يشمل بحدّ، من أنّه سبحانه منزّه عن الحدّ مطلقا اصطلاحيّا كان أعنى القول الشارح لمهيّة الشيء لاستلزامه التركيب المستحيل عليه أو لغويا أعني غاية الشيء و نهايته، لأنّه سبحانه غاية الغايات و منتهى النهايات لا غاية له و لا نهاية.
و بعبارة اخرى كونه مولودا يلزمه الحواية و احاطة المحلّ المتولّد منه به و هو يستلزم كونه ذا نهاية و حدّ و هو محال، لأنّ النهاية و الحدّ من عوارض الأجسام و ذات الأوضاع و المقادير تعرض لها بالذات و للواحقها كالأزمنة و الحركات و للأمور المتعلّقة بها كالقوى و الكيفيّات بالعرض، و الأوّل تعالى ليس بجسم و لا جسماني و لا متعلّق به ضربا من التعلّق فهو منزّه عن الحدّ و النهاية.
فظهر بذلك كله أنه سبحانه ليس بمحدود، فليس بمولود فليس بذي ولد بل هو الواحد الأحد الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد.
السابع و العشرون انّه (جلّ عن اتّخاذ الأبناء) و هو تأكيد لما سبق لأنّه لما ذكر آنفا أنه ليس بذى ولد أكدّه بذلك تنبيها على جلالة شأنه من اتّخاذ الولد
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 88
لأنّ من اتّخذ ولدا فانما يتّخذه لدواعى تدعوه إليه من العطوفة و الشفقة و المعاونة في حياته و الوراثة عنه و الخلافة في مقامه بعد مماته إلى غير ذلك من الدواعي التي هي من عوارض الممكن، و الواجب تعالى منزّه عن ذلك كلّه.
(و) الثامن و العشرون انّه (طهر عن ملامسة النساء) لأنّ ملامستهنّ من مقتضيات القوّة البهيميّة الحيوانيّة المنزّه قدسه عنها مع أنّ الملامسة من صفات القوّة اللّامسة التي هي من خواصّ الأجسام.
الترجمة:
فرو گرفته نشده بحدّى از حدود، و بحساب آورده نمى شود با شمردن، جز اين نيست كه محدود ميكند أدوات و قواى مدركه نفسهاى خود را، و اشاره ميكند آلات بدنيه بنظاير خودش.
مانع شد أدوات و آلات را دخول لفظ منذ از قديمى آنها، و منع كرد دخول لفظ قد از ازلى بودن آنها، و كنار نمود دخول لفظ لو لا در كامل بودن آنها، با ايجاد مشاعر و قوى آشكار گشت صانع آنها از براى عقول دراكه، و با آنها معلوم شد امتناع او از مشاهده چشمها، جارى نمى شود بر او حركت و سكون، و چگونه جارى شود بر او چيزى كه او جارى كرده است آنرا، و چگونه باز گردد در او چيزى كه او اظهار فرموده آنرا، و چگونه حادث مى شود در او چيزى كه او حادث كرده است آن را.
هرگاه صانع متّصف با حركت و سكون باشد هر آينه متفاوت شود ذات او و متجزى شود كنه او، و ممتنع باشد از أزلى بودن حقيقت او، و هر آينه مى شد او را پشت سر در صورتى كه يافته شد او را پيش رو، و هر آينه خواهش تماميت و كمال مى نمود در صورتى كه لازم بود او را نقصان، و هر گاه خواهش تماميّت نمايد هر آينه بر پا شود و ثابت باشد در او علامت مصنوع و مخلوق، و هر آينه بگردد واجب تعالى دليل بر وجود صانع بجهت تضمّن علامت مصنوعيت بعد از اين كه بود مدلول همه عالم دليل بر او بودند حال آنكه خارج شده بسبب سلطنت و امتناع تاثر اتصاف بصفت مخلوقات از اين كه تأثير بكند در او چيزى كه تأثير ميكند در غير او.
و آن چنان پروردگارى كه منتقل نمى شود از حالى بحالى، و زايل نمى شود از مكانى بمكانى، و جايز نمى شود بر او غايب شدن از مخلوقات، خارج نبوده از او چيزى توليد نكرده چيزى را تا اين كه متولّد شود او از چيز ديگر، و زائيده نشده تا اين كه محدود بحد متناهي بوده باشد. بزرگست ذات او از أخذ أولاد و پسران، و پاكست وجود او از ملامست و معاشرت زنان.