منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 54
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الخامسة و الثمانون من المختار في باب الخطب و هي مروية في الاحتجاج من قوله عليه السّلام: لا يشمل بحدّ إلى آخرها مثل ما في المتن من دون اختلاف إلّا في ألفاظ يسيرة. قال السيد (ره): و تجمع هذه الخطبة من اصول العلم مالا تجمعه خطبة:
ما وحّده من كيّفه، و لا حقيقته أصاب من مثّله، و لا إيّاه عنى من شبّهه، و لا صمده من أشار إليه و توهّمه، كلّ معروف بنفسه مصنوع، و كلّ قائم في سواه معلول، فاعل لا باضطراب آلة، مقدّر لا بجول فكرة، غنيّ لا باستفادة، لا تصحبه الأوقات، و لا ترفده الأدوات، سبق الأوقات كونه، و العدم وجوده، و الابتداء أزله. بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، و بمضادّته بين الامور عرف أن لا ضدّ له، و بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضادّ النّور بالظّلمة، و الوضوح بالبهمة، و الجمود بالبلل، و الحرور بالصّرد، مؤلّف بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مقرّب بين متباعداتها، مفرّق بين متدانياتها:
اللغة:
(وضح) يضح من باب وعد إذا انكشف و انجلي و (البهمة) لعلّها مأخوذة من أبهم الأمر و استبهم إذا اشتبه و (الحرور) بفتح الحاء في أكثر النسخ و هكذا ضبطه الشارح المعتزلي قال الفيومي: الحرور و زان رسول الريح الحارة، قال الفرّاء تكون ليلا و نهارا، و قال أبو عبيدة: أخبرنا روبة أنّ الحرور بالنهار و السّموم بالليل و قال أبو عمرو بن العلا: الحرور و السّموم باللّيل و النهار، و في القاموس: الحرور الريح الحارة بالليل و قد تكون بالنّهار و حرّ الشمس و الحرّ الدائم و النار، و في نسخة الشارح البحراني الحرور بالضمّ قال في القاموس: الحرّ ضدّ البرد كالحرور بالضّم و الحرارة.
المعنى:
اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة كما قاله السيّد (ره) مشتملة على مطالب نفيسة و مباحث شريفة من العلم الالهي مع تضمّنها للفصاحة و البلاغة و انسجام العبارات و حسن الاسلوب و بديع النظم، و لعمرى أنها فصل من كلامه عليه السّلام في أرجائه مجال المقال واسع، و لسان البيان صادع، و ثاقب المطالب لامع، و فجر المدايح طالع، و مراح الامتداح جامع، فهو لمن تمسّك بهداه نافع، و لمن تعلّق بعراه رافع، فيا له من فصل فضل كؤوس ينبوعه لذّة للشاربين، و دروس مضمونه مفرحة للكرام الكاتبين يعظم للمحقّقين قدر وقعه، و يعم للمدقّقين شمول نفعه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 61
كيف لا و الموصوف به الحقّ الأوّل ربّ العالمين، و ديّان الدّين، و خالق السّماوات و الأرضين، إله الخلق أجمعين.
و الواصف جامع علوم الأوّلين و الاخرين، خليفة اللّه في الأرضين، معلم الملائكة و النّبيّين، أمير المؤمنين الذي بحار علومه و ماثره لا ينال قعرها بغوص الأفهام و جبال فضايله و مفاخره لا يرتقى قلالها بطير العقول و الأوهام.
و تالي هذه الخطبة الشريفة خطبة أخرى لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام يأتي إنشاء اللّه ذكرها في شرح المختار المأة و الثامن «1» و هي أيضا تجمع من اصول علم التوحيد ما لا يحصى كما يعرفه الناقد البصير ذو الفهم الثاقب.
اذا عرفت ذلك فأقول: إنّه عليه السّلام قد وصف اللّه الملك العلّام في هذه الخطبة بأوصاف سلبيّة و اضافيّة.
أولها قوله عليه السّلام: (ما وحّده من كيّفه) أى من جعله مكيفا و وصفه سبحانه بالكيف فلم يجعله واحدا و لم يقل بوحدانيّته، لكنّه تعالى واحد و توحيده واجب لقيام الأدلة العقليّة و النقليّة عليه حسبما مرّ في تضاعيف المتن و الشرح غير مرّة فتكييفه مطلقا باطل.
و إنّما كان التكييف منافيا للتوحيد لأنّ الكيف بأقسامها الأربعة أعنى الكيفيات المحسوسة راسخة كانت كصفرة الذّهب و حلاوة العسل و تسمى انفعاليات أو غير راسخة كحمرة الخجل و صفرة الوجل و تسمّى انفعالات، و الكيفيّات الاستعداديّة سواء كانت استعدادا نحو الانفعال أى التهيؤ لقبول أثرها بسهولة أو سرعة كالمراضيّة و اللين، أو استعدادا نحو اللّا انفعال أى التهيؤ للمقاومة و بطوء الانفعال كالمصحاحيّة و الصّلابة، و الكيفيات النفسانيّة المختصّة بذوات الأنفس الحيوانيّة راسخة كانت و تسمّى ملكة كالعلم و الشجاعة و العدالة، أو غير راسخة و تسمّى حالا كغضب الحليم و مرض الصّحاح، و الكيفيات المختصّة بالكميّات متّصلة كانت كالاستقامة و الانحناء و الشكل و الخلقة، أو منفصلة كالزوجيّة و الفرديّة.
فهو بهذه الأقسام الثابتة له بالحصر العقلي أو الاستقرائي من أقسام العرض
______________________________
(1)- كذا في الاصل و لعلّه المختار المأتين و الثامن «م».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 62
و العرض هو الموجود الحال في المحل على وجه الاختصاص الناعت أى يكون أحد الشيئين بالنسبة إلى الاخر بحيث يكون مختصّا به على وجه يوجب ذلك الاختصاص كون الأوّل نعتا و الثاني منعوتا كما في السواد بالنسبة إلى الجسم، فانّ اختصاصه به أوجب اتّصافه به فيقال جسم أسود فلو كان الحقّ الأوّل سبحانه موصوفا بالكيف بأيّ قسم من أقسامه لزم اقترانه به، و المقارنة بين الموصوف و الوصف مستلزم للتثنية لما قد مرّ في الفصل الرابع من المختار الأوّل من قوله عليه السّلام: فمن وصف اللّه فقد قرنه و من قرنه فقد ثناه، و التثنية مناف للتوحيد، هذا.
و قد مرّ دليل آخر على استحالة اتّصافه بالكيف في شرح الفصل الثّاني من المختار التسعين فليراجع هناك.
و توضيح ما قاله من جهة النقل ما رواه في البحار من كتاب كفاية النصوص لعليّ بن محمّد بن عليّ بن الخزاز الرازي عن أبي المفضّل الشّيباني عن أحمد بن مطوق ابن سوار عن المغيرة بن محمّد بن المهلب عن عبد الغفار بن كثير عن إبراهيم بن حميد عن أبي هاشم عن مجاهد عن ابن عبّاس قال:
قدم يهوديّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقال له: نعثل.
فقال: يا محمّد إنّي سائلك عن أشياء تلجلج في صدرى منذ حين فان أنت أجبتني عنها أسلمت على يدك، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: سل يا با عمارة.
فقال: يا محمّد صف لي ربّك فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ الخالق لا يوصف إلّا بما وصف به نفسه و كيف يوصف الخالق الذي يعجز الحواس أن تدركه، و الأوهام أن تناله، و الخطرات أن تحدّه و الأبصار عن الاحاطة به، جلّ عمّا يصفه الواصفون، نأى في قربه، و قرب في نائه كيّف الكيفيّة فلا يقال له كيف، و أيّن الأين فلا يقال له أين، منقطع الكيفوفيّة و الأينونيّة، فهو الأحد الصّمد كما وصف نفسه، و الواصفون لا يبلغون نعته لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد.
قال: صدقت يا محمّد أخبرني عن قولك إنّه واحد لا شبيه له أليس اللّه واحد و الانسان واحد فوحدانيّته أشبهت وحدانيّة الانسان؟
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 63
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اللّه واحد واحدىّ المعني و الانسان واحد ثنوىّ المعني جسم و عرض و بدن و روح، فانما التشبيه في المعاني لا غير.
و الثاني قوله عليه السّلام (و لا حقيقته أصاب من مثّله) أى من أثبت له المثل فلم يعرفه حقّ معرفته، لأنّه سبحانه واجب الوجود ليس كمثله شيء فالجاعل له مثلا لم يعرفه بوجوب الوجود لأنّ وجوب الوجود ينفى المثل.
و المقصود بالكلام تنزيهه سبحانه عن المماثل و تحقيق أنّه سبحانه لا مثل له هو أنّ المثل هو المشارك في تمام الماهيّة و هو تعالى ليس له شريك فليس له مثل و أيضا قد تقرّر أنّه تعالى لا مهيّة له فلا يكون له مثل اذا الاشتراك في المهيّة فرع وجود المهيّة.
و قال الشارح البحراني: كلّ ما له مثل فليس بواجب الوجود لذاته، لأنّ المثليّة إمّا أن يتحقق من كلّ وجه فلا تعدّد إذا لأنّ التعدّد يقتضى المغايرة بأمر ما و ذلك ينافي الاتحاد و المثليّة من كلّ وجه هذا خلف، و إمّا أن يتحقّق من بعض الوجود.
و حينئذ ما به التماثل إما الحقيقة أو جزؤها أو أمر خارج عنها.
فان كان الأوّل كان به الامتياز عرضيا للحقيقة لازما أو زايلا لكن ذلك باطل لأنّ المقتضى لذلك العرضية إمّا المهيّة فيلزم أن يكون مشتركا بين المثلين لأنّ مقتضى الماهية الواحدة لا يختلف فما به الامتياز لأحد المثلين عن الاخر حاصل للاخر هذا خلف، أو غيرها فتكون ذات واجب الوجود مفتقرة في تحصيل ما تميّزها من غيرها إلى غير خارجي هذا محال.
و ان كان ما به التماثل و الاتّحاد جزءا من المثلين لزم كون كلّ منهما مركبا فكل منهما ممكن هذا خلف.
و بقى أن يكون التماثل بأمر خارج عن حقيقتهما مع اختلاف الحقيقتين لكن ذلك باطل.
أمّا أولا فلامتناع وصف واجب الوجود بأمر خارج عن حقيقته لاستلزام اثبات الصفة له تثنيته و تركيبه على ما مرّ.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 64
و أمّا ثانيا فلأنّ ذلك الأمر الخارجي المشترك إن كان كمالا لذات واجب الوجود فواجب الوجود لذاته مستفيد للكمال من غيره هذا خلف، و إن لم يكن كمالا كان اثباته له نقصا، لأنّ الزيادة على الكمال نقص فثبت أنّ كلّ ماله مثل فليس بواجب الوجود لذاته.
و الثالث قوله عليه السّلام (و لا إيّاه عنى من شبّهه) و معناه مثل سابقه و الغرض به تنزيهه عن الشبيه.
و قال صدر المتألهين في شرح الكافي: الضابطة الكلّية في تنزيهه تعالى عن الاشتراك مع غيره في شيء من الصّفات أو أمر من الأمور الوجوديّة أنّه يلزم عند ذلك إما المماثلة في الذات أو المشابهة في الصّفة، لأنّ ذلك الأمر المشترك إن كان معتبرا في ذاته تعالى فيلزم المثل، و إن كان زايدا عليه فأشبه و كلاهما محال.
أمّا الأوّل فللزوم التركيب المستلزم للامكان و الحاجة، و لما تقدّم من البرهان على نفى الماهية عن واجب الوجود، و أنّ كلّ ذي مهيّة معلول، و أيضا قد برهن على أنّ أفراد طبيعة واحدة لا يمكن أن يكون بعضها سببا للبعض مقدما عليه بالذات، و اللّه موجد كلّ ما سواه فلا مثل له في الوجود.
و أمّا الثاني فذلك الأمر الزائد إن كان حادثا لزم الانفعال و التغير الموجبين للتركيب تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، و إن كان أزليّا لزم تعدّد الواجب تعالى و هو محال.
و الرابع قوله عليه السّلام (و لا صمده من أشار إليه و توهّمه) أى لم يقصده سبحانه من أشار إليه بالاشارة الحسيّة أو العقليّة، لأنّ من أشار إليه فقد حدّه، و من حدّه فقد عدّه، و من عدّه فقد أبطل أزله حسبما عرفته في شرح الفصل الخامس من المختار الأوّل، و في شرح المختار المأة و الثّاني و الخمسين، فالموجّه قصده إلى من يشير إليه موجّه له إلى شيء ممكن ليس بواجب، و كذلك من وجّه قصده إلى شيء موهوم
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 65
موجه له إلى مخلوق مصنوع مثله لا إلى المعبود بالحقّ الواجب لذاته، لتنزّهه سبحانه عن ادراك العقول و الأوهام، و تقدّسه عن درك الافهام حسبما عرفته في شرح الفصل الثاني من المختار الأوّل و غيره.
و قد قال الباقر عليه السّلام كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مثلكم و لعلّ النمل الصّغار تتوهّم أنّ للّه زبانين «زبانيين» فانّ ذلك كمالها و تتوهّم أنّ عدمهما نقصان لمن لا يتّصف بهما.
و الخامس قوله عليه السّلام (كلّ معروف بنفسه مصنوع) و الغرض منه نفى العلم به بحقيقته بيان ذلك أنه تعالى لو كان معروفا بنفسه أى معلوما بحقيقته لكان مصنوعا إذ كلّ معروف مصنوع لكن التالى باطل فالمقدّم مثله، أما بطلان التالى فلأنّ المصنوع مفتقر إلى الصانع و المفتقر ممكن لا يكون واجبا، و أما وجه الملازمة فلأنّ كلّ معلوم بحقيقته فانّما يعلم من جهة أجزائه و كلّ ذي جزء فهو مركب محتاج إلى مركّب يركّبه و صانع يصنعه، فثبت بذلك أنّ كلّ معلوم الحقيقة مصنوع فانقدح منه أنّه تعالى شأنه غير معروف بنفسه بل معروف باثاره و آياته.
و السادس قوله عليه السّلام (و كلّ قائم في سواه معلول) و الغرض منه نفى كونه قائما بغيره، إذ لو كان قائما بغيره لكان معلولا، لأنّ كلّ قائم في سواه معلول لكن التالى باطل لأنّ المعلولية ينافي وجوب الوجود فالمقدّم مثله، و وجه الملازمة أنّ القائم بغيره محتاج إلى محلّ و كلّ محتاج ممكن و كلّ ممكن معلول فظهر منه أنه تعالى لا يكون قائما بغيره، بل كلّ شيء قائم به موجود بوجوده.
و يمكن تقرير الدليل بنحو آخر و هو أن يقال: كلّ قائم في سواه معلول و الواجب تعالى ليس بمعلول فينتج أنه ليس قائما بغيره، و يأتي مثل هذا التقرير في الفقرة السابقة أعنى قوله كلّ معروف اه.
السابع أنه تعالى (فاعل لا باضطراب آلة) يعنى أنه خالق الخلايق أجمعين جاعل السماوات و الأرضين موجد الأولين و الاخرين من دون حاجة في فعله و ايجاده إلى اكتساب الالات و تحصيل الأدوات، لأنّ الافتقار إليها من صفات الامكان
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 66
و لوازم النقصان و إنما أمره تعالى إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
الثامن أنه (مقدّر لا بجول فكرة) يعنى أنه سبحانه قدّر لكلّ شيء ما يستحقه من الوجود و أعطا كلّ موجود المقدار الذي يستعدّه من الكمال كما و كيفا في الأرزاق و الاجال و نحوها من دون افتقار في ذلك إلى جولان الفكر كما يفتقر إليه غيره من البشر، لأنّ الفكرة لا تليق إلّا بذوى الضمائر و هو تعالى منزّه عن الضمير و ساير الالات البدنية.
التاسع أنّه سبحانه (غنى لا باستفادة) يعنى أنّ غناه تعالى بنفس ذاته الواجب لا كالأغنياء منّا مستفيدا للغنى من الخارج و إلّا لزم كونه تعالى ناقصا في ذاته مستكملا بغيره و هو محال، و أيضا كلّ غنيّ غيره فقد صار موجودا بوجوده و حصل له الغنى من بحر كرمه وجوده، و معطى الشيء لا يكون فاقدا له البتة.
العاشر أنه (لا تصحبه الأوقات) لأنه تعالى قديم و الوقت و الزمان حادث و الحادث لا يكون مصاحبا للقديم لاستلزام المصاحبة للمقارنة و المعيّة.
روى في البحار من التوحيد و الأمالى عن أبى بصير عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يوصف بزمان و لا مكان و لا حركة و لا انتقال و لا سكون بل هو خالق الزمان و المكان و الحركة و السكون و الانتقال، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
(و) الحادي عشر أنّه (لا ترفده الأدوات) أى لا تعينه الالات فيما يوجده و ايده لغنائه عن الحاجة إلى الاعانة و تنزّهه عن الاستعانة حسبما عرفته آنفا.
و الثاني عشر أنه (سبق الأوقات كونه) أى وجوده أى كان وجوده سابقا على الأزمنة و الأوقات بحسب الزمان الوهمى أو التقديرى و كان علّة لها و موجدا إيّاها.
(و) الثالث عشر أنه سبق (العدم وجوده) أى وجوده لوجوبه سبق و غلب العدم فلا يعتريه عدم أصلا.
و قال الشارح البحراني: المراد عدم الممكنات لأنّ عدم العالم قبل وجوده كان مستندا إلى عدم الداعى إلى ايجاده المستند إلى وجوده، فوجوده سبق على عدم الممكنات.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 67
كنايه [سبق العدم وجوده ] و قيل: اريد به اعدام الممكنات المقارنة لابتداء وجوداتها فيكون كناية عن أزليته و عدم ابتداء لوجوده.
(و) الرابع عشر أنه سبق (الابتداء أزله) أى سبق وجوده الأزلي كلّ ابتداء فليس لوجوده و لا شيء من صفات ذاته ابتداء، أو أنّ أزليته سبق بالعلية كلّ ابتداء و مبتداء.
الخامس عشر أنه تعالى (بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له) أى بخلقه و ايجاده المشاعر الادراكية و الحواس و إفاضتها على الخلق عرف أن لا مشعر له، إما لما مرّ من أنه تعالى لا يتّصف بخلقه، أو لأنا بعد إفاضة المشاعر علينا علمنا حاجتنا في الادراك إليها فحكمنا بتنزّهه تعالى عنها لاستحالة الاحتياج عليه سبحانه.
و قال الشارح المعتزلي: لأنّ الجسم لا يصحّ منه فعل الأجسام و هذا هو الدّليل الذي يعول عليه المتكلّمون في أنه تعالى ليس بجسم.
و قال الشارح البحراني: و ذلك أنه تعالى لما تعالى خلق المشاعر و أوجدها و هو المراد بتشعيره لها امتنع أن يكون له مشعر و حاسة و إلّا لكان وجودها له إمّا من غيره و هو محال، أمّا أوّلا فلأنّه مشعر المشاعر و أمّا ثانيا فلأنه يكون محتاجا في كماله إلى غيره فهو ناقص بذاته هذا محال، و إمّا منه و هو أيضا محال لأنه إن كان من كمالات الوهيّته كان موجودا لها من حيث فاقد كمالا فكان ناقصا بذاته هذا محال، و إن لم يكن كما لا كان اثباتها له نقصا لأنّ الزيادة على الكمال نقصان فكان ايجاده لها مستلزما لنقصانه و هو محال انتهى.
و اعترض عليه صدر المتألّهين في شرح الكافى و قال فيه بحث من وجوه:
أحدها بطريق النقض فانّ ما ذكره لو تمّ يلزم أن لا يثبت له تعالى على الاطلاق صفة كمالية كالعلم و القدرة و نحوهما بأن يقال امتنع أن يكون له علم مثلا و إلّا لكان وجوده له إما من غيره، إلى آخر ما ذكره.
و ثانيها بالحلّ و هو أنّ ههنا احتمالا آخر نختاره، و هو أن يكون ذلك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 68
المشعر عين ذاته كالعلم و القدرة فان بطلانه لو كان بديهيّا لم يحتج إلى الاستدلال إذ كلّ ما يحتمل قبل الدليل أن يكون عارضا له يحتمل أن يكون عينا له.
و ثالثها أنّ ما ذكره من الكلام على تقدير تمامه استدلال برأسه لم يظهر فيه مدخلية قوله بتشعيره المشاعر في نفى المشعر عنه تعالى، و إنما استعمله في إثبات مقدّمة لم تثبت به و قد ثبت بغيره كما لا يخفى على الناظر فيه.
فالأولى أن يقال: قد تقرّر أنّ الطبيعة الواحدة لا يمكن أن يكون بعضها علّة لبعض آخر لذاته بأن يقال: لو فرض كون نار مثلا علّة النار أخرى فعليّة هذه و معلولية هذه إمّا لنفس كونهما نارا فلا رجحان لإحداهما في العلّية و للأخرى في المعلوليّة لتساويهما في النارية، بل يلزم أن يكون كلّ نار علّة للاخرى بل علّة لذاتها و معلولا لذاتها و هو محال و إن كان العلية لانضمام شيء آخر فلم يكن ما فرضناه علّة بل العلّة حينئذ ذلك الشيء فقط لعدم الرجحان في إحداهما للشرطيّة و الجزئية أيضا لاتّحادهما من جهة المعنى المشترك و كذلك الحال لو فرض المعلوليّة لأجل ضميمة، فقد تبيّن أنّ جاعل الشيء يستحيل أن يكون مشاركا لمجعوله.
و به يعرف أنّ كلّ كمال و كلّ أمر وجودى يتحقّق في الموجودات الامكانية فنوعه و جنسه مسلوب عنه تعالى و لكن يوجد له ما هو أعلى و أشرف منه.
أمّا الأوّل فلتعاليه عن النقص و كلّ مجعول ناقص و إلّا لم يكن مفتقرا الى جاعل و كذا ما يساويه في المرتبة و آحاد نوعه كاحاد جنسه.
و أمّا الثاني فلأنّ معطى كلّ كمال ليس بفاقد له بل هو منبعه و معدنه و ما في المجعول رشحه و ظلّه، انتهى.
(و) السادس عشر أنه سبحانه (بمضادّته بين الامور عرف أن لا ضدّ له) لأنّ الضدّ يطلق على معنيين.
أحدهما المعنى الاصطلاحى فيقال الضدّان في الاصطلاح على الأمرين الوجوديّين الذين يتعاقبان على موضوع واحد و محلّ واحد.
و الثاني المعنى العرفي الذى هو المكافئ للشّيء و المساوى له في القوّة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 69
و على أىّ معنى كان فليس يجوز أن يكون له سبحانه ضدّ.
أمّا على الأوّل فلأنّه لما خلق الأضداد في محالها وجدناها محتاجة إليها علمنا عدم كونه ضدّ الشيء للزوم الحاجة إلى المحلّ المنافية لوجوب الوجود أو لأنّا لما رأينا كلّا من الضدّين يمنع وجود الاخر و يدفعه و يفنيه علمنا أنّه تعالى منزّه عن ذلك، أو أنّ التضاد إنما يكون للتحدّد بحدود معيّنة لا تجامع غيرها كمراتب الألوان و الكيفيات، و هو سبحانه منزّه عن الحدود، و أيضا كيف يضادّ الخالق مخلوقه و الفايض مفيضه؟.
و أما على الثاني فلأنّ المساوى للقوّة في الواجب يجب أن يكون واجبا فيلزم تعدد الواجب و هو باطل.
و قال الشارح البحراني: إنّه لما كان خالق الأضداد فلو كان له ضدّ لكان خالقا لنفسه و لضدّه و هو محال، و لأنّك لما علمت أنّ المضادّة من باب المضاف و علمت أنّ المضاف ينقسم إلى حقيقيّ و غير حقيقىّ فالحقيقىّ هو الّذى لا نعقل مهيّته إلّا بالقياس إلى غيره، و غير الحقيقى هو الذي له في ذاته مهيّة غير الاضافة تعرض لها الاضافة، و كيف ما كان لا بد من وجود الغير حتى يوجد المضاف من حيث هو مضاف، فيكون وجود أحد المضافين متعلّقا بوجود الاخر، فلو كان لواجب الوجود ضدّ لكان متعلق الوجود بالغير فلم يكن واجب الوجود لذاته هذا خلف انتهى.
أقول: و أنت خبير بأنّ ما ذكره أخيرا في علّة إبطال الضّد أعنى قوله: لو كان لواجب الوجود ضدّ لكان متعلّق الوجود بالغير اه إنما يتمشّى في القسم الأوّل أعنى المضاف الحقيقى، و أمّا في القسم الثاني فلا، إذ تعلّق وجوده بالغير ممنوع لأنّ له فى ذاته مهيّة موجودة كما صرّح به، و إنما إضافته موقوفة على الغير كما لا يخفى.
فالأولي أن يساق الدليل إلى قوله حتّى يوجد المضاف من حيث هو مضاف على النحو الذي ساقه ثمّ يقال: و هو محال عليه تعالى.
أما على التقدير الأول فظاهر إذ لا مكافىء و لا مضادّ له في الوجود لما أشرنا إليه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 70
و أمّا على الثاني فلأنّ صفاته عين ذاته و ليس له صفة عارضة فلا يتّصف بالاضافة العرضية، و هذا كلّه بعد الغضّ عما برهن عليه من أنّ الواجب سبحانه لا مهية له فافهم جيدا.
و به يظهر الجواب عما ربما يعترض في المقام بأنّه تعالى بذاته مبدء الأشياء و خالقها و موجدها، و كلّ هذه الامور إضافات فيكون مضافا حقيقيا.
وجه ظهور الجواب أنّ المضاف من أقسام المهية التي لها أجناس عالية، و الوجود ليس بمهية كلية و لا جنس له و لا فصل سيّما وجود الواجب الذى لا يشوبه عموم و لا مهيّة، ألا ترى أنّ كونه موجودا لا في موضوع لا يوجب كونه جوهرا إذ الجواهر مهيّة حقّها في الوجود الخارجى أن لا يكون في موضوع، و الأوّل تعالى لا مهيّة له فلا يكون جوهرا و كذا لا يكون مضافا.
(و) السابع عشر أنّه (بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له) و الكلام فيه كما مرّ في سابقه حرفا بحرف.
بأن يقال: انه تعالى خلق المقترنات و مبدء المقارنة بها فلو كان مقارنا لغيره لكان خالقا لنفسه و لقرينه و هو محال، و أيضا المقارنة من باب المضاف و يمتنع أن يلحق الواجب لما تقدّم.
و قال صدر المتألهين في شرح الكافي: برهانه أنه خالق المقترنات و نحو وجودها الذى بحسبه يكون مقترنا بالذات، أو يصحّ عليه المقارنة.
فالأوّل ككون الشيء عارضا لشيء أو معروضا ملزوما له أو صورة شيء أو مادّة شيء أو جزء شيء و الثاني ككون الشيء معروضا بشيء بعد ما لم يكن، أو مادّة ككون جسم ملاقيا لجسم آخر و هذه كلّها ممّا لا يجوز لحوقه لكلّ موجود اتفق، بل من الموجود ما يستحيل عليه لذاته الاقتران بشيء كالمفارقات مثلا و كالاضداد بعضها لبعض.
و الغرض أنّ كون الشيء بحيث يجوز عليه المقارنة شيء آخر أمر يرجع إلى خصوصيّة ذاته و نحو وجوده، و قد علمت أنّ خالق كلّ موجود ليس من نوع ذلك
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 71
الوجود، فلو كان ذاته مقارنا بشيء آخر و انحاء المقارنات محصورة و كل منها قد وجد في المخلوقات فيلزم كونه من نوع المخلوقات بل يلزم كونه خالقا لنفسه كما مرّ.
الثامن عشر أنّه مضادّ بين الأمور المتضادّة و هو في الحقيقة تأكيد للوصف السّادس عشر، لأنه قد ذكر جملة من أقسام المتضادّات و المتفرّقات ليتبيّن أنّ مضادّها و مفرّقها ليس من جنسها، و يتّضح أنه ليس متّصفا بها و لا بالتضاد فقال:
(ضاد النّور بالظلمة) و هو دليل بظاهره بصيغة الفاعل على كون الظلمة أمرا وجوديا مطابق لقوله تعالى: «وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ» إذ لو كان أمرا عدميّا لم يكن مجعولا مخلوقا، و هو مذهب المحقّقين من المتكلّمين حسبما عرفته في شرح الفصل الأوّل من المختار الرابع، خلافا للاشراقيّين و أتباعهم حيث ذهبوا إلى أنّها ليست إلّا عدم النّو فقط، من غير اشتراط الموضوع القابل.
مجاز [ضاد النّور بالظلمة] قال الصّدر الشيرازي: و الحقّ أنها ليست عدما صرفا بل هي عبارة عن عدم الضوء عما من شأنه أن يضيء و إذا ليست بعدم صرف، و مع ذلك يتعاقب مع الضوء على موضوع واحد كالهواء و نحوه، فصّح عليه إطلاق الضّد على اصطلاح المنطقيين حيث لا يشترط في اصطلاحهم المنطقى كون كلا الضدّين وجوديّين، بل الشرط عندهم التعاقب على موضوع واحد انتهى.
و على ذلك أى كونها عبارة عن عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا تقابل الضّوء تقابل العدم و الملكة، و يكون اطلاق الضدّ عليها بحسب الاصطلاح الحكمي مجازا كما لا يخفى.
(و) ضاد (الوضوح بالبهمة) أى الظهور بالابهام و الجلاية بالخفاء، و فسّرهما الشارحان المعتزلي و البحراني بالبياض و السّواد و لا يخفى بعده (و الجمود بالبلل) أى اليبوسة بالرطوبة (و الحرور بالصرد) أى الحرارة أو حرارة الريح الحارة بالبرودة.
التاسع عشر أنّه تعالى اسلوب- تطبيق (مؤلّف بين متعادياتها مقارن بين متبايناتها مقرّب بين متباعداتها) لا يخفى حسن الاسلوب و لطافة التطبيق في هذه الفقرات الثلاث
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 72
و الفقرة الرابعة الاتية، حيث طابق بين التأليف و التعادى و التقارن و التباين و التقريب و التباعد و التفريق و التداني.
و المقصود أنّه جمع سبحانه بقدرته الكاملة و حكمته البالغة بين الامور التي في غاية التباين و التباعد، مثل جمعه بين العناصر المختلفة الكيفيّات و بين الروح و البدن، و القلوب المتشتّتة و الأهواء المتفرّقة، فبدّل ذلك الجمع و التأليف الواقع على خلاف مقتضى الطبايع على قاهر يقهرها عليه، و قاسر يقسر العناصر على الامتزاج و الالتيام و الاستحالة، حتّى يحصل بينها كيفيّة متوسّطة هي المزاج إذ لو كان كلّ منها في مكانه لم يحصل بينها امتزاج فلم يتحصّل منها مزاج.
العشرون أنّه (مفرّق بين متدانياتها) لا يخفى حسن المقابلة بين هذه القرينة و القراين الثلاث السابقة، حيث جعل التفريق في قبال التأليف و القرآن و التقريب و جعل التداني في مقابلة التباعد و التباين و التعادى.
و المراد أنه فرّق بين الأشياء على منتهى قربها مثل تفريقه بين أجزاء العناصر لبطلان تركيبها و بين الرّوح و البدن بالموت و بين أجزاء المركبات عند انحلالها و الأبدان بعد موتها، فدلّ ذلك التفريق على وجود المفرّق و قدرته، قال تعالى: «وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ».
قيل في تفسيره: إنّ في خلق الزوجين دلالة على المفرّق و المؤلّف لهما، لأنّه خلق الزوجين من واحد بالنوع فيحتاج إلى مفرّق يجعلهما متفرّقين و جعلهما مزاوجين مؤتلفين ألفه بخصوصهما فيحتاج إلى مؤلّف يجعلهما مؤتلفين.
الترجمة:
از جمله خطب شريفه آن ولي دين و امام مبين است در بيان توحيد خداوند و جمع ميكند اين خطبه از اصول علم إلهى مطالبى را كه جمع نكرده است آن را هيچ خطبه مى فرمايد كه:
واحد و يگانه ندانست كسى كه او را مكيّف نمود بكيفيّات نفسانيه، و بحقيقت او نرسيده كسى كه از براى او مثلى قرار داده باشد، و او را قصد نكرده كسى كه او را شبيه قرار بدهد، و قصد نكره او را كسى كه اشاره نمايد بسوى او با اشاره حسيّه يا عقليّه و بوهم و خيال خود آورد او را، هر شناخته شده بذات و حقيقت مصنوع است نه صانع، هر قائم بغير خود معلول است نه علّت، فاعل است بذاته محتاج نيست در فعل خود بتحريك آلات و أدوات، مقدّر است كه در تقدير خود احتياج ندارد بجولان دادن فكر و خلجان خواطر، غنى است نه با اكتساب، مصاحب وجود او نمى شود وقتها، و اعانت و يارى نمى كند او را آلات و قوى، پيشى گرفته بوقتها هستى او، و بعدم وجود او، و بابتداء داشتن أزليّت و هميشه بودن او.
بسبب ايجاد مشاعر و حواس شناخته شد كه او مبرّا از مشاعر و آلات ادراك است، و بايجاد ضدّيت در ميان أشياء شناخته شد كه ضدّ نيست او را، و بايجاد اقتران در ميان أشياء شناخته شد كه قرينى نيست او را ضدّ گردانيد نور را با ظلمت، و آشكار را با ابهام، و خشكى را با رطوبت، و گرمى را با سردى، تركيب كننده است بقدرت كامله ميان امور متباينه، و مقارن كننده است ميان امور متضادّه، نزديك گردانيده است ميان دورها، و جدا سازنده است ميان نزديكها.