منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 56
لا تناله الأوهام فتقدّره، و لا تتوهّمه الفطن فتصوّره، و لا تدركه الحواسّ فتحسّه، و لا تلمسه الأيدي فتمسّه، لا يتغيّر بحال، و لا يتبدّل بالأحوال، و لا تبليه اللّيالي و الأيّام، و لا تغيّره الضّياء و الظّلام، و لا يوصف بشيء من الأجزاء، و لا بالجوارح و الأعضاء، و لا بعرض من الأعراض، و لا بالغيريّة و الأبعاض، و لا يقال له حدّ و لا نهاية، و لا انقطاع و لا غاية، و لا أنّ الأشياء تحويه فتقلّه أو تهويه، أو أنّ شيئا يحمله فيميله أو يعدّله. ليس في الأشياء بوالج، و لا عنها بخارج، يخبر لا بلسان و لهوات، و يسمع لا بخروق و أدوات، يقول و لا يلفظ، و يحفظ و لا يتحفّظ، و يريد و لا يضمر، يحبّ و يرضى من غير رقّة، و يبغض و يغضب من غير مشقّة، يقول لما أراد كونه كن فيكون لا بصوت يقرع، و لا بنداء (نداء خ ل) يسمع، و إنّما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه و مثّله، لم يكن من قبل ذلك كائنا، و لو كان قديما لكان إلها ثانيا.
اللغة:
و (اللهوات) جمع لهات بفتح الّلام فيهما و هي اللحمة في سقف أقصى الفم.
المعنى:
و التاسع و العشرون أنه (لا تناله الأوهام فتقدّره) قال الشارح البحراني أى لو نالته الأوهام لقدرته لكن التالي باطل فالمقدّم كذلك.
بيان الملازمة أنّ الوهم إنّما يدرك المعاني المتعلّقة بالمادّة و لا ترفع إدراكه عن المحسوسات و شأنه فيما يدركه أن يستعمل المتخيلة في تقديره بمقدار مخصوص و كمّية معيّنة و هيئة معيّنة و يحكم بأنّها مبلغه و نهايته فلو أدركته الأوهام لقدّرته بمقدار معيّن و في محلّ معيّن.
فأما بطلان التالي فلأنّ المقدّر محدود مركب و محتاج إلى المادّة و التعلّق بالغير و قد سبق بيان امتناعه.
(و) الثلاثون أنّه (لا تتوهّمه الفطن فتصوّره) فطن العقول هو حذقها وجودة استعدادها لتصوّر ما يرد عليه، و بعبارة اخرى هو سرعة حركتها في تحصيل الوسط لاستخراج المطالب.
قال: و إنّما لا تتوهّمه الفطن، لأنّ القوّة العاقلة عند توجّهها لتحصيل المطالب العقلية المجرّدة لا بدّ لها من استتباع الوهم و المتخيلة و الاستعانة بها في استثباتها بالنسج و التصوير بصورة تحطها إلى الخيال كما علمته في شرح الفصل الثاني من المختار الأوّل فظهر بذلك أنها لو أدركته لكان ذلك بمشاركة الوهم فكان يلزمه أن يصوّره بصورة خيالية، لكنه تعالى منزّه عن الصّورة فاستحال لها إدراكه و تصويره.
(و) الاحد و الثلاثون أنّه (لا تدركه الحواسّ فتحسّه) أي لا يمكن لها
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 89
إدراكه سبحانه فيوجب ذلك كونه تعالى محسوسا لأنّ إدراكاتها مقصورة على ذوات الأوضاع و الأجسام و الجسمانيات، و اللّه سبحانه ليس بجسم و لا جسماني و لا ذي وضع و أيضا لا يمكن حضور الأنوار الحسيّة في مشهد نور عقلي بل يضمحلّ و يفنى فكيف في مشهد نور الأنوار العقلية.
(و) الثاني و الثلاثون انه (لا تلمسه الأيدي فتمسّه) ربما يستعمل اللّمس و المسّ بمعنى واحد، و قد يفرق بينهما بأنّ المسّ ايصال الشيء بالبشرة على وجه تأثر الحاسّة به و اللّمس كالطلب له قاله البيضاوي يعني اللّمس ينبىء عن اعتبار الطلب سواء كان داخلا في مفهومه أو لازما له، و على الأوّل فالمراد به أنّ الأيدي لا يمكن لها لمسه فيوجب ذلك كونه ملموسا ممسوسا، و على الثاني فالمراد أنها لا يمكن لها الطلب به فتصل إليه لاستلزامه الجسميّة على التقديرين.
كما يدلّ عليه صريحا ما رواه في البحار من عقايد الصّدوق باسناده عن عبد اللّه بن جوين العبدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه كان يقول: الحمد للّه الذي لا يحسّ و لا يجسّ و لا يمسّ و لا يدرك بالحواسّ الخمس و لا يقع عليه الوهم و لا تصفه الألسن و كلّ شيء حسّسته الحواسّ أو لمسته الأيدي فهو مخلوق، الحمد للّه الذي كان و لم يكن شيء غيره و كوّن الأشياء فكانت كما كوّنها و علم ما كان و ما هو كائن.
و الثالث و الثلاثون أنّه (لا يتغيّر بحال) من الأحوال و بوجه من الوجوه أى أبدا، لأنّ التغيّر من عوارض الامكان.
(و) الرابع و الثلاثون انّه (لا يتبدّل بالأحوال) أى لا ينتقل من حال إلى حال لما عرفت سابقا من امتناع الحركة و الانتقال عليه.
(و) الخامس و الثلاثون أنّه (لا تبليه اللّيالي و الأيام) لاستلزام الابلاء للتغيّر المستحيل عليه، و لأنّ البلى إنما يعرض للأمور الماديّة و كلّ ذي مادّة مركب فاستحال عروضه عليه سبحانه.
(و) السادس و الثلاثون أنه (لا تغيّره الضياء و الظلام) لتنزّهه من التغيّر
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 90
و أمّا غيره سبحانه من ذوى الحواس فالضياء سبب لابصارهم المبصرات من الألوان و الأشكال و المقادير و الحركات و غيرها و الظلام مانع عنه، فبهما يتغيّر حالهم بالادراك و عدم الادراك و الحقّ الأوّل جلّ شأنه لما كان منزّها عن الحواسّ بصيرا لا بالاحساس فلا يوجب الضياء و الظلام تفاوتا و تغيّرا في إدراكه.
(و) السابع و الثلاثون أنه (لا يوصف بشيء من الأجزاء) الذّهنية و العقليّة و الخارجيّة بل هو سبحانه أحدىّ الذات بسيط الهوية، لأنّ المركّب من الأجزاء مفتقر إلى جزئه الذي هو غيره و الافتقار من صفات الامكان.
(و) الثامن و الثلاثون أنه (لا) يوصف (بالجوارح و الأعضاء) لأنّ كلّ ذى جارحة و عضو فهو جسم مصوّر بصورة مخصوصة و هو تعالى منزّه عن الجسمية و التركيب و التجزية و الصورة.
روى في الكافي عن محمّد بن الحسن عن سهل بن زياد عن حمزة بن محمّد قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن الجسم و الصورة، فكتب: سبحان من ليس كمثله شيء لا جسم و لا صورة.
قال صدر المتألّهين: نفى الجسم و الصورة عنه تعالى بوجه الاشارة إلى برهانه و هو أنّ اللّه لا مثل له، إذ لا مهية له و كلّ جسم له مثل فلا شيء من الجسم بإله.
و فيه أيضا باسناده عن محمّد بن الحكيم قال: وصفت لأبي إبراهيم عليه السّلام قول هشام ابن سالم الجواليقي و حكيت قول هشام بن الحكم أنه جسم، فقال: إنّ اللّه لا يشبهه شيء أىّ فحش أو خناء أعظم عن قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو بصورة أو بخلقة أو بتحديد أو باعضاء تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.
حكى في شرح الكافي من كتاب الملل و النحل عن هشام أنه قال: إنه تعالى على صورة الانسان أعلاه مجوف و أسفله مصمت و هو ساطع يتلاءلاء، له حواسّ خمس و يد و رجل و أنف و اذن و عين و فم، و له وفرة سوداء هو نور أسود لكنه ليس بلحم و لا دم (و) التاسع و الثلاثون انه (لا) يتّصف (بعرض من الأعراض) التسعة و هي الكم و الكيف و المضاف و الأين و متى و الوضع و الملك و الفعل و الانفعال، و تسمي هذه
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 91
الاقسام مع القسم العاشر و هو الجوهر بالمقولات العشر و الاجناس العالية.
و انما لا يجوز اتّصافه سبحانه بشيء منها، لأنّها كلّها مخلوقات محدثة و اتّصاف القديم بالحادث محال لأنّ ذلك الحادث إن كان صفة كمال يلزم أن يكون الواجب ناقصا بدونه مستكملا به بعد وجوده و النقص ممتنع عليه سبحانه، و ان لم يكن صفة كمال فله الكمال المطلق بدونه و حينئذ كان إثباته عليه و توصيفه به نقصا، لأنّ الزيادة على الكمال المطلق نقصان حسبما قلناه سابقا.
و أيضا وصفه تعالى بصفات زايدة على ذاته يوجب التجزية و التركيب المستحيل عليه كما عرفته في شرح الفصل الرابع من الخطبة الاولى و غيره أيضا.
(و) الاربعون انه (لا) يتّصف (بالغيريّة و الأبعاض) أى ليس له أبعاض و أجزاء يغاير بعضها بعضا، لأنه وحدانيّ الذات بسيط الهوية و إلّا فيلزم عليه التركيب و التجزية الممتنعان عليه.
(و) الاحد و الاربعون أنه (لا يقال له حدّ و لا نهاية) أى ليس لأوّليته حدّ و نهاية لأنّ الحدود و النهايات من عوارض الأجسام و ذوات الأوضاع و المقادير و هو سبحانه ليس بجسم و جسماني، و لا في قوله: و لا نهاية، زايدة أو تأكيد للنفى السابق (و) الثاني و الاربعون أنّه (لا انقطاع له و لا غاية) أى ليس لاخريّته انقطاع و غاية، بل هو سبحانه أزليّ أبديّ لا ابتداء لوجوده و لا انقطاع لبقائه.
قال صدر المتألّهين: و مما يجب أن يعلم أنّه تعالى و إن سلب عنه النهاية فليس بحيث يوصف باللّانهاية بمعنى العدول، بل كلاهما مسلوبان عنه، لأنّ اللّانهاية أيضا كالنهاية من عوارض الكميّات، فاذا وصف بأنه غير متناه كان بمعنى السّلب البسيط التحصيلي كما يوصف بسلب الحركة بمعنى السّلب السازج لا الذي يساوق السّكون، فاذا قيل: إنّه أزليّ باق ليس يراد به أنّ لوجوده زمانا غير منقطع البداية و النهاية، إذ الزمان من مخلوقاته المتأخّرة عن الحركة المتأخّرة عن الجسم المتأخّر عن المادّة و الصّورة المتأخّرين عن الجوهر المفارق المتأخّر ذاته عن ذاته تعالى بل الزمان بجميع أجزائه كالان الواحد بالقياس إلى سرمديّته كما أنّ الأمكنة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 92
و المكانيّات كلّها بالقياس إلى عظمته و وجوده كالنقطة الواحدة.
و الثالث و الاربعون ما أشار إليه بقوله (و لا أنّ الأشياء تحويه فتقلّه) أى لا يحويه شيء من الأشياء و لا يحيط به فيحمله كما تحمل الريح السحاب، قال تعالى «أقلّت سحابا ثقالا» أى حملت الريح سحابا ثقالا بالماء (أو تهويه) أو تجعله هاويا إلى جهة تحت و هابطا به.
(أو) لا (أنّ شيئا يحمله فيميله أو يعدّله) أى يميله من جانب إلى جانب أو يعدله إلى جميع الجوانب كما يميل الريح السّحاب و يسوقه من صقع إلى صقع.
و المراد أنّه ليس في شيء أو على شيء يرتفع بارتفاعه و ينخفض بانخفاضه و يحرّك به من جهة إلى جهة.
روى في الكافي باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من زعم أنّ اللّه من شيء أو في شيء أو على شيء فقد كفر، قلت: فسّر لي، قال: أعني بالحواية من الشيء له أو بامساك له أو من شيء سبقه.
و في رواية أخرى من زعم أنّ اللّه من شيء فقد جعله محدثا، و من زعم أنه في شيء فقد جعله محصورا، و من زعم أنه على شيء فقد جعله محمولا.
أى من زعم أنّه سبحانه من مادّة أو من أجزاء بأن يزعم أنّه ذو مادّة أو ذو أجزاء أو من أصل له مدخل في وجوده كالأبوين أو من مبدء مفيض لوجوده كالفاعل أو في شيء كالصفة في الموصوف و الصّورة في المادّة و العرض في المحلّ و الجزء في الكلّ و الجسم في الهواء المحيط به و المظروف في الظرف أو على شيء بالاستقرار فيه و الاعتماد عليه كالملك على السّرير و الراكب على المركوب و السقف على الجدران و الجسم على المكان، أو بالاستقرار و الاعتماد عليه كالهواء على الماء و السّماء على الهواء، فقد كفر، لاستلزامه التجسيم حيث وصفه بصفات المخلوقين و أنكر وجوده لأنّ ما اعتقده ليس بإله العالمين.
ثمّ فسّر عليه السّلام الألفاظ لا على ترتيب اللّف فقوله «أعني بالحواية من الشيء» تفسير لمعنى في شيء، لأنّ كلّ ما هو في شيء فيحويه ذلك الشيء، و قوله «أو بامساك له».
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 93
تفسير لمعنى على شيء، لأنّ كلّما هو على شيء فذلك الشيء ممسك له، و قوله عليه السّلام «أو من شيء سبقه» تفسير لمعنى من شيء لأنّ ما كان من شيء فذلك الشيء مبدؤه و سابق عليه.
و لذلك قال عليه السّلام في الرّواية الأخيرة: من زعم أنّ اللّه من شيء فقد جعله محدثا، لأنّ معنى المحدث هو الموجود بسبب شيء سابق عليه في الوجود، و قال: من زعم أنه في شيء فقد جعله محصورا أى محويّا فيلزمه الحواية من ذلك الشيء و قال: و من زعم انّه على شيء فقد جعله محمولا، فاذا له حامل يمسكه.
و الرابع و الاربعون أنّه (ليس في الأشياء بوالج و لا عنها بخارج) لأنّ الدخول و الخروج من صفات الأجسام و هو سبحانه ليس بجسم و لا جسماني.
و لأنّه لو دخل في شيء فإمّا أن يكون مع افتقاره إلى ذلك الشيء أو بدونه و الأوّل مستلزم للامكان، و على الثاني فهو غنيّ عنه مطلقا، و الغنيّ المطلق يستحيل دخوله في شيء و وجوده في ضمنه و اتباعه له في الوجود.
و لأنّ دخوله فيه إن كان من صفات الكمال لزم اتّصافه بالنقص قبل وجود ذلك الشيء، و إن لم يكن من صفات كماله كان دخوله فيه مستلزما لاتّصافه بالنقص حسبما قلناه سابقا.
و لو خرج عن شيء لزم خلوّ ذلك الشيء عنه و اختصاصه سبحانه بغيره و هو باطل لأنّه تعالى مع كلّ شيء لا بمقارنة و غير كلّ شيء لا بمزايلة، و هذه الفقرة نظير قوله عليه السّلام في الفصل الخامس من الخطبة الاولى: و من قال فيم فقد ضمنه و من قال على م فقد اخلى منه.
و محصل المراد أنّه تعالى ليس داخلا في شيء من الأشياء و حالّا فيه كما يقوله المجسّمة و الحلوليّة، و لا خارجا عنها بأنّ يعزب شيء منها عن علمه، بل هو سبحانه القيّوم المحيط بكلّ شيء.
الخامس و الاربعون أنّه (يخبر لا بلسان و لهوات) أى لحمات متصلة بأقصى الفم من فوق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 94
أمّا إخباره فلانّه قد أطبقت الشرائع و اتّفقت الملل على كونه متكلّما و الخبر من أقسام الكلام.
و أمّا أنّ إخباره ليس باللّسان و اللهوات فلأنّ النطق باللهات و اللسان مخصوص بنوع الانسان فيعود معنى إخباره سبحانه إلى إيجاده الخبر في جسم من الأجسام كالملك و الشجر و قد مرّ «1» نظير هذه العبارة في الخطبة المأة و الحادية و الثمانين و مرّ تحقيق الكلام في كونه سبحانه متكلّما في شرح المختار المأة و الثامن و السّبعين.
(و) السادس و الاربعون انّه مجاز إطلاقا لاسم السبب على المسبّب (يسمع لا بخروق و أدوات) أمّا أنّه عزّ و جلّ يسمع فلشهادة الكتاب العزيز في غير واحدة من الايات بكونه تعالى سميعا بصيرا و أمّا أنّ إدراكه بالمسموعات ليس بالاذان و الصماخات فتنزّهه سبحانه عن الافتقار إلى الالات الجسمانية فيعود معنى سمعه إلى علمه بالمسموعات إطلاقا لاسم السبب على المسبّب.
و السابع و الاربعون أنّه (يقول و لا يلفظ) هذا الكلام صريح في جواز نسبة القول إليه سبحانه دون اللّفظ.
أمّا الأوّل فالكتاب الكريم ملؤ منه قال تعالى «وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً و إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ» إلى غير ذلك مما لا حاجة إلى إيراده.
و أمّا الثّاني فلعلّه مبنيّ على أنّ اللفظ هو خصوص القول الصادر عن اللسان ففهم من ذلك و مما تقدّم قبيل ذلك أنّ القول يساوق الكلام في جواز استنادهما إلى اللّه سبحانه، و النطق و اللفظ يساوقان في عدم جواز الاستناد إليه (و) الثامن و الاربعون انّه (يحفظ و لا يتحفّظ) قال الشارح البحراني حفظه يعود إلى علمه بالأشياء، و لما كان المعروف من العادة أنّ الحفظ يكون بسبب التحفظ و كان ذلك في حقّه محالا لاستلزامه الالات الجسمانيّة لا جرم احترز عنه.
______________________________
(1) المروية عن نوف البكالى، منه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 95
قال: و قال بعض الشارحين: إنما يريد بالحفظ أنّه يحفظ عباده و يحرسهم و لا يتحفّظ منهم أى لا يحتاج إلى حراسة نفسه منهم و هو بعيد الارادة هنا، انتهى.
أقول: الحفظ قد يطلق على الحفظ عن ظهر القلب يقال حفظ القرآن إذا وعاه على ظهر قلبه. و قد يطلق على الحراسة و الوقاية من المكاره يقال حفظه أي حرسه و التحفّظ هو قبول الحفظ عن الغير على كون تاء التفعل للمطاوعة أو تكلّف الحفظ كما في قولك تحلّم زيد، أي استعمل الحلم و كلّف نفسه إيّاه ليحصل، فمعنى التكلّف هو أن يتعانى الفاعل ذلك الفعل ليحصل بمعاناته فيقتضي أن يكون الفعل غير ثابت للفاعل و يكون الفاعل طالبا لتحصله بالممارسة، و قال في القاموس التحفّظ هو الاحتراز و فسّر الاحتراز كالتحرّز بالتوقّى و لعلّه مبنيّ على جعل تاء للاتّخاذ فمعنى التحفظ هو اتّخاذ الحفظ أى اتّخاذ الحرز و الوقاية.
إذا عرفت ذلك فأقول: إنّ الحفظ قد استند إلى اللّه سبحانه في غير واحدة من الايات قال تعالى «إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ» و قال «هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» و قال «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» و قال «إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ» و قال «وَ رَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ» إلى غير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره.
و الحفيظ و الحافظ من جملة اسمائه الحسنى فلا غبار في وصفه سبحانه بالحفظ على المعنى الثّاني أعني الوقاية و الحراسة، و هو المراد به في الاية الاولى و الثانية و الثالثة أيضا و في غيرها احتمالا، مجاز من باب اطلاق اسم الملزوم على اللّازم [يحفظ و لا يتحفّظ] و أمّا على المعنى الأوّل أعنى الحفظ عن ظهر القلب فلا، لأنّه سبحانه منزّه عن القلب و الجوارح اللّهم إلّا أن يراد به العلم مجازا، لأنّه بهذا المعنى مستلزم للعلم، فالحفيظ هو العليم و الحافظ هو العالم اطلق اسم الملزوم على اللّازم تجوّزا.
قال في القاموس: و الحفيظ في الأسماء الحسنى الذي لا يعزب عنه شيء في السماوات و لا في الأرض تعالى شأنه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 96
فظهر بذلك ضعف ما قاله الصّدوق في التوحيد في شرح الأسماء الحسنى حيث قال: الحفيظ هو الحافظ فعيل بمعنى فاعل، و معناه أنه يحفظ الأشياء و يصرف عنها البلاء و لا يوصف بالحفظ على معنى العلم لأنّا نوصف بحفظ القرآن و العلوم على المجاز، و المراد بذلك أنا إذا علمناه لم يذهب عنا كما إذا حفظنا الشيء لم يذهب عنا، انتهى، فتأمّل جيّدا.
و أمّا التحفظ فلا يوصف به سبحانه على أحد من معانيه الثلاثة أمّا على المعنى الأوّل و الثاني فواضح، لأنّ المطاوعة و التكلّف مستلزمان للانفعال و التغيّر اللذين هما من صفات الأجسام.
و أمّا على الثالث فلأنّه تعالى لا مضادّ و لا مضارّ له في ملكه و لا منازع و لا معاند له في سلطانه فلا حاجة له إلى التوفّى و الاحتراز بل هو العزيز الغالب و القوىّ القاهر على كلّ شيء.
(و) التاسع و الاربعون انّه تعالى (يريد و لا يضمر) يعنى أنه يريد الأشياء فيوجدها على وفق مشيّته و إرادته و لا يحتاج في ايجادها كواحد منّا إلى الاضمار أى إلى عزم القلب يقال: أضمر في ضميره شيئا عزم عليه و ضمير الانسان قلبه و باطنه و هو سبحانه ليس بذي ضمير حتّى يتصوّر فيه الاضمار، و قد مرّ تحقيق الكلام بما لا مزيد عليه في إرادته سبحانه في شرح الفصل الثالث من المختار التسعين، و قدّمنا هناك عن المفيد رواية صفوان بن يحيى الناصّة بالفرق بين إرادة اللّه سبحانه و إرادة العبد.
و ينبغي إعادة تلك الرواية هنا و اتّباعها بشرح ما تضمّنته من المرام لمزيد ارتباطها المقام و ايضاحها لكلام الامام عليه السّلام فأقول:
روى في الكافى عن أحمد بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى، و في البحار من توحيد الصّدوق (ره) و العيون عن ابن إدريس عن أبيه عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبى الحسن عليه السّلام أخبرنى عن
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 97
الارادة من اللّه عزّ و جلّ و من الخلق، فقال: الارادة من المخلوق الضمير و ما يبدو له بعد ذلك من الفعل، و أمّا من اللّه عزّ و جلّ فارادته إحداثه لا غير ذلك لأنه لا يروّي «1» و لا يهمّ و لا يتفكّر هذه الصّفات منفيّة عنه و هى من صفات الخلق، فارادة اللّه هى الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همّة و لا تفكّر و لا كيف لذلك كما أنّه بلا كيف.
قال صدر المتألّهين في شرح الكافي: الارادة فينا كيفيّة حادثة تحدث عقيب تصوّر الشيء الملائم و التّصديق بثبوته و نفعه تصديقا علميّا أو جهليا أو ظنيّا أو تخييليّا راجحا، و ربما يحصل ذلك التصديق الراجح بعد تردّد و استعمال رويّة، فاذا بلغ حدّ الرجحان وقع العزم الذي هو الارادة، فاذا حصلت الارادة سواء كانت مع شوق حيواني كالشهوة أو الغضب أم لا، يصدر الفعل لا محالة و يبدو في الوجود.
و أمّا إرادة اللّه الحادثة فليست صفة له لاستحالة حدوث صفة أو كيفيّة في ذاته و هي ليست إلّا إضافة إحداثه لأمر كاين لا غير لتعاليه عن الرّوية و الهمّة و الفكر لما علمت أنّ هذه منفية عنه تعالى لكونها صفات المخلوقين و كما لا مثل لذاته لا شبه لصفاته، بل صفاته الحقيقية ذاته.
و قال العلّامة المجلسي (ره) في البحار في بيان معنى الحديث: إنّ إرادة اللّه كما ذهب إليه أكثر متكلّمي الامامية هي العلم بالخير و النفع و ما هو الأصلح و لا يثبتون فيه تعالى وراء العلم شيئا، و لعلّ المراد بهذا الخبر و أمثاله من الأخبار الدالة على حدوث الارادة هو أنّه يكون في الانسان قبل حدوث الفعل اعتقاد النّفع فيه ثمّ الرّويّة ثمّ الهمّة ثمّ انبعاث الشوق منه ثمّ تأكّده إلى أن يصير إجماعا باعثا على الفعل، و ذلك كلّه إرادة فينا متوسّطة بين ذاتنا و بين الفعل و ليس فيه تعالى بعد العلم القديم بالمصلحة من الامور المقارنة للفعل سوى الاحداث و الايجاد، فالاحداث في الوقت الذي تقتضى المصلحة صدور الفعل فيه قايم مقام ما يحدث
______________________________
(1) الروية التفكر، و الهمة القصد (منه)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 98
من الامور في غيره تعالى، فالمعنى أنّ ذاته تعالى بصفاته الذاتية الكمالية كافية في حدوث الحادث من غير حاجة إلى حدوث أمر في ذاته عند حدوث الفعل.
و قال الشارح المازندراني للكافي في شرحه: إنّ الراوى سأل عن الفرق بين إرادة اللّه و إرادة الخلق و طلب معرفتهما فقال عليه السّلام: «الارادة من الخلق الضمير» أى تصوّر الفعل و توجّه الذّهن إليه «و ما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل» من صلة لبيد و لا بيان لما لأنّ الفعل هو المراد دون الارادة، اللهمّ إلّا أن يراد بالفعل مقوّمات الارادة مثل تصوّر النفع و الاذعان به و الشوق إليه و العزم له و تحريك القدرة إلى تحصيل الفعل المراد.
و الحاصل أنّ إرادة الخلق عبارة عن تصوّر الفعل ثمّ تصوّر النفع سواء كان النفع عقليّا أو خياليّا أو عينيّا أو دنيويّا أو اخرويّا، ثمّ التصديق بترتّب ذلك النفع على ذلك الفعل و الاذعان به جازما أو غير جازم، ثمّ الشوق إليه، ثمّ العزم الراسخ المحرك للقوّة و القدرة المحرّكة للعضو إلى تحصيل الفعل على ما ينبغي.
فالفعل يصدر عن الخلق من هذه المبادي المترتّبة التي هي عبارة عن إرادتهم التامّة المستتبعة له.
«و أما من اللّه فارادته إحداثه لا غير ذلك» يعني أنّ إرادته بسيطة و هي إحداث الفعل و ايجاده على وجه يوافق القضاء الأصلي و يطابق العلم الأزلي من الكمال و المقدار و الخواص و الاثار، لا مركبة من الأمور المذكورة في إرادة الخلق و لا شيء منها، «لأنّه تعالى لا يروّي» أى لا يفعل باستعمال الرّويّة أى النظر في الأمر و عدم التعجيل «و لا يهمّ» أى لا يقصده «و لا يتفكّر» ليعلم حسنه و قبحه.
و الحاصل انّه لا ينظر إلى الفعل ليعلم نفعه و وجه حسنه و لا يهمّه بالشوق و العزم المتأكّد و لا يتفكّر و لا يتأمّل فيه ليعلم حسن عاقبته لتنزّهه عن استعمال الرأى و إحالة الهمّة و تحريك الشوق و العزم و ارتكاب التعمّق في الامور و التفكّر في أمر عاقبتها.
«و هذه الصفات منفيّة عنه تعالى» لأنّها من لواحق النفوس البشريّة و توابع
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 99
الجهل و نقصان العلم و هو سبحانه منزّه عن جميع ذلك «و هي من صفات الخلق» لاحتياجهم في تحصيل مقاصدهم و تكميل أفعالهم على وفق مطالبهم إلى حركات فكريّة و همّة نفسانية و أشواق روحانية و آلات بدنيّة بحيث لو فقدت إحداها بقوا متحيّرين جاهلين لا يجدون إلى وجه الصواب دليلا، و لا إلى طريق الفعل سبيلا.
«فارادة اللّه هي الفعل» أى الايجاد و الاحداث «لا غير ذلك» من الضمير المشتمل على المعاني المذكورة.
و الخمسون أنه (يحبّ و يرضى من غير رقّة) الرّضا و المحبّة قيل: إنهما نظيران و إنما يظهر الفرق بضدّيهما، فالمحبّة ضدّها البغض، و الرضا ضدّه السخط قال الشارح البحراني: الرّضا قريب من المحبّة و يشبه أن يكون أعمّ منها لأنّ كلّ محبّ راض عما أحبّه و لا ينعكس.
و كيف كان فالمراد أنه يحبّ المؤمنين و يرضى عنهم قال سبحانه «مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ» و قال «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ». و قوله: من غير رقّة إشارة إلى أنّ المحبّة و الرّضا بالمعنى الذي يوصف به من اللّه سبحانه ليس بالمعنى الذي يوصف به المخلوق، فانّ المحبّة فينا هو الميل الطبيعي إلى المحبوب بسبب تصوّر اللذّة، و الرّضا هو سكون النفس بالنسبة إلى موافقة و ملائمة عند تصوّر كونه ملايما و موافقا.
و لما كان المحبة و الرّضا بهذا المعنى يستلزم الرّقة القلبيّة و الانفعال النفساني الناشي عن تصوّر المعنى الذي لأجله حصلت المحبّة و الميل إليه و الداعي إلى الرّضا عنه، و كان سبحانه منزّها عن الانفعالات النفسانية و التغيّرات الطبيعيّة لتنزّهه عن قوابلها، لا جرم قال: من غير رقّة.
فالمراد بمحبّته سبحانه إمّا إدراك الكمال في المحبوب أو إرادته سبحانه للثواب و الخير في حقّ العبد و للتكميل له.
فقد قيل في تفسير الاية السابقة أعنى قوله: «يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 100
إنّ محبة اللّه صفة من صفات فعله فهى إحسان مخصوص يليق بالعبد، و محبّة العبد للّه حالة يجدها في قلبه يحصل منها التعظيم و ايثار رضاه و الاستيناس بذكره.
و قيل: محبّته تعالى للعباد إنعامه عليهم و أن يوفقهم لطاعته و يهديهم لدينه الذي ارتضاه، و حبّ العباد أن يطيعوه و لا يعصوه.
و قال بعض المحقّقين: محبّة اللّه للعبد كشف الحجاب عن قلبه و تمكنه من أن يطأ على بساط قربه فانما يوصف به سبحانه باعتبار الغايات لا المبادى، و علامة حبّه للعبد توفيقه للتجافي عن دار الغرور و الترقّي إلى عالم النور و الانس باللّه و الوحشة ممّن سواه و صيرورة جميع الهموم هما واحدا، و المراد رضاه عن العبد قال الشارح المعتزلي: هو أن يحمد فعله، و قال البحراني: رضاه يعود إلى علمه بموافقته لأمره و طاعته له.
و قال الطبرسيّ في تفسير قوله «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ» رضا اللّه سبحانه عنهم هو إرادته تعظيمهم و إثابتهم.
(و) الواحد و الخمسون أنّه (يبغض و يغضب من غير مشقّة) يظهر معنى هذه الفقرة مما قدّمناه في الفقرة السابقة، فانّ البغض ضدّ الحبّ و الغضب ضدّ الرضا فمعنى البغض فينا هو الكراهة للغير و ميل النفس عنه لتصوّر كونه مضرّا و مولما، و يلزم ذلك النفرة الطبيعية و ثوران القوّة الغضبيّة عليه و إرادة إهانته.
و معنى الغضب فينا هو ثوران النفس و حركة القوّة الغضبيّة عن تصوّر الموذي و المولم لإرادة دفعه و الانتقام منه.
و لما كانا مستلزمين لازعاج القلب و غليان دمه و أذى النفس و حصول التعب و المشقّة، و كان وصف اللّه سبحانه بهما بهذا المعنى مستحيلا لتنزّهه من صفات الأجسام لا جرم قيّدهما بقوله: من غير مشقّة.
فالمراد بهما إذا نسبا إلى اللّه سبحانه غاياتهما، و هي إرادة العقوبة و الاهانة و التعذيب.
قال الطبرسي (ره) في تفسير قوله «فلمّا آسفونا انتقمنا منهم» أى أغضبونا،
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 101
و غضب اللّه سبحانه على العصاة إرادة عقوبتهم، و رضاه عن المطيعين إرادة ثوابهم الذي يستحقّونه على طاعتهم.
و في رواية عمرو بن عبيد مع أبي جعفر عليه السّلام و قد قال له قوله تعالى «وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى » ما هذا الغضب؟ فقال عليه السّلام: هو العقاب يا عمرو، إنّه من زعم أنّ اللّه قد زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة المخلوقين.
و في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن العباس بن عمرو عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام أن قال له: فله رضى و سخط فقال: أبو عبد اللّه عليه السّلام: نعم لكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، و ذلك إنّ الرضا حالة تدخل عليه فتنقله من حال إلى حال لأنّ المخلوق أجوف معتمل مركب للأشياء فيه يدخل، و خالقنا لا يدخل للأشياء فيه لأنّه واحد واحدى الذات واحدى المعنى، فرضاه ثوابه و سخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيّجه و ينقله من حال إلى حال، لأنّ ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين.
يعني أنّ عروض تلك الحالات و التغيّرات إنّما يكون لمخلوق أجوف له قابلية ما يحصل فيه و يدخله- معتمل- بالكسر أى يعمل بأعمال صفاته و آلاته أو بالفتح أى مركب يعمل فيه الأجزاء و القوى، و الأوّل أولى ليكون تأسيسا، مركّب من أمور متباينة في الحقيقة مختلفة في الصّورة و الكيفيّة للأشياء من الصفات و الجهات و الكيفيّات النفسانيّة مثل الرّضا و الغضب و غيرهما فيه يدخل و خالقنا لا يدخل للأشياء فيه لاستحالة التركيب عليه، لأنه واحد ليس كمثله شيء واحدى الذات لا تركيب فيه أصلا لا ذهنا و لا خارجا، واحدى المعنى و الصّفات، فاذا لا كثرة فيه لا في ذاته و لا في صفاته الحقيقيّة، و انما الاختلاف في الفعل فيثيب عند الرّضا و يعاقب عند السّخط و الغضب من غير مداخلة شيء فيه يهيجه أى يوجب لهيجانه و ثورانه، و ينقله من حال إلى حال، لأنّ ذلك ينافي وجوب الوجود فلا يكون من صفاته سبحانه بل من صفات المخلوقين العاجزين.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 102
و الحاصل أنّه إذا نسب الرضا و السخط و الحبّ و البغض و الموالاة و المعاداة إلى اللّه سبحانه وجب تأويلها و صرفها إلى معنى يصحّ في حقّه، لأنّ نسبة معانيها المعروفة فينا إليه غير صحيحة.
إذ الرّضا فينا حالة للنفس توجب تغيّرها و انبساطها لايصال النفع إلى الغير أو الانقياد لحكمه.
و السخط حالة اخرى توجب تغيّرها و انقباضها و تحرّكها إلى ايقاع السوء به أو الاعراض عنه.
و المحبّة حالة لها توجب ميلها إليه أو نفس هذا الميل.
و البغض حالة لها توجب الاعراض عنه و ايصال الضرر إليه.
و قريب منهما الموالاة و المعاداة، و كلّ عليه سبحانه محال، فوجب التأويل و التأويل أنّ الرّضا و المحبّة و الموالاة بمعنى الاثابة و الاحسان و ايصال النفع و السخط و البغض و المعاداة بمعنى العقوبة و العذاب و عدم الاحسان و اللّه المستعان.
و الثاني و الخمسون أنّه (يقول لما أراد كونه كن فيكون) قال الشارح البحراني: فارادته لكونه هو علمه بما في وجوده من الحكمة و المصلحة، و قوله:
كن، إشارة إلى حكم قدرته الأزلية عليه بالايجاد و وجوب الصدور عن تمام مؤثريته و قوله: فيكون إشارة إلى وجوده، و دلّ على اللّزوم و عدم التأخر بالفاء المقتضية للتعقيب بلا مهلة.
و في مجمع البيان في قوله «إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون» و التقدير بأن يكوّنه فيكون فعبّر عن هذا المعنى بكن لأنّه أبلغ فيما يراد، و ليس هنا قول و إنما هو إخبار بحدوث ما يريده.
و قال عليّ بن عيسى: الأمر ههنا أفخم من الفعل، فجاء للتفخيم و التعظيم قال: و يجوز أن يكون بمنزلة التسهيل و التهوين، فانّه إذا أراد فعل شيء فعله بمنزلة ما يقول للشيء كن فيكون في الحال و أنشد:
فقالت له العينان سمعا و طاعة و حدرتا كالدّر لمّا يثقّب
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 103
و انما أخبر عن سرعة دمعه دون أن يكون ذلك قولا على الحقيقة و في الكشاف إنّما أمره أى شأنه إذا أراد شيئا إذا دعاه داعي حكمة إلى تكوينه و لا صارف أن يقول له كن أن يكوّنه من غير توقّف فيكون فيحدث أى فهو كائن موجود لا محالة.
مجاز- تمثيل [يقول لما أراد كونه كن فيكون ] فان قلت: ما حقيقة قوله كن فيكون؟
قلت: هو مجاز من الكلام و تمثيل، لأنّه لا يمتنع عليه شيء من المكوّنات و أنّه بمنزلة المأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الامر المطاع، و المعنى أنّه لا يجوز عليه شيء ممّا يجوز على الأجسام إذا فعلت شيئا ممّا تقدر عليه من المباشرة بمحال المقدور و استعمال الالات و ما يتبع ذلك من المشقّة و التعب و اللّغوب، و إنما أمره و هو القادر العالم لذاته أن يخلص داعيه إلى الفعل فيتكون.
و أنت بعد الخبرة بما ذكرنا تعرف أن قوله عليه السّلام احتراس (لا بصوت يقرع و لا بنداء يسمع) من باب الاحتراس، فانّ ظاهر قوله عليه السّلام: يقول لما أراد كونه كن، لما كان موهما أنّ قوله و كلامه تعالى من قبيل الحروف و الأصوات أتى بذلك دفعا لما يسبق إلى و هم العوام و تنبيها على أنّ قول كن منه ليس بلفظ مركب من الكاف و النّون متضمّن بصوت يقرع الأسماع، و لا خطاب قابل للسّماع و الاستماع.
و ذلك لأنّ الصوت كيفيّة حادثة في الهواء حاصلة من تموّجه المعلول للقرع الذي هو أساس عنيف أو القلع الذي هو تفريق عنيف بشرط مقاومة المقروع للقارع و المقلوع للقالع، و يعرض له أى للصّوت كيفيّة مميّزة له عن غيره من الأصوات المماثلة له يسمّى باعتبار تلك الكيفيّة حرفا، فالحرف هي تلك الكيفيّة العارضة عند بعضهم، و ذلك الصوت المعروض عند آخر و مجموع العارض و المعروض عند غيرهم.
و على أىّ تقدير فالحروف الملفوظة المركبة منها الكلام هي من خصايص الانسان يخرج من الحلق و الحنجرة و اللّسان، فيقرع الهواء المجاور لفم اللّافظ و يموّجه صدما بعد صدم مع سكون بعد سكون حتّى يقع و يقرع العصبة المفروشة
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 104
في سطح صماخ السامع فيحصل به السماع و الاستماع.
و لما كان سبحانه منزّها عن الالات البدنيّة و الجوارح الانسانيّة يستحيل أن يخرج منه صوت يصدر منه لفظ، فاذا لا يمكن أن يكون تكوينه للأشياء بكلام ملفوظ أو نداء مسموع و هذا معنى قوله عليه السّلام: لا بصوت يقرع و لا بنداء يسمع، هذا.
و العجب من الشارح البحراني أنّه قال في شرح لا بصوت يقرع: أى ليس بذي حاسّة فيقرعها الصوت، لأنّ الصّوت حال تعرض الأجسام فلو كان له تعالى آلة سمع لكان جسما لكن التالي باطل فالمقدّم مثله انتهى.
و أنت خبير بأنّ هذا الكلام نصّ في أنّ الغرض منه نفى كون تكوينه للأشياء بالأوامر الملفوظة و الخطابات المنطوقة لا نفى كونه ذا سمع و تنزيهه من القوّة السّامعة، هذا.
و لما نفى كون تكوينه بكلام ملفوظ و نداء مسموع و كان المقام مقتضيا لبيان معنى كلامه عزّ و جلّ لا جرم عقّبه بقوله (و انما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه و مثله).
قال الشارح البحراني: أى أوجده في لسان النّبيّ و صوّره في لسانه و سوّى مثاله في ذهنه.
و قال الشارح المعتزلي: مثّل القرآن لجبرئيل أى صوّر مثاله بالكتابة في اللّوح المحفوظ فأنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
(لم يكن) كلامه (من قبل ذلك) الانشاء و الاحداث (كائنا) إذ لو كان كذلك لكان قديما لأنّ القديم ليس إلّا ما لا يكون مسبوقا بالعدم لا يفتقر الانشاء و التكوين (و لو كان قديما) كما زعمه الحنابلة حسبما عرفته في شرح المختار المأة و الثامن و السّبعين لكان واجب الوجود لذاته و لو كان واجب الوجود (لكان إلها ثانيا) لكن التالي باطل فالمقدّم مثله.
و بيان الملازمة أنّه لو لم يكن واجبا بل ممكنا موجودا في الأزل لكان وجوده مفتقرا إلى المؤثّر فذلك المؤثّر إن كان غير ذاته تعالى فهو محال، لأنّه يلزم افتقاره
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 105
تعالى في تحصيل صفته إلى غيره و هو واضح البطلان، و يلزم أيضا أن يكون في الأزل مع اللّه غيره يكون الاستناد إليه في حصول تلك الصفة فيكون إلها ثانيا بل هو أولى بالألوهيّة و هو محال، و إن كان المؤثّر فيه ذاته فهو محال أيضا لأنّ المؤثّر واجب التقدّم بالوجود على الأثر فتعيّن أنه لو كان قديما لكان واجب الوجود لذاته فكان إلها ثانيا.
و أما بطلان التالي فلقيام البراهين العقليّة و النقليّة على وحدانيّته تعالى حسبما مرّ كثير منها في تضاعيف الشرح، و نورد هنا حديث الفرجة الذي هو من غوامض الأحاديث لمناسبته بالمقام و نعقّبه بحلّه و شرحه فأقول: روى في الكافي عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد اللّه عليه السّلام و كان من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام.
لا يخلو قولك إنّهما اثنان من أن يكونا قديمين قويّين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قويا و الاخر ضعيفا، فان كانا قويّين فلم لا يدفع كلّ واحد منهما صاحبه و ينفرد بالتدبير و إن زعمت أنّ أحدهما قوىّ و الاخر ضعيف ثبت أنّه واحد بالربوبية كما نقول للعجز الظاهر في الثّاني و إن قلت إنّهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كلّ وجه أو مفترقين من كلّ جهة.
فلما رأينا الخلق منتظما و الفلك جاريا و التدبير واحدا و اللّيل و النهار و الشمس و القمر دلّ صحّة الأمر و التدبير و ايتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد ثمّ يلزمك ان ادّعيت اثنين فرجة ما بينهما حتّى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما فيلزمك كلانة فان ادّعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتّى يكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة ثمّ تتناهي في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة.
و رواه في البحار من توحيد الصّدوق مسندا عن هشام بن الحكم مثله.
و شرحه على ما شرحه صدر المتألهين في شرح الكافي بتلخيص منّا هو إنّه إشارة إلى حجّتين: إحداهما عامية مشهورة و الاخرى خاصيّة برهانيّة.
أما الاولى فقوله عليه السّلام «لا يخلو قولك- إلى قوله- للعجز الظاهر في الثاني»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 106
و معناه أنه لو فرض قديمان فلا يخلو أن يكون كلاهما قويّين أو كلاهما ضعيفين أو أحداهما قويّا و الاخر ضعيفا و الثلاثة بأسرها باطلة.
أمّا الأوّل فلأنه إذا كانا قويّين و كلّ منهما في غاية القوّة من غير ضعف و عجز كما هو المفروض و القوّة تقتضي القهر و الغلبة على كلّ شيء سواه فما السبب المانع لأن يدفع كلّ واحد منهما صاحبه حتّى ينفرد بالتدبير و الرّبوبية و الغلبة على غيره، إذ اقتضاء القهر و الغلبة و الاستعلا مركوز في كلّ ذي قوّة على قدر قوّته و المفروض أنّ كلّا منهما في غاية القوّة.
و أما فساد الشقّ الثاني فهو ظاهر عند جمهور الناس لما حكموا بالفطرة من أنّ الضعف ينافي الالهيّة و لظهوره لم يذكره عليه السّلام.
و أيضا فساده يعلم بفساد الشقّ الثالث و هو قوله «و إن زعمت أنّ أحدهما قوىّ و الاخر ضعيف ثبت أنه» أى الاله «واحد كما» نحن «نقول للعجز الظاهر» في المفروض ثانيا، لأنّ الضعف منشأ العجز، و العاجز لا يكون إلها بل مخلوقا محتاجا لأنّه محتاج إلى من يعطيه القوّة و الكمال و الخيريّة.
و أما الحجة البرهانية فأشار إليها بقوله «و إن قلت إنهما إثنان» و بيانه أنّه لو فرض موجودان قديمان فامّا أن يتّفقا من كلّ جهة أو يختلفا من كلّ جهة أو يتّفقا بجهة و يختلفا باخرى و الكلّ محال.
أمّا بطلان الأوّل فلأنّ الاثنينيّة لا تتحقّق إلّا بامتياز أحد الاثنين عن صاحبه و لو بوجه من الوجوه.
و أمّا بطلان الثاني فلما نبّه عليه بقوله «فلما رأينا الخلق منتظما» و تقريره أنّ العالم كلّه كشخص واحد كثير الأجزاء و الأعضاء مثل الانسان، فانا نجد أجزاء العالم مع اختلاف طبائعها الخاصة و تباين صفاتها و أفعالها المخصوصة يرتبط بعضها ببعض و يفتقر بعضها إلى بعض، و كلّ منها يعين بطبعه صاحبه و هكذا نشاهد الأجرام العالية و ما ارتكز فيها من الكواكب النيّرة في حركاتها الدّوريّة و أضوائها الواقعة منها نافعة للسّفليات محصّلة لأمزجة المركبات التي يتوقّف عليها صور
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 107
الأنواع و نفوسها و حياة الكاينات و نشوء الحيوان و النبات، فاذا تحقق ما ذكرنا من وحدة العالم لوحدة النظام و اتصال التدبير دلّ على أنّ إلهه واحد و إليه أشار بقوله «دلّ صحّة الأمر و التدبير و ائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد».
و أمّا بطلان الشق الثالث و هو أنهما متّفقان من وجه و مختلفان من وجه آخر فبأن يقال كما أشار إليه بقوله «ثمّ يلزمك» أنّه لا بدّ فيهما من شيء يمتاز به أحدهما عن صاحبه و صاحبه عنه، و ذلك الشيء يجب أن يكون أمرا وجوديّا يوجد في أحدهما و لم يوجد في الاخر أو أمران وجوديّان يختصّ كلّ منهما بواحد، و أمّا كون الفارق المميّز بكلّ منهما عن صاحبه أمرا عدميّا فهو ممتنع بالضرورة، إذ الاعدام بما هي إعدام لا تمايز بينها و لا تميز بها، فاذا فرض قديمان فلا أقلّ من وجود أمر ثالث يوجد لأحدهما و يسلب عن الاخر، و هو المراد بالفرجة، إذ به يحصل الانفراج أى الافتراق بينهما لوجوده في أحدهما و عدمه في الاخر، و هو أيضا لا محالة قديم موجود معهما و إلّا لم يكونا اثنين قديمين، فيلزم أن يكون القدماء ثلاثة و قد فرض اثنان و هذا خلف، ثمّ يلزم من كونهم ثلاثة أن يكونوا خمسة و هكذا إلى أن يبلغ عددهم إلى ما لا نهاية و هو محال.
أقول: و لا يخفى عليك أنه يمكن جعل الحديث الشّريف إشارة إلى ثلاث حجج:
إحداها ما أشار إليه بقوله: لا يخلو قولك إلى قوله: للعجز الظاهر في الثاني.
و ثانيها ما أشار إليه بقوله: و إن قلت إنهما اثنان إلى قوله: دلّ على أنّ المدبّر واحد.
و ثالثها ما أشار إليه بقوله: ثمّ يلزمك، إلى آخر الحديث، فعليك بالتأمل في استخراجها و اللّه الموفق.
الترجمة:
ادراك نمى كند او را عقلها تا اين كه مقدّر بقدر معيّني نمايند او را و بوهم و خيال نمى آورد او را ذكاوتها تا اين كه مصوّر بصورت شخصى كنند او را، و درك نمى كند او را حواس ظاهره و باطنه تا اين كه احساس بكند او را، و طلب مس او نمى كند دستها تا اين كه مس نمايند او را، متغيّر نشود بهيچ حال، متبدّل نشود در أحوال و أوصاف.
كهنه و فانى نمى كند او را شبها و روزها، تغيير نمى دهد او را روشنى و تاريكى وصف نمى شود با چيزى از اجزاء، و نه با جوارح و اعضا، و نه با عرضى از اقسام اعراض، و نه با مغايرت و ابعاض يعنى متّصف بأجزاء نيست كه بعضي مغاير بعضى بوده باشد.
گفته نمى شود از براى او حدّى و نه نهايتي، و نه از براى بقاء او انقطاعى و نه غاية و منتهائى، و گفته نمى شود در حق او كه أشياء فرو گرفته او را تا بلند گردانند او را يا پست نمايند يا اين كه چيزى بردارد او را تا ميل دهد او را بطرفى، يا بعدل نگه دارد او را.
نيست پروردگار حلول كننده در چيزها، و نه بيرون بوده از آنها، خبر مى دهد نه بواسطه زبان و پاره گوشتهائى كه در آخر دهان از طرف بالا متصل بزبان است، و مى شنود نه بواسطه سوراخهاى گوش و آلتهاى شنفتن، مى گويد پروردگار و احداث نمى كند لفظ را كه معتمد بر تقاطع و مخارج است و از لوازم بشر است، و ميداند و ياد مى دارد خدا همه چيز را و نمى باشد دانستن او از جهت عادت كردن و كثرت مراجعه، يا اين كه خدا نگه مى دارد همه چيز را و احتياج ندارد بچيزى كه خودش با او نگه دارد، و اراده ميكند و چيزى در دل پنهان نمى كند، زيرا كه دل ندارد و دوست مى دارد و خوشنود مى شود بدون آنكه رقّتى و تغيّرى در ذات اقدسش پيدا بشود، و دشمن مى دارد و غضب مى نمايد بدون اين كه او را زحمت و گرفتگى حاصل بشود مى فرمايد مر آن چيزى را كه خواسته است بودنش را باش پس مى شود، لكن گفتن خدا نه با صدائيست كه بگويد هوا با صماخ گوش را و نه با خواندني كه شنفته شود، و اينست جز اين نيست گفتار خدا فعليست كه ايجاد كرده او را و مصوّر بيك صورتى كرده و نبود پيش از ايجاد موجود و اگر بنا باشد كه كلام إلهى قديم باشد چنانچه حنابله مى گويند هر آينه اين خداى دويم ميباشد.