منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 57
لا يقال كان بعد أن لم يكن فتجري عليه الصّفات المحدثات (صفات المحدثات خ ل)، و لا يكون بينها و بينه فصل و لا له عليها فضل فيستوي الصّانع و المصنوع، و يتكافأ المبتدع و البديع، خلق الخلايق على غير مثال خلا من غيره، و لم يستعن على خلقها بأحد من خلقه. و أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، و أرساها على غير قرار و أقامها بغير قوائم، و رفعها بغير دعائم، و حصّنها من الأود و الاعوجاج و منعها من التّهافت و الانفراج، أرسى أوتادها، و ضرب أسدادها، و استفاض عيونها، و خدّ أوديتها، فلم يهن ما بناه، و لا ضعف ما قوّاه. هو الظّاهر عليها بسلطانه و عظمته، و هو الباطن لها بعلمه و معرفته و العالي على كلّ شيء منها بجلاله و عزّته، لا يعجزه شيء منها طلبه و لا يمتنع عليه فيغلبه، و لا يفوته السّريع منها فيسبقه، و لا يحتاج إلى ذيمال فيرزقه، خضعت الأشياء له، و ذلّت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره، فتمتنع من نفعه و ضرّه، و لا كفوء له فيكافئه، و لا نظير له فيساويه.
المعنى:
الثالث و الخمسون أنّه عزّ و جلّ (لا يقال) في حقّه (كان بعد أن لم يكن) هو نظير قوله عليه السّلام في الفصل السّادس من المختار الأوّل: كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، أى ليس وجوده بمحدث مسبوق بالعدم، بل هو قديم أزليّ واجب الوجود
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 108
لذاته أو توضح أن يقال في حقّه ذلك لاتّصف بالحدوث (فتجرى عليه الصّفات المحدثات) و في بعض النسخ صفات المحدثات بالاضافة و هو الأنسب الأحسن بعود الضميرين الاتيين في بينها و عليها إليها.
و على أىّ تقدير فالغرض أنّ وصفه بالكينونية بعد العدم أى وصفه بوصف الحدوث مستلزم لجريان الصّفات المحدثات أو صفات المحدثات عليه، لكن التالي أعني جريان تلك الصفات عليه باطل فالمقدّم مثله.
و أشار إلى بطلان التّالي بقوله (و لا يكون بينها) أى الصّفات المحدثات «1» أو نفس المحدثات (و بينه) تعالى شأنه (فصل) لاشتراكهما في الحدوث و الامكان (و لا له عليها فضل) لاستوائهما في الافتقار و الحاجة إلى المحدث (فيستوى) إذا (الصانع و المصنوع و يتكافأ المبتدع) أى يتماثل المخترع من الموجودات (و البديع) أى المبدع الصانع سبحانه.
فالفعيل بمعنى فاعل قال تعالى: بديع السّموات و الأرض، و عن نسخة الرضي و يتكافا المبدع و البديع و معناه كما ذكرنا و عن نسخة أخرى المبدع بكسر الدّال و البديع، فالمراد بالأوّل الصّانع، و بالثاني المصنوع المبدع فالفعيل على ذلك بمعنى المفعول.
و على أىّ تقدير فالغرض أنّ اتّصافه بصفات المحدثات مستلزم لاشتراكه معها في وصف الحدوث و هو ظاهر البطلان، بيّن الاستحالة.
و الرابع و الخمسون أنّه (خلق الخلايق على غير مثال خلا) أى مضى و سبق (من غيره) يعني فعله و صنعه بعنوان الابداع و الاختراع فهو الخالق للأشياء على غير مثال امتثله، و لا مقدار احتذى عليه من معبود خالق كان قبله، و قد عرفت تحقيقه في شرح الفصل السّابع من المختار الأوّل و شرح الفصل الثّاني من المختار التّسعين.
______________________________
(1) الترديد على اختلاف نسختى فى مرجع الضمير (منه)
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 109
و الخامس و الخمسون أنّه (لم يستعن على خلقها) أى الخلايق (بأحد من خلقه) و إلّا لكان ناقصا بذاته مفتقرا إلى من هو مفتقر إليه و هو محال.
(و) السادس و الخمسون أنّه عزّ و جلّ خالق الأرض و باسطها مشتملة على ما فيها من بدايع الصنع، و عجائب القدرة و دلائل الكبرياء و العظمة، و قد مضى شرح واف لهذا المعنى في شرح الفصل الثالث و الثامن من المختار الأوّل و شرح الفصل السادس من المختار التسعين و أشار هنا إلى بعض ما فيها من شواهد الربوبيّة و براهين التوحيد و التفريد فقال: (أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال) أى أمسكها على بين الماء «كذا» بقدرته الكاملة من غير أن يشتغل بامساكها عن ساير أفعاله و صنايعه، فانّه لا يشغله شأن عن شأن و هو تنزيه له عن الصّفات البشرية، فانّ الواحد منّا إذا أمسك جسما ثقيلا اشتغل به عن ساير اموره.
(و أرساها على غير قرار) أي أثبتها على غير قرار يعتمد عليه و لا مقرّ يتمكّن عليه.
(و أقامها بغير قوائم) أى أقامها على مور أمواج مستفحلة، و لجج بحار زاخرة بغير قوائم يقوم عليها.
(و رفعها بغير دعائم) أى رفعها على الماء بغير عماد و دعامة تعلو عليها و تستند إليها.
(و حصّنها من الاود و الاعوجاج) أى جعلها حصينة منيعة من أن تميل عن مركزها الحقيقي و تعوج إلى أحد جوانب العالم.
(و منعها من التهافت و الانفراج) أى جعلها كرة واحدة ثابتة في حيّزها و منعها من أن تتساقط قطعا و ينفرج بعض أجزائها عن بعض.
(أرسى أوتادها) أى أثبت فيها الجبال الراسيات التي هي لها بمنزلة الأوتاد المانعة لها من الميدان و الاضطراب على ما عرفت تحقيقه في شرح الفصل الثّالث من المختار الأوّل.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 110
(و ضرب أسدادها) أى نصب بين بقاعها و بلادها على اقتضاء الحكمة و المصلحة أسدادا حاجزة و حدودا مايزة من الجبال الراسية و الأنهار الجارية و نحوها قال تعالى «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا».
(و استفاض عيونها) أى أفاض العيون و أجرى منها الماء الذي هو مادّة حياة الأحياء (و خدّأ أوديتها) أى شقّها و جعلها مراتع للبهائم و مزارع للناس لعلّهم يعقلون و لما عدّ عليه السّلام عددا من بدايع الصّنع و آثار العظمة فرّع عليه قوله: (فلم يهن ما بناه و لا ضعف ما قواه) تنبيها على عظمة صانعها و مبدعها، لأنّ عدم تطرّق الوهن و الضعف على تلك الاثار مع طول الزمان و مرور الدهور كاشف عن كمال قدرة المؤثّر و قوّته و عظمته.
و السابع و الخمسون ما أشار إليه بقوله (هو الظاهر عليها بسلطانه و عظمته) أى الغالب القاهر على الأرض و ما فيها باستيلاء قدرته و قوّته و سلطنته القاهرة و عظمته الباهرة.
و الثامن و الخمسون ما أشار إليه بقوله (و هو الباطن لها بعلمه و معرفته) أى الخبير عليها و على ما فيها بعلمه الذى لا يعزب عنه شيء و لما كان المتبادر من الظهور و البطون الظهور و البطون الحسّيّين قيّد الأوّل بالسلطان و العظمة و الثّاني بالعلم و المعرفة تنبيها على أنّ المراد بهما إذا نسبتا إلى اللّه سبحانه ليس معناهما المتعارف لاستحالته في حقّه تعالى و اختصاصه بالأجسام و الجسمانيّات بل معنى آخر يليق بذاته و لا ينافي قدسه.
(و) التاسع و الخمسون أنّه (العالي على كلّ شيء منها) لا بالعلوّ الحسّي المتصوّر في الأجسام كما يزعمه المجسّمة القائلون بأنه على العرش متشبّثين بقوله:
الرّحمن على العرش استوى، لما عرفت مرارا فساد هذا الزعم كما عرفت تأويل الاية الشريفة بل بالعلوّ المعنوىّ و هو العلوّ (بجلاله و عزّته) و المراد بجلاله تنزّهه عن صفات النقصان و تقدّسه عن عوارض الامكان، فهو باعتبار تنزّهه عنها في أوج الكمال الأعلى، و المراد بعزّته قهره و غلبته و سلطانه.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 111
الستون أنّه (لا يعجزه شيء منها طلبه) لتمام سلطانه و قدرته و افتقار جميع من سواه إليه في وجوده و بقائه و تقلّباته فكيف يتصوّر أن يعجز من هو محتاج في ذاته و صفاته و حركاته و سكناته و جميع حالاته إليه قال عزّ من قائل: «و ما كان اللّه ليعجزه من شيء في السموات و لا في الأرض إنّه كان عليما قديرا» (و) الواحد و الستون (لا يمتنع عليه شيء فيغلبه) لما قلناه من تمام سلطانه و كمال قدرته و افتقار كلّ إليه، فلا رادّ لقضائه و لا دافع لحكمه كما قال في كتابه العزيز: «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ وَ كانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً» و في آية أخرى «وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً».
(و) الثاني و الستون أنّه (لا يفوته السريع منها فيسبقه) أى لا يفوته سريع السير و الحركة من الأشياء فيسبقه بقوّة حركته، لاستلزام ذلك نقصا في قدرته و عجزا في ذاته و لاستواء نسبة الأمكنة و المكانيّات و الأزمنة و الزمانيّات إليه سبحانه قال تعالى: «كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ. فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ. عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ» .
قال الطبرسيّ: يعني أنا نقدر على أن نهلكهم و نأتي بدلهم بقوم آخرين خيرا منهم و أنّ هؤلاء الكفار لا يقوون بأن يتقدّموا على وجه يمنع من لحاق العذاب بهم فانهم لم يكونوا سابقين و لا العقاب مسبوقا منهم، و التقدير و ما نحن بمسبوقين لفوت عقابنا إيّاهم فانهم لو سبقوا عقابنا لسبقونا.
(و) الثالث و الستون أنّه (لا يحتاج إلى ذى مال فيرزقه) لأنّه الغنيّ المطلق و ما سواه مفتقر إليه فكيف يفتقر إلى ما هو محتاج إليه، و المقصود بذلك و بما سبق كلّه تنزيهه من الصّفات البشريّة.
و الرابع و الستون أنّه (خضعت الأشياء) كلّها (له و ذلّت مستكينة) خاضعة مهانة (لعظمته) لكونها جميعا أسيرة في قيد الامكان مقهورة في سلسلة الحدوث و الافتقار و النقصان.
فحيث كانت بهذه المثابة من الذّلّ و الانقهار ف (لا تستطيع الهرب) و الفرار
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 112
(من سلطانه الى غيره) لأنّ الهارب و المهروب إليه سيّان في جهة التّذلل و الافتقار و كلّ شيء خاشع له، و كلّ قوىّ ضعيف عنده، و كلّ عزيز ذليل لديه.
و على ذلك (ف) لا يمكن للهارب أن (يمتنع) بالهرب إلى الغير و الاعتصام به (من نفعه و ضرّه) أى مما قضاه اللّه سبحانه في حقّه و قدّره من النفع و الضرر.
فان قلت: الممتنع إنّما يمتنع من الضرر و الهارب يهرب منه دون المنفعة فما معنى قوله: من نفعه؟
قلنا: المراد منه سلب القدرة على تقدير امتناعه منه و الاشارة الى أنه قادر على ردّ شيء مما قدّره اللّه في حقّه مطلقا و أنه لا عاصم له من أمر اللّه أصلا، فهو نظير قوله سبحانه: «قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً» أى من ذا الّذي يدفع عنكم قضاء اللّه و يمنعكم من اللّه إن أراد بكم عذابا و عقوبة أو أراد بكم رحمة فانّ أحدا لا يقدر على ذلك، و لا يجدون من دون اللّه وليّا يلي امورهم و لا نصيرا ينصرهم و يدفع عنهم.
(و) الخامس و الستون (لا كفوء له فيكافئه و لا نظير له فيساويه) أى ليس له سبحانه مكافىء و مماثل إذ لو فرضنا له مكافئا في رتبة الوجود فذلك المكافئ لو كان ممكن الوجود كان محتاجا إليه متأخّرا عنه في الوجود فكيف يكون مكافئا له في رتبة الوجود.
و إن كان واجب الوجود فهو ينافي الأحديّة و يستلزم التركيب لأنّ كلّ ما له مثل فذاته مركب من جزئين أحدهما جهة الاتّحاد و المجانسة و الثاني جهة الامتياز و الاثنينيّة.
و أيضا لا يتشخّص المهيّة المشتركة بين شيئين أو الأشياء إلّا بواسطة المادّة الجسمانية و علائقها و هو سبحانه لبرائته من الأجسام و المواد و لكون إنيّته نفس مهيّته و ليس له مهيّة سوى الهويّة المحضة الوجوديّة كما اشير إليه في قوله: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» لا يكون له مثل أصلا.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 113
و بتقرير أوضح نقول إنّه سبحانه واحد أحد أحدى الذات فلا يمكن أن يكون له مماثل و مكافي.
بيان ذلك أنّ كلّ مهيّة مركبة فهي مفتقرة إلى كلّ واحد من أجزائه، و كلّ واحد من أجزاء الشيء غيره، فكلّ مركب مفتقر إلى غيره و كلّ مفتقر إلى غيره متأخّر عنه فهو ممكن محتاج في وجوده إلى ذلك الغير فلم يكن إلها واجب الوجود، و الإله الذى هو مبدء لجميع الممكنات يمتنع أن يكون مركبا ممكنا فهو في نفسه أحد و إذا ثبت كونه أحدا ثبت كونه واحدا فردا إذ لو لم يكن فردا لكان له مجانس أو مماثل يشاركه في الوجود و لكان امتيازه عنه بمميّز فصليّ فيعود التركيب هذا خلف.
الترجمة:
گفته نمى شود بود خدا پس از اين كه نبود تا اين كه جارى باشد در او صفات تازه يا صفات چيزهاى تازه، و نباشد در اين وقت فرقى ميان خدا و آنها، و نباشد مر خدا را بر آنها زيادتى و برترى، پس خالق و مخلوق برابر ميشوند و متماثل مى شود آفريننده و آفرينش شده. آفريد مخلوقات را بر غير صورتى كه از كس دگر يادگار بوده باشد و كمك نگرفت بر خلقشان احدى از خلق را.
و آفريد زمين را پس نگه داشت او را بى اين كه اين كارش واگذارد از كارهاى ديگر، و ثابت كرد او را نه بر بالاى چيزى كه بر او تكيه بدهد، و بر پا داشت او را بدون اين كه او را دست و پا بوده باشد، و برداشت او را بيستونها، و منع كرد زمين را از كجى و انحراف، و منع كرد او را از افتادن و پاره شدن، و ثابت گردانيد ميخهاى زمين يعني كوهها را، و نصب نمود سدهاى او را، و جارى گردانيد چشمهايش و پاره كرد بيابانهايش پس سست نشد چيزى كه او بنا كرد، و نه ضعيف شد چيزى كه خدا قوّتش داد.
و او است غالب بر زمين بپادشاهى و بزرگى خود، و او است آگاه بر او بدانائى و معرفتش، و برتر است بهر چيزى از او بجلال و عزّتش، عاجز نمى كند او را چيزى كه از آن مى طلبد، و امتناع و نافرمانى ندارد بر او تا غالب آيد بر او، و فوت نمى شود شتابنده از آن تا پيش دستى كند بر او، و احتياج ندارد بسوى صاحب مالي تا روزى بدهند مر او را.
پست شدند چيزها براى او، و ذليل شدند در غايت خوارى بواسطه بزرگيش اقتدار ندارند گريختن را بسوى ديگرى تا اين كه امتناع و خوددارى نمايند از نفع و ضرر خدا، و نيست مر او را مثلى تا مماثلت نمايد با او، و نه مانندى هست او را تا مساوى باشد او را.