منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 221
أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه، فإنّها حقّ اللّه عليكم، و الموجبة على اللّه حقّكم، و أنّ تستعينوا عليها باللّه، و تستعينوا بها على اللّه، فإنّ التّقوى في اليوم الحرز و الجنّة، و في غد الطّريق إلى الجنّة، مسلكها واضح، و سالكها رابح، و مستودعها حافظ، لم تبرح عارضة نفسها على الامم الماضين و الغابرين لحاجتهم إليها غدا إذا أعاد اللّه ما أبدا،
و أخذ ما أعطى، و سئل ما أسدى، فما أقلّ من قبلها، و حملها حقّ حملها أولئك الأقلّون عددا، و هم أهل صفة اللّه سبحانه إذ يقول- و قليل من عبادي الشّكور- فأهطعوا بأسماعكم إليها، و أكظّوا بجدّكم عليها، و اعتاضوها من كلّ سلف خلفا، و من كلّ مخالف موافقا، أيقظوا بها نومكم، و اقطعوا بها يومكم، و أشعروا بها قلوبكم، و أرحضوا بها ذنوبكم، و داووا بها الأسقام، و بادروا بها الحمام، و اعتبروا بمن أضاعها، و لا يعتبرنّ بكم من أطاعها، ألا و صونوها و تصوّنوا بها.
اللغة:
و (اهطع) في عدوه أى أسرع و أهطع البعير إذا مدّ عنقه و صوّب رأسه، و في بعض النسخ بدل فاهطعوا فانقطعوا بأسماعكم، فلا بدّ من التضمين أى انقطعوا مستمعين بأسماعكم.
و (اكظوا) أمر من الكظّ و هو الجهد يقال كظّه الأمر جهده و الكظاظ طول الملازمة و شدّة الممارسة، و في بعض النسخ: و ألظوّا من ألظّ في الأمر أى ألحّ فيه و ألظّ المطر أى دام و في بعض النسخ: و واكظوا من المواكظة و هى المداومة على الأمر و (الجدّ) في الشيء بالكسر المبالغة و الاجتهاد فيه و (رحضت) الثوب رحضا من باب منع غسلته.
المعنى:
ثمّ شرع فيما هو الغرض الأصلي من الخطبة و هو النّصح و الموعظة فقال:
(اوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه فانّها حقّ اللّه عليكم) لما كان التقوى عبارة عن إتيان الواجبات و اجتناب المنهيات جعلها حقّا للّه سبحانه، إذ حقّه على عباده أن يعبدوه و يوحّدوه كما قال عزّ من قائل «وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ».
مشاكلة (و الموجبة على اللّه حقّكم) أى جزاءكم، و أتى بلفظ الحق للمشاكلة و مثله ما صدر عن صدر النّبوة في رواية معاذ المتقدّمة في شرح الفصل الرابع من المختار الأوّل قال: كنت رفقت النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال يا معاذ هل تدرى ما حقّ اللّه على العباد؟
يقولها ثلاثا قلت: اللّه و رسوله أعلم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حقّ اللّه عزّ و جلّ على العباد أن لا يشركوا به شيئا، ثمّ قال: هل تدري ما حقّ العباد على اللّه إذا فعلوا ذلك؟
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 250
قلت: اللّه و رسوله أعلم، قال: ألّا يعذّبهم أو قال ألّا يدخلهم النار.
حسن المقابلة (و أن تستعينوا عليها باللّه و تستعينوا بها على اللّه) لا يخفي ما في هذه القرينة من حسن المقابلة، و المراد بالاستعانة عليها باللّه أن يطلب منه سبحانه التوفيق و الاعانة على تحمل مشاقّ التكاليف الشرعيّة، و بالاستعانة بها على اللّه الاستعداد بها على الوصول الى قرب الحق و جواره و ساحل عزّته و جلاله.
وضع المظهر موضع المضمر (فانّ التقوى في اليوم الحرز و الجنّة) لم يقل فانها بل وضع المظهر موضع المضمر لزيادة التمكين في ذهن السامع كما في قوله: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ» أو ايهام الاستلذاذ بذكره كما في قوله:
ليلاى منكنّ أم ليلا من البشر
يعني أنها في دار الدّنيا حرز حريز و حصن حصين يمنع المتحرّز بها و المتحصّن فيها من شرّ الأعداء كما قال تعالى «إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ» و هي جنّة و ترس يبقي المستتر بها من شدائد الدّنيا كما قال سبحانه «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً».
(و في غد الطريق إلى الجنّة) أى في يوم القيامة طريق إلى الجنّة و الخلود فيها كما قال عزّ و جلّ «وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ».
(مسلكها واضح) جلي و هي جادّة الشريعة و أيّ مسلك أوضح منها (و سالكها رابح) ملّى لأنّه يسلك بها الجنّة و أىّ سفر أربح منها تشبيه (و مستودعها حافظ) لما كان التقوى زادا للاخرة شبّهها بالوديعة المودعة عند اللّه سبحانه و جعله تعالى بمنزلة المستودع، أى قابل الوديعة، و المراد أنّ مستودع التقوى و هو اللّه سبحانه حافظ لهذه الوديعة الّتي هو زاد الاخرة من التلف و الضّياع كما قال تعالى «إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا».
و يجوز أن يراد بالمستودع الملائكة الحفظة الّتي هي وسايط بين الخلق و بين اللّه، فانهم لما كانوا مأمورين بكتابة أعمال العباد و حفظها و ضبطها كما قال تعالى «وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ» شبّههم بالمستودع أى المستحفظ الّذي يطلب منه حفظ الوديعة.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 251
ثمّ أشار إلى عموم منفعتها و عدم اختصاص مطلوبيّتها بالمخاطبين فقال: (لم تبرح عارضة نفسها على الامم الماضين منكم و الغابرين) أى لم تزل تعرض نفسها على اللّف و الخلف كالمرأة الصالحة الحسناء العارضة نفسها على الرجال للتزويج و الاستمتاع و الانتفاع منها في محن الدّهر و نوائب الزّمان و كذلك هذه عرضت نفسها على الامم لينتفعون بها في الدّنيا.
(و لحاجتهم إليها غدا) أى في العقبى (إذا أعاد اللّه ما أبدا و أخذ ما أعطى و سأل عمّا أسدى) يعني أنهم محتاجون إليها إذا أنشر اللّه الموتى و إذا أخذ من الناس ما خوّلهم من متاع الدّنيا، و إذا سأل العباد عما أسدى و أحسن إليهم من النعم و الالاء، أو إذا سأل عما أسداه و أهمله من الجوارح و الأعضاء.
و إنما كانوا محتاجين إليها في تلك الأحوال لوقايتها لهم من أهوال ذلك اليوم و داهي هذه الأحوال، فالمتقون بما لهم من التقوى من فزع النشر و المعاد آمنون، و إلى زادهم حين أخذ ما أعطى مطمئنّون، و بصرف ما أسدى إليهم من الأموال في مصارفه و ما أسداه من الأعضاء في مواقعها من مناقشة السؤال سالمون كما قال عزّ من قائل «فَمَنِ اتَّقى وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ» و قال «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً» «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً» «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً».
و أما غير المتّقين فعند نشرهم يمسّهم العذاب بما كانوا يفسقون، و حين اخذ ما اعطى فانهم إذا لخاسرون، و إذا سئل عما أسدى فيخاطبون بخطاب قفوهم انهم مسئولون، فاليوم نختم على أفواههم و تكلّم أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون.
ثمّ تعجب من قلّة الاخذين بالتقوى مع كونها محتاجا فقال: (فما أقلّ من قبلها و حملها حقّ حملها) أى شرايطها و وظايفها المقرّرة الموظفة (اولئك الأقلّون و هم أهل صفة اللّه سبحانه) أى القابلون الحاملون لها الّذين وصفهم اللّه تعالى في كتابه (إذ يقول) في حقّهم (و قليل من عبادى الشكور) ربما فسّر الشكور
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 252
بمن تكرّر منه الشكر و قيل: الشكور المتوفر على أداء الشكر بقلبه و لسانه و جوارحه أكثر أوقاته و قيل: الشكور من يرى عجزه عن الشكر و قال ابن عباس أراد به المؤمن الموحّد و في هذا دلالة على أنّ المؤمن الشاكر يقلّ في كلّ عصر و زمان.
أقول: و يحتمل أن يراد بالشكور كثير الطاعة للّه و يشهد به ما رواه في الكافي عن الباقر عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند عايشة ليلتها فقالت يا رسول اللّه لم تتعب نفسك قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخّر، فقال: يا عايشة أما أكون عبدا شكورا.
و لما ذكر ثمرات التقوى و نبّه على الاحتياج إليها غدا أمر المخاطبين بالمواظبة عليها فقال: (فاهطعوا باسماعكم إليها) أى أسرعوا بأسماعكم إلى سماع وصفها و نعتها لتعرفوها حقّ المعرفة و تعملوا على بصيرة (و أكظوا بجدّكم عليها) أى اجهدوا و داوموا بالجدّ و المبالغة (و اعتاضوها من كلّ سلف خلفا) أى اجعلوها عوضا من جميع ما سلف بكم و خذوها خلفا منه لأنّه خير خلف محصّل للسعادة الأبديّة و العناية السرمدية (و من كلّ مخالف موافقا) الظاهر أنّ المراد بالمخالف و الموافق المخالف لطريق الحقّ و الموافق له، فيكون المعني اجعلوا التقوى حال كونها موافقا لطريق الحقّ عوضا و بدلا من كلّ ما يخالف طريقه و (ايقظوا بها نومكم و اقطعوا بها يومكم) الظاهر أنّه أراد بهما قيام اللّيل و صيام النهار و اللذين هما من مراسم التقوى، و يحتمل أن يكون المراد بالأوّل الأمر بالانتباه بها من نوم الغفلة، و بالثاني الأمر بختم النهار بالعبادة.
(و أشعروا بها قلوبكم) قال الشارح المعتزلي يجوز أن يريد اجعلوها شعارا لقلوبكم، و هو ما دون الدثار و ألصق بالجسد منه، و يجوز أن يريد اجعلوها علامة يعرف بها القلب التقي من القلب المذنب كالشعار في الحرب يعرف به قوم من قوم، و يجوز أن يريد الاشعار بمعني الاعلام من أشعرت زيدا بكذا أى عرفته اياه أى اجعلوها عالمة بجلالة موقعها و شرف محلها.
(و ارحضوا بها ذنوبكم) أى اغسلوها بها لأنّها كفّارة لها كما قال تعالى «وَ مَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً»
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى)، ج 11، ص: 253
(و داووا بها الأسقام) أى أسقام الذّنوب و أمراض القلوب (و بادروا بها الحمام) أى الموت.
(و اعتبروا بمن أضاعها و لا يعتبرن بكم من أطاعها) أمرهم بالاعتبار بالامم الماضية قبلهم ممّن أضاع التقوى و اتّبع الهوى فأخذه اللّه نكال الاخرة و الاولى إنّ في ذلك لعبرة لمن يخشى قال تعالى «وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ. فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» و نهيهم عن كونهم عبرة للمطيعين و هو في الحقيقة نهي عن دخولهم في زمرة المضيّعين، أى ادخلوا في حزب المطيعين لتعتبروا بغيركم و لا تدخلوا في حزب المضيّعين حتّى يعتبر بكم غيركم.
(ألا و صونوها و تصوّنوا بها) أى صونوها حق الصّيانة و احفظوها من شوب العجب و الرياء و السمعة و تحفظوا أنفسكم بها لأنها الحرز و الجنّة.
الترجمة:
وصيّت ميكنم شما را أى بندگان خدا بپرهيزكارى پروردگار، پس بدرستى كه تقوى حق خدا است بر ذمه شما، و واجب كننده است حق شما را بر خدا، و وصيت ميكنم باين كه استعانت نمائيد بر تقوى از خدا، و استعانت نمائيد از تقوى بر خدا، پس بتحقيق كه تقوى در اين روز دنيا پناه است و سپر، و در فرداى آخرت راه است ببهشت، راه آن تقوى واضح است و آشكار، و راه رونده آن صاحب ربح است و با منفعت، و أمانت گيرنده آن حافظ است آنرا از تلف.
هميشه تقوى اظهار كننده است نفس خود را بر امّتهاى كه گذشته اند و باقى مانده بجهت حاجت ايشان بان در فردا زمانى كه باز گرداند خدا آنچه را كه ايجاد فرموده بود، و بگيرد آنچه را كه عطا نموده بود، و سؤال نمايد از چيزى كه احسان كرده بود، پس چه قدر كم است اشخاصى كه قبول تقوا كردند و برداشتند آنرا حق برداشتن آن جماعت متقيان كم اند از حيثيّت عدد، و ايشان كسانى هستند كه وصف فرموده خدا ايشان را در كتاب مجيد خود وقتى كه مى فرمايد- و قليل من عبادى الشكور- يعنى اندك است از بندگان من شكر كننده.
پس بشتابيد بسمعهاى خود بسوى شنيدن منافع تقوى، و مداومت نمائيد با جد و جهد خودتان بر تقوى، و عوض نمائيد آن را از هر گذشته از جهت خلف صالح بودن، و عوض نمائيد آنرا از هر چيزى كه مخالف طريق حق است در حالتى كه آن موافق حق است، و بيدار نمائيد با آن تقوى خواب خود را، و ببريد با آن روز خود را، و شعار قلبهاى خود نمائيد آن را، و بشوئيد با آن گناهان خود را، و دوا نمائيد با آن ناخوشيهاى خود را، و مبادرت كنيد با آن بسوى مرگ، و عبرت بگيريد با كسى كه ضايع ساخت تقوى را. و البته نبايد عبرت گيرد با شما كسى كه اطاعت نمايد بان، آگاه باشيد پس نگاه داريد تقوى را و نگاه دارى كنيد با آن نفس خود را.